الروض
الأنف ت الوكيل [ذِكْرُ الْهِجْرَةِ الأولى إلى أرض
الحبشة]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا يُصِيبُ أَصْحَابَهُ مِنْ الْبَلَاءِ. وَمَا هُوَ
فِيهِ مِنْ الْعَافِيَةِ. بِمَكَانِهِ مِنْ اللهِ، وَمِنْ عَمّهِ أَبِي
طَالِبٍ، وَأَنّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِمّا هُمْ فِيهِ
مِنْ الْبَلَاءِ. قَالَ لَهُمْ: لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ،
فَإِنّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ. وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ،
حتى يجعل الله لكم فرجا ممّا أنتم فيه، فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ
الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ- إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ، وَفِرَارًا
إلَى اللهِ بِدِينِهِمْ. فكانت أوّل هجرة كانت فى الإسلام.
[أصحاب الهجرة الأولى إلى الحبشه]
وَكَانَ أَوّلَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ
عبد شمس ابن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤىّ بن غالب ابن
فِهْرٍ: عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْن أُمَيّةَ، مَعَهُ
امْرَأَتُهُ: رُقَيّةُ بِنْتُ رَسُولِ الله- صلى الله عليه وسلم- ومن بني
عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: أَبُو حُذَيْفَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/203)
ابن عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ
شَمْسٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنُ عَمْرٍو،
أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ
مُحَمّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ. وَمِنْ بَنِي أسد ابن عَبْدِ الْعُزّى
بْنِ قُصَيّ: الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ.
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ
هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ. وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ
بْنِ كِلَابٍ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بن عبد بن
الحارث ابن زهرة. ومن بنى مخزوم ابن يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ: أَبُو سَلَمَةَ
بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ سَلَمَةَ بنت أبى أميّة ابن
الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. وَمِنْ بَنِي
جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هصيص بن كعب: عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ بْنِ
حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بن حذامة بْنِ جُمَحٍ. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ
كَعْبٍ: عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفُ آلِ الْخَطّابِ، مِنْ عَنْزِ بْنِ
وَائِلٍ مَعَهُ امْرَأَتُهُ: لَيْلَى بِنْتُ أبى حثمة بن حذيفة بْنِ
غَانِمِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ
عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ. وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لؤىّ أبو
سبرة ابن أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ
وُدّ بْنِ نصر بن مالك ابن حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَيُقَال: بَلْ أَبُو
حَاطِبِ بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ ابن نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ.
وَيُقَال: هُوَ أَوّلُ مَنْ قَدِمَهَا. وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ
فِهْرٍ: سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ، وَهُوَ: سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال
بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ.
فَكَانَ هَؤُلَاءِ الْعَشْرَةِ أَوّلَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فِيمَا بَلَغَنِي.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فِيمَا
ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/204)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ
جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَتَتَابَعَ
الْمُسْلِمُونَ، حَتّى اجْتَمَعُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَكَانُوا بِهَا،
مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ بِأَهْلِهِ مَعَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ بنفسه لا
أهل له معه.
[المهاجرون من بنى هاشم وبنى أمية]
ومن بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب
ابن لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ: جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: أَسْمَاءُ بِنْتُ
عُمَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قُحَافَةَ بْنِ
خَثْعَمٍ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ عَبْدَ اللهِ بن جعفر، رجل.
وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُثْمَانُ
بْنُ عَفّانَ بْنِ أَبِي العاص ابن أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، مَعَهُ
امْرَأَتُهُ: رُقَيّةُ ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَعَمْرُو بْنُ
سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ، معه امرأته: فاطمة بنت صفوان ابن
أمية ابن محرّث بن حمل بْنِ شِقّ بْنِ رَقَبَةَ بْنِ مُخْدِجٍ
الْكِنَانِيّ، وَأَخُوهُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْن أُمَيّة،
مَعَهُ امْرَأَتُهُ: أَمِينَةُ بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أسعد ابن عامر بن بياضة
بن سبيع بن جعثمة بْنِ سَعْدِ بْنِ مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ خُزَاعَةَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: هُمَيْنَةُ بِنْتُ خَلَفٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ سَعِيدَ بْنَ
خَالِدٍ، وَأَمَةَ بِنْتَ خَالِدٍ، فَتَزَوّجَ أَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ
الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَمْرُو بْنُ الزّبَيْرِ،
وَخَالِدُ بْنُ الزبير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/205)
[المهاجرون من
بنى أسد وبنى عبد شمس]
وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ، مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ: عَبْدُ اللهِ
بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يعمر بن صبرة بن مرة بن كَبِيرُ بْنُ غَنْمِ
بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ؛ وأخوه عُبَيْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ، مَعَهُ
امْرَأَتُهُ: أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ
أُمَيّةَ، وَقَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ
خُزَيْمَةَ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ بَرَكَةُ بنت يسار، مولاة أبي سفيان بن حرب
بْنِ أُمَيّةَ، وَمُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ، وَهَؤُلَاءِ آلُ
سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، سَبْعَةُ نَفَرٍ.
قَالَ ابن هشام: معيقيب من دوس.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بن عبد مناف، أبو حذيفة
ابن عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَأَبُو موسى الأشعرىّ،
واسمه: عبد الله ابن قَيْسٍ حَلِيفُ آلِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ،
رَجُلَانِ.
[المهاجرون من بنى نوفل وبنى أسد]
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُتْبَةُ بن غزوان بن جابر بن
وهب ابن نُسَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بن منصور بن
عكرمة بن خصفة ابن قيس بن عيلان، حليف لَهُمْ، رَجُلٌ.
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ: الزّبَيْرُ بْنُ
الْعَوّامِ بْنِ خويلد ابن أَسَدٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ
خُوَيْلِدِ بْنِ أسد، ويزيد بن زمعة بن الأسود ابن الْمُطّلِبِ بْنِ
أَسَدٍ. وَعَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ بْنِ الحارث بن أسد، أربعة نفر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/206)
[المهاجرون من
بنى عبد وعبد الدار ولدى قصى]
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيّ: طُلَيْبُ بن عمير بن وهب بن أبى كثير بن
عبد [ابن قصى] رجل.
ومن بني عبد الدار بن قصي: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد
الدار، وسويط بْنُ سَعْدِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عميلة بن
السّبّاق ابن عَبْدِ الدّارِ، وَجَهْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شرحبيل بن
هاشم بن عبد مناف ابن عَبْدِ الدّارِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ حَرْمَلَةَ
بِنْتُ عَبْدِ الْأَسْوَدِ بْنِ جُذَيْمَةَ بْنِ أُقَيْشِ بْنِ عامر ابن
بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد بْنِ مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ
خُزَاعَةَ، وَابْنَاهُ:
عَمْرُو بْنُ جَهْمٍ وَخُزَيْمَةُ بْنُ جَهْمٍ، وَأَبُو الرّومِ بْنُ
عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مناف ابن عَبْدِ الدّارِ، وَفِرَاسُ
بْنُ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ ابن عبد الدار، خمسة نفر.
[المهاجرون من بنى زهرة وبنى هذيل وبهراء]
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ
عَبْدِ عَوْفِ بن عبد ابن الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ، وَعَامِرُ بْنُ أَبِي
وَقّاصٍ، وأبو وقاص: مالك بن أهيب ابن عبد مناف ابن زُهْرَةَ،
وَالْمُطّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ
الْحَارِثِ ابن زُهْرَةَ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي
عَوْفِ بن ضبيرة بن سعيد بن سعد ابن سَهْمٍ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ
الْحَبَشَةِ عَبْدَ اللهِ بن المطّلب.
وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ هُذَيْلٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مسعود بن الحارث بن
شمخ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/207)
ابن مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ، وَأَخُوهُ:
عتبة بن مسعود.
وَمِنْ بَهْرَاءَ: الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بن مالك بن
ربيعة بن ثمامة ابن مَطْرُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ
لُؤَيّ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الشّرّيد ابن أَبِي أَهْوَزَ
بْنِ أَبِي فَائِشِ بْنِ دُرَيْمِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ أَهْوَدَ بْنِ
بَهْرَاءَ بْنِ عمرو ابن الحاف بن قضاعة.
قال ابن هشام: ويقال هَزْلُ بْنُ فَاسِ بْنِ ذَرّ، وَدُهَيْرُ بْنُ ثَوْرٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ يُقَال لَهُ: المقداد بن الأسود بن عبد يغوث
ابن وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَذَلِك أَنّهُ تَبَنّاهُ
فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَحَالَفَهُ، سِتّةُ نَفَرٍ.
[المهاجرون من بنى تميم وبنى مخزوم]
وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ: الْحَارِثُ بْنُ خَالِدِ بْنِ صَخْرِ
بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو ابن كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، مَعَهُ
امْرَأَتُهُ رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ عَامِرِ ابن
كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ
مُوسَى بْنَ الْحَارِثِ، وَعَائِشَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَزَيْنَبَ بِنْتَ
الْحَارِثِ، وَفَاطِمَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وعمرو ابن عُثْمَانَ بْنِ
عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بن تيم، رَجُلَانِ.
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هلال ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ،
وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ: أُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ المغيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/208)
ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي
سَلَمَةَ، وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ: عَبْدُ اللهِ، وَاسْمُ أُمّ سَلَمَةَ:
هِنْدٌ. وَشَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشّرّيدِ ابن سُوَيْدِ بْنِ
هَرْمِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ.
[من سيرة الشماس]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ شَمّاسٍ: عُثْمَانُ، وَإِنّمَا سُمّيَ
شَمّاسًا؛ لِأَنّ شَمّاسًا مِنْ الشّمَامِسَةِ، قَدِمَ مَكّةَ فِي
الْجَاهِلِيّةِ، وَكَانَ جَمِيلًا فَعَجِبَ النّاسُ مِنْ جَمَالِهِ،
فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ- وَكَانَ خَالَ شَمّاسٍ: أَنَا آتِيكُمْ
بِشَمّاسِ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَجَاءَ بِابْنِ أُخْتِهِ عُثْمَانَ بْنِ
عُثْمَانَ، فَسُمّيَ: شَمّاسًا. فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَبّارُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ
بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابن عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأَخُوهُ
عَبْدُ اللهِ بْنُ سفيان، وهشام بن أبى حذيفة ابن الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ
اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مخزوم، وسلمة بن هشام بن المغيرة ابن عَبْدِ اللهِ
بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الله ابن عمر بن مخزوم.
[المهاجرون من حلفاء بنى مخزوم ومن بنى جمح]
وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ: مُعَتّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بن الفضل بن عفيف
بن كليب ابن حُبْشِيّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو، مِنْ
خُزَاعَةَ، وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ:
عَيْهَامَةُ، ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: حَبَشِيّةُ بْنُ سَلُولَ، وَهُوَ الّذِي
يُقَال لَهُ مُعَتّبُ ابن حمراء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/209)
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب: عثمان
بن مظعون ابن حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَابْنُهُ:
السّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ، وَأَخَوَاهُ:
قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ الله بْنُ مَظْعُونٍ، وَحَاطِبُ بْنُ
الحارث بن معمر ابن حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، معه
امرأته: فاطمة بنت المجلّل ابن عبد الله بن أبى قيس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَابْنَاهُ: مُحَمّدُ بْنُ
حَاطِبٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ حاطب، وهما لبنت المجلّل، وأخوه: حطّاب ابن
الْحَارِثِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، وَسُفْيَانُ بن
معمر بن حبيب ابن وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، مَعَهُ ابْنَاهُ
جَابِرُ بْنُ سُفْيَانَ، وَجُنَادَةُ بْنُ سُفْيَانَ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ
حَسَنَةُ، وَهِيَ أُمّهُمَا، وَأَخُوهُمَا مِنْ أُمّهِمَا: شُرَحْبِيلُ
بْنُ حَسَنَةَ، أَحَدُ الْغَوْثِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شُرَحْبِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَحَدُ الْغَوْثِ بن
مرّ، أخى تميم ابن مرّ.
[المهاجرون من بنى سهم وبنى عدى وبنى عامر]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُثْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ أهبان بن وهب بن
حذافة بن جمح، أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا.
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ: خُنَيْسُ
بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَعَبْدُ
اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قيس بن عدىّ ابن سَعْدِ بْنِ سَهْلٍ، وَهِشَامُ
بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/210)
قال ابن هشام: العاص بن وائل بن هَاشِمِ
بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ
بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ.
وَأَبُو قَيْسِ بن الحارث بن قيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سَعْدِ بْنِ
سَهْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم،
والحارث ابن الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ،
وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ
سَهْمٍ، وَبِشْرُ بن الحارث بن قيس بن عدىّ ابن سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَأَخٌ
لَهُ مِنْ أُمّهِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، يُقَالُ لَهُ: سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو،
وَسَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ
سَهْمٍ، وَالسّائِبُ بْنُ الحارث ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، وعمير بن
رئاب بن حذيفة بن مهشم بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَمَحْمِيّةُ بْنُ
الْجَزَاءِ، حَلِيفٌ لَهُمْ، مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ، أَرْبَعَةَ عَشَرَ رجلا.
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ: مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
نَضْلَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ
بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ، وَعُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ
حُرْثَانَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ، وعدىّ بن
نضلة بن عبد العزّى ابن حرثان بن عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ
عَدِيّ، وَابْنُهُ النّعْمَانُ بْنُ عَدِيّ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ،
حَلِيفٌ لِآلِ الْخَطّابِ، مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ:
لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حثمة بن غانم. خَمْسَةُ نَفَرٍ.
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزّى بن
أبى قيس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ،
مَعَهُ امْرَأَتُهُ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/211)
أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عبد شمس بن عبدودّ بن نصر بن مالك ابن حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ،
وَعَبْدُ اللهِ بْن مَخْرَمَةَ بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبدود بْنِ
نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ
سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو ابن عبد شمس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَسُلَيْطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بن
عبدود بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَأَخُوهُ:
السّكْرَانُ بْنُ عَمْرٍو، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: سودة بنت زمعة بن قيس بن
عبد شمس ابن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عامر، ومالك
بن زمعة بن قيس ابن عبد شمس بن عبدود بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ
بْنِ عَامِرِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ:
عَمْرَةُ بِنْتُ السّعْدِيّ بْنِ وقدان بن عبد شمس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
عَبْدِ شَمْسِ بن عبدودّ بن نصر بن مالك ابن حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَسَعْدُ
بْنُ خَوْلَةُ، حَلِيفٌ لَهُمْ. ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَعْدُ بن خولة من اليمن.
[المهاجرون مِنْ بَنِي الْحَارِثِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: أَبُو
عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، وَهُوَ: عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث ابن فهر، وَسُهَيْلُ بْنُ
بَيْضَاءَ، وَهُوَ: سُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ
أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَلَكُنّ أُمّهُ غَلَبَتْ عَلَى
نَسَبِهِ، فَهُوَ يُنْسَبُ إلَيْهَا، وَهِيَ: دَعْدُ بِنْتُ جَحْدَمِ بْنِ
أُمَيّةَ بْنِ ظَرِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، وَكَانَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/212)
تُدْعَى: بَيْضَاءَ، وَعَمْرُو بْنُ أَبِي
سَرْحِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ ابن
الْحَارِثِ، وَعِيَاضُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بن
هلال بن أهيب ابن ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَيُقَال: بَلْ رَبِيعَةُ بْنُ
هلال بن مالك بن ضبّة ابن الحارث، وعمرو بن الحارث بْنُ زُهَيْرِ بْنِ
أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ مالك ابن ضَبّةَ بْنِ
الْحَارِثِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ غَنْمِ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي
شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ ابن هِلَالِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ
الْحَارِثِ، وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ عامر ابن أمية
بن ظرب بن الحارث بن فهر، والحارث بن عبد قيس بن لقيط ابن عامر بن أمية بن
ظرب بن الحارث بن فهر. ثمانية نفر.
[عدد الذين هاجروا إلَى الْحَبَشَةِ]
فَكَانَ جَمِيعُ مَنْ لَحِقَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَهَاجَرَ إلَيْهَا
مِنْ الْمُسْلِمِينَ، سِوَى أَبْنَائِهِمْ الذين خرجوا مَعَهُمْ صِغَارًا
وَوُلِدُوا بِهَا، ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، إنْ كَانَ عَمّارُ بْنُ
يَاسِرٍ فِيهِمْ، وَهُوَ يشك فيه.
[من شعر الهجرة الحبشية]
وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي الْحَبَشَةِ، أَنّ عَبْدَ اللهِ
بْنَ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ ابن عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، حِين
أَمِنُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَحَمِدُوا جِوَارَ النّجَاشِيّ،
وَعَبَدُوا اللهَ، لَا يَخَافُونَ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا، وَقَدْ أَحْسَنَ
النجاشى جوارهم حين نزلوا به، قال:
يَا رَاكِبًا بَلّغَنْ عَنّى مُغَلْغِلَةً ... مَنْ كَانَ يَرْجُو بَلَاغَ
اللهِ وَالدّينِ
كُلّ امْرِئِ مِنْ عِبَادِ اللهِ مُضْطَهَد ... بِبَطْنِ مَكّةَ مَقْهُورٍ
وَمَفْتُونِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/213)
أَنّا وَجَدْنَا بِلَادَ اللهِ وَاسِعَةً
... تُنْجِي مِنْ الذّلّ وَالْمَخْزَاةِ وَالْهُونِ
فَلَا تُقِيمُوا عَلَى ذُلّ الْحَيَاةِ، وَخِزْ ... يٍ فِي الْمَمَاتِ،
وَعَيْبٍ غَيْرِ مَأْمُونِ
إنّا تَبِعْنَا رَسُولَ اللهِ، وَاطّرَحُوا ... قَوْلَ النّبِيّ، وَعَالُوا
فِي الْمَوَازِينِ
فَاجْعَلْ عَذَابَكَ بِالْقَوْمِ الّذِينَ بَغَوْا ... وَعَائِذًا بِك أَنْ
يَعْلُوَا فَيُطْغُونِي
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا، يَذْكُرُ نَفْيَ قُرَيْشٍ
إيّاهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَيُعَاتِبُ بَعْضَ قَوْمِهِ فِي ذَلِكَ:
أَبَتْ كَبِدِي لَا أَكْذِبَنْك قِتَالَهُمْ ... عَلَيّ، وَتَأْبَاهُ
عَلَيّ أَنَامِلِي
وَكَيْفَ قِتَالِي مَعْشَرًا أَدّبُوكُمْ ... عَلَى الْحَقّ أَنْ لَا
تَأْشِبُوهُ بِبَاطِلِ
نَفَتْهُمْ عِبَادُ الْجِنّ مِنْ حُرّ أَرْضِهِمْ ... فَأَضْحَوْا عَلَى
أَمْرٍ شَدِيدِ الْبَلَابِلِ
فَإِنْ تَكُ كَانَتْ فِي عَدِيّ أَمَانَةٌ ... عَدِيّ بْنِ سَعْدٍ عَنْ
تُقًى، أَوْ تَوَاصُلِ
فَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنّ ذَلِكَ فِيكُمْ ... بِحَمْدِ الّذِي لَا
يُطّبَى بِالْجَعَائِلِ
وَبُدّلْت شِبْلًا شِبْلَ كُلّ خَبِيثَةٍ ... بِذِي فَجْرٍ مَأْوَى
الضّعَافِ الْأَرَامِلِ
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا:
وَتِلْكَ قُرَيْشٌ تَجْحَدُ اللهَ حَقّهُ ... كَمَا جَحَدَتْ عَادٌ
وَمَدْيَنُ وَالْحِجْرُ
فَإِنْ أَنَا لَمْ أُبْرِقْ فَلَا يَسَعَنّنِي ... مِنْ الْأَرْضِ بَرّ ذُو
فَضَاءٍ وَلَا بَحْرُ
بِأَرْضٍ بِهَا عَبَدَ الْإِلَهَ مُحَمّدٌ ... أُبَيّنُ مَا فِي النّفْسِ
إذ بلغ النّقر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/214)
فَسُمّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ-
يَرْحَمُهُ اللهُ- لبيته الذى قال: المبرق.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ يُعَاتِبُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ
وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جمح، وَهُوَ ابْنُ عَمّهِ، وَكَانَ يُؤْذِيهِ
فِي إسْلَامِهِ، وَكَانَ أُمَيّةُ شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ فِي زَمَانِهِ
ذَلِكَ:
أَتَيْمَ بْنَ عَمْرٍو لِلّذِي جَاءَ بِغْضَةً ... وَمِنْ دُونِهِ
الشّرْمَانُ وَالْبَرْكُ أَكْتَعُ
أَأَخْرَجْتَنِي مِنْ بَطْنِ مَكّةَ آمِنًا ... وَأَسْكَنْتنِي فِي صَرْحِ
بَيْضَاءَ تقذع
قريش نِبَالًا لَا يُوَاتِيكَ رِيشُهَا ... وَتُبْرَى نِبَالًا رِيشُهَا
لَكَ أَجْمَعُ
وَحَارَبْتَ أَقْوَامًا كِرَامًا أَعِزّةً ... وَأَهْلَكْتَ أَقْوَامًا
بِهِمْ كُنْتَ تَفْزَعُ
سَتَعْلَمُ إنْ نَابَتْك يَوْمًا مُلِمّةٌ ... وَأَسْلَمَك الْأَوْبَاشُ
مَا كُنْتَ تَصْنَعُ
وَتَيْمُ بْنُ عَمْرٍو، الّذِي يَدْعُو عُثْمَانَ، جُمَحُ، كان اسمه: تيما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَوْلَ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ اسْتِمَاعَ أَبِي جَهْلٍ وَأَبِي سُفْيَانَ وَالْأَخْنَسِ
إلَى قَوْلِ أَبِي جَهْلٍ:
فَلَمّا تَجَاذَيْنَا عَلَى الرّكَبِ. وَقَعَ فِي الْجَمْهَرَةِ:
الْجَاذِي: الْمُقْعِي عَلَى قَدَمَيْهِ «1» قَالَ: وربما جعلوا الجاذى
والجاثى سواء.
__________
(1) فى القاموس: جذا جذوا وجذوا كسمو ثبت قائما، كأجذى، أو جثا، أو قام على
أطراف أصابعه: وتجاذى: نسل، وهى فى النسخة التى معى لابن هشام: تحاذينا
(3/215)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ سُبْحَانَهُ خَبَرًا عَنْهُمْ: جَعَلْنا بَيْنَكَ،
وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً
الْإِسْرَاءِ: 45 قَالَ بَعْضُهُمْ: مَسْتُورٌ بِمَعْنَى: سَاتِرٌ كما قال:
«وكان وعده مأتيّا» أَيْ: آتِيًا، وَالصّحِيحُ أَنّ مَسْتُورًا هُنَا عَلَى
بَابِهِ؛ لِأَنّهُ حِجَابٌ عَلَى الْقَلْبِ، فَهُوَ لَا يُرَى.
وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ حِينَ سُئِلَ عن قوله: أَوْ خَلْقاً مِمَّا
يَكْبُرُ
__________
- هذا وقد ذكر ابن هشام سبب نزول قوله سبحانه: «وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ
وَلا تُخافِتْ بِها» وإليك هنا ما ورد عن هذا فى الصحيحين وأحمد عن ابن
عباس قال: نزلت هذه الاية ورسول الله- صلّى الله عليه وسلم- متوار بمكة:
(وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ، وَلا تُخافِتْ بِها) قال: كان إذا صلّى بأصحابه
رفع صوته بالقرآن، فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن، وسبوا من أنزله، ومن
جاء به، قال: فقال الله لنبيه- صلّى الله عليه وسلم- (ولا تجهر بصلاتك) أى
بقراءتك، فيسمع المشركون، فيسبون القرآن، ولا تخافت بها عن أصحابك، فلا
تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك: (وابتغ بين ذلك سبيلا) ولكن قصر الاية على
هذا السبب يجعلها معطلة الان، إذ ما ثم بيننا مثل هؤلاء المشركين الذين
نخشاهم. ومن زعم أنها للدعاء فقد أخطأ، فالدعاء يقول الله فيه: (ادعوا ربكم
تضرعا وخفية) وقد روى عن ابن عباس: «لا تصل مراآة الناس، ولا تدعها مخافة
الناس» ، وعن الحسن البصرى: لا تحسن علانيتها، وتسىء سريرتها. وقد روى ابن
جرير عن ابن سير بن قوله: نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته، وأن
عمر كان يرفع صوته، فقيل لأبى بكر: لم تصنع هذا؟ قال: أناجى ربى عز وجل-
وقد علم حاجتى، فقيل: أحسنت، وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال أطرد الشيطان،
وأوقظ الوسنان، قيل: أحسنت، فلما نزلت: (ولا تجهر بصلاتك، ولا تخافت بها
وابتغ بين ذلك سبيلا) قيل لأبى بكر: ارفع شيئا، وقيل لعمر: اخفض شيئا. هذا
هدى القرآن فى القراءة فى الصلاة
(3/216)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي صُدُورِكُمْ فَقَالَ: الْمَوْتَ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ يَحْتَاجُ إلَى
تَفْسِيرٍ، وَرَأَيْت لِبَعْضِ الْمُتَأَخّرِينَ فِيهِ، قَالَ: أَرَادَ
ابْنُ عَبّاسٍ أَنّ الْمَوْتَ سَيَفْنَى كَمَا يَفْنَى كُلّ شَيْءٍ، كَمَا
جَاءَ أَنّهُ يُذْبَحُ عَلَى الصّرَاطِ، فَكَانَ الْمَعْنَى أَنْ لَوْ
كُنْتُمْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا لَأَدْرَكَكُمْ الْفَنَاءُ وَالْمَوْتُ،
وَلَوْ كُنْتُمْ الْمَوْتَ الّذِي هُوَ كَبِيرٌ فِي صُدُورِكُمْ، فَلَا
بُدّ لَكُمْ مِنْ الْفَنَاءِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ،
وَقَدْ بَقِيَ فِي نَفْسِي مِنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ شَيْءٌ «1» ،
حَتّى يُكْمِلَ اللهُ نِعْمَتَهُ بِفَهْمِهَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى-
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ: نُفُورًا:
جَمْعُ نَافِرٍ، فَيَكُونُ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
مصدرا مؤكدا لولوا. وَمِمّا أَنْزَلَ اللهُ فِي اسْتِمَاعِهِمْ: وَمِنْهُمْ
مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ، أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ يُونُسَ: 42
أَلَا تَرَى كَيْفَ جَمَعَ يَسْتَمِعُونَ، وَالْحَمْلُ عَلَى اللّفْظِ إذَا
قُرّبَ مِنْهُ أَحْسَنُ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَمَنْ
يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ فَأُفْرِدَ، حَمْلًا عَلَى لَفْظِ مَنْ،
وَقَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ: وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، فَجُمِعَ حَمْلًا
عَلَى الْمَعْنَى، لِمَا بَعُدَ عَنْ اللّفْظِ، وَهَكَذَا كَانَ الْقِيَاسُ
فِي قَوْلِهِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ، وَلَكِنْ لَمّا كَانُوا
جَمَاعَةً، وَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِيهِمْ بِأَعْيَانِهِمْ، صَارَ
الْمَعْنَى: وَمِنْهُمْ نَفَرٌ يَسْتَمِعُونَ، يَعْنِي أُولَئِكَ النّفَرَ،
وَهُمْ أَبُو جَهْلٍ وَأَبُو سُفْيَانَ وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، أَلَا
تَرَى كَيْفَ قَالَ بعد: وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ فَأُفْرِدَ
حَمْلًا عَلَى اللّفْظِ لِارْتِفَاعِ السّبَبِ الْمُتَقَدّمِ، والله أعلم.
__________
(1) الاية واضحة يعنى: أى خلق يكبر فى صدور هؤلاء ومن هم على شاكلتهم،
ولهذا قال مجاهد: السماء والأرض والجبال، وفى رواية: ما شئتم فكونوا
فسيعيدكم الله بعد موتكم.
(3/217)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمُكْرَهُ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَعْذِيبَ مَنْ أَسْلَمَ وَطَرْحَهُمْ فِي الرّمْضَاءِ،
وَكَانُوا يُلْبِسُونَهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ، حَتّى أَعْطَوْهُمْ
بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا سَأَلُوا مِنْ كَلِمَةِ الْكُفْرِ إلّا بِلَالًا-
رَحِمَهُ اللهُ- وَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَنَزَلَ فِي عَمّارٍ وَأَبِيهِ:
إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً «1» وَلَمّا كَانَ الْإِيمَانُ
أَصْلُهُ فِي الْقَلْبِ، رَخّصَ لِلْمُؤْمِنِ فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ أَنْ
يَقُولَ بِلِسَانِهِ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ حَتّى يَأْمَنَ. قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا مِنْ كَلِمَةٍ تَدْفَعُ عَنّي سَوْطَيْنِ إلّا
قُلْتهَا هَذَا فِي الْقَوْلِ، فَأَمّا الْفِعْلُ، فَتَنْقَسِمُ فِيهِ
الْحَالُ: فَمِنْهُ مَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ،
إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْقَتْلَ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ إلّا مَا دُونَ
الْقَتْلِ، فَالصّبْرُ لَهُ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فِي ذَلِكَ إلّا
كَسَجْنِ يَوْمٍ، أَوْ طَرَفٍ مِنْ الْهَوَانِ خَفِيفٍ، فَلَا تَحِلّ لَهُ
الْمَعْصِيَةُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَأَمّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْقَتْلِ،
فَلَا خِلَافَ فِي حَظْرِهِ؛ لِأَنّهُ إنّمَا رَخّصَ لَهُ فِيمَا دُونَ
الْقَتْلِ، لِيَدْفَعَ بذلك قتل نفس مؤمنة،
__________
(1) روى العوفى عن ابن عباس أن الاية: «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ» نزلت فى حق
عمار ابن ياسر، وهكذا قال الشعبى وقتادة وأبو مالك وابن جرير، ورواه
البيهقى، وفيه أنه سب النبى «ص» وذكر آلهتهم بخير، فشكا ذلك إلى النبى،
فقال: يا رسول الله ما تركت حتى سببتك، وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد
قلبك؟ قال: مطمئنا بالإيمان، فقال: إن عادوا فعد. أما الأخرى فلم يذكر لها
سبب. وروى قصة تعذيب بلال أحمد فى مسنده، وروى ابن أبى شيبة أن أبا بكر
اشتراه بخمس أواق وهو مدفون، كما روى الطبرانى أن عامر بن فهيرة كان ممن
يعذب فى الله، فاشتراه أبو بكر وأعتقه.
(3/218)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهِيَ نَفْسُهُ، فَأَمّا إذَا دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِ أُخْرَى،
فَلَا رُخْصَةَ، وَاخْتُلِفَ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الزّنَى، فَذُكِرَ
عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنّهُ قَالَ: لَا رُخْصَةَ فِيهِ؛ لِأَنّهُ لَا
يَنْتَشِرُ لَهُ إلّا عَنْ إرَادَةٍ فِي الْقَلْبِ أَوْ شَهْوَةٍ،
وَأَفْعَالُ الْقَلْبِ لَا تُبَاحُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ:
بَلْ يُرَخّصُ فِي ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ الْقَتْلَ، لِأَنّ انْبِعَاثَ
الشّهْوَةِ عِنْدَ الْمُمَاسّةِ بِمَنْزِلَةِ انْبِعَاثِ اللّعَابِ عِنْدَ
مَضْغِ الطّعَامِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَكْلُ الْحَرَامِ إذَا أُكْرِهَ
عَلَيْهِ.
فَصْلٌ: واختلف الأصوليون فى مسئلة مِنْ الْإِكْرَاهِ، وَهِيَ: هَلْ
الْمُكْرَهُ عَلَى الْفِعْلِ مُخَاطَبٌ بِالْفِعْلِ، أَمْ لَا؟ فَقَالَتْ
الْمُعْتَزِلَةُ: لَا يَصِحّ الْأَمْرُ بِالْفِعْلِ مَعَ الْإِكْرَاهِ
عَلَيْهِ، وَقَالَتْ الْأَشْعَرِيّةُ: ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنّ الْعَزْمَ
إنّمَا هُوَ فِعْلُ الْقَلْبِ، وَقَدْ يُتَصَوّرُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ
الْحِينِ الْعَزْمُ وَالنّيّةُ، وَهِيَ الْقَصْدُ إلَى امْتِثَالِ أَمْرِ
اللهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنّهُ يَفْعَلُهُ خَوْفًا مِنْ
النّاسِ، وَذَلِكَ إذَا أُكْرِهَ عَلَى فَرْضٍ كَالصّلَاةِ مَثَلًا، إذَا
قِيلَ:
صَلّ وَإِلّا قُتِلْت، وَأَمّا إذَا قِيلَ لَهُ: إنْ صَلّيْت قُتِلْت،
فَظَنّ الْقَاضِي أَنّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا، وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي
ذَلِكَ، وَغَلّطَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وقالوا: لا خلاف فى هذه المسئلة
أَنّهُ مُخَاطَبٌ بِالصّلَاةِ مَأْمُورٌ بِهَا، وَإِنْ رُخّصَ لَهُ فِي
تَرْكِهَا، فَلَيْسَ التّرْخِيصُ مِمّا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ الْخِطَابِ،
وَإِنّمَا يَرْفَعُ عَنْهُ الْإِكْرَاهُ الْمَأْثَمَ، وَلَا يُخْرِجُهُ
عَنْ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا بِهَا، وَهَذَا الْغَلَطُ الْمَنْسُوبُ إلَى
الْقَاضِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِقَوْلِ لَهُ، وَإِنّمَا
حَكَاهُ فِي كِتَابِ التّقْرِيبِ وَالْإِرْشَادِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ
الْفُقَهَاءِ. قَالُوا: لَا يُتَصَوّرُ الْقَصْدُ وَالْإِرَادَةُ
لِلْفِعْلِ مَعَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي:
وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنّهُ يُتَصَوّرُ انْكِفَافُهُ عَنْهُ مَعَ
الْإِكْرَاهِ، فَكَذَلِكَ يُتَصَوّرُ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى الِامْتِثَالِ
لَهُ، وَبِهِ يَتَعَلّقُ التّكْلِيفُ، فَإِنّمَا غَلِطَ مَنْ نَسَبَ
إلَيْهِ من الأصوليين
(3/219)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هَذَا الْقَوْلَ الّذِي أَبْطَلَهُ، وَبَيّنَ بُطْلَانَهُ، وَإِنّمَا
ذَكَرْت مَا قَالُوهُ قَبْلَ أَنْ أَرَى كَلَامَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ،
وَأَقِفَ عَلَى حَقِيقَةِ مَذْهَبِهِ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْغَلَطِ
فِيهَا.
آلُ يَاسِرٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِيمَنْ عُذّبَ فِي اللهِ: سُمَيّةُ أُمّ عَمّارٍ، وَقَدْ
ذَكَرْنَا قَتْلَ أَبِي جَهْلٍ لَهَا، وَهِيَ أَوّلُ شَهِيدٍ فِي
الْإِسْلَامِ، وَرُوِيَ أَنّ عَمّارًا قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ بَلَغَ مِنّا الْعَذَابُ كُلّ
مَبْلَغٍ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
صَبْرًا أَبَا الْيَقْظَانِ «1» ، ثُمّ قَالَ: اللهُمّ لَا تُعَذّبْ
أَحَدًا مِنْ آلِ عَمّارٍ بِالنّار، وَسُمَيّةُ أُمّهُ، وَهِيَ بِنْتُ
خَيّاطٍ «2» ، كَانَتْ مَوْلَاةً لِأَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ،
وَاسْمُهُ مُهَشّمٌ، وَهُوَ عَمّ أَبِي جَهْلٍ، وَغَلِطَ ابْنُ قُتَيْبَةَ
فِيهَا، فَزَعَمَ أَنّ الْأَزْرَقَ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ
خَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَ يَاسِرٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ سَلَمَةَ بْنَ
الْأَزْرَقِ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنّسَاءِ: إنّمَا سُمَيّةُ أُمّ
سَلَمَةَ بْنِ الْأَزْرَقِ سُمَيّةُ أُخْرَى، وَهِيَ أم زياد ابن أَبِي
سُفْيَانَ، لَا أُمّ عَمّارٍ، وَعَمّارٌ وَالْحُوَيْرِثُ وَعَبّودُ بَنُو
يَاسِرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ ابن كِنَانَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ
الْحُصَيْنِ بْنِ لَوْذَيْنِ، ويقال الوذبم بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَوْفِ
بْنِ عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ زيام بْنِ عَنْسِ «3» بْنِ مَالِكِ بن
أدد بن زيد العنسىّ المذحجىّ
__________
(1) ذكره ابن عبد البر.
(2) وقيل خباط بضم الحاء وتشديد الباء، وعند الفاكهى: خبط بفتح الخاء وسكون
الباء وعند ابن سعد أنها بنت سليم
(3) فى الاشتقاق: عمار والحريث وعبد الله بنو ياسر. وفيه الوذيم. ويام بدلا
من زيام وهذه أيضا فى الإصابة. وقد روى أحمد فى مسنده أن الرسول «ص» مر على
عمار وأبيه وأمه، وهم يعذبون، فقال أبو عمار: يا رسول الله الدهر هكذا؟
فقال له: -
(3/220)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَلِيفٌ لِبَنِي مَخْزُومٍ، وَمِنْ وَلَدِ عَمّارٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ
سَعْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُثْمَانَ ابن الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَهُوَ الْمَقْتُولُ
بِالْأَنْدَلُسِ، قَتَلَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ.
زِنّيرَةُ وَغَيْرُهَا:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ زِنّيرَةَ «1» الّتِي أَعْتَقَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَوّلُ
اسمهما: زَايٌ مَكْسُورَةٌ بَعْدَهَا نُونٌ مَكْسُورَةٌ مُشَدّدَةٌ عَلَى
وَزْنِ فِعّيلَةٍ، هكذا صَحّتْ الرّوَايَةُ فِي الْكِتَابِ، وَالزّنّيرَةُ:
وَاحِدَةُ الزّنَانِيرِ، وَهِيَ الْحَصَا الصّغَارُ «2» ، قَالَهُ أَبُو
عُبَيْدَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهَا: زَنْبَرَةٌ بِفَتْحِ الزّايِ
وَسُكُونِ النّونِ وَبَاءٍ بَعْدَهَا، وَلَا تُعْرَفُ زَنْبَرَةٌ فِي
النّسَاءِ، وَأَمّا فِي الرّجَالِ فَزَنْبَرَةُ بْنُ زُبَيْرِ بْنِ
مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ بْنِ الحارث ابن تَمِيمِ بْنِ
سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ،
وَابْنُهُ: خَالِدُ بْنُ زنبرة، وهو الغرق قاله الدار قطنى.
أُمّ عُمَيْسٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ أُمّ عُمَيْسٍ «3» ، وَكَانَتْ لِبَنِي تَيْمِ بْنِ
مُرّةَ أَعْتَقَهَا أَبُو بَكْرٍ،
__________
- النبى «ص» اصبر ثم قال: اللهم غفرا لال ياسر، وقد فعلت. وعند الطبرانى فى
الأوسط: اصبروا آل ياسر موعدكم الجنة. أو أبشروا آل ياسر موعدكم الجنة
(1) كان أبو جهل يتهكم بها وبمن آمن، فيقول: «ألا تعجبون إلى هؤلاء
وأتباعهم. لو كان ما أتى محمد خيرا وحقا ما سبقونا إليه، أفتسبقنا زنيرة
إلى رشد» ص 269 ح 6 شرح المواهب.
(2) وذباب صغار أيضا.
(3) أو عنيس، أو عبيس بالتصغير.
(3/221)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ عُذّبُوا فِي اللهِ
لِمَا أَعْطَوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا سُئِلُوا مِنْ الْكُفْرِ، جَاءَتْ
قَبِيلَةُ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِأَنْطَاعِ الْأُدُمِ فِيهَا الْمَاءُ،
فَوَضَعُوهُمْ فِيهَا، وَأَخَذُوهُمْ بِأَطْرَافِ الْأَنْطَاعِ،
وَاحْتَمَلُوهُمْ إلّا بِلَالًا.
عَنْ بِلَالٍ:
وَقَوْلُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ: لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ يَعْنِي: بِلَالًا،
وَهُوَ عَلَى هَذَا الْحَالِ لَأَتّخِذَنهُ حَنَانًا «1» . أَيْ:
لَأَتّخِذَن قَبْرَهُ مَنْسَكًا وَمُسْتَرْحَمًا. وَالْحَنَانُ:
الرّحْمَةُ، وَكَانَ بِلَالٌ رَحِمَهُ اللهُ يُكَنّى: أَبَا عَبْدِ
الْكَرِيمِ، وَقِيلَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَأُخْتُهُ غُفْرَةُ، وَقَدْ
تَقَدّمَ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ ذِكْرُ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، وَهِيَ
هَذِهِ.
وَالْغُفْرَةُ: الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْأَرَاوِيّ «2» ، وَالذّكَرُ:
غُفْرٌ.
بَابُ الْهِجْرَةِ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا نَسَبَ
الْحَبَشَةِ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ، وَأَمّا النّجَاشِيّ فَاسْمٌ لِكُلّ
مَلِكٍ يَلِي الْحَبَشَةَ، كَمَا أَنّ كِسْرَى اسْمٌ لِمَنْ مَلَكَ
الْفُرْسَ، وَخَاقَانَ اسْمٌ لِمَلِكِ التّرْكِ كَائِنًا مَنْ كَانَ،
وَبَطْلَيْمُوسَ: اسْمٌ لِمَنْ مَلَكَ يُونَانَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا
الْمَعْنَى قَبْلُ، وَاسْمُ هَذَا النّجَاشِيّ: أَصْحَمَةُ «3» بْنُ
أَبْجَرَ، وَتَفْسِيرُهُ: عَطِيّةُ. وَذَكَرَ
__________
(1) هو عند الزبير بن بكار وأبى الفتح اليعمرى.
(2) أر اوى بفتح أوله وثانيه وكسر الواو وتضعيف الياء: جمع قلة لأروية بضم
أو كسر فسكون فكسر ففتح مع تشديد: أنثى الوعول، أو أنثى التيس الجبلى،
وكذلك غفرة وجمع الكثرة: أروى على وزن أفعل، على غير قياس. وفى اللسان عن
أبى العباس: «والصحيح عندى أن أراوى تكسير أروية. كأرجوحة وأراجيح،
والأروى: اسم للجمع، وأروى تنون ولا تنون «انظر اللسان مادة روى»
(3) كذلك ورد اسمه فى البخارى» ، وفى مصنف ابن أبى شيبة بحذف الهمزة وحكى-
(3/222)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي أَوّلِ مَنْ خَرَجَ إلَى الْحَبَشَةِ: عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ
وَزَوْجَهُ رُقَيّةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَكَانَ حِينَ تَزَوّجَهَا يُغَنّيهَا النّسَاءُ:
أَحْسَنُ شَخْصَيْنِ رَأَى إنْسَانٌ ... رُقَيّةُ وَبَعْلُهَا عُثْمَانُ
وَلَدَتْ رُقَيّةُ لِعُثْمَانِ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ، وَبِهِ كَانَ
يُكَنّى، وَمَاتَ عَبْدُ اللهِ وَهُوَ ابْنُ سِتّ سِنِينَ، وَكَانَ سَبَبُ
مَوْتِهِ أَنّ دِيكًا نَقَرَهُ فِي عَيْنِهِ، فَتَوَرّمَ وَجْهُهُ
فَمَرِضَ، فَمَاتَ. وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنْ
الْهِجْرَةِ، ثُمّ كُنّيَ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَا عَمْرٍو، وَهَذَا هُوَ
عَبْدُ اللهِ الْأَصْغَرُ. وَعَبْدُ اللهِ الْأَكْبَرُ هُوَ ابْنُهُ مِنْ
فَاخِتَةَ بِنْتِ غَزْوَانَ، وَأَكْبَرُ بَنِيهِ بَعْدَ هَذَيْنِ: عَمْرٌو،
وَمِنْ بَنِيهِ عُمَرُ وَخَالِدٌ وَسَعِيدٌ وَالْوَلِيدُ وَالْمُغِيرَةُ
وَعَبْدُ الْمَلِكِ «1» وَأَبَانُ، وَفِي السّيرَةِ مِنْ غَيْرِ هذه
الرواية أن رقية كانت
__________
- الإسماعيلى: أصخمة وقيل: أصحبة وقيل: صحبة، وقيل: مصحمة، وقيل اسمه:
مكحول وقال مغلطاى: ملك الترك خاقان، والروم: قيصر واليمن: تبع، واليونان:
بطليموس، واليهود: القيطون فيما قيل، والمعروف: مالح، وملك الصابئة:
النمروذ ودهمز، وملك الهند: يعفور، والزنج: زغانة، ومصر والشام: فرعون، فإن
أضيف إليهما الإسكندرية سمى: العزيز، ويقال المقوقس. ولملك العجم: كسرى،
ولملك فرغانة: الإخشيد، والعرب من قبل العجم: النعمان، وملك البربر: جالوت.
وجمع الحبش: أحبوش بضم أوله، وأما قولهم: الحبش فعلى غير قياس، وقالوا:
حبشان وقالوا: أحبش وأصل التحبيش: التجميع. وكان النجاشى قديما لقبا لملوك
الحبشة، ثم غير إلى الحطى. والنجاشى إما بفتح النون وإسكان الياء أو
تشديدها أو بكسر النون مع مد الشين.
(1) فى نسب قريش: عمرو وعمرو وخالد وأبان وحريم وأمهم: أم عمرو بنت جندب بن
عمر بن حممة من الأزد من دوس. ومنهم الوليد وسعيد وأم عثمان-
(3/223)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ أَحْسَنِ الْبَشَرِ، وَأَنّ رِجَالًا مِنْ الْحَبَشَةِ رَأَوْهَا
بِأَرْضِهِمْ، فَكَانُوا يُدَرْكِلُونَ «1» إذَا رَأَوْهَا إعْجَابًا
مِنْهُمْ بِحُسْنِهَا، فَكَانَتْ تَتَأَذّى بِذَلِكَ، وَكَانُوا لَا
يَسْتَطِيعُونَ لِغُرْبَتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا لَهُمْ شَيْئًا، حَتّى
خَرَجَ أُولَئِكَ النّفَرُ مَعَ النّجَاشِيّ إلَى عَدُوّهِ الّذِي كَانَ
ثَارَ عَلَيْهِ، فَقُتِلُوا جَمِيعًا، فَاسْتَرَاحَتْ مِنْهُمْ، وَظَهَرَ
النّجَاشِيّ عَلَى عَدُوّهِ، وَرَوَى الزّبَيْرُ فِي حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ
أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ رَجُلًا
بِلُطُفٍ إلَى عُثْمَانَ وَرُقَيّةَ، فَاحْتُبِسَ عَلَيْهِ الرّسُولُ،
فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنْ شِئْت أَخْبَرْتُك مَا حَبَسَك،
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَقَفْت تَنْظُرُ إلَى عُثْمَانَ وَرُقَيّةَ
تَعْجَبُ مِنْ حُسْنِهِمَا.
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ تَسْمِيَةَ الْمُهَاجِرِينَ «2» إلَى أَرْضِ
الْحَبَشَةِ، وَقَدْ تَقَدّمَ التّعْرِيفُ بِبَعْضِهِمْ، وَذَكَرْنَا
سَبَبَ إسْلَامِ عَمْرِو بْنِ سعيد بن العاصى، وأنه
__________
- أمهم: فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ. ومنهم عبد الملك لا بقية له، وتوفى رجلا، أمه: أم
البنين بنت عيينة بن حصين ابن حذيفة بن بدر. ومنهم: عائشة، وأم أبان، وأم
عمرو. وأمهم: رملة بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس ص 104
(1) الدركلة كشر ذمة وسبحلة أى بكسر ففتح فسكون ففتح: لعبة للعجم أو ضرب من
الرقص أو هى حبشية
(2) فى فتح البارى: «أن الهجرة وقعت مرتين، وذكر أهل السير أن الأولى كانت
فى شهر رجب من سنة خمس من المبعث، وأن أول من هاجر منهم أحد عشر رجلا وأربع
نسوة، وقيل: وامرأتان، وقيل: كانوا اثنى عشر رجلا، وقيل: كانوا عشرة، وأنهم
خرجوا. حتى وصلوا إلى شعيبة مكان على ساحل البحر الأحمر، فاستأجروا سفينة-
فى غير الفتح: سفينتين- بنصف دينار
(3/224)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَأَى نُورًا خَرَجَ مِنْ زَمْزَمَ أَضَاءَتْ لَهُ مِنْهُ نَخْلُ
الْمَدِينَةِ، حَتّى رَأَوْا الْبُسْرَ فِيهَا، فَقَصّ رُؤْيَاهُ، فَقِيلَ
لَهُ: هَذِهِ بِئْرُ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَهَذَا النّورُ فِيهِمْ
يَكُونُ، فَكَانَ سَبَبًا لِبِدَارِهِ لِلْإِسْلَامِ.
رُؤْيَا سَعْدٍ وَخَالِدٍ وَلَدَيْ الْعَاصِ:
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدّمَ أَنّ هَذِهِ الرّؤْيَا إنّمَا كَانَتْ
لِأَخِيهِ، وَأَنّ عَمْرًا هُوَ الّذِي عَبّرَهَا لَهُ، وَهَذَا هُوَ
الصّحِيحُ فِيهَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَأَمّا أَخُوهُ خَالِدُ بْنُ
سَعِيدٍ، فَكَانَ يَرَى- قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ- نَفْسَهُ قَدْ أشفى على نار
تأجّح، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قَدْ أَخَذَ بِحُجْزَتِهِ «1»
، يَصْرِفُهُ عَنْهَا، فَلَمّا اسْتَيْقَظَ عَلِمَ أَنّ نَجَاتَهُ مِنْ
النّارِ عَلَى يَدَيْ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فلما
أَظْهَرَ إيمَانَهُ ضَرَبَهُ أَبُوهُ بِمَقْرَعَةِ، حَتّى كَسَرَهَا عَلَى
رَأْسِهِ، وَحَلَفَ أَلّا يُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَأَغْرَى بِهِ إخْوَتَهُ،
فَطَرَدُوهُ وَآذَوْهُ، فَانْقَطَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتّى هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ- كَمَا ذَكَرَ
ابْنُ إسْحَاقَ- وأبوه سعيد بن العاصى أَبُو أُحَيْحَةَ الّذِي يَقُولُ
فِيهِ الْقَائِلُ:
أَبُو أُحَيْحَةَ:
أَبُو أُحَيْحَةَ مَنْ يَعْتَمّ عِمّتَهُ ... يُضْرَبُ وَإِنْ كَانَ ذَا
مَالٍ وَذَا عَدَدِ
وَكَانَ إذَا اعْتَمّ لَمْ يَعْتَمّ قُرَشِيّ إعْظَامًا لَهُ «2» ، وَقَدْ
قِيلَ فِي عِمّتِهِ أَيْضًا مَا أَنْشَدَهُ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ
الْجَاحِظُ:
وَكَانَ أَبُو أُحَيْحَةَ قَدْ عَلِمْتُمْ ... بِمَكّةَ غَيْرَ مُهْتَضِمٍ
ذَمِيمِ
إذَا شَدّ الْعِصَابَةَ ذَاتَ يَوْمٍ ... وَقَامَ إلَى الْمَجَالِسِ
والخصوم
__________
(1) الحجزة: معقد الإزار
(2) انظر أيضا ص 78 الاشتقاق، وفيه يقول فوق ما ذكره السهيلى: أحيحة:
تصغير: أحة، وهو ما يجده الإنسان فى قلبه من حرارة غيظ وحزن.
(3/225)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَقَدْ حَرُمَتْ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْشِي ... بِمَكّةَ غَيْرَ مُحْتَقِرٍ
لَئِيمِ «1»
مَاتَ أُحَيْحَةُ الّذِي كَانَ يُكْنَى بِهِ فِي حَرْبِ الْفِجَارِ،
وَأَسْلَمَ مِنْ بَنِيهِ أَرْبَعَةٌ أَبَانٌ وَخَالِدٌ وَعَمْرٌو
وَالْحَكَمُ الّذِي سَمّاهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عبد الله، ومات أحيحة بن سعيد، والعاصى بْنُ سَعِيدٍ
وَغَيْرُهُمَا مِنْ بَنِيهِ عَلَى الْكُفْرِ، قتل العاصى مِنْهُمْ يَوْمَ
بَدْرٍ كَافِرًا.
أَمَةُ بِنْتُ خَالِدٍ وَأَبُوهَا:
وَذَكَرَ أَمَةَ بِنْتَ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ الّتِي وُلِدَتْ بِأَرْضِ
الْحَبَشَةِ، قَالَ: وَتَزَوّجَهَا الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، وَهِيَ
الّتِي كَسَاهَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَهِيَ
__________
(1) الأبيات لأبى قيس بن الأسلت، وهى فى البيان والتبيين للجاحظ ص 97 ح 2 ط
لجنة التأليف والترجمة والنشر. والشطرة الثانية من البيت الثالث هكذا «بمكة
غير مدخل سقيم» وبعدها.
وكان البخترى غداة جمع ... يدافعهم بلقمان الحكيم
بأزهر من سراة بنى لؤى ... كبدر الليل راق على النجوم
هو البيت الذى بنيت عليه ... قريش السر فى الزمن القديم
وسطت ذوائب الفرعين منهم ... فأنت لباب سرهم الصميم
وفى الروض: «إذا ما شد العصابة» وهو خطأ. ملحوظة: مازدته فى الأنساب هو من
نسب قريش، كما حدث فى نسب عبد الرحمن بن عوف. فقد زدت بين عبد الحارث كلمة
ابن من صفحة 265 ومن الإصابة وتمت خلافات يسيرة عما هنا. ويقول ابن سعد إن
الخطاب كان قد تبنى عامر بن ربيعة، فكان يقال: عامر بن الخطاب حتى نزلت:
ادعوهم لابائهم.
(3/226)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صَغِيرَةٌ، وَجَعَلَ يَقُولُ: سَنّاهْ، سَنّاهْ يَا أُمّ خَالِدٍ!! أَيْ:
حَسَنٌ حَسَنٌ «1» بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ، وَكَانَتْ قَدْ تَعَلّمَتْ
لِسَانَ الْحَبَشَةِ؛ لِأَنّهَا وُلِدَتْ بِأَرْضِهِمْ، وَوَلَدَتْ
لِلزّبَيْرِ عَمْرًا وَخَالِدًا، يُقَالُ: إنّ أَبَاهَا خَالِدَ بْنَ
سَعِيدٍ أَوّلُ مَنْ كَتَبَ: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ، مَاتَ
بِأَجْنَادِينَ «2» شَهِيدًا، وَكَانَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد
اسْتَعْمَلَهُ عَلَى صَنْعَاءَ وَالْيَمَنِ، فَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ
اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ
يَسْتَعْمِلَهُ، فَقَالَ: لَا أَعْمَلُ لِأَحَدِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبدا، ويروى أن أباه سعيد بن العاصى
مَرِضَ، فَقَالَ: إنْ رَفَعَنِي اللهُ مِنْ مَرَضِي لَا يُعْبَدُ إلَهُ
ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ «3» بِمَكّةَ أَبَدًا، فَقَالَ ابْنُهُ خَالِدٌ:
اللهُمّ لَا تَرْفَعْهُ فهلك مكانه، فهؤلاء بنو سعيد بن العاصى بْنِ
أُمَيّةَ:
عبد شمس:
وَعُثْمَانُ: هُوَ ابْنُ عَفّانَ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ
عَبْدِ شَمْسِ، وَلَا يُخْتَلَفُ فِي عَبْدِ شَمْسٍ أَنّهُ بِالدّالِ،
وَأَمّا عَبْ شَمْسِ بْنِ سَعِيدِ بن زيد مناة بن تميم،
__________
(1) حديثها فى البخارى، وأن النبى كساها خميصة لها أعلام، فجعل رسول الله
«ص» يمسح الأعلام بيده، ويقول: سناه سناه. قال الحميدى: يعنى: حسن حسن
ويقال سنا بالتشديد والتخفيف أو سنه
(2) إذا نطقت بفتح الدال كسرت النون كالمثنى، وإذا قرئت بكسر الدال فتحت
النون كالجمع
(3) أبو كبشة هو: وجز بن غالب الذى كانت قريش تنسب رَسُولُ اللهِ- صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلَيْهِ؛ لأنه- صلّى الله عليه وسلم- خالف دين
قريش، فقالت قريش: «نزعه أبو كبشة» لأن أبا كبشة خالف الناس فى عبادة
الشعرى، والعرب تزعم أن أحدا لا يعمل شيئا إلا بعرق ينزعه شبهه. وكان أبو
كبشة سيدا فى خزاعة. لم يعيروا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِهِ من تقصير كان فيه، ولكنهم أرادوا أن يشبهوه بخلاف أبى كبشة،
فيقولون: خالف كما خالف أبو كبشة. ص 262 نسب قريش.
(3/227)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَقَالَ فِيهِ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْقُتَبِيّ: عَبْدُ شَمْسٍ كَمَا فِي
الْأَوّلِ. وَقَالَ أَكْثَرُ النّاسِ فِيهِ:
عَبْ شَمْسٍ «1» ، ثُمّ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ، مَعْنَاهُ:
عَبْدُ شَمْسٍ، لَكِنْ أُدْغِمَتْ الدّالُ، وَقِيلَ: بَلْ [عَبْ شَمْسٍ و]
عَبْ الشّمْسِ هُوَ ضوؤها أَوْ صَفَاؤُهَا، وَقِيلَ فِي الْمَثَلِ: هُوَ
أَبْرَدُ مِنْ عَبْقُرّ أَيْ: الْبَرْدِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: وَهُوَ
المبرد: من عب قرأى: بَيَاضُ قُرّ، وَمِنْ حَبْ قُرّ أَيْضًا «2» . وَفِيهِ
قَوْلٌ ثَالِثٌ: أَعْنِي: عَبْ شَمْسٍ.
وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ مَعْنَاهُ: عَبْءُ شَمْسٍ
بِالْهَمْزِ. ثُمّ حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ تَسْهِيلًا. وَعَبْءُ الشّمْسِ.
وَعَبْوُهَا مِثْلُهُ «3» .
عَمّارٌ لَمْ يُهَاجِرْ إلَى الْحَبَشَةِ:
وَشَكّ ابْنُ إسْحَاقَ فِي عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ: هَلْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ
الْحَبَشَةِ، أَمْ لَا. وَالْأَصَحّ عِنْدَ أَهْلِ السّيَرِ كَالْوَاقِدِيّ
وَابْنِ عُقْبَةَ. وغيرهما أنه لم يكن فيهم.
__________
(1) يكتب: عبشمس، ولقبه: مقروع ويقال بتضعيف الباء مع الإضافة
(2) فى القاموس. حبقر «بفتح فسكون فضم فراء مشددة، كفعلل ذكروه فى الأبنية،
ولم يفسروه، ومعناه: البرد حب الغمام، يقال: أبرد من حبقر، ويقال: عبقر،
وأصله: حب قر «بفتح حاء حب وتشديد الباء مع إضافتها إلى قر» والقر- بضم
القاف- البرد، والدليل على ما ذكرته: أن أبا عمر ابن العلاء يرويه: أبرد من
عب قر، والعب- بفتح فتضعيف: اسم للبرد. انتهى» . وعب الشمس الذى هو ضوؤها
بفتح العين وتشديد الباء أو تخفيفها.
(3) ضوؤها ويقول محمد بن حبيب فى كتابه متشابه القبائل: كل شىء فى العرب
عبد شمس غير عبشمس بن سعد فى تميم، وعبشمس بن آخر فى طيىء. هكذا قال بسكون
الباء فيهما، وذكر غيره أن الذى فى تميم: عبشمس- بفتح الياء- والذى فى طىء:
عبشمس «بكسر الباء» انظر ص 450 ح 2 المزهر
(3/228)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَوْلَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ:
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ مَنْ هَاجَرَ
إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمْ تَمِيمَ بْنَ
الْحَارِثِ. وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ وَغَيْرُهُ. وَالْحَارِثُ ابن قيس كان
أبوه «1» من الْمُسْتَهْزِئِينَ الّذِينَ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ: إِنَّا
كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الْحِجْرِ: 95.
حَوْلَ بَنِي زُهْرَةَ وَطَلِيبِ بْنِ عَبْدٍ:
وَذَكَرَ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ مَنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ،
وَهُمْ سِتّةُ نَفَرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ السّابِعَ، وَهُوَ: عَبْدُ اللهِ
بْنُ شِهَابٍ «2» جَدّ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
شِهَابٍ الزّهْرِيّ، وَكَانَ اسْمُهُ: عَبْدَ الْجَانّ، فَسَمّاهُ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عَبْدَ اللهِ «3» مَاتَ بِمَكّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ «4» وَأَخُوهُ: عَبْدُ
اللهِ الْأَصْغَرُ شَهِدَ أُحُدًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ، ثم أسلم.
__________
(1) الحارث بن قيس بن عدى السهمى إليه فى الجاهلية كانت الحكومة والأموال.
ذكر ابن عبد البر أنه أسلم، وهاجر إلى الحبشة مع بنيه الحارث وبشر ومعمر،
وتعقبه ابن الأثير بأن الزبير بن بكار وابن الكلبى ذكرا أنه كان من
المستهزئين، وزاد الذهبى فى التجريد: لم يذكر أحد أنه أسلم إلا أبا عمر،
ورده فى الإصابة بأنه ذكره فى الصحابة أيضا: أبو عبيد ومصعب والطبر وغيرهم،
ولا مانع من أن يكون قد تاب وصحب وهاجر، والاية ليست صريحة فى عدم توبة
بعضهم.
(2) هو عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن زهرة بن كلاب الزهرى. ذكره الزهرى
والزبير وغيرهما فيمن هاجر إلى الحبشة، ومات بمكة قبل هجرة المدينة وكذا
قال الطبرى
(3) عن ابن سعد والزبير وزاد ابن سعد: ليس له حديث
(4) رد الحافظ فى الإصابة قوله هذا؛ لأنه مأخوذ عن رواية الوقاصى
(3/229)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ الْمُطّلِبَ بْنَ عَبْدِ عَوْفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَخَاهُ
طَلِيبًا، وَكِلَاهُمَا هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، ومات بها،
وَهُمَا أَخَوَا أَزْهَرِ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ.
مِنْ شِعْرِ الْهِجْرَةِ الْحَبَشِيّةِ وَمَسَائِلُهُ النّحْوِيّةُ:
فَصْلٌ: وَأَنْشَدَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ مَا قَالَهُ فِي أَرْضِ
الْحَبَشَةِ، وَفِيهِ قَوْلُهُ:
أَلْحِقْ «1» عَذَابَك بِالْقَوْمِ الّذِينَ طَغَوْا ... وَعَائِذًا بِك
أَنْ يَعْلُو فَيُطْغُونِي
أَنْشَدَهُ سِيبَوَيْهِ فِيمَا يَنْتَصِبُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ
إظْهَارُهُ، وَذَلِكَ لِحِكْمَةِ، وَهِيَ أَنّ الْفِعْلَ لَوْ ظَهَرَ لَمْ
يَخْلُ أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا، فَالْمَاضِي يُوهِمُ
الِانْقِطَاعَ، وَالْمُتَكَلّمُ إنّمَا يُرِيدُ أَنّهُ فِي مَقَامِ
الْعَائِذِ، وَفِي حَالِ عَوْذٍ، وَالْفِعْلُ الْمُسْتَقْبَلُ أَيْضًا
يُؤْذِنُ بِالِانْتِظَارِ، وَفِعْلُ الْحَالِ مُشْتَرَكٌ مَعَ
الْمُسْتَقْبَلِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ يُوهِمُ أَنّهُ غَيْرُ
عَائِذٍ، فَكَانَ مَجِيئُهُ بِلَفْظِ الِاسْمِ الْمَنْصُوبِ عَلَى الْحَالِ
أَدَلّ عَلَى مَا يُرِيدُ، فَإِنّ عَائِذًا كَقَائِمِ وَقَاعِدٍ، وَهُوَ
الّذِي يُسَمّى عِنْدَ الْكُوفِيّينَ: الدّائِمُ، فَالْقَائِلُ: عَائِذًا
بِك يَا رَبّ، إنّمَا يُرِيدُ: أَنَا فِي حَالِ عِيَاذٍ بِك، وَالْعَامِلُ
فِي هَذِهِ الْحَالِ: تَكَلّمُهُ وَنِدَاؤُهُ، أَيْ: أَقُولُ قَوْلِي هَذَا
عَائِذًا، وَلَيْسَ تَقْدِيرُهُ: عُذْت وَلَا أَعُوذُ، إنّمَا يُرِيدُ أَنْ
يَسْمَعَهُ رَبّهُ، أَوْ يَرَاهُ عَائِذًا بِهِ.
وَقَوْلُهُ: أَنْ يَعْلُو يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَنْ مَعَ ما بعدها فى موضع
نصب،
__________
- عن الزهرى، وهى تقول أنه قدم مع جعفر فى السفينة. لكن الوقاصى ضعيف. وذكر
البخارى فى تاريخه عن عبد الله أنه أقام بالحبشة.
(1) فى السيرة: فاجعل عذابك. وانظر ص 17 ج 1 من كتاب سيبوية
(3/230)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عِنْدَ النّحْوِيّينَ، أَمّا النّصْبُ فَعَلَى
إضْمَارِ الْفِعْلِ، لِأَنّهُ قَالَ:
عَائِذًا، فَأَعْلَمَ أَنّهُ خَائِفٌ، فَكَأَنّهُ قَالَ: أَخَافُ أَنْ
يَعْلُو فَيُطْغُونِي، وَأَمّا الْخَفْضُ فَعَلَى إضْمَارِ حَرْفِ الْجَرّ،
فَكَأَنّهُ قَالَ: مِنْ أَنْ يَعْلُو، وَهُوَ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ
وَسِيبَوَيْهِ فِي أَنْ الْمُخَفّفَةِ وَأَنْ الْمُشَدّدَةِ نَحْوَ
قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً
الْأَنْبِيَاءِ: 92 تَقْدِيرُهُ: لِأَنّ هَذِهِ، وَجَازَ إضْمَارُ حَرْفِ
الْجَرّ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ حُرُوفُ الْجَرّ لَا
تُضْمَرُ، لِأَنّهُمَا مَوْصُولَتَانِ بِمَا بَعْدَهُمَا، فَطَالَ الِاسْمُ
بِالصّلَةِ، فَجَازَ حَذْفُ الْجَرّ تَخْفِيفًا.
وَلِقَائِلِ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ دَعْوَى ادّعَيْتُمْ أَنّ أَنْ وَمَا
بَعْدَهَا اسْمٌ مَخْفُوضٌ، وَهُوَ لَا يَظْهَرُ فِيهِ الْخَفْضُ، ثُمّ
بَنَيْتُمْ التّعْلِيلَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ؛ لِأَنّ الْخَفْضَ لَمْ
يَثْبُتْ بَعْدُ، فَنَقُولُ: إنّمَا عَلِمْنَا أَنّهُ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ
لِوُقُوعِهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقَعُ فِيهِ إلّا الْمَخْفُوضُ بِحَرْفِ
الْجَرّ نَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا
حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ التّوْبَةِ: 97 وَنَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ التّوْبَةُ: 108 وَنَحْوُ قَوْلِهِ: أَنْ
تَضِلَّ إِحْداهُما الْبَقَرَةُ: 28. فَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَجْدَرُ أَلّا
يَعْلَمُوا، مَعْنَاهُ:
بِأَنْ لَا يَعْلَمُوا، فَلَوْ كَانَ قَبْلَ أَنْ فَعَلَ لَقُلْنَا: حُذِفَ
حَرْفُ الْجَرّ، فَتَعَدّى الْفِعْلُ، فَنَصَبَ، وَلَكِنْ أَجَدْرُ
وَأَحَقّ اسْمَانِ لَا يَعْمَلَانِ، فمن هاهنا عرف النحويون أنه فى موضع
خلض؛ إذْ لَا نَاصِبَ لَهُ، وَأَمّا مَا اعْتَلّوا بَهْ مِنْ طُولِ
الِاسْمِ بِالصّلَةِ، وَأَنّ ذَلِكَ هُوَ الّذِي سَوّغَ لَهُمْ إضْمَارَ
حَرْفِ الْجَرّ، فَتَعْلِيلٌ مَدْخُولٌ، يُنْتَقَضُ عَلَيْهِمْ
بِالْأَسْمَاءِ الْمَوْصُولَةِ كَاَلّذِي وَمَنْ وَمَا، فَإِنّهَا قَدْ
طَالَتْ بِالصّلَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إضْمَارُ حَرْفِ الْجَرّ
فِيهَا، لَا تَقُولُ: خَرَجْت مَا عِنْدَك، وَلَا هَرَبْت الذى عندك
(3/231)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَيْ: مَنْ الّذِي عِنْدَك، وَتَقُولُ: خَرَجْت أَنْ يَرَانِي زَيْدٌ،
وَفَرَرْت أَنْ يَرَانِي عَمْرٌو، أَيْ: مِنْ أَنْ يَرَانِي، وَلِأَنْ
يَرَانِي بَدَلٌ، عَلَى أَنّ الْعِلّةَ غَيْرُ مَا قَالُوا، وَهِيَ أَنّ
أَنْ مَعَ الْفِعْلِ لَيْسَ بِاسْمِ مَحْضٍ، وَإِنّمَا هُوَ فِي تَأْوِيلِ
اسْمٍ، وَالِاسْمُ الْمَحْضُ مَا دَلّ عَلَيْهِ حَرْفُ الْجَرّ، فَلَا بُدّ
إذًا مِنْ إظْهَارِ حَرْفِ الْجَرّ إذَا جِئْت بِهِ؛ لِأَنّهُ اسْمٌ
قَابِلٌ لِدُخُولِ الْخَوَافِضِ عَلَيْهِ، وَأَمّا أَنّ فَحَرْفٌ مَحْضٌ
لَا يَصِحّ دُخُولُ حَرْفِ جَرّ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى الْفِعْلِ
الْمُتّصِلِ بِهِ فَلَا تَقُولُ: هُوَ اسْمٌ مَخْفُوضٌ، إنّمَا هُوَ فى
تأويل اسم مخفوض، فمن هاهنا فَرّقَتْ الْعَرَبُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ
غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ، فَإِذَا أَدْخَلْت عَلَيْهِ حَرْفَ الْجَرّ
مُظْهَرًا جَازَ، لِأَنّهُ فِي تَأْوِيلِ اسْمٍ، وَإِذَا أَضْمَرْت حَرْفَ
الْجَرّ جَازَ أَيْضًا الْتِفَاتًا إلَى أَنّ الْحَرْفَ الجار لَا يَدْخُلُ
عَلَى الْحَرْفِ، وَلَا عَلَى الْفِعْلِ فحسن إسقاطه مراعاة للفظ أن، وللفظ
الْفِعْل، وَقُلْنَا: هُوَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى معنى أن الكلام يئول
إلَى الِاسْمِ الْمَخْفُوضِ، لَا أَنّهُ يَظْهَرُ فِيهِ خَفْضٌ، أَوْ
يُقَدّرُ تَقْدِيرَ الْمَبْنِيّ الّذِي مَنَعَهُ الْبِنَاءُ مِنْ ظُهُورِ
الْخَفْضِ فِيهِ، حَتّى يُشْبِهَ أَنْ فَنَقُولُ: هُوَ اسْمٌ مَبْنِيّ
عَلَى السّكُونِ، لَا بَلْ نَقُولُ: هِيَ حَرْفٌ، وَالْحَرْفُ لَا يَدْخُلُ
عَلَيْهِ حَرْفُ الْجَرّ، لَا مُضْمَرًا وَلَا مُظْهَرًا، وَإِنّمَا هُوَ
تَقْدِيرٌ فِي الْمَعْنَى، لَا فِي اللّفْظِ، فَافْهَمْهُ.
لَا يُضَافُ اسْمٌ إلَى أَنّ الْمَصْدَرِيّةِ:
فَصْلٌ: وَاعْلَمْ أَنّ [أَنْ] الّتِي فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ لَا
يُضَافُ إلَيْهَا اسْمٌ. تَقُولُ:
هَذَا مَوْضِعُ أَنْ تَقْعُدَ وَيَوْمُ خُرُوجِك، وَلَا تَقُولُ: يَوْمُ
أَنْ تَخْرُجَ؛ لِأَنّهَا لَيْسَتْ بِاسْمِ كَمَا قَدّمْنَا، وَإِنّمَا
تُضَافُ إلَى الْأَسْمَاءِ الْمَحْضَةِ، لَا إلَى التّأْوِيلِ، وَلَا
يُضَافُ إلَيْهَا أيضا
(3/232)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اسْمُ الْفَاعِلِ، لَا بِمَعْنَى الْمُضِيّ، وَلَا بِمَعْنَى
الِاسْتِقْبَالِ، وَلَا الْمَصْدَرِ إلّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ نَحْوُ:
مَخَافَةَ أَنْ تَقُومَ، وَذَلِك إذَا أَرَدْت مَعْنَى الْمَفْعُولِ بِأَنّ
وَمَا بَعْدَهَا، وَأَمّا عَلَى نَحْوِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى
الْفَاعِلِ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِك.
وَإِنّمَا تَكُونُ فَاعِلَةً مَعَ الْفِعْلِ إذَا ذَكَرْته قَبْلَهَا
نَحْوُ: يَسُرّنِي أَنْ تَقُومَ، وَأَمّا مَعَ الْمَصْدَرِ مُضَافًا
إلَيْهَا فَلَا، وَتَكُونُ مَفْعُولَةً مَعَ الْمَصْدَرِ وَمَعَ الْفِعْلِ
مَعًا، وَكُلّ هَذَا الْأَسْرَارُ بَدِيعَةٌ مَوْضِعُهَا غَيْرُ هَذَا،
لَكِنّي أَقُولُ هَهُنَا قَوْلًا لَائِقًا بِهَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنّي
لَمْ أَذْكُرْ الْخَفْضَ بِإِضْمَارِ حَرْفِ الْجَرّ، فِي أَنّ وَإِنّ إلّا
مُسَاعَدَةً لِمَنْ تَقَدّمَ، فَعَلَيْهِ بَنَيْت التّعْلِيلَ
وَالتّأْصِيلَ، وَإِذَا أَبَيْت مِنْ التّقْلِيدِ فَلَا إضْمَارَ لِحُرُوفِ
الْجَرّ فِيهَا، إنّمَا هُوَ النّصَبُ بِفِعْلِ مُضْمَرٍ أَوْ مُظْهَرٍ،
أَمّا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فَإِنّمَا لَمّا
قَالَ أَحَقّ عُلِمَ أَنّهُ يُوجِبُ عليه أن يقوم فيه، وكذلك أجذر أَلّا
يَعْلَمُوا، وَمَعْنَى أَجْدَرَ: أَخْلَقُ وَأَقْرَبُ، وَلَمَا ثَبَتَتْ
لَهُمْ هَذِهِ الصّفّةُ اقْتَضَى ذَلِكَ أَلّا يَعْلَمُوا؛ فَصَارَ
مَنْصُوبًا فِي الْمَعْنَى، وَلَوْ جِئْت بِالْمَصْدَرِ الّذِي هُوَ اسْمٌ
مَحْضٌ نَحْوُ: الْقِيَامُ وَالْعِلْمُ لَمْ يَصِحّ إضْمَارُ هَذَا
الْفِعْلِ؛ لِأَنّ أَجْدَرَ وَأَحَقّ وَنَحْوَهُمَا اسْمَانِ يُضَافَانِ
إلَى مَا بَعْدَهُمَا، فَلَوْ جِئْت بِالْقِيَامِ بَعْدَ قَوْلِك أَحَقّ،
فقلت: أحق قيامك، لا نقلب المعنى.
ولو نصبته بإضمار الّذِي أَضْمَرْت مَعَ أَنّ لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ
عَلَيْهِ؛ لِأَنّ الِاسْمَ يَطْلُبُ الْإِضَافَةَ، فَيُمْنَعُ مِنْ
الْإِضْمَارِ وَالنّصَبِ، وَإِذَا وَقَعَتْ بَعْدَهُ لَمْ يَطْلُبْ
الْإِضَافَةَ؛ لِمَا قَدّمْنَاهُ مِنْ امْتِنَاعِ إضَافَةِ الْأَسْمَاءِ
إلَيْهَا، وَإِنّمَا اخْتَرْنَا هَذَا الْمَذْهَب، وَآثَرْنَاهُ عَلَى مَا
تَقَدّمَ مِنْ إضْمَارِ الْخَافِضِ؛ لِأَنَا قَدْ نَجِدُهَا فِي مَوَاضِعَ
مَجْرُورَةٍ،
(3/233)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَا يَجُوزُ إضْمَارُ حَرْفِ الْجَرّ، كَقَوْلِك: سِرْ إلَى أَنْ
تَطْلُعَ الشّمْسُ، وَلَا يَجُوزُ إضْمَارٌ إلَى هَهُنَا، وَكَذَلِكَ
تَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا
إضْمَارُ مِنْ، وَلَوْ كَانَ حَرْفُ الْجَرّ مَعَهَا لِلْعِلّتَيْنِ
المتقدمتين لا طرّد جَوَازُ ذَلِكَ فِيهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنّمَا
هِيَ أَبَدًا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا حَرْفُ الْجَرّ ظَاهِرًا
مَفْعُولَةً بِفِعْلِ مُضْمَرٍ، وَقَدْ تَكُونُ فَاعِلَةً، وَلَكِنْ
بِفِعْلِ ظَاهِرٍ نَحْوُ: يُعْجِبنِي أَنْ تَقُومَ، وَأَمّا خَرَجْت أَنْ
أَرَى زَيْدًا فَعَلَى إضْمَارِ الْإِرَادَةِ وَالْقَصْدِ، كَأَنّك
أَرَدْت: أَنْ أَرَاهُ، أَوْ أَنْ لَا أَرَاهُ؛ لِأَنّ كُلّ مَنْ فَعَلَ
فِعْلًا، فَقَدْ أَرَادَ بِهِ أَمْرًا مَا، لَكِنّك إنْ جَعَلْت مَكَانَهَا
الْمَصْدَرَ لَمْ يَجُزْ الْإِضْمَارُ أَوْ قُبّحَ؛ لِأَنّ الْمَصْدَرَ
تَعْمَلُ فِيهِ الْأَفْعَالُ الظّاهِرَةُ إذَا كَانَتْ مُتَعَدّيَةً،
وَتَصِلُ إلَيْهِ بِحَرْفِ جَرّ إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَعَدّيَةً، وَأَنّ
مَعَ الْفِعْلِ لَا تَعْمَلُ فِيهَا الْحَوَاسّ وَلَا أَفْعَالُ
الْجَوَارِحِ الظّاهِرَةِ، تَقُولُ: رَأَيْت قِيَامَ زَيْدٍ، وَلَا
تَقُولُ: أَنْ يَقُومَ، وَسَمِعْت كَلَامَك، وَلَا تَقُولُ: سَمِعْت أَنْ
تَتَكَلّمَ، وَإِنّمَا يَتَعَلّقُ بِهَا، وَتَعْمَلُ فِيهَا الْأَفْعَالُ
الْبَاطِنَةُ نَحْوُ: خِفْت وَاشْتَهَيْت وَكَرِهْت، وَمَا كَانَ فِي
مَعْنَى هَذَا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، فَإِذَا سَمِعَ الْمُخَاطَبُ أَنّ
مَعَ الْفِعْلِ لَمْ يَذْهَبْ وَهْمُهُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ إلّا إلَى
هَذِهِ الْمَعَانِي، فَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فَذَاكَ، وَإِلّا
اعْتَقَدْنَا أَنّهَا مُضْمَرَةً، وَأَنّ الْفِعْلَ الظّاهِرَ دَالّ
عَلَيْهَا، وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ لَيْسَ كَذَلِكَ، إذَا وَقَعَ
قَبْلَهَا فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ الظّاهِرَةِ، وَقَعَ
عَلَيْهَا إنْ كَانَ مُتَعَدّيًا أَوْ وُصِلَ بِحَرْفِ، إنْ كَانَ غَيْرَ
مُتَعَدّ، وَمُنِعَ مِنْ الْإِضْمَارِ أَنّهُ لَفْظِيّ، وَالْإِضْمَارُ
مَعْنَوِيّ إلّا فِي بَابِ الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ، وَقَدْ قَدّمْنَا
فِيهِ سِرّا بَدِيعًا فِيمَا سَبَقَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.
(3/234)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَصْلٌ: وَأَنْشَدَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ شِعْرًا فِيهِ:
كَمَا جَحَدَتْ عَادٌ وَمَدْيَنُ وَالْحِجْرُ
أَمّا عَادٌ فَقَدْ تَقَدّمَ نَسَبُهَا، وَأَمّا الْحِجْرُ فَلَيْسَتْ
بِأُمّةِ، وَلَكِنّهَا دِيَارُ ثَمُودَ.
أَرَادَ: أَهْلَ الْحِجْرِ، وَأَمّا مَدْيَنُ فَأُمّةُ شُعَيْبٍ، وَهُمْ
بَنُو مَدَيَانِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَأُمّهُمْ:
قُطُورًا بِنْتُ يَقِطَانِ الْكَنْعَانِيّةُ، وَلَدَتْ لَهُ ثَمَانِيّةً
مِنْ الْوَلَدِ تَنَاسَلَتْ مِنْهُمْ أُمَمٌ، وَقَدْ سَمّيْنَاهُمْ فِي
كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ، وَفِي أَوّلِ هَذَا الْكِتَابِ.
وَفِيهِ أَيْضًا قَوْلُهُ: فَإِنْ أَنَا لَمْ أَبْرِقْ فَلَا يَسَعَنّنِي.
الْبَيْتَ، قَالَ: وَبِهِ سُمّيَ الْمُبْرِقَ، قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَفِي
هَذَا حُجّةٌ عَلَى الْأَصْمَعِيّ حِينَ مَنَعَ أَنْ يُقَالَ: أُرْعِد
وَأُبْرِق، وَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ الْكُمَيْتِ:
أُرْعِدُ وَأُبْرِقُ يَا يَزِيدُ «1»
فَلَمْ يره حجة، [وقال: الكميت جر مقانىّ مِنْ أَهْلِ الْمُوصِلِ] لَيْسَ
بِحُجّةِ، وَأَلْحَقَهُ بِالْمُحَدّثِينَ لِتَأَخّرِ زَمَانِهِ، كَمَا
فَعَلَ بِذِي الرّمّةِ حِينَ احتج عليه بقوله:
__________
(1) فى إصلاح المنظق لابن السكيت: وقد برق فى الوعيد ورعد يبرق ويرعد. -
وزن نصر قال الأصمعى: ولا يقال أرعد وأبرق، وحكى اللغتين أبو عبيدة وأبو
عمرو، فاحتج على الأصمعى ببيت الكميت.
أرعد وأبرق يايز ... يد فما وعيدك لى بضائر
فقال: ليس قول الكميت بحجة، هو مولد، واحتج ببيت المتلمس:
فإذا حللت ودون بيتى غاوة ... فابرق بأرضك ما بدا لك وارعد
ص 216 ط د. المعارف. مصر، وانظر ص 97 ج 1 أمالى والسمط ص 300
(3/235)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذُو زَوْجَةٍ بِالْمِصْرِ أَمْ ذُو خُصُومَةٍ
فَأَبَى أن يقول: زوجة بهاء التأنيت، وَقَالَ: طَالَمَا أَكَلَ ذُو
الرّمّةِ الزّيْتَ فِي حَوَانِيتِ الْبَقّالِينَ «1» ، وَبَيْتُ
الْمُبْرِقِ فِي هَذَا حُجّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ وُجِدَ أُرْعِدُ
وَأُبْرِقُ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَيْتِ، مِمّا تَقُومُ بِهِ الْحُجّةُ
أَيْضًا، وَبَيْتُ الْمُبْرِقِ هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ
أَنْ يَكُونَ مِنْ أَبْرَقَ فِي الْأَرْضِ إذَا ذَهَبَ بِهَا لَا مِنْ
أَرْعَدَ وَأَبْرَقَ، وَكَذَلِكَ وَجَدْته فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ
عَلَى هَذَا الْبَيْتِ مَنْسُوبًا لِلْمَصْعَبِ، قَالَ: الْإِبْرَاقُ:
الذّهَابُ «2» ، وَفِي الْعَيْنِ: أَبَرَقَتْ النّاقَةُ بِذَنَبِهَا إذَا
ضَرَبَتْ بِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَهُوَ فِي مَعْنَى الذّهَابِ فِي
الْأَرْضِ، لِأَنّهُ جَوَلَانٌ فِيهَا، وَهِيَ الْبُرُوقُ، قَالَ نَهْشَلُ
بْنُ دَارِمٍ لِأَخِيهِ سَلِيطٍ- وَقَدْ لَامَهُ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ
فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ: لا أحسن تاثامك، وَلَا تَكْذَابَكَ، تَشُولُ
بِلِسَانِك شَوَلَانَ الْبُرُوقِ. وَذَكَرَ فِي الشّعْرِ:
يَلِينَ مَا فِي النّفْسِ إذْ بَلَغَ النّقْرُ «3»
وَيُرْوَى: يَلِينَ مَا فِي الصّدْرِ. وَالنّقْرُ: الْبَحْثُ عَنْ
الشّيْءِ، وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِيهِ:
التّنْقِيرُ، وَاسْتَشْهَدَ عَبْدُ اللهِ الْمُبْرِقُ فِي غَزْوَةِ
الطّائِفِ، وَكَانَ أَبُوهُ الْحَارِثَ مِنْ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَكَانَ
جَدّهُ قَيْسٌ أَعَزّ قُرَيْشٍ فِي زَمَانِهِ، يروى أن عبد المطلب كان
__________
(1) يقال: أبرق طعامه بزيت أو سمن: جعل منه فيه قليلا
(2) فسرها المصعب بما قال السهيلى فى ص 401 من كتابه نسب قريش.
(3) فى السيرة: أبين ما فى النفس، وفى نسب قريش ص 401 يبين ما فى الصدر.
(3/236)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يُنَفّزُ «1» ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ، وَالِدَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ طِفْلٌ، فَيَقُولُ:
كأنه فى العزقيس بْنُ عَدِيّ ... فِي دَارِ قَيْسٍ النّدِيّ يَنْتَدِي «2»
قَالَهُ الزّبِيرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ:
حَوْلَ لَامِ التّعَجّبِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ:
أَتَيْمَ بْن عَمْرٍو لِلّذِي جَاءَ بِغْضَةً
أَرَاهُ: عَجَبًا لِلّذِي جَاءَ، وَالْعَرَبُ تَكْتَفِي بِهَذِهِ اللّامِ
فِي التّعَجّبِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: لِهَذَا الْعَبْدِ
الْحَبَشِيّ جَاءَ مِنْ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ إلَى الْأَرْضِ الّتِي خُلِقَ
مِنْهَا، قَالَهُ فِي عَبْدٍ حَبَشِيّ دُفِنَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ فِي
جِنَازَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى قَبْرِهِ،
وَتَقَهْقَرَ ثُمّ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ لِهَذَا الْعَبْدِ الصّالِحِ
ضُمّ عَلَيْهِ الْقَبْرُ ثُمّ فُرِجَ عَنْهُ، وَقِيلَ فِي قوله سبحانه:
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ أَقْوَالٌ مِنْهَا: أَنّهَا مُتَعَلّقَةٌ بِمَعْنَى
التّعَجّبِ، كَأَنّهُ قَالَ: اعْجَبُوا لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، وَبِغْضَةً
نُصِبَ على التمييز
__________
(1) فى الأصل ينقر، وهو خطأ كان أيضا فى نسب قريش، وأصلحه محققه، ففى
القاموس: نفزه تنفيزا: رقصه، وكذلك فى اللسان.
(2) فى الاشتقاق ص 120: «وكان عبد المطلب يرقص ابنه الحارث أو الزبير
فيقول:
يا بأبى يا بأبى يا بأبى ... كأنه فى العزقيس بن عدى
والشطرة الثانية روايتها هكذا «فى دار قيس ينتدى أهل الندى» ص 400 نسب
قريش.
(3/237)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَأَنّهُ قَالَ: يَا عَجَبًا لِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ بِغْضَةٍ، وَيَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ، وَرَوَى الزّبَيْرُ هَذَا
الْبَيْتَ:
أَتَيْمَ بْنَ عمر للذى فارضغنه
مِنْ مَعَانِي شِعْرِ ابْنِ مَظْعُونٍ وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي هَذَا
الشّعْرِ: فِي صَرْحِ بَيْطَاءَ تُقْدَعُ بِالطّاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ
وَكَسْرِهَا، وَقَالَ بِيَطَاءَ: اسْمُ سَفِينَةٍ، وَتُقْدَعُ بِالدّالِ،
أَيْ: تُدْفَعُ، وَزَعَمَ أَنّ تَيْمَ بْنَ عَمْرٍو وَهُوَ جُمَحٌ سُمّيَ
جُمَحًا؛ لِأَنّ أَخَاهُ سَهْمَ بْنَ عَمْرٍو- وَكَانَ اسْمُهُ زَيْدًا-
سَابَقَهُ إلَى غَايَةٍ، فَجَمَحَ عَنْهَا تَيْمٌ، فَسُمّيَ جُمَحًا،
وَوَقَفَ عَلَيْهَا زَيْدٌ، فَقِيلَ: قَدْ سَهَمَ «1» زَيْدٌ فَسُمّيَ:
سَهْمًا.
وَقَوْلُهُ: وَمِنْ دُونِنَا الشّرْمَان. الشّرْمُ: الْبَحْرُ «2» وَقَالَ
الشّرْمَان بِالتّثْنِيَةِ؛ لِأَنّهُ أَرَادَ الْبَحْرَ الْمِلْحَ،
وَالْبَحْرَ الْعَذْبَ، وَفِي التّنْزِيلِ: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ
وَالشّرْمُ مِنْ: شَرَمْت الشّيْءَ إذَا خَرَقْته، وَكَذَلِكَ الْبَحْرُ
مِنْ بَحَرْت الْأَرْضَ إذَا خَرَقْتهَا، وَمِنْهُ سُمّيَتْ الْبَحِيرَةُ
لِخَرْقِ أُذُنِهَا وَالْبَرْكُ: مَا اطْمَأَنّ مِنْ الْأَرْضِ وَاتّسَعَ،
وَلَمْ يَكُنْ مُنْتَصِبًا كَالْجِبَالِ.
وَقَوْلُهُ: فِي صَرْحِ بَيْضَاءَ. يُرِيدُ: مَدِينَةَ الْحَبَشَةِ،
وَأَصْلُ الصّرْحِ: الْقَصْرُ، يُرِيدُ:
أَنّهُ سَاكِنٌ عِنْدَ صرح النّجاشىّ.
__________
(1) يقال: ساهم القوم، فسهمهم: غلبهم.
(2) فى القاموس: لجة البحر، أو الخليج منه، وفى شرح السيرة للخشنى أيضا
الشرمان بضم النون: مرضع. ويقول عن «البرك أكتع» هذه رواية غريبة لأنه أكد
بأكتع دون أن يتقدمه: أجمع.
(3/238)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: تقذع أى: تكره، كأنه من أفذعت الشّيْءَ، إذَا صَادَفَتْهُ قَذِعًا
وَيُقَالُ أَيْضًا: قَذَعْت الرّجُلَ إذَا رَمَيْته بِالْفُحْشِ، يُرِيدُ
أَنّ أَرْضَ الْحَبَشَةِ مَقْذُوعَةٌ، وَأَحْسِبُ هَذِهِ الرّوَايَةَ
تَصْحِيفًا، وَالصّحِيحُ: مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ الزّبَيْرِ
وَرِوَايَتِهِ، وَأَنّهُ بِيَطَاءَ بِالطّاءِ، وَتُقْدَعُ بِالدّالِ.
وَقَوْلُهُ: وَأَسْلَمَك الْأَوْبَاشُ يريد أخلاطا من الناس «1» ، يقال: أو
شاب وَأَوْبَاشٌ، وَالْأَوْبَاشُ أَيْضًا شَجَرٌ مُتَفَرّقٌ، وَالْوَبْشُ
بَيَاضٌ فِي أَظْفَارِ الْأَحْدَاثِ.
أَنْسَابٌ:
وَذَكَرَ فِيمَنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي عَدِيّ:
مَعْمَرُ بن عبد الله ابن نَضْلَةَ، وَقَالَ فِيهِ عَلِيّ بْنُ
الْمَدِينِيّ: إنّمَا هُوَ: مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَافِعِ ابن
نَضْلَةَ.
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: نَضْلَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ
بْنِ عَوْفِ بْن عُبَيْدٍ وَفِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ قَالَ: إنّمَا
هُوَ نَضْلَةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجٍ، وَذَكَرَ أَنّهُ
قَوْلُ مُصْعَبٍ فِي كِتَابِ النّسَبُ «2» . وَذَكَرَ فِي بَنِي عَدِيّ:
عُرْوَةَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ، كَذَا فِي كِتَابِ
الْمُصْعَبِ إلّا أَنّهُ قَالَ: عَمْرُو بْنُ أَبِي أُثَاثَةَ أَوْ
عُرْوَةُ بْنُ أَبِي أُثَاثَةَ عَلَى الشّكّ وَذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي
كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ فَقَالَ فِيهِ: عُرْوَةُ بْنُ أَبِي أُثَاثَةَ
وَيُقَالُ ابْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ، قَالَ:
وأمه، أم عمرو بن العاصى، فهو
__________
(1) عند الخشنى: الضعفاء الداخلون فى القوم، وهو منهم. والبطارقة الوزراء.
(2) هو كما ذكر فى جمهرة ابن حزم ص 147 وما بعدها، وفى نسب قريش لمصعب
الزبيرى ص 382، ص 386 وزاد بعد عويج: ابن عدى بن كعب.
(3/239)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَخُوهُ لِأُمّ «1» .
قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَأُمّهُمَا اسْمُهَا: لَيْلَى، وَتَلَقّبَ
بِالنّابِغَةِ، وَهِيَ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ ثُمّ مِنْ بَنِي جَلّانَ «2»
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَيُقَالُ فِيهِ: ابْنُ أَبِي أُثَاثَةَ، قَالَ
الْمُؤَلّفُ:
وَقَدْ قَدّمْنَا أَنّ الْمُصْعَبَ الزّبَيْرِيّ شَكّ فِيهِ، فَقَالَ:
عروة، أبو عَمْرٌو، وَأَمّا الزّبَيْرُ: فَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي
أُثَاثَةَ، وَلَمْ يَشُكّ، ثُمّ قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ يَذْكُرُهُ ابْنُ
إسْحَاقَ فِيمَنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَذَكَرَهُ
الْوَاقِدِيّ، وَأَبُو مَعْشَرٍ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ
الْمُؤَلّفُ: وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ أَبِي عُمَرَ- رَحِمَهُ اللهُ- فَإِنّ
ابْنَ إسْحَاقَ ذَكَرَهُ فِيهِمْ، غَيْرَ أَنّهُ نَسَبَهُ إلَى جَدّهِ
عَبْدِ الْعُزّى، وَأَسْقَطَ اسْمَ أَبِيهِ أَبِي أُثَاثَةَ، وَقَالَ حِينَ
ذَكَرَ مَنْ هَاجَرَ مِنْ بَنِي عدى بعد ما عدهم خمسة، قال:
__________
(1) فى نسب قريش «ولد أبو أثاثة بن عبد العزى، عمرو بن أبى أثاثة، وعروة بن
أبى أثاثة، وهو من مهاجرة الحبشة، وأمه: النابغة بنت حرملة أخواه لأمه؛
عمرو بن العاصى وأرنب بنت عفيف بن أبى العاصى بن أمية ابن عبد شمس» ص 381.
وانظر 409 من نفس الكتاب، فليس فيه شك، وإنما هما ولدان. أحدهما: عمرو،
والاخر عروة. وتوجد لهما ترجمتان فى الإصابة، إلا أنه قال عن عروة- ولعله
تصحيف- بن أبانة، ثم قال: ويقال ابن أبى أبانة ابن عبد العزى، بن حرامن بن
عوف بن عبيد بن عويج الخ وفى جمهرة ابن حزم «وعمرو بن أبى أثاثة بْنُ
عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ بْنِ عَوْفِ بن عويج بن عدى ابن كعب من
مهاجرة الحبشة وهو أخو عمرو بن العاص لأمه وأخوه عروة ابن أبن أثاثة من
مهاجرة الحبشة ص 148 وفى ص 154 منه «وأخواه لأمه- يعنى عمرو وعروة أبنا أبى
أثاثة الحبشة» .
(2) فى نسب قريش أن أمه: سبية من بنى عنزة ص 409 وفى الإصابة: أمة من بنى
عنزة. وفى جمهرة ابن حزم كما فى نسب قريش واسمها: النابغة ص 154.
(3/240)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَرْبَعَةُ نَفَرٍ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَذَكَرَ فِيهِمْ
مَعَ الْخَمْسَةِ: لَيْلَى بِنْتَ أَبِي حَثْمَةَ امْرَأَةَ عَامِرِ بْنِ
رَبِيعَةَ، فَهُمْ عَلَى هذا ستة، غير أنه يحتمل أن يُرِيدُ أَرْبَعَةَ
نَفَرٍ دُونَ حَلِيفِهِمْ عَامِرٍ، وَمَا أَظُنّهُ قَصَدَ هَذَا؛ لِأَنّ
مِنْ عَادَتِهِ أَنّ يَعُدّ الْحُلَفَاءَ مَعَ الصّمِيمِ؛ لِأَنّ
الدّعْوَةَ تَجْمَعُهُمْ.
أُمّ سَلَمَةَ:
وَذَكَرَ أُمّ سَلَمَةَ وَبَعْلَهَا أَبَا سَلَمَةَ، تُوُفّيَ عَنْهَا
بِالْمَدِينَةِ، وَخَلّفَ عَلَيْهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ اسْمَهَا هَذَا، وَقِيلَ فِي اسْمِهَا: رَمَلَةُ «1» ،
وَأَبُوهَا أَبُو أُمَيّةَ اسْمُهُ: حُذَيْفَةُ يُعْرَفُ بِزَادِ الرّاكِبِ
«2» .
وَذَكَرَ أَنّهَا وَلَدَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي
سلمة، وكان اسم زينب
__________
(1) فى الإصابة اسمها: هند. وقال عن القول بأن اسمها رملة: ليس بشىء.
(2) وقيل أيضا: سهيل ولقب بهذا؛ لأنه كان إذا سافر لم توقد معه نار إلى أن
يرجع. ورثاه أبو طالب:
ألا إن خير الناس غير مدافع ... بسرو سحيم غيبته المقابر
ومنها:
وكان إذا يأتى من الشام قافلا ... تقدمه- تسعى إلينا- البشائر
وهناك غيره من قريش أزاود الركب: أبو أمية بن المغيرة، مسافر ابن أبى عمرو
بن أمية، زمعة بن الأسود، لأنهم- كما فى اللسان- كانوا إذا سافروا، فخرج
معهم الناس لم يتخذوا زادا معهم، ولم يوقدوا، يكفونهم ويغنونهم يقول:
المصعب الزبيرى: رثاه أبو طالب:
وقد أيقن الركب الذى أنت فيهم ... إذا رحلوا يوما بأنك عاقر
فسمى زاد الركب، واسمه: حذيفة، وكانت عنده عاتكة بنت عبد المطلب. انظر
الاشتقاق ص 150، 94 واللسان مادة: زود والإصابة ترجمة أم سلمة، ونسب قريش ص
300.
(3/241)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
برة، فسماها رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبَ،
كَانَتْ زَيْنَبُ هَذِهِ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ، وَكَانَتْ
قَدْ دَخَلَتْ عَلَى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يَغْتَسِلُ،
وَهِيَ إذْ ذَاكَ طِفْلَةٌ، فَنَضَحَ فِي وَجْهِهَا مِنْ الْمَاءِ، فَلَمْ
يَزَلْ مَاءُ الشّبَابِ فِي وَجْهِهَا «1» ، حَتّى عَجَزَتْ وَقَارَبَتْ
الْمِائَةَ، وَكَانَتْ مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ زَمَانِهَا، وَأَدْرَكَتْ
وَقْعَةَ الْحَرّةِ بِالْمَدِينَةِ «2» ، وَقُتِلَ لَهَا فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ وَلَدَانِ، اسم أحدهما:
كبير، والاخر: يزيد من عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ، فَكَانَتْ تَبْكِي
عَلَى أَحَدِهِمَا:
وَلَا تَبْكِي عَلَى الْآخَرِ، فَسُئِلَتْ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ:
أَبْكِيهِ لِأَنّهُ جَرّدَ سَيْفَهُ وَقَاتَلَ، وَالْآخَرُ لَا أَبْكِيهِ
لِأَنّهُ لَزِمَ بَيْتَهُ، وَكَفّ يده حتى قتل، رُوِيَ أَنّ رَسُولَ اللهِ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ ابْتَنَى بِأُمّ سَلَمَةَ دَخَلَ
عَلَيْهَا بيتها فى ظلمة، فوطىء على زينب، فبكت، فلما كَانَ مِنْ
اللّيْلَةِ الْأُخْرَى دَخَلَ فِي ظُلْمَةٍ أَيْضًا، فَقَالَ:
اُنْظُرُوا زُنَابَكُمْ أَنْ لَا أَطَأَ عَلَيْهَا «3» ، أَوْ قَالَ:
أَخّرُوا ذَكَرَهُ الزّبَيْرُ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَوْهِينٌ
لِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنّهُ كان يرى بالليل، كما يرى بالنهار.
__________
(1) حديث تغيير الاسم أسنده ابن خيثمة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عنها،
وذكر مثله فى زينب بنت جحش، وأصله فى مسلم فى حق زينب هذه وفى حق جوبرية
بنت الحارث، ومسألة نضح الماء ذكرها ابن حجر فى الإصابة. وروى أنها كانت
أفقه امرأة بالمدينة، وأما نداؤها بزناب بضم الزاى، فقد ورد فى حديث رواه
النسائى «فتزوجها- أى أم سلمة- فجعل يأتيها، فيقول: أين زناب»
(2) وقعت سنة 63 هـ
(3) سبق الحديث عن هذا
(3/242)
|