الروض
الأنف ت السلامي
غريب حديث تبع:
ذكر فيه فجد عذق الملك. العذق النخلة بفتح العين والعذق بالكسرة
الكباسة بما عليها من التمر وذكر في نسب قريظة والنضير عمرا، وهو هدل
بفتح الدال والهاء كأنه مصدر هدل هدلا إذا استرخت شفته وذكره الأمير
ابن ماكولا عن أبي عبدة النسابة فقال فيه هدل بسكون الدال.
وذكر فيه ابن التومان على وزن فعلان كأنه من لفظ التوم1 وهو الدر أو
نحوه.
وفيه ابن السبط بكسر السين وفيه ابن تنحوم بفتح التاء وسكون النون
والحاء المهملة وهو عبراني، وكذلك عازر، وعزرى بكسر العين من عزري.
وقاهث، وبالتاء المنقوطة باثنتين. وهكذا وقع في نسخة الشيخ أبي بحر.
وفي غيرها بالثاء المثلثة وكلها عبرانية. وكذلك إسرائيل وتفصيله
بالعربية سري الله. وقوله في شعر خالد بن عبد العزى: أصحا أم قد نهى
ذكره2. الذكر جمع
ـــــــ
1 مفرده: تومة بضم التاء وفتح الميم، والجمع توم، بضم التاء وسكون
الواو أو فتحها.
2 الذكر بكسر الذال، والذكرى والذكر بضم الذال ضد النسيان، وفي
"الشافية" عن جمع ما آخره ألف التأنيث.
(1/86)
عازر، بن عزرى،
بن هارون بن عمران، بن يصهر بن قاهث، بن لاوي بن يعقوب - وهو إسرائيل -
بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن - صلى الله عليهم - عالمان راسخان في
العلم حين سمعا بما يريد من إهلاك المدينة وأهلها، فقالا له أيها الملك
لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها، ولم نأمن عليك عاجل
العقوبة فقال لهما: ولم ذلك؟ فقالا: هي مهاجر نبي يخرج من هذا الحرم من
قريش في آخر الزمان تكون داره وقراره فتناهى عن ذلك ورأى أن لهما علما،
وأجبه ما سمع منهما، فانصرف عن المدينة، وأتبعهما على دينهما، فقال
خالد بن عبد العزى بن غزية بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن
النجار يفخر بعمرو بن طلة
أصحا أم قد نهى ذكره ... أم قضى من لذة وطره
أم تذكرت الشباب وما ... ذكرك الشباب أو عصره
ـــــــ
ذرة. كما تقول بكرة وبكر، والمستعمل في هذا المعنى ذكرى بالألف وقلما
يجمع فعلى على فعل، وإنما يجمع على فعال فإن كان أراد في هذا البيت
جمع: ذكرى، وشبه ألف التأنيث بهاء التأنيث فله وجه قد يحملون الشيء على
الشيء إذا كان في معناه.
وقوله ذكرك الشباب أو عصره أراد أو عصره. والعصر والعصر لغتان. وحرك
الصاد بالضم1 قال ابن جني: ليس شيء على وز فعل بسكون العين يمتنع فيه
فعل.
وقوله إنها حرب رباعية. مثل. أي ليست بصغيرة ولا جذعة2. بل هي فوق ذلك
وضرب سن الرباعية مثلا، كما يقال حرب عوان. لأن العوان أقوى من الفتية
وأدرب.
ـــــــ
1 العصر مثلثة العين وبضمتين: الدهر، وجمعها: أعصار وعصور وأعصر وعصر
بضمتين.
2 الجذعة قبل الثني، والثني التي ألفت ثنيتها في السنة الثالثة إذا
كانت من ذات الظلف والحافر.
(1/87)
إنها حرب
رباعية ... مثلها آتى الفتى عبره
فاسألا عمران أو أسدا ... إذ أتت عدوا مع الزهره
فيلق فيها أبو كرب ... سبغ أبدانها ذفره
ثم قالوا: من نؤم بها ... ابني عوف أم النجره؟
بل بني النجار إن لنا ... فيهم قتلى، وإن تره
ـــــــ
وقوله عدوا مع الزهره. يريد صبحهم بغلس قبل مغيب الزهرة وقوله أبدانها
ذفره يعني: الدروع. وذفرة من الذفر. وهي سطوع الرائحة طيبة كانت أو
كريهة. وأما الدفر بالدال المهملة فإنما هو فيما كره من الروائح ومنه
قيل للدنيا: أم دفر وذكره القالي في الأمالي بتحريك الفاء وغلط في ذلك
والدفر بالسكون أيضا: الدفع.
وقوله أم النجرة. جمع ناجر والناجر والنجار بمعنى واحد وهذا كما قيل
المناذرة في بني المنذر والنجار وهم تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن
الخزرج، وسمي النجار لأنه نجر وجه رجل بقدوم فيما ذكر بعض أهل النسب.
وقوله فيهم قتلى وإن تره. أظهر إن بعد الواو. أراد إن لنا قتلى وترة
والترة الوتر فأظهر المضمر وهذا البيت شاهد على أن حروف العطف يضمر
بعدها العامل المتقدم نحو قولك: إن زيدا وعمرا في الدار فالتقدير إن
زيدا، وإن عمرا في الدار ودلت الواو على ما أردت، وإن احتجت إلى
الإظهار أظهرت كما في هذا البيت إلا أن تكون الواو الجامعة في نحو
اختصم زيد وعمرو، فليس ثم إضمار لقيام الواو مقام صيغة التثنية كأنك
قلت: اختصم هذان وعلى هذا تقول طلع الشمس والقمر فتغلب المذكر كأنك
قلت: طلع هذان النيران فإن جعلت الواو هي التي تضمر بعدها الفعل قلت:
طلعت الشمس والقمر وتقول في نفي المسألة الأولى: ما طلع الشمس والقمر
ونفي المسألة الثانية ما طلعت الشمس ولا القمر تعيد حرف النفي. لينتفي
به الفعل المضمر. ويتفرع من هذا الأصل في
(1/88)
فتلقتهم مسايفة
... مدها كالغبية النثره
فيهم عمرو بن طلة م ... لى الإله قومه عمره
ـــــــ
النحو مسائل كثيرة لا نطول بذكرها.
وقوله فتلقتهم مسايفة بكسر الياء أي كتيبة مسايفة. ولو فتحت الياء
فقلت: مسايفة لكان حالا من المصدر التي تكون أحوالا مثل كلمته مشافهة
ولعل هذه الحال أن يكون لها ذكر في الكتاب فنكشف عن سرها، ونبين ما خفي
على الناس من أمرها، وفي غير نسخة الشيخ فتلقتهم مسابقة بالباء والقاف.
والغبية الدفعة من المطر1.
وقوله النثرة أي المنتثرة وهي التي لا تمسك ماء. وقوله [ملى] الإله من
قولهم تمليت حينا أي عشت معه حينا، وهو مأخوذ من الملاوة والملوين2 قال
ابن أحمر
ألا يا ديار الحي بالسبعان3 ... أمل عليها بالبلى الملوان
ألا يا ديار الحي لا هجر بيننا ... ولا كن روعات من الحدثان
نهار وليل دائب ملواهما ... على كل حال الناس يختلفان
معنى قول الشاعر دائب ملواهما. والملوان الليل والنهار. وهو مشكل لأن
الشيء لا يضاف إلى نفسه. لكنه جاز ههنا لأن الملا هو المتسع من الزمان
والمكان وسمي الليل والنهار ملوين لانفساحهما، فكأنه وصف لهما، لا
عبارة عن ذاتيهما ; ولذلك جازت إضافته إليها، فقال دائب ملواهما أي
مداهما وانفساحهما. وقد رأيت معنى هذا الكلام في هذا البيت بعينه لأبي
علي الفسوري في
ـــــــ
1 وأيضا: الصب، الكثير من الماء والسياط، ومن التراب ما سطع من غباره.
2 ملاه الله العيش وأملاه وملاك الله حبيبك: أمتعك به وأعاشك معه
طويلا.
3 السبعان: موضع في ديار بكر, أو ديار قيس.
(1/89)
سيد سامى
الملوك ومن ... رام عمرا لا يكن قدره
وهذا الحي من الأنصار يزعمون أنه إنما كان حنق تبع على هذا الحي من
يهود الذين كانوا بين أظهرهم وإنما أراد هلاكهم فمنعوهم منه حتى انصرف
عنهم ولذلك قال في شعره:
حنقا على سبطين حلا يثربا ... أولى لهم بعقاب يوم مفسد
ـــــــ
بعض مسائله الشيرازية.
وقوله لا يكن قدره. دعاء عليه والهاء عائدة على عمرو. أراد لا يكن قدر
عليه. وحذف حرف الجر فتعدى الفعل فنصب ولا يجوز حذف حرف الجر في كل فعل
وإنما جاز في هذا، لأنه في معنى: استطاعه أو أطاعه فحمل على ما هو في
معناه ونظائره كثيرة والبيت الذي أنشده:
ليت حظي من أبي كرب ... أن يسد خيره خبله1
قال البرقي: نسب هذا البيت إلى الأعشى، ولم يصح قال وإنما هو لعجوز من
بني سالم. أحبه قال في اسمها: جميلة قالته حين جاء مالك بن العجلان
بخبر تبع، فدخل سرا، فقال لقومه قد جاء تبع، فقالت العجوز البيت.
وقوله في حديث تبع: وقوم يزعمون أن حنقه إنما كان على هذين السبطين من
يهود يقوي ما ذكرناه قبل هذا عنه.
والشعر الذي زعم ابن هشام أنه مصنوع قد ذكره في كتاب التيجان وهو قصيد
مطول أوله:
ما بال عينك لا تنام كأنما ... كحلت مآقيها بسم الأسود
ـــــــ
1 هو ابن ملك كرب يهأمن الذي كان على اليمن سنة /378م/، ويظهر أن عقيدة
التوحيد كانت معروفة في عهده، وفي عهد من جاؤوا بعده. انظر "تاريخ
العرب قبل الإسلام" 3/152.
(1/90)
قال ابن هشام:
الشعر الذي فيه هذا البيت مصنوع فذلك الذي منعنا من إثباته.
اعتناق تبع النصرانية، وكسوته البيت وتعظيمه وشعر سبيعة في ذلك:
قال ابن إسحاق: وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها، فتوجه إلى مكة،
وهي طريقه إلى اليمن، حتى إذا كان بين عسفان، وأمج، أتاه نفر من هذيل
بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد، فقالوا له أيها الملك ألا
ندلك على بيت مال دائر أغفلته الملوك قبلك، فيه اللؤلؤ والزبرجد
والياقوت والذهب والفضة؟ قال
ـــــــ
حنقا على سبطين حلا يثربا ... أولى لهم بعقاب يوم مفسد
وذكر في القصيدة ذا القرنين، وهو الصعب بن ذي مراثد فقال فيه:
ولقد أذل الصعب صعب زمانه ... وأناط عروة عزه بالفرقد
لم يدفع المقدور عنه قوة ... عند المنون ولا سمو المحتد
والصنعة بادية في هذا البيت وفي أكثر شعره وفيه يقول:
فأتى مغار الشمس عند غروبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد1
والخلب الطين والثأط الحرمد وهو الحمأ الأسود وروى نقلة الأخبار أن
تبعا لما عمد إلى البيت يريد إخرابه رمي بداء تمخض منه رأسه قيحا
وصديدا يثج ثجا، وأنتن حتى لا يستطيع أحد أن يدنو منه قيد الرمح وقيل
بل أرسلت عليه ريح كتعت منه يديه ورجليه وأصابتهم ظلمة شديدة حتى دفت
خيلهم2 فسمي ذلك المكان الدف فدعا بالحزاة3 والأطباء فسألهم عن دائه
فهالهم ما رأوا منه ولم يجد عندهم فرجا. فعند ذلك قال له الحبران: لعلك
هممت بشيء في أمر هذا
ـــــــ
1 القصيدة في "الطبري" 2/109.ط. المعارف، وليس فيها "ولقد أذل الصعب"
وما بعده وهي /23/ بيت.
2 دف الشيء: نسفه واستأصله.
3 جمع حازي وهو: الكاهن أو الذي ينظر في النجوم ويقضي بها.
(1/91)
بلى، قالوا:
بيت بمكة يعبده أهله ويصلون عنده. وإنما أراد الهذليون هلاكه بذلك لما
عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغى عنده. فلما أجمع لما قالوا،
أرسل إلى الحبرين فسألهما عن ذلك فقالا له ما أراد القوم إلا هلاكك
وهلاك جندك. ما نعلم بيتا لله اتخذه في الأرض لنفسه غيره ولئن فعلت ما
دعوك إليه لتهلكن وليهلكن من معك جميعا، قال فماذا تأمرانني أن أصنع
إذا أنا قدمت عليه؟ قالا: تصنع عنده ما يصنع أهله تطوف به وتعظمه
وتكرمه وتحلق رأسك عنده وتذل له حتى تخرج من عنده قال فما يمنعكما
أنتما من ذلك؟ قالا: أما والله إنه لبيت أبينا إبراهيم وإنه لكما
أخبرناك، ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حوله
وبالدماء التي يهريقون عنده وهم نجس أهل شرك - أو كما قالا له - فعرف
نصحهما وصدق حديثهما فقرب النفر من هذيل، فقطع أيديهم وأرجلهم ثم مضى
حتى قدم مكة، فطاف بالبيت ونحر عنده وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام -
فيما يذكرون - ينحر بها للناس ويطعم أهلها، ويسقيهم العسل وأري في
المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه
المعافر ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والوصائل فكان تبع -
فيما يزعمون - أول من كسا البيت وأوصى به ولاته من جرهم، وأمرهم
بتطهيره وألا يقربوه دما، ولا ميتة ولا مئلات وهي المحايض وجعل له بابا
ومفتاحا، وقالت سبيعة بنت
ـــــــ
البيت فقال نعم أردت هدمه. فقالا له تب إلى الله مما نويت فإنه بيت
الله وحرمه وأمراه بتعظيم حرمته ففعل فبرئ من دائه وصح من وجعه. وأخلق
بهذا الخبر أن يكون صحيحا فإن الله - سبحانه - يقول {وَمَنْ يُرِدْ
فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:
25]. أي ومن يسهم فيه بظلم. والباء في قوله بظلم تدل على صحة المعنى،
وأن من هم فيه بالظلم - وإن لم يفعل - عذب تشديدا في حقه وتعظيما
لحرمته وكما فعل الله بأصحاب الفيل أهلكهم قبل الوصول إليه.
وقوله فكسا البيت الخصف. جمع: خصفة وهي شيء ينسج من الخوص والليف
والخصف أيضا: ثياب غلاظ. والخصف لغة في الخزف في كتاب
(1/92)
الأحب بن
زبينة، بن جذيمة بن عوف بن معاوية بن بكر بن هوازن، بن منصور بن عكرمة
بن خصفة بن قيس بن عيلان وكانت عند عبد مناف بن كعب، بن سعد بن تيم بن
مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، بن كنانة لابن لها
منه يقال له خالد تعظم عليه حرمة مكة، وتنهاه عن البغي فيها، وتذكر
تبعا وتذلله لها، وما صنع بها:
أبني لا تظلم بمكة ... لاالصغير ولا الكبير
واحفظ محارمها بن ... ي ولا يغرنك الغرور
أبني من يظلم بمكة ... يلق أطراف الشرور
بني يضرب وجهه ... ويلح بخديه السعير
أبني قد جربتها ... فوجدت ظالمها يبور
الله أمنها، وما ... بنيت بعرصتها قصور
ولقد غزاها تبع ... فكسا بنيتها الحبير
وأذل ربي ملكه ... فيها فأوفى بالنذور
ـــــــ
"العين". والخصف بضم الخاء وسكون الصاد هو الجوز. ويروى أن تبعا لما
كسا البيت المسوح والأنطاع. انتفض البيت فزال ذلك عنه وفعل ذلك حين
كساه الخصف فلما كساه الملاء والوصائل قبلها. وممن ذكر هذا الخبر: قاسم
في الدلائل. وأما الوصائل فثياب موصلة من ثياب اليمن. واحدتها: وصيلة1.
وقوله: ولا تقربوه بمئلات، وهي: المحائض. لم يرد النساء الحيض؛ لأن
حائضا لا يجمع على محائض2، وإنما هي جمع محيضة، وهي خرقة المحيض
ـــــــ
1 لا ريب في أن ما تقدم حديث خرافة، وقد روى أحاديث كسوة الكعبة غير من
تقدم الواقدي وسعيد بن منصور، وهي أحاديث واهية.
2 في "القاموس" المرأة تحيض حيضاً ومحيضا وجمعها: حوائض، وحيض والحيضة
الخرقة، وكذلك المحيضة.
(1/93)
يمشي إليها -
حافيا ... بفنائها - ألفا بعير
ويظل يطعم أهلها ... لحم المهارى والجزور
يسقيهم العسل المصفى ... والرحيض من الشعير
والفيل أهلك جيشه ... يرمون فيها بالصخور
والملك في أقصى البلا ... د وفي الأعاجم والخزير
فاسمع إذا حدثت، وافهم كيف عاقبة الأمور
قال ابن هشام: يوقف على قوافيها لا تعرب.
دعوة تبان قومه إلى النصرانية، وتحكيمهم النار بينهم وبينه:
ثم خرج منها متوجها إلى اليمن بمن معه من جنوده وبالحبرين حتى إذا دخل
اليمن دعا قومه إلى الدخول فيما دخل فيه فأبوا عليه حتى يحاكموه إلى
النار التي كانت باليمن.
قال ابن إسحاق: حدثني أبو مالك بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال سمعت
إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله يحدث أن تبعا لما دنا من اليمن
ليدخلها حالت حمير بينه وبين ذلك وقالوا: لا تدخلها علينا، وقد فارقت
ديننا، فدعاهم إلى دينه وقال إنه خير من دينكم فقالوا: فحاكمنا إلى
النار. قال نعم. قال وكانت باليمن - فيما يزعم أهل اليمن - نار تحكم
ـــــــ
ويقال للخرقة أيضا: مئلاة وجمعها: المآلي قال الشاعر:
كأن مصفحات في ذراه ... وأنواحا عليهن المآلي1
وهي هنا خرق تمسكهن النواحات بأيديهن فكان المئلات كل خرقة دنسة لحيض
كانت أو لغيره وزنها مفعلة من ألوت: إذا قصرت وضيعت، وجعلها
ـــــــ
1 البيت للبيد يصف سحاباً. والمصفحات: السيوف، ومن رواها بكسر الفاء،
فهي النساء، شبه لمع البرق بتصفح النساء إذا صفقن بأيديهن.
(1/94)
بينهم فيما
يختلفون فيه تأكل الظالم ولا تضر المظلوم فخرج قومه بأوثانهم وما
يتقربون به في دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديها، حتى
قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه فخرجت النار إليهم فلما أقبلت
نحوهم حادوا عنها وهابوها، فذمرهم من حضرهم من الناس وأمروهم بالصبر
لها، فصبروا حتى غشيتهم فأكلت الأوثان وما قربوا معها، ومن حمل ذلك من
رجال حمير، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما تعرق جباههما لم
تضرهما، فأصفقت عند ذاك حمير على دينه فمن هنالك وعن ذلك كان أصل
اليهودية باليمن.
قال ابن إسحاق: وقد حدثني محدث أن الحبرين ومن خرج من حمير، إنما
اتبعوا النار ليردوها، وقالوا: من ردها فهو أولى بالحق، فدنا منها رجال
من حمير بأوثانهم ليردوها فدنت منهم لتأكلهم فحادوا عنها ولم يستطيعوا
ردها، ودنا منها الحبران بعد ذلك وجعلا يتلوان التوراة وتنكص عنهما،
حتى رداها إلى مخرجها الذي خرجت منه فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما.
والله أعلم أي ذلك كان.
ـــــــ
صاحب "العين" في باب الإلية والألية، فلام الفعل عنده ياء على هذا،
والله أعلم ويروى في هذا الموضع مئلاثا بثاء مثلثة ومن قوله حين كسا
البيت:
وكسونا البيت الذي حرم الله ... ملاء معضدا وبرودا
فأقمنا به من الشهر عشرا ... وجعلنا لبابه إقليدا
ونحرنا بالشعب ستة ألف ... فترى الناس نحوهن ورودا
ثم سرنا عنه نؤم سهيلا ... فرفعنا لواءنا معقودا1
وقال القتبي: كانت قصة تبع قبل الإسلام بسبعمائة عام2.
وقوله بنت الأحب بالحاء المهملة ابن زبينة بالزاي والباء والنون: فعيلة
من
ـــــــ
1 هو من الشعر المنحول، ولهذا أضرب عن ذكره ابن هشام.
2 كان قبله بأقل من ذلك بكثير.
(1/95)
....................................................
ـــــــ
الزبن1 والنسب إليه زباني على غير قياس. ولو سمي به رجل لقيل في النسب
إليه. زبني على القياس. قال سيبويه: الأحب بالحاء المهملة. يقوله أهل
النسب وأبو عبيدة يقوله بالجيم وإنما قالت بنت الأحب هذا الشعر في حرب
كانت بين بني السباق بن عبد الدار، وبين بني علي بن سعد بن تميم حتى
تفانوا. ولحقت طائفة من بني السباق بعك. فهم فيهم. قال وهو أول بغي كان
في قريش. وقد قيل أول بغي كان في قريش2 بغي الأقايش وهم بنو أقيش من
بني سهم بغى بعضهم على بعض فلما كثر بغيهم على الناس أرسل الله عليهم
فأرة تحمل فتيلة فأخرقت الدار التي كانت فيها مساكنهم فلم يبق لهم عقب.
كسوة الكعبة:
وقولها: وكسا بنيتها الحبير. تريد الحبرات3 والرحيض من الشعير أي
المنقى والمصفى منه وقال ابن إسحاق في غير هذا الموضع: أول من كسا
الكعبة الديباج الحجاج وذكر جماعة سواه منهم الدارقطني. فتيلة بنت جناب
أم العباس بن عبد المطلب. كانت قد أضلت العباس صغيرا، فنزرت إن وجدته
أن تكسو الكعبة الديباج ففعلت ذلك حين وجدته. وكانت من بيت مملكة
وسيأتي ذكر نسبها فيما بعد - إن شاء الله.
وقال الزبير النسابة بل أول من كساها الديباج عبد الله بن الزبير4.
ـــــــ
1 الزبن: الدفع.
2 في "الاشتقاق": وكان بنو السباق أول من بغى بمكة فأهلكوا.
3 جمع حبرة بكسر ففتح: ما كان من البرود مخططاً.
4 وذكر الواقدي أن أول من كساها الديباج هو يزيد بن معاوية، واتبع ابن
الزبير أثره.
(1/96)
رئام وما صار
إليه:
قال ابن إسحاق: وكان رئام بيتا لهم يعظمونه وينحرون عنده ويكلمون منه
إذ كانوا على شركهم فقال الحبران لتبع إنما هو شيطان يفتنهم بذلك فخل
بيننا وبينه، قال فشأنكما به فاستخرجا منه - فيما يزعم أهل اليمن -
كلبا أسود فذبحاه ثم هدما ذلك البيت فبقاياه اليوم - كما ذكر لي - بها
آثار الدماء التي كانت تهراق عليه.
__________
رئام:
وذكر البيت الذي كان لهم يقال له رئام، وهو فعال من رئمت الأنثى ولدها
ترأمه رئما ورئاما: إذا عطفت عليه ورحمته. فاشتقوا لهذا البيت اسما
لموضع الرحمة التي كانوا يلتمسون في عبادته والله أعلم.
وفي رواية يونس عن ابن إسحاق أن رئاما كان فيه شيطان وكانوا يملئون له
حياضا من دماء القربان فيخرج فيصيب منها، ويكلمهم وكانوا يعبدونه فلما
جاء الحبران مع تبع نشرا التوراة عنده وجعلا يقرآنها ; فطار ذلك
الشيطان حتى وقع في البحر
ـــــــ
1 في :اللسان والقاموس": مصدر رئم هو رأم بوزن ضرب ورأمان ورئمان بكسر
فسكون.
(1/97)
|