الخصائص
الكبرى فَوَائِد فِي تعدد الاسراء والنكات فِيهِ
ذهب كَثِيرُونَ إِلَى أَن الاسراء وَقع مرَّتَيْنِ وَجمع بذلك بَين
الِاخْتِلَاف الْوَاقِع فِي الْأَحَادِيث وَمِمَّنْ اخْتَار هَذَا القَوْل
ابو نصر الْقشيرِي وَابْن الْعَرَبِيّ والسهيلي وَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين
بن عبد السَّلَام وَقع الاسراء فِي النّوم وَفِي الْيَقَظَة وَوَقع
بِمَكَّة
(1/297)
وبالمدينة ونكتة وُقُوعه فِي النّوم توطين
النَّفس وتمهيدها ليسهل ذَلِك عَلَيْهِ إِذا وَقع فِي الْيَقَظَة كَمَا
كَانَ بدؤ نبوته الرُّؤْيَا الصادقة ليسهل عَلَيْهِ أَمر النُّبُوَّة وَذهب
ابو شامة إِلَى وُقُوع الْمِعْرَاج مرَارًا واستند إِلَى حَدِيث أنس
الَّذِي أخرجه الْبَزَّار السَّابِق
قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَلَا شكّ ان التَّعَدُّد فِيهِ لَا يستبعد
وَإِنَّمَا المستبعد وُقُوع التَّعَدُّد فِي مثل سُؤَاله عَن كل نَبِي
وَفرض الصَّلَوَات وَنَحْو ذَلِك فَإِن قيل بِتَعَدُّد ذَلِك بِأَن وَقع
فِي الْمَنَام تَوْطِئَة ثمَّ فِي الْيَقَظَة على وَفقه لم يبعد قَالَ وَقد
تكَرر الْإِسْرَاء فِي الْمَنَام بِالْمَدِينَةِ
وَقد ألف ابْن الْمُنِير كتابا نفيسا فِي اسرار الْإِسْرَار فمما ذكر فِيهِ
أَن الْحِكْمَة فِي الاسراء بِهِ أَولا إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ إِلَى
السَّمَاء حُصُول الهجرتين لِأَن بَيت الْمُقَدّس كَانَ هِجْرَة غَالب
الْأَنْبِيَاء فَحصل لَهُ الرحيل فِي الْجُمْلَة ليجمع بَين أشتات
الْفَضَائِل وَوُجُود السَّبِيل إِلَى بَيَان صدقه بِذكر العلامات الَّتِي
اخبر بهَا عَن بَيت الْمُقَدّس وَصَدقُوهُ فِيهَا فَيلْزم تَصْدِيقه فِي
بَقِيَّة مَا ذكره بِخِلَاف مَا لَو أسرِي بِهِ ابْتِدَاء إِلَى السَّمَاء
وَمِمَّا ذكر فِيهِ أَن إكرامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمناجاة كَانَ
على سَبِيل المفاجأة كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله بَينا أَنا وَفِي حق
مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ على ميعاد واستعداد فَحمل
عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألم الِانْتِظَار
وَمِمَّا ذكر فِيهِ ان ابْن حبيب ذكر ان بَين السَّمَاء وَالْأَرْض بحرا
يُسمى المكفوف بَحر الأَرْض بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كالقطرة من الْبَحْر
الْمُحِيط قَالَ فعلى هَذَا يكون ذَلِك الْبَحْر انْفَلق لَهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى جاوزه وَهُوَ أعظم من انفلاق الْبَحْر لمُوسَى
وَمِمَّا ذكر فِيهِ أَن الْحِكْمَة فِي بَقَاء أَبْوَاب السَّمَاء مغلقة
حَتَّى استفتح جبرئيل وَلم تتهيأ لَهُ بِالْفَتْح قبل مجيئة أَنَّهَا لَو
فتحت قبل لظن أَنَّهَا لَا تزَال كَذَلِك فأبقيت ليعلم أَن ذَلِك لأَجله
وَلِأَن الله أَرَادَ أَن يطلعه على كَونه مَعْرُوفا عِنْد أهل السَّمَوَات
لِأَنَّهُ قيل لجبرئيل لما قَالَ مُحَمَّد أبْعث إِلَيْهِ وَلم يقل وَمن
مُحَمَّد مثلا
(1/298)
بَاب مَا وَقع فِي تَزْوِيجه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَائِشَة من الْآيَات
أخرج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ أريتك فِي الْمَنَام مرَّتَيْنِ أرى رجلا يحملك فِي سَرقَة حَرِير
فَيَقُول هَذِه امْرَأَتك فاكشف فَأَرَاك فَأَقُول إِن كَانَ هَذَا من
عِنْد الله يمضه
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْحَاكِم عَن حبيب مولى عُرْوَة قَالَ لما مَاتَت
خَدِيجَة حزن عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ جبرئيل
بعائشة فِي مهد فَقَالَ هَذِه تذْهب بِبَعْض حزنك وَأَن فِيهَا لخلفا من
خَدِيجَة
أخرج أَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَابْن أبي عمر الْعَدنِي وَالْحَاكِم
وَصَححهُ عَن عَائِشَة قَالَت مَا تزَوجنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حَتَّى أَتَاهُ جبرئيل بِصُورَتي وَتَزَوَّجنِي وَإِنِّي لجارية على
حوف فَلَمَّا تزَوجنِي ألْقى الله عَليّ حَيَاء وَأَنا صَغِيرَة الحوف سيور
فِي الْوسط
بَاب الْآيَة فِي نِكَاحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوْدَة بنت زَمعَة
اخْرُج ابْن سعد من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ كَانَت سَوْدَة بنت زَمعَة عِنْد السَّكْرَان بن عَمْرو أخي سُهَيْل
بن عَمْرو فرأت فِي الْمَنَام كَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقبل
يمشي حَتَّى وطىء على عُنُقهَا فَأخْبرت زَوجهَا بذلك فَقَالَ لَئِن صدقت
رُؤْيَاك لأموتن وليتزوجنك مُحَمَّد ثمَّ رَأَتْ فِي الْمَنَام لَيْلَة
أُخْرَى ان قمرا انقض عَلَيْهَا من السَّمَاء وَهِي مُضْطَجِعَة فَأخْبرت
زَوجهَا فَقَالَ لَئِن صدقت رُؤْيَاك لم ألبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى أَمُوت
وتتزوجين من بعدِي فاشتكى السَّكْرَان من يَوْمه ذَلِك فَلم يلبث إِلَّا
قَلِيلا حَتَّى مَاتَ وَتَزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/299)
بَاب مَا وَقع فِي اسلام رِفَاعَة
اخْرُج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن رِفَاعَة بن رَافع الزرقي انه خرج هُوَ
وَابْن خَالَته معَاذ ابْن عفراء حَتَّى قدما مَكَّة وَذَلِكَ قبل خُرُوج
السِّتَّة من الْأَنْصَار فَرَأى رِفَاعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَعرض عَلَيْهِ الاسلام وَقَالَ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَالْجِبَال قُلْنَا الله قَالَ فَمن خَلقكُم قُلْنَا الله قَالَ فَمن عمل
هَذِه الْأَصْنَام قُلْنَا نَحن قَالَ فالخالق أَحَق بِالْعبَادَة أم
الْمَخْلُوق فَأنْتم أَحَق ان يعبدوكم وَأَنْتُم عملتموها وَالله أَحَق ان
تَعْبُدُوهُ من شَيْء عملتموه وَأَنا أَدْعُو إِلَى عبَادَة الله
وَشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله وصلَة الرَّحِم
وَترك الْعدوان قُلْنَا لَو كَانَ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ بَاطِلا
لَكَانَ من معالي الْأُمُور ومحاسن الْأَخْلَاق ثمَّ ذهبت فطفت وأخرجت
سَبْعَة قداح فَجعلت لَهُ مِنْهَا قدحا فاستقبلت الْبَيْت فَضربت بهَا
وَقلت اللَّهُمَّ إِن كَانَ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مُحَمَّد حَقًا فَأخْرج
قدحه سبع مَرَّات فَضربت فَخرج سبع مَرَّات فَصحت أشهد أَن لَا إِلَه
إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
بَاب مَا وَقع فِي عرضه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه على الْقَبَائِل من
الْآيَات
اخْرُج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب ومُوسَى بن عقبَة قَالَا كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض نَفسه على قبائل الْعَرَب فِي كل
موسم فَعرض نَفسه على ثَقِيف فَلم يُجِيبُوهُ فَرجع فاستظل بحائط وَهُوَ
مكروب وَفِي الْحَائِط عتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة فَلَمَّا رأياه
أرسلا إِلَيْهِ غُلَاما لَهما يدعى عداس وَهُوَ نَصْرَانِيّ من أهل
نِينَوَى فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من أَي أَرض أَنْت قَالَ من أهل نِينَوَى قَالَ من مَدِينَة الرجل الصَّالح
يُونُس بن مَتى قَالَ وَمَا يدْريك من يُونُس بن مَتى قَالَ أَنا رَسُول
الله وَالله اخبرني خَبره فَخر عداس سَاجِدا لرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَجعل يقبل قَدَمَيْهِ فَلَمَّا أبْصر عتبَة وَشَيْبَة مَا
يصنع غلامهما سكتا فَلَمَّا أتاهما قَالَا مَا شَأْنك سجدت لمُحَمد وَقبلت
قَدَمَيْهِ وَلم نرك فعلته بِأحد منا قَالَ هَذَا رجل صَالح أَخْبرنِي
بِشَيْء
(1/300)
عَرفته من شَأْن رَسُول بَعثه الله
إِلَيْنَا يدعى يُونُس بن مَتى فضحكا لَهُ وَقَالا بِهِ لَا يفتننك عَن
نصارنيتك فَإِنَّهُ رجل خداع
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم هَل أَتَى عَلَيْك يَوْم أَشد من يَوْم أحد قَالَ مَا لقِيت
من قَوْمك كَانَ أَشد مِنْهُ يَوْم الْعقبَة إِذْ عرضت نَفسِي على ابْن عبد
يَا ليل فَلم يجبني إِلَى مَا أردْت فَانْطَلَقت وَأَنا مهموم على وَجْهي
فَلم استفق إِلَّا وَأَنا بقرن الثعالب فَرفعت رَأْسِي فَإِذا أَنا بسحابة
قد أظلتني فَنَظَرت فَإِذا هُوَ جبرئيل فناداني فَقَالَ إِن الله قد سمع
قَول قَوْمك لَك وَمَا ردوا عَلَيْك وَقد بعث إِلَيْك ملك الْجبَال لتأمره
بِمَا شِئْت فيهم ثمَّ إِن شِئْت أَن أطبق عَلَيْهِم الأخشبين فَقَالَ لَهُ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل أَرْجُو ان يخرج الله من اصلابهم
من يعبد الله وَلَا يُشْرك بِهِ شَيْئا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي عَليّ
بن أبي طَالب قَالَ لما أَمر الله رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان يعرض
نَفسه على قبائل الْعَرَب خرج وَأَنا مَعَه وَأَبُو بكر فدفعنا إِلَى
مجْلِس من مجَالِس الْعَرَب فيهم مفروق بن عمر وهانئ بن قبيصَة فَقَالَ
مفروق إِلَى مَا تَدْعُو فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أدعوكم إِلَى شَهَادَة ان لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن
مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَإِلَى أَن تؤووني وتنصروني فَإِن قُريْشًا قد
تظاهرت على أَمر الله وكذبت رسله واستغنت بِالْبَاطِلِ عَن الْحق وَالله
غَنِي حميد فَقَالَ مفروق وَالله مَا سَمِعت كلَاما أحسن من هَذَا فَتلا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل تَعَالَوْا أتل مَا حرم ربكُم}
الْآيَات فَقَالَ مفروق وَالله مَا هَذَا من كَلَام أهل الأَرْض ثمَّ تَلا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَان} الْآيَة فَقَالَ مفروق دَعَوْت وَالله إِلَى مَكَارِم
الْأَخْلَاق ومحاسن الْأَعْمَال وَلَقَد أفك قوم كَذبُوك وظاهروا عَلَيْك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَأَيْتُم إِن لم تلبثوا
إِلَّا قَلِيلا حَتَّى يورثكم الله أَرض كسْرَى وديارهم وَأَمْوَالهمْ
ويفرشكم نِسَاءَهُمْ تسبحون الله وتقدسونه
(1/301)
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق خَالِد بن
سعيد عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قدمت بكر بن وَائِل مَكَّة فِي الْحَج
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر ائتهم فأعرضني
عَلَيْهِم فَأَتَاهُم فَعرض عَلَيْهِم قَالُوا حَتَّى يَجِيء شَيخنَا
حَارِثَة فَلَمَّا جَاءَ قَالَ إِن بَيْننَا وَبَين الْفرس حَربًا فَإِذا
أفرغنا مِمَّا بَيْننَا وَبينهمْ عدنا فَنَظَرْنَا فِيمَا تَقول فَلَمَّا
الْتَقَوْا بِذِي قار هم وَالْفرس قَالَ لَهُم شيخهم مَا اسْم الرجل
الَّذِي دعَاكُمْ إِلَى مَا دعَاكُمْ إِلَيْهِ قَالُوا مُحَمَّد قَالَ
فَهُوَ شِعَاركُمْ فنصروا على الْفرس فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِي نصروا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه عَن الأخرم
الهُجَيْمِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم ذِي
قار هَذَا أول يَوْم انتصف فِيهِ الْعَرَب من الْعَجم
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَبَقِي بن مخلد فِي سَنَده
وَالْبَغوِيّ مثله من حَدِيث بشير بن يزِيد الضبعِي وَقَالَ الْكَلْبِيّ
عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ ذكرت وقْعَة ذِي قار عِنْد النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ذَاك أول يَوْم انتصفت فِيهِ الْعَرَب من
الْعَجم وَبِي نصروا
وَرَأَيْت فِي شرح ديوَان الْأَعْشَى للآمدي مَا نَصه يُقَال ان يَوْم ذِي
قار كَانَ مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن جبرئيل أرَاهُ
الْحَرْب وقتال بكر للْفرس فَقَالَ اللَّهُمَّ انصر بكر بن وَائِل
مرَّتَيْنِ وَأَرَادَ ان يَدْعُو لَهُم الثَّالِثَة بِأَن يديم لَهُم
نَصرهم فَقَالَ لَهُ جبرئيل انك مستجاب الدعْوَة وَمَتى دَعَوْت لَهُم
بدوام النَّصْر لم تقم لَهُم قَائِمَة فَلَمَّا دَعَا لَهُم وانهزمت الْفرس
تَبَسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُرُورًا وَقَالَ هَذَا اول
يَوْم انتصفت فِيهِ الْعَرَب من الْعَجم وَبِي نصروا
واخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن عبد الله بن وابصة الْعَبْسِي عَن
أَبِيه عَن جده قَالَ جَاءَنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى
فَدَعَانَا فَمَا استجبنا لَهُ وَلَا خير لنا وَكَانَ مَعنا ميسرَة بن
مَسْرُوق الْعَبْسِي فَقَالَ لنا احْلِف بِاللَّه لَو صدقنا هَذَا الرجل
وحملناه حَتَّى نحل بِهِ وسط رحالنا لَكَانَ الرَّأْي فاحلف بِاللَّه
لَيظْهرَن أمره حَتَّى يبلغ كل مبلغ فَأبى الْقَوْم وَانْصَرفُوا فَقَالَ
لَهُم ميسرَة ميلوا بِنَا إِلَى فدك فَإِن بهَا يهود نسائلهم عَن هَذَا
الرجل فمالوا إِلَى الْيَهُود فأخرجوا سفرا لَهُم فوضعوه ثمَّ درسوا ذكر
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/302)
النَّبِي الْأُمِّي الْعَرَبِيّ يركب
الْحمار ويجتزىء بالكسرة وَلَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير وَلَا بالجعد
وَلَا بالسبط فِي عَيْنَيْهِ حمرَة مشرب اللَّوْن فَإِن كَانَ هُوَ الَّذِي
دعَاكُمْ فأجيبوه وادخلوا فِي دينه فَإنَّا نحسده وَلَا نتبعه وَلنَا
مِنْهُ فِي مَوَاطِن بلَاء عَظِيم وَلَا يبْقى أحد من الْعَرَب إِلَّا
اتبعهُ أَو قَتله فَقَالَ ميسرَة يَا قوم إِن هَذَا الْأَمر بَين فَأسلم
ميسرَة فِي حجَّة الْوَدَاع
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن رُومَان وَعبد الله بن أبي بكر
وَغَيرهمَا قَالُوا جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كِنْدَة فِي
مَنَازِلهمْ فَعرض نَفسه عَلَيْهِم فَأَبَوا فَقَالَ اصغر الْقَوْم يَا قوم
استبقوا إِلَى هَذَا الرجل قبل ان تسبقوا اليه فوَاللَّه إِن أهل الْكتاب
ليحدثونا أَن نَبيا يخرج من الْحرم قد أظل زَمَانه فَأَبَوا
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق ابْن اسحاق حَدثنِي رجل من كِنْدَة يُقَال لَهُ
يُوسُف عَن أَشْيَاخ قومه قَالُوا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أرِي فِي مَنَامه أَن ينصره أهل مدر ونخل
وَأخرج ابو نعيم عَن عُرْوَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما
بَايع الْأَنْصَار بِالْعقبَةِ صَاح الشَّيْطَان من رَأس الْجَبَل يَا معشر
قُرَيْش هَذِه بَنو الْأَوْس والخزرج تحالف على قتالكم ففزعوا عِنْد ذَلِك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يرعكم هَذَا الصَّوْت
فَإِنَّمَا هُوَ عَدو الله إِبْلِيس لَيْسَ يسمعهُ أحد مِمَّن تخافون وَبلغ
قُريْشًا الحَدِيث فَأَقْبَلُوا حَتَّى انه ليطؤون على مَتَاع أَصْحَاب
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يبصرونهم فَرَجَعُوا وَأخرج
أَبُو نعيم نَحوه عَن الزُّهْرِيّ
وَأخرج عَن ابْن اسحاق قَالَ لما بَايعُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بِالْعقبَةِ صرح صارخ فِي الْجَبَل وَهُوَ إِبْلِيس يَا معشر قُرَيْش
إِن كَانَ لكم فِي مُحَمَّد حَاجَة فَأتوهُ بمَكَان كَذَا وَكَذَا من
الْجَبَل قد حالفه الَّذين يسكنون يثرب فَنزل جبرئيل فَلم يبصره أحد من
الْقَوْم غير حَارِثَة بن النُّعْمَان قَالَ بَعْدَمَا فرغوا يَا نَبِي
الله لقد رَأَيْت رجلا عَلَيْهِ ثِيَاب بَيَاض أنكرته قَائِما على يَمِينك
قَالَ وَقد رَأَيْته قَالَ نعم قَالَ رَأَيْت خيرا ذَاك جبرئيل
(1/303)
وَأخرج ابو نعيم عَن ابْن عمر قَالَ لما
أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النُّقَبَاء قَالَ لَا يجدن
امْرُؤ فِي نَفسه شَيْئا إِنَّمَا آخذ من أَشَارَ إِلَيْهِ جبرئيل عَلَيْهِ
السَّلَام
بَاب مَا وَقع فِي الْهِجْرَة من الْآيَات والمعجزات
اخْرُج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن جرير ان النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله اوحى إِلَيّ أَي هَؤُلَاءِ الْبِلَاد
الثَّلَاث نزلت فَهِيَ دَار هجرتك الْمَدِينَة أَو الْبَحْرين أَو قنسرين
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ للْمُسلمين قد أريت دَار هجرتكم أريت سبخَة ذَات نخل بَين لابتين
فَهَاجَرَ من هَاجر قبل الْمَدِينَة حِين ذكر ذَلِك رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وتجهز أَبُو بكر مُهَاجرا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم على رسلك فَإِنِّي أَرْجُو أَن يُؤذن لي
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَقَامَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة خمس عشرَة سنة سبعا وثمانيا يرى الضَّوْء
وَيسمع الصَّوْت وَأقَام بِالْمَدِينَةِ عشرا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن قُريْشًا اجْتمعت فِي دَار
الندوة وَاتَّفَقُوا على قَتله فَأتى جبرئيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَأمره أَن لَا يبيت فِي مضجعه الَّذِي كَانَ يبيت فِيهِ وَأخْبرهُ
بمكر الْقَوْم وَأذن لَهُ عِنْد ذَلِك بِالْخرُوجِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن اسحاق قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم على الْقَوْم وهم على بَابه وَمَعَهُ حفْنَة تُرَاب فَجعل
يذرها على رؤوسهم وَأخذ الله بِأَبْصَارِهِمْ عَن نبيه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَهُوَ يقْرَأ {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} إِلَى قَوْله {فأغشيناهم
فهم لَا يبصرون}
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس وَعلي وَعَائِشَة بنت أبي بكر وَعَائِشَة
بنت قدامَة وسراقة بن جعْشم دخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض قَالُوا خرج رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقَوْم جُلُوس على بَابه فَأخذ حفْنَة من
الْبَطْحَاء فَجعل يذرها على رؤوسهم وَيَتْلُو {يس}
(1/304)
الْآيَات وَمضى فَقَالَ لَهُم قَائِل مَا
تنتظرون قَالُوا مُحَمَّدًا قَالَ قد وَالله مر بكم قَالُوا وَالله مَا
أبصرناه وَقَامُوا يَنْفضونَ التُّرَاب عَن رؤوسهم وَخرج رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر إِلَى غَار ثَوْر فدخلا وَضربت العنكبوت
على بَابه بعشاش بَعْضهَا على بعض وطلبته قُرَيْش أَشد الطّلب حَتَّى
انْتَهَت إِلَى بَاب الْغَار فَقَالَ بَعضهم إِن عَلَيْهِ لعنكبوتا قبل
مِيلَاد مُحَمَّد فانصرفوا
وَأخرج أَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ خرج رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واخذ حفْنَة من تُرَاب واخذ الله على أَبْصَارهم
فَلَا يرونه فَجعل يثير ذَلِك التُّرَاب على رؤوسهم وَهُوَ يَتْلُو {يس}
الْآيَات وَذكر نَحوه
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن عَائِشَة بنت قدامَة ان النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقد خرجت من الخوخة متنكرا فَكَانَ اول من
لَقِيَنِي أَبُو جهل فَعمى الله بَصَره عني وَعَن أبي بكر حَتَّى مضينا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شهَاب وَعُرْوَة بن الزبير أَنهم ركبُوا فِي
كل وَجه يطْلبُونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبعثوا إِلَى اهل
الْمِيَاه يأمرونهم ويجعلون لَهُم الْجعل الْعَظِيم وَأتوا على ثَوْر
الْجَبَل الَّذِي فِيهِ الْغَار الَّذِي فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حَتَّى طلعوا فَوْقه وَسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأَبُو بكر أَصْوَاتهم فأشفق ابو بكر وَاقْبَلْ عَلَيْهِ الْهم وَالْخَوْف
فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحزن
ان الله مَعنا ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت عَلَيْهِ
سكينَة من الله
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أنس أَن أَبَا بكر حَدثهُ قَالَ كنت مَعَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار فَقلت يَا رَسُول الله لَو أَن
أحدهم نظر إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرنَا تَحت قَدَمَيْهِ فَقَالَ يَا
أَبَا بكر مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أَسمَاء بنت أبي بكر أَن أَبَا بكر رأى رجلا مواجه
الْغَار فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّه لرائينا قَالَ كلا إِن
الْمَلَائِكَة تستره الْآن بأجنحتها فَلم يلبث الرجل ان قعد يَبُول
مستقبلهما فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا بكر لَو
كَانَ يراك مَا فعل هَذَا وَأخرج أَبُو يعلى نَحوه من طَرِيق عَائِشَة عَن
أبي بكر
(1/305)
واخرج ابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي مُصعب الْمَكِّيّ قَالَ أدْركْت انس
بن مَالك وَزيد بن أَرقم والمغيرة بن شُعْبَة فَسَمِعتهمْ يتحدثون ان
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْغَار أَمر الله بشجرة
فَنَبَتَتْ فِي وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسترته وَأمر الله
العنكبوت فَنسجَتْ فِي وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسترته
وَأمر الله حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فوقفتا بِفَم الْغَار وَأَقْبل
فتيَان قُرَيْش من كل بطن رجل بِعِصِيِّهِمْ وهراويهم وَسُيُوفهمْ حَتَّى
إِذا كَانُوا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقدر أَرْبَعِينَ
ذِرَاعا جعل رجل مِنْهُم ينظر فِي الْغَار فَرَأى حَمَامَتَيْنِ بِفَم
الْغَار فَرجع إِلَى أَصْحَابه فَقَالُوا لَهُ مَالك لَا تنظر فِي الْغَار
فَقَالَ رَأَيْت حَمَامَتَيْنِ بِفَم الْغَار فَعلمت أَنه لَيْسَ فِيهِ أحد
فَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ فَعرف أَن الله قد دَرأ
بهما عَنهُ فَدَعَا لَهُنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسمت
عَلَيْهِنَّ وَفرض جزاءهن وانحدرن فِي الْحرم فأفرخ ذَلِك الزَّوْج كل
شَيْء فِي الْحرم
وَأخرج احْمَد وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس ان الْمُشْركين تشاوروا
لَيْلَة بِمَكَّة فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ بَعضهم
إِذا أصبح فأثبتوه بِالْوَثَاقِ وَقَالَ بَعضهم بل اقْتُلُوهُ وَقَالَ
بَعضهم بل أَخْرجُوهُ فَاطلع الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك
فَخرج تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى لحق بِالْغَارِ فَلَمَّا أَصْبحُوا اقتصوا
أَثَره فَلَمَّا بلغُوا الْجَبَل اخْتَلَط عَلَيْهِم فَصَعِدُوا فِي
الْجَبَل فَمروا بِالْغَارِ فَرَأَوْا على بَابه نسج العنكبوت فَقَالُوا
لَو كَانَ دخل هَهُنَا لم يكن نسج العنكبوت على بَابه
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْوَاقِدِيّ حَدثنِي مُوسَى بن مُحَمَّد بن
ابراهيم عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين دخل الْغَار
ضرب العنكبوت على بَابه بعشاش بَعْضهَا على بعض فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى
فَم الْغَار قَالَ قَائِل مِنْهُم ادخُلُوا الْغَار قَالَ أُميَّة بن خلف
وَمَا إربكم إِلَى الْغَار إِن عَلَيْهِ لعنكبوتا كَانَ قبل مِيلَاد
مُحَمَّد فَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ عَن قتل
العنكبوت فَقَالَ إِنَّهَا جند من جنود الله
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عَطاء بن ميسرَة قَالَ نسجت العنكبوت
مرَّتَيْنِ مرّة على دَاوُد حِين كَانَ طالوت يَطْلُبهُ وَمرَّة على
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار
(1/306)
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي بكر قَالَ
طلبنا الْقَوْم فَلم يدركنا اُحْدُ مِنْهُم غير سراقَة ابْن مَالك على فرس
لَهُ فَقلت يَا رَسُول الله هَذَا الطّلب قد لحقنا قَالَ لَا تحزن إِن الله
مَعنا فَلَمَّا كَانَ بَيْننَا وَبَينه قيد رمح أَو ثَلَاثَة دَعَا
عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اللَّهُمَّ اكفناه
بِمَا شِئْت فساخت بِهِ فرسه فِي الأَرْض إِلَى بَطنهَا فَقَالَ يَا
مُحَمَّد قد علمت ان هَذَا عَمَلك فَادع الله ان ينجيني مِمَّا انا فِيهِ
فوَاللَّه لأعمين على من ورائي من الطّلب فَدَعَا لَهُ فَانْطَلق رَاجعا
وَأخرج البُخَارِيّ عَن سراقَة بن مَالك قَالَ خرجت أطلب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر حَتَّى إِذا دَنَوْت مِنْهُ عثرت بِي فرسي
فَقُمْت فركبت حَتَّى إِذا سَمِعت قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَهُوَ لَا يلْتَفت وَأَبُو بكر يكثر التلفت ساخت يدا فرسي فِي
الأَرْض حَتَّى بلغتا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْت عَنْهَا ثمَّ زجرتها
فَنَهَضت فَلم تكد تخرج يَديهَا فَلَمَّا اسْتَوَت قَائِمَة إِذا لأثر
يَديهَا عثان سَاطِع فِي السَّمَاء مثل الدُّخان فناديتهما بالأمان فوقفوا
لي وَوَقع فِي نَفسِي حِين لقِيت مَا لقِيت من الْحَبْس عَنْهُمَا أَنه
سَيظْهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أنس قَالَ لما خرج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر الْتفت أَبُو بكر فَإِذا
هُوَ بِفَارِس قد لحقهم فَقَالَ يَا نَبِي الله هَذَا فَارس قد لحق بِنَا
فَقَالَ اللَّهُمَّ اصرعه فصرع عَن فرسه فَقَالَ يَا نَبِي الله مرني بِمَا
شِئْت قَالَ تقف مَكَانك لَا تتركن أحدا يلْحق بِنَا فَكَانَ أول النَّهَار
جاهدا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآخر النَّهَار مسلحة لَهُ
وَفِي ذَلِك يَقُول سراقَة مُخَاطبا لأبي جهل
(أَبَا حكم وَالله لَو كنت شَاهدا ... لأمر جوادي إِذْ تسيخ قوائمه)
(علمت وَلم تشكك بِأَن مُحَمَّدًا ... رَسُول ببرهان فَمن ذَا يقاومه)
واخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد واه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ أَبُو بكر
مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار فعطش فَقَالَ لَهُ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذْهَبْ إِلَى صدر الْغَار فَاشْرَبْ
فَانْطَلق أَبُو بكر إِلَى صدر الْغَار فَشرب مِنْهُ مَاء أحلى من الْعَسَل
وأبيض من اللَّبن
(1/307)
وأذكى رَائِحَة من الْمسك ثمَّ عَاد
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله أَمر الْملك
الْمُوكل بأنهار الْجنَّة إِن خرق نَهرا من جنَّة الفردوس إِلَى صدر
الْغَار لتشرب
وَقَالَ البُخَارِيّ سَمِعت أَبَا مُحَمَّد الْكُوفِي قَالَ لما اراد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان يُهَاجر سمعُوا صَوتا بِمَكَّة يَقُول
(إِن يسلم السعدان يصبح مُحَمَّد ... من الْأَمْن لَا يخْشَى خلاف
الْمُخَالف)
فَقَالَت قُرَيْش لَو علمنَا من السعدان لفعلنَا وَفعلنَا فَسَمِعُوا من
الْقَابِلَة وَهُوَ يَقُول
(فيا سعد سعد الْأَوْس إِن كنت مَانِعا ... وَيَا سعد سعد الخزرجين
الغطارف)
(أجيبا إِلَى دَاعِي الْهدى وتمنيا ... على الله فِي الفردوس زلفة عَارِف)
قَالَ سعد الْأَوْس سعد بن معَاذ وَسعد الخزرجين سعد بن عبَادَة وَأخرجه
ابْن عَسَاكِر من هَذَا الطَّرِيق
وَأخرجه من طَرِيق ابْن ابي الدُّنْيَا أَنبأَنَا أبي ثَنَا هِشَام بن
مُحَمَّد الْكَلْبِيّ حَدثنَا عبد الْمجِيد بن أبي عبس عَن أَبِيه عَن جده
قَالَ سَمِعت قُرَيْش صائحا يَصِيح على أبي قبيس فَذكر الْبَيْت الأول
فَقَالُوا من السُّعُود سعد بن بكر وَسعد بن زيد مَنَاة وَسعد هذيم
فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة سمعُوا صَوته على أبي قبيس
فَذكر الْبَيْتَيْنِ وَزَاد
(فَإِن ثَوَاب الله للطَّالِب الْهدى ... جنان من الفردوس ذَات رفارف)
فَقَالَت قُرَيْش هَذَا سعد بن معَاذ وَسعد بن عبَادَة وَأخرجه
الْبَيْهَقِيّ والخرائطي نَحوه
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات وَأَبُو نعيم من طَرِيق شهر بن
حَوْشَب عَن ابْن عَبَّاس عَن سعد بن عبَادَة قَالَ لما بَايعنَا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيعَة الْعقبَة خرجت إِلَى حَضرمَوْت لبَعض
الْحَاجة فَقضيت حَاجَتي ثمَّ رجعت حَتَّى إِذا كنت بِبَعْض الأَرْض نمت
فَفَزِعت من اللَّيْل بصائح يَقُول
(أَبَا عَمْرو تأوبني السهود ... وَرَاح النّوم وَانْقطع الهجود)
(1/308)
ثمَّ صَاح آخر يَا خر عب ذهب بك اللّعب إِن
أعجب الْعجب بَين زهرَة ويثرب قَالَ وَمَا ذَاك يَا شاصب قَالَ نَبِي
السَّلَام بعث بِخَير الْكَلَام إِلَى جَمِيع الانام فَأخْرج من الْبَلَد
الْحَرَام إِلَى نخيل وآطام ثمَّ طلع الْفجْر فَذَهَبت انْظُر فَإِذا عظاءة
وثعبان ميتان قَالَ فَمَا علمت ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَاجر
إِلَى الْمَدِينَة إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق ابْن اسحاق حدثت عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت
لما هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكثنا ثَلَاث لَيَال مَا
نَدْرِي أَيْن توجه حَتَّى أقبل رجل من الْجِنّ من أَسْفَل مَكَّة يُغني
بِأَبْيَات شعر وَأَن النَّاس ليتبعونه يسمعُونَ صَوته وَمَا يرونه حَتَّى
خرج من أَعلَى مَكَّة يَقُول
(جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتي أم
معبد)
واخرج الْبَغَوِيّ وَابْن شاهين وَابْن السكن وَابْن مندة وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق حزَام بن
هِشَام بن حُبَيْش بن خَالِد عَن أَبِيه عَن جده ان رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حِين خرج من مَكَّة خرج مِنْهَا مُهَاجرا إِلَى الْمَدِينَة
هُوَ وَأَبُو بكر وَمولى أبي بكر عَامر بن فهَيْرَة وَدَلِيلهمَا
اللَّيْثِيّ عبد الله بن الْأُرَيْقِط مروا على خَيْمَتي ام معبد
الْخُزَاعِيَّة وَكَانَت بَرزَة حلده تَحْتَبِيَ بِفنَاء الْقبَّة ثمَّ
تَسْقِي وَتطعم فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوهُ مِنْهَا فَلم
يُصِيبُوا عِنْدهَا شَيْئا فَنظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِلَى شَاة فِي كسر الْخَيْمَة فَقَالَ مَا هَذِه الشَّاة يَا أم معبد
قَالَت شَاة خلفهَا الْجهد عَن الْغنم قَالَ أَبِهَا من لبن قَالَت هِيَ
أجهد من ذَلِك قَالَ أَتَأْذَنِينَ لي ان احلبها قَالَت إِن رَأَيْت بهَا
حَلبًا فاحلبها فَدَعَا عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَمسح بِيَدِهِ ضرْعهَا وسمى الله ودعا لَهَا فِي شَاتِهَا فتفاجت عَلَيْهِ
وَدرت ودعا بِإِنَاء يريض الرَّهْط فَحلبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى علاهُ
الْبَهَاء ثمَّ سَقَاهَا حَتَّى رويت ثمَّ سقى أَصْحَابه حَتَّى رووا ثمَّ
شرب آخِرهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أراضوا ثمَّ حلب فِيهِ ثَانِيًا
بعد بَدْء حَتَّى مَلأ الْإِنَاء ثمَّ غَادَرَهُ عِنْدهَا ثمَّ بَايَعَهَا
وَارْتَحَلُوا عَنْهَا فَقل مَا لَبِثت حَتَّى جَاءَ زَوجهَا ابو معبد
يَسُوق أَعْنُزًا عِجَافًا
(1/309)
فَلَمَّا رأى اللَّبن عجب وَقَالَ من أَيْن
لَك هَذَا اللَّبن وَالشَّاة عَازِب حِيَال وَلَا حَلُوب فِي الْبَيْت
فَقَالَت لَا وَالله إِلَّا انه مر بِنَا رجل مبارك من حَاله كَذَا وَكَذَا
قَالَ صَفيه لي قَالَت رَأَيْت رجلا ظَاهر الْوَضَاءَة أَبْلَج الوحه حسن
الْخلق لم تَعبه ثجله وَلَا تزريه صعلة وسيم قسيم فِي عَيْنَيْهِ دعجٌ
وَفِي أَشْفَاره عطف وَفِي صَوته صَهل وَفِي عُنُقه سَطَعَ وَفِي لحيته
كثاثة أَزجّ أقرن إِن صمت فَعَلَيهِ الْوَقار وَإِن تكلم سَمَّاهُ وعلاه
الْبَهَاء أجمل النَّاس وَأَبْهَاهُ من بعيد وأحلاه وَأحسنه من قريب حُلْو
الْمنطق فصل لَا نزر وَلَا هذر كَأَن منْطقَة خَرَزَات نظمن ربعَة لَا
بَائِن من طول وَلَا تَقْتَحِمُهُ عين من قصر عصنا بَين عصنين فَهُوَ
أَنْضَرُ الثَّلَاثَة منْظرًا وَأَحْسَنهمْ قدرا لَهُ رُفَقَاء يحفونَ بِهِ
ان قَالَ أَنْصتُوا لَهُ وَإِن أَمر تبَادرُوا إِلَى امْرَهْ مَحْفُودٌ
محشود لَا عَابس وَلَا مُعْتَد فَقَالَ أَبُو معبد هُوَ وَالله صَاحب
قُرَيْش الَّذِي ذكر لنا من أمره مَا ذكر بِمَكَّة فَأصْبح صَوت بِمَكَّة
عَالِيا يسمعُونَ الصَّوْت وَلَا يَدْرُونَ من صَاحبه وَهُوَ يَقُول
(جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتي أم
معبد)
(هما نَزَّلَاهَا بِالْهدى فاهتديت بِهِ ... فقد فَازَ من أَمْسَى رَفِيق
مُحَمَّد)
(فيآل قصي مَا زوى الله عَنْكُم ... بِهِ من فعال لَا تجازى وسؤدد)
(لِيهن بني كَعْب مقَام فَتَاتهمْ ... ومقعدها للْمُؤْمِنين بِمَرْصَد)
(سلوا أختكم عَن شَاتِهَا وأناثها ... فَإِنَّكُم إِن تسألوا الشَّاة تشهد)
(دَعَاهَا بِشَاة حَائِل فتحلبت ... لَهُ بِصَرِيح ضرَّة الشَّاة مُزْبِد)
(فغادرها رهنا لَدَيْهَا بحالب ... يُرَدِّدهَا فِي مصدر ثمَّ مورد)
فَقَوله بَرزَة يُرِيد أَنه خلالها سنّ فَهِيَ تبرز لَيست كالصغيرة
المحجوبة قَوْله كسر الْخَيْمَة يُرِيد جانبا مِنْهَا وتفاجت فتحت مَا بَين
رِجْلَيْهَا للحلب ويريض الرَّهْط يرويهم حَتَّى يثقلوا والرهط مَا بَين
الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وثجا أَي سيلا وعلاه الْبَهَاء أَي علا
الْإِنَاء بهاء اللَّبن وَهُوَ وبيص رغوته وأراضوا شربوا وعازب أَي بعيد
فِي المرعى وثجلة أَي ورقة وصعلة الخاصرة تَعْنِي أَنه ضرب لَيْسَ بناحل
وَلَا منتفخ والوسيم الْحسن الوضيء وَكَذَلِكَ القسيم والعطف انعطاف
الاشفار
(1/310)
وسطع أَي طول إِن تكلم سما أَي علا
بِرَأْسِهِ أَو يَده لَا نزر وَلَا هذر أَي وسط لَا قَلِيل وَلَا كثير
وَلَا تَقْتَحِمُهُ لَا تحتقره وَلَا تزدريه ومحفود اي مخدوم ومحشود اي
محفوف حشدة أَصْحَابه أطافوا بِهِ لَا عَابس أَي فِي الْوَجْه لَا مُعْتَد
من الاعتداء وَهُوَ الظُّلم والصريح الْخَالِص والضرة لحم الضَّرع وَقَوله
فغادرها رهنا لَدَيْهَا بحالب يُرِيد أَنه خلف الشَّاة مرتهنة لِأَن تدر
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَغوِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق الْحر بن الصَّباح
عَن أبي معبد الْخُزَاعِيّ مثله بِطُولِهِ
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم من طَرِيق الْوَاقِدِيّ حَدثنِي حزَام بن
هِشَام عَن أَبِيه عَن أم معبد قَالَت بقيت الشَّاة الَّتِي لمس ضرْعهَا
عندنَا حَتَّى كَانَ زمَان الرَّمَادَة زمَان عمر بن الْخطاب رَضِي الله
عَنهُ وَكُنَّا نَحْلُبهَا صَبُوحًا وغبوقا وَمَا فِي الأَرْض قَلِيل وَلَا
كثير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبي
ليلى عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرجت مَعَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة فَانْتَهَيْنَا إِلَى حَيّ من أَحيَاء
الْعَرَب فَنظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَيت منتحيا
فقصد إِلَيْهِ فَلَمَّا نزلنَا لم يكن فِيهِ إِلَّا إمرأة وَذَلِكَ عِنْد
الْمسَاء فجَاء ابْن لَهَا بأعنز يَسُوقهَا فَقَالَت لَهُ انْطلق بِهَذِهِ
العنز إِلَى هذَيْن الرجلَيْن ليذبحاها ويأكلا فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْطلق بالشفرة وجئني بالقدح فَقَالَ
إِنَّهَا قد عزبت وَلَيْسَ لَهَا لبن قَالَ انْطلق فَانْطَلق فجَاء بقدح
فَمسح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرْعهَا ثمَّ حلب حَتَّى مَلأ
الْقدح ثمَّ قَالَ انْطلق بِهِ إِلَى أمك فَشَرِبت حَتَّى رويت ثمَّ جَاءَ
بِهِ فَقَالَ انْطلق بِهَذِهِ وجئني بِأُخْرَى فَفعل بهَا كَذَلِك ثمَّ سقى
أَبَا بكر ثمَّ جَاءَ بِأُخْرَى فَفعل بهَا كَذَلِك ثمَّ شرب النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فبتنا ليلتنا ثمَّ انطلقنا فَكَانَت تسميه
الْمُبَارك وَكَثُرت غنمها حَتَّى جلبت جلبا إِلَى الْمَدِينَة قَالَ
الْبَيْهَقِيّ الظَّاهِر أَن هَذِه الْمَرْأَة أم معبد
(1/311)
وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن قيس بن النُّعْمَان
قَالَ لما انْطلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر
مستخفيين مرا بِعَبْد يرْعَى غنما فاستسقياه اللَّبن فَقَالَ مَا عِنْدِي
شَاة تحلب غير أَن هَهُنَا عنَاقًا حملت أَو الشتَاء وَقد اخرجت وَمَا
بَقِي لَهَا لبن فَقَالَ أدع بهَا فَدَعَا بهَا فاعتقلها النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَمسح ضرْعهَا ودعا وَجَاء أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بمجن
فَحلبَ وَسَقَى أَبَا بكر ثمَّ حلب فسقى الرَّاعِي ثمَّ حلب فَشرب فَقَالَ
الرَّاعِي من أَنْت فوَاللَّه مَا رَأَيْت مثلك قطّ قَالَ مُحَمَّد رَسُول
الله قَالَ أَنْت الَّذِي تزْعم قُرَيْش انه صابئ قَالَ إِنَّهُم ليقولون
ذَلِك قَالَ فَأشْهد أَنَّك نَبِي وأنما جِئْت بِهِ حق وَأَنه لَا يفعل مَا
فعلت إِلَّا نَبِي
وَأخرج أَبُو نعيم عَن مَالك بن أَوْس الْأَسْلَمِيّ قَالَ لما هَاجر
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مروا
بِإِبِل لنا بِالْجُحْفَةِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن
هَذِه الْإِبِل قَالَ لرجل من أسلم فَالْتَفت إِلَى أبي بكر فَقَالَ سلمت
إِن شَاءَ الله فَقَالَ مَا اسْمك قَالَ مَسْعُود فَالْتَفت إِلَى أبي بكر
فَقَالَ سعدت إِن شَاءَ الله
وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة عَن ابراهيم بن عبد الله
بن حَارِثَة عَن ابيه قَالَ نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على
كُلْثُوم بن الْهدم فصاح كُلْثُوم بِغُلَام لَهُ يَا نجيح فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انجحت يَا أَبَا بكر
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس ان الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن
لرادك إِلَى معاد قَالَ إِلَى مَكَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ شهِدت يَوْم دخل النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَلم أر يَوْمًا أحسن وَلَا أَضْوَأ
مِنْهُ
وَأخرج ابْن سعد عَن انس قَالَ لما كَانَ الْيَوْم الَّذِي دخل فِيهِ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أَضَاء مِنْهَا كل شَيْء
(1/312)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن
الزبير أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدم الْمَدِينَة فاستناخت
بِهِ رَاحِلَته فَأَتَاهُ النَّاس فَقَالُوا يَا رَسُول الله الْمنزل
فانبعثت بِهِ رَاحِلَته فَقَالَ دَعُوهَا فانها مأمورة ثمَّ خرجت بِهِ
حَتَّى جَاءَت بِهِ مَوضِع الْمِنْبَر فاستناخت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الْمَدِينَة فَلَمَّا دخل جَاءَت الْأَنْصَار برجالها ونسائها
فَقَالُوا إِلَيْنَا يَا رَسُول الله فَقَالَ دعوا النَّاقة فَإِنَّهَا
مأمورة فبركت على بَاب أبي أَيُّوب فَخرجت جوَار من بني النجار يضربن
بِالدُّفُوفِ وَهن يقلن
(نَحن جوَار من بني النجار ... يَا حبذا مُحَمَّد من جَار)
واخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت لما قدم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة جعل النِّسَاء وَالصبيان يقلن
(طلع الْبَدْر علينا ... من ثنيات الْوَدَاع)
(وَجب الشُّكْر علينا ... مَا دَعَا لله دَاع)
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن صُهَيْب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت دَار هجرتكم سبخَة بَين ظهراني حرَّة فإمَّا
ان تكون هجر وَإِمَّا ان تكون يثرب قَالَ وَخرج رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة وَخرج مَعَه أَبُو بكر وَكنت قد هَمَمْت
بِالْخرُوجِ مَعَه فصدني فتيَان من قُرَيْش فَجعلت لَيْلَتي تِلْكَ أقوم
لَا أقعد فَقَالُوا قد شغله الله عَنْكُم ببطنه وَلم اكن شاكيا فَنَامُوا
فلحقني مِنْهُم نَاس بَعْدَمَا سرت بريدا ليردوني فَقلت لَهُم هَل لكم أَن
أُعْطِيكُم أواقي من ذهب وتخلوا سبيلي فَفَعَلُوا فسقتهم إِلَى مَكَّة
فَقلت احفروا تَحت اسكفة الْبَاب فَإِن تحتهَا الأواقي وَخرجت حَتَّى قدمت
على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبَاء قبل ان يتَحَوَّل مِنْهَا
فَلَمَّا رَآنِي قَالَ يَا أَبَا يحيى ربح البيع ثَلَاثًا فَقلت يَا رَسُول
الله مَا سبقني إِلَيْك اُحْدُ وَمَا أخْبرك إِلَّا جبرئيل عَلَيْهِ
السَّلَام
(1/313)
بَاب اجْتِمَاع الْيَهُود بِالنَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لما قدم الْمَدِينَة وسؤالهم لَهُ ومعرفتهم صدقه
اخْرُج ابْن سعد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه وَابْن ماجة
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن سَلام قَالَ لما قدم رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة انجفل النَّاس قبله فَجئْت فِي النَّاس لأنظر
إِلَى وَجهه فَلَمَّا رَأَيْت وَجهه عرفت أَن وَجهه لَيْسَ بِوَجْه كَذَّاب
فَكَانَ أول شَيْء سَمِعت مِنْهُ ان قَالَ يَا أَيهَا النَّاس اطعموا
الطَّعَام وأفشوا السَّلَام وصلوا الْأَرْحَام وصلوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاس
نيام تدْخلُوا الْجنَّة بِسَلام
وَأخرج البُخَارِيّ عَن انس قَالَ سمع عبد الله بن سَلام بقدوم رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنِّي سَائِلك عَن ثَلَاث لَا
يعلمهُنَّ إِلَّا نَبِي مَا أول أَشْرَاط السَّاعَة وَمَا أول طَعَام أهل
الْجنَّة وَمَا ينْزع الْوَلَد إِلَى أَبِيه وَإِلَى أمه قَالَ اخبرني بِهن
جبرئيل آنِفا اما اول اشراط السَّاعَة فَنَار تخرج على النَّاس من الْمشرق
الى الْمغرب وَأما أول طَعَام يَأْكُلهُ اهل الْجنَّة فَزِيَادَة كبد
الْحُوت وَإِذا سبق مَاء الرجل مَاء الْمَرْأَة نزع الْوَلَد إِلَى أَبِيه
وَإِذا سبق مَاء الْمَرْأَة نزعت قَالَ أشهد ان لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأشْهد انك رَسُول الله يَا رَسُول الله إِن الْيَهُود قوم بهت وَإِنَّهُم
إِن يعلمُوا بِإِسْلَامِي قبل ان تَسْأَلهُمْ عني بَهَتُونِي فَجَاءَت
الْيَهُود إِلَيْهِ قَالَ أَي رجل عبد الله بن سَلام فِيكُم قَالُوا خيرنا
وَابْن خيرنا وَسَيِّدنَا وَابْن سيدنَا قَالَ أَرَأَيْتُم إِن أسلم
قَالُوا أَعَاذَهُ الله من ذَلِك فَخرج عبد الله فَقَالَ أشهد ان لَا إِلَه
إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالُوا أَشَرنَا وَابْن
شَرنَا وانتقصوا قَالَ هَذَا الَّذِي كنت أَخَاف يَا رَسُول الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن سَلام قَالَ لما سَمِعت برَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعرفت صفته واسْمه وهيئته وَالَّذِي كُنَّا نتوكف
لَهُ فَكنت مسرا لذَلِك صامتا عَلَيْهِ حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَأخْبر رجل
بقدومه وانا فِي رَأس نَخْلَة لي أعمل فِيهَا وعمتي جالسة فَلَمَّا
(1/314)
سَمِعت الْخَبَر بقدومه كَبرت فَقَالَت لي
عَمَّتي لَو كنت سَمِعت بمُوسَى بن عمرَان مَا زِدْت قلت لَهَا أَي عمَّة
هُوَ وَالله أَخُو مُوسَى بن عمرَان بعث بِمَا بعث بِهِ فَقَالَت يَا ابْن
اخي أهوَ النَّبِي الَّذِي كُنَّا نخبر بِهِ انه يبْعَث مَعَ السَّاعَة قلت
لَهَا نعم ثمَّ خرجت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسْلمت
وَذكر نَحْو مَا تقدم
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من مُرْسل سعيد المَقْبُري نَحوه وَزَاد أَنه
سَأَلَهُ عَن السوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم انهما كَانَا شمسين قَالَ الله {وَجَعَلنَا اللَّيْل
وَالنَّهَار آيَتَيْنِ فمحونا آيَة اللَّيْل} فالسواد الَّذِي فِيهِ هُوَ
المحو فَقَالَ ابْن سَلام اشْهَدْ ان لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد ان
مُحَمَّدًا رَسُول الله
واخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن صَفِيَّة بنت حييّ
قَالَت لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدا إِلَيْهِ أبي
وَعمي أَبُو يَاسر بن اخْطُبْ ثمَّ رجعا فَسمِعت عمي يَقُول لأبي أهوَ هُوَ
قَالَ نعم وَالله قَالَ تعرفه بِعَيْنِه وَصفته قَالَ نعم وَالله قَالَ
فَمَاذَا فِي نَفسك مِنْهُ قَالَ عداوته وَالله مَا بقيت أبدا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَوْف بن مَالك قَالَ انْطلق النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَعَه حَتَّى دخل كَنِيسَة الْيَهُود فَقَالَ
يَا معشر الْيَهُود أروني اثنى عشر رجلا يشْهدُونَ أَن لَا إِلَه إِلَّا
الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله يحبط الله عَن كل يَهُودِيّ تَحت أَدِيم
السَّمَاء الْغَضَب الَّذِي غضب عَلَيْهِم قَالَ فَسَكَتُوا فَمَا
أَجَابَهُ مِنْهُم أحد ثمَّ رد عَلَيْهِم فَلم يجبهُ مِنْهُم أحد فَقَالَ
أَبَيْتُم فوَاللَّه لأَنا الحاشر وَأَنا العاقب وَأَنا النَّبِي
الْمُصْطَفى آمنتم أم كَذبْتُمْ ثمَّ انْصَرف وَأَنا مَعَه حَتَّى كدنا ان
نخرج فَإِذا رجل من خلفنا يَقُول كَمَا أَنْت يَا مُحَمَّد فَأقبل فَقَالَ
ذَلِك الرجل أَي رجل تعلموني فِيكُم يَا معشر الْيَهُود قَالُوا وَالله مَا
نعلم أَنه كَانَ فِينَا رجل أعلم بِكِتَاب الله مِنْك وَلَا أفقه مِنْك
وَلَا من أَبِيك قبلك وَلَا من جدك قبل أَبِيك قَالَ فَإِنِّي اشْهَدْ لَهُ
بِاللَّه انه نَبِي الله الَّذِي تجدونه فِي التَّوْرَاة
(1/315)
فَقَالُوا كذبت ثمَّ ردوا عَلَيْهِ قَوْله
وَقَالُوا شرا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذبْتُمْ لن
يقبل الله قَوْلكُم وَأنزل الله فِيهِ {قل أَرَأَيْتُم إِن كَانَ من عِنْد
الله وكفرتم بِهِ} الْآيَة
وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ جَاءَت عِصَابَة من الْيَهُود النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالُوا حَدثنَا عَن خلال نَسْأَلك عَنْهَا لَا يعلمهَا إِلَّا
نَبِي أخبرنَا عَن الطَّعَام الَّذِي حرم إِسْرَائِيل على نَفسه وَأخْبرنَا
عَن مَاء الرجل كَيفَ يكون مِنْهُ الذّكر وَكَيف تكون مِنْهُ الْأُنْثَى
وَأخْبرنَا كَيفَ النَّبِي فِي الْقَوْم فَقَالَ انشدك بِاللَّه هَل
تعلمُونَ ان إِسْرَائِيل مرض مَرضا شَدِيدا أَطَالَ سقمه مِنْهُ فَنَذر لله
نذرا لَئِن شفَاه من سقمه ليحرمن أحب الشَّرَاب إِلَيْهِ وَأحب الطَّعَام
إِلَيْهِ فَحرم ألبان الْإِبِل ولحمان الْإِبِل قَالُوا نعم قَالَ انشدكم
بِاللَّه هَل تعلمُونَ ان مَاء الرجل غليط أَبيض وَمَاء الْمَرْأَة رَقِيق
أصفر فَأَيّهمَا علا كَانَ لَهُ الْوَلَد والشبه بِإِذن الله قَالُوا
اللَّهُمَّ نعم قَالَ انشدكم بِاللَّه هَل تعلمُونَ هَذَا النَّبِي تنام
عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه قَالُوا اللَّهُمَّ نعم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي ظبْيَان قَالَ حَدثنَا أَصْحَابنَا أَنهم
بَيْنَمَا هم مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فاعترضهم
يَهُودِيّ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِم إِنِّي أَسأَلك عَن مَسْأَلَة لَا
يعلمهَا إِلَّا نَبِي من أَي المائين يكون الْوَلَد فَصمت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى وَدِدْنَا أَنه لم يسْأَله ثمَّ عرفنَا انه قد
تبين لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما نُطْفَة الرجل
فبيضاء غَلِيظَة فَمِنْهَا الْعِظَام والعصب وَأما نظفة الْمَرْأَة فحمراء
رقيقَة فمنهما اللَّحْم وَالدَّم فَقَالَ أشهد انك رَسُول الله
وَأخرج احْمَد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ مر
يَهُودِيّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يحدث أَصْحَابه
فَقَالَت قُرَيْش يَا يَهُودِيّ إِن هَذَا يزْعم أَنه نَبِي قَالَ لأسألنه
عَن شَيْء لَا يُعلمهُ إِلَّا نَبِي فَقَالَ يَا مُحَمَّد مِم يخلق
الْإِنْسَان قَالَ يَا يَهُودِيّ من كل يخلق من نُطْفَة الرجل وَمن نُطْفَة
الْمَرْأَة أمانطفة الرجل فنطفة غَلِيظَة مِنْهَا الْعظم والعصب وَأما
نُطْفَة الْمَرْأَة فنطفة رقيقَة مِنْهَا اللَّحْم وَالدَّم فَقَالَ
الْيَهُودِيّ هَكَذَا كَانَ يَقُول من قبلك
(1/316)
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود
قَالَ بَينا أَنا أَمْشِي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حرث
الْمَدِينَة وَهُوَ يتَوَكَّأ على عسيب فمررنا بِنَفر من الْيَهُود فَقَالَ
بَعضهم سلوه عَن الرّوح وَقَالَ بَعضهم لَا تسألوه عَسى ان يخبر فِيهِ
بِشَيْء تكرهونه فسالوه فَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَظَنَنْت انه يُوحى إِلَيْهِ فَلَمَّا انجلى عَنهُ قَالَ {ويسألونك عَن
الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي} الْآيَة
قَالَ ابو نعيم قيل إِن من عَلَامَات نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي الْكتب الْمنزلَة أَنه إِذا سُئِلَ عَن الرّوح فوض الْعلم
بحقيقتها إِلَى منشئتها وبارئها وَأمْسك عَمَّا خاضت الفلاسفة وَأهل
الْمنطق الْقَائِلُونَ فِيهَا بالحدس والتخمين فامتحنته الْيَهُود بالسؤال
عَنْهَا ليقفوا مِنْهُ على نَعته الْمُثبت عِنْدهم فِي كِتَابهمْ فَوَافَقَ
جَوَابه مَا ثَبت فِي كتبهمْ
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِابْنِ صوريا أنْشدك بِاللَّه هَل تعلم ان لله
حكم فِي التَّوْرَاة فِيمَن زنا بعد إحْصَانه بِالرَّجمِ فَقَالَ
اللَّهُمَّ نعم أما وَالله يَا أَبَا الْقَاسِم انهم ليعرفون انك نَبِي
مُرْسل وَلَكنهُمْ يحسدونك
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن صَفْوَان بن عَسَّال قَالَ قَالَ
يَهُودِيّ لصَاحبه إذهب بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِي نَسْأَلهُ عَن هَذِه
الْآيَة {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى تسع آيَات بَيِّنَات} فَسَأَلَاهُ
فَقَالَ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا
وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا تسحرُوا
وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا وَلَا تَمْشُوا ببرىء إِلَى ذِي سُلْطَان
ليَقْتُلهُ وَلَا تَقْذِفُوا مُحصنَة وَأَنْتُم يَا يهود عَلَيْكُم خَاصَّة
لَا تعدوا فِي السبت فَقبلا يَده وَرجله وَقَالا نشْهد أَنَّك نَبِي
فَقَالَ مَا منعكما ان تسلما فَقَالَا إِن دَاوُد دَعَا ان لَا يزَال من
ذُريَّته نَبِي وَإِنَّا نخشى ان تَقْتُلنَا الْيَهُود
(1/317)
وَأخرج مُسلم عَن ثَوْبَان قَالَ كنت عِنْد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء حبر من الْيَهُود فَقَالَ ايْنَ
النَّاس يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي الظلمَة دون الجسر قَالَ فَمن أول النَّاس إجَازَة
قَالَ فُقَرَاء الْمُهَاجِرين قَالَ فَمَا تحفتهم حِين يدْخلُونَ الْجنَّة
قَالَ زِيَادَة كبدنون قَالَ فَمَا عداؤهم على اثره قَالَ ينْحَر لَهُم
ثَوْر الْجنَّة الَّذِي كَانَ يَأْكُل من أطرافها قَالَ فَمَا شرابهم
عَلَيْهِ قَالَ من عين فِيهَا تسمى سلسبيلا قَالَ صدقت قَالَ وَجئْت اسْأَل
عَن شَيْء لَا يُعلمهُ أحد من أهل الأَرْض إِلَّا نَبِي أَو رجل أَو
رجلَانِ جِئْت أَسأَلك عَن الْوَلَد قَالَ مَاء الرجل أَبيض وَمَاء
الْمَرْأَة أصفر فَإِذا اجْتمعَا فعلا مني الرجل مني الْمَرْأَة أذكرا
بِإِذن الله وَإِذا علا مني الْمَرْأَة مني الرجل آنثا بِإِذن الله قَالَ
الْيَهُودِيّ صدقت وَإنَّك لنَبِيّ ثمَّ انْصَرف فَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه سَأَلَني هَذَا الَّذِي سَأَلَني عَنهُ وَمَا أعلم
شَيْئا مِنْهُ حَتَّى أَتَانِي الله بِهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَزَّار وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم
عَن جَابر بن عبد الله قَالَ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَهُودِيّ فَقَالَ يَا مُحَمَّد أَخْبرنِي عَن النُّجُوم الَّتِي رَآهَا
يُوسُف ساجده لَهُ مَا اسماؤها فَلم يجبهُ بِشَيْء فَنزل عَلَيْهِ جبرئيل
فَأخْبرهُ فَبعث إِلَى الْيَهُودِيّ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ أتسلم إِن
اخبرتك قَالَ نعم قَالَ حرثان وطارق وَالذَّيَّال والكتفان وَذُو الْفَرْع
وَوَثَّاب وَعَمُودَان وَقَابِس وَالضَّرُوح والمصيح وَالْفَيْلَق والضياء
والنور رَآهَا فِي افق السَّمَاء سَاجِدَة لَهُ فَقَالَ الْيَهُودِيّ هَذِه
وَالله أسماؤها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن
عَبَّاس ان حبرًا من الْيَهُود دخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فوافقه وَهُوَ يقْرَأ سُورَة يُوسُف فَقَالَ يَا مُحَمَّد من علمكها
قَالَ الله علمنيها فَعجب الحبر لما سمع مِنْهُ فَرجع إِلَى الْيَهُود
فَقَالَ لَهُم وَالله إِن مُحَمَّدًا ليقْرَأ الْقُرْآن كَمَا أنزل فِي
التَّوْرَاة وَانْطَلق بِنَفر مِنْهُم حَتَّى دخلُوا عَلَيْهِ فعرفوه
بِالصّفةِ ونظروا إِلَى خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ فَجعلُوا
يَسْتَمِعُون إِلَى قِرَاءَته لسورة يُوسُف فتعجبوا مِنْهُ وَأَسْلمُوا
عِنْد ذَلِك
(1/318)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق
الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم للْيَهُود إِن كُنْتُم صَادِقين فِي مَقَالَتَكُمْ إِن
الْجنَّة خَالِصَة لكم من دون النَّاس فَقولُوا اللَّهُمَّ أمتنَا فوالذي
نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَقُولهَا رجل مِنْكُم إِلَّا غص بريقه فَمَاتَ
مَكَانَهُ فَأَبَوا ذَلِك وكرهوه فَنزل {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا} الْآيَة
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند عَن جَابر بن سَمُرَة
قَالَ جَاءَ جرمقاني إِلَى أَصْحَاب مُحَمَّد فَقَالَ أَيْن صَاحبكُم هَذَا
الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي لَئِن سَأَلته لاعلمن نَبِي هُوَ أَو غير نَبِي
فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الجرمقاني إقرأ عَليّ
فَتلا عَلَيْهِ آيَات من كتاب الله فَقَالَ الجرمقاني هَذَا وَالله الَّذِي
جَاءَ بِهِ مُوسَى
بَاب رفع الوباء والحمى والطاعون عَن الْمَدِينَة معْجزَة لَهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة قَالَت قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الْمَدِينَة وَهِي أوبأ أَرض الله فَقَالَ اللَّهُمَّ حبب إِلَيْنَا
الْمَدِينَة كحبنا مَكَّة أَو أَشد اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي صاعنا ومدنا
وصححها لنا وانقل حماها إِلَى الْجحْفَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ كَانَ وباء الْمَدِينَة
مَعْرُوفا فِي الْجَاهِلِيَّة فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان
تنقل حماها إِلَى الْجحْفَة فَكَانَ الْمَوْلُود يُولد بِالْجُحْفَةِ فَلَا
يبلغ الْحلم حَتَّى تصرعه الْحمى
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ رَأَيْت امْرَأَة سَوْدَاء ثائرة الرَّأْس خرجت من الْمَدِينَة
حَتَّى نزلت مهيعة فَأَوَّلتهَا أَن وباء الْمَدِينَة نقل الى مهيعة وَهِي
الْجحْفَة
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم على أنقاب الْمَدِينَة مَلَائِكَة لَا يدخلهَا الطَّاعُون
وَلَا الدَّجَّال
(1/319)
قَالَ بعض الْعلمَاء هَذِه معْجزَة لَهُ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الْأَطِبَّاء من أَوَّلهمْ إِلَى آخِرهم
عجزوا عَن أَن يدفعوا الطَّاعُون عَن بلد من الْبِلَاد بل عَن قَرْيَة من
الْقرى وَقد امْتنع الطَّاعُون من الْمَدِينَة بدعائه وخيره صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْمدَّة المتطاولة
وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة حَدثنِي مُحَمَّد بن
الْحسن عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن عبد الرَّحْمَن عَن مُوسَى بن مُحَمَّد
بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث عَن أَبِيه قَالَ لما قدم رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وعك فِيهَا أَصْحَابه وَقدم رجل فَتزَوج
امْرَأَة كَانَت مهاجرة فَجَلَسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على
الْمِنْبَر فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ
ثَلَاثًا فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله
وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته فِي دنيا يطْلبهَا اَوْ امْرَأَة يخطبها
فَإِنَّمَا هجرته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ ثمَّ رفع يَدَيْهِ فَقَالَ
اللَّهُمَّ انقل عَنَّا الوباء ثَلَاثًا فَلَمَّا أصبح قَالَ أتيت هَذِه
اللَّيْلَة بالحمى فَإِذا الْعَجُوز سَوْدَاء ملببة فِي يَدي الَّذِي جَاءَ
بهَا فَقَالَ هَذِه الْحمى فَمَا ترى فِيهَا فَقلت اجْعَلُوهَا نجم
وَأخرج الزبير أَيْضا حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحسن عَن عبد الْعَزِيز بن
مُحَمَّد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ أصبح رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فَجَاءَهُ انسان قدم من نَاحيَة طَرِيق مَكَّة
فَقَالَ لَهُ هَل لقِيت أحدا قَالَ لَا يَا رَسُول الله إِلَّا امْرَأَة
سَوْدَاء عُرْيَانَة ثائرة الشّعْر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم تِلْكَ الْحمى وَلنْ تعود بعد الْيَوْم أبدا
بَاب الْآيَة فِي وضع الْبركَة فِيهَا
اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن عبد الله بن زيد ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ إِن ابراهيم حرم مَكَّة وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة ودعوت لَهَا
فِي مدها وصاعها مثلى مَا دَعَا إِبْرَاهِيم لمَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن عبد الله بن الْفضل بن عَبَّاس قَالَ
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَدْعُوك لأهل الْمَدِينَة مثل
مَكَّة قَالَ عبد الله إِنَّا لنعرف ذَلِك إِنَّا ليجزىء الْمَدّ عندنَا
والصاع مثل مَا يجزىء بِمَكَّة
(1/320)
وَأخرج الزبير بن بكار فِي اخبار
الْمَدِينَة عَن إِسْمَاعِيل بن النُّعْمَان قَالَ دَعَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لغنم كَانَت ترعى بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ اللَّهُمَّ
اجْعَل نصف أكراشها مثل ملئها فِي غَيرهَا من الْبِلَاد
بَاب مَا وَقع عِنْد بِنَاء الْمَسْجِد من الْآيَات
أخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة عَن نَافِع بن جُبَير بن
مطعم قَالَ بَلغنِي ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا وضعت
قبله مَسْجِدي هَذَا حَتَّى رفعت لي الْكَعْبَة فَوَضَعتهَا أمهَا
وَأخرج أَيْضا عَن دَاوُد بن قيس أَنه بلغه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وضع أساس الْمَسْجِد حِين وَضعه وجبرئيل قَائِم ينظر إِلَى
الْكَعْبَة قد كشف مَا بَينه وَبَينهَا
وَأخرج ايضا عَن ابْن شهَاب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَا وضعت قبْلَة مَسْجِدي هَذَا حَتَّى فرج لي مَا بيني وَبَين
الْكَعْبَة
وَأخرج أَيْضا عَن الْخَلِيل بن عبد الله الْأَزْدِيّ عَن رجل من
الْأَنْصَار أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقَامَ رهطا على
زَوَايَا الْمَسْجِد ليعدل الْقبْلَة فَأَتَاهُ جبرئيل فَقَالَ ضع
الْقبْلَة وَأَنت تنظر إِلَى الْكَعْبَة ثمَّ قَالَ بِيَدِهِ فانماط كل جبل
بَينه وَبَين الْكَعْبَة فَوضع تربيع الْمَسْجِد وَهُوَ ينظر إِلَى
الْكَعْبَة لَا يحول دون بَصَره شَيْء فَلَمَّا فرغ قَالَ جبرئيل بِيَدِهِ
فَأَعَادَ الْجبَال وَالشَّجر والأشياء على حَالهَا هَذِه مَرَاسِيل يشد
بَعْضهَا بَعْضًا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن الشموس
بنت النُّعْمَان قَالَت نظرت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حِين قدم وَنزل وَأسسَ هَذَا الْمَسْجِد مَسْجِد قبَاء فرأيته يَأْخُذ
الْحجر حَتَّى يهصره الْحجر حَتَّى أسسه وَيَقُول إِن جبرئيل هُوَ يؤم
الْكَعْبَة
(1/321)
وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار
الْمَدِينَة عَن أبي هُرَيْرَة ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لَو بني مَسْجِدي هَذَا إِلَى صنعاء كَانَ مَسْجِدي
قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي احكام الْمَسَاجِد إِن صَحَّ هَذَا كَانَ من
إِعْلَام نبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَاب مَا وَقع فِي صرف الْقبْلَة من الخصائص
أخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لما هَاجر إِلَى الْمَدِينَة صلى الى بَيت الْمُقَدّس سِتَّة عشر شهرا
وَكَانَ يحب ان يصرف إِلَى الْكَعْبَة فَقَالَ يَا جبرئيل وددت ان الله صرف
وَجْهي عَن قبْلَة يهود فَقَالَ جبرئيل إِنَّمَا انا عبد فَادع رَبك وسله
وَجعل اذا صلى الى بَيت الْمُقَدّس رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَنزلت
عَلَيْهِ {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء فلنولينك قبْلَة ترضاها}
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ مَا خَالف نَبِي
نَبيا قطّ فِي قبْلَة وَلَا فِي سنة إِلَّا أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم اسْتقْبل بَيت الْمُقَدّس من حَيْثُ قدم الْمَدِينَة سِتَّة
عشر شهرا ثمَّ تحول إِلَى الْكَعْبَة
بَاب مَا وَقع فِي الْأَذَان من الْآيَات
أخرج ابو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن أبي ليلى قَالَ حَدثنَا
أَصْحَابنَا ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقد هَمَمْت أَن
أبث رجَالًا فِي الدّور ينادون النَّاس بِحِين الصَّلَاة وَحَتَّى هَمَمْت
ان آمُر رجَالًا يقومُونَ على الْآطَام ينادون الْمُسلمين بِحِين الصَّلَاة
فجَاء رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي لما رجعت لما
رَأَيْت من اهتمامك رَأَيْت رجلا كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أخضرين فَقَامَ
على الْمَسْجِد فَأذن ثمَّ قعد قعدة ثمَّ قَامَ فَقَالَ مثلهَا إِلَّا أَنه
يَقُول قد قَامَت الصَّلَاة وَلَوْلَا أَن تَقولُوا لَقلت كنت يقظان غير
نَائِم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد أَرَاك الله خيرا
فَمر بِلَالًا فليؤذن فَقَالَ عمر أما إِنِّي لقد رَأَيْت مثل الَّذِي رأى
وَلَكِنِّي لما سبقت استحييت
(1/322)
وَأخرج ابْن ماجة عَن عبد الله بن زيد
قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد هم بالبوق وبالناقوس
فَرَأَيْت فِي الْمَنَام رجلا عَلَيْهِ ثَوْبَان أخضران يحمل ناقوسا فَقلت
لَهُ يَا عبد الله تبيع الناقوس قَالَ وَمَا تصنع بِهِ قلت أنادي بِهِ
إِلَى الصَّلَاة قَالَ أَفلا أدلك على خير من ذَلِك تَقول الله أكبر الله
أكبر فَذكر الآذان فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فجَاء
عمر فَقَالَ وَالله لقد رَأَيْت مثل الَّذِي رأى وَقَالَ عبد الله بن زيد
فِي ذَلِك
(أَحْمد الله ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام ... حمدا على الْأَذَان كثيرا)
(إِذْ أَتَانِي بِهِ البشير من الله ... فَأكْرم بِهِ لدي بشيرا)
(فِي لَيَال والى بِهن ثَلَاث ... كلما جَاءَ زادني توقيرا)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن بُرَيْدَة أَن رجلا من
الْأَنْصَار أَتَاهُ آتٍ فِي النّوم فَعلمه الْأَذَان فَقَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بِمثل مَا أخْبرت بِهِ أَبُو بكر فَمروا بِلَالًا
أَن يُؤذن
وَأخرج ابْن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده عَن كثير بن مرّة الْحَضْرَمِيّ
قَالَ أول من أذن بِالصَّلَاةِ جبرئيل فِي السَّمَاء الدُّنْيَا فَسَمعهُ
عمر وبلال فَسبق عمر بِلَالًا فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ جَاءَ بِلَال فَقَالَ لَهُ قد سَبَقَك بهَا عمر
وَأخرج ابو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل عَن عبيد بن عُمَيْر ان عمر لما رأى
الْأَذَان جَاءَ ليخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ الْوَحْي
قد ورد بذلك فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبَقَك
الْوَحْي
واخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ كَانَ رجل من الْيَهُود إِذا سمع الْمُنَادِي يُنَادي بالاذان قَالَ
احْرِقْ الله الْكَاذِب فَبينا هُوَ كَذَلِك إِذْ دخلت جَارِيَته بشعلة من
نَار فطارت شرارة مِنْهَا فِي الْبَيْت فالتهبت فِي الْبَيْت فَأَحْرَقتهُ
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ ابْن أم مَكْتُوم يتوخى الْفجْر
فَلَا يخطئه وَكَانَ ضريرا
(1/323)
وَأخرج مُسلم عَن سُهَيْل بن أبي صَالح
قَالَ أَرْسلنِي أبي إِلَى بني حَارِثَة وَمَعِي غُلَام فناداه مُنَاد من
حَائِط باسمه فَأَشْرَف على الْحَائِط فَلم ير شَيْئا فَذكرت ذَلِك لأبي
فَقَالَ إِذا سَمِعت صَوتا فَنَادِ بِالصَّلَاةِ فَإِنِّي سَمِعت ابا
هُرَيْرَة يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن
الشَّيْطَان إِذا نُودي بِالصَّلَاةِ ولى وَله حصاص
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ إِذا تغولت لأحدكم الغيلان
فليؤذن فَإِن ذَلِك لَا يضر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن أَن عمر بعث رجلا إِلَى سعد بن أبي وَقاص
فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق عرضت لَهُ الغول فَأخْبر سَعْدا فَقَالَ
إِنَّا كُنَّا نؤمر إِذا تغولت لنا الغول أَن ننادي بِالْأَذَانِ فَلَمَّا
رَجَعَ إِلَى عمر عرض لَهُ ليسير مَعَه فَنَادَى بِالْأَذَانِ فَذهب عَنهُ
فَإِذا سكت عرض لَهُ فَإِذا أذن ذهب عَنهُ
(1/324)
ذكر المعجزات الْوَاقِعَة فِي الْغَزَوَات
بَاب مَا وَقع فِي عزوة بدر من الْآيَات والمعجزات
قَالَ تَعَالَى {وَلَقَد نصركم الله ببدر} الْآيَات وَقَالَ {إِذْ
تَسْتَغِيثُونَ ربكُم} الْآيَات وَقَالَ {وَإِذ يريكموهم إِذْ التقيتم فِي
أعينكُم قَلِيلا} الْآيَات
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْطلق سعد بن
معَاذ مُعْتَمِرًا فَنزل على أُميَّة بن خلف بن صَفْوَان وَكَانَ أُميَّة
إِذا انْطلق إِلَى الشَّام فَمر بِالْمَدِينَةِ نزل على سعد فَقَالَ
أُميَّة لسعد انْتظر حَتَّى إِذا انتصف النَّهَار وغفل النَّاس انْطَلَقت
فطفت قَالَ فَبَيْنَمَا سعد يطوف إِذا أَتَاهُ أَبُو جهل فَقَالَ من هَذَا
الَّذِي يطوف بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ سعد بن معَاذ انا سعد فَقَالَ أَبُو
جهل أتطوف بِالْكَعْبَةِ آمنا وَقد آويتم مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه فتلاحيا
فَقَالَ أُميَّة لسعد لَا ترفع صَوْتك على أبي الحكم فَإِنَّهُ سيد أهل
هَذَا الْوَادي فَقَالَ لَهُ سعد وَالله لَئِن منعتني أَن أَطُوف
بِالْبَيْتِ لأقطعن عَلَيْك متجرك بِالشَّام فَجعل أُميَّة يَقُول لسعد لَا
ترفع صَوْتك ويسكته فَغَضب سعد فَقَالَ دَعْنَا عَنْك فَإِنِّي سَمِعت
مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزْعم أَنه قَاتلك قَالَ إيَّايَ قَالَ
نعم قَالَ وَالله مَا يكذب مُحَمَّد إِذا حدث فَرجع إِلَى امْرَأَته
فَقَالَ أما تعلمين مَا قَالَ أخي اليثربي قَالَت وَمَا قَالَ قَالَ زعم
انه سمع مُحَمَّدًا يزْعم أَنه قاتلي قَالَت فوَاللَّه مَا يكذب مُحَمَّد
فَلَمَّا خَرجُوا لبدر وَجَاء الصَّرِيخ قَالَت لَهُ امْرَأَته اما علمت
مَا قَالَ
(1/325)
لَك أَخُوك اليثربي قَالَ فَإِنِّي إِذا
لَا أخرج فَقَالَ لَهُ أَبُو جهل إِنَّك من أشرف أهل الْوَادي فسر مَعنا
يَوْمًا اَوْ يَوْمَيْنِ فَسَار مَعَهم فَقتل
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن
ابْن عَبَّاس وَمن طَرِيق عُرْوَة بن الزبير وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق
ابْن شهَاب قَالُوا رَأَتْ عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب فِيمَا يرى النَّائِم
قبل مقدم ضَمْضَم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ على قُرَيْش بِمَكَّة بِثَلَاث
لَيَال رُؤْيا فَأَصْبَحت عَاتِكَة فأعظمتها فَبعثت إِلَى أَخِيهَا
الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فَقَالَت لَهُ يَا أخي لقد رَأَيْت اللَّيْلَة
رُؤْيا أفزعتني ليدخلن على قَوْمك مِنْهَا شَرّ وبلاء فَقَالَ وَمَا هِيَ
قَالَت رَأَيْت أَن رجلا أقبل على بعير لَهُ فَوقف بِالْأَبْطح فَقَالَ
انفروا يَا آل غدر لمصارعكم فِي ثَلَاث فَأذن النَّاس فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ
ثمَّ ان بعيره دخل بِهِ الْمَسْجِد وَاجْتمعَ إِلَيْهِ النَّاس ثمَّ مثل
بِهِ بعيره فَإِذا هُوَ على رَأس الْكَعْبَة فَقَالَ انفروا يَا آل غدر
لمصارعكم فِي ثَلَاث ثمَّ اخذ صَخْرَة فأرسلها من رَأس الْجَبَل فَأَقْبَلت
تهوي حَتَّى إِذا كَانَت فِي أَسْفَله ارفضت فَمَا بقيت دَار من دور قَوْمك
وَلَا بَيت إِلَّا دخل فِيهِ بَعْضهَا فَقَالَ الْعَبَّاس وَالله إِن هَذِه
لرؤيا فاكتميها قَالَت وَأَنت فاكتمها لَئِن بلغت هَذِه قُريْشًا ليؤذوننا
فَخرج الْعَبَّاس من عِنْدهَا فَلَقِيَهُ الْوَلِيد بن عتبَة وَكَانَ لَهُ
صديقا فَذكرهَا لَهُ واستكتمه إِيَّاهَا فَذكرهَا الْوَلِيد لِأَبِيهِ
فَتحدث بهَا فَفَشَا الحَدِيث قَالَ الْعَبَّاس فَإِنِّي لغاد إِلَى
الْكَعْبَة فَإِذا أَبُو جهل قَالَ يَا أَبَا الْفضل مَتى حدثت هَذِه
النبية فِيكُم قلت وَمَا ذَاك قَالَ رُؤْيا رأتها عَاتِكَة أما رَضِيتُمْ
يَا بني عبد الْمطلب أَن يتنبأ رجالكم حَتَّى تتنبأ نِسَاؤُكُمْ سنتربص بكم
هَذِه الثَّلَاث الَّتِي ذكرت عَاتِكَة فَإِن كَانَ حَقًا فسيكون وَإِلَّا
كتبنَا عَلَيْكُم كتابا أَنكُمْ أكذب أهل بَيت فِي الْعَرَب فَلَمَّا كَانَ
الْيَوْم الثَّالِث إِذا ضَمْضَم بن عَمْرو بِالْأَبْطح على بعيره يخبر ان
العير قد عرض لَهَا مُحَمَّد وَأَصْحَابه فَلم يكن إِلَّا الجهاز حَتَّى
خرجنَا فَأصَاب قُريْشًا مَا أَصَابَهَا يَوْم بدر فَقَالَت عَاتِكَة فِي
ذَلِك أبياتا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَمن
طَرِيق عُرْوَة بن الزبير قَالَا لما نفرت قُرَيْش إِلَى بدر نزلُوا
الْجحْفَة عشَاء وَفِيهِمْ رجل من بني الْمطلب
(1/326)
ابْن عبد منَاف يُقَال لَهُ جهيم بن
الصَّلْت بن مخرمَة فَوضع جهيم رَأسه فأغفى ثمَّ فزع فَقَالَ لأَصْحَابه
هَل رَأَيْتُمْ الْفَارِس الَّذِي وقف عَليّ آنِفا فَقَالُوا لَا إِنَّك
مَجْنُون قَالَ قد وقف عَليّ فَارس آنِفا فَقَالَ قتل أَبُو جهل وَعتبَة
وَشَيْبَة وَزَمعَة وَأَبُو البخْترِي وَأُميَّة بن خلف فعد أشرافا من كفار
قُرَيْش فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه إِنَّمَا لعب بك الشَّيْطَان وَرفع
الحَدِيث إِلَى أبي جهل فَقَالَ قد جئْتُمْ بكذب بني الْمطلب مَعَ كذب بني
هَاشم سيرون غَدا من يقتل
وَأخرج البُخَارِيّ عَن الْبَراء قَالَ كُنَّا نتحدث أَن عدَّة أهل بدر
ثَلَاث مائَة وَبضْعَة عشر كعدة أَصْحَاب طالوت الَّذين جاوزوا مَعَه
النَّهر
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر ان النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْم بدر بثلاثمائة وَخَمْسَة عشر من الْمُقَاتلَة
كَمَا خرج طالوت فَدَعَا لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين
خرج فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّهُم حُفَاة فاحملهم اللَّهُمَّ انهم عُرَاة
فاكسهم اللَّهُمَّ إِنَّهُم جِيَاع فأشبعهم فَفتح الله لَهُم يَوْم بدر
فانقلبوا وَمَا مِنْهُم رجل إِلَّا وَقد رَجَعَ بجمل أَو بجملين واكتسوا
وشبعوا
وَأخرج وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ مَا كَانَ مَعنا يَوْم
بدر إِلَّا فرسَان فرس للزبير وَفرس لِلْمِقْدَادِ بن الاسود
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ أَخذنَا رجلَيْنِ يَوْم بدر فَأَفلَت
أَحدهمَا وأخذنا الآخر فَقُلْنَا كم الْقَوْم قَالَ كثير عَددهمْ شَدِيد
بأسهم فَجعلنَا نضربه حَتَّى انتهينا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَأبى أَن يُخبرهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كم
تنحرون من الْجَزُور فَقَالَ فِي كل يَوْم عشرا فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَوْم ألف لكل جزور مائَة
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن يزِيد بن رُومَان نَحوه وَفِيه كم
تنحرون كل يَوْم قَالَ يَوْمًا عشرا وَيَوْما تسعا فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَوْم بَين الْألف والتسعمائة
(1/327)
وَأخرج ابْن سعد وَابْن رَاهَوَيْه وَابْن
منيع وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لقد قللُوا فِي أَعيننَا
يَوْم بدر حَتَّى قلت لرجل إِلَى جَنْبي أَترَاهُم سبعين قَالَ أَرَاهُم
مائَة فَأَسَرْنَا رجلا مِنْهُم فَقُلْنَا كم كُنْتُم قَالَ ألفا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَمن
طَرِيق عُرْوَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اضْطجع يَوْم بدر
وَقَالَ لأَصْحَابه لَا تقاتلوا حَتَّى أؤذنكم وغشيه نوم فغلبه فاستيقط
وَقد أرَاهُ الله إيَّاهُم فِي مَنَامه قَلِيلا وقلل الْمُسلمين فِي أعين
الْمُشْركين حَتَّى طمع بعض الْقَوْم فِي بعض
وَأخرج وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ
لما دنا الْقَوْم بَعضهم من بعض قلل الله الْمُسلمين فِي أعين الْمُشْركين
وقلل الْمُشْركين فِي أعين الْمُسلمين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ لما دنا الْقَوْم منا وصاففناهم إِذا
بِرَجُل مِنْهُم يسير فِي الْقَوْم على جمل أَحْمَر فَقَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَاحب الْجمل الْأَحْمَر ثمَّ قَالَ إِن يَك
فِي الْقَوْم أحد يَأْمر بِخَير فَعَسَى أَن يكون صَاحب الْجمل الاحمر
فجَاء حَمْزَة فَقَالَ هُوَ عتبَة بن ربيعَة وَهُوَ ينْهَى عَن الْقِتَال
وَيَأْمُر بِالرُّجُوعِ وَيَقُول يَا قوم أعصبوها الْيَوْم برأسي وَقَالُوا
جبن عتبَة وَأَبُو جهل يَأْبَى ذَلِك وَأخرج أَيْضا نَحوه من طَرِيق ابْن
شهَاب وَمن طَرِيق عُرْوَة وَزَاد بعد قَوْله الْأَحْمَر وَأَن يطيعوه
يرشدوا
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس ان النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْلَة بدر هَذَا مصرع فلَان إِن شَاءَ الله
تَعَالَى غَدا وَوضع يَده على الأَرْض وَهَذَا مصرع فلَان إِن شَاءَ الله
تَعَالَى غَدا وَوضع يَده على الأَرْض وَهَذَا مصرع فلَان إِن شَاءَ الله
تَعَالَى غَدا وَوضع يَده على الارض وَهَذَا مصرع فلَان إِن شَاءَ الله
تَعَالَى غَدا وَوضع يَده على الأَرْض فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ مَا أخطأوا
تِلْكَ الْحُدُود جعلُوا يصرعون عَلَيْهَا ثمَّ ألقوا فِي القليب وَجَاء
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا فلَان ابْن فلَان ابْن فلَان
هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا فَإِنِّي وجدت مَا وَعَدَني رَبِّي حَقًا
قالو يَا رَسُول الله
(1/328)
أَتكَلّم أجسادا لَا أَرْوَاح فِيهَا
فَقَالَ مَا أَنْتُم بأسمع مِنْهُم وَلَكنهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ ان يردوا
عَليّ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَمن
طَرِيق عُرْوَة بن الزبير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما
اسْتَشَارَ أَصْحَابه فِي الْخُرُوج إِلَى بدر قَالَ سِيرُوا على اسْم الله
فَإِنِّي قد رَأَيْت مصَارِع الْقَوْم
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما نظر رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُشْركين يَوْم بدر قَالَ كأنكم بأعداء الله
بِهَذِهِ الضلع الْحَمْرَاء من الْجَبَل يقتلُون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ مَا سَمِعت مناشدا ينشد
حَقًا لَهُ أَشد من مناشدة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر
وَجعل يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أنْشدك عَهْدك وَوَعدك اللَّهُمَّ ان تهْلك
هَذِه الْعِصَابَة لَا تعبد ثمَّ الْتفت كَأَن شقّ وَجهه الْقَمَر فَقَالَ
كَأَنَّمَا أنظر إِلَى مصَارِع الْقَوْم عَشِيَّة
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ فِي قُبَّته يَوْم بدر اللَّهُمَّ اني انشدك عَهْدك وَوَعدك
اللَّهُمَّ إِن شِئْت لم تعبد بعد الْيَوْم أبدا فَأخذ ابو بكر بِيَدِهِ
فَقَالَ حَسبك يَا رَسُول الله فقد ألححت على رَبك فَخرج وَهُوَ يثب فِي
الدرْع وَيَقُول سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي عمر بن
الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما كَانَ يَوْم بدر نظر رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُشْركين وهم ألف وَأَصْحَابه ثَلَاثمِائَة
وَسَبْعَة عشر رجلا فَاسْتقْبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْقبْلَة ثمَّ مد يَدَيْهِ فَجعل يَهْتِف بربه مَادًّا يَدَيْهِ
مُسْتَقْبل الْقبْلَة حَتَّى سقط رِدَاؤُهُ عَن مَنْكِبَيْه فَأَتَاهُ
أَبُو بكر فَأخذ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ على مَنْكِبَيْه ثمَّ الْتَزمهُ من
وَرَائه فَقَالَ يَا نَبِي الله كفاء مُنَاشَدَتك رَبك فَإِنَّهُ
سَيُنْجِزُ لَك مَا وَعدك فَأنْزل الله {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم
فَاسْتَجَاب لكم أَنِّي مُمِدكُمْ بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ}
فأمده الله بِالْمَلَائِكَةِ قَالَ ابْن عَبَّاس فَبَيْنَمَا رجل من
الْمُسلمين
(1/329)
يَوْمئِذٍ يشْتَد فِي اثر رجل من
الْمُشْركين أَمَامه إِذْ سمع ضَرْبَة بِالسَّوْطِ فَوْقه وَصَوت الْفَارِس
أقدم حيزوم إِذْ نظر إِلَى الْمُشرك أَمَامه مُسْتَلْقِيا فَنظر إِلَيْهِ
فَإِذا هُوَ قد حطم أَنفه وشق وَجهه كَضَرْبَة السَّوْط فأخضر ذَلِك أجمع
فجَاء الْأنْصَارِيّ فَحدث ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ صدقت ذَلِك من مدد السَّمَاء الثَّالِثَة فَقتلُوا يَوْمئِذٍ سبعين
وأسروا سبعين
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ لما كَانَ يَوْم بدر
قَاتَلت شَيْئا من قتال ثمَّ جِئْت مسرعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لأنظر مَا فعل فَإِذا هُوَ ساجد يَقُول يَا حَيّ يَا قيوم يَا حَيّ
يَا قيوم لَا يزِيد عَلَيْهَا ثمَّ رجعت إِلَى الْقِتَال ثمَّ جِئْت وَهُوَ
ساجد يَقُول ذَلِك ثمَّ رجعت لِلْقِتَالِ ثمَّ جِئْت وَهُوَ ساجد يَقُول
ذَلِك فَفتح الله عَلَيْهِ
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ
رَأَيْت يَوْم بدر رجلَيْنِ عَن يَمِين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَحدهمَا وَعَن يسَاره أَحدهمَا يقاتلان أَشد الْقِتَال ثمَّ ثلثهما ثَالِث
من خَلفه ثمَّ ربعهما رَابِع أَمَامه
وَأخرج ابْن اسحاق وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن
عَبَّاس عَن رجل من بني غفار قَالَ حضرت أَنا وَابْن عَم لي بَدْرًا وَنحن
على شركنا فَإنَّا لفي جبل نَنْتَظِر الْوَقْعَة على من تكون الدبرة فننتهب
فَأَقْبَلت سَحَابَة فَلَمَّا دنت من الْجَبَل سمعنَا فِيهَا حَمْحَمَة
الْخَيل وَسَمعنَا فِيهَا فَارِسًا يَقُول اقدم حيزوم فَأَما صَاحِبي
فانكشف قناع قلبه فَمَاتَ مَكَانَهُ وَأما أَنا فكدت أهلك ثمَّ انتعشت بعد
ذَلِك
وَأخرج ابْن اسحاق وَابْن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَابْن جرير
وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي أسيد السَّاعِدِيّ انه قَالَ
بَعْدَمَا عمي لَو كنت مَعكُمْ ببدر الْآن وَمَعِي بَصرِي لأخبرتكم
بِالشعبِ الَّذِي خرجت من الْمَلَائِكَة لَا أَشك وَلَا أتمارى
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَحَكِيم بن حزَام قَالَا لما حضر
الْقِتَال رفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ يسْأَل الله
النَّصْر وَمَا وعده وَقَالَ اللَّهُمَّ إِن ظَهَرُوا على هَذِه
الْعِصَابَة ظهر الشّرك وَلَا يقوم لَك دين وَأَبُو بكر يَقُول وَالله
لينصرنك الله وليبيضن وَجهك
(1/330)
فَانْزِل الله ألف من الْمَلَائِكَة
مُردفِينَ عِنْد أكناف الْعَدو قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أبشر يَا أَبَا بكر هَذَا جبرئيل معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بَين
السَّمَاء وَالْأَرْض فَلَمَّا نزل إِلَى الأَرْض تغيب عني سَاعَة ثمَّ طلع
على ثناياه النَّقْع يَقُول أَتَاك نصر الله إِذْ دَعوته
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ يَوْم بدر هَذَا جبرئيل آخذ بِرَأْس فرسه عَلَيْهِ أَدَاة الْحَرْب
وَأخرج ابو يعلى وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ بَيْنَمَا
انا اميح من قليب بدر إِذْ جَاءَت ريح شَدِيدَة لم أر مثلهَا قطّ ثمَّ ذهبت
ثمَّ جَاءَت ريح شَدِيدَة لم أر مثلهَا قطّ إِلَّا الَّتِي كَانَت قبلهَا
ثمَّ جَاءَت ريح شَدِيدَة قَالَ فَكَانَت الرّيح الأولى جبرئيل عَلَيْهِ
السَّلَام نزل فِي ألف من الْمَلَائِكَة مَعَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت الرّيح الثَّانِيَة مِيكَائِيل نزل فِي ألف من
الْمَلَائِكَة عَن يَمِين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ
أَبُو بكر عَن يَمِينه وَكَانَت الرّيح الثَّالِثَة إسْرَافيل نزل فِي ألف
من الْمَلَائِكَة عَن ميسرَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا
فِي الميسرة
وَأخرج احْمَد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ
الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ قيل لي وَلأبي بكر يَوْم بدر قيل
لِأَحَدِنَا مَعَك جبرئيل وَقيل للْآخر مَعَك مِيكَائِيل وإسرافيل ملك
عَظِيم يشْهد الْقِتَال وَلَا يُقَاتل وَيكون فِي الصَّفّ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن سهل بن حنيف
قَالَ لقد رَأَيْتنَا يَوْم بدر وان أَحَدنَا يُشِير بِسَيْفِهِ إِلَى رَأس
الْمُشرك فَيَقَع رَأسه عَن جسده قبل أَن يصل إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ قَالَ إِنِّي
لَأَتبع يَوْم بدر رجلا من الْمُشْركين لأَضْرِبهُ فَوَقع رَأسه قبل ان يصل
إِلَيْهِ سَيفي فَعرفت ان غَيْرِي قد قَتله
واخرج ابْن جرير وَأَبُو نعيم عَن أبي دَاوُد الْمَازِني مثله
(1/331)
وَأخرج ابو نعيم عَن ابي دارة قَالَ
حَدثنِي رجل من قومِي من بني سعد بن بكر قَالَ إِنِّي لمنهزم يَوْم بدر
إِذْ أَبْصرت رجلا بَين يَدي مُنْهَزِمًا فَقلت الْحَقْهُ فأستأنس بِهِ
فَتَدَلَّى من جرف وَلَحِقتهُ فَإِذا رَأسه قد زايله سَاقِطا وَمَا رَأَيْت
قربه أحدا
وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة قَالَ كَانَ يَوْمئِذٍ ينْدر رَأس الرجل لَا
يدْرِي من ضربه وتندر يَد الرجل لَا يدْرِي من ضربه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الرّبيع بن انس قَالَ كَانَ النَّاس يَوْم بدر
يعْرفُونَ قَتْلَى الْمَلَائِكَة مِمَّن قتلوهم بِضَرْب فَوق الْأَعْنَاق
وعَلى البنان مثل سمة النَّار قد أحرق بِهِ
وَأخرج ابْن اسحاق وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ كَانَت سيماء الْمَلَائِكَة يَوْم بدر عمائم بيض قد أرسلوها
فِي ظُهُورهمْ وَيَوْم حنين عمائم حمر وَلم تقَاتل الْمَلَائِكَة فِي يَوْم
سوى يَوْم بدر وَكَانُوا يكونُونَ فِيمَا سواهُ من الْأَيَّام عددا ومددا
لَا يضْربُونَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن سُهَيْل بن عَمْرو قَالَ لقد
رَأَيْت يَوْم بدر رجَالًا بيضًا على خيل بلق بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
معلمين يقتلُون وَيَأْسِرُونَ
وَأخرج ابْن سعد عَن حويطب بن عبد الْعُزَّى قَالَ لقد شهِدت بَدْرًا مَعَ
الْمُشْركين فَرَأَيْت عيرًا رَأَيْت الْمَلَائِكَة تقتل وتأسر بَين
السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن خَارِجَة بن ابراهيم عَن أَبِيه
قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبرئيل من الْقَائِل
يَوْم بدر من الْمَلَائِكَة اقدم حيزوم فَقَالَ جبرئيل مَا كل أهل
السَّمَاء أعرف
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن صُهَيْب قَالَ مَا أَدْرِي كم يَد
مَقْطُوعَة أَو ضَرْبَة جَائِفَة لم يدم كلمها يَوْم بدر قد رَأَيْتهَا
(1/332)
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن
أبي بردة بن نيار قَالَ جِئْت يَوْم بدر بِثَلَاثَة رُؤُوس فوضعتهن بَين
يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله أما رأسان
فقتلتهما وَأما الثَّالِث فَإِنِّي رَأَيْت رجلا أَبيض طَويلا ضربه فَأخذت
رَأسه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك فلَان من
الْمَلَائِكَة
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْملك
يتَصَوَّر فِي صُورَة من يعْرفُونَ من النَّاس يثبتونهم فَيَقُول إِنِّي قد
دَنَوْت مِنْهُم فَسَمِعتهمْ يَقُولُونَ لَو حملُوا علينا مَا ثبتنا
لَيْسُوا بِشَيْء فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {إِذْ يوحي رَبك إِلَى
الْمَلَائِكَة أَنِّي مَعكُمْ فثبتوا الَّذين آمنُوا}
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن السَّائِب بن أبي حُبَيْش انه
كَانَ يَقُول وَالله مَا أسرني أحد من النَّاس فَيُقَال فَمن فَيَقُول لما
انْهَزَمت قُرَيْش انْهَزَمت مَعهَا فيدركني رجل أَبيض طَوِيل على فرس
أَبيض بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فأوثقني رِبَاطًا وَجَاء عبد الرَّحْمَن
بن عَوْف فوجدني مربوطا فَنَادَى فِي الْعَسْكَر من أسر هَذَا فَلَيْسَ
يزْعم أحد أَنه أسرني حَتَّى انْتهى بِي إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي من أسرك فَقلت لَا أعرفهُ وكرهت ان اخبره
بِالَّذِي رَأَيْت فَقَالَ أسرك ملك من الْمَلَائِكَة
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن حَكِيم بن حزَام
قَالَ لقد رَأَيْتنَا يَوْم بدر وَقد وَقع بوادي خليص بجاد من السَّمَاء قد
سد الْأُفق وَإِذا الْوَادي يسيل نملا فَوَقع فِي نَفسِي أَن هَذَا شَيْء
من السَّمَاء أيد بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا كَانَت
إِلَّا الْهَزِيمَة وَهِي الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم بِسَنَد حسن عَن
جُبَير بن مطعم قَالَ رَأَيْت قبل هزيمَة الْقَوْم وَالنَّاس يقتتلون مثل
البجاد الْأسود أقبل من السَّمَاء حَتَّى وَقع على الأَرْض فَنَظَرت فَإِذا
مثل النَّمْل السود مبثوث حَتَّى امْتَلَأَ الْوَادي فَلم أَشك أَنَّهَا
الْمَلَائِكَة فَلم يكن إِلَّا هزيمَة الْقَوْم
(1/333)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن
عَليّ قَالَ جَاءَ رجل من الْأَنْصَار قصير بِرَجُل من بني هَاشم وَلَفظ
أبي نعيم بِالْعَبَّاسِ أَسِيرًا يَوْم بدر فَقَالَ الرجل إنهذا وَالله مَا
أسرني لقد أسرني رجل أجلح من أحسن النَّاس وَجها على فرس ابلق مَا أرَاهُ
فِي الْقَوْم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك ملك كريم
واخرج احْمَد وَابْن سعد وَابْن جرير وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ
كَانَ الَّذِي أسر الْعَبَّاس أَبُو الْيُسْر كَعْب بن عَمْرو وَكَانَ
أَبُو الْيُسْر رجلا مجموعا وَكَانَ الْعَبَّاس رجلا جسيما فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا الْيُسْر كَيفَ أسرت الْعَبَّاس
قَالَ يَا رَسُول الله لقد اعانني عَلَيْهِ رجل مَا رَأَيْته قبل ذَلِك
وَلَا بعده هَيئته كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لقد أعانك عَلَيْهِ ملك كريم
واخرج ابو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قلت لأبي يَا أبه كَيفَ أسرك ابو
الْيُسْر وَلَو شِئْت لجعلته فِي كفك قَالَ يَا بني لَا تقل ذَلِك لقد
لَقِيَنِي وَهُوَ أعظم فِي عَيْني من الخندمة جبل بِمَكَّة
وَأخرج ابْن سعد عَن مَحْمُود بن لبيد قَالَ حَدثنَا عبيد بن أَوْس قَالَ
لما كَانَ يَوْم بدر أسرت الْعَبَّاس وَعقيل بن أبي طَالب فَلَمَّا نظر
إِلَيْهِمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أعانك عَلَيْهِمَا
ملك كريم
وَأخرج ابْن سعد عَن عَطِيَّة بن قيس قَالَ لما فرغ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من قتال أهل بدر جَاءَهُ جبرئيل على فرس انثى حَمْرَاء
عَلَيْهِ درعه وَمَعَهُ رمحه فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِن الله بَعَثَنِي
إِلَيْك وَأَمرَنِي أَن لَا أُفَارِقك حَتَّى ترْضى هَل رضيت قَالَ نعم
رضيت فَانْصَرف
وَأخرج أَبُو يعلى عَن جَابر قَالَ كُنَّا نصلي مَعَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة بدر إِذْ تَبَسم فِي صلَاته فَلَمَّا قضى
الصَّلَاة قُلْنَا يَا رَسُول الله رَأَيْنَاك تبسمت قَالَ مر بِي
مِيكَائِيل وعَلى جنَاحه أثر الْغُبَار وَهُوَ رَاجع من طلب الْقَوْم
فَضَحِك إِلَيّ فتبسمت إِلَيْهِ
(1/334)
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي
الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ لما كَانَ يَوْم بدر اتقينا
الْمُشْركين برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أَشد النَّاس
بَأْسا وَمَا كَانَ أحد أقرب إِلَى الْمُشْركين مِنْهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن
شهَاب وَمن طَرِيق عُرْوَة قَالَا أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَلأ كَفه من الْحَصَاة فَرمى بهَا وُجُوه الْمُشْركين فَجعل الله
تِلْكَ الْحَصْبَاء عَظِيما شَأْنهَا لم تتْرك من الْمُشْركين رجلا إِلَّا
مَلَأت عَيْنَيْهِ ويجدون النَّفر كل رجل مِنْهُم منكبا على وَجهه لَا
يدْرِي أَيْن يتَوَجَّه يعالج التُّرَاب يَنْزعهُ من عَيْنَيْهِ وَوجد ابْن
مَسْعُود أَبَا جهل مصروعا بَينه وَبَين المعركة غير كثير مقنعا فِي
الْحَدِيد وَاضِعا سَيْفه على فَخذيهِ لَيْسَ بِهِ جرح وَلَا يَسْتَطِيع ان
يُحَرك مِنْهُ عضوا وَهُوَ منْكب ينظر إِلَى الأَرْض فَضَربهُ من قَفاهُ
فَوضع رَأسه ثمَّ سلبه فَإِذا هُوَ لَيْسَ بِهِ جراج وَأبْصر فِي عُنُقه
خدرا وَفِي يَدَيْهِ وكتفيه كَهَيئَةِ اثار للسياط فَأخْبر بذلك النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ذَاك ضرب الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابو نعيم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ سَمِعت صَوت حَصَيَات وقعن من
السَّمَاء يَوْم بدر كأنهن وقعن فِي طست فَلَمَّا اصطف النَّاس أخذهن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرمى بِهن فِي وُجُوه الْمُشْركين
فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَمَا رميت إِذْ رميت} الْآيَة
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن
ثَعْلَبَة بن صَغِير ان المستفتح يَوْم بدر أَبُو جهل قَالَ لما التقى
الْجَمْعَانِ قَالَ اللَّهُمَّ اقطعنا للرحم وأتانا بِمَا لَا نَعْرِف
فاحنه الْغَدَاة فَقتل وَفِيه انْزِلْ الله {إِن تستفتحوا فقد جَاءَكُم
الْفَتْح}
وَأخرج وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق ابْن أبي طَلْحَة عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ اقبلت عير أهل مَكَّة تُرِيدُ الشَّام فَبلغ اهل الْمَدِينَة
ذَلِك فَخَرجُوا وَمَعَهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يُرِيدُونَ العير فَبلغ ذَلِك اهل مَكَّة فَأَسْرعُوا السّير إِلَيْهَا
لكيلا يغلب عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/335)
وَأَصْحَابه فسبقت العير رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ الله وعدهم إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ
وَكَانُوا أَن يلْقوا العير أحب إِلَيْهِم وأيسر شَوْكَة وأحضر مغنما
فَلَمَّا سبقت العير وفاتت سَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِالْمُسْلِمين يُرِيد الْقَوْم فكره الْقَوْم مَسِيرهمْ لشوكة الْقَوْم
فَنزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون وَبينهمْ وَبَين المَاء
رَملَة دحضة فَأصَاب الْمُسلمين ضعف شَدِيد وَألقى الشَّيْطَان فِي
قُلُوبهم الغيظ يوسوسهم تَزْعُمُونَ انكم أَوْلِيَاء الله وَفِيكُمْ
رَسُوله وَقد غَلَبَكُمْ الْمُشْركُونَ على المَاء وَأَنْتُم كَذَا فَأمْطر
الله عَلَيْهِم مَطَرا شَدِيدا فَشرب الْمُسلمُونَ وَتطَهرُوا فَأذْهب الله
عَنْهُم رجز الشَّيْطَان وَصَارَ الرمل كَذَا ذكر كلمة أخبر أَنه أَصَابَهُ
الْمَطَر وَمَشى النَّاس عَلَيْهِ وَالدَّوَاب فَسَار إِلَى الْقَوْم وأمد
الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُؤمنِينَ بِأَلف من الْمَلَائِكَة
وَكَانَ جبرئيل فِي خَمْسمِائَة من الْمَلَائِكَة مجنبة وَمِيكَائِيل فِي
خَمْسمِائَة مجنبة وَجَاء إِبْلِيس فِي جند من الشَّيَاطِين مَعَه رَأَيْته
فِي صُورَة رجال بني مُدْلِج والشيطان فِي صُورَة سراقَة بن مَالك بن جعْشم
فَقَالَ الشَّيْطَان للْمُشْرِكين لَا غَالب لكم الْيَوْم من النَّاس
وَإِنِّي جَار لكم فَلَمَّا اخْتَلَط الْقَوْم قَالَ أَبُو جهل اللَّهُمَّ
أولانا بِالْحَقِّ فانصره وَرفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده
فَقَالَ يَا رب إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة فَلَنْ تعبد فِي الأَرْض أبدا
فَقَالَ لَهُ جبرئيل خُذ قَبْضَة من التُّرَاب فَأخذ قَبْضَة من التُّرَاب
فَرمى بهَا وُجُوههم فَمَا من الْمُشْركين أحد إِلَّا أصَاب عَيْنَيْهِ
وَمنْخرَيْهِ وفمه تُرَاب من تِلْكَ القبضة فَوَلوا مُدبرين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَمن
طَرِيق عُرْوَة قَالَا انْزِلْ الله عَلَيْهِم فِي تِلْكَ اللَّيْلَة
مَطَرا وَاحِدًا فَكَانَ على الْمُشْركين بلَاء شَدِيدا مَنعهم ان
يَسِيرُوا وَكَانَ على الْمُسلمين دِيمَة خَفِيفَة لبدلهم الْمسير والمنزل
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه مصَارِعهمْ إِن شَاءَ
الله بِالْغَدَاةِ
وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة قَالَ كَانُوا يَوْمئِذٍ يميدون من النعاس
ونزلوا على كثيب أهيل فمطرت السَّمَاء فَصَارَ مثل الصَّفَا يسعون عَلَيْهِ
سعيا وَانْزِلْ الله {إِذْ يغشيكم النعاس} الْآيَة
(1/336)
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن
حَكِيم بن حزَام قَالَ الْتَقَيْنَا يَوْم بدر فاقتتلنا فَسمِعت صَوتا وَقع
من السَّمَاء إِلَى الأَرْض مثل وَقع الْحَصَى فِي الطست وَقبض النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَبْضَة فَرمى بهَا فَانْهَزَمْنَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن حَكِيم بن حزَام قَالَ سمعنَا يَوْم
بدر صَوتا من السَّمَاء وَقع إِلَى الأَرْض كَأَنَّهُ صَوت حَصَاة فِي طست
فَرمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْحَصَاة فَمَا بَقِي
منا أحد
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَوْفَل بن مُعَاوِيَة الذيلي
قَالَ انهزمنا يَوْم بدر وَنحن نسْمع كوقع الْحَصَى فِي الطست فِي افئدتنا
وَمن خلفنا وَكَانَ ذَلِك من أَشد الرعب علينا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا
رميت إِذْ رميت} قَالَ مَا وَقع مِنْهَا شَيْء إِلَّا فِي عين رجل
واخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ اخذتهم يَوْم
بدر ريح عقيم
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه حَدثنِي خبيب بن عبد
الرَّحْمَن قَالَ ضرب خبيب جدي يَوْم بدر فَمَال شقَّه فتفل عَلَيْهِ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولأمه ورده فانطبق
وَأخرج ابْن عدي وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عَاصِم بن عمر بن
قَتَادَة عَن جده قَتَادَة بن النُّعْمَان أَنه اصيبت عينه يَوْم بدر فسالت
حدقته على وجنته فأرادوا أَن يقطعوها فسألوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ لَا فَدَعَا بِهِ فغمز حدقته براحته فَكَانَ لَا يدْرِي أَي
عَيْنَيْهِ أُصِيبَت واخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن قَتَادَة مثله
وَزَاد بعد براحته وَقَالَ اللَّهُمَّ اكسه جمالا
وَأخرج ابْن سعد عَن زيد بن أسلم ان عين قَتَادَة بن النُّعْمَان أُصِيبَت
فسالت على خَدّه فَردهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ
فَكَانَت أصح عَيْنَيْهِ وأحسنهما
(1/337)
واخرج أَبُو نعيم من طَرِيق عبد الله بن
أبي صعصعة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن أَخِيه قَتَادَة بن النُّعْمَان
قَالَ أُصِيبَت عَيْنَايَ يَوْم بدر فسقطتا على وجنتي فَأتيت بهما النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعادهما مكانهما وبزق فيهمَا فعادتا تبرقان
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن معَاذ بن رِفَاعَة بن
رَافع بن مَالك عَن أَبِيه قَالَ رميت بِسَهْم يَوْم بدر ففقئت عَيْني فبصق
فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا لي فَمَا آذَانِي مِنْهَا
شَيْء
وَأخرج الْوَاقِدِيّ حَدثنِي عمر بن عُثْمَان الحَجبي عَن أَبِيه عَن عمته
قَالَت كَانَ عكاشة بن مُحصن قَالَ إنقطع سَيفي يَوْم بدر فَأَعْطَانِي
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عودا فَإِذا هُوَ سيف أَبيض طَوِيل
وقاتلت بِهِ حَتَّى هزم الله الْمُشْركين فَلم يزل عِنْده حَتَّى هلك أخرجه
الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ حَدثنِي أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ عَن دَاوُد بن
الْحصين عَن رجال من بني عبد الْأَشْهَل عدَّة قَالُوا انْكَسَرَ سيف
سَلمَة بن أسلم بن حريش يَوْم بدر فَبَقيَ أعزل لَا سلَاح مَعَه فَأعْطَاهُ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضِيبًا كَانَ فِي يَده من عراجين
ابْن طَابَ فَقَالَ أضْرب بِهِ فَإِذا هُوَ سيف جيد فَلم يزل عِنْده حَتَّى
قتل يَوْم جسر أبي عبيد أخرجه الْبَيْهَقِيّ
وَقَالَ ابْن سعد انا عَليّ بن مُحَمَّد عَن ابي معشر عَن زيد بن اسْلَمْ
وَيزِيد بن رُومَان وَإِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة وَغَيرهم إِن
عكاشة بن مُحصن انْقَطع سَيْفه يَوْم بدر فَأعْطَاهُ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم جذلا من شَجَرَة فَعَاد فِي يَده سَيْفا صَارِمًا صافي
الحديدة شَدِيد الْمَتْن
وَأخرج الشَّيْخَانِ من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس ان النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وقف على قتل بدر فِي الركي فَجعل يناديهم يَا فلَان ابْن
فلَان هَل يسركم انكم أطعتم الله وَرَسُوله فَإنَّا قد وجدنَا مَا وعدنا
رَبنَا حَقًا قَالَ عمر يَا رَسُول الله مَا تكلم من اجساد لَا ارواح
فِيهَا
(1/338)
قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا
أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم قَالَ قَتَادَة أحياهم الله حَتَّى
أسمعهم قَوْله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندامة
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر اللَّهُمَّ اكْفِنِي نَوْفَل بن
خويلد ثمَّ قَالَ من لَهُ علم بنوفل فَقَالَ عَليّ أَنا قتلته يَا رَسُول
الله فَكبر وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي اجاب دَعْوَتِي فِيهِ
واخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت مَا كَانَ بعد نزُول قَوْله
تَعَالَى {وذرني والمكذبين أولي النِّعْمَة ومهلهم قَلِيلا} إِلَّا قَلِيل
حَتَّى اصاب الله قُريْشًا بالوقعة يَوْم بدر
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ بَينا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي عِنْد الْكَعْبَة وَجمع من قُرَيْش فِي مجَالِسهمْ
فَقَالُوا ايكم يقوم إِلَى جزور بني فلَان فَيَأْتِي بسلاها فيضعه بَين
كَتفيهِ إِذا سجد فانبعث أَشْقَى الْقَوْم فجَاء بِهِ فَوَضعه بَين كَتفيهِ
وَثَبت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاجِدا وَضَحِكُوا حَتَّى مَال
بَعضهم على بعض من الضحك فَانْطَلق منطلق إِلَى فَاطِمَة وَهِي جوَيْرِية
فَأَقْبَلت تسْعَى حَتَّى ألقته عَنهُ وَأَقْبَلت عَلَيْهِم تسبهم فَلَمَّا
قضى صلَاته قَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْك بِقُرَيْش ثَلَاثًا ثمَّ سمى
اللَّهُمَّ عَلَيْك بِعَمْرو بن هِشَام يَعْنِي أَبَا جهل وَعتبَة بن
ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة وَأُميَّة بن خلف وَعقبَة
ابْن أبي معيط وَعمارَة بن الْوَلِيد قَالَ ابْن مَسْعُود فَلَقَد
رَأَيْتهمْ صرعى يَوْم بدر
وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما فرغ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْقَتْلَى قيل لَهُ عَلَيْك بالعير لَيْسَ
دونهَا شَيْء فناداه الْعَبَّاس وَهُوَ أَسِير فِي وثَاقه إِنَّه لَا يصلح
لَك قَالَ لم قَالَ لِأَن الله وَعدك إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقد أنْجز
لَك مَا وَعدك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ أَن رجلا قَالَ
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي مَرَرْت ببدر فَرَأَيْت رجلا يخرج
من الأَرْض فيضربه رجل بمقمعة مَعَه حَتَّى يغيب فِي
(1/339)
الأَرْض ثمَّ يخرج فيفعل بِهِ مثل ذَلِك
مرَارًا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك أَبُو جهل يعذب
إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن
عمر قَالَ بَينا أَنا أَسِير بجنبات بدر اذ خرج رجل من حُفْرَة فِي عُنُقه
سلسلة فناداني يَا عبد الله اسْقِنِي فَلَا أَدْرِي اعرف اسْمِي أَو
دَعَاني بِدِعَايَةِ الْعَرَب وَخرج رجل من تِلْكَ الحفرة فِي يَده سَوط
فناداني يَا عبد الله لَا تسقه فَإِنَّهُ كَافِر ثمَّ ضربه بِالسَّوْطِ
حَتَّى عَاد إِلَى حفرته فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأَخْبَرته فَقَالَ لي أَو قد رَأَيْته قلت نعم قَالَ ذَاك عَدو الله
أَبُو جهل وَذَاكَ عَذَابه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَمن
طَرِيق عُرْوَة قَالَا أذلّ الله بوقعة بدر رِقَاب الْمُشْركين
وَالْمُنَافِقِينَ فَلم يبْق فِي الْمَدِينَة مُنَافِق وَلَا يَهُودِيّ
إِلَّا وَهُوَ خاضع عُنُقه لِوَقْعَة بدر وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْفرْقَان
يَوْم فرق الله بَين الشّرك وَالْإِيمَان وَقَالَت الْيَهُود تَيَقنا أَنه
النَّبِي الَّذِي نجد نَعته فِي التَّوْرَاة وَالله لَا يرفع راية بعد
الْيَوْم إِلَّا ظَهرت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ قَالَ سَالَتْ أَبَا سعيد
الْخُدْرِيّ عَن قَول الله عز وَجل {الم غلبت الرّوم} الْآيَة قَالَ كَانَت
فَارس غلبت الرّوم ثمَّ غلبت الرّوم فَارس بعد ذَلِك الْتَقَيْنَا مَعَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومشركو الْعَرَب يَوْم بدر والتقت
الرّوم وَفَارِس فنصرنا على الْمُشْركين وَنصر أهل الْكتاب على الْمَجُوس
ففرحنا بنصر الله إيانا على الْمُشْركين وفرحنا بنصر الله أهل الْكتاب على
الْمَجُوس فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله}
وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
فِي قبَّة يَوْم بدر فَقَالَ قومُوا إِلَى جنَّة عرضهَا السَّمَوَات
وَالْأَرْض أعدت لِلْمُتقين فَقَالَ عُمَيْر بن الْحمام بخ بخ
(1/340)
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لم تبخبخ قَالَ رَجَاء أَن أكون من أَهلهَا قَالَ فَإنَّك من اهلها
فانتثل تمرات من قرنه فَجعل يلوكهن ثمَّ قَالَ وَالله لِأَن بقيت حَتَّى
ألوكهن إِنَّهَا لحياة طَوِيلَة فنبذهن وَقَاتل حَتَّى قتل
وَأخرج وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي الأساري يَوْم بدر إِن شِئْتُم قَتَلْتُمُوهُمْ وَإِن
شِئْتُم فَادَيْتُمُوهُمْ وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِالْفِدَاءِ وَاسْتشْهدَ
مِنْكُم بِعدَّتِهِمْ وَكَانَ آخر السّبْعين ثَابت بن قيس قتل يَوْم
الْيَمَامَة
وَأخرج أَبُو نعيم بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس أَن عقبَة بن أبي معيط
دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى طَعَامه فَقَالَ مَا أَنا
بآكل حَتَّى تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَشهد
بذلك فَلَقِيَهُ خَلِيل لَهُ فلامه على ذَلِك فَقَالَ مَا يُبرئ صُدُور
قُرَيْش مني قَالَ إِن تَأتيه فِي مَجْلِسه فَتَبَزَّقَ فِي وَجهه فَفعل
فَلم يزدْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن مسح وَجهه وَقَالَ إِن
وَجَدْتُك خَارِجا من جبال مَكَّة أضْرب عُنُقك صبرا فَلَمَّا كَانَ يَوْم
بدر وَخرج أَصْحَابه أَبى أَن يخرج وَقَالَ قد وَعَدَني هَذَا الرجل إِن
وجدني خَارِجا من جبال مَكَّة ان يضْرب عنقِي صبرا فَقَالُوا لَك جمل
أَحْمَر لَا يدْرك فَلَو كَانَت الْهَزِيمَة طرت فَخرج مَعَهم فَلَمَّا عزم
الْمُشْركُونَ وَحل بِهِ جمله فِي جدد من الأَرْض فَأخذ أَسِيرًا فَضرب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُنُقه صبرا وَقَالَ الْعَبَّاس حِين
أَخذ مِنْهُ الْفِدَاء لقد تَرَكتنِي فَقير قُرَيْش مَا بقيت قَالَ كَيفَ
تكون فَقير قُرَيْش وَقد اسْتوْدعت بَنَادِق الذَّهَب أم الْفضل وَقلت
لَهَا إِن قتلت فقد تركتك غنية مَا بقيت فَقَالَ أشهد ان الَّذِي تَقوله قد
كَانَ وَمَا اطلع عَلَيْهِ إِلَّا الله
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ وَجَمَاعَة ان
الْعَبَّاس قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عِنْدِي مَا
أفدي بِهِ قَالَ فَأَيْنَ المَال الَّذِي دَفَنته أَنْت وَأم الْفضل فَقلت
لَهَا إِن أصبت فِي سَفَرِي هَذَا فَهَذَا المَال لبني الْفضل وَعبد الله
وَقثم فَقَالَ وَالله إِنِّي لأعْلم انك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَالله ان هَذَا لشَيْء مَا علمه أحد غَيْرِي وَغير أم الْفضل
(1/341)
وَأخرجه الْحَاكِم من طَرِيق ابْن اسحاق
عَن يحيى بن عباد عَن أَبِيه عَن عَائِشَة بِهِ وَصَححهُ
وَأخرجه أَبُو نعيم من طَرِيق ابْن اسحاق عَن بعض أَصْحَابه عَن مقسم عَن
ابْن عَبَّاس
واخرجه احْمَد من طَرِيق ابْن اسحاق عَمَّن سمع عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
واخرجه ابْن سعد من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس
واخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل
قَالَ لما أسر نَوْفَل بن الْحَارِث ببدر قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم افْدِ نَفسك يَا نَوْفَل قَالَ مَا لي شَيْء افدي بِهِ
نَفسِي قَالَ افْدِ نَفسك من مَالك الَّذِي بجدة قَالَ اشْهَدْ انك رَسُول
الله ففدى نَفسه بهَا
وَأخرج ابْن اسحاق وَابْن سعد وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ
وابو نعيم من طَرِيقه حَدثنِي الْحُسَيْن بن عبد الله بن عَبَّاس عَن
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي ابو رَافع قَالَ كُنَّا آل
الْعَبَّاس قد دَخَلنَا الْإِسْلَام وَكُنَّا نستخفي بإسلامنا وَكنت
غُلَاما للْعَبَّاس فَلَمَّا سَارَتْ قُرَيْش إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر جعلنَا نتوقع الْأَخْبَار فَقدم علينا الحسيمان
الْخُزَاعِيّ بالْخبر فَوَجَدنَا فِي أَنْفُسنَا قُوَّة وسرنا مَا جَاءَنَا
من الْخَبَر من ظُهُور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوَاللَّه
إِنِّي لجالس فِي صفة زَمْزَم وَعِنْدِي أم الْفضل إِذْ أقبل الْخَبيث
أَبُو لَهب بشر يجر رجلَيْهِ قد كبته الله وأخزاه لما جَاءَهُ من الْخَبَر
حَتَّى جلس على طُنب الْحُجْرَة وَقَالَ لَهُ النَّاس هَذَا ابو سُفْيَان
بن حَرْب قد قدم وَاجْتمعَ عَلَيْهِ النَّاس فَقَالَ أَبُو لَهب هَلُمَّ
إِلَيّ فعندك الْخَبَر فجَاء حَتَّى جلس فَقَالَ وَالله مَا هُوَ إِلَّا
أَن لَقينَا الْقَوْم فمنحناهم اكتافنا يضعون السِّلَاح منا حَيْثُ شاؤوا
وَوَاللَّه مَعَ ذَلِك مَا
(1/342)
لمت النَّاس لَقينَا رجَالًا بيضًا على خيل
بلق لَا وَالله مَا تبقي شَيْئا قَالَ فَرفعت طُنب الْحُجْرَة فَقلت تِلْكَ
وَالله الْمَلَائِكَة وَقَامَ ابو لَهب يجر رجلَيْهِ ذليلا ورماه الله
بالعدسة فوَاللَّه مَا مكث إِلَّا سبعا حَتَّى مَاتَ فَلَقَد تَركه ابناه
فِي بَيته ثَلَاثًا مَا يدفنانه حَتَّى أنتن وَكَانَت قُرَيْش تتقي العدسة
كَمَا تتقي الطَّاعُون حَتَّى قَالَ لَهما رجل من قُرَيْش ويحكما أَلا
تستحيان إِن أَبَاكُمَا قد انتن فِي بَيته لَا تدفنانه فَقَالَا إِنَّمَا
نخشى عدوى هَذِه القرحة فَقَالَ انْطَلقَا فَأَنا أعينكما عَلَيْهِ
فوَاللَّه مَا غسلوه إِلَّا قذفا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ من بعيد مَا يدنون
مِنْهُ ثمَّ احتملوه إِلَى أَعلَى مَكَّة فَأَسْنَدُوهُ إِلَى جِدَار ثمَّ
رضموا عَلَيْهِ الْحِجَارَة
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عُرْوَة قَالَ اعْتِقْ أَبُو لَهب ثويبة فأرضعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهب أريه بعض
أَهله فِي النّوم بشر خيبة فَقَالَ مَاذَا لقِيت قَالَ لم الق بعدكم رخاء
غير أَنِّي سقيت فِي هَذِه بعتاقتي ثويبة وَأَشَارَ إِلَى النقرة الَّتِي
بَين الْإِبْهَام وَالَّتِي تَلِيهَا من الْأَصَابِع
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْوَاقِدِيّ قَالَ قَالُوا كَانَ قباث بن
أَشْيَم الْكِنَانِي يَقُول شهِدت مَعَ الْمُشْركين بَدْرًا وَإِنِّي لأنظر
إِلَى قلَّة أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عَيْني
وَكَثْرَة من مَعنا من الْخَيل وَالرِّجَال فانهزمت فِيمَن هزم فَلَقَد
رَأَيْتنِي انْظُر إِلَى الْمُشْركين فِي كل وَجه وَإِنِّي لأقول فِي
نَفسِي مَا رَأَيْت مثل هَذَا الْأَمر فر مِنْهُ إِلَّا النِّسَاء فَلَمَّا
كَانَ بعد الخَنْدَق وَقع فِي قلبِي الاسلام فَقدمت على رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَسلمت فَقَالَ لي يَا قباث أَنْت
الْقَائِل يَوْم بدر مَا رَأَيْت مثل هَذَا الْأَمر فر مِنْهُ إِلَّا
النِّسَاء فَقلت أشهد أَنَّك رَسُول الله وَأَن هَذَا الْأَمر مَا خرج مني
إِلَى اُحْدُ قطّ وَمَا تزمزمت بِهِ إِلَّا شَيْئا حدثت بِهِ نَفسِي فلولا
أَنَّك نَبِي مَا اطلعك الله عَلَيْهِ فَعرض عَليّ الْإِسْلَام فَأسْلمت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبان بن سلمَان عَن ابيه سلمَان قَالَ كَانَ
إِسْلَام قباث بن أَشْيَم اللَّيْثِيّ ان رجَالًا من الْعَرَب اتوه
فَقَالُوا إِن مُحَمَّدًا خرج يَدْعُو الى غير ديننَا فَقَامَ قباث حَتَّى
أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ
لَهُ اجْلِسْ يَا قباث فأوجم
(1/343)
فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنْت الْقَائِل لَو خرجت نسَاء قُرَيْش بأكمتها ردَّتْ
مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه فَقَالَ قباث وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا تحرّك
بِهِ لساني وَلَا تزمزمت بِهِ شفتاي وَمَا سَمعه مني أحد وَمَا هُوَ إِلَّا
شَيْء هجس فِي نَفسِي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ
وَأشْهد ان مُحَمَّدًا رَسُول الله وان مَا جِئْت بِهِ الْحق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن مُوسَى بن عقبَة
وَعَن عُرْوَة بن الزبير قَالَا لما رَجَعَ وَفد الْمُشْركين إِلَى مَكَّة
أقبل عُمَيْر بن وهب الجُمَحِي حَتَّى جلس إِلَى صَفْوَان بن أُميَّة فِي
الْحجر فَقَالَ صَفْوَان قبح الْعَيْش بعد قَتْلَى بدر قَالَ أجل وَالله
مَا فِي الْعَيْش خير بعدهمْ وَلَوْلَا دين عَليّ لَا أجد لَهُ قَضَاء
وعيال لَا أدع لَهُم شَيْئا لرحلت إِلَى مُحَمَّد فَقتلته إِن مَلَأت
عَيْني مِنْهُ إِن لي عِنْده عِلّة أعتل بهَا اقول قدمت على ابْني هَذَا
الْأَسير ففرح صَفْوَان بقوله وَقَالَ عَليّ دينك وَعِيَالك أُسْوَة عيالي
فِي النَّفَقَة لَا يسعني شَيْء ويعجز عَنْهُم فَحَمله صَفْوَان وجهزه
وَأمر بِسيف عُمَيْر فصقل وسم وَقَالَ عُمَيْر لِصَفْوَان اكتمني أَيَّامًا
فَأقبل عُمَيْر حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَنزل بِبَاب الْمَسْجِد وعقل
رَاحِلَته وَأخذ السَّيْف فَعمد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَدخل هُوَ وَعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر تَأَخّر ثمَّ قَالَ مَا أقدمك يَا عُمَيْر قَالَ
قدمت على أسيري عنْدكُمْ قَالَ اصدقني مَا اقدمك قَالَ مَا قدمت إِلَّا فِي
أسيري قَالَ فَمَاذَا شرطت لِصَفْوَان بن أُميَّة فِي الْحجر فَفَزعَ
عُمَيْر وَقَالَ مَاذَا شرطت لَهُ قَالَ تحملت لَهُ بقتلي على أَن يعول
بنيك وَيَقْضِي دينك وَالله حَائِل بَيْنك وَبَين ذَلِك قَالَ عُمَيْر أشهد
انك رَسُول الله إِن هَذَا الحَدِيث كَانَ بيني وَبَين صَفْوَان فِي الْحجر
لم يطلع عَلَيْهِ أحد غَيْرِي وَغَيره فأخبرك الله بِهِ فآمنت بِاللَّه
وَرَسُوله ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة فَدَعَا إِلَى الاسلام فَأسلم على يَده
بشر كثير ثمَّ أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق ابْن اسحاق
حَدثنِي مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير فَذكره نَحوه وَأخرجه ابو نعيم عَن
الزُّهْرِيّ نَحوه وَأخرجه ابْن سعد وَأَبُو نعيم عَن عِكْرِمَة فَهَذِهِ
طرق مُرْسلَة وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي عمرَان
الْجونِي عَن أنس بن مَالك مَوْصُولا بِسَنَد صَحِيح
(1/344)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جُبَير بن مطعم أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو كَانَ الْمطعم حَيا ثمَّ كلمني فِي هَؤُلَاءِ
لأطلقتهم لَهُ يَعْنِي أُسَارَى بدر قَالَ سُفْيَان وَكَانَت لَهُ عِنْد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَد وَكَانَ أجزى النَّاس بِالْيَدِ
وَأخرج أَبُو نعيم عَن جُبَير بن مطعم قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ُأكَلِّمهُ فِي أُسَارَى بدر فوافقته يُصَلِّي
بِأَصْحَابِهِ فَسَمعته يَقُول {إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع مَا لَهُ من
دَافع} فَكَأَنَّمَا صدع قلبِي
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَقبلت يَوْم بدر من قتال الْمُشْركين وَأَنا جَائِع
فاستقبلتني امْرَأَة يَهُودِيَّة على رَأسهَا جَفْنَة فِيهَا جدي مشوي
فَقَالَت الْحَمد لله يَا مُحَمَّد الَّذِي سلمك كنت نذرت لله نذرا إِن
قدمت الْمَدِينَة سالما لأذبحن هَذَا الجدي ولأشوينه ولأحملنه إِلَيْك
لتأكل مِنْهُ فاستنطق الله الجدي فَقَالَ يَا مُحَمَّد لَا تأكلني فَإِنِّي
مَسْمُوم
فَائِدَة
اشْتَمَل هَذَا الْبَاب على أَكثر من سبعين معْجزَة كَمَا يدْرك
بِالتَّأَمُّلِ |