الروض الأنف ت السلامي

حديث هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة:
قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار إما بكرة وإما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في
__________
إذن الله سبحانه لنبيه بالهجرة:
ذكر فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم أتى بيت أبي بكر في الظهيرة قالت عائشة وفي البيت أنا وأختي أسماء فقال أخرج من معك، فقال أبو بكر إنما هما بنتاي يا رسول الله.
وقال في جامع البخاري: إنما هم أهلك يا رسول الله وذلك أن عائشة قد كان أبوها أنكحها من قبل ذلك وكذلك روي عن أمها أم رومان بنت عامر بن عويمر ويقال في اسم أبيها: رومان بفتح الراء أيضا، فقال ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام في حديث طويل ثابت اختصرته: إن أبا بكر حين هاجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم

(4/129)


الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها. قالت فلما رآه أبو بكر قال ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث. قالت فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول
__________
خلف بناته بمكة فلما قدموا المدينة أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة وأبا رافع مولاه وأرسل أبو بكر عبد الله بن أريقط [الديلي]، وأرسل معهم خمسمائة درهم فاشتروا بها ظفرا بقديد ثم قدموا مكة فخرجوا بسودة بنت زمعة وبفاطمة وبأم كلثوم. قالت عائشة وخرجت أمي معهم ومع طلحة بن عبيد الله مصطحبين فلما كنا بقديد نفر البعير الذي كنت عليه أنا وأمي: أم رومان في محفة فجعلت أمي تنادي: وابنيتاه واعروساه وفي رواية يونس عن ابن إسحاق، وفيه قالت عائشة فسمعت قائلا يقول - ولا أرى أحدا - ألقى خطامه فألقيته من يدي، فقام البعير يستدير به كأن إنسانا تحته يمسكه حتى هبط البعير من الثنية ، فسلم الله فقدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يبني المسجد وأبياتا له فنزلت مع أبي بكر ونزلت سودة بنت زمعة في بيتها، فقال أبو بكر ألا تبني بأهلك يا رسول الله فقال : "لولا الصداق" ، قالت فدفع إليه ثنتي عشرة أوقية ونشا، والنش: عشرون درهما وذكرت الحديث. ورواه ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
لم اشتريت الراحلة ؟
وفي حديث ابن إسحاق أن أبا بكر قد أعد راحلتين فقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة وهي أفضلهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أركب بعيرا ليس لي، فقال أبو بكر هو لك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بالثمن"، فقال أبو بكر بالثمن يا رسول الله فركبها" فسئل بعض أهل العلم لم لم يقبلها إلا بالثمن وقد أنفق أبو بكر عليه من ماله ما هو أكثر من هذا فقبل ؟ وقد قال عليه السلام "ليس من أحد أمن

(4/130)


الله صلى الله عليه وسلم وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أخرج عني من عندك" ; فقال يا رسول الله إنما هما ابنتاي وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي فقال "إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة". قالت فقال أبو بكر الصحبة
__________
علي في أهل ومال من أبي بكر" ، وقد دفع إليه حين بنى بعائشة ثنتي عشرة أوقية ونشا، فلم يأب من ذلك ؟ فقال المسئول إنما ذلك لتكون هجرته إلى الله بنفسه وماله رغبة منه عليه السلام في استكمال فضل الهجرة والجهاد على أتم أحوالهما، وهو قول حسن حدثني بهذا بعض أصحابنا عن الفقيه الزاهد أبي الحسن بن اللوان رحمه الله.
ذكر ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام
وذكر ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام أن الناقة التي ابتاعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبي بكر يومئذ هي ناقته التي تسمى بالجدعاء وهي غير العضباء التي جاء فيها الحديث حين ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم ناقة صالح وأنها تحشر معه يوم القيامة فقال له رجل وأنت يومئذ على العضباء يا رسول الله فقال "لا. ابنتي فاطمة تحشر على العضباء وأحشر أنا على البراق ويحشر هذا على ناقة من نوق الجنة" وأشار إلى بلال.
وذكر أذانه في الموقف في حديث طويل يرويه عبد الحميد بن كيسان عن سويد بن عمير وعبد الحميد مجهول عندهم.
وفي مسند البزار عن أنس قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على العضباء وليست بالجدعاء فهذا من قول أنس إنها غير الجدعاء وهو الصحيح لأنها غنمت وأخذ

(4/131)


يا رسول الله قال "الصحبة". قالت فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ ثم قال يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا، فاستأجرا عبد الله بن أرقط - رجلا من بني الديل بن بكر، وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو، وكان مشركا - يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما.
__________
صاحبها العقيلي بالمدينة فقال بم أخذتني يا محمد وأخذت سابقة الحاج يعني: العضباء فقال أخذتك بجريرة حلفائك.
بكاء الفرج من أبي بكر:
وذكر ابن إسحاق في قول عائشة - رضي الله عنها - ما كنت أرى أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكي من الفرح. قالت ذلك لصغر سنها، وأنها لم تكن علمت بذلك قبل وقد تطرقت الشعراء لهذا المعنى، فأخذته استحسانا له فقال الطائي يصف السحاب:
دهم إذا وكفت في روضه طفقت ... عيون أزهارها تبكي من الفرح
وقال أبو الطيب وزاد على هذا المعنى:
فلا تنكرن لها صرعة ... فمن فرح النفس ما يقتل
وقال بعض المحدثين
ورد الكتاب من الحبيب بأنه ... سيزورني فاستعبرت أجفاني
غلب السرور علي حتى إنه ... من فرط ما قد سرني أبكاني
يا عين صار الدمع عندك عادة ... تبكين في فرح وفي أحزان

(4/132)


من كان يعلم بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال ابن إسحاق ولم يعلم فيما بلغني، بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد، حين خرج إلا علي بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق، وآل أبي بكر. أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم.
__________
مكة والمدينة:
فصل: ومن قوله عليه السلام حين خرج من مكة، ووقف على الحزورة، ونظر إلى البيت فقال "والله إنك لأحب أرض الله إلي وإنك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت". يرويه الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء يرفعه وبعضهم يقول فيه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهو من أصح ما يحتج به في تفضيل مكة على المدينة، وكذلك حديث عبد الله بن الزبير مرفوعا: "إن صلاة في المسجد الحرام خير من مائة ألف صلاة فيما سواه" فإذا كانت الأعمال تبعا للصلاة فكل حسنة تعمل في الحرم، فهي بمائة ألف حسنة وقد جاء هذا منصوصا من طريق ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: "من حج ماشيا كتب له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم"، قيل وما حسنات الحرم ؟ قال "الحسنة فيه بمائة ألف حسنة" [قال عطاء ولا أحسب السيئة إلا مثلها] أسنده البزار.

(4/133)


قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الغار:
قال ابن إسحاق فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج أتى أبا بكر بن أبي قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمدا إلى غار بثور - جبل بأسفل مكة فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما، يأتيهما إذا أمسى في الغار. وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما.
قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن الحسن بن أبي الحسن البصري
__________
حديث الغار:
وهو غار في جبل ثور، وهو الجبل الذي ذكره في تحريم المدينة ، وأنها حرام ما بين عير إلى ثور وهو وهم في الحديث لأن ثورا من جبال مكة، وإنما لفظ الحديث عند أكثرهم ما بين عير إلى كذا، كان المحدث قد نسي اسم المكان فكنى عنه بكذا.
وذكر قاسم بن ثابت في الدلائل فيما شرح من الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخله وأبو بكر معه أنبت الله على بابه الراءة قال قاسم وهي شجرة معروفة فحجبت عن الغار أعين الكفار.
وقال أبو حنيفة الراءة من أغلاث الشجر وتكون مثل قامة الإنسان ولها خيطان وزهر أبيض تحشى به المخاد، فيكون كالريش لخفته ولينه لأنه كالقطن أنشد:
ترى ودك الشريف على لحاهم ... كمثل الراء لبده الصقيع

(4/134)


قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا، فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه.
أبناء أبي بكر وابن فهيرةيقومون بشؤون الرسول وصاحبه وهما في الغار:
قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثا ومعه أبو بكر وجعلت قريش فيه حين فقدوه مائة ناقة لمن يرده عليهم. وكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم يسمع ما يأتمرون به وما يقولون في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ثم
ـــــــ
وفي مسند البزار: أن الله تعالى أمر العنكبوت فنسجت على وجه الغار وأرسل حمامتين وحشيتين فوقعتا على وجه الغار وأن ذلك مما صد المشركين عنه وأن حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين وروي أن أبا بكر - رضي الله عنه حين دخله وتقدم إلى دخوله - قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقيه بنفسه رأى فيه جحرا فألقمه عقبه لئلا يخرج منه ما يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الصحيح عن أنس قال قال أبو بكر - رضي الله عنه - لرسول الله صلى الله عليه وسلم - وهما في الغار لو أن أحدهم نظر إلى قدمه لرآنا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما" وروي أيضا أنهم لما عمي عليهم الأثر جاءوا بالقافة فجعلوا يقفون الأثر حتى انتهوا إلى باب الغار وقد أنبت الله عليه ما ذكرنا في الحديث قبل هذا، فعندما رأى أبو بكر رضي الله عنه القافة اشتد حزنه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال إن قتلت فإنما، أنا رجل واحد وإن قتلت أنت هلكت الأمة فعندها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحزن إن الله معنا" ، ألا ترى كيف قال لا تحزن ولم يقل لا تخف ؟
لأن حزنه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم شغله عن خوفه على نفسه ولأنه أيضا رأى ما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم من النصب وكونه في ضيقة الغار مع فرقة الأهل ووحشة الغربة وكان أرق الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشفقهم عليه فحزن لذلك وقد روي أنه قال نظرت إلى قدمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم في

(4/135)


يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر. وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنه يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا، فإذا عبد الله بن أبي بكر غدا من عندهما إلى مكة ، اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفي عليه حتى إذا مضت الثلاث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيريهما وبعير له وأتتهما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما بسفرتهما، ونسيت أن تجعل لها عصاما فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها عصام فتحل نطاقها فتجعله عصاما، ثم علقتها به
__________
الغار وقد تفطرتا دما، فاستبكيت، وعلمت أنه عليه السلام لم يكن تعود الحفاء والجفوة وأما الخوف فقد كان عنده من اليقين بوعد الله بالنصر لنبيه. ما يسكن خوفه وقول الله تعالى: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التوبة: من الآية40] قال أكثر أهل التفسير يريد على أبي بكر وأما الرسول فقد كانت السكينة عليه وقوله {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة:40] الهاء في أيده راجعة على النبي والجنود الملائكة أنزله عليه في الغار فبشروه بالنصر على أعدائه فأيده ذلك وقواه على الصبر [و] قيل أيده بجنود لم تروها، يعني: يوم بدر وحنين وغيرهما من مشاهده وقد قيل الهاء راجعة على النبي عليه السلام في الموضعين جميعا وأبو بكر تبعله فدخل في حكم السكينة بالمعنى، وكان في مصحف حفصة {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِما} وقيل إن حزن أبي بكر كان عندما رأى بعض الكفار يبول عند الغار فأشفق أن يكونوا قد رأوهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحزن فإنهم لو رأونا لم يستقبلونا بفروجهم عند البول ولا تشاغلوا بشيء عن أخذنا" ، والله أعلم.

(4/136)


سبب تسمية أسماء بذات النطاق:
فكان يقال لأسماء بنت أبي بكر ذات النطاق لذلك.
قال ابن هشام: وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول ذات النطاقين. وتفسيره أنها لما أرادت أن تعلق السفرة شقت نطاقها باثنين فعلقت السفرة بواحد وانتطقت بالآخر.
ـــــــ
الرد على الرافضة فيما بهتوا به أبا بكر
فصل : وزعمت الرافضة أن في قوله عليه السلام لأبي بكر "لا تحزن" غضا من أبي بكر وذما له فإن حزنه ذلك إن كان طاعة فالرسول عليه السلام لا ينهى عن الطاعة فلم يبق إلا أنه معصية فيقال لهم على جهة الجدل قد قال الله لمحمد عليه السلام {فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} [يس: 76] وقال {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر} [آل عمران: 176] وقال لموسى: {خُذْهَا وَلا تَخَفْ} [طه: 21] وقالت الملائكة للوط لا تخف ولا تحزن فإن زعمتم أن الأنبياء حين قيل لهم هذا كانوا في حال معصية فقد كفرتم ونقضتم أصلكم في وجوب العصمة للإمام المعصوم في زعمكم فإن الأنبياء هم الأئمة المعصومون بإجماع وإنما قوله لا تحزن وقول الله لمحمد لا يحزنك، وقوله لأنبيائه مثل هذا تسكين لجأشهم وتبشير لهم وتأنيس على جهة النهي الذي زعموا، ولكن كما قال سبحانه { َتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} [فصلت 30] وهذا القول إنما يقال لهم عند المعاينة وليس إذ ذاك أمر بطاعة ولا نهي عن معصية.
ووجه آخر من التحقيق وهو أن النهي عن الفعل لا يقتضي كون المنهي فيه,

(4/137)


أبو بكر يقدم راحلة للرسول صلى الله عليه وسلم:
قال ابن إسحاق: فلما قرب أبو بكر رضي الله عنه الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم له أفضلهما، ثم قال اركب فداك أبي وأمي ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أركب بعيرا ليس لي". قال فهي لك يا رسول الله بأبي أنت وأمي، قال "لا، ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به" ؟ قال كذا وكذا، قال "قد أخذتها به" ، قال هي لك يا رسول الله. فركبا وانطلقا. وأردف أبو بكر الصديق رضي الله عنه عامر بن فهيرة مولاه خلفه ليخدمهما في الطريق.
ـــــــ
فقد نهى الله نبيه عن أشياء ونهى عباده المؤمنين فلم يقتض ذلك أنهم كانوا فاعلين لتلك الأشياء في حال النهي لأن فعل النهي فعل مستقبل فكذلك قوله لأبي بكر لا تحزن لو كان الحزن كما زعموا لم يكن فيه على أبي بكر - رضي الله عنه - ما ادعوا من الغض وأما ما ذكرناه نحن من حزنه على النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان طاعة فلم ينهه عنه الرسول عليه السلام إلا رفقا به وتبشيرا له لا كراهية لعمل وإذا نظرت المعاني بعين الإنصاف لا بعين الشهوة والتعصب للمذاهب لاحت الحقائق واتضحت الطرائق والله الموفق للصواب.
معية الله مع رسوله وصاحبه:
وانتبه أيها العبد المأمور بتدبر كتاب الله تعالى لقوله: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] كيف كان معهما بالمعنى، وباللفظ أما المعنى فكان معهما بالنصر والإرفاد والهداية والإرشاد وأما اللفظ فإن اسم الله تعالى كان يذكر إذا ذكر رسوله وإذا دعي فقيل يا رسول الله أو فعل رسول الله ثم كان لصاحبه كذلك يقال يا خليفة رسول الله وفعل خليفة رسول الله فكان يذكر معهما، بالرسالة وبالخلافة ثم ارتفع ذلك فلم يكن لأحد من الخلفاء ولا يكون.

(4/138)


ضرب أبي جهل لأسما:
قال ابن إسحاق: فحدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر ؟ قالت قلت: لا أدري والله أين أبي. قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشا خبيثا، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي.
خبر الهاتف من الجن عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم في هجرته:
قالت ثم انصرفوا. فمكثنا ثلاث ليال وما ندري أي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة ، يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب، وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر ثم تروحا ... فأفلح من أمسى رفيق محمد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
نسب أم معبد
قال ابن هشام: أم معبد بنت كعب، امرأة من بني كعب، من خزاعة. وقوله حلا خيمتي و هما نزلا بالبر ثم تروحا عن غير ابن إسحاق.
قال ابن إسحاق: قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: فلما سمعنا قوله عرفنا حيث وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن وجهه إلى المدينة وكانوا أربعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وعبد الله بن أرقط دليلهما.
قال ابن هشام: ويقال عبد الله بن أريقط.
ـــــــ
........................................

(4/139)


أبو قحافة وأسماء بعد هجرة أبي بكر:
قال ابن إسحاق: فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه عبادا حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر، قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه احتمل أبو بكر ماله كله ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف فانطلق بها معه. قالت فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه. قالت قلت: كلا يا أبت إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا. قالت فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده فقلت: يا أبت ضع يدك على هذا المال. قالت فوضع يده عليه فقال لا بأس إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا بلاغ لكم. ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك.
سراقة وركوبه في أثر الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال ابن إسحاق: وحدثني الزهري أن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم حدثه عن أبيه عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم، قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم. قال فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا، حتى وقف علينا، فقال والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا علي آنفا، إني لأراهم محمدا وأصحابه قال فأومأت إليه بعيني: أن اسكت ثم قلت: قليلا، إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم قال لعله ثم سكت. قال ثم مكثت ثم قمت فدخلت بيتي، ثم أمرت بفرسي، فقيد لي إلى بطن الوادي، وأمرت بسلاحي، فأخرج لي من دبر حجرتي، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها، ثم
ـــــــ
حديث سراقة بن مالك بن جعشم الكناني
ثم المدلجي أحد بني مدلج بن مرة بن تميم بن عبد مناة بن كنانة. وقد ذكر ابن إسحاق حديثه حين بذلت قريش مائة ناقة لمن رد عليهم محمدا عليه السلام وأن سراقة استقسم بالأزلام فخرج السهم الذي يكره وهو الذي كان فيه مكتوبا لا تضره

(4/140)


انطلقت، فلبست لامتي ثم أخرجت قداحي، فاستقسمت بها ; فخرج السهم الذي أكره لا يضره قال وكنت أرجو أن أرده على قريش، فآخذ المائة الناقة. قال فركبت على أثره فبينما فرسي يشتد بي عثر بي، فسقطت عنه. قال فقلت: ما هذا ؟ قال ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره لا يضره. قال فأبيت إلا أن أتبعه. قال فركبت في أثره فبينا فرسي يشتد بي، عثر بي، فسقطت عنه. قال فقلت: ما هذا ؟، قال ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره لا يضره قال فأبيت إلا أن أتبعه فركبت في أثره. فلما بدا لي القوم ورأيتهم عثر بي فرسي، فذهبت يداه في الأرض وسقطت عنه ثم انتزع يديه من الأرض وتبعهما دخان كالإعصار. قال فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع مني، وأنه ظاهر. قال فناديت القوم فقلت: أنا سراقة بن جعشم: أنظروني أكلمكم فوالله لا أريبكم ولا يأتيكم معي شيء تكرهونه. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "قل له وما تبتغي منا" ؟ قال فقال ذلك أبو بكر، قال قلت: تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك. قال "اكتب له يا أبا بكر".
إسلام سراقة:
قال فكتب لي كتابا في عظم أو في رقعة أو في خزفة ثم ألقاه إلي فأخذته، فجعلته في كنانتي، ثم رجعت، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا
__________
إلى آخر القصة وأن قوائم فرسه حين قرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساخت في الأرض وتبعها عثان وهو الدخان وجمعه عواثن. وذكر غير ابن إسحاق أن أبا جهل لامه حين رجع بلا شيء فقال وكان شاعرا
أبا حكم والله لو كنت شاهدا ... لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأن محمدا ... رسول ببرهان فمن ذا يقاومه ؟
عليك بكف القوم عنه فإنني ... أرى أمره يوما ستبدو معالمه
بأمر يود الناس فيه بأسرهم ... بأن جميع الناس طرا يسالمه

(4/141)


كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرغ من حنين والطائف، خرجت ومعي الكتاب لألقاه فلقيته بالجعرانة. قال فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار. قال فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون إليك إليك، ماذا تريد ؟ قال فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة. قال فرفعت يدي بالكتاب ثم قلت : يا رسول الله هذا كتابك لي، أنا سراقة بن جعشم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يوم وفاء وبر ادنه" قال فدنوت منه فأسلمت ثم
ـــــــ
وقد قدمنا في هذا الكتاب عند ذكر كسرى ما فعله عمر بن الخطاب حين أتي بتاج كسرى، وسواريه ومنطقته وأنه دعا بسراقة، وكان أزب الذراعين فحلاه حلية كسرى، وقال له ارفع يديك، وقل الحمد لله الذي سلب هذا كسرى الملك الذي كان يزعم أنه رب الناس وكساها أعرابيا من بني مدلج. فقال ذلك سراقة وإنما فعلها عمر لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قد بشر بها سراقة حين أسلم، وأخبره أن الله سيفتح عليه بلاد فارس، ويغنمه ملك كسرى، فاستبعد ذلك سراقة في نفسه وقال أكسرى ملك الملوك ؟ فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن حليته ستجعل عليه تحقيقا للوعد وإن كان أعرابيا بوالا على عقبيه ولكن الله يعز بالإسلام أهله ويسبغ على محمد وأمته نعمته وفضله.
وفي السير من رواية يونس شعر لأبي بكر رضي الله عنه في قصة الغار:
قال النبي ولم يزل يوقرني ... ونحن في سدف من ظلمة الغار
لا تخش شيئا ; فإن الله ثالثنا ... وقد توكل لي منه بإظهار
وإنما كيد من تخشى بوادره ... كيد الشياطين كادته لكفار
والله مهلكهم طرا بما كسبوا ... وجاعل المنتهى منهم إلى النار

(4/142)


تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أذكره إلا أني قلت: يا رسول الله الضالة من الإبل تغشى حياضي، وقد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر في أن أسقيها ؟ قال: "نعم في كل ذات كبد رطبة أجر" . قال ثم رجعت إلى قومي، فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي.
تصويب نسب عبد الرحمن الجعشمي:
قال ابن هشام: عبد الرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم.
ـــــــ
وأنت مرتحل عنهم وتاركهم ... إما عدوا وإما مدلج ساري
وهاجر أرضهم حتى يكون لنا ... قوم عليهم ذوو عز وأنصار
حتى إذا الليل وارتنا جوانبه ... وسد من دون من تخشى بأستار
سار الأريقط يهدينا وأينقه ... ينعبن بالقرم نعبا تحت أكوار
يعسفن عرض الثنايا بعد أطولها ... وكل سهب رقاق الترب موار
حتى إذا قلت: قد أنجدن عارضها ... من مدلج فارس في منصب وار
يردي به مشرف الأقطار معتزم ... كالسيد ذي اللبدة المستأسد الضاري
فقال كروا فقلت: إن كرتنا ... من دونها لك نصر الخالق الباري
أن يخسف الأرض بالأحوى وفارسه ... فانظر إلى أربع في الأرض غوار
فهيل لما رأى أرساغ مقربه ... قد سخن في الأرض لم يحفر بمحفار
فقال هل لكم أن تطلقوا فرسي ... وتأخذوا موثقي في نصح أسرار
وأصرف الحي عنكم إن لقيتهم ... وأن أعور منهم عين عوار
فادعوا الذي هو عنكم كف عورتنا ... يطلق جوادي وأنتم خير أبرار
فقال قولا رسول الله مبتهلا ... يا رب إن كان منه غير إخفار
فنجه سالما من شر دعوتنا ... ومهره مطلقا من كلم آثار

(4/143)


....................................................
__________
فأظهر الله إذ يدعو حوافره ... وفاز فارسه من هول أخطار
حديث أم معبد
وذكر عن أسماء بنت أبي بكر حين خفي عليها، وعلى من معها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدروا أين توجه حتى أتى رجل من الجن يسمعون صوته ولا يرونه فمر على مكة والناس يتبعونه وهو ينشد هذه الأبيات:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر ثم ترحلا ... فأفلح من أمسى رفيق محمد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
فيالقصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا يجازي وسودد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت ... له بصريح ضرة الشاة مزبد
فغادرها رهنا لديها بحالب ... يرددها في مصدر ثم مورد
ويروى أن حسان بن ثابت لما بلغه شعر الجني وما هتف به في مكة قال يجيبه:
لقد خاب قوم عنهم نبيهم ... وقد سر من يسري إليهم ويغتدي
ترحل عن قوم فضلت عقولهم ... وحل على قوم بنور مجدد

(4/144)


...............................................
__________
هداهم به بعد الضلالة ربهم ... وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا ... عمايتهم هاد بها كل مهتد
لقد نزلت منه إلى أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مشهد
وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقه في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد
وزاد يونس في روايته أن قريشا لما سمعت الهاتف من الجن أرسلوا إلى أم معبد وهي بخيمتها، فقالوا: هل مر بك محمد الذي من حليته كذا، فقالت لا أدري ما تقولون وإنما ضافني حالب الشاة الحائل وكانوا أربعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وقد تقدم التعريف به وطرف من ذكر فضائله في هجرة الحبشة ، والرابع عبد الله بن أريقط الليثي ولم يكن إذ ذاك مسلما، ولا وجدنا من طريق صحيح أنه أسلم بعد ذلك وجاء في حديث أنهم استأجروه وكان هاديا خريتا، والخريت الماهر بالطريق الذي يهتدي بمثل خرت الإبرة ويقال له الخوتع أيضا قال الراجز:
يضل فيها الخوتع المشهر
نسب أم معبد وزوجها:
وأما أم معبد التي مر بخيمتها، فاسمها: عاتكة بنت خالد إحدى بني كعب من خزاعة، وهي أخت حبيش بن خالد وله صحبة ورواية ويقال له الأشعر وأخوها:

(4/145)


...................................................
__________
حبيش بن خالد سيأتي ذكره والخلاف في اسمه وخالد الأشعر أبوهما، هو ابن حنيف بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشية بن كعب بن عمرو وهو أبو خزاعة.
وزوجها أبو معبد يقال إن له رواية أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - توفي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرف اسمه وكان منزل أم معبد بقديد ، وقد روي حديثها بألفاظ مختلفة متقاربة المعاني، وقد رواه ابن قتيبة في غريب الحديث وتقصى شرح ألفاظه وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم معبد وكان القوم مرملين مسنتين فطلبوا لبنا أو لحما يشترونه فلم يجدوا عندها شيئا، فنظر إلى شاة في كسر الخيمة خلفها الجهد عن الغنم فسألها: "هل بها من لبن" ؟ فقالت هي أجهد من ذلك فقال "أتأذنين لي أن أحلبها" ، فقالت بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلبا فاحلبها، فدعا بالشاة فاعتقلها، ومسح ضرعها، فتفاجت ودرت واجترت ودعا بإناء يربض الرهط أي يشبع الجماعة حتى يربضوا فحلب فيه حتى ملأه وسقى القوم حتى رووا ثم شرب آخرهم ثم حلب فيه مرة أخرى عللا بعد نهل ثم غادره عندها، وذهبوا فجاء أبو معبد وكان غائبا فلما رأى اللبن قال ما هذا يا أم معبد أنى لك هذا والشاء عازب حيال ولا حلوبة بالبيت فقالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك فقال صفيه يا أم معبد فوصفته بما ذكر القتبي وغيره في الحديث ومما ذكره القتبي فشربوا حتى أراضوا جعله القتبي من استراض الوادي: إذا استنقع ومن الروضة وهي بقية الماء في الحوض وأنشد:
وروضة سقيت فيه نضوي

(4/146)


طريقه صلى الله عليه وسلم في هجرته:
قال ابن إسحاق: فلما خرج بهما دليلهما عبد الله بن أرقط، سلك بهما أسفل مكة، ثم مضى بهما على الساحل، حتى عارض الطريق أسفل من عسفان، ثم سلك بهما على أسفل أمج، ثم استجاز بهما، حتى عارض بهما الطريق بعد أن أجاز
__________
ورواه الهروي حتى آرضوا على وزن آمنوا، أي ضربوا بأنفسهم إلى الأرض من الري، وفي حديث آخر أن آل أبي معبد كانوا يؤرخون بذلك اليوم ويسمونه يوم الرجل المبارك يقولون فعلنا كيت وكيت قبل أن يأتينا الرجل المبارك أو بعدما جاء الرجل المبارك ثم إنها أتت المدينة بعد ذلك بما شاء الله ومعها ابن صغير قد بلغ السعي فمر بالمدينة على مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يكلم الناس على المنبر فانطلق إلى أمه يشتد، فقال لها: يا أمتاه إني رأيت اليوم الرجل المبارك فقالت له يا بني ويحك هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
ومما يسأل عنه في هذا الحديث أن يقال هل استمرت تلك البركة في شاة أم معبد بعد ذلك اليوم أم عادت إلى حالها ؟ وفي الخبر عن هشام بن حبيش الكعبي قال أنا رأيت تلك الشاة وإنها لتأدم أم معبد وجميع صرمها، أي أهل ذلك الماء وفي الحديث أيضا من الغريب في وصف الشاة قال ما كان فيها بصرة وهي النقط من اللبن تبصر بالعين.
بلاد في طريق الهجرة:
وذكر أن دليلهما سلك بهما عسفان. قال المؤلف رضي الله عنه وقد روي عن كثير أنه قال سمي عسفان لتعسف السيول فيه وسئل عن الأبواء الذي فيه قبر آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم: لم سمي الأبواء ؟ فقال لأن السيول تتبوأه أي تحل به وبعسفان فيما

(4/147)


قديدا، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الخرار، ثم سلك بهما ثنية المرة، ثم سلك بهما لقفا.
قال ابن هشام: ويقال لفتا. قال معقل بن خويلد الهذلي:
نزيعا محلبا من أهل لفت ... لحي بين أثلة والنجام
__________
روي كان مسكن الجذماء ورأيت في بعض المسندات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعسفان وبه الجذماء فأسرع المشي ولم ينظر اليهم، وقال "إن كان شيء من العلل يعدي فهو هذا" وهذا الحديث هو من روايتي، لأنه في مسند الحارث بن أبي أسامة، وقد تقدم اتصال سندي به وكنت رأيته قبل في مسند وكيع بن الجراح وليس فيه إسناد.
فصل: وذكر أن دليلهم سلك بهم أمج ثم ثنية المرة، كذا وجدته مخفف الراء مقيدا، كأنه مسهل الهمزة من المرأة. وذكر لقفا بفتح اللام مقيدا في قول ابن إسحاق، وفي رواية ابن هشام: لفتا، واستشهد ابن هشام بقول معقل [بن خويلد] الهذلي
نزيعا محلبا من أهل لفت ... لحي بين أثلة والنجام
وألفيت في حاشية الشيخ على هذا الموضع قال لفت بكسر اللام ألفيته في شعر معقل هذا في أشعار هذيل في نسختي، وهي نسخة صحيحة جدا، وكذلك ألفاه من وثقته وكلفته أن ينظر فيه لي في شعر معقل هذا في أشعار هذيل مكسور اللام في نسخة أبي علي القالي المقروءة على الزيادي ثم على الأحول ثم قرأتها على ابن دريد رحمه الله وفيها صريحا محلبا، وكذلك كان الضبط في هذا الكتاب قديما،

(4/148)


قال ابن إسحاق: ثم أجاز بهما مدلجة لقف ثم استبطن بهما مدلجة محاج - ويقال مجاح، فيما قال ابن هشام - ثم سلك بهما مرجح مجاح، ثم تبطن بهما مرجح من ذي الغضوين - قال ابن هشام: ويقال العضوين - ثم بطن ذي كشر، ثم
ـــــــ
حتى ضبطه بالفتح عن القاضي، وعلى ما وقع في غيرها. انتهى كلام أبي بحر. وقد ذكر أبو عبيد البكري: لفتا، فقيده بكسر اللام كما ذكر أبو بحر وأنشد قبله:
لعمرك ما خشيت، وقد بلغنا ... جبال الجوز من بلد تهام
صريحا محلبا البيت.
وذكر المواضع التي سلك عليها، وذكر فيها مجاجا بكسر الميم وجيمين وقال ابن هشام: ويقال فيها: مجاج بالفتح وقد ألفيت شاهدا لرواية ابن إسحاق في لقف، وفيه ذكر مجاحا بالحاء المهملة بعد الجيم وهو قول محمد بن عروة بن الزبير:
لعن الله بطن لقف مسيلا ... ومجاحا وما أحب مجاحا
لقيت ناقتي به وبلقف ... بلدا مجدبا وأرضا شحاحا
هكذا ذكره الزبير بن أبي بكر ولقف آخر غير لفت فيما قال البكري.
وذكر مرجح الجيم على الحاء وذكر مدلجة تعهن بكسر التاء والهاء والتاء فيه أصلية على قياس النحو فوزنه فعلل إلا أن يقوم دليل من اشتقاق على زيادة التاء أو تصح رواية من رواه تعهن بضم التاء فإن صحت فالتاء زائدة كسرت أو ضمت وبتعهن صخرة يقال لها: أم عقي عرفت بامرأة كانت تسكن هناك فمر بها النبي صلى الله عليه وسلم واستسقاها فلم تسقه فدعا عليها فمسخت صخرة فهي تلك الصخرة فيما يذكرون.

(4/149)


أخذ بهما على الجداجد، ثم على الأجرد، ثم سلك بهما ذا سلم من بطن أعداء مدلجة تعهن، ثم على العبابيد. قال ابن هشام: ويقال العبابيب ويقال العثيانة. يريد العبابيب.
قال ابن إسحاق: ثم أجاز بهما الفاجة، ويقال القاحة، فيما قال ابن هشام.
قال ابن هشام: ثم هبط بهما العرج، وقد أبطأ عليهما بعض ظهرهم فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم، يقال له أوس بن حجر على جمل له - يقال له ابن
ـــــــ
وذكر الجداجد بجيمين ودالين كأنها جمع جدجد وأحسبها آبارا ففي الحديث أتينا على بئر جدجد قال أبو عبيد: الصواب بئر جد أي قديمة وقال الهروي عن اليزيدي وقد يقال بئر جدجد قال وهو كما يقال في الكم كمكم وفي الرف رفرف.
وذكر العبابيد كأنه جمع عباد وقال ابن هشام: هي العبابيب كأنها جمع: عباب من عببت الماء عبا، فكأنها - والله أعلم - مياه تعب عبابا أو تعب عبا. وذكر الفاجة بفاء وجيم وقال ابن هشام: هي القاحة بالقاف والحاء.
قصة أوس بن حجر:
وذكر قدومهم على أوس بن حجر وهو أوس بن عبد الله بن حجر الأسلمي وبعضهم يقول فيه ابن حجر وهو قول الدارقطني، والمعروف ابن حجر بضم الحاء وقد تقدم في المبعث ذكر من اسمه حجر في أنساب قريش، ومن يسمى: حجرا من غيرهم بسكون الجيم ومن يسمى الحجر بكسر الحاء فانظره هنالك عند ذكر خديجة وأمها، ولا يختلف في أوس بن حجر أنه بفتحتين.

(4/150)


الرداء - إلى المدينة، وبعث معه غلاما له يقال له مسعود بن هنيدة ثم خرج بهما دليلهما من العرج، فسلك بهما ثنية العائر، عن يمين ركوبة - ويقال ثنية الغائر، فيما قال ابن هشام حتى هبط بهما بطن رئم، ثم قدم بهما قباء، على بني عمرو بن عوف، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل.
ـــــــ
وذكر أن أوسا حمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جمل له يقال له ابن الرداء وفي رواية يونس بن بكير بن إسحاق يقال له الرداح وفي الخطابي أنه قال لغلامه مسعود وهو مسعود بن هنيدة اسلك بهم المخارق بالقاف قال والصحيح المخارم يعني: مخارم الطريق وفي النسوي أن مسعودا هذا قال فكنت آخذ بهم أخفاء الطريق. وفقه هذا أنهم كانوا خائفين فلذلك كان يأخذ بهم أخفاء الطريق ومخارقه وذكر النسوي في حديث مسعود هذا: أن أبا بكر قال له ائت أبا تميم فقل له يحملني على بعير ويبعث إلينا بزاد ودليل يدلنا، ففي هذا أن أوسا كان يكنى أبا تميم وأن مسعودا هذا قد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحفظ عنه حديثا في الخمس وحديثا في صلاة الإمام بالواحد والاثنين ذكره النسوي في هذا الحديث غير أنه قال في مسعود هذا: غلام فروة الأسلمي. وقال أبو عمر قد قيل في أوس هذا إن اسمه تميم ويكنى أبا أوس فالله أعلم.
وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لمسعود حين انصرف إلى سيده: "مر سيدك أن يسم الإبل في أعناقها قيد الفرس" فلم تزل تلك سمتهم في إبلهم وقد ذكرنا في شرح قصيدة أبي طالب عند قوله موسمة الأعضاد أسماء السمات كالعراض والخباط والهلال وذكرنا قيد الفرس، وأنه سمة في أعناقها، وقول الراجز:
كوم على أعناقها قيد الفرس ... تنجو إذا الليل تدانى والتبس

(4/151)


قدومه قباء:
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عويمر بن ساعدة قال حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، وتوكفنا قدومه كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال فإذا لم نجد ظلا دخلنا، وذلك في أيام حارة. حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت فكان أول من رآه رجل من اليهود، وقد رأى ما كنا نصنع وأنا ننتظر قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا، فصرخ بأعلى صوته يا بني قيبلة هذا جدكم قد جاء. قال فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل نخلة، ومعه أبو بكر رضي الله عنه في مثل سنه وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر، حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر فأظله بردائه فعرفناه عند ذلك.
منازله بقباء:
قال ابن إسحاق: فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - على كلثوم بن هدم
ـــــــ
متى قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة ؟
كان قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة من ربيع الأول وفي شهر أيلول من شهور العجم، وقال غير ابن إسحاق قدمها لثمان خلون من ربيع الأول وقال ابن الكلبي خرج من الغار يوم الاثنين أول يوم من ربيع الأول ودخل المدينة يوم الجمعة لثنتي عشرة سنة وكانت بيعة العقبة أوسط أيام التشريق.
كلثوم بن الهدم:
فصل: وذكر ابن إسحاق نزول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كلثوم بن الهدم، وكلثوم

(4/152)


أخي بني عمرو بن عوف، ثم أحد بني عبيد: ويقال بل نزل على سعد بن خيثمة.
ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم: إنما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة. وذلك أنه كان عزبا لا أهل له وكان منزل العزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين، فمن هنالك يقال نزل على سعد بن خيثمة، وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة: بيت العزاب. فالله أعلم أي ذلك كان كلا قد سمعنا.
منزل أبو بكر بقباء:
ونزل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على خبيب بن إساف، أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح . ويقول قائل كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج.
منزل علي بن أبي طالب بقباء:
وأقام علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل معه على كلثوم بن هدم.
__________
هذا كنيته أبو قيس، وهو كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وكان شيخا كبيرا مات بعد قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة بيسير هو أول من مات من الأنصار بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ثم مات بعده أسعد بن زرارة بأيام وسعد بن خيثمة، وأنه كان يقال لبيته بيت العزاب هكذا روي وصوابه الأعزب لأنه جمع عزب يقال رجل عزب وامرأة عزب، وقد قيل امرأة عزبة بالتاء.

(4/153)


ابن حنيف وتكسيره الأصنام:
فكان علي بن أبي طالب، وإنما كانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين يقول كانت بقباء امرأة لا زوج لها، مسلمة. قال فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه. قال فاستربت بشأنه فقلت لها: يا أمة الله من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك ؟ قالت هذا سهل بن حنيف بن واهب، قد عرف أني امرأة لا أحد لي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها، ثم جاءني بها، فقال احتطبي بهذا، فكان علي رضي الله عنه يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف، حتى هلك عنده بالعراق .
قال ابن إسحاق: وحدثني هذا، من حديث علي رضي الله عنه هند بن سهل بن حنيف، رضي الله عنه.
بناء مسجد قباء:
قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجده.
خروجه صلى الله عليه وسلم من قباء وسفره إلى المدينة:
ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة. وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه
ـــــــ
تأسيس مسجد قباء:
فصل : وذكر تأسيس مسجد قباء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسسه لبني عمرو بن عوف ثم انتقل إلى المدينة، وذكر ابن أبي خيثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسسه كان هو أول من وضع حجرا في قبلته ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه ثم جاء عمر بحجر فوضعه إلى حجر أبي بكر ثم أخذ الناس في البنيان. في الخطابي عن الشموس بنت النعمان [بن عامر بن مجمع الأنصارية] قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم حين بنى مسجد قباء

(4/154)


مكث فيهم أكثر من ذلك فالله أعلم أي ذلك كان. فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي، وادي رانوناء ، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة.
ـــــــ
يأتي بالحجر قد صهره إلى بطنه فيضعه فيأتي الرجل يريد أن يقله فلا يستطيع حتى يأمره أن يدعه ويأخذ غيره يقال صهره وأصهره إذا ألصقه بالشيء ومنه اشتقاق الصهر في القرابة وهذا المسجد أول مسجد بني في الإسلام وفي أهله نزلت {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] فهو على هذا المسجد الذي أسس على التقوى، وإن كان قد روى أبو سعيد الخدري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى، فقال "هو مسجدي هذا" وفي رواية أخرى قال: "وفي الآخر خير كثير" وقد قال لبني عمرو بن عوف حين نزلت {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} [التوبة: 108] ، "ما الطهور الذي أثنى الله به عليكم" ؟ فذكروا له الاستنجاء بالماء بعد الاستجمار بالحجر فقال "هو ذاكم فعليكموه" وليس بين الحديثين تعارض كلاهما أسس على التقوى، غير أن قوله سبحانه {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108] يقتضي مسجد قباء لأن تأسيسه كان في أول يوم من حلول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار معجزته والبلد الذي هو مهاجره.
التاريخ العربي:
وفي قوله سبحانه {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108] وقد علم أنه ليس أول الأيام كلها، ولا أضافه إلى شيء في اللفظ الظاهر [فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر] فيه من الفقه صحة ما اتفق عليه الصحابة مع عمر حين شاورهم في التاريخ فاتفق رأيهم أن يكون التاريخ من عام الهجرة لأنه الوقت الذي عز فيه الإسلام والذي أمر فيه

(4/155)


............................................
__________
النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسس المساجد. وعبد الله آمنا كما يحب، فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل وفهمنا الآن بفعلهم أن قوله سبحانه {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} أن ذلك اليوم هو أول أيام التاريخ الذي يؤرخ به الآن فإن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذوا هذا من الآية فهو الظن بأفهامهم فهم أعلم الناس بكتاب الله وتأويله وأفهمهم بما في القرآن من إشارات وإفصاح وإن كان ذلك منهم عن رأي واجتهاد فقد علم ذلك منهم قبل أن يكونوا وأشار إلى صحته قبل أن يفعل إذ لا يعقل قول القائل فعلته أول يوم إلا بإضافة إلى عام معلوم أو شهر معلوم أو تاريخ معلوم وليس هاهنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم لعدم القرائن الدالة على غيره من قرينة لفظ أو قرينة حال فتدبره ففيه معتبر لمن اذكر وعلم لمن رأى بعين فؤاده واستبصر والحمد لله.
من ودخولها على الزمان:
وليس يحتاج في قوله {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} إلى إضمار كما قرره بعض النحاة من تأسيس أول يوم فرارا من دخول من على الزمان ولو لفظ بالتأسيس لكان معناه من وقت تأسيس أول يوم فإضماره للتأسيس لا يفيد شيئا، ومن تدخل على الزمان وغيره ففي التنزيل {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] والقبل والبعد زمان وفي الحديث ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تطلع الشمس إلى أن تغرب وفي شعر النابغة [في وصف سيوف] :
تورثن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جربن كل التجارب

(4/156)


اعتراض القبائل له صلى الله عليه وسلم تبغي نزوله عندها:
فأتاه عتبان بن مالك، وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف فقالوا: يا رسول الله. أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة قال: "خلوا سبيلها، فإنها مأمورة"، لناقته فخلوا سبيلها، فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني بياضة، تلقاه زياد بن لبيد، وفروة بن عمرو، في رجال من بنى بياضة فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا، إلى العدد والعدة والمنعة قال: "خلوا سبيلها، فإنها مأمورة"، فخلوا سبيلها. فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني ساعدة اعترضه سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، في رجال من بني ساعدة فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة قال: "خلوا سبيلها، فإنها مأمورة"، فخلوا سبيلها، فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني الحارث بن الخزرج، اعترضه سعد بن الربيع، وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة، في رجال من بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها، فإنها مأمورة، فخلوا سبيلها. فانطلقت حتى إذا مرت
ـــــــ
[تقد السلوقي المضاعف نسجه ... ويوقدن بالصفاح نار الحباحب]
وبين من الداخلة على الزمان وبين منذ فرق بديع قد بيناه في شرح آية الوصية.
تحلحل وتلحلح:
فصل: وذكر لقاء كل قبيلة من الأنصار له يقولون هلم إلينا يا رسول الله إلى العدد والعدة فيقول "خلوا سبيلها فإنها مأمورة" حتى بركت بموضع مسجده وقال تحلحلت ورزمت وألقت بجرانها أي بعنقها، وفسره ابن قتيبة على تلحلح أي لزم مكانه. ولم يبرح وأنشد
أناس إذا قيل انفروا قد أتيتم ... أقاموا على أثقالهم وتلحلحوا

(4/157)


بدار بني عدي بن النجار وهم أخواله دنيا - أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو، إحدى نسائهم - اعترضه سليط بن قيس، وأبو سليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عدي بن النجار فقالوا: يا رسول الله هلم إلى أخوالك، إلى العدد والعدة والمنعة قال "خلوا سبيلها، فإنها مأمورة"، فخلوا سبيلها، فانطلقت.
مبرك ناقته صلى الله عليه وسلم بدار بني مالك بن النجار:
حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار، بركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار ثم من بني مالك بن النجار وهما في حجر
ـــــــ
قال وأما تحلحل بتقديم الحاء على اللام فمعناه زال عن موضعه وهذا الذي قاله قوي من جهة الاشتقاق فإن التلحلح يشبه أن يكون من لححت عينه إذا التصقت وهو ابن عمي لحا.
وأما التحلحل فاشتقاقه من الحل والانحلال بين لأنه انفكاك شيء من شيء ولكن الرواية في سيرة ابن إسحاق: تحلحلت بتقديم الحاء على اللام وهو خلاف المعنى إلا أن يكون مقلوبا من تلحلحت فيكون معناه لصقت بموضعها، وأقامت على المعنى الذي فسره ابن قتيبة في تلحلحت.
وأما قوله ورزمت فيقال رزمت الناقة رزوما إذا أقامت من الكلال ونوق رزمى، وأما أرزمت بالألف فمعناه رغت ورجعت في رغائها، ويقال منه أرزم الرعد وأرزمت الريح قاله صاحب العين وفي غير هذه السيرة أنها لما ألقت بجرانها في دار بني النجار جعل رجل من بني سلمة وهو جبار بن صخر ينخسها رجاء أن تقوم فتبرك في دار بني سلمة، فلم تفعل.
المربد وصاحباه:
وقوله كان المسجد مربدا. المربد والجرين [والجرن والمجرن] والمسطح

(4/158)


معاذ ابن عفراء، سهل وسهيل ابني عمرو. فلما بركت - ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها - لم ينزل وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفتت إلى خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تحلحلت ورزمت ووضعت جرانها، فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عن المربد لمن هو ؟ فقال له معاذ ابن عفراء: هو يا رسول الله لسهل وسهيل ابني عمرو، وهما يتيمان لي، وسأرضيهما منه فاتخذه مسجدا
بناء مسجد المدينة ومساكنه صلى الله عليه وسلم:
قال فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى مسجدا، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب
__________
وهو بالفارسية مشطاح والجوخار والبيدر والأندر لغات بمعنى واحد للموضع الذي يجعل فيه الزرع والتمر للتيبيس وأنشد أبو حنيفة في المسطح [لتميم بن مقبل] :
ترى الأمعز المحزو فيه كأنه ... من الحر في نحر الظهيرة مسطح
قال والمحزو من حزوت الشيء إذا أظهرته. والمسطح هو بالفارسية مشطح وأما المسطح الذي، هو عود الخباء فعربية.
وذكر أن ذلك المربد كان لسهل وسهيل ابني عمرو يتيمين في حجر معاذ ابن عفراء ولم يعرفهما بأكثر من هذا، وقال موسى بن عقبة: كانا يتيمين في حجر أسعد بن زرارة وهما ابنا رافع بن عمرو بن أبي عمرو بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار شهد سهيل منهما بدرا، والمشاهد كلها، ومات في خلافة عمر يشهد سهل بدرا، وشهد غيرها ومات قبل أخيه سهيل.
حول بنيان المسجد:
فصل : وذكر بنيان المسجد إلى آخر القصة وفي الصحيح أنه قال "يا بني

(4/159)


حتى بنى مسجده ومساكنه فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرغب المسلمين في العمل فيه فعمل فيه المهاجرون والأنصار، ودأبوا فيه فقال قائل من المسلمين
لئن قعدنا والنبي يعمل ... لذاك منا العمل المضلل
وارتجز المسلمون وهم يبنونه يقولون
لا عيش إلا عيش الآخره ... اللهم ارحم الأنصار والمهاجره
قال ابن هشام: هذا كلام وليس برجز. قال ابن إسحاق: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا عيش إلا عيش الآخرة، اللهم ارحم المهاجرين والأنصار"
__________
النجار ثامنوني بحائطكم [هذا] حين أراد أن يتخذه مسجدا، [فقالوا: لا، والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله وفي رواية أخرى في الصحيح أيضا: ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله ثم بناه مسجدا وقد ترجم البخاري على هذه المسألة لفقه وهو أن البائع أولى بتسمية الثمن الذي يطلبه قال أنس وكان في موضع المسجد نخل وخرب ومقابر مشركين فأمر بالقبور فنبشت وبالخرب فسويت وبالنخل فقطعت.
ويروى في هذا الحديث نخل وحرث مكان قوله وخرب وروي عن الشفاء بنت عبد الرحمن الأنصارية قالت كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بنى المسجد يؤمه جبريل إلى الكعبة ويقيم له القبلة.
وذكر فيه قول الرجل لعمار قد سمعت ما تقول يا ابن سمية. قال ابن هشام: وقد سمى ابن إسحاق الرجل وكره ابن هشام أن يسميه كي لا يذكر أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكروه فلا ينبغي إذا البحث على اسمه.

(4/160)


إخبار الرسول لعمار بقتل الفئة الباغية له:
قال <338> فدخل عمار بن ياسر، وقد أثقلوه باللبن فقال يا رسول الله قتلوني، يحملون علي ما لا يحملون. قالت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفض وفرته بيده كان رجلا جعدا، وهو يقول: "ويح ابن سمية، ليسوا بالذين يقتلونك، إنما تقتلك الفئة الباغية"
لا يستوي من يعمر المساجدا ... يدأب فيه قائما وقاعدا
ومن يرى عن الغبار حائدا
قال ابن هشام: سألت غير واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز فقالوا: بلغنا أن علي بن أبي طالب ارتجز به فلا يدرى: أهو قائله أم غيره.
ما كان بين عمار وأحد الصحابة من مشادة:
قال ابن إسحاق: فأخذها عمار بن ياسر، فجعل يرتجز بها.
قال ابن هشام: فلما أكثر ظن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إنما يعرض به فيما حدثنا زياد بن عبد الله البكائي، عن ابن إسحاق، وقد سمى ابن إسحاق الرجل.
__________
سمية أم عمار:
وسمية أم عمار وقد تقدم التعريف بها في الهجرة الأولى ونبهنا على غلط ابن قتيبة فيها فإنه جعلها وسمية أم زياد واحدة وسمية أم زياد كانت للحارث بن كلدة المتطبب والأولى: مولاة لبني مخزوم وهي سمية بنت خباط، كما تقدم وكان أهدى سمية إلى الحرث رجل من ملوك اليمن : يقال له أبو جبر وذلك أنه عالجه من داء كان به فبرئ فوهبها له وكانت قبل أبي جبر لملك من ملوك الفرس وفد عليه

(4/161)


ارتجاز علي بن أبي طالب في بناء المسجد:
وارتجز علي بن أبي طالب رضي الله عنه يؤمئذ:
وصاة الرسول صلى الله عليه وسلم بعمار:
قال ابن إسحاق: فقال قد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية، والله إني لأراني سأعرض هذه العصا لأنفك. قال وفي يده عصا. قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار إن عمارا جلدة ما بين عيني وأنفي، فإذا بل ذلك من الرجل فلم يستبق فاجتنبوه".
من بني أول مسجد:
قال ابن هشام: وذكر سفيان بن عيينة عن زكريا، عن الشعبي، قال: إن أول من بنى مسجدا عمار بن ياسر.
ـــــــ
أبو جبر فأهداها إليه الملك ذكره ابن قتيبة، وفي جامع معمر بن راشد أن عمارا كان ينقل في بنيان المسجد لبنتين لبنة عنه ولبنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس ينقلون لبنة واحدة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - للناس: "أجر ولك أجران وآخر زادك من الدنيا شربة لبن وتقتلك الفئة الباغية" فلما قتل يوم صفين دخل عمرو على معاوية فزعا، فقال قتل عمار فقال معاوية فماذا ؟ فقال عمرو: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تقتله الفئة الباغية" فقال معاوية دحضت في بولك، أنحن قتلناه ؟ إنما قتله من أخرجه؟!
إضافة بناء المسجد إلى عمار:
وذكر ابن إسحاق في هذا الموضع الحديث الوارد في عمار وهو أول من بنى

(4/162)


...............................................
__________
لله مسجدا عمار بن ياسر، فيقال كيف أضاف إلى عمار بنيان المسجد وقد بناه معه الناس ؟ فيقول إنما عنى بهذا الحديث مسجد قباء، لأن عمارا هو الذي أشار على النبي - صلى الله عليه وسلم - ببنيانه وهو جمع الحجارة له فلما أسسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم استتم بنيانه عمار.
أطوار بناء المسجد:
كذلك ذكر ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه وبني مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسقف بالجريد وجعلت قبلته من اللبن ويقال بل من حجارة منضودة بعضها على بعض وجعلت عمده من جذوع النخل فنخرت في خلافة عمر فجردها، فلما كان عثمان بناه بالحجارة المنقوشة بالقصة وسقفه بالساج وجعل قبلته من الحجارة فلما كانت أيام بني العباس بناه محمد بن أبي جعفر المتسمي بالمهدي ووسعه وزاد فيه وذلك في سنة ستين ومائة ثم زاد فيه المأمون بن الرشيد في سنة ثنتين ومائتين وأتقن بنيانه ونقش فيه هذا ما أمر به عبد الله المأمون في كلام كثير كرهت الإطالة بذكره. ثم لم يبلغنا أن أحدا غير منه شيئا، ولا أحدث فيه عملا.
بيوت النبي صلى الله عليه وسلم:
وأما بيوته عليه السلام فكانت تسعة بعضها من جريد مطين بالطين وسقفها جريد وبعضها من حجارة مرضومة بعضها فوق بعض مسقفة بالجريد أيضا. وقال الحسن بن أبي الحسن كنت أدخل بيوت النبي عليه السلام وأنا غلام مراهق فأنال السقف بيدي، وكانت حجره - عليه السلام - أكسية من شعر مربوطة في خشب

(4/163)


...........................................
__________
عرعر وفي تاريخ البخاري أن بابه - عليه السلام - كان يقرع بالأظافر أي لا حلق له ولما توفي أزواجه عليه السلام خلطت البيوت والحجر بالمسجد وذلك في زمن عبد الملك فلما ورد كتابه بذلك ضج أهل المدينة بالبكاء كيوم وفاته عليه السلام وكان سريره خشبات مشدودة بالليف بيعت زمن بني أمية فاشتراها رجل بأربعة آلاف درهم قاله ابن قتيبة. وهذا يدل على أن بيوته عليه السلام إذا أضيفت إليه فهي إضافة ملك كقوله تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] وإذا أضيفت إلى أزواجه كقوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] فليست بإضافة ملك وذلك أن ما كان ملكا له عليه السلام فليس بموروث عنه.
حب حباب:
فصل : وذكر حديث أم أيوب وقولها: انكسر حب لنا. الحب جرة كبيرة جمعه [أحب وحباب] حببة مثل جحر وجحرة [وأجحار وجحر] وكأنه أخذ لفظه من حباب الماء أو من حببه وحبابه بالألف ترافعه. قال الشاعر:
كأن صلا جهيزة حين تمشي ... حباب الماء يتبع الحبابا
والحبب بغير ألف نفاخات بيض صغار تكون على وجه الشراب قاله ابن ثابت.
الثوم:
وذكر قوله عليه السلام لأم أيوب - حين رد عليها الثريد من أجل الثوم: "أنا رجل أناجي" وروى غيره حديث أم أيوب وقال فيه "إن الملائكة تتأذى بما يتأذى

(4/164)


منزله صلى الله عليه وسلم من بيت أبي أيوب وشيء من أدبه في ذلك:
قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب حتى بني له مسجده ومساكنه ثم انتقل إلى مساكنه من بيت أبي أيوب رحمة الله عليه ورضوانه.
قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي رهم السماعي قال حدثني أبو أيوب قال لما نزل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، نزل في السفل وأنا وأم أيوب في العلو فقلت له يا نبي الله بأبي أنت وأمي، إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك، وتكون تحتي، فاظهر أنت فكن في العلو وننزل نحن فنكون في السفل فقال يا أبا أيوب إن أرفق بنا وبمن يغشانا، أن نكون في سفل البيت.
قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفله وكنا فوقه في المسكن فلقد انكسر حب لنا فيه ماء فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا، ما لنا لحاف غيرها، ننشف بها الماء تخوفا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم - منه شيء فيؤذيه.
قال وكنا نصنع له العشاء ثم نبعث به إليه فإذا رد علينا فضله تيممت أنا وأم أيوب موضع يده فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة، حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له بصلا أو ثوما، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر ليده فيه أثرا قال فجئته فزعا، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي رددت عشاءك ولم أر فيه موضع يدك، وكنت إذا
ـــــــ
به الإنس" وروي أن خصيف بن الحارث قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله الحديث الذي ترويه عنك أم أيوب أن الملائكة تتأذى بما يتأذى به الإنس أصحيح هو ؟ قال "نعم"
مصير منزل أبي أيوب:
ومنزل أبي أيوب الذي نزل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - تصير بعده إلى أفلح مولى أبي أيوب فاشتراه منه بعدما خرب وتثلمت حيطانه المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بألف دينار بعد حيلة احتالها عليه المغيرة ذكرها الزبير ثم أصلح

(4/165)


رددته علينا، تيممت أنا وأم أيوب موضع يدك، نبتغي بذلك البركة ; قال: " إني وجدت فيه ريح هذه الشجرة، وأنا رجل أناجي، فأما أنتم فكلوه" . قال فأكلناه ولم نصنع له تلك الشجرة بعد
تلاحق المهاجرين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة:
قال ابن إسحاق: وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق بمكة منهم أحد، إلا مفتون أو محبوس ولم يوعب أهل هجرة من مكة بأهليهم وأموالهم إلى الله تبارك وتعالى وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أهل دور مسمون بنو مظعون من جمح وبنو جحش بن رئاب، حلفاء بني أمية وبنو البكير، من بني سعد بن ليث حلفاء بني عدي بن كعب، فإن دورهم غلقت بمكة هجرة ليس فيها ساكن.
عدوان أبي سفيان على دار بني جحش والقصة في ذلك:
ولما خرج بنو جحش بن رئاب من دارهم عدا عليها أبو سفيان بن حرب فباعها من عمرو بن علقمة أخي بني عامر بن لؤي ; فلما بلغ بني جحش. ما صنع أبو سفيان بدارهم ذكر ذلك عبد الله بن جحش لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا ترضى يا عبد الله أن يعطيك الله بها دارا خيرا منها في الجنة" ؟ قال بلى ; قال "فذلك لك". فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة كلمه أبو أحمد في دارهم فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس لأبي أحمد يا أبا أحمد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن ترجعوا في شيء من أموالكم أصيب منكم في الله عز وجل فأمسك عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأبي سفيان:
ـــــــ
المغيرة ما وهى منه وتصدق به على أهل بيت من فقراء المدينة ، فكان بعد ذلك ابن أفلح يقول للمغيرة خدعتني، فيقول له المغيرة لا أفلح من ندم. هذا معنى ما ذكره الزبير بن أبي بكر.
من قصة أبي سفيان مع بني جحش :
وذكر قول أبي أحمد بن جحش لأبي سفيان:

(4/166)


أبلغ أبا سفيان عن ... أمر عواقبه ندامه
دار ابن عمك بعتها ... تقضي بها عنك الغرامه
وحليفكم بالله رب ... الناس مجتهد القسامه
اذهب بها، اذهب بها ... طوقتها طوق الحمامه
انتشار الإسلام ومن بقي على شركه
قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الداخلة حتى بني له فيها مسجده ومساكنه واستجمع له إسلام هذا
ـــــــ
أبلغ أبا سفيان عن ... أمر عواقبه ندامه
دار ابن عمك بعتها ... تقضي بها عنك الغرامه
أبو أحمد هذا اسمه عبد وقيل ثمامة والأول أصح، وكانت عنده الفارعة بنت أبي سفيان وبهذا السبب تطرق أبو سفيان إلى بيع دار بني جحش إذ كانت بنته فيهم. مات أبو أحمد بعد أخته زينب أم المؤمنين في خلافة عمر رضي الله عنه.
وقوله لأبي سفيان طوقتها طوق الحمامه منتزع من قول النبي - صلى الله عليه وسلم – "من غصب شبرا من أرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين" وقال طوق الحمامه لأن طوقها لا يفارقها ولا تلقيه عن نفسها أبدا، كما يفعل من لبس طوقا من الآدميين ففي هذا البيت من السمانة وحلاوة الإشارة وملاحة الاستعارة ما لا مزيد عليه وفي قوله طوق الحمامة رد على من تأول قوله عليه السلام "طوقه من سبع أرضين" أنه من الطاقة لا من الطوق في العنق وقاله الخطابي في أحد قوليه مع أن البخاري قد رواه فقال في بعض روايته له "خسف به إلى سبع أرضين" وفي مسند ابن أبي شيبة: "من غصب شبرا من أرض جاء به إسطاما في عنقه" والأسطام كالحلق من الحديد وسطام السيف حده.

(4/167)


الحي من الأنصار، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها، إلا ما كان من خطمة وواقف ووائل وأمية وتلك أوس الله وهم حي من الأوس، فإنهم أقاموا على شركهم.
أول خطبة عليه الصلاة والسلام:
وكانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - نعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل - أنه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: "أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع. ثم ليقولن له ربه وليس له
ـــــــ
الخطبة:
فصل وذكر خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيها يقول الله عز وجل لعبده "ألم أوتك مالا وأفضل عليك، فماذا قدمت" وفي غير هذا الكتاب زيادة وهي "ألم أوتك مالا، وجعلتك تربع وتدسع" ؟ وفسره ابن الأنباري فقال هو مثل وأصله أن الرئيس من العرب كان يربع قومه أي يأخذ المرباع إذا غزا ويدسع أي يعطي ويدفع من المال لمن شاء ومنه قولهم فلان ضخم الدسيعة.
الحب:
وذكر خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثانية وفيها: "أحبوا الله من كل قلوبكم" يريد أن يستغرق حب الله جميع أجزاء القلب فيكون ذكره وعمله خارجا من قلبه خالصا لله وإضافة الحب إلى الله تعالى من عبده مجاز حسن لأن حقيقة المحبة إرادة يقارنها استدعاء للمحبوب إما بالطبع وإما بالشرع وقد كشفنا معناها بغاية البيان في شرح قوله عليه السلام "إن الله [تعالى] جميل يحب الجمال" ونبهنا هنالك على

(4/168)


ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه ألم يأتك رسولي فبلغك، وآتيتك مالا وأفضل عليك ؟ فما قدمت لنفسك ؟ فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
خطبته الثانية:
قال ابن إسحاق: ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس مرة أخرى، فقال: "إن الحمد لله أحمده وأستعينه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. إن أحسن الحديث كتاب الله تبارك وتعالى، قد أفلح من زينه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر واختاره على ما سواه من أحاديث الناس إنه أحسن الحديث وأبلغه أحبوا، ما أحب الله أحبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا كلام الله وذكره ولا تقس عنه قلوبكم فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي، قد سماه الله خيرته من الأعمال ومصطفاه من العباد الصالح الحديث ومن كل ما أوتي الناس من الحلال والحرام فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، واتقوه حق تقاته واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم وتحابوا بروح الله بينكم إن الله يغضب أن ينكث عهده والسلام عليكم"
ـــــــ
تقصير أبي المعالي رحمه الله في شرح المحبة في كتاب الإرادة من كتاب الشامل فلتنظر هنالك.
من شرح الخطبة:
وقوله عليه السلام: "لا تملوا كلام الله وذكره فإنه من كل ما يخلق الله يختار

(4/169)


..............................................
__________
ويصطفي". الهاء في قوله "فإنه" لا يجوز أن تكون عائدة على كلام الله سبحانه ولكنها ضمير الأمر والحديث فكأنه قال إن الحديث من كل ما يخلق الله يختار فالأعمال إذا كلها من خلق الله قد اختار منها ما شاء قال سبحانه {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص 68]، وقوله قد سماه خيرته من الأعمال عني: الذكر وتلاوة القرآن لقوله سبحانه {وَيَخْتَارُ} فقد اختاره من الأعمال.
وقوله والمصطفى من عباده أي وسمي المصطفى من عباده بقوله: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75] ويجوز أن يكون معناه المصطفى من عباده أي العمل الذي اصطفاه منهم واختاره من أعمالهم فلا تكون من على هذا للتبعيض إنما تكون لابتداء الغاية لأنه عمل استخرجه منهم بتوفيقه إياهم. والتأويل الأول أقرب مأخذا والله أعلم بما أراد رسوله.
وقوله في أول الخطبة "إن الحمد لله أحمده" هكذا برفع الدال من قوله "الحمد لله" وجدته مقيدا مصححا عليه وإعرابه ليس على الحكاية ولكن على إضمار الأمر كأنه قال إن الأمر الذي أذكره وحذف الهاء العائدة على الأمر كي لا يقدم شيئا في اللفظ من الأسماء على قوله "الحمد لله" وليس تقديم إن في اللفظ من باب تقديم الأسماء لأنها حرف مؤكد لما بعده مع ما في اللفظ من التحري للفظ القرآن والتيمن به والله أعلم.
وكانت خطبته في تلك الأيام على جذع فلما صنع له المنبر من طرفاء الغابة ، وصنعه له عبد لامرأة من الأنصار اسمه باقوم خار الجذع خوار الناقة

(4/170)


كتابه صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار وموادعة يهود:
قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم "بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم إنهم أمة
__________
الخلوج حتى نزل عليه السلام فالتزمه وقال لو لم ألتزمه ما زال يخور إلى يوم القيامة ثم دفنه وإنما دفنه لأنه قد صار حكمه حكم المؤمن لحبه وحنينه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ينظر إلى قوله تعالى: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: 24] الآية وإلى قوله عليه السلام في النخلة "مثلها كمثل المؤمن" وحديث خوار الجذع وحنينه منقول نقل التواتر لكثرة من شاهد خواره من الخلق وكلهم نقل ذلك أو سمعه من غيره فلم ينكره.
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين اليهود:
شرط لهم فيه وشرط عليهم وأمنهم فيه على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وكانت أرض يثرب لهم قبل نزول الأنصار بها، فلما كان سيل العرم، وتفرقت سبأ نزلت الأوس والخزرج بأمر طريفة الكاهنة وأمر عمران بن عامر فإنه كان كاهنا أيضا وبما سجعت به لكل قبيلة من سبأ، فسجعت لبني حارثة بن ثعلبة. وهم الأوس والخزرج أن ينزلوا يثرب ذات النخل فنزلوها على يهود وحالفوهم وأقاموا معهم فكانت الدار واحدة.
متى دخل اليهود يثرب؟
والسبب في كون اليهود بالمدينة وهي وسط أرض العرب مع أن اليهود أصلهم

(4/171)


.........................................
__________
من أرض كنعان أن بني إسرائيل كانت تغير عليهم العماليق من أرض الحجاز، وكانت منازلهم يثرب والجحفة إلى مكة ، فشكت بنو إسرائيل ذلك إلى موسى، فوجه إليهم جيشا، وأمرهم أن يقتلوهم ولا يبقوا منهم أحدا، ففعلوا وتركوا منهم ابن ملك لهم كان غلاما حسنا، فرقوا له ويقال للملك الأرقم بن أبي الأرقم فيما ذكر الزبير ثم رجعوا إلى الشام وموسى قد مات فقالت بنو إسرائيل لهم قد عصيتم وخالفتم فلا نئويكم فقالوا: نرجع إلى البلاد التي غلبنا عليها فنكون بها، فرجعوا إلى يثرب، فاستوطنوها وتناسلوا بها إلى أن نزلت عليهم الأوس والخزرج بعد سيل العرم. هذا معنى ما ذكره أبو الفرج الأصبهاني في كتابه الكبير المعروف بكتاب الأغاني، وإن كان الزبير قد ذكره أيضا في أخبار المدينة ، ولا أحسب هذا صحيحا لبعد عمر موسى عليه السلام والذي قال غيره إن طائفة من بني إسرائيل لحقت بأرض الحجاز حين دوخ بخت نصر البابلي في بلادهم وجاس خلال ديارهم فحينئذ لحق من لحق منهم بالحجاز كقريظة والنضير وسكنوا خيبر والمدينة ، وهذا معنى ما ذكر الطبري والله أعلم.
اسم يثرب:
وأما يثرب فاسم رجل نزل بها أول من العماليق فعرفت باسمه وهو يثرب بن قاين بن عبيل بن مهلايل بن عوص بن عملاق بن لاوذ بن إرم، وفي بعض هذه الأسماء اختلاف وبنو عبيل هم الذين سكنوا الجحفة فأجحفت بهم السيول وبذلك سميت الجحفة ، فلما احتلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كره لها هذا الاسم أعني: يثرب لما فيه من لفظ التثريب وسماها طيبة والمدينة .

(4/172)


واحدة من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون
ـــــــ
فإن قلت: وكيف كره اسما ذكرها الله في القرآن به وهو المقتدي بكتاب الله وأهل أن لا يعدل عن تسمية الله ؟ قلنا: إن الله - سبحانه - إنما ذكرها بهذا الاسم حاكيا عن المنافقين إذ قالت طائفة منهم {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ} [الأحزاب: 13] فنبهه بما حكى عنهم أنهم قد رغبوا عن اسم سماها الله به ورسوله وأبوا إلا ما كانوا عليه في جاهليتهم والله سبحانه قد سماها: المدينة ، فقال غير حاك عن أحد: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة 120]، وفي الخبر عن كعب الأحبار قال إنا نجد في التوراة يقول الله للمدينة يا طابة يا طيبة يا مسكينة لا تقبلي الكنوز أرفع أجاجيرك على أجاجير القرى وقد روي هذا الحديث عن علي بن أبي طالب يرفعه وروي أيضا أن لها في التوراة أحد عشر اسما: المدينة وطابة وطيبة والمسكينة والجابرة والمحبة والمحبوبة والقاصمة والمجبورة والعذراء والمرحومة وروي في معنى قوله {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} [الإسراء 80] أنها المدينة ، وأن مخرج صدق مكة و {سُلْطَاناً نَصِيراً} الأنصار.
تفسير على ربعاتهم:
وفي الكتاب بنو فلان على ربعاتهم. هكذا رواه أبو عبيد عن ابن بكير عن عقيل بن خالد [من عقيل الأبلي] عن الزهري ورواه عن عبد الله بن صالح بهذا الإسناد فقال رباعتهم. الألف بعد الباء ثم قال أبو عبيد: يقال فلان على رباعه

(4/173)


معاقلهم الأولى، كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم نفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
قال ابن هشام: المفرح المثقل بالدين والكثير العيال. قال الشاعر:
ـــــــ
قومه إذا كان نقيبهم ووافدهم.
قال المؤلف وكسر الراء فيه القياس على هذا المعنى، لأنها ولاية وإن جعل الرباعة مصدرا فالقياس فتح الراء أي على شأنهم وعادتهم من أحكام الديات والدماء يتعاقلون معاقلهم الأولى: جمع: معقلة ومعقلة من العقل وهو الدية.
من كلمات الكتاب:
وقال في الكتاب وألا يترك مفرح وفسره ابن هشام كما فسره أبو عبيد أنه الذي أثقله الدين وأنشد البيت الذي أنشده أبو عبيد:

(4/174)


إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة ... وتحمل أخرى أفرحتك الودائع
وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين وأن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينصر كافرا على مؤمن وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال. في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا، وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا، ولا يحول دونه على مؤمن وإنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول وإن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم إلا قيام عليه وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا، ولا
ـــــــ
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة ... وتحمل أخرى أفرحتك الودائع
أي أثقلتك يجوز أن يكون من أفعال السلب أي سلبتك الفرح كما قيل أقسط الرجل إذا عدل أي أزال القسط وهو الاعوجاج ويجوز أن تكون الفاء مبدلة من باء فيكون من البرح وهو الشدة تقول لقيت من فلان برحا أي شدة وذكر أبو عبيد رواية أخرى مفرج بالجيم وذكر في معناه أقوالا، منها أنه الذي لا ديوان له ومنها: أنه القتيل بين القريتين لا يدرى من قتله ومنها أنه في معنى المقرح بالحاء أي الذي لا شيء له وقد أثقله الدين أو نحو هذا فيقضى عنه من بيت المال.

(4/175)


يؤويه وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف وإن البر دون الإثم وإن موالي ثعلبة كأنفسهم وإن بطانة يهود كأنفسهم وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم وإنه لا ينحجز على ثأر جرح وإنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته إلا من ظلم وإن الله على أبر هذا، وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم وإنه لم يأثم امرئ بحليفه وإن النصر للمظلوم وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وإنه لا يجار حرمة إلا بإذن أهلها، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده <350> إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره وإنه لا تجار قريش ولا من
ـــــــ
وفيه ولا يوتغ إلا نفسه أي لا يوبق ويهلك إلا نفسه يقال وتغ الرجل وأوتغه غيره قاله أبو عبيد. ومعنى قوله يبيء هو من البواء أي المساواة ومنه قول مهلهل حين قتل ابنا للحارث بن عباد بؤبشسع نعل كليب.

(4/176)


نصرها، وإن بينهم النصر على من دهم يثرب ، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصلحونه ويلبسونه وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم وإن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة
قال ابن هشام: ويقال مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة.
قال ابن إسحاق: وإن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم وإنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
من آخى بينهم صلى الله عليه وسلم:
قال ابن إسحاق: وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال - فيما بلغنا، ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل تآخوا في الله أخوين
ـــــــ
وقوله إن البر دون الإثم أي إن البر والوفاء ينبغي أن يكون حاجزا عن الإثم.
وقوله وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره أي إن الله وحزبه المؤمنين على الرضى به وقال أبو عبيد في كتاب الأموال إنما كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الكتاب قبل أن تفرض الجزية وإذ كان الإسلام ضعيفا. قال وكان لليهود إذ ذاك نصيب في المغنم إذا قاتلوا مع المسلمين كما شرط عليهم في هذا الكتاب النفقة معهم في الحروب.
المؤاخاة بين الصحابة:
فصل: المؤاخاة بين الصحابة آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه حين نزلوا

(4/177)


أخوين ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب، فقال هذا أخي فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أخوين وكان حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوين وإليه أوصى حمزة يوم أحد حين حضره القتال إن حدث به حادث الموت وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنة ومعاذ بن جبل، أخو بني سلمة أخوين.
قال ابن هشام: وكان جعفر بن أبي طالب يومئذ غائبا بأرض الحبشة .
قال ابن إسحاق: وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ابن أبي قحافة وخارجة بن زهير، أخو بلحارث بن الخزرج، أخوين وعمر بن الخطاب رضي الله
ـــــــ
المدينة ، ليذهب عنهم وحشة الغربة ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة ويشد أزر بعضهم ببعض <351> فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أنزل الله سبحانه: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] أعني في الميراث ثم جعل المؤمنين كلهم إخوة فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]يعني في التواد وشمول الدعوة. وذكر مؤاخاته بين أبي ذر والسنذر بن عمرو، وقد ذكرنا إنكار الواقدي لذلك في آخر حديث بيعة العقبة.
نسب أبي الدرداء
فصل: وذكر مؤاخاة سلمان وأبي الدرداء وأبو الدرداء اسمه عويمر بن عامر وقيل عويمر بن زيد بن ثعلبة وقيل عويمر بن مالك بن ثعلبة بن عمرو بن قيس بن أمية من بلحارث بن الخزرج، أمه تحبة بنت وقد بن عمرو بن الإطنابة وامرأته

(4/178)


عنه وعتبان بن مالك، أخو بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج أخوين وأبو عبيدة بن عبد الله بن الجراح واسمه عامر بن عبد الله وسعد بن معاذ بن النعمان، أخو بني عبد الأشهل، أخوين. وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن الربيع، أخو بلحارث بن الخزرج، أخوين. والزبير بن العوام، وسلامة بن سلامة بن وقش أخو بني عبد الأشهل أخوين. ويقال بل الزبير وعبد الله بن مسعود، حليف بني زهرة أخوين وعثمان بن عفان، وأوس بن ثابت بن المنذر أخو بني النجار أخوين وطلحة بن عبيد الله، وكعب بن مالك، أخو بني سلمة، أخوين. وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبي بن كعب، أخو بني النجار: أخوين ومصعب بن عمير بن هاشم، وأبو أيوب خالد بن زيد، أخو بني النجار أخوين وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعباد بن بشر بن وقش، أخو بني عبد الأشهل أخوين. وعمار بن ياسر، حليف بني مخزوم وحذيفة بن اليمان، أخو بني عبد عبس حليف بني عبد الأشهل أخوين ويقال ثابت بن قيس بن الشماس أخو بلحارث بن الخزرج، خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمار بن ياسر: أخوين. وأبو ذر وهو برير بن جنادة الغفاري والمنذر بن عمرو، المعنق ليموت أخو بني ساعدة بن كعب بن الخزرج: أخوين.
قال ابن هشام: وسمعت غير واحد من العلماء يقول أبو ذر جندب بن جنادة.
قال ابن إسحاق: وكان حاطب بن أبي بلتعة، حليف بني أسد بن عبد العزى وعويم بن ساعدة أخو بني عمرو بن عوف أخوين وسلمان الفارسي، وأبو الدرداء، عويمر بن ثعلبة أخو بلحارث بن الخزرج، أخوين.
ـــــــ
أم الدرداء اسمها: خيرة بنت أبي حدرد وأم الدرداء الصغرى، اسمها: جمانة مات أبو الدرداء بدمشق سنة اثنين وثلاثين وقيل سنة أربع وثلاثين.

(4/179)


قال ابن هشام: عويمر بن عامر ويقال عويمر بن زيد.
قال ابن إسحاق: وبلال، مولى أبي بكر رضي الله عنهما، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي، ثم أحد الفزع أخوين. فهؤلاء من سمي لنا، ممن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم من أصحابه.
بلال يوصي بديوانه لأبي رويحة:
فلما دون عمر بن الخطاب الدواوين بالشام وكان بلال قد خرج إلى الشام ، فأقام بها مجاهدا، فقال عمر لبلال إلى من تجعل ديوانك يا بلال ؟ قال مع أبي رويحة لا أفارقه أبدا، للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد بينه وبيني، فضم إليه وضم ديوان الحبشة إلى خثعم، لمكان بلال منهم فهو في خثعم إلى هذا اليوم بالشام.
أبو أمامة:
قال ابن إسحاق: وهلك في تلك الأشهر أبو أمامة أسعد بن زرارة، والمسجد يبنى، أخذته الذبحة أو الشهقة.
موته وما قاله اليهود في ذلك:
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بئس
ـــــــ
نسب الفزع:
فصل وذكر مؤاخاة أبي رويحة وبلال وسماه عبد الله بن عبد الرحمن، وقال هو أحد الفزع لم يبينه بأكثر من هذا، والفزع عند أهل النسب هو ابن شهران بن عفرس بن حلف بن أفتل وأفتل هو خثعم. وقد تقدم في أول الكتاب لم سمي خثعما وهو ابن أنمار، وقد تقدم خلاف النسابين فيما بعد أنمار.

(4/180)


الميت أبو أمامة ليهود ومنافقو العرب يقولون لو كان نبيا لم يمت صاحبه ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئا" .
بموته كان النبي صلى الله عليه وسلم لبني النجار:
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري: أنه لما مات أبو أمامة أسعد بن زرارة، اجتمعت بنو النجار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو أمامة نقيبهم فقالوا له يا رسول الله إن هذا قد كان منا حيث قد علمت، فاجعل منا رجلا مكانه يقيم من أمرنا ما كان يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم "أنتم أخوالي، وأنا بما فيكم، وأنا نقيبكم" وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخص بها بعضهم دون بعض. فكان من فضل بني النجار الذي يعدون على قومهم أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبهم.
ـــــــ
والفزع هذا بفتح الزاي وأما الفزع بسكونها، فهو الفزع بن عبد الله بن ربيعة [بن جندل]، وكذلك الفزع في خزاعة، وفي كلب هما ساكنان أيضا قاله ابن حبيب وقال الدارقطني: الفزع بفتح الزاي رجل يروي عن ابن عمر.
وذكر آخر في الرواة أيضا بفتح الزاي يروي حديثا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لأبي رويحة الخثعمي لواء عام الفتح وأمره أن ينادي "من دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن".
مؤاخاة حاطب بن أبي بلتعة:
فصل: وذكر مؤاخاة حاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعدة وقال في حاطب حليف بني أسد، وقال غيره كان عبدا لعبيد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى، وقيل كان من مذحج، والأشهر أنه من لخم بن عدي واسم أبي بلتعة عمرو بن أشد بن معاذ.والبلتعة من قولهم تبلتع الرجل إذا تظرف قاله أبو عبيد في الغريب المصنف.

(4/181)