الروض الأنف ت السلامي

ابتداء فرض الصلاة:
وافترضت الصلاة عليه فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته.
افترضت الصلاة ركعتين ركعتين ثم زيدت:
قال ابن إسحاق: وحدثني صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: افترضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما افترضت عليه ركعتين ركعتين كل صلاة ثم إن الله تعالى أتمها في الحضر أربعا، وأقرها في السفر على فرضها الأول ركعتين.
ـــــــ
فرض الصلاة:
وذكر حديث عروة عن عائشة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر1 وذكر المزني أن الصلاة قبل الإسراء2 كانت صلاة قبل غروب الشمس وصلاة قبل طلوعها، ويشهد لهذا القول قوله سبحانه: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِبْكَارِ} [غافر: 55]. وقال يحيى بن سلام مثله وقال كان الإسراء وفرض الصلوات الخمس قبل الهجر بعام فعلى هذا يحتمل
ـــــــ
1 رواه البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والنسائي.
2 ذكر الحافظ في "الفتح" كان صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء يصلي قطعا وكذلك أصحابثه. أقول: وفي ختام سورة المزمل, وهي التي بعد القلم: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [المزمل: 20] وآيات غيرها تؤكد.

(2/284)


تعليم جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة:
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم: أن الصلاة حين افترضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو بأعلى مكة ، فهمز له بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت منه عين فتوضأ جبريل عليه السلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ليريه كيف الطهور للصلاة ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل توضأ ثم قام به جبريل فصلى به وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته ثم انصرف جبريل عليه السلام.
تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم خديجة الوضوء والصلاة:
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة فتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل فتوضأت كما توضأ لها رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم صلى بها رسول الله عليه الصلاة والسلام كما صلى به جبريل فصلت بصلاته.
ـــــــ
قول عائشة: فزيد في صلاة الحضر أي زيد فيها حين أكملت خمسا، فتكون الزيادة في الركعات وفي عدد الصلوات ويكون قولها: فرضت الصلاة ركعتين أي قبل الإسراء وقد قال بهذا طائفة من السلف منهم ابن عباس، ويجوز أن يكون معنى قولها: فرضت الصلاة أي ليلة الإسراء حين فرضت الخمس فرضت ركعتين ركعتين ثم زيد في صلاة الحضر بعد ذلك وهذا هو المروي عن بعض رواة هذا الحديث عن عائشة ومن رواه هكذا الحسن والشعبي أن الزيادة في صلاة الحضر كانت بعد الهجرة بعام أو نحوه وقد ذكره أبو عمر وقد ذكر البخاري من رواية معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ففرضت أربعا. هكذا لفظ حديثه وهاهنا سؤال يقال هل هذه الزيادة في الصلاة نسخ أم لا؟ فيقال أما زيادة ركعتين أو ركعة إلى ما قبلها من الركوع حتى تكون صلاة واحدة فنسخ لأن النسخ رفع الحكم وقد ارتفع حكم الإجزاء من الركعتين وصار من سلم منهما عامدا أفسدهما، وإن أراد أن يتم صلاته بعدما سلم وتحدث عامدا لم يجزه إلا أن يستأنف الصلاة من أولها، فقد ارتفع حكم الإجزاء بالنسخ وأما الزيادة في عدد الصلوات حين أكملت خمسا بعدما كانت اثنتين فيسمى نسخا على مذهب أبي حنيفة، فإن الزيادة عنده

(2/285)


تعيين جبريل أوقات الصلاة للرسول صلى الله عليه وسلم:
قال ابن إسحاق: وحدثني عقبة بن مسلم مولى بني تميم، عن نافع بن جبير بن مطعم - وكان نافع كثير الرواية - عن ابن عباس قال: لما افترضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام، فصلى به الظهر حين مالت الشمس ثم صلى به العصر حين كان ظله مثله ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس ثم صلى به
ـــــــ
على النص نسخ وجمهور المتكلمين على أنه ليس بنسخ ولاحتجاج الفريقين موضع غير هذا1.
الوضوء:
فصل: وذكر نزول جبريل عليه السلام بأعلى مكة حين همز له بعقبه فأنبع الماء وعلمه الوضوء وهذا الحديث مقطوع في السيرة ومثله لا يكون أصلا في الأحكام الشرعية ولكنه قد روي مسندا إلى زيد بن حارثة - يرفعه - غير أن هذا الحديث المسند يدور على عبد الله بن لهيعة وقد ضعف ولم يخرج عنه مسلم ولا البخاري ; لأنه يقال إن كتبه احترقت فكان يحدث من حفظه وكان مالك بن أنس يحسن فيه القول ويقال إنه الذي روي عنه حديث بيع العربان2 في الموطإ مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب، فيقال إن الثقة هاهنا ابن لهيعة ويقال إن ابن وهب حدث به عن ابن لهيعة وحديث ابن لهيعة هذا، أخبرنا به أبو بكر الحافظ محمد بن العربي قال نا أبو المطهر سعد بن عبد الله بن أبي الرجاء عن أبي نعيم الحافظ قال نا أبو بكر أحمد بن يوسف العطار قال نا الحارث بن أبي أسامة،
ـــــــ
1 ليس في القرآن آية منسوخة بالمعنى الذي فسر به النسخ علماء الأصول, وانحذر من القول بنسخ آية فيه فنحكم ببطلان ما هو حق.
2 بيع العربان هو أن يشتري السلعة, ويدفع إلى صاحبها شيئا, فإن أمضى البيع حسب من الثمن وإلا كان لصاحب السلعة, ولم يرتجعه المشتري, وهو بيع باطل عند الفقهاء لما فيه من الشرط والغرر وأجازه أحمد.

(2/286)


العشاء الآخرة حين ذهب الشفق ثم صلى به الصبح حين طلع الفجر ثم جاءه فصلى به الظهر من غد حين كان ظله مثله ثم صلى به العصر حين كان ظله مثليه ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس لوقتها بالأمس ثم صلى به العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل الأول ثم صلى به الصبح مسفرا غير مشرق ثم قال يا محمد الصلاة فيما بين صلاتك اليوم، وصلاتك بالأمس.
ـــــــ
قال: نا الحسن بن موسى عن ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن الزهري، عن عروة عن أسامة بن زيد قال حدثني أبي زيد بن حارثة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل عليه السلام، فعلمه الوضوء فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه وحدثنا به أيضا أبو بكر محمد بن طاهر، عن أبي علي الغساني عن أبي عمر النمري عن أحمد بن قاسم عن قاسم بن أصبغ، عن الحارث بن أبي أسامة بالإسناد المتقدم فالوضوء على هذا الحديث مكي بالفرض مدني بالتلاوة لأن آية الوضوء مدنية وإنما قالت عائشة فأنزل الله تعالى آية التيمم ولم تقل آية الوضوء وهي هي لأن الوضوء قد كان مفروضا قبل غير أنه لم يكن قرآنا يتلى، حتى نزلت آية المائدة.

(2/287)