الروض الأنف ت الوكيل

 [إخْبَارُ الْكُهّانِ مِنْ الْعَرَبِ، وَالْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ والرهبان من النصارى]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ الْأَحْبَارُ مِنْ يَهُودَ، وَالرّهْبَانُ مِنْ النّصَارَى، وَالْكُهّانُ مِنْ الْعَرَبِ، قَدْ تَحَدّثُوا بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَبْلَ مَبْعَثِهِ، لَمّا تَقَارَبَ مِنْ زَمَانِهِ. أَمّا الْأَحْبَارُ مِنْ يَهُودَ، وَالرّهْبَانُ مِنْ النّصَارَى، فَعَمّا وَجَدُوا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَتِهِ وَصِفَةِ زَمَانِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَهْدِ أَنْبِيَائِهِمْ إلَيْهِمْ فِيهِ، وَأَمّا الْكُهّانُ مِنْ الْعَرَبِ: فَأَتَتْهُمْ بِهِ الشّيَاطِينُ مِنْ الْجِنّ فِيمَا تَسْتَرِقُ مِنْ السّمْعِ إذْ كَانَتْ وَهِيَ لَا تُحْجَبُ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَذْفِ بِالنّجُومِ، وَكَانَ الْكَاهِنُ وَالْكَاهِنَةُ لَا يَزَالُ يَقَعُ مِنْهُمَا ذِكْرُ بَعْضِ أُمُورِهِ، لَا تُلْقِي الْعَرَبُ لِذَلِكَ فِيهِ بَالًا، حَتّى بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى، وَوَقَعَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ الّتِي كَانُوا يَذْكُرُونَ.
فعرفوها.
فَلَمّا تَقَارَبَ أَمْرُ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَحَضَرَ مَبْعَثُهُ.
حُجِبَتْ الشّيَاطِينُ عَنْ السّمْعِ، وَحِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقَاعِدِ الّتِي كَانَتْ تَقْعُدُ لِاسْتِرَاقِ السّمْعِ فِيهَا، فَرُمُوا بِالنّجُومِ، فَعَرَفَتْ الجنّ أن ذلك لأمر حدث من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
- وأخرج الإمام أحمد عن جبير بن مطعم قال: أضللت بعيرا لى بعرفة، فذهبت أطلبه فإذا النبى- صلى الله عليه وسلم- واقف، قلت: إن هذا من الحمس ما شأنه ههنا، وأخرجه البخارى ومسلم، ثم رواه البخارى من حديث موسى ابن شعبة عن كريب عن ابن عباس بما يفيد أن المراد من الإفاضة هى الإفاضة من المزدلفة لرمى الجمار.

(2/295)


أمر الله فى العباد، يقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيّهِ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ بَعَثَهُ، وَهُوَ يَقُصّ عَلَيْهِ خَبَرَ الْجِنّ إذْ حُجِبُوا عَنْ السّمْعِ، فَعَرَفُوا مَا عَرَفُوا، وَمَا أَنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ حَيْنَ رَأَوْا مَا رَأَوْا: قُلْ: أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ. فَقالُوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ، فَآمَنَّا بِهِ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً. وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا؛ مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً.
وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً، وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً. وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ، فَزادُوهُمْ رَهَقاً» .. إلَى قَوْلِهِ: «وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً. وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ، أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً الجنّ: 1- 6 ثم 9، 10
فَلَمّا سَمِعَتْ الْجِنّ الْقُرْآنَ عَرَفَتْ أَنّهَا إنّمَا مُنِعَتْ مِنْ السّمْعِ قَبْلَ ذَلِكَ، لِئَلّا يُشْكِلَ الوحى بشىء خَبَرِ السّمَاءِ، فَيَلْتَبِسُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مَا جَاءَهُمْ مِنْ اللهِ فِيهِ، لِوُقُوعِ الْحُجّةِ، وَقَطْعِ الشّبْهَةِ. فَآمَنُوا وَصَدّقُوا، ثُمّ: وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. قالُوا: يَا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ، وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ... الاية. الأحقاف: 30
وَكَانَ قَوْلُ الْجِنّ: «وَأَنّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإتس يعوذون برجال من الجنّ، فردوهم رَهَقًا» . أَنّهُ كَانَ الرّجُلُ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ قريش وغيرهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(2/296)


إذا سافر فَنَزَلَ بَطْنَ وَادٍ مِنْ الْأَرْضِ لِيَبِيتَ فِيهِ، قَالَ: إنّي أَعُوذُ بِعَزِيزِ هَذَا الْوَادِي مِنْ الْجِنّ اللّيْلَةَ مِنْ شَرّ مَا فِيهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الرّهَقُ: الطّغْيَانُ وَالسّفَهُ. قَالَ رُؤْبَةُ بن العجّاج.
إذ تستبى الهيّامة المرهّقا ... [بمقلتى ريم وحيد أرسقا]
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَالرّهَقُ أَيْضًا: طَلَبُك الشّيْءِ حَتّى تَدْنُوَ مِنْهُ، فَتَأْخُذُهُ، أَوْ لَا تَأْخُذُهُ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ يَصِفُ حَمِيرِ وَحْشٍ:
بَصْبَصْنَ وَاقْشَعْرَرْنَ مِنْ خَوْفِ الرّهَقِ ... [يمصعن بالأذناب من لوح وبق]
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَالرّهَقُ أَيْضًا: مصدر لقول الرجل: رَهِقْتُ الْإِثْمَ أَوْ الْعُسْرَ، الّذِي أَرْهَقَتْنِي رَهَقًا شَدِيدًا، أَيْ: حَمَلْتُ الْإِثْمَ أَوْ الْعُسْرَ الّذِي حَمَلَتْنِي حَمْلًا شَدِيدًا، وَفِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً الكهف: 80» وقوله: وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً الكهف: 73»
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أنه حدث أن أَوّلَ الْعَرَبِ فَزِعَ لِلرّمْيِ بِالنّجُومِ- حَيْنَ رُمِيَ بها- هذا الحىّ من ثقيف، وأنهم جاؤا إلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: عَمْرُو بْنُ أُمّيّةَ أَحَدُ بَنِي عِلَاجٍ- قَالَ: وَكَانَ أَدْهَى الْعَرَبِ وَأَنْكَرَهَا رَأْيًا- فَقَالُوا لَهُ: يَا عَمْرُو: أَلَمْ تَرَ مَا حَدَثَ فِي السّمَاءِ مِنْ الْقَذْفِ بِهَذِهِ النّجُومِ؟ قَالَ: بَلَى فَانْظُرُوا، فَإِنْ كَانَتْ مَعَالِمَ النّجُومِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(2/297)


الّتِي يُهْتَدَى بِهَا فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ، وَتُعْرَفُ بِهَا الْأَنْوَاءُ مِنْ الصّيْفِ وَالشّتَاءِ، لِمَا يُصْلِحُ النّاس فى معايشهم، هى التى يرمى بها، فهو والله طىّ الدنيا، وهلاك هذا الخلق الذى فيها، وإن كَانَتْ نُجُومًا غَيْرَهَا، وَهِيَ ثَابِتَةٌ عَلَى حَالِهَا، فَهَذَا لِأَمْرٍ أَرَادَ اللهُ بِهِ هَذَا الْخَلْقَ، فما هو؟
وقال ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَكَرَ مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شهاب الزهرىّ، عن علىّ ابن الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَبّاسِ، عَنْ نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ:
أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ لَهُمْ: «مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي هَذَا النّجْمِ الّذِي يُرْمَى بِهِ؟ قَالُوا: يَا نَبِيّ اللهِ كُنّا نَقُولُ حَيْنَ رَأَيْنَاهَا يُرْمَى بِهَا: مَاتَ مَلِكٌ، مُلّكَ مُلْكٌ، وُلِدَ مَوْلُودٌ، مَاتَ مَوْلُودٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ وَسَلّمَ: لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَكُنّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ إذَا قَضَى فِي خَلْقِهِ أَمْرًا سَمِعَهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، فَسَبّحُوا، فَسَبّحَ مَنْ تَحْتَهُمْ، فَسَبّحَ لِتَسْبِيحِهِمْ مَنْ تَحْتَ ذَلِكَ، فَلَا يَزَالُ التّسْبِيحُ يَهْبِطُ حَتّى يَنْتَهِيَ إلَى السّمَاءِ الدّنْيَا، فَيُسَبّحُوا ثُمّ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مِمّ سَبّحْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: سَبّحَ مَنْ فَوْقَنَا فَسَبّحْنَا لِتَسْبِيحِهِمْ، فَيَقُولُونَ: أَلَا تَسْأَلُونَ مَنْ فَوْقَكُمْ: مِمّ سَبّحُوا؟ فَيَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتّى يَنْتَهُوا إلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مِمّ سَبّحْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ:
قَضَى اللهُ فِي خَلْقِهِ كَذَا وَكَذَا، لِلْأَمْرِ الّذِي كَانَ، فَيَهْبِطُ بِهِ الْخَبَرُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتّى يَنْتَهِي إلَى السّمَاءِ الدّنْيَا، فَيَتَحَدّثُوا بِهِ، فَتَسْتَرِقُهُ الشّيَاطِينُ بِالسّمْعِ، عَلَى تَوَهّمٍ وَاخْتِلَافٍ، ثُمّ يَأْتُوا بِهِ الْكُهّانَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَيُحَدّثُوهُمْ بِهِ، فَيُخْطِئُونَ وَيُصِيبُونَ، فَيَتَحَدّثُ بِهِ الْكُهّانُ، فَيُصِيبُونَ بَعْضًا وَيُخْطِئُونَ بَعْضًا. ثُمّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(2/298)


إنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ حَجَبَ الشّيَاطِينَ بِهَذِهِ النّجُومِ الّتِي يُقْذَفُونَ بِهَا، فَانْقَطَعَتْ الْكَهَانَةُ الْيَوْمَ، فلا كهانة» .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي جعفر، عن محمد بن عبد الرحمن ابن أَبِي لَبِيبَةَ، عَنْ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ شهاب عنه.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَهْمٍ يُقَالُ لَهَا الغيطلة، كانت كاهنة فى الجاهلية، فلما جاءها صاحها فى لَيْلَةً مِنْ اللّيَالِي، فَانْقَضّ تَحْتَهَا، ثُمّ قَالَ: أَدْرِ مَا أَدْرِ، يَوْمَ عَقْرٍ وَنَحْرٍ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ حَيْنَ بَلَغَهَا ذَلِكَ: مَا يُرِيدُ؟ ثُمّ جَاءَهَا لَيْلَةً أُخْرَى، فَانْقَضّ تَحْتَهَا، ثُمّ قَالَ:
شعوب، ما شعوب، تصرع فيه كعب لجنوب: فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، قَالُوا: مَاذَا يُرِيدُ؟ إنّ هَذَا لِأَمْرٍ هُوَ كَائِنٌ، فَانْظُرُوا مَا هُوَ؟ فَمَا عَرَفُوهُ حَتّى كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ وَأُحُدٍ بِالشّعْبِ، فَعَرَفُوا أَنّهُ الّذِي كَانَ جَاءَ به إلى صاحبته.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْغَيْطَلَةُ: مِنْ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، إخْوَةِ مُدْلِجِ بْنِ مُرّةَ، وَهِيَ أُمّ الْغَيَاطِلِ الّذِينَ ذَكَرَ أبو طالب فى قوله:
لَقَدْ سَفُهَتْ أَحْلَامُ قَوْمٍ تَبَدّلُوا ... بَنِي خَلَفٍ قَيْضًا بِنَا وَالْغَيَاطِل
فَقِيلَ لِوَلَدِهَا: الْغَيَاطِل، وَهُمْ من بني سهم بن عمرو بن هصيص. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، سَأَذْكُرُهَا فِي موضعها إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَلِيّ بْنُ نَافِعٍ الْجُرَشِيّ: أَنّ جَنْبًا بطنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(2/299)


مِنْ الْيَمَنِ، كَانَ لَهُمْ كَاهِنٌ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَلَمّا ذُكِرَ أَمْرُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ وَسَلّمَ، وَانْتَشَرَ فِي الْعَرَبِ، قَالَتْ لَهُ جَنْبٌ: اُنْظُرْ لَنَا فِي أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ، وَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي أَسْفَلِ جَبَلِهِ، فَنَزَلَ عَلَيْهِمْ حِينَ طَلَعَتْ الشّمْسُ، فَوَقَفَ لَهُمْ قَائِمًا مُتّكِئًا عَلَى قَوْسٍ لَهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السّمَاءِ طَوِيلًا، ثُمّ جَعَلَ يَنْزُو، ثُمّ قَالَ: أَيّهَا النّاسُ، إنّ اللهَ أَكْرَمَ مُحَمّدًا وَاصْطَفَاهُ، وَطَهّرَ قَلْبَهُ وَحَشَاهُ، وَمُكْثُهُ فِيكُمْ أَيّهَا النّاسُ قَلِيلٌ، ثُمّ اشتدّ فى جبله راجعا من حيث جاء.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ، أَنّهُ حَدّثَ: أَنّ عُمَرَ بْنَ الخطاب، بينا هو جالس فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، يُرِيدُ عُمْرَ بْنَ الْخَطّابِ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ:
إنّ هَذَا الرّجُلُ لَعَلَى شِرْكِهِ مَا فَارَقَهُ بَعْدُ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيّةِ.
فَسَلّمَ عَلَيْهِ الرّجُلُ، ثُمّ جَلَسَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هَلْ أَسْلَمْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ لَهُ: فَهَلْ كُنْت كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيّةِ؟ فَقَالَ الرّجُلُ:
سُبْحَانَ اللهِ يا أمير المؤنين! لَقَدْ خِلْت فِيّ، وَاسْتَقْبَلْتنِي بِأَمْرِ مَا أَرَاك قُلْته لِأَحَدٍ مِنْ رَعِيّتِك مُنْذُ وُلّيتَ مَا وُلّيتَ، فَقَالَ عُمَرُ: اللهُمّ غُفْرًا، قَدْ كُنّا فِي الْجَاهِلِيّةِ عَلَى شَرّ مِنْ هَذَا، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَعْتَنِقُ الْأَوْثَانَ، حَتّى أَكْرَمْنَا اللهُ بِرَسُولِهِ وَبِالْإِسْلَامِ، قَالَ: نَعَمْ، وَاَللهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ كُنْتُ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيّةِ، قَالَ: فَأَخْبرنِي مَا جَاءَك بِهِ صَاحِبُك، قَالَ: جَاءَنِي قَبْلَ الإسلام بشهرأ وشيعه، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ إلَى الْجِنّ وَإِبْلَاسِهَا، وَإِيَاسِهَا من دينها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(2/300)


قال ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْكَلَامُ سَجْعٌ، وَلَيْسَ بِشِعْرٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبٍ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ عِنْدَ ذَلِكَ يُحَدّثُ النّاسَ: وَاَللهِ إنّي لَعِنْدَ وَثَنٍ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيّةِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَدْ ذَبَحَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ عِجْلًا، فَنَحْنُ نَنْتَظِرُ قَسْمَهُ لِيَقْسِمَ لَنَا مِنْهُ، إذْ سَمِعْت مِنْ جَوْفِ الْعِجْلِ صوتا ما سمعت صوتا قَطّ أَنْفَذَ مِنْهُ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ بِشَهْرٍ أَوْ شَيْعِهِ، يَقُولُ: يَا ذَرِيحُ، أَمْرٌ نَجِيحٌ، رَجُلٌ يَصِيحُ، يَقُول: لَا إلَهَ إلّا اللهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: رَجُلٌ يَصِيحُ، بِلِسَانٍ فَصِيحٍ، يَقُولُ: لَا إلَهَ إلّا اللهُ. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ.
عَجِبْت لِلْجِنّ وَإِبْلَاسِهَا ... وَشَدّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا
تَهْوِي إلَى مَكّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا مُؤْمِنُو الْجِنّ كَأَنْجَاسِهَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا مَا بَلَغَنَا مِنْ الْكُهّانِ مِنْ العرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَصْلٌ فِي الْكِهَانَةِ رُوِيَ فِي مَأْثُورِ الْأَخْبَارِ أن إبليس كان يخترق السّماوات قَبْلَ عِيسَى، فَلَمّا بُعِثَ عِيسَى، أَوْ وُلِدَ حجب عن ثلاث سماوات، فَلَمّا وُلِدَ مُحَمّدٌ حُجِبَ عَنْهَا كُلّهَا، وَقُذِفَتْ الشّيَاطِينُ بِالنّجُومِ وَقَالَتْ قُرَيْشٌ حِينَ كَثُرَ الْقَذْفُ بِالنّجُومِ:
قَامَتْ السّاعَةُ، فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ: اُنْظُرُوا إلَى الْعَيّوقِ «1» فَإِنْ كَانَ رُمِيَ بِهِ، فقد آن قيام الساعة، إلّا فَلَا. وَمِمّنْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ الزّبَيْرُ بْنُ أبى بكر.
__________
(1) نجم أحمر مصىء فى طرف المجرة الأيمن يتلو الثريا لا يتقدمها.

(2/301)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَمْيُ الشّيَاطِينِ:
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رُمِيَتْ بِهِ الشّيَاطِينُ، حِينَ ظَهَرَ الْقَذْفُ بِالنّجُومِ، لِئَلّا يَلْتَبِسَ بِالْوَحْيِ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ أَظْهَرَ لِلْحُجّةِ، وَأَقْطَعَ لِلشّبْهَةِ، وَالَذَى قَالَهُ صَحِيحٌ: وَلَكِنّ الْقَذْفَ بِالنّجُومِ قَدْ كَانَ قَدِيمًا، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي أَشْعَارِ الْقُدَمَاءِ مِنْ الْجَاهِلِيّةِ. مِنْهُمْ: عوف بن الجرع، وأوس بن حجر، وبشر بن أبى خازم، وَكُلّهُمْ جَاهِلِيّ، وَقَدْ وَصَفُوا الرّمْيَ بِالنّجُومِ، وَأَبْيَاتُهُمْ فِي ذَلِكَ مَذْكُورَةٌ فِي مُشْكِلِ ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجِنّ «1» ، وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ هَذَا الرّمْيِ بِالنّجُومِ:
أَكَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنّهُ إذْ جَاءَ الْإِسْلَامُ غَلّظَ وَشَدّدَ، وَفِي قَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً الْجِنّ: 8 الْآيَةُ وَلَمْ يَقُلْ: حُرِسَتْ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ قَدْ كَانَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَمّا بُعِثَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا، وَذَلِكَ لِيَنْحَسِمَ أَمْرُ الشّيَاطِينِ، وَتَخْلِيطِهِمْ، وَلِتَكُونَ الْآيَةُ أَبْيَنَ، وَالْحُجّةُ أَقْطَعَ، وَإِنْ وُجِدَ الْيَوْمَ كَاهِنٌ، فَلَا يَدْفَعُ ذَلِكَ بِمَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ مِنْ طَرْدِ الشّيَاطِينِ عَنْ اسْتِرَاقِ السّمْعِ، فَإِنّ ذَلِكَ التّغْلِيظَ وَالتّشْدِيدَ كَانَ زَمَنَ النّبُوّةِ، ثُمّ بَقِيَتْ مِنْهُ، أَعْنِي مِنْ استراق السمع بقايا يسيرة
__________
(1) انظر ص 184 ح 2 ط 1 كتاب القرطين الذى هذب فيه ابن مطرف الكنانى كتابى مشكل القرآن أو غريبه لابن قتيبة، وفى هذا يقول ابن قتيبة «وفى أيدى الناس كتب الأعاجم» وسيرهم تنبىء عن انقضاض النجوم فى كل عصر، وكل زمان» وفيه بشر بن خارم وهو خطأ صوابه ما أثبته «انظر ترجمة ابن أبى خازم فى الشعر والشعراء لابن قتيبة»

(2/302)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِدَلِيلِ وُجُودِهِمْ عَلَى النّدُورِ فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ، وَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ. وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الْكُهّانِ فَقَالَ: لَيْسُوا بِشَيْءِ، فَقِيلَ: إنّهُمْ يَتَكَلّمُونَ بِالْكَلِمَةِ، فَتَكُونُ كَمَا قَالُوا، فَقَالَ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْجِنّ يَحْفَظُهَا الْجِنّيّ، فَيُقِرّهَا فِي أُذُنِ وَلِيّهِ قَرّ الزّجَاجَةِ «1» ، فَيَخْلِطُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كِذْبَةٍ، وَيُرْوَى: قَرّ الدّجَاجَةِ بِالدّالِ، وَعَلَى هَذِهِ الرّوَايَةِ تَكَلّمَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ.
وَالزّجَاجَةُ بِالزّايِ أَوْلَى؛ لِمَا ثَبَتَ فِي الصّحِيحِ، فَيُقِرّهَا فِي أُذُنِ وَلِيّهِ، كَمَا تُقَرّ الْقَارُورَةُ، وَمَعْنَى يُقِرّهَا: يَصُبّهَا وَيُفْرِغُهَا، قَالَ الرّاجِزُ:
لَا تُفْرِغَنْ فِي أُذُنِي قَرّهَا ... مَا يَسْتَفِزّ فَأُرِيك فَقْرَهَا
وفى تفسير ابن سلام عن بن عَبّاسٍ، قَالَ: إذَا رَمَى الشّهَابُ الْجِنّيّ لَمْ يُخْطِئْهُ، وَيُحَرّقُ مَا أَصَابَ وَلَا يَقْتُلُهُ، وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: فِي أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ الْعَيْنِ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ سَلَامٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنّهُ كَانَ مَعَ قَوْمٍ، فَرُمِيَ بِنَجْمِ، فَقَالَ:
لَا تُتْبِعُوهُ أَبْصَارَكُمْ، وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ حَفْصٍ أَنّهُ سَأَلَ الْحَسَنَ: أَيُتْبِعُ بَصَرَهُ الْكَوْكَبَ. فَقَالَ: قَالَ سُبْحَانَهُ: وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ الْمُلْكُ: 5.
وَقَالَ: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْأَعْرَافُ: 185.
قَالَ: كَيْفَ نَعْلَمُ إذَا لَمْ نَنْظُرْ إلَيْهِ، لَأُتْبِعَنّهُ بَصَرِي.
الْجِنّ الّذِينَ ذَكَرَهُمْ الْقُرْآنُ:
وَذَكَرَ النّفَرَ مِنْ الْجِنّ الّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ القرآن والذين: وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ
__________
(1) وفى روآية: قز الزجاجة بالزاى، أى: بصوتها إذا صب فيها الماء

(2/303)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُنْذِرِينَ، قالُوا: يَا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى الْأَحْقَافُ: 30. وَفِي الْحَدِيثِ أَنّهُمْ كَانُوا مِنْ جِنّ نَصِيبِينَ «1» . وَفِي التّفْسِيرِ أَنّهُمْ كَانُوا يَهُودًا؛ وَلِذَلِكَ قَالُوا: مِنْ بَعْدِ مُوسَى، وَلَمْ يَقُولُوا مِنْ بَعْدِ عِيسَى ذَكَرَهُ ابْنُ سَلَامٍ»
. وَكَانُوا سَبْعَةً، قَدْ ذُكِرُوا بِأَسْمَائِهِمْ فِي التّفَاسِيرِ وَالْمُسْنَدَاتِ، وَهُمْ: شَاصِرٌ، وَمَاصِرٌ، وَمُنْشَى، ولا شى، وَالْأَحْقَابُ، وَهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ ذَكَرَهُمْ ابْنُ دُرَيْدٍ، وَوَجَدْت فِي خَبَرٍ حَدّثَنِي بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ طَاهِرٍ الْإِشْبِيلِيّ الْقَيْسِيّ عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ فِي فَضْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَمْشِي فِي أَرْضٍ فَلَاةٍ فَإِذَا حَيّةٌ مَيّتَةٌ فَكَفّنَهَا بِفَضْلَةِ مِنْ رِدَائِهِ، وَدَفَنَهَا فَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ: يَا سُرّقُ اشْهَدْ، لَسَمِعْت رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لَك: سَتَمُوتُ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَيُكَفّنُك وَيَدْفِنُك رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ- يَرْحَمُك اللهُ- فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ الّذِينَ تَسَمّعُوا الْقُرْآنَ مِنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلّا أَنَا وَسُرّقٌ، وَهَذَا سُرّقٌ قَدْ مَاتَ. وَذَكَرَ ابْنُ سَلَامٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إسْحَاقَ [عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيّ] السّبِيعِيّ عَنْ أَشْيَاخِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنّهُ كَانَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-
__________
(1) ذكر أن من العرب من يعربها كجمع المذكر السالم، فيقول: هذه نصيبون وهى مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من موصل إلى الشام ونصيبين أيضا من قرى حلب، ونصيبين كذلك: مدينة على شاطىء الفرات كبيرة تعرف بنصيبين الروم.
(2) ما هذا الذى ينقله عن ابن سلام؟ إنه تهويمة خيال. ولعلهم قالوا: من بعد موسى، لأنه لم ينزل بعد التوراة كتاب تشريع ينسخ الشرائع قبله سوى القرآن، أما الإنجيل فيذكر بما فى التوراة

(2/304)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَمْشُونَ فَرُفِعَ لَهُمْ إعْصَارٌ، ثُمّ جَاءَ إعْصَارٌ أَعْظَمُ مِنْهُ، ثُمّ انْقَشَعَ، فَإِذَا حَيّةٌ قَتِيلٌ، فَعَمَدَ رَجُلٌ مِنّا إلَى رِدَائِهِ فَشَقّهُ، وَكَفّنَ الْحَيّةَ بِبَعْضِهِ وَدَفَنَهَا، فَلَمّا جَنّ اللّيْلُ إذَا امْرَأَتَانِ تُتَسَاءَلَانِ: أَيّكُمْ دَفَنَ عَمْرَو بْنَ جَابِرٍ؟ فَقُلْنَا: مَا نَدْرِي مَنْ عَمْرُو بْنُ جَابِرٍ؟ فقالنا: إنْ كُنْتُمْ ابْتَغَيْتُمْ الْأَجْرَ فَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ. إنّ فَسَقَةَ الْجِنّ اقْتَتَلُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ، فَقُتِلَ عَمْرٌو، وَهُوَ الْحَيّةُ الّتِي رَأَيْتُمْ، وَهُوَ مِنْ النّفَرِ الّذِينَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ مِنْ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ وَلّوْا إلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ!! ابْنُ عِلَاطٍ وَالْجِنّ:
فَصْلٌ: وَأَمّا مَا ذَكَرَهُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ الْآيَةُ؛ الْجِنّ: 6. فَقَدْ رُوِيَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ عن حجاج ابن عِلَاطٍ السّلَمِيّ، وَهُوَ وَالِدُ نَصْرِ بْنِ حَجّاجٍ الّذِي قِيلَ فِيهِ:
أَمْ لَا سَبِيلَ إلَى نصر ابن حجّاج «1»
__________
(1) يقول البغدادى فى الخزانة «وحكى السهيلى فى الروض الأنف هذه الحكاية على خلاف ما تقدم. قال: الحجاج بن علاط: وهو والد نصر الذى حلق عمر رأسه، فنفاه من المدينة، فَأَتَى الشّامَ، فَنَزَلَ عَلَى أَبِي الْأَعْوَرِ السّلَمِيّ فهويته امرأته، وهويها، وَفَطِنَ أَبُو الْأَعْوَرِ لِذَلِكَ، بِسَبَبِ يَطُولُ ذِكْرُهُ، فَابْتَنَى لَهُ قُبّةً فِي أَقْصَى الْحَيّ، فَكَانَ بِهَا، فَاشْتَدّ ضَنَاهُ بِالْمَرْأَةِ حَتّى مَاتَ كَلَفًا بِهَا، وَسُمّيَ الْمُضْنَى، وَضُرِبَتْ بِهِ الْأَمْثَالُ، وَذَكَرَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابِ الْأَمْثَالِ لَهُ خَبَرَهُ بِطُولِهِ» انتهى. أقول: والقصة مشهورة فى كتب الأدب والأمثال. قالوا: أول من عسّ بالليل فى الإسلام: عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- فبينا يعس ليلة سمع امرأة تقول:

(2/305)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- يا ليت شعرى عن نفسى أزاهقة ... منى، ولم أقض ما فيها من الحاج
أَلَا سَبِيلَ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا ... أَمْ لَا سبيل إلى نصر بن حجاج
إلى فتى ماجد الأخلاق ذى كرم ... سهل المحيا كريم غير فجفاج
تنميه أعراق صدق حين تنسبه ... ذى نجدات عن المكروب فراج
سامى النواظر من بهزله كرم ... تضىء سنته فى الحالك الداجى
نعم الفتى فى سواد الليل نصرته ... ليائس أو لملهوف ومحتاج
يا منية لم أرب فيها بضائرة ... والناس من صادق فيها ومن داجى
قالوا: فدعا عمر بالمرأة- وهى الذلفا. لقب فريعة بنت همام أم الحجاج- وضربها:
بالدرة ضربات، ثم سأل عنها، فلم يخبر عنها إلا بخير، وأتى بنصر، وأمر بشعره فحلق ثم أرسل به إلى البصرة إلى مجاشع بن مسعود السلمى، فكان ما كان منه مما ذكره السهيلى مختصرا- كما جاء فى خزانة البغدادى: وقيل إن المرأة أرسلت إلى عمر بهذه الأبيات:
قل للامام الذى تخشى بوادره ... مالى وللخمر أو نصر بن حجاج
إنى فتنت أبا حفص بغيرهما ... شرب الحليب وطرف فاتر ساجى
الخ قالوا: فبكا عمر، وقال: الحمد لله الذى حبس الهوى التقوى. وبعث عمر إلى المرأة: لم يبلغنا عنك إلا خير، وقد ضرب المثل بالمرأة هذه، فقالوا: «أصب من المتمنية» وبنصر، فقالوا: «أدنف من المتمنى» وقالوا: إن هذه المتمنية هى الفريعة بنت همام أم الحجاج بن يوسف الثقفى. والبيت الأول يروى: «ألا سبيل إلى خمر فأشربها» وهى- كما يقص البغدادى- رواية الجاحظ وحمزة الأصبهانى والسهيلى لكنك ترى الرواية فى الروض «أم لا سبيل الخ» وروى المدائنى وغيره:
هل من سبيل، ويروى الزجاج المصراع المذكور فى الروض:
أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج
ورواه أبو على الفارسى فى إيضاح الشعر عن أبى عبيدة:
أو لَا سَبِيلَ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجّاجِ

(2/306)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَنّهُ قَدِمَ مَكّةَ فِي رَكْبٍ، فَأَجَنّهُمْ اللّيْلُ بِوَادٍ مَخُوفٍ مُوحِشٍ، فَقَالَ لَهُ الرّكْبُ: قُمْ خُذْ لِنَفْسِك أَمَانًا، وَلِأَصْحَابِك، فَجَعَلَ يَطُوفُ بِالرّكْبِ وَيَقُولُ:
أُعِيذُ نَفْسِي وَأُعِيذُ صَحْبِي ... مِنْ كُلّ جنّىّ بهذا النّقب
حتى أؤب سَالِمًا وَرَكْبِي
فَسَمِعَ قَارِئًا: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [فَانْفُذُوا، لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ] الْآيَةُ.
الرّحْمَنُ: 33. فَلَمّا قَدِمَ مَكّةَ خَبّرَ كُفّارَ قُرَيْشٍ بِمَا سَمِعَ، فَقَالُوا: أَصَبْت «1» يَا أَبَا كِلَابٍ. إنّ هَذَا يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَاَللهِ لَقَدْ سَمِعْته وَسَمِعَهُ هَؤُلَاءِ مَعِي، ثُمّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَهَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَابْتَنَى بِهَا مَسْجِدًا فَهُوَ يُعْرَفُ بِهِ «2» .
__________
- على أن أو بمعنى: الواو. وروايته «ألا» يستشهد بها النحويون على أن «ألا» تستعمل للتمنى. ويقول البغدادى: وقال قوم: هذا الشعر مصنوع إلا البيت الأول «ألا سبيل الخ» وقد جمع البغدادى كل أطراف القصة، وقال عن الشعر: «ولا يخفى ما فيه من الاختلاف من جميع الجهات حتى فى البيت الشاهد» انظر ص 59 وما بعدها ح 4 ط السلفية خزانة الأدب للبغدادى والأمثال للميدانى فى حرف الصاد مما جاء منه على وزن أفعل، وص 513 ح 2 ألف باء ليوسف بن محمد البلوى.
(1) روى البلوى نفس القصة، وفيها «صبأت» بدلا من أصبت وهو الأليق
(2) ما ذكره هنا لا سند له، وسنذكر ما ورد من أحاديث حول استماع الجن. روى البيهقى فى الدلائل عن ابن عباس: ما قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على-

(2/307)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- الجن ولا رآهم. انطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شىء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، وانظروا ما هذا الذى حال بينكم وبين خبر السماء، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الذى حال بينهم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بنخلة عامدا إلى سوق عكاظ، وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا والله الذى حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم: «قالوا: يا قومنا إِنّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرّشْدِ، فامنا به، ولن نشرك بربنا أحدا» وأنزل اللهُ عَلَى نَبِيّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُلْ:
أُوحِيَ إِلَيّ أَنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجن) وإنما أوحى إليه قول الجن» ورواه البخارى عن مسدد بنحوه، وأخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ عن أبى عوانة به، ورواه الترمذى والنسائى فى التفسير من حديث أبى عوانة، وروى أحمد عن ابن عباس أنه قال: كان الجن يستمعون الوحى، فيسمعون الكلمة، فيزيدون فيها عشرا، فيكون ما سمعوا حقا، وما زادوا باطلا، وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك، فَلَمّا بُعِثَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- كان أحدهم لا يأتى بمقعده إلا رمى بشهاب يحرق ما أصابت
فشكوا ذلك إلى إبليس فقال: ما هذا إلا من أمر قد حدث، فبث جنوده فإذا بالنبى- صلى الله عليه وسلم- يصلى بين جبلى نخلة فأتوه، فأخبروه، فقال:
هذا الحدث الذى حدث فى الأرض. ورواه الترمذى والنسائى فى كتابى التفسير وقال الترمذى: حسن صحيح. وروى البخارى، قال: حدثنا الحميدى حدثنا سفيان حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة، يقول: سمعت أبا هريرة رضى الله عنه يقول:
إن نبى اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلّمَ- قال: إذا قضى الله تعالى الأمر فى السماء-

(2/308)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذى قال: الحق، وهو العلى الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترقو السمع هكذا بعضه فوق بعض- وصفه سفيان بكفه فحرفها، وبدد بين أصابعه- فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الاخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها.
وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا، وكذا، فيصدق بتلك الكلمة التى سمعت من السماء» انفرد بإخراجه البخارى دون مسلم من هذا الوجه، وقد رواه أبو داود والترمذى وابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة والله أعلم. وروى أحمد عن ابن عباس قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- جالسا فى نفر من أصحابه، فرمى بنجم، فاستنار، فقال- صلى الله عليه وسلم: ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا فى الجاهلية؟ قالوا: كنا نقول: يولد عظيم، أو يموت عظيم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمرا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح السماء الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح السماء الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذين يلون حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟
فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء سماء حتى ينتهى الخبر إلى هذه السماء، وتخطف الجن السمع، فيرمون، فما جاؤا به على وجهه، فهو حق، ولكنهم يفرقون فيه ويزيدون» وقد أخرجه مسلم فى صحيخه من حديث صالح بن كيسان والأوزاعى ويونس ومعقل بن عبيد الله، أربعتهم، عن الزهرى عن على بن الحسين عن ابن عباس رضى الله عنهما، عن رجل من الأنصار به. وكذا رواه النسائى فى التفسير- من حديث الزبيدى عن الزهرى به، ورواه الترمذى فيه عن الحسين بن حريت عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعى. عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الله، عن ابن عباس رضى الله عنهما، عن رجل من الأنصار- رضى الله عنه، وحسب المؤمن فى مثل هذا وغيره أن يتدبر القرآن أولا، ثم الصحيح المشهود له بالصحة القوية من الحديث-

(2/309)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَوْلَ انْقِطَاعِ الْكِهَانَةِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ وَفِيهِ: كُنّا نَقُولُ إذَا رَأَيْنَاهُ: يَمُوتُ عَظِيمٌ أَوْ يُولَدُ «1» عَظِيمٌ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ أَنّ الْقَذْفَ بِالنّجُومِ كَانَ قَدِيمًا، وَلَكِنّهُ إذْ بُعِثَ الرسول عليه السلام، غلّظ وَشَدّدَ- كَمَا قَالَ الزّهْرِيّ- وَمُلِئَتْ السّمَاءُ حَرَسًا. وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْكِهَانَةُ الْيَوْمَ، فَلَا كِهَانَةَ. يَدُلّ قَوْلُهُ: الْيَوْمَ عَلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ الزّمَانِ كَمَا قَدّمْنَاهُ، وَاَلّذِي انْقَطَعَ الْيَوْمَ، وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنْ تُدْرِكَ الشّيَاطِينُ مَا كَانَتْ تُدْرِكُهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ الْجَهْلَاءِ، وَعِنْدَ تَمَكّنِهَا مِنْ سَمَاعِ أَخْبَارِ السّمَاءِ، وَمَا يُوجَدُ الْيَوْمَ مِنْ كَلَامِ الْجِنّ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمَجَانِينِ إنّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنْهُمْ عَمّا يَرَوْنَهُ فِي الْأَرْضِ، مِمّا لَا نَرَاهُ نَحْنُ كَسَرِقَةِ سَارِقٍ، أَوْ خَبِيئَتِهِ فِي مَكَانٍ خَفِيّ «2» ، أَوْ نَحْوِ ذلك، وإن أخبروا مما سَيَكُونُ كَانَ تَخَرّصًا وَتَظَنّيًا، فَيُصِيبُونَ قَلِيلًا، وَيُخْطِئُونَ كَثِيرًا.
وَذَلِكَ الْقَلِيلُ الّذِي يُصِيبُونَ هُوَ مِمّا يتكلم به الملائكة فى العنان، كما
__________
- لأن موضوع الجن من الغيب الذى لا يعلمه إلا الله، ولا يعرف إلا عن الوحى. وقول الله تعالى فى سورة الأحقاف وسورة الجن يؤكد أنه صلى الله عليه وسلم لم ير الجن الذين استمعوا له.
(1) ذكرته من قبل
(2) هذا إفك يفتريه الدجاجلة. وأحب أن أذكر بقصة الجن الذين مات سليمان أمام أعينهم دون أن يعلموا (فلما خر تبيّنت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين) فلنتدبر هذه الاية المحكمة نؤمن بأن الجن لا يعرفون غيبا كما بين الله. بل إنهم لم يعرفوا حتى ما وقع تحت عيونهم!!

(2/310)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيّ، فَيُطْرَدُونَ بِالنّجُومِ، فَيُضِيفُونَ إلَى الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كِذْبَةٍ- كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ- فِي الْحَدِيثِ الّذِي قَدّمْنَاهُ، فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ كَانَ صَافُ بْنُ صَيّادٍ، وَكَانَ يَتَكَهّنُ، وَيَدّعِي النّبُوّةَ، وَخَبّأَ لَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَبِيئًا، فَعَلِمَهُ، وَهُوَ الدّخّ «1» فَأَيْنَ انْقِطَاعُ الْكِهَانَةِ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ؟ قُلْنَا: عَنْ هَذَا جَوَابَانِ، أَحَدُهُمَا ذَكَرَهُ الْخَطّابِيّ فِي أَعْلَامِ الْحَدِيثِ قَالَ: الدّخّ نَبَاتٌ يَكُونُ مِنْ النّخِيلِ، وَخَبّأَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ الدّخّانُ: 10، فَعَلَى هَذَا لَمْ يُصِبْ ابْنُ صَيّادٍ مَا خَبّأَ له النبى- صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) بضم الدال وفتحها: الدخان، ويقول ابن الأثير فى النهاية: وفسر فى الحديث أنه أراد بذلك: (يوم تأتى السماء بدخان مبين) وقيل إن الدجال يقتله عيسى عليه السلام بجبل الدخان. انتهى فيحتمل أن يكون أراده تعريضا بقتله، لأن ابن صياد كان يظن أنه الدجال، وحديث ابن صياد متفق عليه، وَفِيهِ أَنّ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قال لابن صياد: ماذا ترى؟ قال ابن صياد: يأتينى صادق وكاذب، قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلط عليك الأمر، قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنى خبأت لك خبيئا وخبأ له. (يوم تأتى السماء بدخان مبين) فقال: هو الدّخ، فقال: اخسأ: فلن تعدو قدرك الحديث. وإذا كان الله سبحانه قد نفى علم الغيب عن الجن وعن الملائكة وعن الرسل، فكيف يجوز لنا أن ننسب إلى دجال كابن صياد أنه كان يعرف الغيب؟ ولا أظن أن رسول الله «ص» - على فرض الصحة- قصد من الاختبار هل يعرف ابن صياد الغيب أو لا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يؤمن قبل هذا بأن الله وحده هو عالم الغيب، وأنه لا ابن صياد، ولا غيره يعلمون من الغيب شيئا. إنما قصد الرسول بالاختيار أن يظهر أمام الحضور وأن يوضح حقيقة ابن صياد. وهى أنه مفتر كذاب، وأن علم الغيب إنما هو لله وحده.

(2/311)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الثّانِي: أَنّ شَيْطَانَهُ كَانَ يَأْتِيهِ بِمَا خَفِيَ مِنْ أَخْبَارِ الْأَرْضِ، وَلَا يَأْتِيهِ بِخَبَرِ السّمَاءِ لِمَكَانِ الْقَذْفِ وَالرّجْمِ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِالدّخّ الدّخَانَ بِقُوّةِ جُعِلَتْ لَهُمْ فِي أَسْمَاعِهِمْ لَيْسَتْ لَنَا، فَأَلْقَى الْكَلِمَةَ عَنْ لِسَانِ صِافٍ وَحْدَهَا، إذْ لَمْ يُمْكِنْ سَمَاعُ سَائِرِ الْآيَةِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ النّبِيّ- عَلَيْهِ السّلَامُ: اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدَرَ اللهِ فِيك أَيْ: فَلَنْ تَعْدُوَ مَنْزِلَتَك مِنْ الْعَجْزِ عَنْ عِلْمِ الْغَيْبِ، وَإِنّمَا الّذِي يُمْكِنُ فِي حَقّهِ هَذَا الْقَدَرُ دُونَ مَزِيدٍ عَلَيْهِ، عَلَى هَذَا النّحْوِ فَسّرَهُ الْخَطّابِيّ.
الْغَيْطَلَةُ الْكَاهِنَةُ وَكِهَانَتُهَا:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ الْغَيْطَلَةِ الْكَاهِنَةِ، قَالَ: وَهِيَ مِنْ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ أَخِي مُدْلِجٍ، وَهِيَ: أُمّ الْغَيَاطِلِ الّذِي ذَكَرَ أَبُو طَالِبٍ، وَسَنَذْكُرُ مَعْنَى الْغَيْطَلَةِ عِنْدَ شِعْرِ أَبِي طَالِبٍ إنْ شاء الله. ونذكرها ههنا مَا أَلْفِيّتِهِ فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. قَالَ: الْغَيْطَلَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الصّعِقِ ابن شَنُوقِ بْنِ مُرّةَ، وَشَنُوقٌ أَخُو مُدْلِجٍ، وَهَكَذَا ذَكَرَ نَسَبَهَا الزّبَيْرُ.
وَذَكَرَ قَوْلَهَا: شُعُوبُ وَمَا شعوب، تصرع فيها كعب لجنوب.
كعب ههنا هُوَ: كَعْبُ بْنُ لُؤَيّ، وَاَلّذِينَ صُرِعُوا لِجُنُوبِهِمْ بِبَدْرِ وَأُحُدٍ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، مُعْظَمُهُمْ مِنْ كعب بن لؤىّ، وشعوب ههنا أَحْسَبُهُ بِضَمّ الشّينِ، وَلَمْ أَجِدْهُ مُقَيّدًا، وَكَأَنّهُ جَمْعُ شَعْبٍ، وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ يَدُلّ عَلَى هَذَا حِينَ قَالَ:
فَلَمْ يَدْرِ مَا قَالَتْ، حَتّى قُتِلَ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرِ وَأُحُدٍ بِالشّعْبِ «1» .
__________
(1) ومن رواه بفتح الشين فهو اسم للمنية لا يصرف ص 68 الخشنى

(2/312)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ قَوْلَ التّابِعِ: أَدْرِ مَا أَدْرِ، وَقَيّدَ عَنْ أَبِي عَلِيّ فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى:
وَمَا بَدْرٌ؟ وَهِيَ أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ النّعْمَانِ النّجّارِيّةَ كَانَ لَهَا تَابِعٌ مِنْ الْجِنّ، وَكَانَ إذَا جَاءَهَا اقْتَحَمَ عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا، فَلَمّا كَانَ فِي أَوّلِ الْبَعْثِ أَتَاهَا، فَقَعَدَ عَلَى حَائِطِ الدّارِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فَقَالَتْ لَهُ: لِمَ لَا تَدْخُلُ؟ فَقَالَ: قَدْ بُعِثَ نَبِيّ بِتَحْرِيمِ الزّنَا، فَذَلِكَ أَوّلُ مَا ذُكِرَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ «1» .
ثَقِيفٌ وَلَهَبٌ وَالرّمْيُ بِالنّجُومِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ إنْكَارَ ثَقِيفٍ لِلرّمْيِ بِالنّجُومِ، وَمَا قَالَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ أَحَدُ بَنِي عِلَاجٍ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحُ الْمَعْنَى، لَكِنّ فِيهِ إبْهَامًا لِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ هَذِهِ النّجُومُ فَهُوَ لِأَمْرِ حَدَثَ، فَمَا هُوَ وَقَدْ فَعَلَ مَا فَعَلَتْ ثَقِيفٌ بَنُو لِهْبٍ عِنْدَ فَزَعِهِمْ لِلرّمْيِ بِالنّجُومِ، فَاجْتَمَعُوا إلَى كَاهِنٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ:
خَطَرُ، فَبَيّنَ لَهُمْ الْخَبَرَ، وَمَا حَدَثَ مِنْ أَمْرِ النّبُوّةِ. رَوَى أَبُو جَعْفَرٍ الْعَقِيلِيّ فِي كِتَابِ الصّحَابَةِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي لِهْبٍ يُقَالُ لَهُ: لِهْبٌ أَوْ لُهَيْبٌ «2» . وَقَدْ تَكَلّمْنَا عَلَى نَسَبِ لِهْبٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ. قَالَ لُهَيْبٌ: حضرت مع رسول
__________
(1) لا أدرى كيف يلقى السهيلى وأمثاله آذانهم إلى مثل هذا الخرف، وإلى الباطل الذى يؤكد القرآن أنه باطل. ولنتدبر عشرات الايات فى القرآن التى تنفى علم الغيب عن غير الله. وتابعها: شيطان إنسى بدليل الزنا!!
(2) فى الأصل «لهيب أو لهيب» وهو خطأ صوبته من الإصابة، فابن منده يقول: «لهيب بالتصغير بن مالك اللهبى، وأبو عمر يقول: لهب مكبرا وبه جزم الرشاطى» .

(2/313)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْت عِنْدَهُ الْكِهَانَةَ، فَقُلْت: بِأَبِي وَأُمّي: نَحْنُ أَوّلُ مَنْ عَرَفَ حِرَاسَةَ السّمَاءِ، وَزَجْرَ الشّيَاطِينِ، وَمَنْعَهُمْ مِنْ اسْتِرَاقِ السّمْعِ عِنْدَ قَذْفِ النّجُومِ، وَذَلِكَ أَنّا اجْتَمَعْنَا إلَى كَاهِنٍ لَنَا يُقَالُ لَهُ: خَطَرُ بْنُ مَالِكٍ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، قَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ مِائَتَا سَنَةٍ وَثَمَانُونَ سَنَةً، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ كُهّانِنَا، فَقُلْنَا: يَا خَطَرُ هَلْ عِنْدَك عِلْمٌ مِنْ هَذِهِ النّجُومِ الّتِي يُرْمَى بِهَا، فَإِنّا قَدْ فَزِعْنَا لَهَا، وَخَشِينَا سُوءَ عَاقِبَتِهَا؟ فَقَالَ:
ائْتُونِي بِسَحَرْ ... أُخْبِرُكُمْ الْخَبَرْ
أَبِخَيْرِ أَمْ ضَرَرْ ... أَوْ لِأَمْنِ أَوْ حَذَرْ
قَالَ: فَانْصَرَفْنَا عَنْهُ يَوْمَنَا، فَلَمّا كَانَ مِنْ غَد فِي وَجْهِ السّحَرِ أَتَيْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ عَلَى قَدَمَيْهِ، شَاخِصٌ فِي السّمَاءِ بِعَيْنَيْهِ، فَنَادَيْنَاهُ: أَخَطَرٌ يَا خَطَرُ؟ فَأَوْمَأَ إلَيْنَا:
أَنْ أَمْسِكُوا، فَانْقَضّ نَجْمٌ عَظِيمٌ مِنْ السّمَاءِ، وَصَرَخَ الْكَاهِنُ رَافِعًا صَوْتَهُ:
أَصَابَهُ إصَابَة ... خَامَرَهُ عِقَابُهْ
عَاجَلَهُ عَذَابُهْ ... أَحْرَقَهُ شِهَابُهْ
زَايَلَهُ جَوَابُهْ ... يَا وَيْلَهُ مَا حَالُهْ
بَلْبَلَهُ بَلْبَالُهْ ... عَاوَدَهُ خَبَالُهْ
تَقَطّعَتْ حِبَالُهْ ... وغيّرت أحواله

(2/314)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثُمّ أَمْسَكَ طَوِيلًا وَهُوَ يَقُولُ:
يَا مَعْشَرَ بَنِي قَحْطَانِ ... أُخْبِرُكُمْ بِالْحَقّ وَالْبَيَانِ
أَقْسَمْت بِالْكَعْبَةِ وَالْأَرْكَانِ ... وَالْبَلَدِ الْمُؤْتَمَنِ السّدّانِ
لَقَدْ مُنِعَ السّمْعَ عُتَاةُ الْجَانّ ... بِثَاقِبِ بِكَفّ ذِي سُلْطَانِ
مِنْ أَجْلِ مَبْعُوثٍ عَظِيمِ الشّانِ ... يُبْعَثُ بِالتّنْزِيلِ وَالْقُرْآنِ
وَبِالْهُدَى وَفَاصِلِ الْقُرْآنِ ... تَبْطُلُ بِهِ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ
قَالَ: فَقُلْنَا: وَيْحَك يَا خَطَرُ إنّك لَتَذْكُرُ أَمْرًا عَظِيمًا، فَمَاذَا تَرَى لِقَوْمِك؟ فَقَالَ:
أَرَى لِقَوْمِي مَا أَرَى لِنَفْسِي ... أَنْ يَتّبِعُوا خَيْرَ نَبِيّ الْإِنْسِ
بُرْهَانُهُ مِثْلُ شُعَاعِ الشّمْسِ ... يُبْعَثُ فِي مَكّةَ دَارِ الْحُمْسِ
بِمُحْكَمِ التّنْزِيلِ غَيْرِ اللّبْسِ
فَقُلْنَا لَهُ: يَا خَطَرُ، وَمِمّنْ هُوَ؟ فَقَالَ: وَالْحَيَاةِ وَالْعَيْشِ. إنّهُ لَمِنْ قُرَيْشٍ، مَا فِي حِلْمِهِ طَيْشٌ، وَلَا فِي خُلُقِهِ هَيْشٌ «1» يَكُونُ فِي جَيْشٍ، وَأَيّ جَيْشٍ، مِنْ آلِ قَحْطَانَ وَآلِ أَيْشٍ، فَقُلْت لَهُ: بَيّنِ لَنَا: مِنْ أَيّ قُرَيْشٍ هُوَ؟
فَقَالَ: وَالْبَيْتِ ذِي الدّعَائِمِ، وَالرّكْنِ وَالْأَحَائِمِ، إنّهُ لَمِنْ نَجْلِ هَاشِمٍ، مِنْ مَعْشَرٍ كَرَائِمٍ، يُبْعَثُ بِالْمَلَاحِمِ، وَقَتْلِ كُلّ ظَالِمٍ، ثُمّ قَالَ: هَذَا هُوَ الْبَيَانُ، أَخْبَرَنِي بِهِ رَئِيسُ الْجَانّ، ثُمّ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، جَاءَ الْحَقّ وَظَهَرَ، وَانْقَطَعَ عَنْ الْجِنّ الْخَبَرُ- ثُمّ سَكَتَ وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَمَا أَفَاقَ إلّا بعد ثلاثة، فقال: لا إله إلا
__________
(1) ليس فى طبيعته وسجيته قول قبيح.

(2/315)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الله؛ فقال رسول الله- صلى الله عليه وَسَلَّمَ: لَقَدْ نَطَقَ عَنْ مِثْلِ نُبُوّةٍ، وَإِنّهُ لَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمّةً وَحْدَهُ «1» .
أَصْلُ أَلْفِ إصَابَةٍ:
قَالَ الْمُؤَلّفُ: فِي هَذَا الْخَبَرِ قَوْلُهُ: أَصَابَهُ إصَابَةً، هَكَذَا قَيّدْته بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ إصَابَةٍ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ طَاهِرٍ، وَأَخْبَرَنِي بِهِ عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ، وَوَجْهُهُ أَنْ تَكُونَ. الْهَمْزَةُ بَدَلًا مِنْ وَاوٍ مَكْسُورَةٍ مِثْلُ وِشَاحٍ وَإِشَاحٍ [وَوِسَادَةٍ وَإِسَادَةٍ] ، وَالْمَعْنَى: أَصَابَهُ وَصَابَهُ جَمْعُ: وَصَبٍ مِثْلُ: جَمَلٍ وَجِمَالَةٍ،
مَعْنَى كَلِمَةِ أَيْشٍ وَالْأَحَائِمِ:
وَقَوْلُهُ: مِنْ آلِ قَحْطَانَ وَآلِ أَيْشٍ، يَعْنِي بِآلِ قَحْطَانَ: الْأَنْصَارَ؛ لِأَنّهُمْ مِنْ قَحْطَانَ، وَأَمّا آلُ أَيْشٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قَبِيلَةً مِنْ الْجِنّ الْمُؤْمِنِينَ، يُنْسَبُونَ إلَى أَيْشٍ، فَإِنْ يَكُنْ هَذَا، وَإِلّا فَلَهُ مَعْنًى فِي الْمَدْحِ غَرِيبٌ، تَقُولُ: فُلَانٌ أَيْشٌ هُوَ وَابْنُ أَيْشٍ، وَمَعْنَاهُ: أَيّ شَيْءٍ أَيْ شَيْءٌ عَظِيمٌ فَكَأَنّهُ أَرَادَ مِنْ آلِ قَحْطَانَ، وَمِنْ الْمُهَاجِرِينَ الّذِي يُقَالُ فِيهِمْ مِثْلُ هَذَا، كَمَا تَقُولُ: هم، وما هم؟ وزيد وما زَيْدٌ، وَأَيّ شَيْءٍ زَيْدٌ، وَأَيْشٌ فِي مَعْنَى: أَيّ شَيْءٍ، كَمَا يُقَالُ وَيْلُمّهِ فِي مَعْنَى: ويل أمه «2» على الحذف
__________
(1) هو فى الإصابة مع اختصار واختلاف يسير عما هنا. وعيب السهيلى أنه يصدق مثل هذا، ويعلق عليه كأنه صحيح. بينما يقول أبو عمر: إسناده ضعيف، ورواته مجهولون، وعمارة بن زيد راوى الحديث اتهموه بوضع الحديث
(2) ويل أمه: أى هو داهية. ويقول ابن جنى «وأما وزن قوله: «ويلمه فإن حكيت أصله، فوزنه (فع ل عله) وإن وزنت على ما صار إليه بعد التركيب فمثالها (فيعلة) بسكون الياء وضم العين وتضعيف اللام مع فتح فإن قلت: فإن هذا مثال غير موجود، قيل: إنما ينكر هذا: لو كان المثال أصلا برأسه، فامأ وهو فرع أدى إليه التركيب شيئا بعد شىء، فلا ينكر ذلك ... ويجوز-

(2/316)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ: هُوَ فِي جَيْشٍ أَيّمَا جَيْشٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَأَحْسَبُهُ أَرَادَ بِآلِ أَيْشٍ: بَنِي أُقَيْشٍ، وَهُمْ حُلَفَاءُ الْأَنْصَارِ مِنْ الْجِنّ؛ فَحَذَفَ مِنْ الِاسْمِ حَرْفًا، وَقَدْ تَفْعَلُ الْعَرَبُ مِثْلَ هَذَا، وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُ بَنِي أُقَيْشٍ فِي السّيرَةِ فِي حَدِيثِ الْبَيْعَةِ.
وَذِكْرُ الرّكْنِ وَالْأَحَائِمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: الْأَحَاوِمَ بِالْوَاوِ، فَهَمْزُ الْوَاوِ لِانْكِسَارِهَا، وَالْأَحَاوِمُ: جَمْعُ أحوام والأحوام جميع حَوْمٍ، وَهُوَ الْمَاءُ فِي الْبِئْرِ، فَكَأَنّهُ أَرَادَ: مَاءَ زَمْزَمَ، وَالْحَوْمُ أَيْضًا: إبِلٌ كَثِيرَةٌ تَرِدُ الْمَاءَ، فَعَبّرَ بِالْأَحَائِمِ عَنْ وِرَادِ زَمْزَمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا الطّيْرَ وَحَمَامَ مَكّةَ الّتِي تَحُومُ عَلَى الْمَاءِ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْحَوَائِمِ، وَقُلِبَ اللّفْظُ، فَصَارَ بَعْدُ فَوَاعِلَ: أَفَاعِلَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
حَيّ جَنْبٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَنّ جَنْبًا وَهُمْ حَيّ مِنْ الْيَمَنِ اجْتَمَعُوا إلَى كَاهِنٍ لَهُمْ، فَسَأَلُوهُ عَنْ أَمْرِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ رَمَى بِالنّجُومِ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ:
جَنْبٌ هُمْ مِنْ مَذْحِجَ، وَهُمْ: عَيّذُ اللهِ، وَأَنَسُ اللهِ، وَزَيْدُ اللهِ، وَأَوْسُ اللهِ، وَجُعْفِيّ، وَالْحَكَمُ، وَجِرْوَةُ، بَنُو سَعْدِ الْعَشِيرَةِ «1» بْنِ مَذْحِجَ، وَمَذْحِجُ هُوَ: مَالِكُ بْنُ أُدَدٍ، وَسُمّوا: جَنْبًا لأنهم جانبوا بنى عمهم صداء
__________
- أن يكون قولهم: (ويلمه) أصله: ويل لأمه، ثم حذف حرف الجر والهمزة- التى هى فاء- والتنوين، أو لم ينون، لأنه نوى المعرفة كغاق، فبقى: ويلمه) ص 16 التمام فى تفسير أشعار هذيل ط بغداد. وقال ابن الشجرى، أنها تقال بضم اللام وكسرها، وانظر ص 251 ح 3 خزانة البغدادى ط السلفية، فقد فصل القول فيها. وفيه أن معناها مدح خرج بلفظ الذم. وأنها تقال للمستجاد وللداهية.
(1) فى جمهرة ابن حزم عن ولد سعد العشيرة أنهم: الحكم- وبه كان يكنى- والصعب ونمرة لأمهات شتى، وجعفى وعائذ الله، وأوهن الله، وزيد الله وأنس الله، والحر أمهم: أسماء بنت أبى بكر بن عبد مناة بن كنانة ص 383

(2/317)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويزيدا بنى سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجَ «1» . قَالَهُ الدّارَقُطْنِيّ. وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ خِلَافًا فِي أَسْمَائِهِمْ، وَذَكَرَ فِيهِمْ بَنِي غَلِيّ بِالْغَيْنِ، وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِ غَلِيّ غَيْرُهُ، قَالَ مُهَلْهِلٌ:
أَنْكَحَهَا فَقْدُهَا الْأَرَاقِمَ فِي ... جَنْبٍ، وَكَانَ الْحِبَاءُ مِنْ أَدَمْ
مَعْنَى خَلَتْ فِي وَشِيعَةٍ فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ عُمَرَ، وَقَوْلَهُ لِلرّجُلِ: أَكُنْت كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيّةِ؟
فَقَالَ الرّجُلُ: سُبْحَانَ اللهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ خِلْت «2» فِيّ، وَاسْتَقْبَلْتنِي بِأَمْرِ مَا أَرَاك اسْتَقْبَلْت بِهِ أَحَدًا مُنْذُ وُلّيت! وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَوْلُهُ: خِلْت فِيّ هُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ خِلْت وَظَنَنْت، كَقَوْلِهِمْ فِي الْمَثَلِ: مَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ أَحَدِ الْمَفْعُولَيْنِ مَعَ بَقَاءِ الْآخَرِ، لِأَنّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، فَإِذَا حُذِفَتْ الْجُمْلَةُ كُلّهَا جَازَ؛ لِأَنّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ الْمَفْعُولِ، وَالْمَفْعُولُ قَدْ يَجُوزُ حذفه، ولكن لابد مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلّ عَلَى الْمُرَادِ، فَفِي قَوْلِهِمْ: مَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ دَلِيلٌ يَدُلّ عَلَى الْمَفْعُولِ، وَهُوَ يَسْمَعُ، وَفِي قَوْلِهِ، خِلْت فِيّ دَلِيلٌ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُهُ: فِيّ، كَأَنّهُ قَالَ: خِلْت الشّرفىّ أَوْ نَحْوَ، هَذَا وَقَوْلُهُ: قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِشَهْرِ أَوْ شَيْعِهِ أَيْ: دُونَهُ بِقَلِيلِ، وَشَيْعُ كُلّ شَيْءٍ: مَا هُوَ تَبَعٌ لَهُ، وَهُوَ مِنْ
__________
(1) فى الاشتقاق لابن دريد وهو يتكلم عن مذحج (ومن بطونهم بنو منبه ابن حرب بن يزيد والحارث والغلى وسيحان وشمران وهفّان يقال لهم جنب لأنهم جانبوا قومهم) ص 405.
(2) يقال: خلت بالكسر إخال وهو الأفصح، وبنو أسد يقولون: أخال بالفتح وهو القياس. المعنى: من يتسمع أخبار الناس ومعايبهم، يقع فى نفسه عليهم المكروه.

(2/318)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشّيَاعِ وَهِيَ: حَطَبٌ صِغَارٌ تُجْعَلُ مَعَ الْكِبَارِ تَبَعًا لَهَا، وَمِنْهُ: الْمُشَيّعَةُ، وَهِيَ:
الشّاةُ تَتْبَعُ الغنم، لأنها دونها فى الْقُوّةِ.
جُلَيْحٌ وَسَوَادُ بْنُ قَارِبٍ:
وَالصّوْتُ الّذِي سَمِعَهُ عُمَرُ مِنْ الْعِجْلِ يَا جُلَيْحٌ «1» سَمِعْت بَعْضَ أَشْيَاخِنَا يَقُولُ: هُوَ اسْمُ شَيْطَانٍ، وَالْجُلَيْحُ فى اللغة: ما تطاير من رؤس النّبَاتِ، وَخَفّ نَحْوَ الْقُطْنِ وَشِبْهِهِ، وَالْوَاحِدَةُ: جُلَيْحَةٌ، وَاَلّذِي وَقَعَ فِي السّيرَةِ: يَا ذَرِيحُ، وَكَأَنّهُ نِدَاءٌ لِلْعِجْلِ الْمَذْبُوحِ لِقَوْلِهِمْ: أَحْمَرُ ذَرِيحِيّ، أَيْ: شَدِيدُ الْحُمْرَةِ، فَصَارَ وَصْفًا لِلْعِجْلِ الذّبِيحِ مِنْ أَجْلِ الدّمِ: وَمَنْ رَوَاهُ: يَا جُلَيْحُ، فَمَآلُهُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنّ الْعِجْلَ قَدْ جُلِحَ أَيْ: كُشِفَ عَنْهُ الْجِلْدُ، فَاَللهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا الرّجُلُ الّذِي كَانَ كَاهِنًا هُوَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ الدّوْسِيّ فِي قَوْلِ ابْنِ الْكَلْبِيّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ سَدُوسِيّ «2» وَفِيهِ يَقُولُ الْقَائِلُ:
أَلَا لِلّهِ عِلْمٌ لَا يُجَارَى ... إلَى الْغَايَاتِ فِي جَنْبَيْ سَوَادِ
أَتَيْنَاهُ نُسَائِلُهُ امْتِحَانًا ... فَلَمْ يَبْعَلْ، وَأَخْبَرَ بِالسّدَادِ «3»
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي شِعْرٍ وَخَبَرٍ ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيّ الْقَالِي فِي أَمَالِيهِ، وَرَوَى غير ابن إسحاق هذا الخير عَنْ عُمَرَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَنّ عمر مازحه، فقال: ما فعلت:
__________
(1) هذه رواية البخارى.
(2) قال ابن حبيب: كل سدوس فى العرب مفتوح إلا سدوس بن أجمع ابن أبى عبيد بن ربيعة بن نصر.
(3) فى الأمالى (وتحسب أن سيعمد يالعناد) والخبر كما قال مطولا فى الأمالى ص 289 ح 2 ط 2 والشعر منسوب إلى عارف الشاعر. وهو كلام فحسب كلام لا يحنو عليه عقل، ولا يصالحه دين

(2/319)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كِهَانَتُك يَا سَوَادُ؟! فَغَضِبَ، وَقَالَ: قَدْ كُنْت أَنَا وَأَنْت عَلَى شَرّ مِنْ هَذَا مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَأَكْلِ الْمَيْتَاتِ، أَفَتُعَيّرُنِي بِأَمْرِ تُبْت مِنْهُ؟! فَقَالَ عُمَرُ حِينَئِذٍ:
اللهُمّ غَفْرًا. وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سِيَاقَةً حَسَنَةً وَزِيَادَةً مُفِيدَةً، وَذَكَرَ أَنّهُ حَدّثَ عُمَرَ أَنّ رِئْيَهُ جَاءَ ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَاتٍ، هُوَ فِيهَا كُلّهَا بَيْنَ النّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، فَقَالَ: قُمْ يَا سَوَادُ، وَاسْمَعْ مَقَالَتِي، وَاعْقِلْ إنْ كُنْت تَعْقِلُ، قَدْ بُعِثَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ يَدْعُو إلَى اللهِ وَعِبَادَتِهِ، وَأَنْشَدَهُ فِي كُلّ لَيْلَةٍ مِنْ الثّلَاثِ اللّيَالِي ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَقَافِيَتُهَا مُخْتَلِفَةٌ:
عَجِبْت لِلْجِنّ وَتَطْلَابِهَا ... وَشَدّهَا الْعِيسَ بِأَقْتَابِهَا
تَهْوِي إلَى مَكّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا صَادِقُ الْجِنّ كَكَذّابِهَا
فَارْحَلْ إلَى الصّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... لَيْسَ قُدَامَاهَا «1» كَأَذْنَابِهَا
وَقَالَ لَهُ فِي الثّانِيَةِ:
عَجِبْت لِلْجِنّ وَإِبْلَاسِهَا ... وَشَدّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا
تَهْوِي إلَى مَكّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا طَاهِرُ الْجِنّ كَأَنْجَاسِهَا
فَارْحَلْ إلَى الصّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... ليس ذنابى الطير من رأسها «2»
__________
(1) فى الخصائص للسيوطى: قدام، وهو صحيح المعنى أيضا.
(2) فى البداية لابن كثير، وفى الخصائص للسيوطى: ما مؤمنوها مثل أرجاسها- واسم بعينيك إلى رأسها. وفى السيرة الحلبية: ما خير الجن كأنجاسها، وارم بعينيك إلى رأسها، بدلا من: «ما طاهر الجن الخ وليس ذنابى الطير الخ» .

(2/320)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ لَهُ فِي الثّالِثَةِ:
عَجِبْت لِلْجِنّ وَتَنْفَارِهَا «1» ... وَشَدّهَا الْعِيسَ بِأَكْوَارِهَا
تَهْوِي إلَى مَكّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا مُؤْمِنُ الْجِنّ كَكُفّارِهَا «2»
فَارْحَلْ إلَى الْأَتْقَيْنِ مِنْ هَاشِمٍ ... لَيْسَ قُدَامَاهَا كَأَدْبَارِهَا «3»
وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ، وَفِي آخِرِ شِعْرِ سَوَادٍ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْشَدَهُ مَا كَانَ مِنْ الْجِنّيّ رِئْيَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ مُتَوَالِيَاتٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ:
أَتَانِي نَجِيّي بَعْدَ هدء ورقدة «4» ... ولم بك فِيمَا قَدْ بَلَوْت بِكَاذِبِ
ثَلَاثَ لَيَالٍ قَوْلُهُ كُلّ لَيْلَةٍ ... أَتَاك نَبِيّ «5» مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ
فَرَفّعْت أَذْيَالَ الْإِزَارِ وَشَمّرَتْ ... بِي الْعِرْمِسُ الْوَجْنَا هُجُولُ السّبَاسِبِ «6»
فَأَشْهَدُ أَنّ اللهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وَأَنّك مَأْمُونٌ عَلَى كُلّ غَائِبِ
__________
(1) فى الخصائص: وتجسارها.
(2) فى الخصائص: ليس ذو الشر كأخيارها.
(3) فى الخصائص: ما مؤمنو الجن ككفارها.
(4) فى الخصائص: «رئيى، وليل وهجعة» .
(5) فى الخصائص: رسول.
(6) فى الخصائص:
فشمرت عن ساقى الإزار، ووسطت ... بى الذّعلب الوجناء عند السباسب
والعرمس: الناقة الصلبة. والوجناء: العظيمة الوجنتين. والهجول: جمع هجل: المطمئن من الأرض. والسباسب: جمع. سبسب، وهى المفازة من الأرض، أو الأرض البعيدة المستوية. والذعلب بكسر الذال واللام أو الذعلبة: الناقة السريعة.

(2/321)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأنك أدنى المرسلين وسيلة «1» ... إلى الله يابن الْأَكْرَمِينَ الْأَطَايِبِ
فَمُرْنَا بِمَا يَأْتِيك مِنْ وَحْيِ رَبّنَا «2» ... وَإِنْ كَانَ فِيمَا جِئْت شَيْبُ الذّوَائِبِ
وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شَفَاعَةٍ ... بمغن «3» فتيلا عن سواد بن قارب
__________
(1) فى الخصائص: شفاعة، ولا يجوز أن نفهم أنه وسيلة إلى الله إلا بالمعنى الشرعى المحكم الذى ينفى الشرك. ويثبت التوحيد، والوسيلة هنا: حبه وحب الله وطاعته وطاعة الله، أى: اتباع ما جاء به، والانتهاء عما نهى عنه. أما المعنى الشركى الذى ينفى الإيمان، فهو أن نتوسل بذاته أو قبره لا بطاعته وحبه.
(2) فى الخصائص: يا خير من مشى، وفى رواية: يا خير مرسل.
(3) فى الخصائص: سواك. وطلب الشفاعة من غير الله هو طلبها ممن لا يملكها، ولا ينبغى لمسلم أن يطلب من رسول الله الشفاعة؛ لأنه لا يملكها، وإنما له أن يطلبها من الله سبحانه. ولنتدبر معاقو له سبحانه: «من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه» وغيرها من الايات التى تقطع بأن أحدا لا يملك من أمر الشفاعة شيئا إلا الله سبحانه، وهذا البيت يؤكد أن القصة موضوعة، وأن القصيدة مصنوعة، فلم يكن من دين صحابى، بل لم يكن من دين مسلم أن يتوجه بطلب الشفاعة إلى رسول الله «ص» . والبيت من البيوت التى يستشهد بها النحويون. والشاهد فيه قوله: «بمغن» حيث أدخل الباء الزائدة فى خبر لا، كما تدخل فى الخبر المنفى بليس وما، وذاك قليل، وهذه الباء لتأكيد النفى عند الكوفيين، أما عند البصريين فهى لدفع توهم الإثبات. ورأى الكوفيين هو الصحيح. ولا نافية حجازية تعمل عمل ليس، ولهذا رفعت ذو. وقد روى البخارى قصة سواد بن قارب فى إسلام عمر عن يحيى بن سليمان الحوفى عن ابن وهب، عن عمرو- وهو محمد بن زيد- أن سالما حدثه عن عبد الله بن عمر- بنحو مما ذكره ابن هشام. وسواد بن قارب من أهل السراة- كما قيل- من جبال البلقاء له صحبة- كما يحكى- ووفادة. وقيل: كان من أشراف اليمن، وهناك فى بعض الطرق التى روى منها هذا الحديث ما يثير حوله الشك، بل فى ألفاظه نفسها. والقرآن لا يشهد له، وتدبر قول الله سبحانه: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث-

(2/322)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سواد وروس عند وفاة الرسول «ص» :
وَلِسَوَادِ بْنِ قَارِبٍ هَذَا مَقَامٌ حَمِيدٌ فِي دَوْسٍ حِينَ بَلَغَهُمْ وَفَاةُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ حِينَئِذٍ سَوَادٌ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَزْدِ، إنّ مِنْ سَعَادَةِ الْقَوْمِ أَنْ يَتّعِظُوا بِغَيْرِهِمْ، وَمِنْ شَقَائِهِمْ أَلّا يَتّعِظُوا إلّا بِأَنْفُسِهِمْ، وَمَنْ لَمْ تَنْفَعْهُ التّجَارِبُ ضَرّتْهُ، وَمَنْ لَمْ يَسَعْهُ الْحَقّ لَمْ يَسَعْهُ الْبَاطِلُ، وَإِنّمَا تُسْلِمُونَ الْيَوْمَ بِمَا أَسْلَمْتُمْ بِهِ أَمْسِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ تَنَاوَلَ قَوْمًا أَبْعَدَ مِنْكُمْ فَظَفِرَ بِهِمْ، وَأَوْعَدَ قَوْمًا أَكْثَرَ مِنْكُمْ فَأَخَافَهُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْكُمْ عِدّةٌ وَلَا عَدَدٌ، وَكُلّ بَلَاءٍ مَنْسِيّ إلّا ما بَقِيَ أَثَرُهُ فِي النّاسِ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْبَلَاءِ إلّا أَنْ يَكُونُوا أَذْكَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَافِيَةِ لِلْعَافِيَةِ، وَإِنّمَا كَفّ نَبِيّ اللهِ عَنْكُمْ مَا كَفّكُمْ عَنْهُ، فَلَمْ تَزَالُوا خَارِجِينَ مِمّا فِيهِ أَهْلُ الْبَلَاءِ، دَاخِلِينَ مِمّا فِيهِ أَهْلُ الْعَافِيَةِ، حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطِيبُكُمْ وَنَقِيبُكُمْ فَعَبّرَ الْخَطِيبُ عَنْ الشّاهِدِ، وَنَقّبَ النّقِيبُ عَنْ الْغَائِبِ، وَلَسْت أَدْرِي لَعَلّهُ تَكُونُ لِلنّاسِ جَوْلَةٌ فَإِنْ تَكُنْ، فَالسّلَامَةُ مِنْهَا: الْأَنَاةُ، وَاَللهُ يُحِبّهَا، فَأَحِبّوهَا. فَأَجَابَهُ الْقَوْمُ وَسَمِعُوا قَوْلَهُ، فَقَالَ فى ذلك سواد بن قارب:
__________
- لا ترونهم» ، والجليح- كما فسر- هو الوقح المكافح بالعداوة، وفى رواية. يا آل ذريح، وهو بطن مشهور فى العرب، والقلاص: جمع قلص، وهذه جمع قلوص: الفتية من النياق، والأحلاس: جمع حلس ما يوضع على ظهر البعير ليقى الرجل من الدبر، وأبلس الرجل: سكت ذليلا أو مغلوبا، والعيس: الإبل الكرام. انظر ص 144 ح 7 فتح البارى، وص 252 ح 1 الخصائص للسيوطى ح 1 دار الكتب الحديثة، ص 68 شرح السيرة للخشنى، وبلوغ الأرب ح 3 ص. 23، 302، ومجمع الزوائد للهيثمى.

(2/323)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جَلّتْ مُصِيبَتُك الْغَدَاةَ سَوَادُ ... وَأَرَى الْمُصِيبَةَ بَعْدَهَا تَزْدَادُ
أَبْقَى لَنَا فَقْدُ النّبِيّ مُحَمّدٍ ... - صَلّى الْإِلَهُ عَلَيْهِ- مَا يُعْتَادُ
حُزْنًا لَعَمْرُك فِي الْفُؤَادِ مُخَامِرًا ... أَوْ هَلْ لِمَنْ فَقَدَ النّبِيّ فُؤَادُ؟
كُنّا نَحُلّ بِهِ جَنَابًا مُمْرِعًا ... جَفّ الْجَنَابُ، فَأَجْدَبَ الرّوّادُ
فَبَكَتْ عَلَيْهِ أَرْضُنَا وَسَمَاؤُنَا ... وَتَصَدّعَتْ وَجْدًا بِهِ الْأَكْبَادُ
قَلّ الْمَتَاعُ بِهِ، وَكَانَ عِيَانُهُ ... حُلْمًا تَضَمّنَ سَكَرَتَيْهِ رُقَادُ
كَانَ الْعِيَانُ هُوَ الطّرِيفَ وَحُزْنُهُ ... بَاقٍ لَعَمْرُك فِي النّفُوسِ تِلَادُ
إنّ النّبِيّ وَفَاتُهُ كَحَيَاتِهِ ... الْحَقّ حَقّ وَالْجِهَادُ جِهَادُ
لَوْ قِيلَ: تَفْدُونَ النّبِيّ مُحَمّدًا ... بُذِلَتْ لَهُ الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ
وَتَسَارَعَتْ فِيهِ النّفُوسُ بِبَذْلِهَا ... هَذَا لَهُ الْأَغْيَابُ وَالْأَشْهَادُ
هَذَا، وَهَذَا لَا يَرُدّ نَبِيّنَا ... لَوْ كَانَ يَفْدِيهِ فَدَاهُ سَوَادُ
أَنّى أُحَاذِرُ وَالْحَوَادِثُ جَمّةٌ ... أَمْرًا لِعَاصِفِ رِيحِهِ إرْعَادُ
إنْ حَلّ مِنْهُ مَا يُخَافُ فَأَنْتُمْ ... لِلْأَرْضِ- إنْ رَجَفَتْ بِنَا- أَوْتَادُ
لَوْ زَادَ قَوْمٌ فَوْقَ مُنْيَةِ صَاحِبٍ ... زِدْتُمْ، وَلَيْسَ لِمُنْيَةِ مُزْدَادُ
كَاهِنَةُ قُرَيْشٍ فَأَعْجَبَ الْقَوْمَ شِعْرُهُ، وَقَوْلُهُ: فَأَجَابُوا إلَى مَا أَحَبّ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ خَبَرُ سَوْدَاءَ بِنْتِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ، وَذَلِكَ أَنّهَا حِينَ وُلِدَتْ وَرَآهَا أَبُوهَا زَرْقَاءَ شَيْمَاءَ «1» أَمَرَ بِوَأْدِهَا، وَكَانُوا يَئِدُونَ مِنْ الْبَنَاتِ مَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الصّفَةِ فَأَرْسَلَهَا إلَى الْحَجُونِ لِتُدْفَنَ هُنَاكَ، فَلَمّا حَفَرَ لَهَا الحافر، وأراد دفنها سمع هاتفا يقول:
__________
(1) صافية البياض فيها شامة، تعطيها جمالا.

(2/324)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَا تَئِدَنّ الصّبِيّة، وَخَلّهَا فِي الْبَرّيّة، فَالْتَفَتَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَعَادَ لِدَفْنِهَا، فَسَمِعَ الْهَاتِفَ يَهْتِفُ بِسَجْعِ آخَرَ فِي الْمَعْنَى، فَرَجَعَ إلَى أَبِيهَا، فَأَخْبَرَهُ بِمَا سَمِعَ، فَقَالَ:
إنّ لَهَا لَشَأْنًا، وَتَرَكَهَا، فَكَانَتْ كَاهِنَةَ قُرَيْشٍ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِبَنِي زُهْرَةَ: إنّ فِيكُمْ نَذِيرَةً، أَوْ تَلِدُ نَذِيرًا، فَاعْرِضُوا عَلَيّ بَنَاتِكُمْ، فَعُرِضْنَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ فِي كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ قَوْلًا ظَهَرَ بَعْدَ حِينٍ، حَتّى عُرِضَتْ عَلَيْهَا آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ، فقالت: هذه النذيرة، أو تلدنذيرا، وَهُوَ خَبَرٌ طَوِيلٌ ذَكَرَ الزّبَيْرُ مِنْهُ يَسِيرًا، وَأَوْرَدَهُ بِطُولِهِ أَبُو بَكْرٍ النّقّاشُ، وَفِيهِ ذَكَرَ جَهَنّمَ- أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهَا- وَلَمْ يَكُنْ اسْمُ جهنّم، مسوعا بِهِ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا لَهَا: وَمَا جَهَنّمُ، فَقَالَتْ: سيخبركم النذير عنها» .
__________
(1) ليس صدق النبوة فى حاجة إلى أن نكذب له، وتصديق مثل هذه المفتريات تكذيب للقرآن الذى يؤكد أن علم الغيب إنما هو لله وحده. وإذا كان محمد «ص» نفسه لم يكن يعرف الإيمان قبل النبوة، ولم يكن يعرف بالتالى أنه نبى، فكيف ننسب هذا العلم إلى غيره من طواغيت الوثنية؟! هذا وبعض اللغويين يقول عن جهنم: إنها معربة، والأكثرون على أنها عربية أصيلة من جهنام مثلثة الجيم- يقال: ركية جهنام أو جهنم: بعيدة القعر وحديث عاصم بن عمر وهو فى البداية عاصم بن عمر بن قتادة الأنصارى، وفى تفسير ابن كثير: عاصم بن عمرو عن قتادة. ورواه ابن إسحاق أيضا عن محمد بن أبى محمد عن عكرمة، أو سعيد ابن جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ يَهُودَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، فَلَمّا بَعَثَهُ اللهُ مِنْ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ وَجَحَدُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جبل وبشر بن البراء بن معرور وداود ابن سَلَمَةَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللهَ وَأَسْلِمُوا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ونحن أهل شرك، وتخبروننا بأنه مبعوث، وتصفونه بصفته، -

(2/325)