الروض
الأنف ت الوكيل [إسلام أبى
العاص بن الربيع]
[استيلاء المسلمين على تجارة معه وإجارة زينب
له]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَقَامَ أَبُو الْعَاصِ بِمَكّةَ، وَأَقَامَتْ
زَيْنَبُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْمَدِينَةِ، حِينَ فَرّقَ بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامُ، حَتّى إذَا كَانَ
قُبَيْلَ الْفَتْحِ خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ تَاجِرًا إلَى الشّامِ، وَكَانَ
رَجُلًا مَأْمُونًا، بِمَالٍ لَهُ وَأَمْوَالٍ لِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ،
أَبْضَعُوهَا مَعَهُ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ وَأَقْبَلَ
قَافِلًا، لَقِيَتْهُ سَرِيّةٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ، فَأَصَابُوا مَا مَعَهُ، وَأَعْجَزَهُمْ هَارِبًا، فَلَمّا
قَدِمَتْ السّرِيّةُ بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَالِهِ، أَقْبَلَ أَبُو
الْعَاصِ تَحْتَ اللّيْلِ حَتّى دَخَلَ عَلَى زينب بنت رسول الله صلى الله
عليه وَسَلّمَ، فَاسْتَجَارَ بِهَا، فَأَجَارَتْهُ، وَجَاءَ فِي طَلَبِ
مَالِهِ، فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلَى الصّبْحِ- كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ ابن رومان- فكّبر وكبّر الناس معه،
صرخت زينب من صفّة النّسَاءِ:
أَيّهَا النّاسُ، إنّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ.
قَالَ: فَلَمّا سَلّمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
الصّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ، فَقَالَ: أَيّهَا النّاسِ، هَلْ
سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ؛ قَالَ: أَمَا وَاَلّذِي نَفْسُ
مُحَمّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتّى سَمِعْتُ مَا
سَمِعْتُمْ، إنّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ. ثُمّ
انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ على
ابْنَتِهِ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيّةُ، أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، وَلَا يخلصنّ
إليك، فإنك لا تحلين له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/168)
[المسلمون
يردون عليه ماله ثم يسلم]
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَى السّرِيّةِ الّذِينَ أَصَابُوا مَالَ
أَبِي الْعَاصِ، فَقَالَ لَهُمْ: إنّ هَذَا الرّجُلَ مِنّا حَيْثُ قَدْ
عَلِمْتُمْ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا، فَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَرُدّوا
عَلَيْهِ الّذِي لَهُ، فَإِنّا نُحِبّ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ
فَيْءُ اللهِ الّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ، فَأَنْتُمْ أَحَقّ بِهِ؛
فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ، بَلْ نَرُدّهُ عَلَيْهِ، فَرَدّوهُ عَلَيْهِ،
حَتّى إنّ الرّجُلَ لِيَأْتِيَ بِالدّلْوِ، وَيَأْتِيَ الرّجُلُ بِالشّنّةِ
وَبِالْإِدَاوَةِ، حَتّى إنّ أَحَدَهُمْ لِيَأْتِيَ بِالشّظَاظِ، حَتّى
رَدّوا عَلَيْهِ مَالَهُ بِأَسْرِهِ، لَا يَفْقِدُ مِنْهُ شَيْئًا. ثُمّ
احْتَمَلَ إلَى مَكّةَ، فَأَدّى إلَى كُلّ ذِي مَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ
مَالَهُ، وَمَنْ كَانَ أَبْضَعَ مَعَهُ، ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ، هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ؟
قَالُوا: لَا. فَجَزَاك اللهُ خَيْرًا، فَقَدْ وَجَدْنَاك وَفِيّا كَرِيمًا
قَالَ: فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَه إلّا اللهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاَللهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ
إلّا تَخَوّفُ أن تظنّوا أنى أَرَدْت أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ، فَلَمّا
أَدّاهَا اللهُ إلَيْكُمْ وَفَرَغْتُ مِنْهَا أَسْلَمْتُ. ثُمّ خَرَجَ
حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
[زوجته ترد إليه]
قال ابن إسحاق: وحدثني دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ
ابْنِ عباس قال: رَدّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ زَيْنَبَ عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا
(بَعْدَ سِتّ سِنِينَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/169)
[مَثَلٌ مِنْ أَمَانَةِ أَبِي الْعَاصِ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ أَبَا الْعَاصِ
بْنَ الرّبِيعِ لَمّا قَدِمَ مِنْ الشّامِ وَمَعَهُ أَمْوَالُ
الْمُشْرِكِينَ، قِيلَ لَهُ: هَلْ لَك أَنْ تُسْلِمَ وَتَأْخُذَ هَذِهِ
الْأَمْوَالَ، فَإِنّهَا أَمْوَالُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ أَبُو
الْعَاصِ: بِئْسَ مَا أَبْدَأُ بِهِ إسْلَامِي أَنْ أَخُونَ أَمَانَتِي.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ
التّنّورِيّ، عَنْ داود ابن أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشّعْبِيّ،
بِنَحْوِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الْعَاصِ.
[الّذِينَ أَطْلَقُوا مِنْ غَيْرِ فِدَاءٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ مِمّنْ سُمّيَ لَنَا مِنْ الْأُسَارَى
مِمّنْ مُنّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ فِدَاءٍ، مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ
عَبْدِ مَنَافٍ: أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع بن عبد العزّى ابن عَبْدِ
شَمْسِ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَعْدَ أَنْ بُعِثَتْ زَيْنَبُ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
بِفِدَائِهِ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: الْمُطّلِبُ ابن
حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ عُمَرَ بن مخزوم، كان لبعض
بنى الحارث ابن الْخَزْرَجِ، فَتَرَكَ فِي أَيْدِيهِمْ حَتّى خَلّوْا
سَبِيلَهُ. فَلَحِقَ بِقَوْمِهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، أَبُو أَيّوبَ
الْأَنْصَارِيّ، أَخُو بَنِي النجّار.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَصَيْفِيّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/170)
مَخْزُومٍ، تُرِكَ فِي أَيْدِي
أَصْحَابِهِ، فَلَمّا لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ فِي فِدَائِهِ أَخَذُوا عَلَيْهِ
لِيَبْعَثُنّ إلَيْهِمْ بِفِدَائِهِ، فَخَلّوْا سَبِيلَهُ، فَلَمْ يَفِ
لَهُمْ بِشَيْءٍ، فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ:
وَمَا كَانَ صَيْفِيّ لِيُوفِيَ ذِمّةً ... قَفَا ثَعْلَبٍ أَعْيَا
بِبَعْضِ الْمَوَارِدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو عَزّةَ، عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عثمان بن أهيب بن حذافة ابن جُمَحَ، كَانَ مُحْتَاجًا ذَا بَنَاتٍ،
فَكَلّمَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
يا رسول الله، لقد عرفت مالى مِنْ مَالٍ، وَإِنّي لَذُو حَاجَةٍ، وَذُو
عِيَالٍ، فَامْنُنْ عَلَيّ؛ فَمَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَلّا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا.
فَقَالَ أَبُو عَزّةَ فِي ذَلِكَ، يَمْدَحُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَيَذْكُرُ فَضْلَهُ فِي قَوْمِهِ:
مَنْ مُبَلّغٌ عَنّي الرّسُولَ مُحَمّدًا ... بِأَنّك حَقّ وَالْمَلِيكُ
حَمِيدُ
وَأَنْتَ امرو تدعو إلى الْحَقّ وَالْهُدَى ... عَلَيْك مِنْ اللهِ
الْعَظِيمِ شَهِيدُ
وَأَنْتَ امْرُؤُ بُوّئْتَ فِينَا مَبَاءَةً ... لَهَا دَرَجَاتٌ سَهْلَةٌ
وَصُعُودُ
فَإِنّك مَنْ حَارَبْتَهُ لَمُحَارَبٌ ... شَقِيّ وَمَنْ سَالَمَتْهُ
لَسَعِيدُ
وَلَكِنْ إذَا ذُكّرْتُ بَدْرًا وأهله ... تأوّت مابى: حسرة وقعود
[ثَمَنُ الْفِدَاءِ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَانَ فِدَاءُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَةَ
آلَافِ دِرْهَمٍ لِلرّجُلِ، إلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، إلّا مَنْ لَا شَيْءَ
لَهُ، فَمَنّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/171)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خَبَرُ عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ يُقَالُ فِيهِ عُكّاشَةُ بِالتّشْدِيدِ
وَالتّخْفِيفِ، وَهُوَ مَنْ عَكَشَ عَلَى الْقَوْمِ إذَا حَمَلَ
عَلَيْهِمْ، قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، وَقَالَ غيره العكّاشة
[وَالْعُكّاشُ] الْعَنْكَبُوتُ، وَأَمّا سَيْفُهُ الّذِي كَانَ جِزْلًا
مِنْ حَطَبٍ، فَقَدْ قِيلَ إنّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَوَارَثًا عِنْدَ آلِ
عُكّاشَةَ، وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ عُكّاشَةَ فِي السّيْفِ عَنْ
عَبْدِ اللهِ ابن جَحْشٍ، وَسَيَأْتِي، ذِكْرُهَا عِنْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ،
وَأَمّا قوله:
فلن يذهبوا قرغا بِقَتْلِ حِبَالِ
فَالْقِرْعُ أَنْ يُطَلّ الدّمُ، وَلَا يُطْلَبُ بِثَأْرِهِ، وَحِبَالُ:
هُوَ ابْنُ أَخِي طُلَيْحَةَ لَا ابْنُهُ، وَهُوَ حِبَالُ بْنُ مَسْلَمَةَ
بْنِ خُوَيْلِدٍ، وَمَسْلَمَةُ: أَبُوهُ هُوَ الّذِي قَتَلَ عُكّاشَةُ،
اعْتَنَقَهُ مَسْلَمَةُ وَضَرَبَهُ طُلَيْحَةُ عَلَى فَرَسٍ، يُقَالُ
لَهَا: اللّزَامُ، وَكَانَ ثَابِتُ عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهَا:
الْمُخَبّرُ، وَقِصّتُهُ مَشْهُورَةٌ فِي أَخْبَارِ الرّدّةِ.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ فِي الرّدّةِ بَعْدَ قَوْلِهِ:
فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجَلَالِ مَصُونَة ... وَيَوْمًا تَرَاهَا فِي
ظِلَالِ عَوَالٍ
إلَى آخِرِ الشّعْر.
وَذَكَرَ فِي الْخَبَرِ أَنّ عُكّاشَةَ وَثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ
الْبَلَوِيّ حَلِيفَيْ الْأَنْصَارِ كَانَا فِي جَيْشِ خَالِدٍ حِينَ
نَهَدَ إلَى طُلَيْحَةَ، فَاسْتُقْدِمَا أَمَامَ جَيْشِ خَالِدٍ للمسلمين،
(5/172)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَوَقَعَا فِي خَيْلٍ لِطُلَيْحَةَ، وَهُوَ فِيهِمْ، فَاسْتُشْهِدَا مَعًا،
وَذَلِكَ فِي يَوْمِ بُزَاخَةَ «1» ، كَذَلِكَ قَالَ كل من ألف فى السّيَرِ
إلّا سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ، فَإِنّهُ ذَكَرَ أَنّ عُكّاشَةَ قُتِلَ فِي
سَرِيّةٍ بَعَثَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى
بَنِي أَسَدٍ، وَالْأَوّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ.
سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ:
وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُكّاشَةَ
حِينَ قَالَ: اُدْعُ اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ،
فَدَعَا لَهُ، ثُمّ قَامَ رجل آخر، فقال: اُدْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي
مِنْهُمْ، فَقَالَ: سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ «2» . هَكَذَا الْحَدِيثُ فِي
الصّحَاحِ، وَزَادَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَرَدَتْ الدّعْوَةُ.
وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ النّمَرِيّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَمْ
يُسَمّهِمْ أَنّ الرّجُلَ الّذِي قِيلَ لَهُ: سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ
كَانَ مُنَافِقًا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَدْعُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذَا لَا يَصِحّ؛
لِأَنّ فِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ خِيَارِ
الْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ: ادع الله أن يجعلنى منهم، قَالَ ابْنُ بَطّالٍ
مَعْنَى قَوْلِهِ: سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ، أَيْ: سَبَقَك بِهَذِهِ
الصّفَةِ الّتِي هِيَ صفة السبعين ألفا، ترك التّطيرّ
__________
(1) بزاخة: قال الأصمعى: هى ماء لطىء، وقال أبو عمرو الشيبانى: ماء لبنى
أسد «معجم البكرى، المراصد» .
(2) وهو فى البخارى ومسلم، وقد صارت الكلمة مثلا يضرب للسبق فى الأمر
(5/173)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَقُلْ: لَسْت مِنْهُمْ، وَلَا عَلَى أَخْلَاقِهِمْ
بِحُسْنِ أَدَبِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَتَلَطّفِهِ فِي الْكَلَامِ [و]
لَا سِيّمَا مَعَ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ.
قَالَ الْمُؤَلّفُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَاَلّذِي عِنْدِي فِي هَذَا
أَنّهَا كَانَتْ سَاعَةَ إجَابَةٍ عَلِمَهَا عَلَيْهِ السّلَامُ، فَلَمّا
انْقَضَتْ، قَالَ لِلرّجُلِ مَا قَالَ، يُبَيّنُ هَذَا حَدِيثُ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، فَإِنّهُ قَالَ فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ عُكّاشَةَ،
فَقَامَ رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني مِنْهُمْ، فَقَالَ: اللهُمّ
اجْعَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمّ سَكَتُوا سَاعَةً يَتَحَدّثُونَ، ثُمّ قَامَ
الثّالِثُ، فَقَالَ اُدْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ:
سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ، وَصَاحِبَهُ، وَلَوْ قُلْت لَقُلْت، وَلَوْ قُلْت
لَوَجَبَتْ، وَهِيَ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وفى مسند البزار
أيضا. ويقوى هذ المعنى أيضا رِوَايَةَ ابْنِ إسْحَاقَ، فَإِنّهُ زَادَ،
فَقَالَ فِيهَا سبقك بها عُكّاشَةُ وَبَرَدَتْ الدّعْوَةُ، فَقِفْ عَلَى
مَا ذَكَرْته فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ عُكّاشَةَ، فَإِنّهُ مِنْ فَوَائِدِ
هَذَا الْكِتَابِ. وَمِمّنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِعُذْرِ، وَهُوَ مِنْ
النّقَبَاءِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ سَيّدُ الْخَزْرَجِ، لِأَنّهُ
نَهَشَتْهُ حَيّةٌ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ الْخُرُوجَ هَذَا قَوْلُ
الْقُتَبِيّ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَلَا ابْنُ
عُقْبَةَ فِي الْبَدْرِيّينَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ فِيهِمْ، مِنْهُمْ
ابْنُ الْكَلْبِيّ وَجَمَاعَةٌ.
نِدَاءُ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ مَسْأَلَةٌ نَحْوِيّةٌ:
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: يَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَيَا
شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ: الْحَدِيثُ، يَجُوزُ يَا شَيْبَةُ بْنَ
رَبِيعَةَ، بِضَمّ التّاءِ وَنَصْبِ النّونِ وَبِنَصْبِهِمَا جَمِيعًا،
أَمّا مَنْ يَقُولُ:
(5/174)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جَاءَنِي زَيْدُ ابْنُ فُلَانٍ بِالتّنْوِينِ، فَهُوَ الّذِي يَقُولُ: يَا
زَيْدُ ابْنُ بِضَمّ الدّالِ، وَيُكْتَبُ ابْنٌ بِالْأَلِفِ عَلَى هَذَا،
وَمَنْ يَقُولُ جَاءَنِي زيد بن بِلَا تَنْوِينٍ، فَهُوَ الّذِي يَقُولُ
فِي النّدَاءِ يا زيد بن بِنَصْبِ الدّالِ، وَيُكْتَبُ ابْنًا بِغَيْرِ
أَلِفٍ، لِأَنّهُ جَعَلَ الِابْنَ مَعَ مَا قَبْلِهِ اسْمًا وَاحِدًا،
فَعَلَى هَذَا تَقُولُ يَا حَارِثَ ابْنَ عَمْرٍو فَتَكْتُبُهُ بِأَلِفِ،
لِأَنّك أَرَدْت يَا حَارِثُ بِالضّمّ، لأنك لو أردت يا حارث بن بِالنّصْبِ
لَمْ تُرَخّمْهُ، لِأَنّهُ قَدْ صَارَ وَسَطَ الاسم، وقد جعله سيبويه
بمنزلة قولك: أمرأ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَيَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ
إنْ نَوّنْت اللّامَ مِنْ أَبِي جَهْلٍ كَتَبْت الِابْنَ بِأَلِفِ، وَإِنْ
لَمْ تُنَوّنْهُ كَتَبْته بِغَيْرِ أَلِفٍ.
وَذَكَرَ إنْكَارَ عَائِشَةَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ:
لَقَدْ سَمِعُوا مَا قُلْت، قَالَتْ: وَإِنّمَا قَالَ: لَقَدْ عَلِمُوا
أَنّ الّذِي كُنْت أَقُولُ حَقّ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَعَائِشَةُ لَمْ
تَحْضُرْ وَغَيْرُهَا مِمّنْ حَضَرَ أَحْفَظُ لِلَفْظِهِ عَلَيْهِ
السّلَامُ، وَقَدْ قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُخَاطِبُ قَوْمًا
قَدْ جَيّفُوا أَوْ أُجِيفُوا «1» ، فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ
لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونُوا فِي تِلْكَ الْحَالِ
عَالِمَيْنِ، جَازَ أن يكونوا سامعين؛ إما بآذان رؤسهم إذَا قُلْنَا: إنّ
الرّوحَ يُعَادُ إلَى الْجَسَدِ أَوْ إلَى بَعْضِ الْجَسَدِ عِنْدَ
الْمُسَاءَلَةِ، وَهُوَ قول الأكثرين مِنْ أَهْلِ السّنّةِ، وَإِمّا
بِإِذْنِ الْقَلْبِ أَوْ الرّوحِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِتَوَجّهِ
السّؤَالَ إلى الروح، من غير رجوع منه إلَى الْجَسَدِ، أَوْ إلَى بَعْضِهِ،
وَقَدْ رُوِيَ أَنّ عَائِشَةَ احْتَجّتْ بِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: وَما
أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي
__________
(1) أى أنتنوا، أو صاروا جيفا.
(5/175)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعُمْيَ أَيْ: إنّ اللهَ هُوَ الّذِي يُهْدِي وَيُوَفّقُ وَيُوصِلُ
الْمَوْعِظَةَ إلَى آذَانِ الْقُلُوبِ، لَا أَنْتَ، وَجَعَلَ الْكُفّارَ
أَمْوَاتًا وَصُمّا عَلَى جِهَةِ التّشْبِيهِ بِالْأَمْوَاتِ، وَبِالصّمّ،
فَاَللهُ هُوَ الّذِي يَسْمَعُهُمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ، إذَا شَاءَ لَا
نَبِيّهُ، وَلَا أَحَدٌ، فَإِذَا لَا تَعَلّقَ بِالْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ،
أَحَدُهُمَا: أَنّهَا إنّمَا نَزَلَتْ فِي دُعَاءِ الْكُفّارِ إلَى
الْإِيمَانِ.
الثّانِي أَنّهُ إنّمَا نَفَى عَنْ نَبِيّهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمِسْمَعَ
لَهُمْ، وَصَدَقَ اللهُ فَإِنّهُ لَا يَسْمَعُهُمْ إذَا شَاءَ إلّا هُوَ،
وَيَفْعَلُ مَا شَاءَ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قدير «1» .
__________
(1) ليس الأمر هنا أمر حضور السيدة عائشة القصة أو عدم حضورها، وإنما الأمر
عقيدة تتعلق بعالم الغيب، ويفرض على كل معرفتها للايمان بها عن بينة.
والسيدة عائشة رضى الله عنها، وإن لم تكن قد حضرت القصة، فالرواية تؤكد
أنها علمت بها مشافهة عن النبى صلى الله عليه وسلم، بدليل توكيدها الكلام،
وقد كانت حقا كما وصفها الإسماعيلى «كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة
الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا يزيد عليه» ولعلها سمعت هذا الحديث
يردد، فسألت عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلمت منه ما قاله حينئذ، فنفت
ما نفت، وأثبتت ما ثبتت والآية القرآنية التى استشهدت بها نص قاطع فى النفى
الذى قالت به السيدة عائشة، وعلى فرض صحة أن الآية فيها مجاز، وأنها تنفى
السماع عن الكفار المشبهين بمن فى القبور، أقول: على فرض صحة هذا، فإن هذا
التفسير يؤكد صحة فهم السيدة عائشة توكيدا قويا، فلولا ثبوت أن الرسول صلى
الله عليه وسلم لا يسمع من فى القبور ما صح تشبيه الكفار بالموتى فكأن
المعنى إن هؤلاء الكفار كالموتى، وأنت لا تسمع الموتى، وهم فى قبورهم فكذلك
لا تستطيع إسماع هؤلاء، ولكن ماذا يقول السهيلى فى قوله سبحانه: فَإِنَّكَ
لا تُسْمِعُ الْمَوْتى، وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا
مُدْبِرِينَ، وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ فهنا موتى
وصم، وقد نفى الله إسماع نبيه للصنفين، وفى هذا تصويب لفهم السيدة-
(5/176)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ مَعَانِي شِعْرِ حَسّانَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ وَقَالَ فِيهِ:
كَخَطّ الْوَحْيِ فِي الْوَرَقِ الْقَشِيبِ
الْقَشِيبُ فِي اللّغَةِ: الْجَدِيدُ، وَلَا مَعْنَى لَهُ فِي هَذَا
الْبَيْتِ، لِأَنّهُمْ إذَا وَصَفُوا الرّسُومَ وَشَبّهُوهَا بِالْكُتُبِ
فِي الْوَرَقِ، فَإِنّمَا يَصِفُونَ الْخَطّ حِينَئِذٍ بِالدّرُوسِ
وَالِامّحَاءِ، فَإِنّ ذَلِكَ أَدَلّ عَلَى عَفَاءِ الدّيَارِ وَطُمُوسِ
الْآثَارِ، وَكَثْرَةُ ذَلِكَ فِي الشّعْرِ تُغْنِي عَنْ الِاسْتِشْهَادِ
عَلَيْهِ، وَلَكِنْ مِنْهُ قَوْلُ النّابِغَةِ:
[وَقَفْت فِيهَا أُصَيْلَانَا أُسَائِلُهَا ... عَيّتْ جَوَابًا وَمَا
بِالرّبْعِ مِنْ أَحَدِ
إلّا الْأُوَارَيْ لِأَيّامًا أُبَيّنُهَا ... وَالنّؤْيُ كَالْحَوْضِ
بِالْمَظْلُومَةِ الْجِلْدِ «1» ]
وَقَوْلُ زُهَيْرٍ:
[وَقَفْت بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ حجّة] فلأيا عرفت الدار بعد توهّم
«2»
__________
- عائشة، وإثبات أنه هو الحق، والعلم هنالا يثبت السمع من الرسول وإنما
يثبت أن علمهم من الله سبحانه دون أن يسمعوا شيئا من الرسول «ص» نفسه.
(1) لم يكن فى الروض غير قوله: لأياما أبينها. فرأيت ذكر البيتين ليتم
المعنى.
(2) لم يكن فى الروض غير الشطرة الثانية. وأصيلانا تروى: أصيلالا، أو:
أصيلاكى. والأوارى: جمع آرية وهى الأحية التى تشديها الدابة. واللأى:
الجهد، والنؤى: الحفيرة حول البيت والخيمة تمنع السيلى والمطر. والجلد:
الأرض يصعب حفرها.
(5/177)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَالَ آخَرُ:
وَإِلّا رُسُومُ الدّارِ قَفْرًا كَأَنّهَا ... سُطُورٌ مَحَاهَا
الْبَاهِلِيّ بْنُ أَصْمَعَا
وَلَكِنْ أَرَادَ حَسّانُ بِالْقَشِيبِ هَاهُنَا الّذِي خَالَطَهُ مَا
يُفْسِدُهُ، إمّا مِنْ دَنَسٍ، وَإِمّا مِنْ قِدَمٍ، يُقَالُ: طَعَامٌ
مُقَشّبٌ، إذَا كَانَ فِيهِ السّمّ. وَقَالَ الشّاعِرُ: [خُوَيْلِدُ بْنُ
مُرّةَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ] :
[به ندع الْكَمِيّ عَلَى يَدَيْهِ] ... نَحْرٌ تَخَالُهُ نَسْرًا قَشِيبَا
«1»
مَعْنَاهُ: مَسْمُومٌ، لِأَنّ الْقَشْبَ هُوَ السّمّ «2» قَالَهُ ابْنُ
قُتَيْبَةَ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ آخِرُ مَنْ يَخْرَجُ مِنْ النّارِ،
وَفِيهِ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاهَا وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ فِي الْقِشْبِ هُوَ: نَبَاتٌ رَطْبٌ مَسْمُومٌ يُنْصَبُ
لِسِبَاعِ الطّيْرِ فِي لَحْمٍ، فَإِذَا أَكَلَتْهُ مَاتَتْ، قَالَ:
وَالْعَرَبُ يُجْنِبُونَهُ ما شيتهم فِي الْمَرْعَى، كَيْ لَا تُحَطّمَهُ،
فَيَفُوحُ مِنْ رِيحِهِ مَا يَقْتُلُهَا، فَقَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ الّذِي
اسْتَشْهَدَ بِهِ الْقُتَبِيّ: تَخَالُهُ نَسْرًا قَشِيبًا، أَيْ: نَسْرًا
أَكَلَ ذَلِكَ الْقِشْبَ فِي اللّحْمِ وَاَللهُ أَعْلَمُ، قَالَ:
وَالْأَلْبُ أَيْضًا، ضَرْبٌ مِنْ الْقِشْبِ، إن وجدت ريحه سباع الطير غميت
وَصَمّتْ، وَإِنْ أَكَلَتْهُ مَاتَتْ، قَالَ: وَالضّجَاجُ أَيْضًا: كلّ
نبات مسموم.
__________
(1) فى الأصل: فخر نخاله نسرا قشيبا. فأكملت وغيرت من اللسان. وهناك بيت
قبله.
ولولا نحن أرهقه صهيب ... حسام الحد مطردا خشيبا
(2) وهو أيضا الخلط وسقى السم والإصابة بالمكروه المستقذر والافتراء
واكتساب الحمد أو الذم والإفساد واللطخ بالشىء والتعيير وإزالة العقل وصقل
السيف.
(5/178)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
معنى إلقأمهم فِي الْقَلِيبِ:
فَصْلٌ: فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى إلْقَائِهِمْ فِي الْقَلِيبِ، وَمَا
فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ؛ قُلْنَا: كَانَ مِنْ سُنّتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ
فِي مغازبه إذَا مَرّ بِجِيفَةِ إنْسَانٍ أَمَرَ بِدَفْنِهِ لَا يَسْأَلُ
عَنْهُ مُؤْمِنًا، كَانَ أَوْ كَافِرًا، هَكَذَا وقع فى السّنن للدّار
قطنى، فإلقاؤهم فِي الْقَلِيبِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، غَيْرَ أَنّهُ كَرِهَ
أَنْ يَشُقّ عَلَى أَصْحَابِهِ لِكَثْرَةِ جِيَفِ الْكُفّارِ أَنْ
يَأْمُرَهُمْ بِدَفْنِهِمْ، فَكَانَ جَرّهُمْ إلَى الْقَلِيبِ أَيْسَرَ
عَلَيْهِمْ، وَوَافَقَ أَنّ الْقَلِيبَ حَفَرَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّار،
اسْمُهُ: بَدْرٌ، فَكَانَ. فَأْلًا مُقَدّمًا لَهُمْ، وَهَذَا عَلَى أَحَدِ
الْقَوْلَيْنِ فِي بَدْرٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
عَوْدٌ إلَى شِعْرِ حَسّانَ:
وَفِي شِعْرِ حَسّانَ أَيْضًا:
بَنُو الْأَوْسِ الْغَطَارِفِ وَازَرَتْهَا
وَلَوْ قَالَ آزَرَتْهَا بِالْهَمْزِ لَجَازَ، وكان من الأزر، وفى التنزيل
(فآزره) أَيْ:
شَدّ أَزْرَهُ، وَقَوّاهُ، وَلَكِنْ أَرَادَ حَسّانُ مَعْنَى الْوَزِيرِ،
فَإِنّهُ سُمّيَ وَزِيرًا مِنْ الْوِزْرِ، وَهُوَ الثّقْلُ، لِأَنّهُ
يَحْمِلُ عَنْ صَاحِبِهِ ثِقْلًا وَيُعِينُهُ، وَقِيلَ هُوَ مِنْ
الْوِزْرِ، وَهُوَ الْمَلْجَأُ، لأن الوزير يلجأ إلى رأيه، وقد ألقيته فِي
نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ: آزَرْتهَا مُصْلَحًا بِغَيْرِ وَاوٍ إلّا
أَنّ وَازَرَتْهَا وَزْنُهُ: فَاعَلْت، وَآزَرْت وَزْنُهُ أَفْعَلْت.
(5/179)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ:
وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بِالْجَبُوبِ
مَعْنَى الْجَبُوبِ:
الْجَبُوبُ اسْمٌ لِلْأَرْضِ، لِأَنّهَا تُجَبّ أَيْ تُحْفَرُ وَتَجُبّ
مَنْ دُفِنَ فِيهَا، أَيْ تَقْطَعُهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى،
لِأَنّهُمْ قَالُوا جَبُوبٌ مِثْلَ: صَبُورٍ وَشَكُورٍ فِي الْمُؤَنّثِ،
وَلَمْ يَقُولُوا جَبُوبَةٌ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ حَلُوبَةٍ وَرَكُوبَةٍ،
وَيُدْخِلُونَ فِيهَا الْأَلِفَ وَاللّامَ تَارَةً، فَيَقُولُونَ:
الْجَبُوبُ، كَمَا فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَتَارَةً يَجْعَلُونَهُ اسْمًا
عَلَمًا، فَيَقُولُونَ: جَبُوبٌ، مِثْلَ شَعُوبٍ، قَالَ الشّاعِرُ:
بَنَى عَلَى قَلْبِي وَعَيْنِي مَكَانَهُ ... ثَوَى بَيْنَ أَحْجَارٍ
رَهِينَ جَبُوبِ
وَمِنْهُ قِيلَ: جَبّانٌ وَجَبّانَةَ لِلْأَرْضِ الّتِي يُدْفَنُ فِيهَا
الْمَوْتَى، فَهُوَ فَعْلَانٌ مِنْ الْجَبّ وَالْجَبُوبِ، وَهُوَ قَوْلُ
الْخَلِيلِ فِي مَعْنَى الْجَبّانِ، وَغَيْرُهُ يَجْعَلُهُ فَعّالًا مِنْ
الْجُبْنِ.
مَرّةٌ أُخْرَى شِعْرُ حَسّانَ:
وَقَوْلُهُ:
خَاطِي الْكُعُوبِ
أَيْ مُكْتَنِزُ الْكُعُوبِ قَوِيّهَا [وَالْكُعُوبُ: عُقَدُ الْقَنَاةِ] ،
وَقَوْلُ حَسّانَ: الْغَطَارِفُ، أَرَادَ: الْغَطَارِيفَ كَمَا تَقَدّمَ
فِي شِعْرِ الْجُرْهُمِيّ:
(5/180)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَطَلّ بِهَا أَمْنًا وَفِيهَا الْعَصَافِرُ
أَرَادَ الْعَصَافِيرَ، وَحَذَفَ الْيَاءَ ضَرُورَةً.
تَفْسِيرُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
لِابْنِهِ يَوْمَ بَدْرٍ أَيْنَ مَالِي يَا خَبِيثُ، فَقَالَ:
لَمْ يَبْقَ إلّا شِكّةٌ «1» ويَعْبُوبْ
الشّكّةُ: السّلَاحُ، وَالْيَعْبُوبُ مِنْ الْخَيْلِ: الشّدِيدُ الْجَرْي،
وَيُقَالُ:
الطّوِيلُ، وَالْأَوّلُ أَصَحّ، لِأَنّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ عُبَابِ الْمَاءِ،
وَهُوَ شِدّةُ جَرْيِهِ، وَيُقَالُ لِلْجَدْوَلِ الْكَثِيرِ الْمَاءِ:
يَعْبُوبُ، وَقَدْ كَانَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَرَسٌ اسْمُهُ: السّكْبُ وَهُوَ مِنْ سَكَبْت الْمَاءَ «2» ، فَهَذَا
يُقَوّي مَعْنَى الْيَعْبُوبِ، وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ عَبْدَ
الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ لِأَبِيهِ بعد ما أَسْلَمَ:
يَا أَبَتْ لَقَدْ أَهْدَفْت لِي يَوْمَ بدر مرارا فصدفت عنك، فقال لله
لَوْ كُنْت أَهْدَفْت لِي أَنْتَ مَا صَدَفْت عنك «3» .
__________
(1) فى السيرة: غير شكة.
(2) يصف صاحب القاموس الفرس المنسوب إلى النبى «ص» بقوله «وكان كميتا أغر
محجلا مطلق اليمنى» ويقال بفتح السين أيضا. ويقال سكب الماء فسكب هو سكوبا.
(3) فى النهاية لابن الأثير يقال: «أهدف له الشىء واستهدف إذا دنا منه
وانتصب له مستقبلا» وفيه ضفت بدلا من صدفت ومعناها: عدلت وملت.
(5/181)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العرسهه وَالْعَرِيشُ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَنَازُعَهُمْ فِي النّفْلِ، وَمَا احْتَجّتْ بِهِ
الطّائِفَةُ الّذِينَ كَانُوا يَحْمُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرِيشِ، وَالْعَرِيشُ: كُلّ مَا أَظَلّك
وَعَلَاك مِنْ فَوْقِك، فَإِنْ عَلَوْته أَنْتَ فَهُوَ عَرْشٌ لَك، لَا
عريش، والعريش أيضا فيما ذكر أَبُو حَنِيفَةَ أَرْبَعُ نَخَلَاتٍ أَوْ
خَمْسٌ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ.
بَنُو عَابِدٍ وَبَنُو عَائِذٍ:
وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي أُسَيْدٍ: وَجَدْت يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفَ بَنِي
عَابِدٍ الّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَرْزُبَانُ. بَنُو عَابِدٍ فِي بَنِي
مَخْزُومٍ، وَهُمْ بَنُو عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مخزوم، وَأَمّا بَنُو عَائِذٍ بِالْيَاءِ وَالذّالِ الْمُعْجَمَةِ، فَهُمْ
بَنُو عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ رَهْطُ آلِ الْمُسَيّبِ،
وَالْأَوّلُونَ رَهْطُ آلِ بَنِي السّائِبِ.
حَوْلَ الْقَسْمِ:
وَأَمّا قَوْلُهُ: فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنْ بَوَاءٍ يَقُولُ:
عَلَى سَوَاءٍ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ، فَقَالَ
فِيهِ: فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَنْ فُوَاقٍ، وَفَسّرَهُ، فَقَالَ: جَعَلَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ، أَيْ
فَضّلَ فِي الْقَسْمِ مَنْ رَأَى تَفْضِيلَهُ، وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ
قَوْلًا آخَرَ، وَهُوَ أَنّ مَعْنَى عَنْ فُوَاقٍ: السّرْعَةُ فِي
الْقَسْمِ كفواق الناقة، ورواية ابْنُ إسحاق أشهر وأثبت عند أهل الحديث «1»
__________
(1) فواق بضم الفاء وفتحها، وفى النهاية لابن الأثير: قسمها فى قدر فواق-
(5/182)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سَبَبُ نُزُولِ أَوّلِ الْأَنْفَالِ:
وَفِي الْحَدِيثِ الّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي
وَقّاصٍ، قَالَ:
قَتَلْت يَوْمَ بَدْرٍ الْعَاصِيَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي، وَأَخَذْت
سَيْفَهُ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ:
ذُو الْكَتِيفَةِ. فَأَتَيْت بِهِ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، نَفّلْنِيهِ، فَأَمَرَنِي أَنْ
أَجْعَلَهُ فِي الْقَبْضِ «1» ، فأخذنى مالا يَعْلَمُهُ إلّا اللهُ،
فَقُلْت:
قُتِلَ أَخِي عُمَيْرٌ وأخذ سلبى فأنزل الله يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْأَنْفالِ الْآيَةَ، فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ السّيْفَ «2» ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَهْلُ السّيَرِ
يَقُولُونَ: قَتَلَ الْعَاصِيَ بْنَ سَعِيدٍ عَلِيّ بْنُ أبي طالب رضي الله
عنه.
__________
- ناقة، وهو ما بين الحلبتين من الراحة.. وعن هاهنا بمنزلتها فى قولك:
أعطيته عن رغبة وطيب نفس، لأن الفاعل وقت إنشاء الفعل إذا كان متصفا بذلك
كان الفعل صادرا عنه لا محالة ومجاوزا له.
(1) القبض بفتح القاف والباء: المقبوض.
(2) رواه الإمام أحمد، وروى أيضا بسنده عن سعد بن مالك، قال: قلت يا رسول
الله قد شفانى الله اليوم من المشركين، فهب لى هذا السيف فقال: إن هذا
السيف لا لك، ولالى ضعه. قال: فوضعته، ثم رجعت، فقلت: عسى أن يعطى هذا
السيف من لا يبلى بلائى قال: فإذا رجل يدعونى من ورائى قال: قلت قد أنزل
الله فى شيئا؟ قال: كنت سألتنى السيف، وليس هو لى وإنه قد وهب لك، فهو لك،
قال: وأنزل الله هذه الآية: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ، قُلِ:
الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ورواه أبو داود والترمذى والنسائى. وقال
الترمذى: حسن صحيح، ورواه على نحو آخر مسلم. وروى فى أسباب نزولها أشياء
أخرى.
(5/183)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَتَلَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، قَالَ وَكَانَ الّذِي أَسَرَهُ
عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلِمَةَ، وَسَلِمَةُ هَذَا بِكَسْرِ اللّامِ، وَهُوَ
سَلِمَةُ بْنُ مَالِكٍ أَحَدُ بَنِي الْعَجْلَانِ بَلَوِيّ بِالنّسَبِ
أَنْصَارِيّ بِالْحِلْفِ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَأَمّا عُقْبَةُ
بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَاسْمُ أَبِي مُعَيْطٍ أَبَانُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو،
وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، يُقَالُ: كَانَ أُمَيّةُ، قَدْ سَاعَى
«1» أَمَةً أَوْ بَغَتْ أَمَةً لَهُ، فَحَمَلَتْ بِأَبِي عَمْرٍو،
فَاسْتَلْحَقَهُ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيّةِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِعُقْبَةَ حِينَ «2» قَالَ: أَأُقْتَلُ
مِنْ بَيْنِ قُرَيْشٍ صَبْرًا، فَقَالَ عُمَرُ: حَنّ قِدْحٌ لَيْسَ «3»
منها، يعرّض بنسبه، وذلك أن القداح فى المسير رُبّمَا جُعِلَ مَعَهَا
قِدْحٌ مُسْتَعَارٌ قَدْ جُرّبَ منه الْفَلَحُ وَالْيُمْنُ فَيُسْتَعَارُ
لِذَلِكَ، وَيُسَمّى. الْمَنِيحَ، فَإِذَا حُرّكَ فِي الرّبَابَةِ مَعَ
الْقِدَاحِ تَمَيّزَ صَوْتُهُ لِمُخَالَفَةِ جَوْهَرِهِ جَوْهَرَ
الْقِدَاحِ، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ.. حِنّ قدح ليس
__________
(1) ساعى الأمة: طلبها للبغاء، وفجر بها
(2) فى النهاية لابن الأثير أنه قال ذلك للوليد بن عقبة الذى ولاه عثمان
الكوفة وأعمالها
(3) هو مثل يضرب إلى رجل ينتمى إلى لسب ليس منه. أو يدعى ما ليس منه فى
سىء، والقدح بالكسر أحد سهام الميسر. وأبو عمرو بن امية قد تزوج امرأة ابيه
زوجه إياها ابنها أبو العاص بن أمية أخوه لأبيه، وكان نكاحا ينكحه الجاهلية
ص 99 نسب قريش
(5/184)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْهَا، فَتَمَثّلَ عُمَرُ بِهَذَا الْمَثَلِ، يُرِيدُ أَنّ عُقْبَةَ
لَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ «1» ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ حِينَئِذٍ: إنّمَا أَنْتَ يَهُودِيّ
مِنْ أَهْلِ صَفّورِيَةَ «2» ، لِأَنّ الْأَمَةَ الّتِي وَلَدَتْ أَبَاهُ
كَانَتْ لِيَهُودِيّ مِنْ أَهْلِ صَفّورِيَةَ، وَاسْمُهَا: تَرَنِي،
قَالَهُ الْقُتَبِيّ «3» ، وَكَذَلِكَ قَالَ دَغْفَلُ بْنُ حَنْظَلَةَ
النّسّابَةُ لِمُعَاوِيَةَ حِينَ سَأَلَهُ: هَلْ أَدْرَكْت عَبْدَ
الْمُطّلِب؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَدْرَكْته شَيْخًا وَسِيمًا قَسِيمًا
جَسِيمًا يَحُفّ بِهِ عَشَرَةٌ مِنْ بَنِيهِ كَأَنّهُمْ النّجُومُ، قَالَ:
فَهَلْ رأيت أميّة ابن عَبْدِ شَمْسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ رَأَيْته أُخَيْفِشُ
أُزَيْرِقُ «4» دَمِيمًا، يَقُودُهُ عَبْدُهُ ذَكْوَانُ، فَقَالَ: وَيْحَك
ذَاكَ ابْنُهُ أَبُو عَمْرٍو، فَقَالَ دَغْفَلٌ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ
ذَلِكَ.
الطّعْنُ فِي نَسَبِ بَنِي أُمَيّةَ:
قَالَ الْمُؤَلّفُ:
وَهَذَا الطّعْنُ خَاصّ بِنَسَبِ عُقْبَةَ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ، وَفِي
نَسَبِ أُمَيّةَ نَفْسِهِ مَقَالَةٌ
__________
(1) جعله ابن دريد فى الاشتقاق من رجال قريش، وكذلك المؤرخ ابن عمرو
السدوسى.
(2) كورة وبلدة من نواحى الأردن بالشام قرب طبرية.
(3) يقال للأمة والبغى: ترنى كحبلى، وترنى وابن ترنى: ولد البغى، ويجوز أن
تكون ترنى من رنيت: إذا أديم النظر إليها. يقال: إن أمية جد أبيه خرج إلى
الشام، فوقع على يهودية لها زوج من صفورية فولدت ذكوان المكنى أبا عمرو،
وهو والد أبى معيط على فراش اليهودى، فاستلحقه بحكم الجاهلية.
(4) أخفش تصغير أخفش والخفش فساد فى العين يضعف منه نورها، ويغمض دائما من
غير وجع والزرقة خضرة فى سواد العين، وقيل: هو أن يتغش سوادها بياض. وقيل:
الزرق تحجيل يكون دون الأشاعر، أو بياض لا يطيف بالعظم كله، ولكن وضح فى
بعضه.
(5/185)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أخرى تعم حميع الْفَصِيلَةِ، وَهِيَ مَا رُوِيَ عَنْ سَفِينَةَ «1» مَوْلَى
أُمّ سَلَمَةَ حِينَ قِيلَ لَهُ: إنّ بَنِي أُمَيّةَ يَزْعُمُونَ أَنّ
الْخِلَافَةَ فِيهِمْ، فَقَالَ: كَذَبَتْ اسْتَاهُ بَنِي الزّرْقَاءِ، بَلْ
هُمْ مُلُوكٌ، وَمِنْ شَرّ الْمُلُوكِ، فَيُقَالُ: أَنّ الزّرْقَاءَ هَذِهِ
هِيَ [أُمّ] أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ «2» ، وَاسْمُهَا أَرْنَبُ، قاله
الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابِ الْأَمْثَالِ، قَالَ:
وَكَانَتْ فِي الْجَاهِلِيّةِ مِنْ صَوَاحِبِ الرّايَاتِ «3» .
قَالَ الْمُؤَلّفُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْ أَمْرِ
الْجَاهِلِيّةِ، وَنَهَى عَنْ الطّعْنِ فِي الْأَنْسَابِ، وَلَوْ لَمْ
يَجِبْ الْكَفّ عَنْ نَسَبِ بَنِي أُمَيّةَ إلا لموضع عثمان ابن عَفّانَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لَكَانَ حَرًى بذلك.
أَبُو هِنْدٍ الْحَجّامُ:
فَصْلٌ وَذَكَرَ أَبَا هِنْدٍ الْحَجّامَ، وَأَنّهُ لَقِيَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
__________
(1) وقيل: هو مولى رسول الله «ص» واسمه مهران.
(2) كلمة أم غير موجودة بالأصل، والسياق يفرضها وفى نسب قريش أن أم أمية هى
نفجة بنت عبيد بن رواس بْنِ كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ
صعصعة ص 97 وفى السدوسى أن اسمها تعجز ابنة عبيد بن رؤاس بن كلاب الخ ص 30
(3) يرى الشهرستانى أنها امرأة كان يختلف إليها النفر فى الجاهلية، وكلهم
يواقعها فى طهر واحد، فإذا ولدت ألزمت الولد أحدهم وهذه تدعى: المقسمة ويرى
غيره أن البغايا كن ينصبن على أبو ابهن رايات، يدخل عليها الكثير، فإذا
حملت ووضعت جمعوا لها، ودعوا القافة، فيلحقونه بشبيهه. ولهذا لا يمكن تصديق
ما زعمه الإصبهانى، وهو يرمى عن فارسيته التى تحاول النيل من أشراف العرب
(5/186)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُنْصَرَفَهُ مِنْ بَدْرٍ. أَبُو هِنْدٍ اسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ، وَهُوَ
مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبِيَاسِيّ، وَأَمّا طَيْبَةُ «1»
الْحَجّامُ فَهُوَ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ، وَاسْمُهُ: نَافِعٌ، وَقِيلَ:
دُنَيْرٍ وَقِيلَ مَيْسَرَةُ، وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا.
أُسَارَى بَدْرٍ ذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا عزيز بن عمير حين مرّبه، وَهُوَ
أَسِيرٌ عَلَى أَخِيهِ مُصْعَبٍ، فَقَالَ مُصْعَبٌ لِلّذِي أَسَرَهُ:
اُشْدُدْ يَدَيْك «2» بِهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قَالَ الْمُؤَلّفُ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَدْ تَقَدّمَ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ
خَبَرُ إسْلَامِ مُصْعَبٍ، وَمَا كَانَتْ أُمّهُ تَصْنَعُ بِهِ،
وَأَرْجَأْت التّعْرِيفَ بِهِ وَبِإِخْوَتِهِ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ،
فَأَمّا أَبُو عَزِيزٍ، فَاسْمُهُ زُرَارَةُ، وَأُمّهُ الّتِي أَرْسَلَتْ
فِي فِدَائِهِ أُمّ الْخِنَاسِ بِنْتُ مَالِكٍ الْعَامِرِيّةُ، وَهِيَ أُمّ
أَخِيهِ مصعب، وأخته هند بنت عمير، وهند هى أم شيبة ابن عُثْمَانَ حَاجِبُ
الْكَعْبَةِ، جَدّ بَنِي شَيْبَةَ أَسْلَمَ أَبُو عَزِيزٍ، وَرَوَى
الْحَدِيثَ، وَأَسْلَمَ أَخُوهُ أَبُو الرّومِ، وَأَبُو يَزِيدَ، وَلَا
خَفَاءَ بِإِسْلَامِ مُصْعَبٍ أَخِيهِ، وَغَلِطَ الزّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ،
فَقَالَ: قُتِلَ أَبُو عَزِيزٍ يَوْمَ أُحُدٍ كَافِرًا، وَلَمْ يَصِحّ
هَذَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبَارِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ
نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ، وَلَعَلّ المقتول بأحد كافرا أخ لهم
غيره.
__________
(1) الصواب: أبو طيبة، واسمه كما قال السهيلى نافع أو ميسرة وكنيته كما
قدمت: أبو طيبة، وقد ثبت ذكره فى الصحيحين أنه حجم النبى صلى الله عليه
وآله وسلم من حديث أنس وجابر وغيرهما.
(2) فى السيرة: شديدك.
(5/187)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خَبَرُ أَبِي رَافِعٍ حِينَ قَدِمَ فَلّ قُرَيْشٍ اسْمُ أَبِي رَافِعٍ:
أَسْلَمُ «1» ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ اسْمُهُ إبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ
اسْمُهُ:
هُرْمُزَ، وَكَانَ عَبْدًا قِبْطِيّا لِلْعَبّاسِ، فَوَهَبَهُ لِلنّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمّا أَسْلَمَ الْعَبّاسُ وَبَشّرَ
أَبُو رَافِعٍ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِإِسْلَامِهِ، فَأَعْتَقَهُ، فَكَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقِيلَ: كَانَ عَبْدًا لِبَنِي سَعِيدِ ابن
الْعَاصِي، وَهُمْ عَشَرَةٌ فَأَعْتَقُوهُ إلّا خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ،
فَإِنّهُ وَهَبَ حِصّتَهُ فِيهِ لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَعْتَقَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَالْأَوّلُ أَصَحّ تُوُفّيَ فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيّ قَبْلَ مَقْتَلِ
عُثْمَانَ بِيَسِيرِ.
أُمّ الْفَضْلِ وَضَرْبُهَا لِأَبِي لَهَبٍ:
وَذَكَرَ أَبَا لَهَبٍ وَضَرْبَهُ لِأَبِي رَافِعٍ حِينَ ذَكَرَ
الْمَلَائِكَةَ وَانْتِصَارَ أُمّ الْفَضْلِ لَهُ وَضَرْبَهَا لِأَبِي
لَهَبٍ، وَأُمّ الْفَضْلِ هِيَ لُبَابَةُ الْكُبْرَى بِنْتُ الْحَارِثِ
[بْنِ حَزْنِ ابن بُجَيْرِ بْنِ الْهُزَمِ بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ
اللهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ] الْهِلَالِيّةُ أُخْتُ
مَيْمُونَةَ، وَأُخْتُهَا لُبَابَةُ الصّغْرَى أُمّ خَالِدِ بْنِ
الْوَلِيدِ، وَلَدَتْ أُمّ الْفَضْلِ مِنْ الْعَبّاسِ سَبْعَةً نُجَبَاءَ
قَالَ الشّاعِرُ:
مَا وَلَدَتْ نَحِيبَةٌ مِنْ فَحْلٍ ... كَسَبْعَةِ مِنْ بَطْنِ أُمّ الفضل
__________
(1) وقيل: سنان، وقيل: يسار، وقيل: صالح، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: قزمان،
وقيل. يزيد، وقيل: ثابت. قال ابن عبد البر: أشهر ما قيل فى اسمه: أسلم،
وقال مصعب الزبيرى: اسمه إبراهيم، ولقبه بريه، وهو تصغير إبراهيم.
(5/188)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُمْ عَبْدُ اللهِ وَعُبَيْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ، وَالْفَضْلُ،
وَمَعْبَدُ، وَقُثَمُ «1» ، وَيُقَالُ فِي السّابِعِ: كَثِيرُ بْنُ
الْعَبّاسِ، وَالْأَصَحّ فِي كَثِيرٍ أَنّ أُمّهُ رُومِيّةُ، وَلَمْ تَلِدْ
أُمّ الْفَضْلِ مِنْ الْعَبّاسِ إلّا مَنْ سَمّيْنَا وَأُخْتًا لَهُمْ،
وَهِيَ أُمّ حَبِيبٍ، وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يونس
[بن بكير] ، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ- رَآهَا وَهِيَ
طِفْلَةً تَدِبّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: إنْ بَلَغْت هَذِهِ وَأَنَا
حَيّ تَزَوّجْتهَا، فَقُبِضَ عَلَيْهِ السّلَامُ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ
فَتَزَوّجَهَا سفيان بن الأسود
__________
(1) هذا رأى محمد بن حبيب فى المحبر ص 409. وقد ذكر مصعب الزبيرى لها ستا
هم الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، وقثم، ومعبد وأم حبيب. وللعباس من غيرها
الحارث وأمه من هذيل، وكثير وتمام وأمهما: أم ولد، وآمنة لأم ولد، وصفية
لأم ولد. والمؤرخ السدوسى يذكر له ثلاثة أولاد: وفى نهاية الأرب للقلقشندى
أنه كان للعباس تسعة أولاد منهم الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم وعبد
الرحمن ومعبد وأمهم لبابة ثم تمام وكثير والحارث ولم يذكر أمهم ص 143 ط
1959 لأبى العباس أحمد القلقشندى وكذلك ذكر فى كتابه قلائد الجمان ص 156.
وقد زدت فى نسب لبابة ما ورد فى نسب قريش للزبيرى، وحذف من نسب قريش ص 27
للسدوسى ص 32 أما ابن دريد فى الاشتقاق فذكر أنهم أحد عشر ابنا وعد منهم من
أسماؤهم: عبدان وصبح ومسهر ومعبد، والعجيب أنه لم يذكر منهم عبد الله. هذا
وقد كان العباس يحمل تماما ويقول:
تموا بتمام فصاروا عشره ... يا رب فاجعلهم كراما برره
واجعل لهم ذكرا وأتم الثمره
ويذكر ابن حبيب ص 46 فى المحبر أن قثما كان يشبه النبى، وأن العباس كان
يرقصه بقوله.
أيا بنى يا قثم ... أيا شبيه ذى الكرم
(5/189)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن عَبْدِ الْأَسَدِ [بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو]
الْمَخْزُومِيّ فَوَلَدَتْ لَهُ رِزْقًا وَلُبَابَةَ «1» .
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّ أَبَا لَهَبٍ حِينَ ضَرَبَتْهُ أُمّ
الْفَضْلِ بِالْعَمُودِ عَلَى رَأْسِهِ قَامَ مُنْكَسِرًا، وَلَمْ يَلْبَثْ
إلّا يَسِيرًا، حَتّى رَمَاهُ اللهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلَهُ.
وَذَكَرَ الطّبَرِيّ فِي كِتَابِهِ أَنّ الْعَدَسَةَ قَرْحَةٌ كَانَتْ
الْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِهَا، وَيَرَوْنَ أَنّهَا تُعْدِي أَشَدّ
الْعَدْوَى، فَلَمّا رُمِيَ بِهَا أَبُو لَهَبٍ، تَبَاعَدَ عَنْهُ بَنُوهُ،
فَبَقِيَ ثَلَاثًا لَا تُقْرَبُ جِنَازَتُهُ، وَلَا يُدْفَنُ، فَلَمّا
خَافُوا السّبّةَ دَفَعُوهُ بِعُودِ فِي حُفْرَتِهِ ثُمّ قَذَفُوهُ
بِالْحِجَارَةِ مِنْ بِعِيدِ حَتّى وَارَوْهُ «2» وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
فِي رِوَايَةِ يُونُسَ لَمْ يَحْفِرُوا لَهُ، وَلَكِنْ أُسْنِدَ إلَى
حَائِطٍ وَقُذِفَتْ عَلَيْهِ الْحِجَارَةُ مِنْ خَلْفِ الْحَائِطِ وَوُرِيَ
«3» وَذَكَرَ أَنّ عائشة كانت إدا مرت بموضعه ذلك غطّت
__________
(1) فى كتاب نسب قريش لمصعب الزبيرى ذكر أن اسم زوجها الأسود ابن سفيان بن
عبد الأسد الخ. وفى الإصابة: الأسود بن سنان، وفى كتاب النسب أنها ولدت
للأسود: رزقا وعبد الله.
(2) نص تعبير الطبرى فى تاريخه «فلقد تركه أبناه ليلتين أو ثلاثا ما
يدفنانه حتى أنتن فى بيته، وكانت قريش تنقى العدسة وعدوتها كما يتقى الناس
الطاعون، حتى قال لهما رجل: ويحكما ألا تستحيان أن أباكما قد أنتن فى بيته
لا تغيبانه، فقالا: إنا نخشى هذه القرحة الخ» ص 462 ح 2 الطبرى ط المعارف.
وقد عرف ابن الأثير فى النهاية العدسة بقوله بثرة تشبه العدسة تخرج فى
مواضع من الجسد من جنس الطاعون تقتل صاحبها غالبا.
(3) نص تعبير الطبرى: «فما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يمسونه،
ثم احتملوه فدفنوه بأعلى مكة إلى جدار، وقذفوا عليه بالحجارة حتى واروه» -
(5/190)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَجْهَهَا «1» ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ أَنّ بَعْضَ أَهْلِهِ رَآهُ
فِي الْمَنَامِ فِي شَرّ رَحِيبَةٍ «2» ، وَهِيَ الْحَالَةُ، فَقَالَ: مَا
لَقِيت بَعْدَكُمْ، يَعْنِي. رَاحَةً، غَيْرَ أَنّي سُقِيت فِي مِثْلِ
هَذِهِ بِعِتْقِي ثُوَيْبَةَ، هَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْأُصَيْلِيّ عَنْ
أَبِي زَيْدٍ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ، قَالَ:
مَا لَقِيت بَعْدَكُمْ رَاحَةً، غَيْرَ أَنّي سُقِيت فِي مِثْلِ هَذِهِ،
وَأَشَارَ إلَى النّقْرَةِ بَيْنَ السّبّابَةِ وَالْإِبْهَامِ، بِعِتْقِي
ثُوَيْبَةَ «3» ، وَفِي غَيْرِ الْبُخَارِيّ أَنّ الّذِي رَآهُ مِنْ
أَهْلِهِ هُوَ أَخُوهُ الْعَبّاسُ، قَالَ: مَكَثْت حَوْلًا بَعْدَ مَوْتِ
أَبِي لَهَبٍ لَا أَرَاهُ فِي نَوْمٍ، ثُمّ رَأَيْته فِي شَرّ حَالٍ،
فَقَالَ: مَا لَقِيت بَعْدَكُمْ رَاحَةً إلّا أن العذاب يخفف عنى كلّ
__________
- ص 462 ح 2. وأولاد أبى لهب هم: عتبة ومعتب أسلما يوم الفتح وثبتا يوم
حنين، وأختهما درة لهما صحبة، وهى من المهاجرات، وأما عتيبة فقتله الأسد
بالزرقاء من أرض الشام، وقد روى الطبرانى أنه صلى الله عليه وسلم دخل يوم
الفتح بين عتبة ومعتب يقول للناس: هذا أخواى وابنا عمى- فرحا بإسلامهما-
استوهبتهما من الله، فوهبهما لى.
(1) قال الزرقانى فى شرحه على المواهب اللدنية «قال البرهان: الظاهر أن ذلك
لنتنه، فكأنه كان يظهر من قبره إهانة له أبدا، ويحتمل أن فعلها ذلك لكونه
محل عذاب، كما فعل- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حِينَ مَرّ
بِالْحِجْرِ، فغطى وجهه بثوبه واستحث راحلته، إشارة إلى التباعد عنه» ص 452
ح 1.
(2) فى رواية الشيخين: خيبة، فقد أخرجا عن عروة قال أعتق أبو لهب ثويبة،
فأرضعت رسول الله «ص» فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله فى النوم بشر خيبة،
فقال له: ماذا لقيت؟ قال: لم ألق بعدكم رخاء.
(3) التى أرضعت النبى صلى الله عليه وسلم: قال أبو نعيم: لا أعلم أحدا أثبت
إسلامها، وفى طبقات ابن سعد ما يدل على أنها لم تسلم ماتت سنة سبع مرجع
النبى «ص» من خيبر. وكانت خديجة تكرمها وهى ملك أبى لهب، وسألته أن يبيعها
لها فامتنع، فلما هاجر النبى «ص» أعتقها.
(5/191)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَوْمِ اثْنَيْنِ، وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وُلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَكَانَتْ ثُوَيْبَةُ قَدْ
بَشّرَتْهُ بِمَوْلِدِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: أَشَعَرْت أَنّ آمِنَةَ وَلَدَتْ
غُلَامًا لِأَخِيك عَبْدِ اللهِ؟ فقال لها: اذهبى، فأنت حرّة، فنفعه ذلك
«1» ، وهو فى النّارِ كَمَا نَفَعَ أَخَاهُ أَبَا طَالِبٍ ذَبّهُ عَنْ
رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ أَهْوَنُ أَهْلِ
النّارِ عَذَابًا، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي بَابِ أَبِي طَالِبٍ أَنّ هَذَا
النّفْعَ إنّمَا هُوَ نُقْصَانٌ مِنْ الْعَذَابِ، وَإِلّا فَعَمَلُ
الْكَافِرِ كُلّهُ مُحْبَطٌ بِلَا خِلَافٍ، أَيْ: لَا يَجِدُهُ «2» فِي
مِيزَانِهِ، وَلَا يَدْخُلُ بِهِ جَنّةً، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصِلُ ثُوَيْبَةَ مِنْ الْمَدِينَةِ
وَيُتْحِفُهَا؛ لِأَنّهَا كَانَتْ أَرْضَعَتْهُ، وَأَرْضَعَتْ عَمّهُ
حَمْزَةَ، وَلَمّا افْتَتَحَ مَكّةَ سَأَلَ عَنْهَا، وَعَنْ ابْنٍ لَهَا
اسْمُهُ: مسروح، فأخبر أنهما قد ماتا «3» .
__________
(1) هو لم يعتقها إلا بعد الهجرة، وليس للمشرك عند الله عمل فكل عمله حابط.
يقول سبحانه (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ
لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، وَلَتَكُونَنَّ مِنَ
الْخاسِرِينَ) الزمر: 65 وقال: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ، فَقَدْ
حَبِطَ عَمَلُهُ) المائد: 5 وقال (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا
وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها، وَهُمْ فِيها لا
يُبْخَسُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا
النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) هود:
15 16 هذه الآية تؤكد أن هؤلاء يوفون أعمالهم فى الدنيا، أما فى الآخرة
فليس لهم من جزاء إلا النار. والاستثناء هنا لا يدع شيئا من ظن أو توهم حول
هذا. كما تؤكد أن ما صنعوا فى الدنيا حابط عند الله، وأن ما عملوه كان
باطلا.
(2) إن نقصان العذاب ثواب ورحمة، فكيف لا يجد شيئا فى ميزانه، ثم ينال
ثوابا ورحمة.
(3) مات ابنها قبلها. ويقول الحافظ فى الإصابة: «ولم أقف فى شىء من الطرق
على إسلام ابنها مسروح، وهو محتمل»
(5/192)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ضُبَيْرَةَ:
وَذَكَرَ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ
الْخَطّابِيّ عَنْ الْعَنْبَرِيّ أَنّهُ يُقَالُ فِيهِ: ضَبِيرَةُ
بِالضّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَاسْمُ أَبِي ضُبَيْرَةَ: عَوْفٌ.
ابْنُ الدّخْشُمِ:
وَذَكَرَ مَالِكَ، بْنَ الدّخْشُمِ [بْنِ مِرْضَخَةَ] وَيُقَالُ فِيهِ:
الدّخَيْشُ، وَيُقَالُ فِيهِ: ابْنُ الدّخَيْشِ «1» وَيُقَالُ: إنّهُ
الّذِي سَارّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ، فَلَمْ يُدْرَ مَا سَارّهُ بِهِ حَتّى جَهَرَ النّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي
قَتْلِهِ، وَهُوَ فِي حَدِيثِ الْمُوَطّأ، وَاَلّذِي سَارّهُ هُوَ
عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ «2» ، وَقَدْ بَرّأَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِكَ بْنَ الدّخْشُمِ مِنْ النّفَاقِ، حَيْثُ قَالَ:
أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ
أَلَيْسَ يُصَلّي؟
قَالُوا: بَلَى، فَقَالَ فِي حَدِيثِ الْمُوَطّأِ: أُولَئِكَ الّذِينَ
نهانى الله عنهم، وقال
__________
(1) جعله ابن دريد من الخزرج، أما الحافظ فى الفتح، فيقول إنه من بنى عوف
بن عمرو بن عوف الأنصارى الأوسى. ملحوظة: ذكر ابن هشام عن البيت الأخير من
قصيدة الأسود الدالية أن فيه إقواء. قال أبو ذر الخشنى عن هذا «هو الذى
سماه إكفاء أكثر الناس من أهل القوافى يسميه: إقواء، والإقواء عندهم:
اختلاف الحركات، والإكفاء: اختلاف الحروف فى القوافى» ص 163.
(2) عِتْبَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَجْلَانِ بن يزيد بن غنم
بن سالم ابن عوف بن عمرو بن عوف بن عوف بن الخزرج الأنصارى الخزرجى السالمى
وحديثه فى الصحيحين، وأنه كان إمام قومه بنى سالم
(5/193)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ: فَإِنّ اللهَ قَدْ حَرّمَ عَلَى النّارِ مَنْ قَالَ
لَا إلَهَ إلّا اللهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ.
حَوْلَ شِعْرِ مِكْرَزٍ:
وَذِكْرُ مِكْرَزٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي اسْمِ مِكْرَزٍ أَنّهُ يُقَالُ
بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا، وَلَكِنْ لَا يُرْوَى فِي السّيرَةِ إلّا
بِالْكَسْرِ.
وَقَوْلُ مكرز:
فديت بأذواد ثمان سبافتي
بِكَسْرِ الثّاءِ مِنْ ثِمَانٍ، لِأَنّهُ جَمْعُ ثَمِينٍ، مثل سمين وسمان
«1» .
أبو العاصى بن الربيع:
وذكر أبا العاصى بْنَ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، وَاسْمُ أَبِي
العاصى: لَقِيطٌ، وَقِيلَ فِيهِ: هَاشِمٌ وَقِيلَ مُهَشّمٌ»
، وَقِيلَ هَشِيمٌ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِي أَهْلِهِ زَيْنَبَ بنت رسول
الله- صلى الله عليه وسلم- وكان بالشام تاجرا حين قالها:
__________
(1) يقول الخشنى: من رواه ثمان بكسر الثاء، فمعناه، غالية الثمن، ومن رواه
بفتح الثاء، فهو من العدد ص 164.
(2) تقال بكسر الميم وسكون الهاء وفتح الشين، أو بضم الميم وفتح الهاء وكسر
الشين الثقيلة وكان يلقب جرو البطحاء والأمين، ومن أسمائه أيضا: ياسر أو
قاسم.
(5/194)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَكَرَتْ زَيْنَبُ لَمَا يَمّمَتْ إضَمًا «1» ... فَقُلْت: سَقْيًا
لِشَخْصِ يَسْكُنُ الْحَرَمَا
بِنْتُ الْأَمِينِ جَزَاهَا اللهُ صَالِحَةً ... وَكُلّ بَعْلٍ سَيُثْنِي
بِاَلّذِي عَلِمَا
وَلَدَتْ لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُمَامَةَ وَعَلِيّا، مَاتَ عَلِيّ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَتَزَوّجَ
أُمَامَةَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَتَزَوّجَهَا بَعْدَهُ الْمُغِيرَةُ
بْنُ نَوْفَلٍ «2» ، وَهِيَ الّتِي جَاءَ فِيهَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ
عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الزّرَقِيّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلّي، وَهُوَ حَامِلٌ
أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ الْحَدِيثَ «3» قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ:
كَانَتْ تِلْكَ الصّلَاةُ صَلَاةَ الصّبْحِ، هَكَذَا رَوَاهُ [عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ] بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ عَتّابٍ عَنْ
عَمْرِو ابن سُلَيْمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ السّيرَةِ عَنْ
الْمَقْبُرِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، فَقَالَ فِيهِ: فِي إحْدَى
صَلَاتَيْ الظّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ، وكان الذى أسر أبا العاصى مِنْ
الْأَنْصَارِ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، ذَكَرَهُ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ،
وَكَانَتْ رُقَيّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تَحْتَ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَأُمّ كُلْثُومٍ تَحْتَ
عُتَيْبَةَ،
__________
(1) يقول البكرى فى معجمه عن إضم: واد دون المدينة أو جبل لأشجع وجهينة أو
واد لهم. وفى المراصد: ماء تطؤه الحاج بين مكة واليمامة عند السمينة، وقيل
هو الوادى الذى فيه مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم الخ.
(2) تزوجها على بعد موت خالتها فاطمة لوصية منها، وقد زوجها له الزبير،
وتزوجها المغيرة بوصية من على ص 205 ح 2 السيرة الحلبية.
(3) حديث صلاة الرسول «ص» وهو يحمل أمامة موجود فى الصحيحين وقد ماتت أمامة
عند المغيرة، فليس لزينب عقب.
(5/195)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَطَلّقَاهُمَا بِعَزْمِ أَبِيهِمَا عَلَيْهِمَا وَأُمّهِمَا حِينَ «1»
نَزَلَتْ تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ فَأَمّا عُتَيْبَةُ، فَدَعَا عَلَيْهِ
النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَلّطَ اللهُ عَلَيْهِ
كَلْبًا مِنْ كِلَابِهِ فَافْتَرَسَهُ الْأَسَدُ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ،
وَهُمْ نِيَامٌ حَوْلَهُ، وَأَمّا عُتْبَةُ وَمُعَتّبٌ ابْنَا أَبِي
لَهَبٍ، فَأَسْلَمَا وَلَهُمَا عَقِبٌ.
وَقَوْلُهُ فِي خَبَرِ هِنْدٍ فَلَا تَضْطَنِي مِنّي. تَضْطَنِي، أَيْ. لَا
تَنْقَبِضِي عَنّي وَشَاهِدُهُ [قَوْلُ الطّرِمّاحِ بْنِ حَكِيمٍ] :
إذَا ذُكِرَتْ مَسْعَاةُ وَالِدِهِ اضْطَنَى ... وَلَا يَضْطَنِي مِنْ
شَتْمِ أَهْلِ الْفَضَائِلِ «2»
هَكَذَا وَجَدْته فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْبَيْتُ
فِي الْحَمَاسَةِ:
يُضْنِي بِالضّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَأَنّهُ يَفْتَعِلُ مِنْ الضّنَى
وَهُوَ الضعف
__________
(1) أنظر ص 22 كتاب نسب قريش للمصعب الزبيرى.
(2) البيت من قصيدة الطرماح بن حكيم أولها
لقد زادنى حبا لنفسى أننى ... بغيض إلى كل امرىء غير طائل
وإنى شقى باللئام ولا ترى ... شقيا بهم إلا كريم الشمائل
وهى فى الحماسة: يضطنى كما روى السهيلى البيت، لا كما قال بعده. وقد شرح
بما يأتى: اضطنى افتعل من الضنى أى أنه يضنى إذا ذكر صنيع والده لقبحه ومع
هذا يشتم أهل الفضائل ولا يضنى منه. ويقول الخشن فى شرح السيرة فى تفسير
تضطنى: من رواه بالضاد والنون المخففة. فمعناه: لا تختفى ولا تستحيى وأصله:
الهمز، يقال: اصطنأت المرأة: إذا استحيت، فحذف الهمزة تخفيفا. ومن رواه:
تظطنى فهو من ظننت التى بمعنى: اتهمت، أى: لا تتهمنى ولا تسترب منى.
(5/196)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اتّبَاعُ قُرَيْشٍ لِزَيْنَبِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ خُرُوجَ زَيْنَبَ بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
مِنْ مَكّةَ، وَاتّبَاعَ قُرَيْشٍ لَهَا، قَالَ: وَسَبَقَ إلَيْهَا هَبّارُ
بْنُ الْأَسْوَدِ وَالْفِهْرِيّ، وَلَمْ يُسَمّ ابْنُ إسْحَاقَ
الْفِهْرِيّ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ،
وَفِي غَيْرِ السّيرَةِ أَنّهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، هَكَذَا
ذَكَرَهُ الْبَزّارُ فِيمَا بَلَغَنِي.
وَذَكَرَ أَنّ زَيْنَبَ حِينَ رَوّعَهَا هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَلْقَتْ
ذَا بَطْنِهَا، وَزَادَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّهُ نَخَسَ بِهَا
الرّاحِلَةَ فَسَقَطَتْ عَلَى صَخْرَةٍ، وَهِيَ حَامِلٌ فَهَلَكَ
جَنِينُهَا، وَلَمْ تَزَلْ تُهْرِيقُ الدّمَاءَ حَتّى مَاتَتْ
بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ إسْلَامِ بعلها أبي العاصي.
وَذَكَرَ الزّبَيْرُ أَنّ هَبّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ لَمّا أَسْلَمَ
وَصَحِبَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
الْمُسْلِمُونَ يَسُبّونَهُ بِمَا فَعَلَ، حَتّى شَكَا ذَلِكَ لِرَسُولِ
اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: سُبّ مَنْ سَبّك يَا
هَبّارُ، فَكَفّ النّاسُ عَنْ سَبّهِ بَعْدُ.
وَلَدَتْ زَيْنَبُ [أُمَامَةَ] وَهِيَ الّتِي جَاءَ فِيهَا الْحَدِيثُ
رَوَاهُ عَمْرُو بن السليم ابن خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
زُرَيْقٍ الزّرَقِيّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ
بِنْتَ زَيْنَبَ الْحَدِيثَ. قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ إلَى آخِرِ مَا
تَقَدّمَ قَرِيبًا.
تَفْسِيرُ قَصِيدَةِ أَبِي خَيْثَمَةَ:
وَذِكْرُ شِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ، وَقِيلَ بَلْ قَالَهَا أَبُو خَيْثَمَةَ،
وَفِيهَا:
على مأقط وبيننا عطر منشم
(5/197)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المأقط: مُعْتَرَكُ الْحَرْبِ «1» ، وَعِطْرُ مَنْشَمِ كِنَايَةٌ عَنْ
شِدّةِ الْحَرْبِ، وَهُوَ مَثَلٌ، وَأَصْلُهُ- فِيمَا زَعَمُوا- أَنّ منشم
كانت امْرَأَةً مِنْ خُزَاعَةَ تَبِيعُ الْعِطْرَ وَالطّيبَ، فَيُشْتَرَى
مِنْهَا لِلْمَوْتَى، حَتّى تَشَاءَمُوا بِهَا لِذَلِكَ، وَقِيلَ: إنّ
قَوْمًا تَحَالَفُوا عَلَى الْمَوْتِ، فَغَمَسُوا أَيْدِيَهُمْ فِي طِيبِ
مَنْشَمِ الْمَذْكُورَةِ تَأْكِيدًا لِلْحَلِفِ، فَضُرِبَ طِيبُهَا مَثَلًا
فِي شِدّةِ الْحَرْبِ، وَقِيلَ: مَنْشَمُ امْرَأَةٌ مِنْ غُدَانَةَ، وَهُوَ
بَطْنٌ مِنْ تَمِيمٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَأَنّ
هَذِهِ الْمَرْأَةَ هِيَ صَاحِبَةُ يَسَارٍ الّذِي يُقَالُ له يسار
الكواعب، وَأَنّهُ كَانَ عَبْدًا لَهَا، وَأَنّهُ رَاوَدَهَا عَنْ
نَفْسِهَا، فَقَالَتْ لَهُ: امْهَلْ حَتّى أُشِمّك طِيبَ الْحَرَائِرِ،
فَلَمّا أَمْكَنَهَا مِنْ أَنْفِهِ أَنْخَتْ عَلَيْهِ بِالْمُوسَى حَتّى
أَوْعَبَتْهُ «2» جَدْعًا، فَقِيلَ فِي الْمَثَلِ. لَاقَى الّذِي لَاقَى
يَسَارُ الْكَوَاعِبِ، فَقِيلَ: عِطْرُ منشم «3»
__________
(1) المأقط: الضيق فى الحرب، وقال ابن سراج: المأقط: موضع الحرب غير مهموز
من المقط وهو الضرب «الخشنى ص 165» .
(2) استأصلته.
(3) اختلف الرواة فى لفظ هذا الإسم ومعناه واشتقاقه، وفى سبب المثل فانه
يقال: منشم بفتح الشين وكسرها ومشأم. وفى معناه قال أبو عمرو بن العلاء إن
المنشم هو الشر بعينه، وزعم غيره أنه شىء يكون فى سنبل العطر يسميه
العطارون: قرون السنبل، وهم سم ساعة، وقيل إن المنشم تمرة سوداء منتنة وقيل
اسم امرأة، وأما اشتقاق منشم فقالوا إنه اسم موضوع كسائر الأسماء الأعلام.
وقيل هو اسم وفعل، فأصله: من شم، فحذفوا الياء الثانية وجعلوا الأولى حرف
إعراب، وقيل: هو من لشم فى كذا إذا بدأ فيه. وهناك اختلاف فى سبب المثل
مذكور فى كتب الأمثال، وقد تقدم فى الجزء الأول ذكر يسار.
(5/198)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِي الشّعْرِ:
بِذِي حَلَقٍ جَلْدِ الصلاصل محكم
يعنى: الْغُلّ، وَالصّلَاصِلُ جَمْعُ: صَلْصَلَةٍ، وَهِيَ صَلْصَلَةُ
الْحَدِيدِ.
وَذَكَرَ قَوْلَ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ لِفَلّ قُرَيْشٍ حِينَ رَجَعُوا
مِنْ بَدْرٍ.
أَفِي السّلْمِ أَعْيَارًا جَفَاءً وَغِلْظَةً ... وَفِي الْحَرْبِ
أَشْبَاه النّسَاءِ الْعَوَارِكِ «1»
يُقَالُ: عَرَكَتْ الْمَرْأَةُ وَدَرَسَتْ وَطَمَثَتْ إذَا حَاضَتْ، وَقَدْ
قِيلَ أَيْضًا يُقَالُ: ضَحِكَتْ إذَا حَاضَتْ، وَتَأَوّلَ عَلَيْهِ
قَوْلَهُ تَعَالَى [وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ] فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها
بِإِسْحاقَ وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا: يُقَالُ: أَكْبَرَتْ الْمَرْأَةُ إذَا
حَاضَتْ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: أَكْبَرْنَهُ
وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَالْهَاءُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ
أَكْبَرْنَهُ عَائِدَةٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ،
وَنُصِبَ أَعْيَارًا عَلَى الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ فِعْلٌ مُخْتَزَلٌ
لِأَنّهُ أَقَامَ الْأَعْيَارَ مَقَامَ اسْمٍ مُشْتَقّ، فَكَأَنّهُ قَالَ:
أَفِي السّلْمِ بُلَدَاءَ جُفَاةً مِثْلَ الْأَعْيَارِ، وَنَصْبُ جَفَاءً
وَغِلْظَةً نَصْبُ الْمَصْدَرِ الْمَوْضُوعِ مَوْضِعَ الْحَالِ، كما تقول:
زبد الْأَسَدُ شِدّةً، أَيْ يُمَاثِلُهُ مُمَاثَلَةً شَدِيدَةً؛ فَالشّدّةُ
صِفَةٌ لِلْمُمَاثَلَةِ، كَمَا أَنّ الْمُشَافَهَةَ صِفَةٌ
لِلْمُكَالَمَةِ، إذَا قُلْت: كَلّمْته مُشَافَهَةً فَهَذِهِ حَالٌ مِنْ
المصدر فى الحقيقة، وتعلّق حرف الجرّ
__________
(1) البيت من شواهد سيبويه فى الكتاب، وأعيارا وأشباء النساء منصوبان عنده
على المصدر، أما عند السيرافى فمنصوبان على الحال. والأعيار: جمع عير- بفتح
العين الحمار أهليا كان أم وحشيا. والجفاء: الغلظة. والفل: القوم
المنهزمون، والاستفهام فى البيت للتوبيخ.
(5/199)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ قَوْلِهَا: أَفِي السّلْمِ، بِمَا أَدّتْهُ الْأَعْيَارُ مِنْ مَعْنَى
الْفِعْلِ، فَكَأَنّهَا قَالَتْ: أَفِي السّلْمِ تَتَبَلّدُونَ، وَهَذَا
الْفِعْلُ الْمُخْتَزَلُ النّاصِبُ لِلْأَعْيَارِ لَا يَجُوزُ إظْهَارُهُ
لِلسّرّ الّذِي نَبّهْنَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِ الْمُبْرِقِ [عَبْدِ اللهِ
بْنِ الْحَارِثِ] :
وَعَائِذًا بِك أَنْ يَعْلُوا فَيُطْغُونِي
اُنْظُرْهُ فِي الْهِجْرَةِ إلَى الْحَبَشَةِ.
رَدّ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا:
وَذَكَرَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ردّ زينب على أبى
العاصى عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ، لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا بَعْدَ سِتّ
سِنِينَ، وَيُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ، أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَدّهَا عَلَيْهِ بِنِكَاحِ جَدِيدٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ
الّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ
أَصَحّ إسْنَادًا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ
أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِيمَا عَلِمْت لِأَنّ الْإِسْلَامَ قَدْ كَانَ
فَرّقَ بَيْنَهُمَا، قال الله تعالى: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ، وَلا هُمْ
يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قَالَ فِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبّاسٍ: مَعْنَى رَدّهَا عَلَيْهِ عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ، أَيْ:
عَلَى مِثْلِ النّكَاحِ الْأَوّلِ، فِي الصّدَاقِ وَالْحِبَاءِ لَمْ
يُحْدِثْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ مِنْ شَرْطٍ، وَلَا غَيْرِهِ.
(5/200)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شِعْرُ بِلَالٍ فِي مَقْتَلِ أُمَيّةَ:
وَذَكَرَ قَتْلَ بِلَالٍ لِأُمَيّةِ بْنِ خَلَفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ شِعْرَهُ
فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ
وَهُوَ:
فَلَمّا الْتَقَيْنَا لَمْ نُكَذّبْ بِحَمْلَةِ ... عَلَيْهِمْ بِأَسْيَافِ
لَنَا كَالْعَقَائِقِ
وَمَطْرُورَةُ حُمْرُ الظّبَاةِ كَأَنّهَا ... إذَا رُفِعَتْ أَشْطَانُ
ذَاتِ الْأَبَارِقِ
بَنِي جُمَحٍ قَدْ حَلّ قَعْصٌ بِشَيْخِكُمْ ... عَلَى مَاءِ بَدْرٍ رَأْسِ
كُلّ مُنَافِقِ
هَجَمْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ وَاشْتَجَرَتْ بِهِ ... مَصَالِيتُ
لِلْأَنْصَارِ غَيْرُ زَوَاهِقِ
هَوَى حِينَ لَاقَانَا وَفُرّقَ جَمْعُهُ ... عَلَى وَجْهِهِ فِي النّارِ
مِنْ رَأْسِ حَالِقِ
وَذَكَرَ الزّبَيْرُ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَنْ ابْنِ سَلّامٍ عَنْ حَمّادِ
بْنِ سَلَمَةَ أَنّ أُمَيّةَ حِينَ أَحَاطَتْ به الأنصار، قال: يا أحد رأى،
أمالكم بِاللّبّنِ حَاجَةٌ؟ قَالَ: وَكَانَ أُمَيّةُ يُذْكَرُ
بِفَصَاحَتِهِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِثْلَ
هَذَا، ثُمّ قَرَنَ الزّبَيْرُ هَذَا الْحَدِيثَ بِحَدِيثِ أَسْنَدَهُ عَنْ
مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ حِينَ
نَزَلَتْ قُلْ: إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ
الزّخْرُفِ: 81 الْآيَةَ، وَكَانَ النّضْرُ قَدْ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ
بَنَاتُ الرّحْمَنِ، فَلَمّا سَمِعَ الْآيَةَ قَالَ أَلَا تَرَاهُ قَدْ
صَدّقَنِي، فَقَالَ لَهُ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ- وَكَانَ أَفْصَحَ مِنْهُ-
لَا وَاَللهِ، بَلْ كَذّبَك، فَقَالَ: مَا كَانَ لِلرّحْمَنِ مِنْ وَلَدٍ،
وَرُوِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنّهُ قَالَ فِي قَوْلِ أُمَيّةَ، يَا أَحَدٌ: يَا
اسْتِفْتَاحٌ، وَمَعْنَاهُ يا هؤلاء أجد راء.
(5/201)
|