الخصائص الكبرى

دُعَاء دفع الْفقر

وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك عَن ابْن عمر أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله إِن الدُّنْيَا أَدْبَرت عني وتولت قَالَ لَهُ فَأَيْنَ أَنْت من صَلَاة الْمَلَائِكَة وتسبيح الْخَلَائق وَبِه يرْزقُونَ قل عِنْد طُلُوع الْفجْر سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم اسْتغْفر الله مائَة مرّة تَأْتِيك الدُّنْيَا صاغرة فولى الرجل فَمَكثَ ثمَّ عَاد فَقَالَ يَا رَسُول الله لقد اقبلت عَليّ الدُّنْيَا فَمَا ادري أَيْن أضعها
بَاب الرّقية بِفَاتِحَة الْكتاب

أخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه كَانَ مَعَ نَاس من اصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَمروا بحي من أَحيَاء الْعَرَب فيهم لديغ فرقاه رجل مِنْهُم بِفَاتِحَة الْكتاب فبرأ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن خَارِجَة بن الصَّلْت التَّمِيمِي عَن عَمه أَنه مر بِقوم وَعِنْدهم مَجْنُون موثق فِي الْحَدِيد فَقَالَ لَهُ بَعضهم أعندك شَيْء تداوي بِهِ هَذَا فَإِن صَاحبك قد جَاءَ بِخَير فَقَرَأَ عَلَيْهِ بِفَاتِحَة الْكتاب ثَلَاثَة أَيَّام كل يَوْم مرَّتَيْنِ فبرأ فَأعْطَاهُ مائَة شَاة فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ (كل فَمن أكل برقية بَاطِل فقد أكلت برقية حق)

(2/299)


بَاب مَا يُتْلَى حِين يَأْخُذ الْإِنْسَان مضجعه

أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى قل ادعوا الله أَو ادعو الرَّحْمَن قَالَ هُوَ أَمَان من السرق وَأَن رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلَاهَا حِين أَخذ مضجعه فَدخل عَلَيْهِ سَارِق فَجمع مَا فِي الْبَيْت وَحمله وَالرجل لَيْسَ بنائم حَتَّى انْتهى بِهِ إِلَى الْبَاب فَوَجَدَهُ مسدودا فَوضع الكارة فَإِذا هُوَ مَفْتُوح فَفعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَضَحِك صَاحب الدَّار ثمَّ قَالَ إِنِّي أحصنت بَيْتِي
ذكر أيات فِي منامات رؤيت فِي عَهده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير مَا تقدم

أخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عمر قَالَ إِن رجَالًا من اصحاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يرَوْنَ الرُّؤْيَا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيقصونها على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُول فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا شَاءَ الله وَأَنا غُلَام حَدِيث السن وبيتي الْمَسْجِد قبل أَن أنكح فَقلت فِي نَفسِي لَو كَانَ فِيك خير لرأيت مثل مَا يرى هَؤُلَاءِ فَلَمَّا اضطجعت لَيْلَة قلت اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم فِي خيرا فأرني رُؤْيا فَبَيْنَمَا أَنا كَذَلِك إِذْ جَاءَنِي ملكان فِي يَد كل وَاحِد مِنْهُمَا مقمعَة من حَدِيد يقبلان بِي إِلَى جَهَنَّم وَأَنا بَينهمَا أَدْعُو الله اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من جَهَنَّم ثمَّ أَرَانِي لَقِيَنِي ملك فِي يَده مقمعَة من حَدِيد فَقَالَ لي لن تراع نعم الرجل أَنْت لَو تكْثر الصَّلَاة فَانْطَلقُوا بِي حَتَّى وقفُوا بِي على شَفير جَهَنَّم فَإِذا هِيَ مطوية كطي الْبِئْر لَهُ قُرُون كقرون الْبِئْر بَين كل قرنين ملك بِيَدِهِ مقمعَة من حَدِيد وَأرى فِيهَا رجَالًا معلقين بالسلاسل رؤوسهم أسفلهم عرفت فِيهَا رجَالًا من قُرَيْش فانصرفوا بِي عَن ذَات الْيَمين فقصصتها على حَفْصَة فقصتها حَفْصَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عبد الله رجل صَالح
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عمر قَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن فِي يَدي سَرقَة من حَرِير لَا أهوي بهَا إِلَى مَكَان فِي الْجنَّة إِلَّا طارت إِلَيْهِ فقصصتها على حَفْصَة فقصتها حَفْصَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن أَخَاك رجل صَالح

(2/300)


وَأخرج البُخَارِيّ عَن عبد الله بن سَلام قَالَ رَأَيْت كَأَنِّي فِي رَوْضَة وسط الرَّوْضَة عَمُود فِي أَعلَى العمود عُرْوَة فَقيل لي آرقه قلت لَا أَسْتَطِيع فَأَتَانِي وصيف فَرفع ثِيَابِي فرقيت فاستمسكت بالعروة فانتبهت وَأَنا متمسك بهَا فقصصتها على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ تِلْكَ الرَّوْضَة رَوْضَة الْإِسْلَام وَذَلِكَ العمود عَمُود الْإِسْلَام وَتلك العروة العروة الوثقى لَا تزَال متمسكا بِالْإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوت
وَأخرج ابْن سعد عَن عبد الله بن سَلام قَالَ رَأَيْت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُؤْيا رَأَيْت كَأَن رجلا أَتَانِي قَالَ انْطلق فسلك بِي فِي مَنْهَج عَظِيم فَبَيْنَمَا أَنا أَمْشِي إِذْ عرض لي طَرِيق عَن شمَالي فَأَرَدْت أَن أسلكها فَقَالَ أَنَّك لست من أَهلهَا ثمَّ عرضت لي طَرِيق عَن يَمِيني فسلكتها حَتَّى انتهينا إِلَى جبل زلق فَأخذ بيَدي فزجل بِي حَتَّى أخذت بالعروة فَقَالَ لي استمسك بالعروة فقصصتها على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَأَيْت خيرا أما الْمنْهَج الْعَظِيم فالحشر وَأما الطَّرِيق الَّتِي عرضت عَن شمالك فطريق أهل النَّار وَلست من أَهلهَا وَأما الطَّرِيق الَّتِي عرضت عَن يَمِينك فطريق أهل الْجنَّة وَأما الْجَبَل الزلق فمنزل الشُّهَدَاء وَأما العروة الَّتِي استمسكت بهَا فعروة الْإِسْلَام فَاسْتَمْسك بهَا حَتَّى تَمُوت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن زميل الْجُهَنِيّ قَالَ رَأَيْت رُؤْيا فقصصتها على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت رَأَيْت جَمِيع النَّاس على طَرِيق رحب سهل لاحب وَالنَّاس على الجادة منطلقون فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ أشفى ذَلِك الطَّرِيق على مرج لم تَرَ عَيْنَايَ مثله يرف رفيفا ويقطر نداه فِيهِ من أَنْوَاع الكلاء فَكَأَنِّي بالرعلة الأولى حِين اشفوا على المرج كبروا ثمَّ أَكَبُّوا رواحلهم فِي الطَّرِيق فَلم يظلموه يَمِينا وَلَا شمالا فَكَأَنِّي أنظر إِلَيْهِم منطلقين ثمَّ جَاءَت الرعلت الثَّانِيَة وهم أَكثر مِنْهُم أضعافا فَلَمَّا أشفوا على المرج كبروا ثمَّ أَكَبُّوا رواحلهم فِي الطَّرِيق فَمَنعهُمْ المرتع وَمِنْهُم الاخذ الضغث ومضوا على ذَلِك ثمَّ قدم عظم النَّاس فَلَمَّا اشفوا على المرج كبروا وَقَالُوا هَذَا خبر الْمنزل

(2/301)


فَكَأَنِّي أنظر إِلَيْهِم يميلون يَمِينا وَشمَالًا فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك لَزِمت الطَّرِيق حَتَّى آتِي أقْصَى المرج فَإِذا أَنا بك يَا رَسُول الله على مِنْبَر فِيهِ سبع دَرَجَات وَأَنت فِي أَعْلَاهَا دَرَجَة فَإِذا عَن يَمِينك رجل آدم شثن أقنى إِذا هُوَ تكلم يسمو فيفرع الرِّجَال طولا وَإِذا عَن يسارك رجل سمار ربعه أَحْمَر كثير خيلان الْوَجْه كَأَنَّمَا حمم شعره بِالْمَاءِ إِذا هُوَ تكلم أصغيتم لَهُ إِكْرَاما لَهُ وَإِذا أمامكم شيخ أشبه النَّاس بك خلقا ووجها كلهم يؤمونه يريدونه وَإِذا أَمَام ذَلِك نَاقَة عجفاء شَارف وَإِذا أَنْت يَا رَسُول الله كَأَنَّك تبعثها فانتقع لون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاعَة ثمَّ سرى عَنهُ فَقَالَ أما رَأَيْت من الطَّرِيق السهل الرحب فَذَلِك مَا حملتم عَلَيْهِ من الْهدى فَأنْتم عَلَيْهِ وَأما المرج الَّذِي رَأَيْت فالدنيا وغضارة عيشها مضيت أَنا وأصحابي لم نتعلق بهَا وَلم تتَعَلَّق بِنَا ثمَّ جَاءَت الرَّعْلَة الثَّانِيَة بعد وهم أَكثر منا فَمنهمْ المرتع وَمِنْهُم الْآخِذ الضغث ونجو على ذَلِك ثمَّ جَاءَ عظم النَّاس فمالوا فِي المرج يَمِينا وَشمَالًا وَأما أَنْت فمضيت على طَرِيق صَالِحَة فَلَنْ تزَال عَلَيْهَا حَتَّى تَلقانِي وَأما الْمِنْبَر الَّذِي رَأَيْت سبع دَرَجَات وَأَنا فِي اعلاها دَرَجَة فالدنيا سَبْعَة الآف سنة وَأَنا فِي أَخّرهَا ألفا وَأما الرجل الَّذِي رَأَيْت عَن يَمِيني فَذَاك مُوسَى إِذا تكلم يَعْلُو الرِّجَال بِفضل كَلَام الله تَعَالَى إِيَّاه وَالَّذِي رَأَيْت عَن يساري فَذَاك عِيسَى نكرمه لإكرام الله تَعَالَى إِيَّاه وَأما الشَّيْخ فَذَاك أَبونَا إِبْرَاهِيم كلنا نؤمه ونقتدي بِهِ وَأما النَّاقة فَهِيَ السَّاعَة علينا تقوم لَا نَبِي بعدِي وَلَا أمة بعد أمتِي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن طَلْحَة بن عبيد الله أَن رجلَيْنِ من بلَى قدما على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ إسلامهما مَعًا وَكَانَ أَحدهمَا أَشد اجْتِهَادًا من الآخر فغزا الْمُجْتَهد فاستشهد ثمَّ مكث الآخر بعده سنة ثمَّ توفّي قَالَ طَلْحَة فَبَيْنَمَا أَنا عِنْد بَاب الْجنَّة يَعْنِي فِي النّوم إِذا أَنا بهما فَخرج خَارج من الْجنَّة فَأذن فَأذن للَّذي مَاتَ الآخر مِنْهُمَا ثمَّ رَجَعَ للَّذي اسْتشْهد ثمَّ رَجَعَ إِلَيّ فَقَالَ ارْجع فَأَنَّهُ لم يُؤذن لَك فَأصْبح طَلْحَة يحدث النَّاس فعجبوا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلَيْسَ قد مكث بعده سنة فصلى كَذَا وَكَذَا من سَجْدَة وَأدْركَ رَمَضَان فصامه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي أَقرَأ سُورَة ص فَلَمَّا أتيت على السَّجْدَة سجد كل شَيْء رَأَيْت الدواة واللوح والقلم فَغَدَوْت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَأمر بِالسُّجُود فِيهَا

(2/302)


وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله رَأَيْت البارحة إِنِّي أُصَلِّي خلف شَجَرَة فَقَرَأت ص فَلَمَّا أتيت على السَّجْدَة سجدت فسجدت الشَّجَرَة فسمعتها وَهِي تَقول اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي بهَا عنْدك ذكرا وَاجعَل لي بهَا عنْدك ذخْرا وَأعظم لي بهَا عنْدك أجرا قَالَ فَسمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ ص فَلَمَّا اتى على السَّجْدَة سجد فَسَمعته يَقُول فِي سُجُوده مَا اخبره الرجل عَن قَول الشَّجَرَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن ثَابت قَالَ أمرنَا أَن نُسَبِّح فِي دبر كل صَلَاة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَنَحْمَد الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ونكبر ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَأتي الرجل من الْأَنْصَار فِي نَومه فَقيل لَهُ أَمركُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أتسبحوا فِي دبر كل صَلَاة كَذَا وَكَذَا قَالَ نعم قَالَ فاجعلوها خمْسا وَعشْرين وَاجْعَلُوا فِيهَا التهليل فَلَمَّا أصبح أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فافعلو
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عمر قَالَ أرى رجال من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام أَن لَيْلَة الْقدر فِي السَّبع الْأَوَاخِر من رَمَضَان فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أرى رؤياكم قد تواطأت على أَنَّهَا فِي السَّبع الْأَوَاخِر فَمن كَانَ متحريها فليتحرها فِي السَّبع الْأَوَاخِر)
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن أبي أُمَامَة أَن أَخا لَهُم أرى فِي الْمَنَام أَن النَّاس يسلكون فِي صدع جبل وعر طَوِيل وعَلى رَأس الْجَبَل شجرتان خضراوان تهتفان هَل فِيكُم من يقْرَأ سُورَة الْبَقَرَة هَل فِيكُم من يقْرَأ سُورَة آل عمرَان فَإِذا قَالَ الرجل نعم دنتا بأعذاقهما حَتَّى يتَعَلَّق بهما فيخطران بِهِ الْجَبَل
وَأخرج الْحَاكِم عَن جَابر قَالَ هَاجر الطُّفَيْل بن عَمْرو وَهَاجَر مَعَه رجل من قومه فَمَرض الرجل فَأخذ مشقصا فَقطع رواجبه فَمَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْل فِي الْمَنَام فَقَالَ مَا فعل بك قَالَ غفر لي بهجرتي فَقَالَ مَا شَأْن يَديك قَالَ قيل لي أَنا لَا نصلح مِنْك مَا أفسدت من نَفسك فَقَصَّهَا الطُّفَيْل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (اللَّهُمَّ وليديه فَاغْفِر)

(2/303)


ذكر موازاة الْأَنْبِيَاء فِي فضائلهم بفضائل نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

قَالَ الْعلمَاء مَا أُوتِيَ نَبِي بمعجزة وَلَا فَضِيلَة إِلَّا ولنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نظيرها أَو أعظم مِنْهَا
بَاب مَا أُوتِيَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام من المعجزات والخصائص وَمَا لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَظِيره

من ذَلِك أَن الله تَعَالَى خلقه بِيَدِهِ وأسجد لَهُ مَلَائكَته وَعلمه أَسمَاء كل شَيْء
قَالَ بعض الْعلمَاء ذهب قوم إِلَى أَن آدم نبىء فِي ذَلِك الْوَقْت وَأرْسل إِلَى الْمَلَائِكَة وَكَانَت معجزته هَذِه الأنباء يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا أنبأهم بِأَسْمَائِهِمْ} وَأَن الله كَلمه كَمَا أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي ذَر قَالَ قلت يَا رَسُول الله آدم نَبِي كَانَ نعم كَانَ نَبيا رَسُولا كَلمه الله قبلا وَقد أُوتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَظِير ذَلِك كُله أما الْكَلَام فَتقدم فِي الْإِسْرَاء
وَأما تَعْلِيم الله أَسمَاء كل شَيْء فَأخْرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أبي رَافع قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مثلت لي أمتِي فِي المَاء والطين وَعلمت الْأَسْمَاء كلهَا كَمَا علم آدم الْأَسْمَاء كلهَا)

(2/304)


وَأما السُّجُود فَقَالَ بعض الْعلمَاء فِي قَوْله تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} الْآيَة هَذَا التشريف الَّذِي شرف بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتم وأعم فِي الْإِكْرَام من تشريف آدم عَلَيْهِ السَّلَام حَيْثُ أَمر الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لَهُ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن ذَاك وَقع وَانْقطع وتشريفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّلَاةِ مُسْتَمر أبدا وَالثَّانِي أَن ذَاك حصل من الْمَلَائِكَة لَا غير وتشريفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّلَاةِ حصل من الله وَالْمَلَائِكَة وَالْمُؤمنِينَ
بَاب فِيمَا أوتيه إِدْرِيس عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام
قَالَ تَعَالَى {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} وَقد رفع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قاب قوسين
بَاب فِيمَا أوتيه نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

قَالَ أَبُو نعيم آيَته الَّتِي أُوتِيَ إِجَابَة دَعوته وإغراق قومه بالطوفان وَكم لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من دَعْوَة مجابة مِنْهَا دَعوته على الَّذين وضعُوا السلا على ظَهره وَقد دَعَا بالمطر عِنْد الْقَحْط فهطلت السَّمَاء بدعائه
قَالَ أَبُو نعيم وَزَاد نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نوح بِأَنَّهُ فِي مُدَّة عشْرين سنة آمن بِهِ أُلُوف كَثِيرَة وَدخل النَّاس فِي دينه أَفْوَاجًا ونوح أَقَامَ فِي قومه ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما فَلم يُؤمن بِهِ إِلَّا دون الْمِائَة نفس
قلت وَمِمَّا أوتيه نوح عَلَيْهِ السَّلَام تسخير جَمِيع الْحَيَوَانَات لَهُ فِي السَّفِينَة وَقد سخرت أَنْوَاع الْحَيَوَانَات لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا تقدم فِي مَوْضِعه ونوح كَانَ السَّبَب فِي نزُول الْحمى إِلَى الأَرْض وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفى الْحمى من الْمَدِينَة إِلَى الْجحْفَة

(2/305)


بَاب فِيمَا أوتيه هود عَلَيْهِ السَّلَام

قَالَ أَبُو نعيم أُوتِيَ الرّيح وَقد نصر بهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا تقدم فِي غَزْوَة الخَنْدَق قلت وَفِي غَزْوَة بدر
بَاب فِيمَا أوتيه صَالح عَلَيْهِ السَّلَام

قَالَ أَبُو نعيم أُوتِيَ النَّاقة ونظيرها لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلَام الْجمل وطاعته لَهُ
بَاب فِيمَا أوتيه إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام

أُوتِيَ النجَاة من النَّار وَقد تقدم نَظِير ذَلِك لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَاب الْآيَة فِي النَّار وأوتي الْخلَّة وَقد أخرج ابْن ماجة وَأَبُو نعيم عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا فمنزلي ومنزل إِبْرَاهِيم فِي الْجنَّة تجاهين وَالْعَبَّاس بَيْننَا مُؤمن بَين خليلين)
وَأخرج أَبُو نعيم عَن كَعْب بن مَالك سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول قبل وَفَاته بِخمْس (إِن الله اتخذ صَاحبكُم خَلِيلًا)
وَأخرج عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَو كنت متخذا خَلِيلًا غير رَبِّي لأتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلَكِن صَاحبكُم خَلِيل الله)
قَالَ أَبُو نعيم وَقد حجب إِبْرَاهِيم عَن نمْرُود بحجب ثَلَاث وَكَذَلِكَ حجب نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّن أَرَادَ قَتله كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالا فَهِيَ إِلَى الأذقان فهم مقمحون وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا وَمن خَلفهم سدا فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذا قَرَأت الْقُرْآن جعلنَا بَيْنك وَبَين الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة حِجَابا مَسْتُورا}

(2/306)


قلت وَقد تقدّمت الْأَحَادِيث فِي ذَلِك فِي بَاب عصمته
قَالَ أَبُو نعيم وَقد نَاظر إِبْرَاهِيم نمْرُود فبهته بالبرهان وَالْحجّة كَمَا قَالَ تَعَالَى (فبهت الَّذِي كفر) وَكَذَلِكَ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ أبي بن خلف يكذب بِالْبَعْثِ بِعظم بَال ففركه وَقَالَ الله {من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم} فَأنْزل الله تَعَالَى (قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة) وَهَذَا الْبُرْهَان الساطع
قَالَ أَبُو نعيم وَقد كسر إِبْرَاهِيم أصنام قومه غَضبا لله تَعَالَى وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشَارَ إِلَى أصنام قومه وَهِي ثَلَاث مائَة وَسِتُّونَ صنما فتساقطت وَتقدم حَدِيثهَا فِي بَاب فتح مَكَّة قلت وَمِمَّا أوتيه إِبْرَاهِيم كَلَام الأكبش
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن علْبَاء بن أَحْمَر أَن ذَا القرنين قدم مَكَّة فَوجدَ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل يبنيان الْبَيْت فَقَالَ مَا لَكمَا ولأرضي فَقَالَا نَحن عَبْدَانِ مأموران أمرنَا بِبِنَاء هَذِه الْكَعْبَة قَالَ فهاتا بِالْبَيِّنَةِ على مَا تدعيان فَقَامَ خَمْسَة أكبش فَقُلْنَ نَحن نشْهد أَن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل عَبْدَانِ مأموران أمرا بِبِنَاء هَذِه الْكَعْبَة فَقَالَ قد رضيت وسلمت وَقد تكلم بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عدَّة من الْحَيَوَانَات
وَمن معجزاته مَا أخرجه ابْن سعد أَنا هِشَام بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما هرب إِبْرَاهِيم من كوثي وَخرج من النَّار وَلسَانه يَوْمئِذٍ سرياني فَلَمَّا قبر عبر الْفُرَات غير الله لِسَانه فَقيل عبراني حَيْثُ عبر الْفُرَات وَبعث نمْرُود فِي أَثَره وَقَالَ لَا تدعوا احدا يتَكَلَّم بالسُّرْيَانيَّة إِلَّا جئتموني بِهِ فَلَقوا إِبْرَاهِيم فَتكلم بالعبرانية فَتَرَكُوهُ وَلم يعرفوا لغته وَقد تقدم نَظِير ذَلِك لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرُّسُل الَّذين أرسلهم إِلَى الْمُلُوك فَأصْبح كل مِنْهُم يتَكَلَّم بلغَة الْقَوْم الَّذِي أرسل إِلَيْهِم

(2/307)


وَمن معجزاته مَا أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي عُبَيْدَة بن معن حَدثنِي أبي عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح قَالَ انْطلق إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام يمتار فَلم يقدر على الطَّعَام فَمر بسهلة حَمْرَاء فَأخذ مِنْهَا ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَهله فَقَالُوا مَا هَذَا قَالَ حِنْطَة حَمْرَاء ففتحوها فوجدوها حِنْطَة حَمْرَاء فَكَانَ إِذا زرع مِنْهَا شَيْء خرج سنبلة من أَصْلهَا إِلَى فروعها حبا متراكما وَقد تقدم نَظِير ذَلِك لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السقاء الَّذِي زوده لأَصْحَابه وملأه مَاء ففتحوه فَإِذا لبن وزبد
بَاب فِيمَا أُوتِيَ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام

أُوتِيَ الصَّبْر على الذّبْح وَقد تقدم فِي بَاب شقّ الصَّدْر أَن ذَلِك نَظِيره بل أبلغ مِنْهُ لِأَنَّهُ وَقع حَقِيقَة وَالذّبْح لم يَقع
وأوتي الْفِدَاء من الذّبْح وَكَذَلِكَ عبد الله أَبُو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأوتي زَمْزَم وَكَذَلِكَ عبد الْمطلب جد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأوتي الْعَرَبيَّة أخرج الْحَاكِم عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ألهم إِسْمَاعِيل هَذَا اللِّسَان الْعَرَبِيّ إلهاما)
وَأخرج أَبُو نعيم وَغَيره عَن عمر أَنه قَالَ يَا رَسُول الله مَالك أفصحنا وَلم تخرج من بَين أظهارنا قَالَ (كَانَت لُغَة إِسْمَاعِيل درست فجَاء بهَا جِبْرِيل فحفظنيها)
بَاب فِيمَا أُوتِيَ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام

قَالَ الْجِرْجَانِيّ فِي أَمَالِيهِ الْمَشْهُورَة حَدثنَا أَبُو الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أبي حَدثنَا نوح بن حبيب البذشي حَدثنَا حَامِد بن مَحْمُود حَدثنَا أَبُو مسْهر الدِّمَشْقِي حَدثنَا ابْن عبد الْعَزِيز التنوخي حَدثنِي ربيعَة قَالَ لما أَتَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فَقيل لَهُ إِن يُوسُف أكله الذِّئْب فَدَعَا الذِّئْب فَقَالَ أكلت قُرَّة عَيْني وَثَمَرَة فُؤَادِي قَالَ لَا لم أفعل قَالَ فَمن أَيْن جِئْت وَأَيْنَ تُرِيدُ

(2/308)


قَالَ جِئْت من أَرض مصر وَأُرِيد أَرض جرجان قَالَ فَمَا يَعْنِيك لَهَا قَالَ سَمِعت الْأَنْبِيَاء قبلك يَقُولُونَ من زار حميما أَو قَرِيبا كتب الله لَهُ بِكُل خطْوَة ألف حَسَنَة وَحط عَنهُ ألف سَيِّئَة وَرفع لَهُ ألف دَرَجَة فَدَعَا بنيه فَقَالَ اكتبوا هَذَا الحَدِيث فَأبى أَن يُحَدِّثهُمْ فَقَالَ مَالك لَا تحدثهم قَالَ إِنَّهُم عصاة وَقد أُوتِيَ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلَام الذِّئْب كَمَا تقدم
قَالَ أَبُو نعيم وَمِمَّا اعطيه يَعْقُوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه ابتلى بِفِرَاق وَلَده فَصَبر حَتَّى يكون حرضا من الْحزن وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجع بولده وَلم يكن لَهُ من الْبَنِينَ غَيره فَرضِي واستسلم ففاق صبره صَبر يَعْقُوب
بَاب مَا أُوتِيَ يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام

قَالَ أَبُو نعيم أعطي يُوسُف من الْحسن مَا فاق بِهِ الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ بل والخلق أَجْمَعِينَ وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُوتِيَ من الْجمال مَا لم يؤته أحد وَلم يُؤْت يُوسُف إِلَّا شطر الْحسن وأوتي نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيعه وَقد تقدم فِي أول الْكتاب قَالَ ويوسف أَبْتَلِي بِفِرَاقِهِ عَن أَبَوَيْهِ وغربته عَن وَطنه وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَارق الْأَهْل وَالْعشيرَة والأحبة والوطن مُهَاجرا إِلَى الله تَعَالَى
بَاب مَا أُوتِيَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

أُوتِيَ نبع المَاء من الْحجر وَقد وَقع ذَلِك لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا تقدم فِي أول الْبَعْث وَزَاد بنبعه من بَين ألأصابع الشَّرِيفَة
قَالَ أَبُو نعيم وَهُوَ أعجب فَإِن نبعه من الْحجر مُتَعَارَف مَعْهُود وَأما من بَين اللَّحْم وَالدَّم فَلم يعْهَد
وأوتي تظليل الْغَمَام وَقد تقدم ذَلِك لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عدَّة أَحَادِيث
وأوتي الْعَصَا قَالَ أَبُو نعيم ونظيرها لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حنين الْجذع ونظيرها فِي قَلبهَا ثعبانا قصَّة الْفَحْل الَّذِي رَآهُ أَبُو جهل

(2/309)


وَقلت وأوتي الْيَد ونظيرها النُّور الَّذِي جعله آيَة للطفيل فَصَارَ فِي وَجهه ثمَّ خَافَ أَن يكون مثله فتحول إِلَى سَوْطه كَمَا تقدم فِي بَاب إِسْلَام الطُّفَيْل
وأوتي انفلاق الْبَحْر وَقد تقدم نَظِيره فِي بَاب الْإِسْرَاء أَن الْبَحْر الَّذِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض انْفَلق لَهُ حَتَّى جاوزه وَجعل أَبُو نعيم نَظِير هَذَا مَا تقدم فِي بَاب إحْيَاء الْمَوْتَى فِي قصَّة الْعَلَاء ابْن الْحَضْرَمِيّ وَسَيَأْتِي فِي آخر الْكتاب وقائع مثلهَا
وأوتي الْمَنّ والسلوى قَالَ أَبُو نعيم وَنَظِيره إحلال الْغَنَائِم وإشباع الجم الْغَفِير من الطَّعَام الْيَسِير
ودعا مُوسَى على قومه بالطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم قَالَ أَبُو نعيم وَنَظِيره دعاؤه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قومه بِالسِّنِينَ
وَقَالَ مُوسَى لرَبه {وعجلت إِلَيْك رب لترضى} وَقَالَ الله تَعَالَى لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} {فلنولينك قبْلَة ترضاها} وَقَالَ تَعَالَى لمُوسَى (وألقيت عَلَيْك محبَّة مني) وَقَالَ فِي حق مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله)
بَاب مَا أُوتِيَ يُوشَع عَلَيْهِ السَّلَام

أُوتِيَ حبس الشَّمْس حِين قَاتل الجبارين وَقد حبست لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا تقدم فِي الْإِسْرَاء وأعجب من ذَلِك رد الشَّمْس حِين فَاتَ عصر عَليّ رَضِي الله عَنهُ

(2/310)


بَاب فِيمَا أوتيه دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

قَالَ أَبُو نعيم أُوتِيَ تَسْبِيح الْجبَال وَنَظِير ذَلِك لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْبِيح الْحَصَى وَالطَّعَام كَمَا تقدم فِي بَابه وأوتي تسخير الطير وَقد تقدم تسخير سَائِر الْحَيَوَانَات لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وأوتي الإنة الْحَدِيد وَقد لينت الحجارلنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصم الصخور واستتر من الْمُشْركين يَوْم أحد مَال بِرَأْسِهِ إِلَى الْجَبَل ليخفي شخصه عَنْهُم فلين الله لَهُ الْجَبَل حَتَّى أَدخل فِيهِ رَأسه وَذَلِكَ ظَاهر بَاقٍ يرَاهُ النَّاس وَكَذَلِكَ فِي بعض شعاب مَكَّة حجر أَصمّ إستروح إِلَيْهِ فِي صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صلَاته فلَان لَهُ الْحجر حَتَّى أثر فِيهِ بذراعيه وساعديه وَذَلِكَ مَشْهُور وَهَذَا أعجب لِأَن الْحَدِيد تلينه النَّار وَلنْ تَرَ النَّار تلين الْحجر هَذَا كُله كَلَام أبي نعيم
وأوتي دَاوُد نسج العنكبوت على الْغَار وَوَقع ذَلِك لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا تقدم فِي الْهِجْرَة
بَاب فِيمَا أوتيه سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام

قَالَ ابو نعيم أُوتِيَ ملكا عَظِيما وَقد أعطي نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا هُوَ أعظم من ذَلِك مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض
وأوتي سُلَيْمَان الرّيح تسير بِهِ غدوها شهر ورواحها شهر وَقد أعطي نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا هُوَ أعظم من ذَلِك الْبراق سَار بِهِ مسيرَة خمسين ألف سنة فِي أقل من ثلث لَيْلَة فَدخل السَّمَوَات سَمَاء سَمَاء وأري عجائبها ووقف على الْجنَّة وَالنَّار
وسخرت لِسُلَيْمَان الْجِنّ وَكَانَت تعتاص عَلَيْهِ حَتَّى يصفدها ويعذبها وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَتْهُ وُفُود الْجِنّ طَائِعَة مُؤمنَة وسخر لَهُ الشَّيَاطِين والمردة مِنْهُم حَتَّى هم أَن يرْبط الشَّيْطَان الَّذِي اخذه بِسَارِيَة الْمَسْجِد وَقد تقدم ذَلِك فِي غير مَا قصَّة

(2/311)


وَعلم سُلَيْمَان منطق الطير وَأعْطِي نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهم كَلَام جَمِيع الْحَيَوَانَات وَزِيَادَة كَلَام الشّجر وَالْحجر والعصا وَقد تقدم كل ذَلِك
بَاب فِيمَا أُوتِيَ يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام

قَالَ أَبُو نعيم أُوتِيَ الحكم صَبيا وَكَانَ يبكي من غير ذَنْب وَكَانَ يواصل الصَّوْم وَأعْطِي نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من هَذَا فَأن يحي لم يكن فِي عصر الْأَوْثَان والأصنام والجاهلية وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي عصر أوثان وجاهلية وَمَعَ ذَلِك أُوتِيَ الْفَهم وَالْحكم صَبيا بَين عَبدة الْأَوْثَان وحزب الشَّيْطَان فَمَا رغب لَهُم فِي صنم قطّ وَلَا شهد مَعَهم عيدا وَلم يسمع مِنْهُ قطّ كذب وَلَا عرفت لَهُ صبوة وَكَانَ يواصل الْأُسْبُوع صوما وَيَقُول إِنِّي أَبيت يطعمني رَبِّي ويسقيني وَكَانَ يبكي حَتَّى يسمع لصدره أزيز كأزيز الْمرجل
قَالَ فَإِن قيل كَانَ يحيى حصورا والحصور الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء قيل نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث رَسُولا إِلَى الْخلق كَافَّة فَأمر بِالنِّكَاحِ ليقتدي بِهِ الْخلق جَمِيعًا فِيهِ لما جبلت عَلَيْهِ النُّفُوس من التوقان إِلَيْهِ
بَاب فِيمَا أُوتِيَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

قَالَ تَعَالَى {ورسولا إِلَى بني إِسْرَائِيل أَنِّي قد جِئتُكُمْ بِآيَة من ربكُم أَنِّي أخلق لكم من الطين كَهَيئَةِ الطير فأنفخ فِيهِ فَيكون طيرا بِإِذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الْمَوْتَى بِإِذن الله وأنبئكم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تدخرون فِي بُيُوتكُمْ} وَقد تقدم نَظِير ذَلِك لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَاب إحْيَاء الْمَوْتَى وَبَاب إِبْرَاء المرضى وَذَوي العاهات وَفِي غَزْوَة بدر وَأحد رد عين قَتَادَة وَفِي غَزْوَة خَيْبَر تفله فِي عَيْني عَليّ

(2/312)


وَفِي أَبْوَاب أخباره بالمغيبات وَجعل أَبُو نعيم نَظِير خلق الطين طيرا جعل العسيب سَيْفا من حَدِيد كَمَا تقدم فِي غَزْوَة بدر
وَقَالَ تَعَالَى {إِذْ قَالَ الحواريون يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء} الْآيَة وَقد تقدم نَظِير ذَلِك لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أُتِي بِطَعَام من السَّمَاء فِي عدَّة أَحَادِيث
وَقَالَ تَعَالَى {ويكلم النَّاس فِي المهد} وَقد تقدم ذَلِك لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَاب عقب وِلَادَته
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما ولد عِيسَى لم يبْقى فِي الأَرْض صنم إِلَّا خر لوجهه وَقد تقدم فِي بَاب ولادَة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَظِير ذَلِك
وأوتي عِيسَى الرّفْع إِلَى السَّمَاء قَالَ أَبُو نعيم وَقد وَقع ذَلِك لجَماعَة من أمة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم عَامر بن فهَيْرَة وخبيب والْعَلَاء ابْن الْحَضْرَمِيّ كَمَا تقدم فِي أَبْوَاب

(2/313)


ذكر الخصائص الَّتِي فضل بهَا على جَمِيع الانبياء وَلم يُعْطهَا بنى قبله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

قَالَ أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي فِي شرف الْمُصْطَفى الْفَضَائِل الَّتِي فضل بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سَائِر الْأَنْبِيَاء سِتُّونَ خصْلَة انْتهى
قلت وَلم أَقف على من عدهَا وَقد تتبعت الْأَحَادِيث والْآثَار فَوجدت الْقدر الْمَذْكُور وَثَلَاثَة أَمْثَاله مَعَه وَقد رَأَيْتهَا أَرْبَعَة اقسام قسم اخْتصَّ بِهِ فِي ذَاته فِي الدُّنْيَا وَقسم اخْتصَّ بِهِ فِي ذَاته فِي الْآخِرَة وَقسم اخْتصَّ بِهِ فِي أمته فِي الدُّنْيَا وَقسم اخْتصَّ بِهِ فِي امته فِي الْآخِرَة وَهَا أَنا أوردهَا مفصلة فِي الْأَبْوَاب
بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنَّهُ أول النَّبِيين وَتقدم نبوته
فَكَانَ نَبيا وآدَم منجدل فِي طينته وَتقدم أَخذ الْمِيثَاق وَأَنه أول من قَالَ بلَى يَوْم السِّت بربكم وَخلق آدم وَجَمِيع الْمَخْلُوقَات لأَجله وَكتابه إسمه الشريف على الْعَرْش وَالسَّمَوَات والجنان وَسَائِر مَا فِي الملكوت وَذكر الْمَلَائِكَة لَهُ فِي كل سَاعَة وَذكر إسمه فِي الآذان فيعهد آدم وَفِي الملكوت الْأَعْلَى وَأخذ مِيثَاق على النَّبِيين وآدَم فَمن بعده أَن يؤمنو بِهِ وينصروه والتبشير بِهِ فِي الْكتب السَّابِقَة ونعته فِيهَا ونعت أَصْحَابه وخلفائه وَأمته وحجب إِبْلِيس من السَّمَوَات لمولده وشق صَدره فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَجعل خَاتم النُّبُوَّة بظهره بازاء قلبه حَيْثُ يدْخل الشَّيْطَان وَبِأَن لَهُ ألف إسم وباشتقاق إسمه من إسم الله تَعَالَى وَبِأَنَّهُ سمي من أَسمَاء الله تَعَالَى بِنَحْوِ

(2/314)


سبعين إسما وبإظلال الْمَلَائِكَة لَهُ فِي سَفَره وَبِأَنَّهُ أرجح النَّاس عقلا وَبِأَنَّهُ أُوتِيَ كل الْحسن وَلم يُؤْت يُوسُف إِلَّا شطره وبغطه عِنْد ابْتِدَاء الْوَحْي وبرؤيته جِبْرِيل فِي صورته الَّتِي خلق عَلَيْهَا فِيمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ وبانقطاع الكهانة لمبعثه وحراسة السَّمَاء فِي استراق السّمع وَالرَّمْي بِالشُّهُبِ فِيمَا ذكره ابْن سبع وإحياء أَبَوَيْهِ لَهُ حَتَّى آمنا بِهِ وَقبُول شَفَاعَته فِي الْكفَّار لتخفيف الْعَذَاب كَمَا فِي قصَّة أبي طَالب وقصة القبرين وبوعده بالعصمة من النَّاس وبالإسراء وَمَا تضمنه من اختراق السَّمَوَات السَّبع والعلو إِلَى قاب قوسين ووطئه مَكَانا مَا وَطئه نَبِي مُرْسل وَلَا ملك مقرب وإحياء الْأَنْبِيَاء لَهُ وَصلَاته إِمَامًا بهم وبالملائكة وإطلاعه على الْجنَّة وَالنَّار فِيمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ ورؤيته من آيَات ربه الْكُبْرَى وَحفظه حَتَّى مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى ورؤيته الْبَارِي تَعَالَى مرَّتَيْنِ وقتال الْمَلَائِكَة مَعَه فَهَذِهِ نَحْو أَرْبَعِينَ خصيصة تقدّمت أحاديثها فِي الْأَبْوَاب السَّابِقَة
بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن كِتَابه معجز زمحفوظ من التبديل والتحريف على ممر الدهور وجامع لكل شَيْء ومستغن عَن غَيره ومشتمل على مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ جَمِيع الْكتب وَزِيَادَة وميسر للْحِفْظ وَنزل منجما وَنزل على سَبْعَة أحرف وَمن سَبْعَة أَبْوَاب وَبِكُل لُغَة

قَالَ تَعَالَى {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا} وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} وَقَالَ تَعَالَى {وَإنَّهُ لكتاب عَزِيز لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه} وَقَالَ تَعَالَى ونزلنا عَلَيْك الْكتاب تبيانا لكل شَيْء وَقَالَ تَعَالَى {إِن هَذَا الْقُرْآن يقص على بني إِسْرَائِيل أَكثر الَّذِي هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر فَهَل من مدكر} وَقَالَ

(2/315)


تَعَالَى {وقرآنا فرقناه لتقرأه على النَّاس على مكث} وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة كَذَلِك لتثبت بِهِ فُؤَادك الآتين
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا من الْأَنْبِيَاء نَبِي إِلَّا أعْطى مَا مثله آمن عَلَيْهِ الْبشر وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتهُ وَحيا أوحاه الله إِلَيّ فأرجو أَن أكون أَكْثَرهم تَابعا)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن فِي قَوْله تَعَالَى {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ} الْآيَة قَالَ حفظه الله تَعَالَى من الشَّيْطَان فَلَا يزِيد فِيهِ بَاطِلا وَلَا ينقص مِنْهُ حَقًا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن يحيى بن أَكْثَم قَالَ دخل يَهُودِيّ على الْمَأْمُون فَتكلم فَأحْسن الْكَلَام فَدَعَاهُ الْمَأْمُون إِلَى الْإِسْلَام فَأبى فَلَمَّا كَانَ بعد سنة جَاءَنَا مُسلما فَتكلم على الْفِقْه فَأحْسن الْكَلَام فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون مَا كَانَ سَبَب إسلامك قَالَ انصرفت من حضرتك فَأَحْبَبْت أَن أمتحن هَذِه الْأَدْيَان فعمدت إِلَى التَّوْرَاة فَكتبت ثَلَاث نسخ فزدت فِيهَا ونقصت وأدخلتها ونقصت وأدخلتها الْكَنِيسَة فاشتريت مني وعمدت إِلَى الانجيل فَكتبت ثَلَاث نسخ فزدت فِيهَا ونقصت وأدخلتها الْبيعَة فاشتريت مني وعمدت إِلَى الْقُرْآن فَعمِلت ثَلَاث نسخ فزدت فِيهَا ونقصت وأدخلتها الوراقين فتصفحوها فَلَمَّا أَن وجدوا فِيهَا الزِّيَادَة والنقصات رموا بهَا فَلم يشتروها فَعلمت أَن هَذَا كتاب مَحْفُوظ فَكَانَ هَذَا سَبَب إسلامي
قَالَ يحيى ابْن أَكْثَم فححجت تِلْكَ السّنة فَلَقِيت سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَذكرت لَهُ الحَدِيث فَقَالَ لي مصداق هَذَا فِي كتاب الله تَعَالَى قلت فِي أَي مَوضِع قَالَ فِي قَول الله تَعَالَى فِي التَّوْرَاة والأنجيل {بِمَا استحفظوا من كتاب الله} فَجعل حفظَة إِلَيْهِم فَضَاعَ وَقَالَ {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} فحفظه الله تَعَالَى علينا فَلم يضع

(2/316)


وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ أنزل الله مائَة وَأَرْبَعَة كتب أودع علومها أَرْبَعَة مِنْهَا التَّوْرَاة والانجيل وَالزَّبُور وَالْفرْقَان ثمَّ أودع عُلُوم التَّوْرَاة والانجيل وَالزَّبُور فِي الْفرْقَان
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن مَسْعُود قَالَ من أَرَادَ الْعلم فَعَلَيهِ بِالْقُرْآنِ فَإِن فِيهِ خبر الْأَوَّلين والآخرين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ أنزل الله فِي هَذَا الْقُرْآن كل علم وَبَين لنا فِيهِ كل شَيْء وَلَكِن علمنَا يقصر عَمَّا بَين لنا فِي الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب العظمة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله لَو أغفل شَيْئا لأغفل الذّرة والخردلة والبعوضة)
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (كَانَ الْكتاب الأول ينزل من بَاب وَاحِد على حرف وَاحِد وَنزل الْقُرْآن من سَبْعَة أَبْوَاب على سَبْعَة أحرف زاجر وآمر وحلال وَحرَام ومحكم ومتشابه وأمثال)
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَقْرَأَنِي جِبْرِيل على حرف فراجعته فَلم أزل أستزيده ويزيدني حَتَّى انْتهى إِلَى سَبْعَة أحرف)
واخرج مُسلم عَن أبي بن كَعْب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن رَبِّي أرسل إِلَيّ أَن أَقرَأ الْقُرْآن على حرف فَرددت إِلَيْهِ أَن هون على أمتِي فَأرْسل إِلَيّ أَن أَقرَأ على حرفين فَرددت إِلَيْهِ أَن هون على أمتِي فَأرْسل إِلَيّ أَن أقرأه على سبعت أحرف)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير عَن أبي ميسرَة قَالَ نزل الْقُرْآن بِكُل لِسَان وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر فِي تَفْسِيره عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ مَا من اللُّغَة شَيْء إِلَّا مِنْهَا فِي الْقُرْآن شَيْء قيل وَمَا فِيهِ منالرومية قَالَ {فصرهن} يَقُول قطعهن قَالَ الإِمَام الرَّازِيّ فضل الْقُرْآن على سَائِر الْكتب الْمنزلَة بِثَلَاثِينَ خصْلَة لم تكن فِي غَيره

(2/317)


بَاب معجزته مستمرة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

واختص بِأَن معجزته مستمرة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَهِي الْقُرْآن ومعجزات سَائِر الْأَنْبِيَاء انقرضت لوَقْتهَا عد هَذِه الشَّيْخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام وَبِأَنَّهُ أَكثر الْأَنْبِيَاء معجزات فقد قيل إِنَّهَا تبلغ ألف وَقيل ثَلَاثَة آلَاف ذكر ذَلِك الْبَيْهَقِيّ آلَاف ذكره ذَلِك الْبَيْهَقِيّ
وَقَالَ الْحَلِيمِيّ وفيهَا مَعَ كثرتها معنى آخر وَهُوَ أَنه لَيْسَ فِي شَيْء من معجزات غَيره مَا ينحو نَحْو إختراع الْأَجْسَام وأنما ذَلِك فِي معجزات نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة
قلت وَمِمَّا يعد فِي خَصَائِصه أَنه جمع لَهُ كل مَا أوتيه الْأَنْبِيَاء فِي معجزات وفضائل وَلم يجمع ذَلِك لغيره بل اخْتصَّ كل بِنَوْع
وعد ابْن عبد السَّلَام من خَصَائِصه تَسْلِيم الْحجر وحنين الْجذع قَالَ وَلم يثبت لوَاحِد من الْأَنْبِيَاء مثل ذَلِك وعد أَيْضا نبع المَاء من بَين الْأَصَابِع وَقد عد هَذِه غَيره وعد غَيره أَيْضا إنشقاق الْقَمَر
بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنَّهُ خَاتم النَّبِيين وَآخرهمْ بعثا وَأَنه أدْركهُ الْأَنْبِيَاء لوَجَبَ عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وناسخ لجَمِيع الشَّرَائِع قبله وَبِأَن شَرعه مؤبد إِلَى أَتْبَاعه

قَالَ تَعَالَى {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين} وَقَالَ تَعَالَى {وأنزلنا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ من الْكتاب ومهيمنا عَلَيْهِ} وَقَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله} أورد ابْن سبع هَاتين الْآيَتَيْنِ إستدلالا على أَن شَرعه نَاسخ لكل شرع قبله

(2/318)


وَأخرج أَبُو نعيم عَن عمر بن الْخطاب قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعِي كتاب أصبته من بعض أهل الْكتب فَقَالَ (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن مُوسَى كَانَ حَيا الْيَوْم مَا وَسعه إِلَّا أَن يَتبعني)
بَاب من خَصَائِصه

وَمن خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن فِي كِتَابه النَّاسِخ والمنسوخ قَالَ تَعَالَى {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا} وَلَيْسَ فِي سَائِر الْكتب مثل ذَلِك وَلذَا كَانَ الْيَهُود يُنكرُونَ النّسخ والسر فِي ذَلِك أَن سَائِر الْكتب نزلت دفْعَة وَاحِدَة فَلَا يتَصَوَّر أَن يجْتَمع فِيهَا النَّاسِخ والمنسوخ لِأَن شَرط النَّاسِخ أَن يتَأَخَّر نُزُوله عَن الْمَنْسُوخ
بَاب أعطي كنز الْعَرْش

وَمن خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أعطي من كنز الْعَرْش وَلم يُعْط مِنْهُ أحد سَيَأْتِي حَدِيثه بعد أَبْوَاب
بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعُمُوم الدعْوَة للنَّاس كَافَّة وَبِأَنَّهُ أَكثر الْأَنْبِيَاء تَابعا وبإرسال إِلَى الْجِنّ بِالْإِجْمَاع وَإِلَى الْمَلَائِكَة فِي قَول وبإتيانه الْكتاب وَهُوَ أُمِّي لَا يقْرَأ وَلَا يكْتب

وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس} وَقَالَ {تبَارك الَّذِي نزل الْفرْقَان على عَبده ليَكُون للْعَالمين نذيرا}
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد من الْأَنْبِيَاء قبلي نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا

(2/319)


وَطهُورًا فأيما رجل من أمتِي أَدْرَكته الصَّلَاة فَليصل وَأحلت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد قبلي وَأعْطيت الشَّفَاعَة وَكَانَ النَّبِي يبْعَث إِلَى قومه خَاصَّة وَبعثت إِلَى النَّاس عَامَّة)
وأحرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهَا أحد قبلي من الْأَنْبِيَاء جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا وَلم يكن أحد من الْأَنْبِيَاء يُصَلِّي حَتَّى يبلغ محرابه ونصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر يكون بَين يَدي إِلَى الْمُشْركين فيقذف الله الرعب فِي قُلُوبهم وَكَانَ النَّبِي يبْعَث إِلَى خَاصَّة قومه وَبعثت أَنا إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس وَكَانَت الْأَنْبِيَاء يعزلون الْخمس فتجيء النَّار فتأكله وَأمرت أَنا أَن أقسمه بَين فُقَرَاء أمتِي وَلم يبْق نَبِي إِلَّا أعطي سؤله وأخرت أَنا دَعْوَتِي شَفَاعَة لأمتي)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَعُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي كتاب الرَّد على الْجَهْمِية عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج فَقَالَ (إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَقَالَ أخرج فَحدث بِنِعْمَة الله الَّتِي أنعم بهَا عَلَيْك فبشرني بِعشر لم يؤتها نَبِي قبلي إِن الله بَعَثَنِي إِلَى النَّاس جَمِيعًا وَأَمرَنِي أَن أنذر الْجِنّ ولقاني كَلَامه وَأَنا أُمِّي قد أُوتِيَ دَاوُد الزبُور ومُوسَى الألواح وَعِيسَى الانجيل وغفرلي مَا تقدم من ذَنبي وَمَا تَأَخّر وَأَعْطَانِي الْكَوْثَر وأمدني بِالْمَلَائِكَةِ وأتاني النَّصْر وَجعل بَين يَدي الرعب وَجعل حَوْضِي أعظم الْحِيَاض وَرفع لي ذكري فِي التأذين ويبعثني يَوْم الْقِيَامَة مقَاما مَحْمُودًا وَالنَّاس مهطعين مقنعي رُؤْسهمْ ويبعثني فِي أول زمرة تخرج من النَّاس وَأدْخل الْجنَّة بشفاعتي سبعين ألفا من أمتِي لَا يحاسبون ويرفعني فِي أَعلَى غرفَة من جنَّات النَّعيم لَيْسَ فَوقِي إِلَّا الْمَلَائِكَة الَّذين يحملون الْعَرْش وأتاني السُّلْطَان وَطيب الْغَنِيمَة لي ولأمتي وَلم تكن لأحد قبلنَا
وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن الله تَعَالَى فضل مُحَمَّدًا على أهل السَّمَاء وعَلى الْأَنْبِيَاء قَالُوا يَا ابْن عَبَّاس مَا فَضله على أهل السَّمَاء

(2/320)


قَالَ إِن الله تَعَالَى قَالَ لأهل السَّمَاء {وَمن يقل مِنْهُم إِنِّي إِلَه من دونه فَذَلِك نجزيه جَهَنَّم} وَقَالَ لمُحَمد (إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر) فقد كتب لَهُ بَرَاءَة قَالُوا فَمَا فَضله على الْأَنْبِيَاء قَالَ إِن الله تَعَالَى قَالَ {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} وَقَالَ لمُحَمد {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس} فَأرْسلهُ إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ
وَأخرج ابْن سعد عَن الْحسن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنا رَسُول من أدْركْت حَيا وَمن يُولد بعدِي)
وَأخرج ابْن سعد عَن خَالِد بن معدان قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بعثت إِلَى النَّاس كَافَّة فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا إِلَيّ فَإلَى الْعَرَب فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا إِلَيّ فَإلَى قُرَيْش فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا إِلَيّ فَإلَى بني هَاشم فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا فَإِلَيَّ وحدي)
وَأخرج مُسلم عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنا اكثر الْأَنْبِيَاء تَابعا)
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يَأْتِي معي من أمتِي يَوْم الْقِيَامَة مثل السَّيْل وَاللَّيْل فيحطم النَّاس حطمة فَتَقول الْمَلَائِكَة لما جَاءَ مَعَ مُحَمَّد أَكثر مِمَّا جَاءَ مَعَ سَائِر الْأُمَم والأنبياء)
وَأخرج مُسلم عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا صدق نَبِي من الْأَنْبِيَاء مَا صدقت إِن من الْأَنْبِيَاء من لم يصدقهُ من أمته إِلَّا الرجل الْوَاحِد)
فصل

الْإِجْمَاع على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَبْعُوث إِلَى جَمِيع الْإِنْس وَالْجِنّ وَأما بعثته إِلَى الْمَلَائِكَة فَاخْتلف فِيهَا وَالَّذِي رَجحه السُّبْكِيّ أَنه مَبْعُوث إِلَيْهِم ويستدل لَهُ بِمَا أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة قَالَ صُفُوف أهل الأَرْض على صُفُوف أهل السَّمَاء فَإِذا وَافق آمين فِي الأَرْض آمين فِي السَّمَاء غفر للْعَبد

(2/321)


بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنَّهُ بعث رَحْمَة للْعَالمين حَتَّى الْكفَّار بِتَأْخِير الْعَذَاب وَلم يعاجلوا بالعقوبة كَسَائِر الْأُمَم المكذبة

قَالَ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم} الْآيَة
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أبي أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله بَعَثَنِي رَحْمَة للْعَالمين وَهدى لِلْمُتقين)
وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قيل يَا رَسُول الله أَلا تَدْعُو على الْمُشْركين قَالَ (إِنَّمَا بعثت رَحْمَة وَلم أبْعث عذَابا)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين} قَالَ من آمن تمت لَهُ الرَّحْمَة على الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن لم يُؤمن عوفي مِمَّا كَانَ يُصِيب الْأُمَم فِي عَاجل الدُّنْيَا من الْعَذَاب من الْخَسْف وَالْمَسْخ وَالْقَذْف
بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باقسام الله تَعَالَى بحياته

قَالَ تَعَالَى {لعمرك إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا حلف الله بحياة أحد إِلَّا بحياة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ {لعمرك إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون} وحياتك يَا مُحَمَّد

(2/322)


بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْلَام قرينه وَبِأَن أَزوَاجه عون لَهُ

أخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فضلت على الْأَنْبِيَاء بخصلتين كَانَ شيطاني كَافِرًا فَأَعَانَنِي الله عَلَيْهِ حَتَّى أسلم ونسيت الْخصْلَة الْأُخْرَى)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فضلت على آدم بخصلتين كَانَ شيطاني كَافِرًا فَأَعَانَنِي الله عَلَيْهِ حَتَّى أسلم وَكن أزواجي عونا لي وَكَانَ شَيْطَان آدم كَافِرًا وَزَوجته عونا على خطيئته)
وَأخرج مُسلم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَمَعَهُ قرينه من الْجِنّ وقرينه من الْمَلَائِكَة قَالُوا وَإِيَّاك يَا رَسُول الله قَالَ وإياي وَلَكِن الله أعانني عَلَيْهِ فَأسلم فَلَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَير) وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة مثله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد أَن آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام ذكر مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (إِن أفضل مَا فضل بِهِ عَليّ ابْني صَاحب الْبَعِير أَن زَوجته عون لَهُ على دينه وَكَانَت زَوْجَتي عونا لي على الخطيئته)
بَاب تَفْضِيل الله لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مخاطبته

قَالَ أَبُو نعيم وَمن خَصَائِصه أَن الله فصل مخاطبته من مُخَاطبَة الْأَنْبِيَاء قبله تَشْرِيفًا لَهُ وإجلالا وَذَلِكَ أَن الْأُمَم كَانُوا يَقُولُونَ لأنبيائهم رَاعنا سَمعك فَنهى الله تَعَالَى هَذِه الْأمة أَن يخاطبوا نَبِيّهم بِهَذِهِ المخاطبة فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَقولُوا رَاعنا وَقُولُوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عَذَاب أَلِيم}

(2/323)


بَاب تشريفه بمخاطبة الله لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
قَالَ الْعلمَاء وَمن خَصَائِصه أَن الله تَعَالَى لم يناده فِي الْقُرْآن بإسمه بل قَالَ {يَا أَيهَا النَّبِي} {يَا أَيهَا الرَّسُول} {يَا أَيهَا المدثر} {يَا أَيهَا المزمل} بِخِلَاف سَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأَنَّهُ خاطبهم بِأَسْمَائِهِمْ كَقَوْلِه تَعَالَى {يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} {يَا نوح اهبط} {يَا إِبْرَاهِيم أعرض عَن هَذَا} {يَا مُوسَى إِنِّي اصطفيتك} يَا عِيسَى أذكر نعمتي عَلَيْك يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي بِالْأَرْضِ {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نبشرك} {يَا يحيى خُذ الْكتاب}
بَاب تَحْرِيم ندائه بإسمه

قَالَ أَبُو نعيم وَمن خَصَائِصه تَحْرِيم ندائه بإسمه على الْأمة بِخِلَاف سَائِر الْأَنْبِيَاء فَإِن أممهم كَانَت تخاطبهم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَنْهُم {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة} {إِذْ قَالَ الحواريون يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم} وَقَالَ تَعَالَى لهَذِهِ الْأمة {تجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُم كدعاء بَعْضكُم بَعْضًا}

(2/324)


وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالُوا كَانُوا يَقُولُونَ يَا مُحَمَّد يَا أَبَا الْقَاسِم فَنَهَاهُمَا الله عَن ذَلِك إعظاما لنَبيه فَقَالُوا يَا نَبِي الله يَا رَسُول الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَلْقَمَة الْأسود فِي الْآيَة قَالَ لَا تَقولُوا يَا مُحَمَّد وَلَكِن قُولُوا يَا رَسُول الله يَا نَبِي الله وَأخرج أَبُو نعيم مثله عَن الْحسن وَسَعِيد بن جُبَير
وَأخرج عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ أَمر الله تَعَالَى أَن يهاب نبيه وَأَن يعظم ويفخم ويسود
بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن الْمَيِّت يسْأَل عَنهُ فِي قَبره

أخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أما فتْنَة الْقَبْر فِي تفتنون وعني تسْأَلُون فَإِذا كَانَ الرجل الصَّالح اجْلِسْ فَيُقَال لَهُ مَا هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم فَيَقُول مُحَمَّد رَسُول الله الحَدِيث قَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ سُؤال المقبور خَاص بِهَذِهِ الْأمة وَكَذَا قَالَ ابْن عبد الْبر وَالْمَسْأَلَة مبسوطة فِي كتاب البرزخ
بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن عَوْرَته لم تَرَ قطّ وَلَو رَآهَا أحد طمست عَيناهُ

وَسَيَأْتِي حَدِيثه فِي أَبْوَاب الْوَفَاة
بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باستئذان ملك الْمَوْت عَلَيْهِ

سَيَأْتِي حَدِيثه فِي أَبْوَاب الْوَفَاة وَقد أوردت فِي البرزخ أَحَادِيث دُخُول ملك الْمَوْت على إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَدَاوُد عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام بِغَيْر إستئذان

(2/325)


بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَحْرِيم نِكَاح ازواجه من بعده
قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لكم أَن تُؤْذُوا رَسُول الله وَلَا أَن تنْكِحُوا أَزوَاجه من بعده أبدا إِن ذَلِكُم كَانَ عِنْد الله عَظِيما} وَلم يثبت ذَلِك لأحد من الْأَنْبِيَاء بل قصَّة سارة مَعَ الْجَبَّار وَقَول إِبْرَاهِيم لَهُ هَذِه أُخْتِي وَأَنه هم أَن يطلقهَا ليتزوجها الْجَبَّار قد يسْتَدلّ بِهِ أَن ذَلِك لم يكن لسَائِر الْأَنْبِيَاء
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة أَنه قَالَ لزوجته إِن سرك أَن تَكُونِي زَوْجَتي فِي الْجنَّة فَلَا تزوجي بعدِي فَإِن الْمَرْأَة لآخر أزواجها فِي الدُّنْيَا فَلذَلِك حرم على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينكحن بعده لِأَنَّهُنَّ أَزوَاجه فِي الْجنَّة
وَمِمَّا قيل فِي تَعْلِيل ذَلِك أَنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَأَن فِي ذَلِك غَضَاضَة ينزه عَنْهَا منصبه الشريف وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ فِي قَبره وَلِهَذَا حُكيَ الْمَاوَرْدِيّ وَجها أَنه لَا يجب عَلَيْهِنَّ عدَّة الْوَفَاة وفيمن فَارقهَا فِي الْحَيَاة كالمستعيذة وَالَّتِي رأى بكشحها بَيَاضًا أوجه
أَحدهَا يحرمن أَيْضا وَهُوَ الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَصَححهُ فِي الرَّوْضَة لعُمُوم الْآيَة وَلَيْسَ المُرَاد بِمن بعده بعدية الْمَوْت بل بعدية النِّكَاح وَقيل لَا
وَالثَّالِث وَصَححهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ والرافعي فِي الشَّرْح الصَّغِير تَحْرِيم الْمَدْخُول بهَا فَقَط لما روى أَن الْأَشْعَث بن قيس نكح المستعيذة فِي زمن عمر فهم برجمه فَأخْبر أَنَّهَا لم تكن مَدْخُولا بهَا فَكف
وَالْخلاف جَار أَيْضا فِيمَن اخْتَارَتْ الْفِرَاق لَكِن الْأَصَح فِيهَا عِنْد إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ الْحل وَقطع بِهِ جمَاعَة لتحصل فَائِدَة التَّخْيِير وَهُوَ التَّمَكُّن من زِينَة الدُّنْيَا

(2/326)


وَفِي أمة فَارقهَا بعد وطيها أوجه ثَالِثهَا تحرم إِن فَارقهَا بِالْمَوْتِ كمارية وَلَا تحرم إِن بَاعهَا فِي الْحَيَاة
بَاب تولي الله لَهُ وَالرَّدّ على اعدائه

قَالَ أَبُو نعيم وَمن خَصَائِصه أَن من تقدمه من الْأَنْبِيَاء كَانُوا يدافعون عَن أنفسهم ويردون على أعدائهم كَقَوْل نوح {يَا قوم لَيْسَ بِي ضَلَالَة} وَقَول هود {يَا قوم لَيْسَ بِي سفاهة} وَأَشْبَاه ذَلِك وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تولى الله تبريته عَمَّا نسبه إِلَيْهِ اعداؤه ورد عَلَيْهِم بِنَفسِهِ فَقَالَ {مَا أَنْت بِنِعْمَة رَبك بمجنون} وَقَالَ {مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى وَمَا ينْطق عَن الْهوى} وَقَالَ {وَمَا علمناه الشّعْر} إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات
بَاب إِنَّك لمن الْمُرْسلين

قَالَ أَبُو نعيم وَمن خَصَائِصه أَن الله تَعَالَى أقسم على رسَالَته فَقَالَ {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم إِنَّك لمن الْمُرْسلين}
بَاب جمعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْقبْلَتَيْنِ والهجرتين

وَمن خَصَائِصه أَنه جمع بَين الْقبْلَتَيْنِ والهجرتين وَأَنه جمعت لَهُ الشَّرِيعَة والحقيقة وَلم يكن للأنبياء إِلَّا إِحْدَاهمَا بِدَلِيل قصَّة مُوسَى مَعَ الْخضر وَقَوله إِنِّي على علم من علم الله لَا يَنْبَغِي لَك أَن تعلمه وَأَنت على علم من علم الله لَا يَنْبَغِي لي أَن أعلمهُ

(2/327)


وَقد كنت قلت هَذَا الْكَلَام أَولا استنباطا من هَذَا الحَدِيث من غير أَن أَقف عَلَيْهِ فِي كَلَام أحد من الْعلمَاء ثمَّ رَأَيْت الْبَدْر بن الصاحب أَشَارَ إِلَيْهِ فِي تَذكرته وَوجدت من شواهده حَدِيث السَّارِق الَّذِي أَمر بقتْله وَالْمُصَلي الَّذِي أَمر بقتْله وَقد تقدم فِي بَاب المغيبات