الروض
الأنف ت السلامي
أمر البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي:
رأي ابن إسحاق فيها:
قال ابن إسحاق: فأما البحيرة فهي بنت السائبة والسائبة الناقة إذا
تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر سيبت فلم يركب ظهرها، ولم يجز وبرها،
ولم يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها، ثم خلي
سبيلها مع أمها، فلم يركب ظهرها، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إلا
ضيف كما فعل بأمها، فهي البحيرة بنت السائبة. والوصيلة الشاة إذا
أتأمت1 عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر جعلت وصيلة.
قالوا: قد وصلت فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم إلا أن
يموت منها شيء فيشتركوا في أكله ذكورهم وإناثهم.
قال ابن هشام: ويروى: فكان ما ولدت بعد ذلك لذكور بنيهم دون بناتهم.
ـــــــ
البحيرة والسائبة:
فصل: وذكر البحيرة والسائبة وفسر ذلك وفسره ابن هشام بتفسير آخر.
وللمفسرين في تفسيرهما أقوال منها: ما يقرب ومنها ما يبعد من قولهما،
وحسبك منها ما وقع في الكتاب2 لأنها أمور كانت في الجاهلية قد أبطلها
الإسلام فلا تمس الحاجة إلى علمها.
ـــــــ
1 أتأمت: جاءت باثنين في بطن واحد.
2 لسيبويه.
(1/230)
قال ابن إسحاق:
والحامي: الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر حمي ظهره
فلم يركب ولم يجز وبره وخلي في إبله يضرب فيها، لا ينتفع منه بغير ذلك.
رأي ابن هشام فيها:
قال ابن هشام: وهذا عند العرب على غير هذا إلا الحامي، فإنه عندهم على
ما قال ابن إسحاق. فالبحيرة عندهم الناقة تشق أذنها فلا يركب ظهرها،
ولا يجز وبرها، ولا يشرب لبنها إلا ضيف أو يتصدق به وتهمل لآلهتهم.
والسائبة التي ينذر الرجل أن يسيبها إن برئ من مرضه أو إن أصاب أمرا
يطلبه. فإذا كان أساب ناقة من إبله أو جملا لبعض آلهتهم فسابت فرعت لا
ينتفع بها. والوصيلة التي تلد أمها اثنين في كل بطن فيجعل صاحبها
لآلهته الإناث منها، ولنفسه الذكور منها: فتلدها أمها ومعها ذكر في بطن
فيقولون وصلت أخاها، فيسيب أخوها معها، فلا ينتفع به1.
قال ابن هشام: حدثني به يونس بن حبيب النحوي وغيره. روى بعض ما لم يرو
بعض.
قال ابن إسحاق: فلما بعث الله تبارك وتعالى رسوله محمدا - صلى الله
عليه وسلم - أنزل عليه: { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا
سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}
[المائدة 103]. وأنزل الله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ
الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا
وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ
ـــــــ
وذكر ما أنزل الله في ذلك منها قوله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ
هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى
أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ
سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام 139] وفيه
من الفقه الزجر عن التشبه بهم في تخصيصهم الذكور دون الإناث بالهبات.
روت عمرة عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يعمد
ـــــــ
1 والكلام في البحيرة وأخواتها كثير مختلف فيه، وقد ذكر الإمام الألوسي
معظمه. انظر: "بلوغ الأرب" 3/34-39
(1/231)
شُرَكَاءُ
سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام 139].
وأنزل عليه {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ
رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ
لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس 59]. وأنزل عليه {وَمِنَ
الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ
وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُبِينٌ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ
الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ
أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي
بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَمِنَ الْأِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ
الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ
أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ
شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ
افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام 142 -
144].
البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي لغة:
قال ابن هشام: قال الشاعر :
حول الوصائل في شريف حقة ... والحاميات ظهورها والسيب
وقال تميم بن أبي بن مقبل أحد بني عامر بن صعصعة:
فيه من الأخرج المرباع قرقرة ... هدر الديافي وسط الهجمة البحر1
__________
أحدكم إلى المال فيجعله عند ذكور ولده. إن هذا إلا كما قال الله تعالى:
{وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ
لِذُكُورِنَا} [الأنعام: 139] رواه البخاري في التاريخ من حديث سليمان
بن حجاج. وأنشد في البحيرة:
فيه من الأخرج المرباع قرقرة ... هدر الديافي وسط الهجمة البحر
هكذا الرواية المرباع بالباء من الربيع والمرباع هو الفحل الذي يبكر
ـــــــ
1 البيت كما ورد في "السيرة" لتميم بن مقبل، وصحة نسبه –كما جاء في
"جمهرة ابن حزم"- تميم بن أبي –على وزن قصي- بن مقبل بن عوف بن حنيف بن
العجلان بن عبد الله بن كعب ص271.
(1/232)
وهذا البيت في
قصيدة له. وجمع بحيرة بحائر وبحر. وجمع وصيلة وصائل ووصل. وجمع سائبة
الأكثر سوائب وسيب وجمع حام الأكثر حوام.
ـــــــ
بالإلقاح ويقال للناقة أيضا: مرباع إذا بكرت بالنتاج وللروضة إذا بكرت
بالنبات.
يصف في هذا البيت حمار وحش يقول فيه من الأخرج وهو الظليم الذي فيه
بياض وسواد أي فيه منه قرقرة أي صوت وهدر مثل هدر الديافي أي الفحل
المنسوب إلى دياف بلد بالشام والهجمة من الإبل دون المائة وجعلها بحرا
لأنها تأمن من الغارات يصفها بالمنعة والحماية كما تأمن من البحيرة من
أن تذبح أو تنحر ورأيت في شعر ابن مقبل من الأخرج المرياع بالياء أخت
الواو وفسره في الشرح من راع يريع إذا أسرع الإجابة كما قال طرفة:
"تريع إلى صوت المهيب وتتقي"1
والنفس إلى الرواية الأولى أسكن وحكي عن ابن قتيبة أنه قال في البحر هي
الغزيرات اللبن لا جمع بحيرة كأنها: جمع بحور عنده فظن هذا يذهب المعنى
الذي ذكرنا من أمنها ومنعتها ; إذ ليس هذا المعنى في الغزيرات اللبن
لكنه أظهر في العربية لأن بحيرة فعيلة وفعيلة لا تجمع على فعل إلا أن
تشبه بسفينة وسفن وخريدة وخرد وهو قليل. وقيل البيت في وصف روض:
بعازب النبت يرتاح الفؤاد له ... رأد النهار لأصوات من النغر
وبعد البيت الواقع في "السيرة":
والأزرق الأخضر السربال منتصب ... قيد العصا فوق ذيال من الزهر
يعني بالأزرق ذباب الروض وكذلك النغر2. وقوله في البيت الآخر:
ـــــــ
1 بقيته: بذي حصل روعات أكلف ملبد.
2 نبت عازب: لم يرع قط، ولا وطئ، والرأد: رونق الضحى.
(1/233)
|