الروض
الأنف ت السلامي
أمر سامة:
رحلته إلى عمان وموته:
قال ابن إسحاق: فأما سامة بن لؤي فخرج إلى عمان، وكان بها. ويزعمون أن
عامر بن لؤي أخرجه وذلك أنه كان بينهما شيء ففقأ سامة عين عامر فأخافه
عامر فخرج إلى عمان. فيزعمون أن سامة بن لؤي بينا هو يسير على ناقته إذ
وضعت رأسها ترتع فأخذت حية بمشفرها، فهصرتها حتى وقعت الناقة لشقها، ثم
نهشت سامة فقتلته. فقال سامة حين أحس بالموت فيما يزعمون:
ـــــــ
وذكر بنت جرم بن ربان1. وبنت جرم هي ناجية واسمها: ليلى، وجرم أبو جدة
الذي نزل جدة من ساحل الحجاز، فعرفت به كما عرفت كثير من البلاد بمن
نزلها من الرجال وقد تقدم طرف من ذلك وسيأتي في الكتاب كثير إن شاء
الله تعالى. وربان هو علاف الذي تنسب إليه الرحال العلافية.
وذكر سعد بن ذبيان وقصته مع عوف بن لؤي وذبيان بن بغيض بكسر الذال
وضمها، والكسر أفصح وهم أربعة أحياء من العرب: ذبيان بن بغيض في قيس،
وذبيان بن ثعلبة في بجيلة، وذبيان في قضاعة، وذبيان في الأزد.
وذكر ابن دريد في كتاب اشتقاق الأسماء له أن ذبيان فعلان [أو فعلان] من
ذبى العود يذبي [ذبيا إذا لان واسترخى]. يقال ذبى العود وذوى بمعنى
واحد.
وذكر حديث سامة بن لؤي حين قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أحد بنيه فانتسب له إلى سامة فقال له عليه السلام "الشاعر" بخفض الراء
من الشاعر كذا قيده أبو بحر على أبي الوليد بالخفض وهو الصحيح لأنه
مردود على ما قبله كأنه مقتضب من كلام المخاطب وإن كان الاستفهام لا
يعمل ما قبله فيما بعده ولكن العامل مقدر
ـــــــ
1 في القاموس عن ربان أنها على وزن كتان، ثم قال: وليس في العرب ربان
غيره, ومن سواه بالزاي.
(1/246)
عين فابكي
لسامة بن لؤي ... علقت ما بسامة العلاقه
لا أرى مثل سامة بن لؤي ... يوم حلوا به قتيلا لناقه
بلغا عامرا وكعبا رسولا ... أن نفسي إليهما مشتاقه
إن تكن في عمان داري، فإني ... غالبي، خرجت من غير ناقه
ـــــــ
بعد الألف فإذا قال لك القائل قرأت على زيد مثلا، فقلت: آلعالم
بالاستفهام كأنك قلت له أعلى العالم ونظير هذا ألف الإنكار إذا قال
القائل مررت بزيد فأنكرت عليه فقلت أزيدنيه بخفض الدال وبالنصب إذا قال
رأيت زيدا، قلت: أزيدنيه وكذلك الرفع. ومن بني سامة هذا: محمد بن عرعرة
بن اليزيد شيخ البخاري، وبنو سامة بن لؤي زعم بعض النساب أنه أدعياء
وأن سامة لم يعقب وقال الزبير ولد سامة غالبا والنبيت والحارث. وأم
غالب ناجية بنت جرم بن زبان واسمها: ليلى1 سميت ناجية لأنها عطشت بأرض
فلاة فجعل زوجها يقول لها: انظري إلى الماء وهو يريها السراب حتى نجت
فسميت ناجية وإليها ينسب [بكر بن قيس] أبو الصديق الناجي الذي يروي عن
أبي سعيد الخدري وأبو المتوكل الناجي، وكثيرا ما يخرج عنه الترمذي،
وكان بنو سامة بالعراق أعداء لعلي - رحمه الله - والذين خالفوا عليا
منهم بنو عبد البيت ومنهم علي بن الجهم الشاعر قيل إنه كان يلعن أباه
لما سماه عليا بغضا منه في علي - رحمه الله - ذكره المسعودي2.
الرسول والمرسل:
وقوله بلغا عامرا وكعبا رسولا. يجوز أن يكون رسولا مفعول ببلغا إذا
ـــــــ
1 في "الجمهرة" لابن حزم أن أسامة قد ولد الحارث، وأمه هند بنت تيم
الأدرم، وغالباً أيضاً، وأمه ناجية بنت حزم بن زبان إليها نسب ولد
زوجها، فهم بنو ناجية.
2 في "جمهرة ابن حزم" وبنو ناجية الذين قتلهم علي رضي الله عنه على
الردة وسباهم. انظر: ص15
(1/247)
رب كأس هرقت يا
ابن لؤي ... حذر الموت لم تكن مهراقه
رمت دفع الحتوف يا ابن لؤي ... ما لمن رام ذاك بالحتف طاقه
وخروس السرى تركت رذيا ... بعد جد وجدة ورشاقه1
قال ابن هشام: وبلغني أن بعض ولده أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- فانتسب إلى سامة بن لؤي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
"آلشاعر"؟ فقال له بعض أصحابه كأنك يا رسول الله أردت قوله:
__________
جعلت الرسول بمعنى: الرسالة كما قال الشاعر:
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم ... بليلى، ولا أرسلتهم برسول
أي: برسالة وإنما سموا الرسالة رسولا إذا كانت كتابا، أو ما يقوم مقام
الكتاب من شعر منظوم كأنهم كانوا يقيمون الشعر مقام الكتاب فتبلغه
الركبان كما تبلغ الكتاب يعرب عن ضمير الكاتب كما يعرب الرسول وكذلك
الشعر المبلغ فسمي رسولا. وبين الرسول والمرسل معنى دقيق ينتفع به في
فهم قول الله عز وجل {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} [النساء 79]
فإنه لا يحسن في مثل هذا أن يقال أرسلناك مرسلا، ولا نبأناك تنبيئا،
كما لا يحسن ضربناك مضروبا، ولكشف هذا المعنى وإيضاحه موضع غير هذا،
واختصار القول فيه أن ليس كل مرسل رسولا، فالرياح مرسلات والحاصب مرسل
وكذلك كل عذاب أرسله الله وإنما الرسول اسم للمبلغ عن المرسل.
ويجوز أن يكون رسولا حال من قوله بلغا عامرا وكعبا رسولا ; إذ قد يعبر
بالواحد عن الاثنين والجماعة في مثل هذا اللفظ تقول أنتم رسولي، وهي
رسولي، تسوي بين الجماعة والواحد والمذكر والمؤنث. وفي التنزيل
{فَأْتِيَا2 فِرْعَوْنَ
ـــــــ
1 خروس السرى: يريد ناقة صموتاً صبوراً على السرى لا تضجر منه، فسراها
كالأخرس. الردى: التي سقطت من الإعياء ومثله الرذيلة: بالذال المعجمة.
2 الأمر لموسى وهارون عليهما السلام.
(1/248)
رب كأس هرقت يا
بن لؤي ... حذر الموت لم تكن مهراقه
قال: أجل.
ـــــــ
فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16] فيكون
المفعول على هذا: أن نفسي إليهما مشتاقة ويكون أن على القول الأول بدلا
من رسول أي رسالة.
(1/249)
|