الروض
الأنف ت الوكيل [ذِكْرُ بِئَارِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بمكة]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَبْلَ حَفْرِ زَمْزَمَ قَدْ
احْتَفَرَتْ بِئَارًا بِمَكّةَ، فِيمَا حَدّثَنَا زياد بن عبد الله البكائي
عن محمد بن إسحاق، قال:
حفر عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ الطّوِيّ، وهي الْبِئْرُ الّتِي
بِأَعْلَى مَكّةَ عِنْدَ الْبَيْضَاءِ، دَارُ محمّد بن يوسف.
وَحَفَرَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بَذّرَ، وَهِيَ الْبِئْرُ الّتِي
عِنْدَ الْمُسْتَنْذَرِ، خَطْمُ الْخَنْدَمَةِ عَلَى فَمِ شِعْبِ أَبِي
طَالِبٍ، وَزَعَمُوا أَنّهُ قَالَ حِينَ حَفَرَهَا: لَأَجْعَلَنّهَا
بَلَاغًا لِلنّاسِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الشّاعِرُ.
سَقَى اللهُ أَمْوَاهًا عَرَفْتُ مكانها ... جرابا وملكوما وبذّر والغمرا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَفَرَ سَجْلَةَ، وَهِيَ بِئْرُ المطعم بْنِ
عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الّتِي يَسْقُونَ عَلَيْهَا
الْيَوْمَ. وَيَزْعُمُ بَنُو نَوْفَلٍ أَنّ الْمُطْعِمَ ابْتَاعَهَا مِنْ
أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ، وَيَزْعُمُ بَنُو هَاشِمٍ أَنّهُ وَهَبَهَا لَهُ
حِينَ ظَهَرَتْ زَمْزَمُ، فَاسْتَغْنَوْا بِهَا عَنْ تِلْكَ الابار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/100)
وَحَفَرَ أُمَيّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ
الْحَفْرَ لِنَفْسِهِ، وَحَفَرَتْ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى:
سُقَيّةَ، وهى بئر بنى أسد. وحفرت بنو عبد الدار: أمّ أحراد. وَحَفَرَتْ
بَنُو جُمَحَ: السّنْبُلَةَ، وَهِيَ بِئْرُ خَلَفِ بن وهب. وَحَفَرَتْ
بَنُو سَهْمٍ: الْغِمْرَ، وَهِيَ بِئْرُ بَنِي سهم، وَكَانَتْ آبَارُ
حَفَائِرَ خَارِجًا مِنْ مَكّةَ قَدِيمَةً مِنْ عَهْدِ مُرّةَ بْنِ كَعْبٍ،
وَكِلَابِ بْنِ مرّة، وكبراء قُرَيْشٍ الْأَوَائِلِ مِنْهَا يَشْرَبُونَ،
وَهِيَ رُمّ، وَرُمّ:
بِئْرُ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. وَخُمّ، وَخُمّ. بِئْرُ بَنِي
كِلَابِ بْنِ مُرّةَ، وَالْحَفْرُ.
قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ
لُؤَيّ:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ أَبُو أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ:
وَقِدْمَا غنينا قبل ذلك حقبة ... ولا نستقي إلا بِخُمّ أَوْ الْحَفْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، سَأَذْكُرُهَا
إنْ شَاءَ الله فى موضعها.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَعَفّتْ زَمْزَمُ عَلَى الْبِئَارِ الّتِي كَانَتْ
قَبْلَهَا يَسْقِي عَلَيْهَا الْحَاجّ وَانْصَرَفَ النّاسُ إلَيْهَا
لِمَكَانِهَا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ وَلِفَضْلِهَا عَلَى مَا
سِوَاهَا مِنْ الْمِيَاهِ؛ وَلِأَنّهَا بِئْرُ إسْمَاعِيلَ بْنِ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ، وَافْتَخَرَتْ بِهَا بَنُو عَبْدِ
مَنَافٍ عَلَى قُرَيْشٍ كُلّهَا، وَعَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ، فَقَالَ
مُسَافِرُ بْنُ أَبِي عَمْرِو ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وَهُوَ
يَفْخَرُ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَا وُلّوا عَلَيْهِمْ من السّقاية والرّفادة،
وما أقاموا لِلنّاسِ مِنْ ذَلِكَ، وَبِزَمْزَمَ حِينَ ظَهَرَتْ لَهُمْ،
وَإِنّمَا كَانَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ، شَرَفُ
بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ شَرَفٌ، وَفَضْلُ بَعْضِهِمْ لبعض فضل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/101)
وَرِثْنَا الْمَجْدَ مِنْ آبَا ... ئِنَا
فَنَمَى بِنَا صُعُدَا
أَلَمْ نَسْقِ الْحَجِيجَ وَنَنْحَرُ ... الدّلّافَةَ الرّفُدَا
ونلغى عِنْدَ تَصْرِيفِ الْمَنَايَا ... شُدّدًا رُفُدَا
فَإِنْ نَهْلِكْ، فَلَمْ نُمْلَكْ ... وَمَنْ ذَا خَالِدٌ أَبَدَا
وَزَمْزَمُ فى أرومتنا ... ونفقأ عين من جسد
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غانم أخو بنى عدىّ بن كعب
ابن لؤىّ.
وساقى الحجيج، ثم للخبز هاشم ... وعبد مناف ذلك السيد الفهري
طوى زَمزَما عِنْدَ الْمَقَامِ، فَأَصْبَحَتْ ... سِقَايَتُهُ فَخْرًا
عَلَى كُلّ ذِي فَخْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي عَبْدَ الْمُطّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ. وَهَذَانِ
الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِحُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ سَأَذْكُرُهَا فِي
مَوْضِعِهَا إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَنْشَدَ لَهُ فِي الْقَصِيدَةِ التّاوِيّةِ: مَحْضِ الضّرِيبَةِ، عَالِي
الْهَمّ مُخْتَلَقٍ: أَيْ عَظِيمِ الْخَلْقِ: جَلْدِ النّحِيزَةِ نَاءٍ
بِالْعَظِيمَاتِ. لَيْسَ قَوْلُهُ: نَاءٍ مِنْ النّأْيِ، فَتَكُونَ
الْهَمْزَةُ فِيهِ عَيْنَ الْفِعْلِ، وَإِنّمَا هُوَ مِنْ نَاءَ يَنُوءُ
إذَا نَهَضَ «1» فَالْهَمْزَةُ فِيهِ لَامُ الْفِعْلِ، كَمَا هُوَ فِي
جَاءَ عِنْدَ الْخَلِيلِ، فَإِنّهُ عِنْدَهُ مَقْلُوبٌ، وَوَزْنُهُ:
فَالِعٌ، وَالْيَاءُ الّتِي بَعْدَ الْهَمْزَةِ هِيَ: عَيْنُ الْفِعْلِ فى
جاء يجىء.
__________
(1) ناء بالحمل نهض به مثقلا، وناء به الحمل إذا أثقله.
(2/102)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِيهِ الشّعْثُ الشّجِيّاتُ. فَشَدّدَ يَاءَ الشّجِيّ، وَإِنْ كَانَ
أَهْلَ اللّغَةِ قَدْ قَالُوا:
يَاءُ الشّجِي مُخَفّفَةٌ، وَيَاءُ الْخَلِيّ مُشَدّدَةٌ، وَقَدْ اعْتَرَضَ
ابْنُ قُتَيْبَةَ عَلَى أَبِي تَمّامٍ الطّائِيّ فِي قَوْلِهِ:
أياويح الشّجِيّ مِنْ الْخَلِيّ ... وَوَيْحَ الدّمْعِ مِنْ إحْدَى بَلِيّ
وَاحْتَجّ بِقَوْلِ يَعْقُوبَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ له الطائى: ومن أفصح
عندك:
ابن الجر مقانيّة يَعْقُوبُ، أَمْ أَبُو الْأَسْوَدِ الدّؤَلِيّ حَيْثُ
يَقُولُ؟!:
وَيْلُ الشّجِيّ مِنْ الْخَلِيّ فَإِنّهُ ... وَصِبُ الْفُؤَادِ بِشَجْوِهِ
مَغْمُومُ
قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَبَيْتُ مَطْرُودٍ أَقْوَى فِي الْحُجّةِ مِنْ بَيْتِ
أَبِي الْأَسْوَدِ الدّؤَلِيّ، لِأَنّهُ جَاهِلِيّ مُحَكّكٌ، وَأَبُو
الْأَسْوَدِ: أَوّلُ مَنْ صَنَعَ النّحْوَ، فَشِعْرُهُ قَرِيبٌ مِنْ
التّوْلِيدِ، وَلَا يَمْتَنِعُ فِي الْقِيَاسِ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ:
شَجِيّ وَشَجٍ، لِأَنّهُ فِي مَعْنَى: حَزِنٌ وَحَزِينٌ، وَقَدْ قِيلَ:
مَنْ شَدّدَ الْيَاءَ، فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مفعول «1» .
__________
(1) رجل شج أى: حزين وامرأة شجية- بكسر الجيم وفتح الياء من دون تضعيف- وفى
مثل للعرب: ويل للشجى من الخلى، دون تشديد ياء إحداهما، وقد تشدد ياء
الشجىّ، والأول أعرف. وحكى الجوهرى عن المبرد أنه شدد ياء الخلى وخفف ياء
الشجى. قال: وقد شدد فى الشعر:
نام الخليّون عن ليل الشجيينا
فإن جعلنا الشجىّ فعيلا من شجاه الحزن، فهو: مشجوّ وشجىّ بالتشديد لا غير،
وحكى ابن برى أن الصواب هو التشديد فى ياء الشجى، وأما الشجى بالتخفيف فهو
الذى أصابه الشجى، وهو الغصص، وأما الحزين فهو الشجىّ-
(2/103)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِيهِ بُعْدٌ قَوْلُهُ: أَبَا الشّعْثِ الشّجِيّاتِ. يَبْكِينَهُ حُسّرًا
مِثْلَ الْبَلِيّاتِ.
الْبَلِيّةُ: النّاقَةُ الّتِي كَانَتْ تُعْقَلُ عِنْدَ قَبْرِ صَاحِبِهَا
إذَا مَاتَ، حَتّى تموت
__________
- بتشديد الياء. قال: ولو كان المثل: ويل الشجى بتخفيف الياء، لكان ينبغى
أن يقال: ويل الشجى من المسيغ؛ لأن الإساغة ضد الشجا، كما أن الفرح ضد
الحزن ثم قال ابن برى: فلهذا ننظر إلى توجيهه من ناحية القياس- وقد ثبت من
جهة السماع تشديد الياء- ثم قال: ووجهه أن يكون الشجى من شجوته أشجوه، فهو:
مشجو وشجىّ، مثل: مجروح وجريح. وأما شج بالتخفيف فهو اسم الفاعل من شجى
يشجى- بكسر الجيم فى الماضى وفتحها فى المضارع- فهو شج. وقال أبو زيد:
الشجى: المشغول، والخلى: الفارغ، وقال ابن السكيت: الشجى مقصور والخلى
ممدود، وفى الهذيب عن الشجى: أنه الذى شجى بعظم غصّ به حلقه، يقال: شجى
يشجى شجى، فهو شج، وكذلك الذى شجى بالهم فلم يجد مخرجا منه.. قال الأزهرى:
وهذا هو الكلام الفصيح.. ثم قال: فإن تجامل إنسان، ومد الشجى فله مخارج من
جهة العربية تسوغ له مذهبه، وهو أن تجعل الشجى بمعنى المشجوّ. فعيلا من
شجاه يشجوه، والوجه الثانى: أن العرب تمد فعلا بياء. فتقول: فلان قمن لكذا
وقمين، وسمج وسميج، وفلان كر للنائم وكرى. وقيل: إن مذهب العرب توازن اللفظ
كما وازنت الغدايا بالعشايا. وجمع الغداة غدوات. ومثل ما ساءه وناءه،
والأصل أناء. وكذلك وازنوا: الشجى بتشديد الياء بالخلى. ومعناه: ويل
للمهموم من الفارغ، وعن ثعلب فى الفصيح: ويل للشجى من الخلىّ بتشديد
الياءين. وأنشد البيت الذى فى الروض. والشطرة الثانية من البيت «ويل الشجى»
وردت مرة فى اللسان: «نصب الفؤاد لشجوه مغموم» ، وأخرى: «بحزنه مغموم»
وانظر ص 373 أدب الكاتب وقول السهيلى: «وبيت مطرود أقوى» يعنى البيت الذى
يشرحه: «يا عين فابكى أبا الشعث الشجيات» والجرمقانى- بضم الجيم وسكون
الراء وضم الميم وفتح القاف وتضعيف الياء- واحد الجرامقة، وهم أنباط الشام،
أو هم قوم بالموصل أصلهم من العجم «عن اللسان» .
(2/104)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جَوْعًا وَعَطَشًا، وَيَقُولُونَ: إنّهُ يُحْشَرُ رَاكِبًا عَلَيْهَا،
وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَعَهُ هَذَا حُشِرَ رَاجِلًا، وَهَذَا عَلَى
مَذْهَبِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَقُولُ بِالْبَعْثِ، وَهُمْ الْأَقَلّ،
وَمِنْهُمْ زُهَيْرٌ، فَإِنّهُ قَالَ:
يُؤَخّرْ فَيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدّخَرْ ... لِيَوْمِ الْحِسَابِ، أَوْ
يُعَجّلْ فَيُنْقَمْ
وَقَالَ الشّاعِرُ فِي الْبَلِيّةِ:
والبلايا رؤسها فى الولايا ... ما نحات السّمُومِ حُرّ الْخُدُودِ «1»
وَالْوَلَايَا: هِيَ الْبَرَاذِعُ، وَكَانُوا يَثْقُبُونَ الْبَرْذَعَةَ،
فَيَجْعَلُونَهَا فِي عُنُقِ الْبَلِيّةِ، وَهِيَ مَعْقُولَةٌ، حَتّى
تَمُوتَ، وَأَوْصَى رَجُلٌ ابْنَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِهَذَا:
لَا تَتْرُكَنّ أَبَاك يُحْشَرُ مُرّةً ... عَدْوًا يَخِرّ عَلَى
الْيَدَيْنِ، وَيَنْكُبُ
فِي أَبْيَاتٍ ذكرها الخطابى.
وقوله: قياما كالحميّات. أى: محترقات الْأَكْبَادِ كَالْبَقَرِ أَوْ
الظّبَاءِ الّتِي حَمِيَتْ الْمَاءَ وَهِيَ عَاطِشَةٌ، فَحَمِيّةٌ
بِمَعْنَى: مَحْمِيّةٍ، لَكِنّهَا جَاءَتْ بالتاء، لأنها أجريت
__________
(1) البيت فى اللسان وأوله: «كالبلايا» وقد نسبه اللسان إلى أبى زبيد، وهو
حرملة بن المنذر بن معد يكرب الطائى شاعر جاهلى إسلامى، وكان نصرانيا وزعم
الطبرى أنه مات مسلما، وفى اسمه خلاف، ومن قوله:
علّل المرء بالرجاء ويضحى ... غرضا للمنون نصب العود
وكانت العرب تنصب عودا تجعله غرضا، فيصيبه بعض السهام، أو يقع قريبا منه،
أو تشعب منه شيئا. فضرب ذلك مثلا.
(2/105)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَجْرَى الْأَسْمَاءِ كَالرّمِيّةِ وَالضّحِيّةِ وَالطّرِيدَةِ «1» وَفِي
مَعْنَى الْحَمِيّ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
قَوَاطِنُ مَكّةَ مِنْ وُرْقِ الْحَمِيّ «2» يُرِيدُ الْحَمَامَ
الْمَحْمِيّ، أَيْ: الْمَمْنُوعَ.
وَقَوْلُهُ: فِي رَمْسٍ بِمَوْمَاةِ: الْأَظْهَرُ فِيهِ أَنْ تَكُونَ
الْمِيمُ أَصْلِيّةً، وَيَكُونُ مِمّا ضُوعِفَتْ فَاؤُهُ وَعَيْنُهُ،
وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَوْلَى لِكَثْرَتِهِ فِي الْكَلَامِ،
وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْمِيمِ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً، إذَا كَانَتْ أَوّلَ
الْكَلِمَةِ الرّبَاعِيّةِ أَوْ الْخُمَاسِيّةِ، إلّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ
ذَلِكَ اشْتِقَاقٌ، وَلَا اشْتِقَاقَ هَهُنَا، أَوْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ
دُخُولُهُ فِيمَا قَلّ مِنْ الْكَلَامِ نَحْوُ: قَلِقَ وَسَلِسَ. قَالَ
أَبُو عَلِيّ فِي الْمَرْمَرِ: حَمْلُهُ عَلَى بَابِ: قَرْقَرَ وَبَرْبَرَ
أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى بَابِ: قَلِقَ وَسَلِسَ، يُرِيدُ: إنّك إنْ
جَعَلْت الْمِيمَ زَائِدَةً كَانَتْ فَاءَ الْفِعْلِ- وَهِيَ الراء- مضاعفة
دون عين الفعل، وهى
__________
(1) قال سيبويه: لا يجىء هذا الضرب على مفعل- بفتح الميم وكسر العين- إلا
وفيه الهاء، لأنه إن جاء على مفعل بغيرها اعتل، فعدلوا إلى الأخف.
(2) ومنه قبله:
ورب هذا البلد المحرم ... والقاطنات البيت غير الريم
قواطنا مكة من ورق الحمى
«اللسان مادة قطن» وقد استشهد به سيبويه فى كتابه فى باب: «اعلم أنه يجوز
فى الشعر ما لا يجوز فى الكلام من صرف مالا ينصرف، يشبهونه بما ينصرف من
الأسماء لأنها أسماء؛ كما أنها أسماء، وحذف مالا يحذف، يشبهونه بما قد حذف،
أو استعمل محذوفا، كما قال العجاج. أقول: وقواطن منونة منصوبة فى كتاب
سيبويه، وفى اللسان. وروى سيبويه هذه الشطرة مرة أخرى هكذا «أو الفا مكة من
ورق الحمى» انظر ص 8، 56 من كتاب سيبويه ط بولاق.
(2/106)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمِيمُ، وَإِذَا جَعَلْت الْمِيمَ الْأُولَى فِي مَرْمَرَ أصلية، كان «1»
من باب ماضوعفت فِيهِ الْفَاءُ وَالْعَيْنُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
سِيبَوَيْهِ فِي الْمَرْمَرِ: مَرّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الْمُسْتَتِبّ،
وَالطّرِيقُ الْمَهِيعُ دُونَ مَا ضُوعِفَتْ فِيهِ الْفَاءُ وَحْدَهَا،
فتأمله «2» .
__________
(1) فى الأصل وكان.
(2) يقول المازنى فى كتابه التصريف: «وأما الميم إذا كانت أولا فهى زائدة
بمنزلة الهمزة والياء؛ لأن الميم أولا نظيرة الهمزة» وشرحه ابن جنى بقوله:
«لا فصل بين الميم والهمزة إذا وقعتا أولا، فمتى وجب فى الهمزة أن تكون
زائدة ووقعت الميم موقعها، فاقض بزيادتها» ص 129 المنصف لابن جنى. والموماة
بفتح وسكون: المفازة الواسعة الملساء، وهى جماع أسماء الفلوات. وقال
المبرد: يقال لها: البوباة أيضا، وليس للكلمة اشتقاق. ويقول ابن جنى فى
الخصائص: «اعلم أنه متى اجتمع معك فى الأسماء والأفعال حرف أصل، ومعه حرفان
مثلان لا غير، فهما أصلان، متصلين كانا أو منفصلين. فالمتصلان نحو: الحفف
والصدد. وقلق وسلس، وكذلك إن كان هناك زائد، فالحال واحدة نحو حمام وسالس.
وكذلك كوكب ودودح» ثم يقول: «فأما إذا كان معك أصلان ومعهما حرفان مثلان،
فعلى أضرب منها: أن يكون هناك تكرير على تساوى حال الحرفين، فإذا كانا كذلك
كانت الكلمة كلها أصولا نحو: قلقل وقرقر. فالكلمة إذا لذلك رباعية. وكذلك
إن اتفق الأول والثالث، واختلف الثانى والرابع، فالمثلان أيضا. أصلان، وذلك
نحو. فرفج وقرقل «نبات الرجلة، وقميص للنساء» وكذلك إن اتفق الثانى
والرابع، واختلف الأول والثالث نحو: قسطاس وشعلع «الطويل» فالمثلان أيضا
أصلان. وكل ذلك أصل رباعى، وكذلك إن اتفق الأول والرابع واختلف الثانى
والثالث، فالمثلان أصلان، والكلمة أيضا من بنات الأربعة مثل: قريق «دكان
البقال، وبلد وراء طرسوس» وكذلك إن اتفق الأول والثانى، واختلف الثالث
والرابع، فالمثلان أصلان، والكلمة رباعية نحو: زيزفون. ومثاله، فيعلول.
وكذلك أيضا إن حصل معك ثلاثة أحرف أصول، ومعها-
(2/107)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: طَوِيلَ الْبَاعِ ذَا فَجَرٍ. الْفَجَرُ: الْجُودُ، شُبّهَ
بِانْفِجَارِ الْمَاءِ. وَيُرْوَى ذَا فَنَعٍ، وَالْفَنَعُ: كَثْرَةُ
الْمَالِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ الثّقَفِيّ:
وَقَدْ أَجُودُ وَمَا مَالِي بِذِي فَنَعٍ ... وَأَكْتُمُ السّرّ فِيهِ
ضَرْبَةُ الْعُنُقِ «1»
وَقَوْلُهُ: بَسّامَ الْعَشِيّاتِ: يَعْنِي: أَنّهُ يَضْحَكُ
لِلْأَضْيَافِ، وَيَبْسِمُ عِنْدَ لِقَائِهِمْ كما قال الاخر، وهو حاتم
الطائى:
__________
- مثلان غير ملتقيين، فهما أيضا أصلان. نحو: شفشليق «العجوز المسترخية» ص
56 وما بعدها، الخصائص ط 2 ج 2، وانظر شرح الشافية ج 1 ص 59، وما بعدها
ويقول ابن جنى فى الخصائص أيضا وهو يتكلم عن الأصلين الثلاثى والرباعى
المتداخلين، كقولهم سلس وسلسل، وقلق وقلقل: «وذهب أبو إسحاق فى نحو قلقل
وصلصل وجرجر وقرقر إلى أنه فعل، وأن الكلمة لذلك ثلاثية، حتى كأن أبا إسحاق
لم يسمع فى هذه اللغة الفاشية المنتشرة: بزغد وزغدب وسبط وسبطر» ثم يقول:
«إن تكرير الفاء لم يأت به ثبت إلا فى مرمريس. وحكى غير صاحب الكتاب:
مرمريت، وليس بالبعيد أن تكون التاء بدلا من السين، كما أبدلت منها فى ست»
ص 52، 53 ج 2، الخصائص ويقول فى ص 12 من المنصف أيضا: «الفاء لم تكرر فى
كلام العرب إلا فى حرف واحد، وهو: مرمريس، وهى الداهية والشدة، فتكررت
الفاء والعين، ولا نظير لهذه الكلمة» .
(1) والفنع أيضا: الكرم والجود والفضل الكثير، ونشر الثناء الحسن ونفحة
المسك.. وقد روى أن معاوية- رضى الله عنه- قال لابن أبى محجن الثقفى: أبوك
الذى يقول:
إذا مت فادفنى إلى جنب كرمة ... تروى عظامى بعد موتى عروقها
ولا تدفننى فى الفلاة، فإننى ... أخاف إذا مامت ألا أذوقها
فقال ابن أبى محجن: أبى الذى يقول: وذكر البيت. وقد روى عجزه هكذا: وقد أكر
وراء المجحر الفرق.
(2/108)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أُضَاحِكُ ضَيْفِي قَبْلَ إنْزَالِ رَحْلِهِ ... وَيَخْصِبُ «1» عِنْدِي،
وَالْمَحَلّ جَدِيبُ
وَمَا الْخِصْبُ لِلْأَضْيَافِ أَنْ يَكْثُرَ الْقِرَى ... وَلَكِنّمَا
وَجْهُ الْكَرِيمِ خَصِيبُ
حَدِيثُ زَمْزَمَ وَكَانَتْ زَمْزَمُ- كَمَا تَقَدّمَ- سُقْيَا
إسْمَاعِيلَ، عَلَيْهِ السّلَامُ، فَجّرَهَا لَهُ رُوحُ الْقُدُسِ
بِعَقِبِهِ، وَفِي تَفْجِيرِهِ إيّاهَا بِالْعَقِبِ دُونَ أَنْ يُفَجّرَهَا
بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهِ: إشَارَةٌ إلَى أَنّهَا لِعَقِبِهِ وِرَاثَةً،
وَهُوَ مُحَمّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمّتُهُ، كَمَا
قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ)
الزّخْرُفَ: 43. أَيْ: فِي أُمّةِ مُحَمّدٍ- عَلَيْهِ السّلَامُ «2» - ثُمّ
إنّ زَمْزَمَ لَمّا أَحْدَثَتْ جُرْهُمٌ فِي الْحَرَمِ، وَاسْتَخَفّوا
بِالْمَنَاسِكِ وَالْحُرَمِ، وَبَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَاجْتَرَمَ،
تَغَوّرَ مَاءُ زَمْزَمَ وَاكْتُتِمَ، فلما أخرج الله جرهم مِنْ مَكّةَ
بِالْأَسْبَابِ الّتِي تَقَدّمَ ذِكْرُهَا عَمَدَ الحرث بْنُ مُضَاضٍ
الْأَصْغَرُ إلَى مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ مَالِ الْكَعْبَةِ، وَفِيهِ
غَزَالَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَأَسْيَافٌ قَلْعِيّةٌ «3» كَانَ سَاسَانُ مَلِكُ
الْفُرْسِ قَدْ أَهْدَاهَا إلَى الْكَعْبَةِ، وَقِيلَ: سَابُورُ، وَقَدْ
قَدّمْنَا أن الأوائل من ملوك
__________
(1) من باب علم وضرب.
(2) قال ابن كثير فى تفسيرها: «هذه الكلمة- وهى عبادة الله وحده لا شريك
له، وخلع ما سواه من الأوثان، وهى: لا إله إلا الله، أى جعلها دائمة فى
ذريته، يقتدى به فيها من هداه الله تعالى من ذرية إبراهيم- عليه الصلاة
والسلام- وقال عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة والسدى وغيرهم: يعنى: لا إله
إلا الله لا يزال فى ذريته من يقولها، وروى نحوه عن ابن عباس» على أن هناك
رواية: أو قال بجناحه.
(3) نسبة إلى قلعة بفتح فسكون بلد بالهند.
(2/109)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْفُرْسِ كَانَتْ تَحُجّهَا إلَى عَهْدِ سَاسَانَ، أَوْ سَابُورَ، فَلَمّا
عَلِمَ ابْنُ مُضَاضٍ أَنّهُ مُخْرَجٌ مِنْهَا، جَاءَ تَحْتَ جُنْحِ
اللّيْلِ حَتّى دَفَنَ ذَلِكَ فِي زَمْزَمَ، وَعَفّى عَلَيْهَا، وَلَمْ
تَزَلْ دَارِسَةً عَافِيًا أَثَرُهَا، حَتّى آنَ مَوْلِدُ الْمُبَارَكِ
الّذِي كَانَ يُسْتَسْقَى بِوَجْهِهِ غَيْثُ السّمَاءِ وَتَتَفَجّرُ مِنْ
بَنَانِهِ يَنَابِيعُ الْمَاءِ، صَاحِبُ الْكَوْثَرِ وَالْحَوْضِ الرّواء،
فلما آن ظهوره أذن لله تَعَالَى لِسُقْيَا «1» أَبِيهِ أَنْ تَظْهَرَ،
وَلِمَا انْدَفَنَ مِنْ مَائِهَا أَنْ تَجْتَهِرَ «2» ، فَكَانَ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ سَقَتْ النّاسَ بَرَكَتُهُ قَبْلَ أَنْ
يُولَدَ وَسُقُوا بِدَعْوَتِهِ، وَهُوَ طِفْلٌ حِينَ أَجْدَبَتْ الْبَلَدُ،
وَذَلِكَ حِينَ خَرَجَ بِهِ جَدّهُ مُسْتَسْقِيًا لِقُرَيْشِ «3» ،
وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ- فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللهُ- وَسُقِيَتْ
الْخَلِيقَةُ كُلّهَا غُيُوثَ السّمَاءِ فِي حَيَاتِهِ الْفَيْنَةَ بَعْدَ
الْفَيْنَةِ، وَالْمَرّةَ بَعْدَ الْمَرّةِ، وَتَارَةً بِدُعَائِهِ،
وَتَارَةً مِنْ بَنَانِهِ، وَتَارَةً بِإِلْقَاءِ سَهْمِهِ، ثُمّ بَعْدَ
مَوْتِهِ- عَلَيْهِ السّلَامُ- اسْتَشْفَعَ عُمَرُ بِعَمّهِ- رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا- عام الرّمادة «4» ،
__________
(1) ولكن هذا الاستقساء ليس من هدى الإسلام.
(2) اجتهر البئر: نقاها، أو نزحها أو بلغ الماء.
(3) قصة موضوعة وليس الاستسقاء الدينى الحق من هذا الزعم.
(4) ليس من حب الرسول- صلّى الله عليه وسلم- أن نكذب له، أو نكذب عليه،
وعظمة الرسول العظيم ليست فى حاجة إلى كذب يساندها، لأنها قامت على الصدق
الجليل الجميل. وصورة الاستسقاء النبوى نهتدى إليها من هذا الحديث: «جاء
أعرابى يوم الجمعة. فقال: يا رسول الله، هلكت الماشية، وهلكت العيال، وهلك
الناس، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يديه يدعو،
ورفع الناس أيديهم معه يدعون، قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا «مختصر
من البخارى» وحديث استقساء عمر بالعباس: «عن أنس- رضى الله عنه- أن عمر بن
الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا
نتوسل-
(2/110)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَقْسَمَ عَلَيْهِ بِهِ وَبِنَبِيّهِ «1» ، فَلَمْ يَبْرَحْ، حَتّى قلصوا
المازر، واعتلقوا الحذاء،
__________
- إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك. فاسقنا، فيسقون)
البخارى ويقال: إنه كان فى عام الرمادة العام الثامن عشر، ويقول العلامة
السلفى السهسوانى الهندى تعليقا على هذا فى كتابه: صيانة الإنسان عن وسوسة
ابن دحلان: «المراد بالاستسقاء بالعباس والتوسل به الوارد فى حديث أنس رضى
الله عنه: هو الاستسقاء بدعاء العباس على طريقة معهودة فى الشرع، وهى أن
يخرج من يستسقى به إلى المصلى، فيستسقى، ويستقبل القبلة داعيا، ويحول
رداءه، ويصلى ركعتين، أو نحوه من هيئات الاستقساء التى وردت فى الصحاح،
والدليل عليه قول عمر رضى الله عنه اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلّى
الله عليه وسلم، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا، ففى هذا
القول دلالة واضحة على أن التوسل بالعباس كان مثل توسلهم بالنبى صلّى الله
عليه وسلم، والتوسل بالنبى لم يكن إلا بأن يخرج صلّى الله عليه وسلم،
ويستقبل القبلة ويحول رداءه، ويصلّى ركعتين أو نحوه من الهيئات الثابتة
للاستسقاء، ولم يرد فى حديث ضعيف فضلا عن الحسن والصحيح أن الناس طلبوا
السقيا من الله فى حياته متوسلين به صلّى الله عليه وسلم من غير أن يفعل ما
يفعل فى الاستسقاء المشروع من طلب السقيا، والدعاء والصلاة وغيرهما مما ثبت
بالأحاديث الصحيحة» وأقول: لو كان التوسل بذات الحى أو الميت جائزا- لا
بدعائه- لتوسل عمر بذات محمد- وهو ميت- بدلا من توسله بالعباس. ولم يرد فى
حديث ما أن أحدا توسل بذات محمد فى استسقاء أو غيره، لأن ذات محمد «ص» ليست
من كسب أحد.
(1) لم يرد شىء مما قال فى حديث صحيح. وقد وردت أحاديث الاستسقاء فى
البخارى ومسلم وأبى داود والترمذى والنسائى وابن ماجة وأحمد وغيرها، وكلها
تجمع على أنه كان- صلّى الله عليه وسلم- يدعو، وليس فى شىء منها ما ذكره
السهيلى، وقد وردت صيغة الدعاء فى حديث رواه أبو داود وأبو عوانة وابن حبان
والحاكم وصححه ابن السكن، وقال أبو داود: هذا حديث غريب إسناده جيد وهذه
هى: (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين لا إله إلا الله
يفعل-
(2/111)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَخَاضُوا الْغُدْرَانَ، وَسَمِعَتْ الرّفَاقُ الْمُقْبِلَةُ إلَى
الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ صَائِحًا يَصِيحُ فِي السّحَابِ: أَتَاك
الْغَوْثُ أَبَا حَفْصٍ، أَتَاك الْغَوْثُ أَبَا حَفْصٍ «1» ، كُلّ هَذَا
بِبَرَكَةِ الْمُبْتَعَثِ بِالرّحْمَتَيْنِ، وَالدّاعِي إلَى
الْحَيَاتَيْنِ الْمَوْعُودِ بِهِمَا عَلَى يَدَيْهِ فِي الدّارَيْنِ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةً تَصْعَدُ وَلَا تَنْفَدُ،
وَتَتّصِلُ وَلَا تَنْفَصِلُ، وَتُقِيمُ، وَلَا تَرِيمُ، إنّهُ مُنْعِمٌ
كَرِيمٌ.
أَسْمَاءُ زَمْزَمَ:
فَصْلٌ: فَأُرِيَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ فِي مَنَامِهِ: أَنْ احْفِرْ طِيبَةَ،
فَسُمّيَتْ طِيبَةَ، لِأَنّهَا لِلطّيّبِينَ وَالطّيّبَاتِ مِنْ وَلَدِ
إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ- عَلَيْهِمَا السّلَامُ- وَقِيلَ لَهُ:
احْتَفِرْ بَرّةَ، وَهُوَ اسْمٌ صَادِقٌ عَلَيْهَا أَيْضًا، لِأَنّهَا
فَاضَتْ لِلْأَبْرَارِ، وَغَاضَتْ عَنْ الْفُجّارِ، وَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ
الْمَضْنُونَةَ. قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبّهٍ: سُمّيَتْ زَمْزَمُ:
الْمَضْنُونَةَ لِأَنّهَا ضُنّ بِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا
يَتَضَلّعُ مِنْهَا مُنَافِقٌ، وَرَوَى الدّارَقُطْنِيّ مَا يُقَوّي ذَلِكَ
مُسْنَدًا عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ شَرِبَ
مِنْ زَمْزَمَ فَلْيَتَضَلّعْ، فَإِنّهُ فَرْقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ
المنافقين، لا يستطيعون أن يتضلّعو «2» منها،
__________
- الله ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغنى ونحن الفقراء،
أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين»
(1) أساطير مرددة لا تعرفها السيرة العطرة للنبى صلّى الله عليه وسلم
وصاحبه عمر رضى الله عنه.
(2) تضلّع: امتلأ شبعا وريا، والتضلع أيضا: الامتلاء حتى تمتد أضلاعه على
أن مثل هذه الأحاديث لم يروها أصحاب الصحيح. وقد روى هذا الحديث: الدارقطنى
وابن ماجة.
(2/112)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَوْ كَمَا قَالَ. وَفِي تَسْمِيَتِهَا بِالْمَضْنُونَةِ رِوَايَةٌ
أُخْرَى، رَوَاهَا الزّبَيْرُ: أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ قِيلَ لَهُ:
احْفِرْ الْمَضْنُونَةَ ضَنِنْت بِهَا عَلَى النّاسِ إلّا عَلَيْك، أَوْ
كَمَا قَالَ.
الْعَلَامَاتُ الّتِي رَآهَا عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَتَأْوِيلُهَا:
وَدُلّ عَلَيْهَا بِعَلَامَاتِ ثَلَاثٍ: بِنُقْرَةِ الْغُرَابِ
الْأَعْصَمِ، وَأَنّهَا بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدّمِ، وَعِنْدَ قَرْيَةِ
النّمْلِ، وَيُرْوَى أَنّهُ لَمّا قَامَ لِيَحْفِرَهَا رَأَى مَا رُسِمَ
مِنْ قَرْيَةِ النّمْلِ وَنُقْرَةِ الْغُرَابِ، وَلَمْ يَرَ الْفَرْثَ
وَالدّمَ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ نَدّتْ بَقَرَةٌ بِجَازِرِهَا، فَلَمْ
يُدْرِكْهَا، حَتّى دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَنَحَرَهَا فِي
الْمَوْضِعِ الّذِي رُسِمَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَسَالَ هُنَاكَ
الْفَرْثُ وَالدّمُ، فَحَفَرَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ حَيْثُ رُسِمَ لَهُ.
وَلَمْ تُخَصّ هَذِهِ الْعَلَامَاتُ الثّلَاثُ «1» بِأَنْ تَكُونَ دَلِيلًا
عَلَيْهَا إلّا لِحِكْمَةِ إلَهِيّةٍ، وَفَائِدَةٍ مُشَاكِلَةٍ فِي عِلْمِ
التّعْبِيرِ، وَالتّوَسّمُ الصّادِقُ لِمَعْنَى زَمْزَمَ وَمَائِهَا. أَمَا
الْفَرْثُ وَالدّمُ، فَإِنّ مَاءَهَا طَعَامُ طُعْمٍ، وَشِفَاءُ سُقْمٍ «2»
، وَهِيَ لِمَا شُرِبَتْ له «3» ، وقد تقوّت «4»
__________
(1) كل هذا من رواية محمد بن إسحاق فحسب.
(2) يقول ابن الأثير فى النهاية: «أى يشبع الإنسان إذا شرب ماءها، كما يشبع
من الطعام، وقد ورد فى صحيح مسلم فى حديث إسلام أبى ذر أن رسول الله قال فى
زمزم: «إنها لطعام طعم وشفاء سقم» ونسب هذا فى بعض الأحاديث إلى وهب بن
منبه وكعب الأحبار.
(3) روى الإمام احمد: «ماء زمزم لما شرب منه» ورواه ابن ماجة من حديث عبد
الله بن المؤمل، وقد تكلموا فيه. ولفظه: «ماء زمزم لما شرب له» ورواه سويد
بن سعيد ولكن سويدا ضعيف. ورواه الحاكم مرفوعا عن ابن عباس، وفيه نظر. هذا
وقد وردت تسمية زمزم ببرة، والمضنونة فى حديث عن كعب الأحبار، وحسبك به!!
(4) حديث تقوّت أبى ذر بماء زمزم فى البخارى ومسلم.
(2/113)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من مائها أبوذر- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثَلَاثِينَ بَيْنَ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ، فَسَمِنَ حَتّى تَكَسّرَتْ عُكَنُهُ، [وَمَا وُجِدَ عَلَى
كَبِدِهِ سَخْفَةُ «1» جُوعٍ] فَهِيَ إذًا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ-
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- في اللّبَنِ: إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ اللّبَنَ،
فَلْيَقُلْ: اللهُمّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنّهُ
لَيْسَ شَيْءٌ يَسُدّ مَسَدّ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلّا اللّبَنُ، وَقَدْ
قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي اللّبَنِ: (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا
خَالِصًا سَائِغًا لِلشّارِبِينَ) النّحْلَ: 66. فَظَهَرَتْ هَذِهِ
السّقْيَا الْمُبَارَكَةُ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدّمِ، وَكَانَتْ تِلْكَ
مِنْ دَلَائِلِهَا الْمُشَاكِلَةِ لِمَعْنَاهَا.
وَأَمّا قَوْلُهُ: الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ، قَالَ الْقُتَبِيّ: الْأَعْصَمُ
مِنْ الْغِرْبَانِ الّذِي فِي جَنَاحَيْهِ بَيَاضٌ، وَحَمَلَ عَلَى أَبِي
عُبَيْدٍ لِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ: الْأَعْصَمُ الّذِي فِي
يَدَيْهِ بَيَاضٌ، وَقَالَ: كَيْفَ يَكُونُ لِلْغُرَابِ يَدَانِ؟.
وَإِنّمَا أَرَادَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّ هَذَا الْوَصْفَ لِذَوَاتِ
الْأَرْبَعِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: إنّ هَذَا الْوَصْفَ فِي الْغِرْبَانِ
عَزِيزٌ، وَكَأَنّهُ ذَهَبَ إلَى الّذِي أَرَادَ ابْنُ قُتَيْبَةَ مِنْ
بَيَاضِ الْجَنَاحَيْنِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ:
إنّهُ فِي الْغِرْبَانِ مُحَالٌ لَا يُتَصَوّرُ. وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ
أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا يُغْنِي عَنْ قَوْلَيْهِمَا، وَفِيهِ
الشّفَاءُ: أَنّهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْأَةُ
الصّالِحَةُ فِي النّسَاءِ كَالْغُرَابِ الْأَعْصَمِ قِيلَ: يَا رَسُولَ
اللهِ، وَمَا الْغُرَابُ الْأَعْصَمُ؟ قَالَ: الّذِي إحدى رجليه بيضاء «2»
.
__________
(1) جمع عكنة: الطى الذى فى البطن من السمن، ويجمع على أعكان أيضا والسخفة:
الهزال.
(2) وعن الأزهرى فى اللسان: أنه الأحمر الرجلين لقلته فى الغربان، لأن أكثر
الغربان: السود البقع. هذا والعرب تجعل البياض حمرة، فيقال للمرأة البيضاء:
الحمراء
(2/114)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَالْغُرَابُ فِي التّأْوِيلِ: فَاسِقٌ، وَهُوَ أَسْوَدُ، فَدَلّتْ
نُقْرَتُهُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ عَلَى نُقْرَةِ الْأَسْوَدِ الْحَبَشِيّ
بِمِعْوَلِهِ فِي أَسَاسِ الْكَعْبَةِ يَهْدِمُهَا فِي آخِرِ الزّمَانِ،
فَكَانَ نَقْرُ الْغُرَابِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ يُؤْذِنُ بِمَا
يَفْعَلُهُ الْفَاسِقُ الْأَسْوَدُ فِي آخِرِ الزّمَانِ بِقِبْلَةِ
الرّحْمَنِ، وَسُقْيَا أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا يُرْفَعُ
الْقُرْآنُ، وَتُحْيَا عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ، وَفِي الصحيح عن رسول-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيُخَرّبَنّ الْكَعْبَةَ ذُو
السّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ «1» » وَفِي الصّحِيحِ أَيْضًا مِنْ
صِفَتِهِ: أَنّهُ [أَسْوَدُ] أَفْحَجُ، [يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا]
وَهَذَا أَيْضًا يَنْظُرُ إلَى كَوْنِ الْغُرَابِ أَعْصَمَ؛ إذْ الْفَحَجُ:
تَبَاعُدٌ فِي الرّجْلَيْنِ، كَمَا أَنّ الْعَصَمَ اخْتِلَافٌ فِيهِمَا،
وَالِاخْتِلَافُ: تَبَاعُدٌ وَقَدْ عُرِفَ بِذِي السّوَيْقَتَيْنِ، كَمَا
نُعِتَ الْغُرَابُ بِصِفَةِ فِي سَاقَيْهِ، فَتَأَمّلْهُ، وَهَذَا مِنْ
خَفِيّ عِلْمِ التّأْوِيلِ، لِأَنّهَا كَانَتْ رُؤْيَا، وَإِنْ شِئْت:
كَانَ مِنْ بَابِ الزّجْرِ وَالتّوَسّمِ الصّادِقِ «2» وَالِاعْتِبَارِ
وَالتّفْكِيرِ فِي مَعَالِمِ حِكْمَةِ- اللهِ تَعَالَى- فَهَذَا سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيّبِ، وَهُوَ مَنْ هُوَ عِلْمًا وَوَرَعًا حِينَ حُدّثَ
بِحَدِيثِ الْبِئْرِ فِي الْبُسْتَانِ، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَعَدَ عَلَى قفّها «3» ، ودلىّ رجليه فيها،
ثم جاء أبوبكر رضي الله عنه- ففعل مثل ذلك، ثم جَاءَ عُمَرُ- رَضِيَ الله
عَنْهُ- فَفَعَلَ مِثْلَ
__________
(1) الحديث متفق عليه، وفى أبى داود بسند ضعيف: «اتركوا الحبشة ما تركوكم،
فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة» ، والسويقتان مثنى
سويقة: تصغير لساق، وهى مؤنثة. وقد صغر الساق، لأن الغالب على سوق الحبشة
الدقة والحموشة، وقد أبعد السهيلى وأغرب فى تأويلاته.
(2) الزجر: أصله هو التيمن والتشؤم بالطير، والتفؤل بطيرانها كالسانح
والبارح، وهو نوع من الكهانة والعيافة. والتوسّم، أو الفطنة، أو الزكانة:
الاعتبار
(3) قف البئر: هو الدكة التى تجعل حولها.
(2/115)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَلِكَ، ثُمّ جَاءَ عُثْمَانُ، فَانْتَبَذَ مِنْهُمْ نَاحِيَةً؛ وَقَعَدَ
حَجْرَةً «1» . قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ: فَأَوّلْت ذَلِكَ
قُبُورَهُمْ، اجْتَمَعَتْ قُبُورُ الثّلَاثَةِ، وَانْفَرَدَ قَبْرُ
عُثْمَانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَاَللهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (إِنَّ فِي
ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) الْحِجْرَ: 75. فَهَذَا مِنْ التّوَسّمِ
وَالْفِرَاسَةِ الصّادِقَةِ، وَإِعْمَالِ الْفِكْرِ فِي دَلَائِلِ
الْحِكْمَةِ، وَاسْتِنْبَاطِ الْفَوَائِدِ اللّطِيفَةِ مِنْ إشَارَاتِ
الشّرِيعَةِ. وَأَمّا قَرْيَةُ النّمْلِ، فَفِيهَا مِنْ الْمُشَاكَلَةِ
أَيْضًا، وَالْمُنَاسَبَةِ: أَنّ زَمْزَمَ هِيَ عَيْنُ مَكّةَ الّتِي
يَرِدُهَا الْحَجِيجُ وَالْعُمّارُ مِنْ كُلّ جَانِبٍ، فَيَحْمِلُونَ
إلَيْهَا الْبُرّ وَالشّعِيرَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ وَهِيَ لَا تَحْرُثُ وَلَا
تَزْرَعُ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ خَبَرًا عَنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السّلَامُ: (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي
زَرْعٍ) . إلَى قَوْلِهِ: (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ [لَعَلَّهُمْ
يَشْكُرُونَ] إبْرَاهِيمَ: 37) وَقَرْيَةُ النّمْلِ لَا تَحْرُثُ وَلَا
تَبْذُرُ، وَتَجْلِبُ الْحُبُوبَ إلَى قَرْيَتِهَا مِنْ كُلّ جَانِبٍ،
وَفِي مَكّةَ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً
كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ
مَكانٍ) النّحْلَ: 112. مَعَ أَنّ لَفْظَ قَرْيَةِ النّمْلِ مَأْخُوذٌ مِنْ
قَرَيْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ: إذَا جَمَعْته، وَالرّؤْيَا تُعَبّرُ
عَلَى اللّفْظِ تَارَةً، وَعَلَى الْمَعْنَى أُخْرَى، فَقَدْ اجْتَمَعَ
اللّفْظُ وَالْمَعْنَى فِي هَذَا التّأْوِيلِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ.
مِنْ صِفَاتِ زَمْزَمَ:
وَقَدْ قِيلَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي صِفَةِ زَمْزَمَ: لَا تَنْزِفُ
أَبَدًا، وَلَا تذمّ «2» ،
__________
(1) قعد حجرة: أى ناحية.
(2) نزفت- بفتح النون والزاى- ماء البئر نزفا: إذا نزحته كله، ونزفت هى-
(2/116)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهَذَا بُرْهَانٌ عَظِيمٌ، لِأَنّهَا لَمْ تَنْزِفْ مِنْ ذَلِكَ الْحِينِ
إلَى الْيَوْمِ قَطّ، وَقَدْ وَقَعَ فِيهَا حَبَشِيّ فَنُزِحَتْ مِنْ
أَجْلِهِ، فَوَجَدُوا مَاءَهَا يَثُورُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَعْيُنٍ،
أَقْوَاهَا وَأَكْثَرُهَا مَاءً: مِنْ نَاحِيَةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ،
وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الدّارَقُطْنِيّ.
وَقَوْلُهُ: وَلَا تُذَمّ، فِيهِ نَظَرٌ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى مَا يَبْدُو
مِنْ ظَاهِرِ اللّفْظِ مِنْ أَنّهَا لَا يَذُمّهَا أَحَدٌ، وَلَوْ كَانَ
مِنْ الذّمّ لَكَانَ مَاؤُهَا أَعْذَبَ الْمِيَاهِ، وَلَتَضَلّعَ مِنْهُ
كُلّ مَنْ يَشْرَبُهُ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي الْحَدِيثِ أَنّهُ لَا
يَتَضَلّعُ مِنْهَا مُنَافِقٌ، فَمَاؤُهَا إذًا مَذْمُومٌ عِنْدَهُمْ،
وَقَدْ كَانَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقَسْرِيّ أَمِيرَ الْعِرَاقِ
يَذُمّهَا، وَيُسَمّيهَا: أُمّ جِعْلَانَ «1» ، وَاحْتَفَرَ بِئْرًا
خَارِجَ مَكّةَ بِاسْمِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَجَعَلَ
يُفَضّلُهَا عَلَى زَمْزَمَ، وَيَحْمِلُ النّاسَ عَلَى التّبَرّكِ بِهَا
دُونَ زَمْزَمَ جُرْأَةً مِنْهُ عَلَى اللهِ- عَزّ وَجَلّ- وَقِلّةَ
حِيَاءٍ مِنْهُ، وَهُوَ الّذِي يُعْلِنُ وَيُفْصِحُ بِلَعْنِ عَلِيّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- عَلَى الْمِنْبَرِ، وَإِنّمَا
ذَكَرْنَا هَذَا، أَنّهَا قَدْ ذُمّتْ، فَقَوْلُهُ إذًا: لَا تُذَمّ مِنْ
قَوْلِ الْعَرَبِ: بِئْرٌ ذَمّةٌ أَيْ: قَلِيلَةُ الْمَاءِ، فَهُوَ مِنْ
أَذْمَمْتَ الْبِئْرَ إذَا وَجَدْتهَا ذَمّةً: كَمَا تَقُولُ: أَجْبَنْت
الرّجُلَ: إذَا وَجَدْته جَبَانًا، وأكذبته إذا
__________
- يتعدى ولا يتعدى، ونزفت على ما لم يسم فاعله، وعن ابن سيدة: نزف البئر
ينزفها وأنزفها بمعنى واحد، كلاهما نزحها: وأنزفت هى نزحت، وذهب ماؤها.
(1) جعل الماء بفتح فكسر جعلا، أى: كثر فيه الجعلان: جمع جعل وهو دابة
سوداء من دواب الأرض قيل: هو أبو جعران. ولعلها فرية، فما كان المسلمون فى
مثل هذا الهوان، الذى يرغمهم على الرضا بهذا الذى نسب إلى خالد.
(2/117)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَجَدْته كَاذِبًا «1» ، وَفِي التّنْزِيلِ: «فَإِنّهُمْ لَا
يُكَذّبُونَكَ» «2» [وَلَكِنّ الظّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ]
الْأَنْعَامَ. 33 وَقَدْ فَسّرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ
قَوْلَهُ حَتّى مَرَرْنَا بِبِئْرِ ذَمّةٍ: وَأَنْشَدَ.
مُخَيّسَةً خُزْرًا كَأَنّ عُيُونَهَا ... ذِمَامُ الرّكَايَا
أَنْكَزَتْهَا الْمَوَاتِحُ «3»
فَهَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مَعْنَى قَوْلِهِ. وَلَا تذمّ؛ لأنه
نفى مطلق، وخبر صادق
__________
(1) يقول ابن جرير الطبرى: «أكذبت الرجل إذا أخبرت أنه جاء بالكذب وكذبته-
بتضعيف الذال- إذا أخبرت أنه كاذب» .
(2) الذى فى المصحف هو ما أثبتناه، ولكن السهيلى يعنى القراءة الثانية، وهى
مشهورة أيضا، وهى: «لا يكذبونك» بضم الياء وسكون الكاف وتخفيف الذال، وهى
قراءة نافع والكسائى من: أكذب، أما قراءة المصحف: فمن كذبه بتضعيف الذال.
(3) البيت لذى الرّمّة- بضم الراء أو كسرها وتشديد الميم المفتوحه- يصف
إبلا غارت عيونها من الكلال. وروايته فى اللسان: «على حميريات» بدلا من
«مخيّسة خزرا» والإبل المخيسة هى التى لم تسرح، ولكنها حبست للنحر أو
القسم، والخزر: هو كسر العين بصرها خلقة أو ضيقها وصغرها، أو النظر كأنه فى
أحد الشقين، أو أن يفتح عينيه ويغمضهما، وحول فى إحدى العينين. وركايا جمع
ركية- بفتح الراء وكسر الكاف، وتضعيف الياء المفتوحة- البئر- كما فى
القاموس، ومواتح: المتح- بفتح الميم وسكون التاء- جذبك رشاء «حبل» الدلو
تمد بيد، وتأخذ بيد على رأس البئر. ومواتح: جمع ماتح وهو المستقى. والمائح
الذى يملأ الدلو من أسفل البئر. أنكزتها: أقلت ماءها، والذمة: البئر
القليلة الماء. يقول عن الإبل. إن أعينها غارت من التعب، فكأنها آبار قليلة
الماء. وفى الروض: أنكرتها، ورواها اللسان فى مادة ذمم «أنكزتها» وفسرها
بما نقلته عنه، ولكنه فى مادة فتح ذكرها: أنكرتها.
(2/118)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاَللهُ أَعْلَمُ- وَحَدِيثُ الْبِئْرِ الذّمّةِ الّتِي ذَكَرَهَا أبو
عبيد، حدثنا به أبوبكر بْنُ الْعَرَبِيّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْقَاضِي أَبُو الْمُطَهّرِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي
الرّجَاءِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خلّاد قال: حدثنا
الحرث بْنُ أَبِي أُسَامَةَ. قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو النّضْرِ، قَالَ:
حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ:
كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيرٍ
فَأَتَيْنَا عَلَى رَكِيّ ذَمّةٍ «1» يَعْنِي: قَلِيلَةَ الْمَاءِ قَالَ:
فَنَزَلَ فِيهَا سِتّةٌ- أَنَا سَادِسُهُمْ- مَاحَةٌ «2» ، فَأُدْلِيَتْ
إلَيْنَا دَلْوٌ، قَالَ: وَرَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى الرّكِيّ، فَجَعَلْنَا فِيهَا نِصْفَهَا، أَوْ قَرِيبَ
ثُلُثَيْهَا، فَرُفِعَتْ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: فَجِئْت بِإِنَائِي. هَلْ أَجِدُ شَيْئًا أَجْعَلُهُ فِي
حَلْقِي، فَمَا وَجَدْت، فَرُفِعَتْ الدّلْوُ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، فَقَالَ مَا شَاءَ
اللهُ أَنْ يَقُولَ- قَالَ: فَأُعِيدَتْ إلَيْنَا الدّلْوُ بِمَا فِيهَا،
قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْت أَحَدَنَا أُخْرِجَ بِثَوْبِ خَشْيَةَ الْغَرَقِ.
قَالَ: ثُمّ ساحت، يعنى: جرت نهرا «3» .
__________
(1) ركىّ- بفتح الراء وكسر الكاف، وتضعيف الياء- جنس للركية وهى البئر.
(2) الميح- بفتح الميم وسكون الياء- أن تدخل البئر فتملأ الدلو، وذلك إذا
قل ماؤها، ورجل مائح، وقوم ماحة بفتح الحاء.
(3) أصل الحديث فى الصحيح باختصار كثير فى إحدى الغزوات. وهذا الذى فى
الروض رواه أحمد والطبرانى. ويقول الحافظ فى الفتح: قال القرطبى: قصة نبع
الماء من بين أصابعه «ص» أثر عنه فى عدة مواطن فى مشاهد عظيمة، ووردت من
طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعى المستفاد من التواتر المعنوى. قلت:
أخذ كلام عياض أو تصرف فيه. قال: ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا،
وحديث نبع الماء جاء من رواية أنس عند الشيخين-
(2/119)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اشتقاق مغازة:
وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي مَسِيرِهِ مَعَ قُرَيْشٍ إلَى
الْكَاهِنَةِ، وَذَكَرَ الْمَفَاوِزَ الّتِي عَطِشُوا فِيهَا.
الْمَفَاوِزُ: جَمْعُ مَفَازَةٍ، وَفِي اشْتِقَاقِ اسْمِهَا ثَلَاثَةُ
أَقْوَالٍ. رُوِيَ عَنْ الْأَصْمَعِيّ أَنّهَا سُمّيَتْ مَفَازَةً عَلَى
جِهَةِ التّفَاؤُلِ لِرَاكِبِهَا بِالْفَوْزِ وَالنّجَاةِ، وَيُذْكَرُ عَنْ
ابْنِ الْأَعْرَابِيّ أَنّهُ قَالَ: سَأَلْت أَبَا الْمَكَارِمِ: لِمَ
سُمّيَتْ الْفَلَاةُ مَفَازَةً؟
فَقَالَ: لِأَنّ رَاكِبَهَا إذَا قَطَعَهَا وَجَاوَزَهَا فَازَ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهَا: مَهْلَكَةٌ لِأَنّهُ يُقَالُ: فَازَ الرّجُلُ،
وَفَوّزَ وَفَادَ وَفَطَسَ: إذَا هَلَكَ. وَذُكِرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ
عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- ثُمّ اُدْعُ
بِالْمَاءِ الرّوِيّ غَيْرِ الْكَدَرِ يُقَالُ: مَاءٌ رِوَى بِالْكَسْرِ
وَالْقَصْرِ، وَرَوَاءٌ بالفتح والمد «1» وفيه:
__________
- وأحمد وغيرهم من خمسة طرق، وعن جابر بن عبد الله من أربعة طرق، وعن ابن
مسعود عند البخارى والترمذى، وعن ابن عباس عند أحمد والطبرانى من
طريقين.... وأما تكثير الماء بأن يلمه بيده، أو يتفل فيه، أو يأمر بوضع شىء
فيه كسهم من كنانته. فجاء فى حديث عمران بن حصين فى الصحيحين، وعن البراء
بن عازب عند البخارى وأحمد من طريقين، وعن أبى قتادة عند مسلم، وعن أنس عند
البيهقى فى الدلائل.. وأما من رواها من أهل القرن الثانى فهم أكثر عددا،
وإن كان شطر طرقه إفرادا» انتهى ما فى الفتح ص 456 ج 6 وانظر مجمع الزوائد
للهيتمى. وأقول: كل ما يحدث هو بأمر الله سبحانه، ولا يستطيع مسلم أن ينكر
أن الله سبحانه فجر الماء لموسى من الحجر، وقال لعيسى عن المائدة: «إنى
منزلها عليكم» والله الذى من بذلك قادر على أن يمن بهذا. وموقفنا الإذعان،
والإيمان بأنه من قدرة الله وإذنه، لا من قدرة نبى أو ولى، ولا بإذنه ولا
بأمره.
(1) روى كغنى، وروى مثل: إلى، ورواء مثل سماء: كثير مرو.
(2/120)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْجَمْعُ وَاسْمُ الْجَمْعِ:
يُسْقَى حَجِيجُ اللهِ فِي كُلّ مَبَرْ. الْحَجِيجُ: جَمْعُ حَاجّ. وَفِي
الْجُمُوعِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ كَثِيرٌ كَالْعَبِيدِ وَالْبَقِيرِ
وَالْمَعِيزِ وَالْأَبِيلِ!! وَأَحْسَبُهُ اسْمًا لِلْجَمْعِ؛ لِأَنّهُ
لَوْ كَانَ جمعاله وَاحِدٌ مِنْ لَفْظِهِ، لَجَرَى عَلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ
كَسَائِرِ الْجُمُوعِ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ وَاحِدُهُ فَحَجِيجٌ وَاحِدُهُ:
حَاجّ، وَعَبِيدٌ وَاحِدُهُ: عَبْدٌ، وَبَقِيرٌ «1» وَاحِدُهُ: بَقَرَةٌ
[وَمَعِيزٌ: وَاحِدُهُ: مَاعِزٌ] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَجَائِزٌ أَنْ
يُقَالَ: إنّهُ اسْمٌ لِلْجَمْعِ غَيْرَ أَنّهُ مَوْضُوعٌ لِلْكَثْرَةِ؛
وَلِذَلِكَ لَا يُصَغّرُ عَلَى لَفْظِهِ، كَمَا تُصَغّرُ أَسْمَاءُ
الْجُمُوعِ، فَلَا يُقَالُ فِي العبيد: عبيّد، ولا فى النخيل:
__________
(1) فى اللسان: البقير اسم للجمع، أما الأبيل بفتح الهمزة وكسر الباء-
فالحزمة من الحشيش والحطب، والإبيل بكسر الهمزة وتضعيف الباء مع كسرها:
القطعة من الطير والخيل. وقيل هى مفرد أبابيل، وربما كانت إبلا، وهى تقع
على الجمع، وليست بجمع والاسم جمع «قاموس» ويقول الجوهرى إن أسماء الجموع
التى لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الادميين، فالتأنيث لازم لها،
فإذا صغرتها دخلتها التاء، فقلت عن إبل: أبيلة، وعن غنم: غنيمة، وقد فرق
شارح الكافية لابن الحاجب بين الجمع واسم الجمع بفروق تتلخص فى ثلاثة أوجه،
الأول: أن الجمع على صيغة خاصة من صيغ معدودة معروفة، وهذه الصيغة تغاير
صيغة المفرد، إما ظاهرا، وإما تقديرا. فالمغايرة الظاهرة إما بالحركات
كأسد، وأسد ونمر ونمر، وإما بالحروف كرجال: جمع رجل وكتب جمع كتاب،
والمغايرة المقدرة كهجان وفلك، ومن المغايرة الظاهرة: الجمع السالم مذكرا
أو مؤنثا. والثانى: أن للجمع واحدا من لفظه، وليس لاسم الجمع واحد من لفظه،
بل له واحد من معناه، فواحد الإبل: بعير أو ناقة، وواحد الغنم: شاة.
والثالث: أن الجمع يرد إلى واحده فى النسب مطلقا، وفى التصغير إن كان جمع
كثرة. وأما اسم الجمع، فلا يرد، لأنه إما ألا يكون له واحد حتى يرد إليه،
وإما أن يكون له واحد، لكن لا يصح الرد إليه لأن اسم الجمع لم يكن على صيغة
من صيغ الجمع فهو كالمفرد فى اللفظ. انظر ص 193 ج 2 شرح الشافية للرضى
والتلخيص المذكور للأساتذة المحققين للشافية.
(2/121)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نُخَيّلٌ، بَلْ يُرَدّ إلَى وَاحِدِهِ، كَمَا تُرَدّ الْجُمُوعُ فِي
التّصْغِيرِ، فَيُقَالُ: نُخَيْلَاتٌ وَعُبَيْدُونَ، وَإِذَا قُلْت:
نَخِيلٌ أَوْ عَبِيدٌ، فَهُوَ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ الصّغِيرَ وَالْكَبِيرَ
مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، قَالَ اللهُ سبحانه: (وزرع ونخيل) وَقَالَ: (وَما
رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فُصّلَتْ: 46 وَحِينَ ذَكَرَ
الْمُخَاطَبِينَ مِنْهُمْ قَالَ: الْعِبَادُ، وَكَذَلِكَ قَالَ حِينَ
ذَكَرَ الثّمَرَ مِنْ النّخِيلِ:
(وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) ق: 10 وَقَالَ: (أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)
الْقَمَرَ: 20 فَتَأَمّلْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَمْعَيْنِ فِي حُكْمِ
الْبَلَاغَةِ وَاخْتِيَارِ الْكَلَامِ، وَأَمّا فِي مَذْهَبِ أَهْلِ
اللّغَةِ، فَلَمْ يُفَرّقُوا هَذَا التّفْرِيقَ، وَلَا نَبّهُوا عَلَى
هَذَا الْغَرَضِ الدّقِيقِ.
شُرُوحٌ:
وَقَوْلُهُ: فِي كُلّ مَبَرّ: هُوَ مَفْعَلٌ مِنْ الْبِرّ، يُرِيدُ: فِي
مَنَاسِكِ الْحَجّ وَمَوَاضِعِ الطّاعَةِ وَقَوْلُهُ: مِثْلُ نَعَامٍ
جَافِلٍ لَمْ يُقْسَمْ. الْجَافِلُ: مِنْ جَفَلَتْ الْغَنَمُ: إذَا
انْقَلَعَتْ بِجُمْلَتِهَا، وَلَمْ يُقْسَمْ أَيْ: لَمْ يَتَوَزّعْ، وَلَمْ
يَتَفَرّقْ.
وَقَوْلُهُ: لَيْسَ يُخَافُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا عَمَرْ. أَيْ: مَا عَمَرَ
هَذَا الْمَاءُ، فَإِنّهُ لَا يُؤْذِي، وَلَا يُخَافُ مِنْهُ مَا يخاف من
المياء إذَا أُفْرِطَ فِي شُرْبِهَا، بَلْ هُوَ بَرَكَةٌ عَلَى كُلّ حَالٍ،
وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: لَا تَنْزِفُ، وَلَا تُذَمّ
عَاقِبَةُ شربها، وهذا تأويل سائغ أيضا إلى مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ
التّأْوِيلِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فِي صِفَتِهَا.
وَقَوْلُهُ: وَضَرَبَ [فِي الْبَابِ] الْغَزَالَيْنِ «1» حِلْيَةَ
الْكَعْبَةِ، وَهُوَ أَوّلُ ذَهَبٍ حُلّيَتْ بِهِ الْكَعْبَةُ، وَقَدْ
قَدّمْنَا ذِكْرَ الْغَزَالَيْنِ، وَمَنْ أَهْدَاهُمَا إلَى الْكَعْبَةِ،
وَمَنْ دَفَنَهُمَا مِنْ جُرْهُمٍ، وَتَقَدّمَ أَنّ أَوّلَ مَنْ كَسَا
الْكَعْبَةَ: تُبّعٌ، وَأَنّهُ أَوّلُ من اتخذلها غلقا إلى أن
__________
(1) ما بين قوسين زيادة من السيرة
(2/122)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ضَرَبَ لَهَا عَبْدُ الْمُطّلِبِ بَابَ حَدِيدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَسْيَافِ،
وَاِتّخَذَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ حَوْضًا لِزَمْزَمَ يُسْقَى مِنْهُ، فَكَانَ
يُخَرّبُ لَهُ بِاللّيْلِ حَسَدًا لَهُ، فَلَمّا غَمّهُ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ
فِي النّوْمِ: قُلْ: لَا أُحِلّهَا لِمُغْتَسِلِ، وَهِيَ لِشَارِبِ حلّ
وبلّ «1» وقد كفيتهم، فَلَمّا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ، فَكَانَ بَعْدُ مَنْ
أَرَادَهَا بِمَكْرُوهِ رُمِيَ بِدَاءِ فِي جَسَدِهِ، حَتّى انْتَهَوْا
عَنْهُ. ذَكَرَهُ الزّهْرِيّ فِي سِيَرِهِ.
بِئَارُ قُرَيْشٍ بِمَكّةَ:
وَقَوْلُهُ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَبْلَ حَفْرِ زَمْزَمَ قَدْ اتّخَذَتْ
بِئَارًا بِمَكّةَ. ذَكَرُوا أَنّ قُصَيّا كَانَ يَسْقِي الْحَجِيجَ فِي
حِيَاضٍ مِنْ أَدَمٍ، وَكَانَ يَنْقُلُ الْمَاءَ إلَيْهَا مِنْ آبَارٍ
خَارِجَةٍ مِنْ مَكّةَ مِنْهَا: بِئْرُ مَيْمُونَ الْحَضْرَمِيّ، وَكَانَ
يَنْبِذُ لَهُمْ الزّبِيبَ، ثُمّ احْتَفَرَ قُصَيّ العجول فى دار أمّ هانىء
بنت أبى طالب، وهى أول سقاية
__________
(1) بل: شفاء، وقيل: بل: مباح بلغة حمير، وقد روى يونس بن بكير عن ابن
إسحاق شعرا قاله عبد المطلب حينئذ وهو:
اللهم أنت الملك المحمود ... ربى أنت المبدى المعيد
وممسك الراسية الجلمود ... من عندك الطارف والتليد
إن شئت ألهمت كما تريد ... لموضع الحلية والحديد
فبين اليوم لما تريد ... إنى نذرت العاهد المعهود
اجعله رب لى فلا أعود
انظر ص 246 ج 2 البداية. هذا وفى السيرة عند قوله: «ثم أعطوا صاحب القداح»
زدت كلمة «القداح» بعد جملة «أعطوا» من البداية ص 246 ج 2، وقد جعل عبد
المطلب لزمزم حوضين. أحدهما: للشرب، والاخر: للوضوء، وقال: لا أحلها
لمغتسل؛ لينزه المسجد عن أن يغتسل فيه ج 2 ص 247 بداية.
(2/123)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اُحْتُفِرَتْ «1» بِمَكّةَ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ إذَا اسْتَقَوْا مِنْهَا
ارْتَجَزُوا، فَقَالُوا:
نُرْوَى عَلَى الْعَجُولِ، ثُمّ نَنْطَلِقْ ... إنّ قُصَيّا قَدْ وَفّى
وَقَدْ صَدَقْ
[بِشِبَعِ الْحَجّ وَرِيّ مُغْتَبِقْ] «2»
فَلَمْ تَزَلْ الْعَجُولُ قَائِمَةً حَيَاةَ قُصَيّ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ،
حَتّى كَبِرَ عَبْدُ مناف ابن قُصَيّ، فَسَقَطَ فِيهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي
جُعَيْلٍ، فَعَطّلُوا الْعَجُولَ، وَانْدَفَنَتْ، وَاحْتَفَرَتْ كُلّ
قَبِيلَةٍ بِئْرًا، وَاحْتَفَرَ قُصَيّ سَجْلَةَ، وَقَالَ حِينَ حَفَرَهَا:
أَنَا قُصَيّ، وَحَفَرْت سَجْلَهْ ... تُرْوِي الْحَجِيجَ زُغْلَةً
فَزُغْلَهْ «3»
وَقِيلَ: بَلْ حَفَرَهَا هَاشِمٌ، وَوَهَبَهَا أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ
لِعَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ، وَفِي ذَلِكَ تَقُولُ خَالِدَةُ بِنْتُ هَاشِمٍ:
نَحْنُ وَهَبْنَا لِعَدِيّ سَجْلَهْ ... تُرْوِي الْحَجِيجَ زُغْلَةً
فَزُغْلَهْ
وَأَمّا أُمّ أَحْرَادٍ الّتِي ذَكَرَهَا، فَأَحْرَادٌ: جَمْعُ: حِرْدٍ،
وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ السّنَامِ، فَكَأَنّهَا سُمّيَتْ بِهَذَا، لِأَنّهَا
تُنْبِتُ الشّحْمَ، أَوْ تُسَمّنُ الْإِبِلَ، أَوْ نَحْوَ هَذَا
وَالْحِرْدُ: الْقَطَا «4» الْوَارِدَةُ لِلْمَاءِ، فَكَأَنّهَا تَرِدُهَا
الْقَطَا والطير، فيكون
__________
(1) وفى المراصد: أن العجول أول بئر حفرت بمكة، وقيل: حفرها عبد شمس قبل
خم، وقيل إن أصلها كانت ركية فى دار أم هانىء، ثم وسعها قصى، أو سماها كذلك
(2) الزيادة من معجم البكرى. ومغتبق: أصل الغبوق- كصبور- ما يشرب بالعشى.
وغبقه: سقاه ذلك، فاغتبق هو، والمغتبق- بضم الميم وكسر الباء- من يفعل ذلك
(3) الزغلة: الجرعة.
(4) قطا حرد: سراع. وقال الأزهرى عن هذا: إنه خطأ. وذكر أن القطا-
(2/124)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَحْرَادٌ جَمْعَ: حُرْدٍ بِالضّمّ عَلَى هَذَا. وَقَالَتْ أُمَيّةُ بِنْتُ
عُمَيْلَةَ بْنِ السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ امْرَأَةُ الْعَوّامِ بْنِ
خُوَيْلِدٍ حِينَ حَفَرَتْ بَنُو عَبْدِ الدّارِ أُمّ أَحْرَادٍ:
نَحْنُ حَفَرْنَا الْبَحْرَ أُمّ أَحْرَادِ ... لَيْسَتْ كَبَذّرَ
الْبُرُورِ «1» الْجَمَادِ
فَأَجَابَتْهَا ضَرّتُهَا: صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أُمّ
الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
نَحْنُ حَفَرْنَا بَذّرْ «2» ... نَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَكْبَرْ
مِنْ مُقْبِلٍ وَمُدْبِرْ ... وَأُمّ أَحْرَادَ شَرْ «3»
وَأَمّا جُرَابٌ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى: جَرِيبٍ «4»
نَحْوُ: كُبَارٍ وَكَبِيرٍ،
__________
- الحرد هى القصار الأرجل، وهى موصوفة بذلك. وفى المراصد عن أم أحراد أنها
جمع حريد، وهو المنفرد عن محلة القوم.
(1) هكذا، وهى غير مناسبة للمعنى، فلعلها: البثور بضم الباء والثاء: جمع
بثر بفتح الباء وسكون الثاء، وفى اللسان: أنها الكرار- بكسر الكاف- جمع كر
المواضع الذى يجمع فيه الماء الاجن، ليصفو، ويقال للبخيل: جماد كقطام
ذماله.
(2) فى غير الروض: بثر بفتح فسكون، والبثر أرض حجارتها كحجارة الحرة إلا
أنها بيض، والماء البثر فى الغدير إذا ذهب، وبقى على وجه الأرض منه شىء
قليل
(3) البيت: «سقى الله أمواها» لكثير عزة كما فى اللسان، وكلها آبار بمكة،
وقال ابن برى: هذه كلها أسماء مياه؛ بدليل إبدالها من قوله أمواها، ودعا
بالسقيا للأمواه، وهو يريد أهلها النازلين بها.
(4) الجريب من الطعام والأرض: مقدار معلوم، والجريب: مكيال قدر أربعة
أقفزة، والجريب: قدر ما يزرع فيه من الأرض، قال ابن دريد: لا أحسبه عربيا،
والجمع: أجربة وجربان. وقيل: الجريب المزرعة، والجريبة: الوادى وجمعه
أجربة. ولم أجد فى اللسان جرابا لجريب. ولا فى القاموس.
(2/125)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْجَرِيبُ: الْوَادِي، وَالْجَرِيبُ أَيْضًا: مِكْيَالٌ كَبِيرٌ،
وَالْجَرِيبُ أَيْضًا: الْمَزْرَعَةُ.
وَأَمّا مَلْكُومٌ فَهُوَ عِنْدِي مَقْلُوبٌ، وَالْأَصْلُ: مَمْكُولٌ مِنْ:
مَكَلْت الْبِئْرَ: إذَا اسْتَخْرَجْت مَاءَهَا، وَالْمَكْلَةُ: مَاءُ «1»
الرّكِيّةِ، وَقَدْ قَالُوا: بِئْرٌ عَمِيقَةٌ، وَمَعِيقَةٌ، فَلَا
يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اللّفْظُ كَذَلِكَ يُقَالُ فِيهِ:
مَمْكُولٌ وَمَلْكُومٌ، وَالْمَلْكُومُ فِي اللّغَةِ: الْمَظْلُومُ إذَا
لَمْ يَكُنْ مَقْلُوبًا «2» .
وَأَمّا بَذّرُ فَمِنْ التّبْذِيرِ، وَهُوَ التّفْرِيقُ، وَلَعَلّ مَاءَهَا
كَانَ يَخْرُجُ مُتَفَرّقًا مِنْ غَيْرِ مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا
الْبِنَاءُ فِي الْأَسْمَاءِ قَلِيلٌ، نَحْو: شَلّمَ وَخَضّمَ وَبَذّرَ،
وَهِيَ أَسْمَاءُ أَعْلَامٍ، وَشَلّمُ: اسْمُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَمّا
فِي غَيْرِ الْأَعْلَامِ، فَلَا يُعْرَفُ إلّا الْبَقّمُ، وَلَعَلّ «3»
أَصْلَهُ أَنْ يكون أعجميا، فعرب.
__________
(1) وضع اللسان ملكوم فى مادة لكم، وفى المراصد: أنها اسم المفعول من لكمه،
وفيه أن المكلة بضم الميم وفتحها وسكون الكاف: جمة البئر. الجمة المكان
الذى يجتمع فيه ماء البئر. أو أول ما يستقى منها، وفى اللسان: المكلة بضم
الميم الشىء القليل من الماء يبقى فى البئر أو الإناء، فهو من الأضداد وبئر
ممكولة: نزح ماؤها.
(2) لم أجد لملكوم هذا المعنى لا فى القاموس، ولا فى اللسان، ولها معنى
الدفع والضرب باليد مجموعة.
(3) خضم: اسم عنبر بن تميم، وقال اللسان عن شلم: إنها عبرانية، وزاد من
الأعلام: عثر بفتح العين، وتضعيف الثاء مع فتح- اسم باليمن، أو واد من
أودية العقيق، أو مأسدة. وفى المراصد أن أهل اليمن ينطقون عثر بتخفيف الثاء
«بإسكانها» انظر المراصد، ومعجم ما استعجم وياقوت. وفى اللسان أيضا؛ كثم
بوزن عثر: اسم موضع. أما بقم فاسم شجر عظام أو خشبة. وبضم الميم مثل-
(2/126)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَمّا خُمّ وَهِيَ بِئْرُ مُرّةَ، فَهِيَ مِنْ خَمَمْت الْبَيْتَ إذَا
كَنَسْته، وَيُقَالُ:
فُلَانٌ مَخْمُومُ الْقَلْبِ أَيْ: نَقِيّهُ، فَكَأَنّهَا سُمّيَتْ
بِذَلِكَ لِنِقَائِهَا.
وأما غدير خمّ الّذِي عِنْدَ الْجُحْفَةِ، فَسُمّيَتْ بِغَيْضَةِ «1»
عِنْدَهُ، يُقَالُ لَهَا: خُمّ فِيمَا ذَكَرُوا. وَأَمّا رُمّ بِئْرُ بَنِي
كِلَابِ بْنِ مُرّةَ، فَمِنْ رَمَمْت الشّيْءَ إذَا جَمَعْته وَأَصْلَحْته،
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: كُنّا أَهْلَ ثُمّةٍ وَرُمّةٍ «2» ، وَمِنْهُ:
الرّمّانُ فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، لِأَنّهُ عِنْدَهُ فُعْلَانُ، وَأَمّا
الْأَخْفَشُ فَيَقُولُ فِيهِ: فُعّالٌ، فَيَجْعَلُ فِيهِ النّونَ
أَصْلِيّةً، وَيَقُولُ: إنْ سَمّيْت بِهِ رَجُلًا صَرَفْته. وَمِنْ قَوْلِ
عَبْدِ شمس بن قصىّ:
__________
- سكر شجر جوز، وزاد ابن مالك، شمر، اسم فرس، فصارت ستة أسماء، وقد نظم ابن
مالك أكثرها فيما يأتى:
وبذر وبقم وشمر ... وخضم وعثر لفعل
ص 63 ج 2 المزهر للسيوطى.
(1) الأجمة، وهى مغيض ماء يجتمع، فينبت فيه الشجر.
(2) هو فى حديث أم عبد المطلب حين أخذه عمه منها: كنا ذوى ثمة ورمة. يقال،
ما له ثم ولا رم، فالثم: قماش البيت: والرم: مرمة البيت أى: متاعه كأنها
أرادت: كنا القائمين بأمره منذ ولد إلى أن شب وقوى. وقيل: هو من قول أخوال
أحيحة بن الجلاح. قال أبو عبيد: المحدثون يروونه بالضم، والوجه عندى الفتح،
وهو إصلاح الشىء وإحكامه، وهو- أى الثم والرم- بمعنى الإصلاح. وقيل: هما
بالضم مصدران. والمعنى على قول أبى عبيدة: كنا أهل تربيته والمتولين لإصلاح
شأنه، وقد رواه الهروى فى حرف الراء من قول أم عبد المطلب، ورواه فى حرف
التاء من قول أخوال أحيحة، ورواه مالك فى الموطأ عن أحيحة.
(2/127)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَفَرْت رُمّا، وَحَفَرْت خُمّا ... حَتّى تَرَى الْمَجْدَ بِهَا قَدْ
تَمّا
وَأَمّا شُفَيّةُ بِئْرُ بَنِي أَسَدٍ، فَقَالَ فِيهَا الْحُوَيْرِثُ بْنُ
أَسَدٍ:
مَاءُ شُفَيّةَ «1» كَمَاءِ الْمُزْنِ ... وَلَيْسَ مَاؤُهَا بِطَرْقِ
أَجْنِ «2»
وأما سنبلة: بئر بنى جمج، وَهِيَ بِئْرُ بَنِي خَلَفِ بْنِ وَهْبٍ- فَقَالَ
فِيهَا شَاعِرُهُمْ:
نَحْنُ حَفَرْنَا لِلْحَجِيجِ سُنْبُلَهْ ... صَوْبَ سَحَابٍ ذُو
الْجَلَالِ أَنْزَلَهْ
ثُمّ تَرَكْنَاهَا بِرَأْسِ الْقُنْبُلَهْ ... تَصُبّ مَاءً مِثْلَ مَاءِ
الْمَعْبَلَهْ
نَحْنُ سقينا الناس قبل المسئله
مِنْ شَرْحِ شِعْرِ مُسَافِرٍ وَأَمّا الْغَمْرُ: بِئْرُ بَنِي سَهْمٍ،
فَقَالَ فِيهَا بَعْضُهُمْ:
نَحْنُ حَفَرْنَا الْغَمْرَ لِلْحَجِيجِ ... تَثُجّ مَاءً أَيّمَا ثَجِيجِ
ذَكَرَ أَكْثَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيّ، وَبَعْضُ هَذِهِ
الْأَرْجَازِ أَوْ أَكْثَرُهُ فِي كِتَابِ الزّبَيْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ.
فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ مُسَافِرِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ.
وَاسْمُ أَبِي عَمْرٍو:
ذَكْوَانُ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِيهِ أبو سفيان:
__________
(1) هى سقية أو شفية، وفى النسخة المطبوعة سنة 1332 على هامش الروض: سقية.
(2) الطرق: الماء الذى خوضته الإبل، وبولت فيه، والأجن: الماء المتغير
الطعم واللون.
(2/128)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَيْتَ شِعْرِي مُسَافِرَ بْنَ أَبِي عَمْ ... رٍو، وَلَيْتٌ يَقُولُهَا
الْمَحْزُونُ
بُورِكَ الْمَيّتُ الْغَرِيبُ كَمَا بُو ... رِكَ نَضْحُ الرّمّانِ
وَالزّيْتُونُ «1»
فِي شِعْرٍ يَرْثِيهِ بِهِ، وَكَانَ مَاتَ مِنْ حُبّ صَعْبَةَ بِنْتِ
الْحَضْرَمِيّ.
وَفِي الشّعْرِ: وَنَنْحَرُ الدّلّافَةَ الرّفُدَا «2»
الرّفُدُ: جَمْعُ رَفُودٍ مِنْ الرّفْدِ، وَهِيَ الّتِي تَمْلَأُ
إنَاءَيْنِ عِنْدَ الْحَلْبِ.
وَقَوْلُهُ:
وَنُلْفَى عِنْدَ تَصْرِيفِ الْمَنَايَا شُدّدًا رُفُدَا
هُوَ جَمْعُ رَفُودٍ أَيْضًا مِنْ الرّفْدِ وَهُوَ: الْعَوْنُ؛ وَالْأَوّلُ
مِنْ الرّفْدِ بِفَتْحِ الرّاءِ [وَبِكَسْرِهَا] وَهُوَ إنَاءٌ كَبِيرٌ
قَالَ الشّاعِرُ:
رُبّ رَفْدٍ هَرَقْته ذَلِكَ الْيَوْ ... م وأسرى من معشر أقتال «3»
__________
(1) ينسب هذا فى اللسان إلى أبى طالب بن عبد المطلب فى مادة نضح. والنضح
تفطر الشجر بالورق.
(2) فسر الخشنى فى شرحه للسيرة الدلافة بقوله: بالإبل التى تمشى متمهلة
لكثرة سمنها. وفى اللسان، المذلاقة بدلا من: الدلافة. وفسر المذلاقة بأنها
الناقة السريعة. أما الدلاقة ففى اللسان، الدلوق والدلقاء: التى تنكسر
أسنانها من الكبر فتمج الماء والرفود من الإبل التى تملأ الرفد- بكسر الراء
وفتحها- القدح الضخم فى حلبة واحدة، أو هى الدائمة على محلبها، أو التى
تتابع الحلب.
(3) جمع قتل بكسر القاف، وهو العدو أو الصديق والنظير وابن العم والشجاع
والقرن. والرفد بفتح الراء وكسرها والمرفد- بكسر الميم وفتح-
(2/129)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ أُمّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وهى: فاطمة بنت عمرو
بن عائذ ابن عِمْرَانَ «1» هَكَذَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. وَقَالَ ابْنُ
إسحاق: عائذ بن عبد بن عمران ابن مَخْزُومٍ، وَالصّحِيحُ مَا قَالَهُ ابْنُ
هِشَامٍ؛ لِأَنّ الزّبَيْرِيّينَ ذَكَرُوا أَنّ عَبْدًا هُوَ أَخُو عَائِذِ
بْنِ عِمْرَانَ، وَأَنّ بِنْتَ عَبْدٍ هِيَ: صَخْرَةُ امْرَأَةُ عَمْرِو
بْنِ عَائِذٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ؛ لِأَنّهَا كَانَتْ لَهُ عَمّةً،
لَا بِنْتَ عَمّ، فَتَأَمّلْهُ، فَقَدْ تَكَرّرَ هَذَا النّسَبُ فِي
السّيرَةِ مِرَارًا، وَفِي كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ ابْنُ إسحاق: عائذ بن عبد
ابن عِمْرَانَ، وَيُخَالِفُهُ ابْنُ هِشَامٍ. وَصَخْرَةُ بِنْتُ عَبْدٍ
أُمّ فَاطِمَةَ، أُمّهَا:
تَخْمُرُ بِنْتُ عَبْدِ بْنِ قُصَيّ، وَأُمّ تَخْمُرَ: سُلْمَى بِنْتُ
عُمَيْرَةَ «2» بْنِ وديعة ابن الحارث بن فهر. قاله الزّبير:
__________
- الفاء، أو بفتح الميم وكسر الفاء- القدح العظيم، وفى اللسان: هراقت
السماء ماءها تهريق، والماء مهراق. الهاء فى ذلك كله متحركة، لأنها ليست
أصلية، إنما هى بدل من همزة: أراق، وهرقت مثل أرقت. وقد نسبه إلى الأزهرى،
ونسب إليه أيضا أنه قال: ومن قال: أهرقت فهو خطأ فى القياس. ومثل هرقت-
والأصل أرقت قولهم هرحت الدابة وأرحتها، وهنرت النار وأنرتها. وقال أبو
زيد: الهاء منها زائدة، كما قالوا: أنهأت اللحم والأصل أنأته. وقال بعض
النحويين إنما هو هراق يهريق؛ لأن الأصل من أراق يريق يؤريق لأن أفعل يفعل
كان فى الأصل يؤفعل. والجوهرى يقول: هراق الماء يهر يقه بفتح الهاء هراقة-
بكسر الهاء- صبه
(1) هى كذلك فى جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 13 ونسب قريش ص 17 وفى حذف
نسب قريش للسدوسى ص 5.
(2) فى نسب قريش: سلمى بنت عامرة بن عميرة الخ ص 17.
(2/130)
|