الروض
الأنف ت السلامي
سرية عبد
الله بن جحش
ونزول {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: من الآية217]
بعثه والكتاب الذي حمله:
<42> وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش بن رئاب
الأسدي في رجب مقفله من بدر الأولى، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين
ليس فيهم من الأنصار أحد، وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير
يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به لا يستكره من أصحابه أحدا.
وكان أصحاب عبد الله بن جحش من المهاجرين. ثم من بني عبد شمس بن عبد
مناف: أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، ومن حلفائهم عبد الله بن
جحش، وهو أمير القوم وعكاشة بن محصن بن حرثان أحد بني أسد بن خزيمة،
حليف لهم.
ـــــــ
سرية عبد الله بن جحش
صحة الرواية بالمناولة
وهو المجدع في الله وسيأتي حديثه في غزوة أحد وترجم البخاري على هذا
الحديث في كتاب العلم احتجاجا به على صحة الرواية بالمناولة لأن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ناول عبد الله بن جحش كتابه ففتحه بعد
يومين فعمل على ما فيه
(5/52)
ومن بني نوفل
بن عبد مناف: عتبة بن غزوان بن جابر، حليف لهم. ومن بني زهرة بن كلاب:
سعد بن أبي وقاص. ومن بني عدي بن كعب عامر بن ربيعة، حليف لهم من عنز
بن وائل، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع،
أحد بني تميم، حليف لهم وخالد بن البكير أحد بني سعد بن ليث، حليف لهم.
ومن بني الحارث بن فهر: سهيل ابن بيضاء.
فض ابن جحش كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ومضيه لطيته:
<43> فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب فنظر فيه فإذا فيه إذا
نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة ، بين مكة والطائف ، فترصد بها
قريشا وتعلم لنا من أخبارهم. فلما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب قال
سمعا وطاعة ثم قال لأصحابه قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
أمضي إلى نخلة ، أرصد بها قريشا، حتى آتيه منهم بخبر وقد نهاني أن لا
أستكره أحدا منكم . فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن
كره ذلك فليرجع فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى
ومضى معه أصحابه لم يتخلف عنه معهم أحد.
تخلف القوم بمعدن:
وسلك على الحجاز، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع ، يقال له بحران ، أضل
سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما، كانا يعتقبانه. فتخلفا
عليه في طلبه
ـــــــ
وكذلك العالم إذا ناول <43> التلميذ كتابا جاز له أن يروي عنه ما فيه
وهو فقة صحيح غير أن الناس جعلوا المناولة اليوم على غير هذه الصورة
يأتي الطالب الشيخ فيقول ناولني كتبك، فيناوله ثم يمسك متاعه عنده ثم
ينصرف الطالب فيقول حدثني فلان مناولة وهذه رواية لا تصح على هذا الوجه
حتى يذهب بالكتاب معه وقد أذن له أن يحدث بما فيه عنه وممن قال بصحة
المناولة على الوجه الذي ذكرناه مالك بن أنس، روى إسماعيل بن صالح عنه
أنه أخرج لهم كتبا مشدودة فقال هذه كتبي صححتها ورويتها، فارووها عني،
فقال له إسماعيل بن صالح فنقول حدثنا مالك؟ قال نعم روى قصة إسماعيل
هذه الدارقطني في كتاب رواة مالك رحمه الله.
(5/53)
ومضى عبد الله
بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا
وأدما، وتجارة من تجارة قريش، فيها عمرو بن الحضرمي.
اسم الحضرمي ونسبه:
قال ابن هشام: واسم الحضرمي عبد الله بن عباد، ويقال مالك بن عباد أحد
<44> الصدف، واسم الصدف عمرو بن مالك، أحد السكون بن أشرس بن كندة،
ويقال كندي.
قال ابن إسحاق: وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأخوه نوفل بن عبد الله
المخزوميان والحكم بن كيسان، مولى هشام بن المغيرة.
ما جرى بين الفريقين وما خلص به ابن جحش:
فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم فأشرف لهم عكاشة بن محصن
وكان قد حلق رأسه فلما رأوه أمنوا، وقالوا عمار لا بأس عليكم منهم.
وتشاور القوم فيهم وذلك في آخر يوم من رجب فقال القوم والله لئن تركتم
القوم هذه الليلة
ـــــــ
أولاد الحضرمي
وذكر عمرو بن الحضرمي، وكانوا ثلاثة عمرا وعامرا والعلاء فأما العلاء
فمن أفاضل الصحابة وأختهم الصعبة أم طلحة بن عبيد الله، وكانت قبل أبيه
عند أبي سفيان بن حرب وفيها يقول حين فارقها:
وإني وصعبة فيما نرى ... بعيدان والود ود قريب
فإن لا يكن نسب ثاقب ... فعند الفتاة جمال وطيب
فيال قصي ألا تعجبون ... إلى الوبر صار الغزال الربيب
<44> وفي نسب بني الحضرمي اضطراب فقد قيل ما قاله ابن إسحاق، وقيل هو
عبد الله بن عماد بن ربيعة، وقيل ابن عياد وابن عباد بالباء والذي ذكره
ابن إسحاق أصح، وهم من الصدف، ويقال فيه الصدف بكسر الدال قاله ابن
(5/54)
ليدخلن الحرم،
فليمتنعن منكم به ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام فتردد القوم
وهابوا الإقدام عليهم ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا
عليه منهم وأخذ ما معهم. فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن
الحضرمي بسهم فقتله واستأسر عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان ;
وأفلت القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم. وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه
بالعير وبالأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
.
وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش: أن عبد الله قال لأصحابه إن لرسول
الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس وذلك قبل أن يفرض الله تعالى
الخمس من المغانم - فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس العير وقسم
سائرها بين أصحابه
نكران الرسول صلى الله عليه وسلم على ابن جحش قتاله في الشهر الحرام:
<45> قال ابن إسحاق: فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة ، قال ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام فوقف العير والأسيرين.
وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
سقط في أيدي القوم وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم إخوانهم من المسلمين
فيما صنعوا. وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه
الدم وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال. فقال من يرد عليهم من
المسلمين ممن كان بمكة إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان.
ـــــــ
دريد والصدف: مالك بن مرتع بن ثور وهو كندة وقد قدمنا ما قيل في اسم
كندة وفي معناه في المبعث وقد قيل في الصدف: هو ابن سمال بن دعمي بن
زياد بن حضرموت، وقيل في حضرموت: إنه من ولد حمير بن سبأ، وقيل هو ابن
قحطان بن عابر والله أعلم
(5/55)
توقع اليهود
بالمسلمين الشر:
وقالت يهود - تفاءل بذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن
الحضرمي قتله واقد بن عبد الله، عمرو، عمرت الحرب والحضرمي، حضرت الحرب
وواقد بن عبد الله، وقدت الحرب. فجعل الله ذلك عليهم لا لهم.
نزول القرآن في فعل ابن جحش وإقرار الرسول له صلى الله عليه وسلم في
فعله:
فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم
{يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ
فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ
وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ
اللَّهِ} [البقرة:217] أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدوكم عن
سبيل الله مع الكفر به وعن المسجد الحرام، وإخراجكم منه وأنتم أهله
أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ
الْقَتْلِ} [البقرة:217] أي قد كانوا يفتنون المسلم في دينه حتى يردوه
إلى الكفر بعد إيمانه فذلك أكبر عند الله من القتل {وَلا يَزَالُونَ
يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ
اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217] أي ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير
تائبين ولا <46> نازعين. فلما نزل القرآن بهذا من الأمر وفرج الله
تعالى عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق قبض رسول
ـــــــ
حكمة تحريم القتال في الأشهر الحرم
<45> وذكر الشهر الحرام وما كان من أهل السرية فيه وأنه سقط في أيديهم
لما أصابوا فيه من الدم وذلك أن تحريم القتال في الأشهر الحرم كان حكما
معمولا به من عهد إبراهيم وإسماعيل وكان من حرمات الله ومما جعله مصلحة
لأهل مكة ، قال الله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس
والشهر الحرام} [المائدة 97] وذلك لما دعا إبراهيم لذريته بمكة إذ
كانوا بواد غير ذي زرع أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم فكان فيما
فرض على الناس من حج البيت قواما لمصلحتهم ومعاشهم ثم جعل الأشهر الحرم
أربعة ثلاثة سردا، وواحدا فردا، وهو رجب أما الثلاثة فليأمن الحجاج
واردين إلى مكة ، وصادرين عنها شهرا قبل شهر الحج وشهرا بعده قدر ما
يصل الراكب من أقصى بلاد العرب، ثم يرجع حكمة من الله وأما رجب فللعمار
يأمنون فيه مقبلين وراجعين نصف <46> الشهر للإقبال ونصفه للإياب إذ لا
تكون العمرة من أقاصي بلاد
(5/56)
الله صلى الله
عليه وسلم العير والأسيرين وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله
والحكم بن كيسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا نفديكموها حتى
يقدم صاحبانا" - يعني سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان – "فإنا نخشاكم
عليهما، فإن تقتلوهما، نقتل صاحبيكم" . فقدم سعد وعتبة فأفداهما رسول
الله صلى الله عليه وسلم منهم.
إسلام ابن كيسان وموت عثمان كافرا:
فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه وأقام عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا. وأما عثمان بن عبد الله فلحق
بمكة فمات بها كافرا.
طمع ابن جحش في الأجر وما نزل في ذلك:
فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن
طمعوا في الأجر فقالوا: يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة تعطى فيها
أجر المجاهدين؟ فأنزل الله عز وجل فيهم {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ
يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:218]
فوضعهم الله عز وجل من ذلك على أعظم الرجاء.
والحديث في هذا عن الزهري ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير.
قال ابن إسحاق: وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش: أن الله عز وجل قسم
الفيء حين أحله فجعل أربعة أخماس لمن أفاءه الله وخمسا إلى الله ورسوله
فوقع على ما كان عبد الله بن جحش صنع في تلك العير.
ـــــــ
العرب كما يكون الحج، ألا ترى أنا لا نعتمر من بلاد المغرب فإذا أردنا
عمرة فإنما تكون مع الحج وأقصى منازل المعتمرين بين مسيرة خمسة عشر
يوما، فكانت الأقوات تأتيهم في المواسم وفي سائر العام تنقطع عنهم
ذؤبان العرب وقطاع السبل فكان في رجب أمان للسالكين إليها مصلحة لأهلها
ونظرا من الله لهم دبره
(5/57)
قال ابن هشام:
وهي أول غنيمة غنمها المسلمون. وعمرو بن الحضرمي أول من قتله المسلمون
وعثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان أول من أسر المسلمون.
شعر في هذه السرية ينسب إلى أبي بكر وإلى ابن جحش:
قال ابن إسحاق: فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في غزوة عبد الله بن
جحش، ويقال بل عبد الله بن جحش قالها، حين قالت قريش: قد أحل محمد
وأصحابه <47> الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه المال وأسروا
فيه الرجال - قال ابن هشام: هي لعبد الله بن جحش:
تعدون قتلا في الحرام عظيمة ... وأعظم منه لو يرى الرشد راشد
صدودكم عما يقول محمد ... وكفر به والله راء وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهله ... لئلا يرى لله في البيت ساجد
فإنا وإن عيرتمونا بقتلة ... وأرجف بالإسلام باغ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا ... بنخلة لما أوقد الحرب واقد
دما وابن عبد الله عثمان بيننا ... ينازعه غل من القد عاند
ـــــــ
وأبقاه من ملة إبراهيم لم يغير حتى جاء الإسلام فكان القتال فيه محرما
كذلك صدرا من الإسلام ثم أباحته آية السيف وبقيت حرمة الأشهر الحرم لم
<47> تنسخ قال الله سبحانه {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:36] ،
فتعظيم حرمتها باق وإن أبيح القتال وقد روي عن عطاء أن تحريم القتال
فيها حكم ثابت لم ينسخ وقد تقدم في باب نسب النبي - صلى الله عليه وسلم
- ذكر سعد رجبا، وهو أول من سنه للعرب فيما زعموا.
(5/58)
|