الروض
الأنف ت الوكيل [مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ
بَدْر]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ
بَدْر، وَتَرَادّ بَهْ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ لِمَا كَانَ فِيهِ، قَوْلُ
حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَرْحَمُهُ اللهُ:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها ونقيضتها:
أَلَمْ تَرَ أَمْرًا كَانَ مِنْ عَجْبِ الدّهْر ... وَلِلْحَيْنِ أَسِبَابٌ
مُبَيّنَةُ الْأَمْرِ
وَمَا ذَاكَ إلّا أنّ قوما أفادهم ... فخانوا تَوَاصٍ بِالْعُقُوقِ
وَبِالْكُفْرِ
عَشِيّةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بِجَمْعِهِمْ ... فَكَانُوا رُهُونًا
لِلرّكِيّةِ مِنْ بَدْرِ
وَكُنّا طَلَبْنَا الْعِيرَ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا ... فَسَارُوا إلَيْنَا
فَالْتَقَيْنَا عَلَى قَدْرِ
فَلَمّا الْتَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مَثْنَوِيّةٌ ... لَنَا غَيْرَ طَعْنٍ
بِالْمُثَقّفَةِ السّمْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/317)
وَضَرْبٍ بِبِيضٍ يَخْتَلِي الْهَامَ
حَدّهَا ... مُشْهِرَةُ الْأَلْوَانِ بَيّنَةُ الْأُثُرِ
وَنَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَة الْغَيّ ثَاوِيًا ... وشيبة فى القتلى تجرجم فى
الحفر
وَعَمْرٌو ثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِنْ حُمَاتِهِمْ ... فَشُقّتْ جُيُوبُ
النّائِحَاتِ عَلَى عَمْرِو
جُيُوبُ نِسَاءٍ مِنْ لؤىّ بن غالب ... كرام تفرّ عن الذّوَائِبَ مِنْ
فِهْرِ
أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتّلُوا فِي ضلالهم ... وخلّوا لواء غير مختضر النّصْرُ
لِوَاءُ ضَلَالٍ قَادَ إبْلِيسُ أَهْلَهُ ... فَخَاسَ بِهِمْ، إنّ
الْخَبِيثَ إلَى غَدْرِ
وَقَالَ لَهُمْ، إذ عاين الأمر واضحا ... برئت إليكم مابى اليوم من صبر
فإنى أرى مالا تَرَوْنَ وَإِنّنِي ... أَخَافُ عِقَابَ اللهِ وَاَللهُ ذُو
قَسْرِ
فَقَدّمَهُمْ لِلْحَيْنِ حَتّى تَوَرّطُوا ... وَكَانَ بِمَا لَمْ يَخْبُرْ
الْقَوْمُ ذَا خُبْرِ
فَكَانُوا غَدَاةَ الْبِئْرِ أَلْفًا وَجَمْعُنَا ... ثَلَاثُ مِئِينٍ
كَالْمُسْدَمَةِ الزّهْرِ
وَفِينَا جُنُودُ اللهِ حَيْنَ يُمِدّنَا ... بِهِمْ فِي مَقَامٍ ثُمّ
مُسْتَوْضَحِ الذّكْرِ
فَشَدّ بِهِمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا ... لَدَى مَأْزِقٍ فِيهِ
مَنَايَاهُمْ تَجْرِي
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ:
أَلَا يَا لِقَوْمِي لِلصّبَابَةِ وَالْهَجْرِ ... وَلِلْحُزْنِ مِنّي
وَالْحَرَارَةِ فِي الصّدْرِ
وَلِلدّمْعِ مِنْ عَيْنَيّ جُودَا كَأَنّهُ ... فَرِيدٌ هَوَى مِنْ سِلْك
نَاظِمه يَجْرِي
عَلَى الْبَطَلِ الْحُلْوِ الشّمَائِلِ إذْ ثَوَى ... رَهِينَ مَقَامٍ
لِلرّكِيّةِ مِنْ بَدْرِ
فَلَا تَبْعُدْنَ يَا عمرو من ذى قرابة ... ومن ذى ندم كَانَ ذَا خُلُقٍ
غَمْرِ
فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ صادفوا منك دولة ... فلابدّ لِلْأَيّامِ مِنْ دُوَلِ
الدّهْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/318)
فَقَدْ كُنْتَ فِي صَرْفِ الزّمَانِ الّذِي
مَضَى ... تُرِيهِمْ هَوَانًا مِنْك ذَا سُبُلٍ وَعْرِ
فَإِلّا أمت يا عمرو أتركك ثَائِرًا ... وَلَا أُبْقِ بُقْيَا فِي إخَاءٍ
وَلَا صِهْرِ
وَأَقْطَعُ ظَهْرًا مِنْ رِجَالٍ بِمَعْشَرٍ ... كِرَامٍ عَلَيْهِمْ مِثْلَ
مَا قَطَعُوا ظَهْرِي
أَغَرّهُمْ مَا جَمّعُوا مِنْ وَشِيظَةٍ ... وَنَحْنُ الصّمِيمُ فِي
الْقَبَائِلِ مِنْ فِهْرِ
فِيَالَ لُؤَيّ ذَبّبُوا عَنْ حَرِيمِكُمْ ... وَآلِهَةٍ لَا تَتْرُكُوهَا
لِذِي الْفَخْرِ
تَوَارَثَهَا آبَاؤُكُمْ وورثتم ... أو اسيّها وَالْبَيْتَ ذَا السّقْفِ
وَالسّتْرِ
فَمَا لِحَلِيمٍ قَدْ أَرَادَ هَلَاكَكُمْ ... فَلَا تَعْذِرُوهُ آلَ
غَالِبٍ مِنْ عُذْرٍ
وَجِدّوا لِمِنْ عَادَيْتُمْ وَتَوَازَرُوا ... وَكُونُوا جَمِيعًا فِي
التّأَسّي وَفِي الصّبْرِ
لَعَلّكُمْ أَنْ تَثْأَرُوا بِأَخِيكُمْ ... وَلَا شَيْءَ إنّ لَمْ
تَثْأَرُوا بِذَوِي عَمْرِو
بِمُطّرِدَاتِ فِي الْأَكُفّ كَأَنّهَا ... وَمِيضٌ تُطِيرُ الْهَامَ
بَيّنَةَ الْأُثْرِ
كَأَنّ مُدِبّ الذّرّ فَوْقَ مُتُونِهَا ... إذَا جُرّدَتْ يَوْمًا
لِأَعْدَائِهَا الْخُزْر
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبْدَلْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ كَلِمَتَيْنِ
مِمّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ، وَهُمَا «الْفَخْر» فِي آخِرِ الْبَيْتِ، وَ
«فَمَا لِحَلِيمِ» فِي أَوّلِ الْبَيْتِ، لِأَنّهُ نَالَ فِيهِمَا مِنْ
النّبِيّ صَلّى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: وقال عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا وَلَا نَقِيضَتَهَا، وَإِنّمَا كَتَبْنَاهُمَا
لِأَنّهُ يُقَالُ: إنّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ قُتِلَ
يَوْمَ بَدْرٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/319)
وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي
الْقَتْلَى، وَذَكَرَهُ فى هذا الشعر:
أَلَمْ تَرَ أَنّ اللهَ أَبْلَى رَسُولَهُ ... بَلَاءَ عَزِيزٍ ذِي
اقْتِدَارِ وَذِي فَضْلٍ
بِمَا أَنْزَلَ الكفّار دار مذلّة ... فلا قوا هَوَانَا مِنْ إسَارٍ وَمِنْ
قَتْل
فَأَمْسَى رَسُولُ اللهِ قَدْ عَزّ نَصْرُهُ ... وَكَانَ رَسُولُ اللهِ
أُرْسِلَ بِالْعَدْل
فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ مِنْ اللهِ مُنْزَلٍ ... مُبَيّنَةٍ آيَاتُهُ لِذَوِي
الْعَقْل
فَآمَنَ أَقْوَامٌ بِذَاكَ وَأَيْقَنُوا ... فَأَمْسَوْا بِحَمْدِ اللهِ
مُجْتَمِعِي الشّمْلِ
وَأَنْكَرَ أَقْوَامٌ فَزَاغَتْ قُلُوبُهُمْ ... فَزَادَهُمْ ذُو الْعَرْشِ
خَبْلًا عَلَى خَبْلُ
وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رَسُولَه ... وَقَوْمًا غِضَابًا
فِعْلُهُمْ أَحْسَنُ الْفِعْلِ
بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا ... وَقَدْ حَادَثُوهَا
بِالْجِلَاءِ وَبِالصّقْلِ
فكم تركوا من ناشىء ذِي حَمِيّةٍ ... صَرِيعًا وَمِنْ ذِي نَجْدَة مِنْهُمْ
كَهْل
تَبِيتُ عُيُونُ النّائِحَاتِ عَلَيْهِمْ ... تَجُودُ بِأَسْبَالِ
الرّشَاشِ وَبِالْوَبْلِ
نَوَائِحَ تَنْعَى عُتْبَة الْغَيّ وَابْنَه ... وَشَيْبَةَ تَنْعَاهُ
وَتَنْعَى أَبَا جَهْلٍ
وَذَا الرّجُلِ تَنْعَى وَابْنَ جُدْعَانَ فِيهِمْ ... مُسَلّبَةً حَرّى
مُبَيّنَة الثّكْلِ
ثَوَى مِنْهُمْ فِي بِئْرِ بَدْرٍ عِصَابَةٌ ... ذَوِي نَجَدَاتٍ فِي
الْحُرُوبِ وَفِي الْمَحْل
دَعَا الْغَيّ مِنْهُمْ مَنْ دَعَا فَأَجَابَهُ ... وَلِلْغَيّ أَسِبَابٌ
مرمّقة الوصل
فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل ... عن الشّغب والعدوان فى أشغل الشّغل
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/320)
عَجِبْتُ لِأَقْوَامٍ تَغَنّى سَفِيهُهُمْ
... بِأَمْرٍ سَفَاهٍ ذِي اعْتِرَاضٍ وَذِي بُطْلٍ
تَغَنّى بِقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ تَتَابَعُوا ... كِرَامِ الْمَسَاعِي مِنْ
غُلَامٍ وَمِنْ كَهْلٍ
مَصَالِيتَ بِيضٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... مَطَاعِينَ فِي الْهَيْجَا
مَطَاعِيمَ فِي الْمَحْلِ
أُصِيبُوا كِرَامًا لَمْ يَبِيعُوا عَشِيرَةً ... بِقَوْمِ سِوَاهُمْ
نَازِحِي الدّارِ وَالْأَصْلِ
كَمَا أَصْبَحَتْ غَسّانُ فِيكُمْ بِطَانَةً ... لَكُمْ بَدَلًا مِنّا
فِيَالَك مِنْ فِعْلِ
عُقُوقًا وَإِثْمًا بيّنا وقطيعة ... يرى جوركم فيها ذو والرأى والعقل
فإن بك قَوْمٌ قَدْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخَيْرُ الْمَنَايَا مَا
يَكُونُ مِنْ الْقَتْلِ
فَلَا تَفْرَحُوا أَنْ تَقْتُلُوهُمْ فَقَتْلُهُمْ ... لَكُمْ كَائِنٌ
خَبْلًا مُقِيمًا عَلَى خَبْلِ
فَإِنّكُمْ لَنْ تَبْرَحُوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ ... شَتِيتًا هَوَاكُمْ
غَيْرُ مُجْتَمِعِي الشّمْلِ
بِفَقْدِ ابْنِ جُدْعَانَ الْحَمِيدِ فِعَالُهُ ... وَعُتْبَة
وَالْمَدْعُوّ فِيكُمْ أَبَا جَهْلِ
وَشَيْبَةَ فِيهِمْ وَالْوَلِيدَ وَفِيهِمْ ... أُمَيّةَ مَأْوَى
الْمُعْتَرِينَ وَذُو الرّجْلِ
أُولَئِكَ فَابْكِ ثُمّ لَا تَبْكِ غَيْرَهُمْ ... نَوَائِحُ تَدْعُو
بِالرّزِيّةِ وَالثّكْلِ
وَقُولُوا لِأَهْلِ الْمَكّتَيْنِ تَحَاشَدُوا ... وَسِيرُوا إلَى آطَامِ
يَثْرِبَ ذِي النّخْلِ
جَمِيعًا وَحَامُوا آلَ كَعْبٍ وَذَبّبُوا ... بِخَالِصَةِ الْأَلْوَانِ
مُحْدَثَةِ الصّقْلِ
وَإِلّا فَبُيّتُوا خَائِفِينَ وَأَصْبِحُوا ... أَذَلّ لِوَطْءِ
الْوَاطِئِينَ مِنْ النّعْلِ
عَلَى أَنّنِي وَاللّاتِ يا فوم فَاعْلَمُوا ... بِكَمْ وَاثِقٌ أَنْ لَا
تُقِيمُوا عَلَى تَبْلِ
سِوَى جَمْعِكُمْ لِلسّابِغَاتِ وَلِلْقَنَا ... وَلِلْبَيْضِ وَالْبِيضِ
الْقَوَاطِعِ وَالنّبْلِ
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ
بْنِ فِهْرٍ فِي يوم بدر:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/321)
عَجِبْتُ لِفَخْرِ الْأَوْسِ وَالْحَيْنُ
دَائِرٌ ... عَلَيْهِمْ غَدًا والدّهر فيه بصائر
وفخر بنى النّجّار وإن كَانَ مَعْشَرٌ ... أُصِيبُوا بِبَدْرٍ كُلّهُمْ
ثَمّ صَابِرُ
فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا ... فَإِنّا رِجَالٌ
بَعْدَهُمْ سَنُغَادِرُ
وَتَرْدِي بِنَا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وَسَطكُمْ ... بَنِي الْأَوْسِ
حَتّى يَشْفِي النّفْسَ ثَائِرٌ
وَوَسْطَ بَنِي النّجّارِ سَوْفَ نَكُرّهَا ... لَهَا بِالْقَنَا
وَالدّارِعِينَ زَوَافِر
فَنَتْرُكُ صَرْعَى تَعْصِبُ الطّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَيْسَ لَهُمْ إلّا
الْأَمَانِيّ نَاصِرُ
وَتَبْكِيهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ نِسْوَةٌ ... لَهُنّ بِهَا لَيْلٌ عَنْ
النّوْمِ سَاهِرُ
وَذَلِك أَنّا لَا تَزَالُ سُيُوفُنَا ... بِهِنّ دَمٌ مِمّنْ يُحَارَبْنَ
مَائِرُ
فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنّمَا ... بِأَحْمَدَ أَمْسَى
جَدّكُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ
وَبِالنّفَرِ الْأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ... يُحَامُونَ فِي
الّلأْوَاءِ وَالْمَوْتُ حَاضِرُ
يُعَدّ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهِمْ ... وَيُدْعَى عَلِيّ وَسْطَ مَنْ
أَنْتَ ذَاكِرُ
وَيُدْعَى أَبُو حَفْصٍ وَعُثْمَانُ مِنْهُمْ ... وَسَعْدٌ إذَا مَا كَانَ
فِي الْحَرْبِ حَاضِرُ
أُولَئِكَ لَا مَنْ نَتّجَتْ فِي دِيَارِهَا ... بَنُو الْأَوْسِ
وَالنّجّارِ حَيْنَ تُفَاخِرُ
وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا عُدّتْ الْأَنْسَابُ
كَعْبٌ وَعَامِرُ
هُمْ الطّاعِنُونَ الْخَيْلَ فِي كُلّ مَعْرَكٍ ... غَدَاةَ الْهِيَاجِ
الْأَطْيَبُونَ الْأَكَاثِرُ
فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، أخو بنى سلمة، فقال:
عَجِبْتُ لِأَمْرِ اللهِ وَاَللهُ قَادِرٌ ... عَلَى مَا أَرَادَ، لَيْسَ
لِلّهِ قَاهِرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/322)
قَضَى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ نُلَاقِيَ
مَعْشَرًا ... بَغَوْا وَسَبِيلُ الْبَغْي بِالنّاسِ جَائِرُ
وَقَدْ حَشَدُوا وَاسْتَنْفَرُوا مِنْ يَلِيهِمْ ... مِنْ النّاسِ حَتّى
جَمْعُهُمْ مُتَكَاثَرُ
وسارت إلينا لا نحاول غَيْرَنَا ... بِأَجْمَعِهَا كَعْبٌ جَمِيعًا
وَعَامِرُ
وَفِينَا رَسُولُ اللهِ وَالْأَوْسُ حَوْلَهُ ... لَهُ مَعْقِلٌ مِنْهُمْ
عَزِيزٌ وَنَاصِرُ
وَجَمْعُ بَنِي النّجّارِ تَحْتَ لِوَائِهِ ... يُمَشّوْنَ فِي الْمَاذِيّ
وَالنّقْعُ ثَائِرُ
فَلَمّا لَقِينَاهُمْ وَكُلّ مُجَاهِدٌ ... لِأَصْحَابِهِ مُسْتَبْسِلُ
النّفْسِ صَابِرُ
شَهِدْنَا بِأَنّ اللهَ لَا رَبّ غَيْرُهُ ... وَأَنّ رَسُولَ اللهِ
بِالْحَقّ ظَاهِرُ
وَقَدْ عُرّيَتْ بِيضٌ خِفَافٌ كَأَنّهَا ... مَقَابِيسُ يُزْهِيهَا
لِعَيْنَيْك شَاهِرُ
بِهِنّ أَبَدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَدّدُوا ... وَكَانَ يُلَاقِي الْحَيْنَ
مَنْ هُوَ فَاجِرُ
فَكُبّ أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا لِوَجْهِهِ ... وَعُتْبَةُ قَدْ غادرنه وهو
عائر
وَشَيْبَةُ وَالتّيْمِيّ غَادَرْنَ فِي الْوَغَى ... وَمَا مِنْهُمْ إلّا
بِذِي الْعَرْشِ كَافِرُ
فَأَمْسَوْا وَقُودَ النّارِ فِي مُسْتَقَرّهَا ... وَكُلّ كَفَوْرٍ فِي
جَهَنّمَ صَائِرُ
تَلَظّى عَلَيْهِمْ وَهِيَ قَدْ شَبّ حَمْيُهَا ... بِزُبَرِ الْحَدِيدِ
وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ قَدْ قَالَ أَقْبِلُوا ... فَوَلّوْا وَقَالُوا:
إِنّمَا أَنْتَ سَاحِرُ
لِأَمْرِ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَهْلَكُوا بِهِ ... وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمّهُ
اللهُ زَاجِرُ
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بن الزّبعرى السهمىّ يبكى قتلى بدر:
قال ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِلْأَعْشَى بْنِ زُرَارَةَ بْنِ النبّاش،
أحد بنى أسيد ابن عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عبد
مناف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/323)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَلِيفُ بَنِي
عَبْدِ الدّار:
مَاذَا عَلَى بَدْرٍ وَمَاذَا حَوْلَهُ ... مِنْ فِتْيَةٍ بِيضِ الْوُجُوهِ
كِرَامٍ
تَرَكُوا نُبَيْهًا خَلْفَهُمْ وَمُنَبّهًا ... وَابْنَيْ رَبِيعَةَ خَيْرَ
خَصْمٍ فِئَام
وَالْحَارِثَ الْفَيّاضَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ ... كَالْبَدْرِ جَلّى لَيْلَةَ
الْإِظْلَامِ
وَالْعَاصِيَ بْنَ مُنَبّهٍ ذَا مِرّةٍ ... رُمْحًا تَمِيمًا غَيْرَ ذِي
أَوْصَام
تَنَمّى بَهْ أَعْرَاقُهُ وَجُدُودُهُ ... وَمَآثِرُ الْأَخْوَالِ
وَالْأَعْمَامِ
وَإِذَا بَكَى بَاكٍ فَأَعْوَل شَجْوَهُ ... فَعَلَى الرّئِيسِ الْمَاجِدِ
ابْنِ هِشَامِ
حَيّا الْإِلَهُ أَبَا الْوَلِيدِ وَرَهْطَهُ ... رَبّ الْأَنَامِ،
وَخَصّهُمْ بِسَلَامِ
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ، فَقَالَ:
ابْكِ بَكَتْ عَيْنَاك ثُمّ تَبَادَرَتْ ... بِدَمِ تُعَلّ غُرُوبُهَا
سجّام
ماذا بكيت به الذين تتابعوا ... هَلّا ذَكَرْتَ مَكَارِمَ الْأَقْوَامِ
وَذَكَرْتَ مِنّا مَاجِدًا ذَا هِمّةٍ ... سَمْحَ الْخَلَائِقِ صَادِقَ
الْإِقْدَامِ
أَعْنِي النّبِيّ أَخَا الْمَكَارِمِ وَالنّدَى ... وَأَبَرّ مَنْ يُولَى
على الإفسام
فَلِمِثْلِهِ وَلِمِثْلِ مَا يَدْعُو لَهُ ... كَانَ الْمُمَدّحَ ثَمّ
غَيْرُ كَهَام
شِعْرٌ لِحَسّانَ فِي بَدْرٍ أَيْضًا وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ
الْأَنْصَارِيّ أَيْضًا:
تبلت فؤادك فى المنام خريدة ... تشفى الضّجِيعَ بِبَارِدِ بَسّامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/324)
كَالْمِسْكِ تَخْلِطُهُ بِمَاءِ سَحَابَةٍ
... أَوْ عَاتِقٍ كَدَمِ الذّبيح مُدَام
نُفُجُ الْحَقِيبَةِ بُوصُهَا مُتَنَضّدٌ ... بَلْهَاءُ غَيْرُ وَشِيكَةِ
الْأَقْسَامِ
بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمّ كَأَنّهُ ... فُضُلًا إذَا قَعَدَتْ مَدَاكُ
رُخَامِ
وَتَكَادُ تَكْسَلُ أن تجىء فِرَاشُهَا ... فِي جِسْمِ خَرْعَبَة وَحُسْن
قَوَام
أَمّا النّهَارَ فَلَا أُفَتّرُ ذِكْرَهَا ... وَاللّيْلُ تُوزِعُنِي بِهَا
أَحْلَامِي
أَقْسَمْتَ أَنْسَاهَا وَأَتْرُكُ ذِكْرَهَا ... حَتّى تُغَيّبَ فِي
الضّرِيحِ عِظَامِي
يَا مَنْ لِعَاذِلَةٍ تَلُومُ سَفَاهَةً ... وَلَقَدْ عَصَيْتُ عَلَى
الْهَوَى لُوّامِي
بَكَرَتْ عَلَيّ بِسُحْرَةٍ بَعْدَ الْكَرَى ... وَتَقَارُبٍ مِنْ حَادِثِ
الْأَيّامِ
زَعَمَتْ بِأَنّ الْمَرْءَ يَكْرُبُ عُمْرَهُ ... عَدَمٌ لِمُعْتَكِرٍ مِنْ
الْأَصْرَامِ
إنّ كُنْتِ كَاذِبَةَ الّذِي حدّثتنى ... فَنَجَوْتِ مَنْجَى الْحَارِثِ
بْنِ هِشَامِ
تَرَك الْأَحِبّة أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُمْ ... وَنَجَا بِرَأْسِ طِمرّة
وَلِجَامِ
تَذَر الْعَنَاجِيجُ الْجِيَادُ بِقَفْرَةٍ ... مَرّ الدّمُوكِ بِمُحْصَدٍ
وَرِجَامِ
مَلَأَتْ بِهِ الْفَرْجَيْنِ فَارْمَدّتْ بِهِ ... وَثَوَى أَحِبّتُهُ
بِشَرّ مَقَامِ
وَبَنُو أَبِيهِ وَرَهْطُهُ فِي معرك ... تصر الْإِلَهُ بِهِ ذَوِي
الْإِسْلَامِ
طَحَنَتْهُمْ، وَاَللهُ يُنْفِذُ أَمْرَهُ، ... حَرْبٌ يُشَبّ سَعِيرُهَا
بِضِرَامِ
لَوْلَا الْإِلَهُ وَجَرْيُهَا لَتَرَكْنَهُ ... جَزَرَ السّبَاعِ
وَدُسْنَهُ بحَوَامِي
مِنْ بَيْنَ مَأْسُورٍ يُشَدّ وَثَاقُهُ ... صَقْرٍ إذَا لَاقَى
الْأَسِنّةَ حَامِي
وَمُجَدّلٍ لَا يَسْتَجِيبُ لِدَعْوَةٍ ... حَتّى تَزُولَ شَوَامِخُ
الْأَعْلَامِ
بِالْعَارِ وَالذّلّ الْمُبَيّنِ إذْ رَأَى ... بِيضَ السّيُوفِ تَسُوقُ
كُلّ هُمَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/325)
بِيَدَيْ أَغَرّ إذَا انْتَمَى لَمْ
يُخْزِهِ ... نَسَبُ الْقِصَارِ سَمَيْدَع مِقْدَامِ
بِيضٌ إذَا لَاقَتْ حَدِيدًا صَمّمَتْ ... كَالْبَرْقِ تَحْتَ ظِلَالِ كُلّ
غَمَامِ
شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى حَسّانَ فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ
هِشَامٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ:
الله أعلم ما تركت قتالهم ... حَتّى حَبَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ مُزْبِد
وَعَرَفْتُ أَنّي إنْ أُقَاتِلْ وَاحِدًا ... أُقْتَلْ وَلَا يَنْكِي
عَدُوّي مَشْهَدِي
فَصَدَدْتُ عَنْهُمْ وَالْأَحِبّةُ فِيهِمْ ... طَمَعًا لَهُمْ بِعِقَابِ
يَوْمٍ مُفْسِدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَهَا الحارث يعتذر من فراره يوم بدر.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْ قَصِيدَةِ حَسّانَ ثَلَاثَةَ
أَبْيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا، لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا.
شِعْرٌ لِحَسّانَ فِيهَا أَيْضًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وقال حسّان بن
ثابت:
لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ ... غَدَاةَ الْأَسْرِ وَالْقَتْلِ
الشّدِيدِ
بِأَنّا حَيْنَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... حُمَاةُ الْحَرْبِ يَوْمَ أَبِي
الْوَلِيدِ
قَتَلْنَا ابْنَيْ رَبِيعَةَ يَوْمَ سَارا ... إلَيْنَا فِي مُضَاعَفَةِ
الْحَدِيدِ
وَفَرّ بِهَا حَكِيمٌ يَوْمَ جَالَتْ ... بَنُو النّجّارِ تَخْطِرُ
كَالْأُسُودِ
وَوَلّتْ عِنْدَ ذَاكَ جَمُوعُ فِهْرٍ ... وَأَسْلَمَهَا الْحُوَيْرِث مِنْ
بِعِيدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/326)
لَقَدْ لَاقَيْتُمْ ذُلّا وَقَتْلًا ...
جَهِيزًا نَافِذًا تَحْتَ الْوَرِيدِ
وَكُلّ الْقَوْمِ قَدْ وَلّوْا جَمِيعًا ... وَلَمْ يَلْوُوا عَلَى
الْحَسَبِ التّلِيدِ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثابت أيضا:
يَا حَارِ قَدْ عَوّلْتَ غَيْرَ مُعَوّلٍ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ وَسَاعَةَ
الْأَحْسَابِ
إذْ تَمْتَطِي سُرُحَ الْيَدَيْنِ نَجِيبَةً ... مَرْطَى الْجِرَاءِ
طَوِيلَةَ الْأَقْرَابِ
وَالْقَوْمُ خَلْفَك قَدْ تَرَكْتَ قِتَالَهُمْ ... تَرْجُو النّجَاءَ
وَلَيْسَ حَيْنَ ذَهَابِ
أَلّا عَطَفْت عَلَى ابْنِ أُمّك إذْ ثَوَى ... قَعْصَ الْأَسِنّةِ ضَائِعَ
الْأَسْلَابِ
عَجّلَ الْمَلِيكُ لَهُ فَأَهْلَكَ جَمْعَهُ ... بِشَنَارِ مُخْزِيَةٍ
وَسُوءِ عَذَابِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا أَقْذَعَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: بَلْ قَالَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
الْحَارِثِ السّهْمِيّ:
مُسْتَشْعِرِي حَلَقِ الْمَاذِيّ يَقْدُمُهُمْ ... جَلْدُ النّحِيزَةِ
مَاضٍ غَيْرُ رِعْدِيدِ
أَعْنِي رَسُولَ إلَهِ الْخَلْقِ فَضّلَهُ ... عَلَى الْبَرّيّةِ
بِالتّقْوَى وَبِالْجُودِ
وَقَدْ زَعَمْتُمْ بِأَنْ تَحْمُوا ذِمَارَكُمْ ... وَمَاءُ بَدْرٍ
زَعَمْتُمْ غَيْرُ مَوْرُودِ
ثُمّ وَرَدْنَا وَلَمْ نَسْمَعْ لِقَوْلِكُمْ ... حَتّى شَرِبْنَا رَوَاءً
غَيْرَ تَصْرِيدِ
مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ ... مُسْتَحْكَمٍ مِنْ حِبَالِ
اللهِ مَمْدُودِ
فِينَا الرّسُولُ وَفِينَا الْحَقّ نَتْبَعُهُ ... حَتّى الْمَمَاتِ
وَنَصْرٌ غَيْرُ محدود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/327)
وَافٍ وَمَاضٍ شِهَابٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ
... بَدْرٌ أَنَارَ عَلَى كُلّ الْأَمَاجِيدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَيْتُهُ: «مسعصمين بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ» عَنْ
أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ
ثَابِتٍ أيضا:
خَابَتْ بَنُو أَسَدٍ وَآبَ غُزّيهِم ... يَوْمَ الْقَلِيبِ بِسَوْءَةٍ
وَفُضُوح
مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِي تَجَدّلَ مُقْعَصًا ... عَنْ ظَهْرِ صَادِقَةِ
النّجَاءِ سَبُوحِ
حَيْنًا لَهُ مِنْ مَانِعٍ بِسِلَاحِهِ ... لَمّا ثَوَى بِمَقَامِهِ
الْمَذْبُوحِ
وَالْمَرْءُ زَمْعَةُ قَدْ تَرَكْنَ وَنَحْرُهُ ... يَدْمَى بِعَانِدٍ
مُعْبَطٍ مَسْفُوحِ
مُتَوَسّدًا حُرّ الْجَبِينِ مُعَفّرًا ... قَدْ عُرّ مَارِن أَنْفِهِ
بِقُبُوحِ
وَنَجَا ابْنُ قَيْسٍ فِي بَقِيّةَ رَهْطِهِ ... بِشَفَا الرّمَاقِ
مُوَلّيًا بِجُرُوحِ
وقال حسّان بن ثابت أيضا:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَتَى أَهْلَ مَكّةَ ... إبَارَتُنَا الْكُفّار
فِي سَاعَةِ الْعُسْرِ
قَتَلْنَا سَرَاةَ الْقَوْمِ عِنْدَ مَجَالِنَا ... فَلَمْ يَرْجِعُوا إلّا
بِقَاصِمَةِ الظّهْرِ
قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَة قَبْلَهُ ... وَشَيْبَةُ يَكْبُو
لِلْيَدَيْنِ وَلِلنّحْرِ
قَتَلْنَا سُوَيْدًا ثُمّ عُتْبَة بَعْدَهُ ... وَطُعْمَة أَيْضًا عِنْدَ
ثَائِرَةِ الْقَتْرِ
فَكَمْ قَدْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ مُرَزّإٍ ... لَهُ حَسَبٌ فى قومه نا
به الذّكْرُ
تَرَكْنَاهُمْ لِلْعَاوِيَاتِ يَنُبْنَهُمْ ... وَيَصْلَوْنَ نَارًا بَعْدُ
حَامِيَةَ الْقَعْرِ
لَعَمْرُك مَا حَامَتْ فَوَارِسُ مَالِكٍ ... وَأَشْيَاعُهُمْ يَوْمَ
الْتَقَيْنَا عَلَى بَدْرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/328)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو
زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ بَيْتَهُ:
قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَة قَبْلَهُ ... وَشَيْبَةُ يَكْبُو
لِلْيَدَيْنِ وَلِلنّحْرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
نَجّى حَكِيمًا يَوْمَ بَدْرٍ شَدّهُ ... كَنَجَاءِ مُهْرٍ مِنْ بَنَاتِ
الْأَعْوَجِ
لما رأى بدرا تسيل جلاهه ... بكتيبة خضراء مِنْ بَلْخَزْرَج
لَا يَنْكُلُونَ إذَا لَقُوا أَعْدَاءَهُمْ ... يَمْشُونَ عَائِدَةَ
الطّرِيقِ الْمَنْهَج
كَمْ فِيهِمْ مِنْ مَاجِدٍ ذِي مَنْعَةٍ ... بَطَل بِمَهْلَكَةِ الْجَبَانِ
الْمُحْرَجِ
وَمُسَوّدٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ بِكَفّهِ ... حَمّالَ أَثْقَالِ الدّيَاتِ
مُتَوّجٍ
زَيْنِ النّدِيّ مُعَاوِدٍ يَوْمَ الْوَغَى ... ضَرْبَ الْكُمَاةِ بِكُلّ
أَبْيَضَ سَلْجَج
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ سَلَجج، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابن إسحاق وقال حسان أيضا:
فَمَا نَخْشَى بِحَوْلِ اللهِ قَوْمًا ... وَإِنْ كَثُرُوا وَأُجْمِعَتْ
الزّحُوفُ
إذَا مَا أَلّبُوا جَمْعًا عَلَيْنَا ... كفانا حدّهم ربّ رؤف
سَمَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالْعَوَالِي ... سِرَاعًا مَا تُضَعْضِعُنَا
الْحُتُوفُ
فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِي النّاسِ أَنْكَى ... لمن عادوا إدا لَقِحَتْ
كُشُوفٌ
وَلَكِنّا تَوَكّلْنَا وَقُلْنَا ... مَآثِرُنَا وَمَعْقِلُنَا السّيُوفُ
لَقِينَاهُمْ بِهَا لَمّا سَمَوْنَا ... وَنَحْنُ عِصَابَةٌ وهم ألوف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/329)
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا،
يَهْجُو بَنِي جُمَحَ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْهُمْ:
جَمَحَتْ بَنُو جُمَحٍ لِشِقْوَةِ جَدّهِمْ ... إنّ الذّلِيلَ مُوَكّلٍ
بِذَلِيلٍ
قُتِلَتْ بَنُو جُمَحٍ بِبَدْرٍ عَنْوَةً ... وَتَخَاذَلُوا سَعْيًا بِكُلّ
سَبِيلٍ
جَحَدُوا الْكِتَابَ وَكَذّبُوا بِمُحَمّدٍ ... وَاَللهُ يُظْهِرُ دِينَ
كُلّ رَسُولٍ
لَعَنَ الْإِلَهُ أَبَا خُزَيْمَةَ وَابْنَهُ ... وَالْخَالِدَيْنِ،
وَصَاعِدَ بْنَ عَقِيل
شِعْرُ عَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي قَطْعِ رِجْلِهِ قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ: وَقَالَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ فى يوم
بدر، وفى قطع رجله حين أصيب، فِي مُبَارَزَتِهِ هُوَ وَحَمْزَةُ وَعَلِيّ
حِينَ بَارَزُوا عَدُوّهُمْ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَبَعْضُ أَهْلِ
الْعِلْمِ بالشعر ينكرها لعبيدة:
سَتَبْلُغُ عَنّا أَهْلَ مَكّةَ وَقْعَةٌ ... يَهُبّ لَهَا مَنْ كَانَ عَنْ
ذَاكَ نَائِيًا
بِعُتْبَة إذْ وَلّى وَشَيْبَةُ بَعْدَهُ ... وَمَا كَانَ فِيهَا بِكْر
عُتْبَة رَاضِيًا
فَإِنْ تَقْطَعُوا رِجْلِي فَإِنّى مُسْلِمٌ ... أُرَجّي بِهَا عَيْشًا
مِنْ اللهِ دَانِيًا
مَعَ الْحُورِ أَمْثَالَ التّمَاثِيلِ أُخْلِصَتْ ... مَعَ الْجَنّةِ
الْعُلْيَا لِمَنْ كَانَ عَالِيًا
وَبِعْتُ بِهَا عَيْشًا تَعَرّقْتُ صَفْوَهُ ... وَعَالَجْتُهُ حَتّى
فَقَدْتُ الْأَدَانِيَا
فَأَكْرَمَنِي الرّحْمَنُ مِنْ فَضْلِ مَنّهِ ... بِئَوْب مِنْ
الْإِسْلَامِ غَطّى الْمُسَاوِيَا
وَمَا كَانَ مَكْرُوهًا إلَيّ قِتَالُهُمْ ... غَدَاةَ دَعَا الْأَكْفَاءَ
مَنْ كَانَ دَاعِيًا
وَلَمْ يَبْغِ إذْ سَالُوا النّبِيّ سَوَاءَنَا ... ثَلَاثَتنَا حَتّى
حَضَرْنَا الْمُنَادِيَا
لَقِينَاهُمْ كَالْأُسْدِ تَخْطِرُ بِالْقَنَا ... نُقَاتِلُ فِي
الرّحْمَنِ مَنْ كَانَ عَاصِيَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/330)
فَمَا بَرِحَتْ أَقْدَامُنَا مِنْ
مَقَامِنَا ... ثَلَاثَتُنَا حَتّى أَزِيرُوا الْمَنَائِيَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَمّا أُصِيبَتْ رِجْلُ عَبِيدَةَ قَالَ: أَمَا
وَاَللهِ لَوْ أَدْرَكَ أَبُو طَالِبٍ هَذَا الْيَوْمَ لَعَلِمَ أَنّي
أَحَقّ مِنْهُ بِمَا قَالَ حِينَ يَقُولُ:
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ يُبْزَى مُحَمّدٌ ... وَلَمّا نُطَاعِن دُونَهُ
وَنُنَاضِلْ
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا وَالْحَلَائِلِ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ
ذَكَرْنَاهَا فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.
رِثَاءُ كَعْبٍ لِعَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا
هَلَكَ عَبِيدَة بْنُ الْحَارِثِ مِنْ مُصَابِ رِجْلِهِ يَوْمَ بَدْرٍ،
قَالَ كَعْبُ بْنُ مالك الأنصارىّ يبكيه:
أَيَا عَيْنُ جُودِي وَلَا تَبْخَلِي ... بِدَمْعِك حَقّا وَلَا تَنْزُرِي
عَلَى سَيّدٍ هَدّنَا هُلْكُهُ ... كَرِيمِ الْمَشَاهِدِ وَالْعُنْصُرِ
جَرِيءِ الْمُقَدّمِ شَاكِي السّلَاحِ ... كَرِيمِ النّثَا طَيّبِ
الْمَكْسِرِ
عَبِيدَة أَمْسَى وَلَا نَرْتَجِيهِ ... لعرف عرنا وَلَا مُنْكِرِ
وَقَدْ كَانَ يَحْمَى غَدَاةَ الْقِتَا ... لِ حَامِيَةَ الْجَيْشِ
بِالْمُبْتَرِ
شِعْرٌ لِكَعْبِ فِي بَدْرٍ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا، فِي يوم
بدر:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/331)
أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ فِي نَأْيِ
دَارِهَا ... وأخبر شىء بالأمور عليهما
بِأَنْ قَدْ رَمَتْنَا عَنْ قِسِيّ عَدَاوَةٍ ... مُعَدّ مَعًا جُهّالُهَا
وَحَلِيمُهَا
لِأَنّا عَبَدْنَا اللهَ لَمْ نَرْجُ غَيْرَهُ ... رَجَاءَ الْجِنَانِ إذْ
أَتَانَا زَعِيمُهَا
نَبِيّ لَهُ فِي قَوْمِهِ إرْثُ عِزّةٍ ... وَأَعْرَاقُ صِدْقٍ هَذّبَتْهَا
أُرُومُهَا
فَسَارُوا وَسِرْنَا فَالْتَقَيْنَا كَأَنّنَا ... أُسُودُ لِقَاءٍ لَا
يُرَجّى كَلِيمُهَا
ضَرَبْنَاهُمْ حَتّى هَوَى فِي مَكَرّنَا ... لِمَنْخِرِ سَوْءٍ مِنْ
لُؤَيّ عَظِيمُهَا
فَوَلّوْا وَدُسْنَاهُمْ بِبِيضِ صَوَارِمِ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا
حِلْفُهَا وَصَمِيمُهَا
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا:
لَعَمْرُ أَبِيكُمَا يَا بَنِي لُؤَيّ ... عَلَى زَهْوٍ لَدَيْكُمْ
وَانْتِخَاءِ
لَمَا حَامَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرٍ ... وَلَا صَبَرُوا بِهِ عِنْدَ
اللّقَاءِ
وَرَدْنَاهُ بِنُورِ اللهِ يَجْلُو ... دُجَى الظّلْمَاءِ عَنّا
وَالْغِطَاءِ
رَسُولُ اللهِ يَقْدُمُنَا بِأَمْرٍ ... مِنْ أَمْرِ اللهِ أُحْكِمَ
بِالْقَضَاءِ
فَمَا ظَفَرَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرِ ... وَمَا رَجَعُوا إلَيْكُمْ
بِالسّوَاءِ
فَلَا تَعْجَلْ أَبَا سُفْيَانَ وَارْقُبْ ... جِيَادَ الْخَيْلِ تَطْلُعُ
مِنْ كَدَاءِ
بِنَصْرِ اللهِ رُوحُ القدس فيها ... وميكال، فياطيب الْمَلَاءِ
شِعْرُ طَالِبٍ فِي مَدْحِ الرّسُولِ وَبُكَاءِ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ
وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، يَمْدَحُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ
بَدْرٍ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/332)
أَلَا إنّ عَيْنِي أَنْفَدَتْ دَمْعَهَا
سَكْبًا ... تُبَكّي عَلَى كَعْبٍ وَمَا إنْ تَرَى كَعْبَا
أَلَا إنّ كَعْبًا فِي الْحُرُوبِ تَخَاذَلُوا ... وَأَرْدَاهُمْ ذَا
الدّهْرُ وَاجْتَرَحُوا ذَنْبًا
وَعَامِرٌ تَبْكِي لِلْمُلِمّاتِ غُدْوَةً ... فَيَالَيْتَ شِعْرِي هَلْ
أَرَى لَهُمَا قُرْبًا
هُمَا أَخَوَايَ لَنْ يُعَدّا لِغَيّةِ ... تُعَدّ وَلَنْ يُسْتَامُ جارهما
غصبا
فيا أخوبنا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ... فِدًا لَكُمَا لَا تَبْعَثُوا
بَيْنَنَا حَرْبًا
وَلَا تُصْبِحُوا مِنْ بَعْدِ وُدّ وَأُلْفَةٍ ... أَحَادِيثَ فِيهَا
كُلّكُمْ يَشْتَكِي النّكْبَا
أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... وَجَيْشِ أبي يكسوم إذ
ملئوا الشعبا
فلولا دفاع اللهِ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ
لَكُمْ سِرْبًا
فَمَا إنْ جَنَيْنَا فِي أَقُرَيْشٌ عظيمة ... سوى أن حمينا خير من وطىء
التّرْبَا
أَخَا ثِقَةٍ فِي النّائِبَاتِ مُرَزّأً ... كَرِيمًا نَثَاهُ لَا بَخِيلًا
وَلَا ذَرْبًا
يُطِيفُ بِهِ الْعَافُونَ يَغْشَوْنَ بَابَهُ ... يَؤُمّونَ بَحْرًا لَا
نَزُورًا ولا صربا
فو الله لَا تَنْفَكّ نَفْسِي حَزِينَةً ... تَمَلْمُلُ حَتّى تَصْدُقُوا
الْخَزْرَجَ الضّرْبَا
شِعْرُ ضِرَارٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ
الْفِهْرِيّ، يَرْثِي أبا جهل:
أَلَا مَنْ لَعَيْنٍ بَاتَتْ اللّيْلَ لَمْ تَنَمْ ... تراقب نجمان فِي
سَوَادٍ مِنْ الظّلَمْ
كَأَنّ قَذًى فِيهَا وَلَيْسَ بِهَا قَذًى ... سِوَى عَبْرَةٍ مِنْ جَائِلِ
الدمع تنسجم
فبلغ قريشا أنّ خير ندبّها ... وَأَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي بِسَاقٍ عَلَى
قَدَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/333)
ثَوَى يَوْمَ بَدْرٍ رَهْنَ خَوْصَاءَ
رَهْنُهَا ... كَرِيمُ الْمَسَاعِي غَيْرُ وَغْدٍ وَلَا بَرَمْ
فَآلَيْتُ لَا تَنْفَكّ عَيْنَيّ بِعَبْرَةٍ ... عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ
الرّئِيسِ أَبِي الْحَكَمْ
عَلَى هَالِكٍ أَشْجَى لُؤَيّ بْنَ غَالِبٍ ... أَتَتْهُ الْمَنَايَا
يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يَرِمْ
تَرَى كِسَرَ الْخَطّيّ فِي نَحْرِ مُهْرِهِ ... لَدَى بَائِنٍ مِنْ
لَحْمِهِ بَيْنَهَا خِذَمْ
وَمَا كَانَ لَيْثٌ سَاكِنٌ بَطْنَ بِيشَةٍ ... لَدَى غَلَلٍ يَجْرِي
ببطحاء فى أجم
بأحرأ مِنْهُ حِينَ تَخْتَلِفُ الْقَنَا ... وَتُدْعَى نَزَالِ فِي
الْقَمَاقِمَة الْبُهَمْ
فَلَا تَجْزَعُوا آلَ الْمُغِيرَةِ وَاصْبِرُوا ... عليه ومن بجزع عَلَيْهِ
فَلَمْ يُلَمْ
وَجِدّوا فَإِنّ الْمَوْتَ مَكْرُمَةٌ لَكُمْ ... وَمَا بَعْدَهُ فِي آخِرِ
الْعَيْشِ مِنْ نَدَمْ
وَقَدْ قُلْتُ إنّ الرّيحَ طَيّبَةٌ لَكُمْ ... وَعِزّ الْمَقَامِ غَيْرُ
شَكّ لِذِي فَهَمْ
قَالَ ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لِضِرَارٍ.
شِعْرُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ: وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، يَبْكِي أَخَاهُ أَبَا جَهْلٍ:
أَلَا يَا لَهْفَ نَفْسِي بَعْدَ عَمْرٍو ... وَهَلْ يُغْنِي التّلَهّفُ
مِنْ قَتِيلِ
يُخْبِرُنِي الْمُخَبّرُ أَنّ عَمْرًا ... أمام القوم فى جفر محيل
فقد ما كُنْتُ أَحْسِبُ ذَاكَ حَقّا ... وَأَنْتَ لِمَا تَقَدّمَ غير فيل
وكنت بنعمة مادمت حيّا ... فقد خلّفت فى درج المسيل
كأنى حِينَ أُمْسِي لَا أَرَاهُ ... ضَعِيفُ الْعَقْدِ ذُو هَمّ طَوِيلِ
عَلَى عَمْرٍو إذَا أَمْسَيْتُ يَوْمًا ... وَطَرْفٌ مَنْ تَذَكّرِهِ
كَلِيلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/334)
قال ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر
يُنْكِرُهَا لِلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ؛ وَقَوْلُهُ:
«فِي جَفْرٍ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
شِعْرُ ابْنِ الْأَسْوَدِ فى بكاء قتلى بدر قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ الأسود بن شعوب الّليثى، وهو شدّاد ابن الْأَسْوَدِ:
تُحَيّي بِالسّلَامَةِ أُمّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ
سَلَامِ
فَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الْقَيْنَاتِ وَالشّرْبِ
الْكِرَامِ
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الشّيزَى تُكَلّلُ
بِالسّنَامِ
وَكَمْ لَكِ بِالطّوِيّ طَوِيّ بَدْرٍ ... مِنْ الْحَوْمَاتِ وَالنّعَمِ
الْمُسَامِ
وَكَمْ لَكِ بِالطّوِيّ طَوِيّ بَدْرٍ ... مِنْ الْغَايَاتِ وَالدّسُع
الْعِظَامِ
وَأَصْحَابِ الْكَرِيمِ أَبِي عَلِيّ ... أَخِي الْكَاسِ الْكَرِيمَةِ
وَالنّدَامِ
وَإِنّك لَوْ رَأَيْت أَبَا عَقِيلٍ ... وَأَصْحَابَ الثّنِيّةِ مِنْ
نَعَامِ
إذًا لَظَلِلْت مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهِمْ ... كَأُمّ السّقْبِ جَائِلَةِ
الْمَرَامِ
يُخَبّرُنَا الرّسُولُ لَسَوْفَ نَحْيَا ... وَكَيْفَ لِقَاءُ أَصْدَاءٍ
وَهَامِ؟
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ:
يُخَبّرُنَا الرّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ... وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ
وَهَام
قَالَ: وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ ثم ارتدّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/335)
شِعْرُ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ فِي
رِثَاءِ قتلى بدر وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي
الصّلْتِ، يَرْثِي مَنْ أُصِيبَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بدر:
أَلّا بَكَيْتِ عَلَى الْكِرَا ... مِ بَنِي الْكِرَامِ أُولِي
الْمَمَادِحْ
كَبُكَا الْحَمَامِ عَلَى فُرُو ... عِ الأيك فى الغصن الجوانح
يبكين حرّى مستكينات يَرُحْنَ مَعَ الرّوَائِحْ ... أَمْثَالُهُنّ
الْبَاكِيَا
تُ الْمُعْوِلَات مِنْ النّوَائِحْ ... مَنْ يَبْكِهِمْ يَبْكِ عَلَى
حُزْنٍ ويصدق كلّ مادح ... ماذا ببدر فالعقنقل من مرازبة جحاجح
فمدافع البرقين فالح ... نّان من طرف الْأَوَاشِحْ
شُمْطٍ وَشُبّانٍ بِهَا ... لَيْلٍ مَغَاوِيرَ وَحَاوِحْ
أَلَا تَرَوْنَ لِمَا أَرَى ... وَلَقَدْ أَبَانَ لِكُلّ لَامِحْ
أَنْ قَدْ تَغَيّرَ بَطْنُ مَكّةَ فَهِيَ مُوحِشَةُ الْأَبَاطِحْ ... مِنْ
كُلّ بِطْرِيقٍ لِبِطْرِيقٍ نَقِيّ الْقَوْنِ وَاضِحْ
دُعْمُوص أَبْوَابِ الْمُلُوّ ... كِ وَجَائِبٌ لِلْخَرْقِ فَاتِحْ
مِنْ السّرَاطِمَةِ الْخَلَا ... جِمَةِ الْمَلَاوِثَةِ المناجح
الفائلين الْفَاعِلِينَ الْآمِرِينَ بِكُلّ صَالِحْ ... الْمُطْعِمِينَ
الشّحْمَ فَوْ
قَ الْخُبْزِ شَحْمًا كَالْأَنَافِحْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/336)
نُقُلُ الْجِفَانِ مَعَ الْجِفَا ... نِ
إلَى جِفَانٍ كَالْمَنَاضِحْ
لَيْسَتْ بِأَصْفَارٍ لِمَنْ ... يَعْفُو وَلَا رَحّ رَحَارِحْ
لِلضّيْفِ ثُمّ الضّيْفِ بَعْدَ ... [الضّيْفِ] وَالْبُسُطِ السّلَاطِحْ
وُهُبُ الْمِئيِنَ مِنْ الْمِئيِنَ ... إلَى الْمِئيِنَ مِنْ اللّوَاقِحْ
سَوْقُ الْمُؤَبّلِ لِلْمُؤَبّلِ صَادِرَاتٌ عَنْ بَلَادِحْ ...
لِكِرَامِهِمْ فَوْقَ الْكِرَا
مِ مَزِيّةٌ وَزْنَ الرّوَاجِحْ ... كَتَثَاقُلِ الْأَرْطَالِ
بِالْقِسْطَاسِ فِي الْأَيْدِي الْمَوَائِحْ
خذلتهم فئمة وَهُمْ ... يَحْمُونَ عَوْرَاتِ الْفَضَائِحْ
الضّارِبِينَ التّقُدُمِيّةَ بِالْمُهَنّدَةِ الصّفَائِحْ ... وَلَقَدْ
عَنَانِي صَوْتُهُمْ
مِنْ بَيْنِ مُسْتَسْقٍ وصائح ... لله درّ بنى علىّ
أَيّمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحْ ... إنْ لَمْ يُغِيرُوا غَارَةً
شَعْوَاءَ تُجْحِرُ كُلّ نَابِحْ ... بِالْمُقْرَبَاتِ، الْمُبْعَدَا
تِ، الطّامِحَاتِ مَعَ الطّوَامِحْ ... مُرْدًا عَلَى جُرْدٍ إلَى
أَسَدٍ مُكَالِبَةٍ كَوَالِحْ ... وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ
مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ ... بِزُهَاءِ أَلْفٍ ثُمّ
أَلْفٍ بَيْنَ ذِي بَدَنٍ وَرَامِحْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ نَالَ فِيهِمَا مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَأَنْشَدَنِي
غَيْرُ واحد من أهل العلم بالشعر بيته:
(م 22- الروض الأنف ج هـ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/337)
وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ
الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ
وَأَنْشَدَنِي أيضا:
وهب المئين من المئيين إلَى الْمِئيِنَ مِنْ اللّوَاقِحْ ... سَوْقُ
الْمُؤَبّلِ لِلْمُؤَبّلِ صَادِرَاتٌ عَنْ بَلَادِحْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ، يَبْكِي
زَمْعَةَ بْنَ الأسود، وقتلى بنى أسد:
عين بكّى بالمسبلات أبا الحارث لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ ... وَابْكِي
عَقِيلَ بْنَ أسود أسد البأس ليوم الهياج وَالدّفَعَهْ
تِلْكَ بَنُو أَسَدٍ إخْوَةِ الْجَوْ زَاءِ لَا خَانَةٌ وَلَا خَدَعَهْ ...
هُمْ الْأُسْرَةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْبٍ وَهُمْ ذِرْوَةُ السّنَامِ
وَالْقَمَعَهْ
أَنْبَتُوا من معاشر شعر الرأس وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ الْمَنَعَهْ ...
أَمْسَى بَنُو عَمّهِمْ إذَا حضر البأس أكبادهم عليهم وَجِعَهْ
وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْرُ وَحَالَتْ فَلَا تَرَى
قَزَعَهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذِهِ الرّوَايَةُ لِهَذَا الشّعْرِ مُخْتَلِطَةٌ،
لَيْسَتْ بِصَحِيحَةِ الْبِنَاءِ، لَكِنْ أَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ
خَلَفُ الْأَحْمَرُ وَغَيْرُهُ، رَوَى بَعْضٌ مَا لَمْ يَرْوِ بَعْضٌ:
عَيْنُ بَكّي بِالْمُسْبَلَاتِ أَبَا الْحَا ... رِثِ لَا تَذْخَرِي عَلَى
زَمْعَهْ
وَعَقِيلَ بْنَ أَسْوَدَ أَسَدَ الْبَأْ ... سِ لِيَوْمِ الْهِيَاجِ
وَالدّفَعَهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/338)
فَعَلَى مِثْلِ هُلْكِهِمْ خوت الجو ...
زاء، لَا خانة وَلَا خَدَعَهْ
وَهُمْ الْأَسِرّةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْ ... بٍ وَفِيهِمْ كَذِرْوَةِ
الْقَمَعَهْ
أَنْبَتُوا مِنْ مَعَاشِرَ شَعَرَ الرّأْ ... سِ وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ
الْمَنَعَهْ
فَبَنُو عَمّهُمْ إذَا حَضَرَ الْبَأْ ... سُ عَلَيْهِمْ أَكْبَادُهُمْ
وَجِعَهْ
وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْ ... رُ وَحَالَتْ فَلَا تَرَى
قَزَعَهْ
شعر أبي أسامة
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو أَسَامّةَ أَيْضًا:
أَلَا مِنْ مُبَلّغٌ عَنّي رَسُولًا ... مُغَلْغَلَةً يُثَبّتُهَا لَطِيفُ
أَلَمْ تَعْلَمْ مَرَدّي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَدْ بَرَقَتْ بِجَنْبَيْك
الْكُفُوفُ
وَقَدْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صرعى ... كأنّ رؤسهم حَدَجٌ نَقِيفُ
وَقَدْ مَالَتْ عَلَيْك بِبَطْنِ بَدْرٍ ... خِلَافَ الْقَوْمِ دَاهِيَةٌ
خَصِيفُ
فَنَجّاهُ مِنْ الْغَمَرَاتِ عَزْمِي ... وَعَوْنُ اللهِ وَالْأَمْرُ
الْحَصِيفُ
وَمُنْقَلَبِي مِنْ الأبواء وجدى ... وَدُونَك جَمْعُ أَعْدَاءٍ وُقُوفُ
وَأَنْتَ لِمَنْ أَرَادَك مستكين ... بجنب كراش مكاوم نَزِيفُ
وَكُنْتُ إذَا دَعَانِي يَوْمَ كَرْبٍ ... مِنْ الْأَصْحَابِ دَاعٍ
مُسْتَضِيفُ
فَأَسْمَعَنِي وَلَوْ أَحْبَبْتُ نَفْسِي ... أَخٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ
حَلِيفُ
أَرُدّ فَأَكْشِفُ الْغُمّى وَأَرْمِي ... إذَا كَلَحَ الْمَشَافِرُ
وَالْأُنُوفُ
وَقِرْنٍ قَدْ تَرَكَتْ عَلَى يَدَيْهِ ... يَنُوءُ كَأَنّهُ غصن قصيف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/339)
فَابْلُغْ مَالِكًا لَمّا غُشِينَا ...
وَعِنْدَك مَالٌ إنْ نَبّأْت خُبْرِي
وَأَبْلِغْ إنْ بَلَغْت الْمَرْءَ عَنّا ... هُبَيْرَة، وَهُوَ ذُو عِلْمٍ
وَقَدْرِ
بِأَنّي إذْ دُعِيت إلَى أُفَيْدِ ... كَرَرْت وَلَمْ يَضِقْ بِالْكَرّ
صَدْرِي
عَشِيّة لَا يُكَرّ عَلَى مُضَافٍ ... وَلَا ذِي نَعْمَةٍ مِنْهُمْ
وَصِهْرٍ
فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ ... وَدُونك مَالِكًا يَا أُمّ عَمْرٍو
فَلَوْلَا مَشْهَدِي قَامَتْ عَلَيْهِ ... مُوَقّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمّ
أَجْرِي
دَفُوعٌ لِلْقُبُورِ بِمَنْكِبَيْهَا ... كَانَ بِوَجْهِهَا تَحْمِيمَ
قَدْرِ
فَأُقْسِمُ بِاَلّذِي قَدْ كَانَ رَبّي ... وَأَنْصَابٍ لَدَى الْجَمَرَاتِ
مُغْرِ
لَسَوْفَ تَرَوْنَ مَا حَسْبِي إذَا مَا ... تَبَدّلَتْ الْجُلُودُ جُلُود
نِمْرِ
فَمَا إنْ خَادِرٌ مِنْ أُسْدِ تَرْجٍ ... مُدِلّ عَنْبَسٌ فِي الْغِيلِ
مُجْرِي
فَقَدْ أَحْمَى الْأَبَاءَةَ مِنْ كُلَافٍ ... فَمَا يَدْنُو لَهُ أَحَدٌ
بِنَقْرِ
بِخَلّ تَعْجِزُ الْحَلْفَاءُ عَنْهُ ... يُوَاثِبُ كُلّ هَجْهَجَةٍ
وَزَجْرِ
بِأَوْشَكَ سُورَةً مِنّي إذَا مَا ... حَبَوْت لَهُ بِقَرْقَرَةِ وَهَدْرِ
بِبَيْضِ كَالْأَسِنّةِ مُرْهَقَاتٍ ... كَأَنّ ظُبَاتِهِنّ جَحِيمُ جَمْرِ
وَأَكْلَفَ مُجْنَإِ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ ... وَصَفْرَاءَ الْبُرَايَةِ
ذَاتِ أَزْرِ
وَأَبْيَض كَالْغَدِيرِ ثَوَى عَلَيْهِ ... عُمَيْرٌ بِالْمَدَاوِسِ نِصْفَ
شَهْرِ
أُرَفّلُ فِي حَمَائِلِهِ وَأَمْشِي ... كَمِشْيَةِ خَادِرٍ لَيْثٍ
سِبَطْرِ
يَقُولُ لِي الْفَتَى سَعْدٌ هَدِيّا ... فَقُلْت: لَعَلّهُ تَقْرِيبُ
غَدْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/340)
وَقُلْت أَبَا عَدِيّ لَا تَطُرْ ...
وَذَلِكَ إنْ أَطَعْت الْيَوْمَ أَمْرِي
كَدَأْبِهِمْ بِفَرْوَةَ إذْ أَتَا ... فَظَلّ يُقَادُ مَكْتُوفًا بِضَفْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ:
نَصُدّ عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ... كَأَنّ سِرَاعَهُمْ تَيّارُ
بَحْرِ
وَقَوْلُهُ:
مُدَلّ عَنْبَس فِي الْغِيلِ مُجْرِي
عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ أَيْضًا:
أَلَا مِنْ مُبَلّغٍ عَنّي رَسُولًا ... مُغَلْغَلَةً يُثَبّتُهَا نَطِيفُ
أَلَمْ تَعْلَمْ مَرَدّي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَدْ بَرَقَتْ بِجَنْبَيْك
الْكُفُوفُ
وَقَدْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنّ رُءُوسَهُمْ حَدَجٌ
نَقِيفُ
وَقَدْ مَالَتْ عَلَيْك بِبَطْنِ بَدْرٍ ... خِلَافَ الْقَوْمِ دَاهِيَةٌ
خَصِيفُ
فَنَجّاهُ مِنْ الْغَمَرَاتِ عَزْمِي ... وَعَوْنُ اللهِ وَالْأَمْرُ
الْحَصِيفُ
وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ وَجْدِي ... وَدُونَك جَمْعُ أَعْدَاءٍ
وُقُوفُ
وَأَنْتَ لِمَنْ أَرَادَك مُسْتَكِينٌ ... بِجَنْبِ كُرَاشَ مَكْلُومٌ
نَزِيفُ
وَكُنْت إذَا دَعَانِي يَوْمَ كَرْبٍ ... مِنْ الْأَصْحَابِ دَاعٍ
مُسْتَضِيفُ
فَأَسْمِعْنِي وَلَوْ أَحْبَبْت نَفْسِي ... أَخٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ
حَلِيفُ
أَرُدّ فَأَكْشِفُ الْغُمّى وَأَرْمِي ... إذَا كَلَحَ الْمَشَافِرُ
وَالْأُنُوفُ
وَقِرْنٌ قَدْ تُرِكَتْ عَلَى يَدَيْهِ ... يَنُوءُ كَأَنّهُ غُصْنٌ
قَصِيفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/341)
دلفت له إذا اخْتَلَطُوا بِحَرّى ...
مُسْحْسَحَةٍ لِعَانِدِهَا حَفِيفُ
فَذَلِك كَانَ صَنْعِي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَبْلُ أَخُو مُدَارَاةَ
عَزُوفُ
أَخُوكُمْ فِي السّنِينَ كَمَا عَلِمْتُمْ ... وَحَرْبٍ لَا يَزَالُ لَهَا
صَرِيفُ
وَمِقْدَامٌ لَكُمْ لَا يَزْدَهِينِي ... جنان اللّيل والأنس اللّفيف
أخوض الصّرّة الحمّاء خَوْضًا ... إذَا مَا الْكَلْبُ أَلْجَأَهُ الشّفِيفُ
قَالَ ابن هشام: تركت قَصِيدَةً لِأَبِي أُسَامَةَ عَلَى اللّامّ، لَيْسَ
فِيهَا ذِكْرُ بَدْرٍ إلّا فِي أَوّلِ بَيْتٍ مِنْهَا وَالثّانِي،
كَرَاهِيَةَ الْإِكْثَارِ.
شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَة
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة بن ربيعة تبكى
أباها يوم بدر:
أَعَيْنَيّ جُودَا بِدَمْعٍ سَرِبْ ... عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ
يَنْقَلِبْ
تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً ... بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبْ
يُذِيقُونَهُ حَدّ أَسْيَافِهِمْ ... يَعُلّونه بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ
يَجُرّونَهُ وَعَفِيرُ التّرَابِ ... عَلَى وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ
وَكَانَ لَنَا جبلا راسيا ... جميل المراة كثير العشب
وأمّا بُرَيّ فَلَمْ أَعْنِهِ ... فَأُوتِيَ مِنْ خَيْرِ مَا يحتسب
وقالت هند أيضا:
يريب علينا دهرنا فيسوؤنا ... وَيَأْبَى فَمَا نَأْتِي بِشَيْءِ
يُغَالِبُهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/342)
أَبَعْدَ قَتِيلٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ
... يُرَاعَ امرو إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَ صَاحِبُهْ
أَلَا رُبّ يَوْمٍ قَدْ رُزِئْتُ مُرَزّأً ... تَرُوحُ وَتَغْدُو
بِالْجَزِيلِ مُوَاهِبُهُ
فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي مَأْلُكًا ... فَإِنْ أَلْقَهُ يَوْمًا
فَسَوْفَ أُعَاتِبُهْ
فَقَدْ كَانَ حَرْبٌ يسعر الحرب إنّه ... لكلّ امرىء فِي النّاسِ مَوْلًى
يُطَالِبُهُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِهِنْدٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا:
لِلّهِ عَيْنًا من رأى ملكا كَهُلْكِ رِجَاليهْ ... يَا رُبّ بَاكٍ لِي
غَدًا
فى النّائبات وباكيه ... كم غادروا يوم القليب غَدَاةَ تِلْكَ الْوَاعِيَهْ
مِنْ كُلّ غَيْثٍ فِي السّنين إذَا الْكَوَاكِبُ خَاوِيَهْ ... قَدْ كُنْتُ
أُحْذَرُ مَا أَرَى
فَالْيَوْمُ حَقّ حَذَارِيَهْ ... قَدْ كُنْت أَحْذَرُ مَا أَرَى
فَأَنَا الْغَدَاةُ مُوَامِيَهْ ... يَا رُبّ قَائِلَةٍ غَدًا
يَا وَيْحَ أُمّ مُعَاوِيَهْ
قَالَ ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لِهِنْدٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا:
يَا عَيْنُ بَكّي عُتْبَهْ ... شَيْخًا شَدِيدَ الرّقَبَهْ
يُطْعِمُ يَوْمَ الْمَسْغَبَهْ ... يَدْفَعُ يَوْمَ الْمَغْلَبَهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/343)
إنّي عَلَيْهِ حَرِبَهْ ... مَلْهُوفَةٌ
مُسْتَلَبَهْ
لَنَهْبِطَنّ يَثْرِبَهْ ... بِغَارَةٍ مُنْثَعِبَهْ
فِيهَا الْخُيُولُ مُقْرَبَهْ ... كُلّ جَوَادٍ سَلْهَبَهْ
شِعْرُ صَفِيّةَ
وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ مُسَافِرِ بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شَمْسِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.
تَبْكِي أَهْلَ الْقَلِيبِ الّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ
قُرَيْشٍ: (وَتَذْكُرُ مُصَابَهُمْ) :
يَا مَنْ لِعَيْنٍ قَذَاهَا عَائِرُ الرّمَدِ ... حَدّ النّهَارِ وَقَرْنُ
الشّمْسِ لَمْ يَقِدْ
أُخْبِرْتُ أَنّ سَرَاةَ الْأَكْرَمِينَ مَعًا ... قَدْ أَحْرَزَتْهُمْ
مَنَايَاهُمْ إلَى أَمَدِ
وَفَرّ بِالْقَوْمِ أَصْحَابُ الرّكَابِ وَلَمْ ... تَعْطِفْ غَدَاتَئِذٍ
أُمّ عَلَى وَلَدِ
قَوْمِي صَفِيّ وَلَا تَنْسَى قَرَابَتَهُمْ ... وَإِنْ بَكَيْتِ فَمَا
تَبْكِينَ من بعد
كانوا اسقوب سَمَاءِ الْبَيْتِ فَانْقَصَفَتْ ... فَأَصْبَحَ السّمْكُ
مِنْهَا غَيْرَ ذِي عَمَدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهَا: «كَانُوا سُقُوبَ» بَعْضُ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ.
قَالَ ابن إسحاق: قالت صفيّة بنت مسافر أيضا:
ألا يا من لعين للتّبكّى دَمْعُهَا فَانِ ... كَغَرْبَيْ دَالِجٍ يَسْقَى
خِلَالَ الْغَيّثِ الدّانِ ... وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ ذُو
أَظَافِيرَ وَأَسْنَانِ ... أبو شبسين وَثّابٌ
شَدِيدُ الْبَطْشِ غَرْثَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/344)
كحبّى إذ توّلى و ... وجوه القوم أَلْوَانِ
وَبِالْكَفّ حُسَامٌ صَا ... رِمٍ أَبْيَضُ ذُكْرَانِ
وَأَنْتَ الطّاعِنُ النّجْلَا ... ءِ مِنْهَا مُزْبِدٌ آنِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيَرَوْنَ قَوْلَهَا: «وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ» إلَى
آخِرِهَا مَفْصُولًا مِنْ الْبَيْتَيْنِ اللّذَيْنِ قَبْلَهُ.
شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ
بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بن المطّلب ترثى عبيد بن الحارث بن المطّلب:
لَقَدْ ضُمّنَ الصّفْرَاءُ مَجْدًا وَسُؤْدُدًا ... وَحِلْمًا أَصِيلًا
وَافِرَ اللّبّ وَالْعَقْلِ
عُبَيْدَةَ فَابْكِيهِ لِأَضْيَافِ غُرْبَةٍ ... وَأَرْمَلَة تَهْوِي
لِأَشْعَثَ كَالْجِذْلِ
وَبَكّيهِ لِلْأَقْوَامِ فِي كُلّ شَتْوَةٍ ... إذَا احْمَرّ آفَاقُ
السّمَاءِ مِنْ الْمَحْلِ
وَبَكّيهِ لِلْأَيْتَامِ وَالرّيحُ زَفْزَةٌ ... وَتَشْبِيبُ قِدْرٍ طالما
أزبدت تغلى
فان تصبح النّيران قدمات ضوؤها ... فَقَدْ كَانَ يُذْكِيهِنّ بِالْحَطَبِ
الْجَزْلِ
لِطَارِقِ لَيْلٍ أَوْ لِمُلْتَمِسِ الْقِرَى ... وَمُسْتَنْبَحٍ أَضْحَى
لَدَيْهِ عَلَى رَسْلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِهِنْدٍ.
شِعْرُ قُتَيْلَة بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ
قُتَيْلَة بِنْتُ الْحَارِثِ أخت النّضر بن الحارث، تبكيه:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/345)
يَا رَاكِبًا إنّ الْأَثِيلَ مَظِنّةٌ ...
مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفّقُ
أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنّ تَحِيّةً ... مَا إنْ تَزَالُ بِهَا
النّجَائِبُ تَخْفِقُ
مِنّي إلَيْك وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ... جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى
نخنق
هَلْ يَسْمَعَنّي النّضْرُ إنْ نَادَيْتُهُ ... أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ
مَيّتٌ لَا يَنْطِقُ
أَمُحَمّدُ يَا خَيْرَ ضَنْءِ كَرِيمَةٍ ... فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ
فَحْلٌ مُعْرّقُ
مَا كَانَ ضُرّك لَوْ مَنَنْتَ وَرُبّمَا ... مَنّ الْفَتَى وَهُوَ
الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ
أَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلْيُنْفِقَنْ ... بِأَعَزّ مَا يَغْلُو
بِهِ مَا يُنْفِقُ
فَالنّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرّتْ قَرَابَةً ... وَأَحَقّهُمْ إنْ كَانَ
عِتْقٌ يُعْتَقُ
ظَلّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ... لِلّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ
تُشَقّقُ
صَبْرًا يُقَادُ إلَى الْمَنِيّةِ مُتْعَبًا ... رَسْفَ الْمُقَيّدِ وَهُوَ
عَانٍ مُوَثّقُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَيُقَالُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ: أَنّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا بَلَغَهُ هَذَا الشّعْرُ، قَالَ:
لَوْ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْتُ عَلَيْه.
تَارِيخُ الْفَرَاغِ مِنْ بَدْرٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فراغ رسول
الله صلى الله عليه وسلم مِنْ بَدْرٍ فِي عَقِبِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فى
شوّال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(5/346)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِيمَنْ قتل من
المشركين يَوْمَ بَدْرٍ الْعَاصِيَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي، وَقَدْ
ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْحَدِيثَ الّذِي
أَسْنَدَهُ أَبُو عُبَيْدٍ إلَى سَعْدِ بن أبي وقاص، قال: قتلت يوم بدر
العاصى بْنَ سَعِيدٍ وَأَخَذْت سَيْفَهُ ذَا الْكَتِيفَةِ، وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَهْلُ السّيَرِ يَقُولُونَ: قَتَلَهُ
عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَبَعْضُ أَهْلِ
التّفْسِيرِ يَقُولُونَ: قَتَلَهُ أَبُو الْيُسْرِ كعب بن عمرو. وقال أبو
عبد اللهِ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَاضِي فِي أَنْسَابِ قُرَيْشٍ
لَهُ: وَالْعَاصِي قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ بَدْرٍ
كَافِرًا «1» حَدّثَ إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنَ
سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: بَيْنَمَا
عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ [وَعُمَرُ يَوْمَئِذٍ
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ] إذْ مَرّ بِهِ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِي، فَسَلّمَ
عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنّي وَاَللهِ يَا ابْنَ أَخِي مَا قَتَلْت
أَبَاك يَوْمَ بَدْرٍ، وَلَكِنّي قَتَلْت خَالِي العاصى بن هشام، ومابى
أَنْ أَكُونَ أَعْتَذِرُ «2» مِنْ قَتْلِ مُشْرِكٍ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ:
سعيد بن العاصي:
[وَهُوَ يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السّنّ] لَوْ قَتَلْته كُنْت عَلَى الْحَقّ «3»
، وَكَانَ عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ: فَعَجِبَ عُمَرُ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوَى
كَفّيْهِ، وَقَالَ: قُرَيْشٌ أَفْضَلُ النّاسِ إسلاما،
__________
(1) فى ص 174 كتاب نسب قريش.
(2) فى نسب قريش: ومابى أن أعتذر إليك.
(3) فى نسب قريش: لعلمت أنك على حق، وهو على باطل.
(5/347)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأعظم الناس أمانة «1» ، ومن يرد بقريش سؤا يَكُبّهُ اللهُ لِفِيهِ،
وَقَالَ: قَالَ عَمّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: زَعَمُوا أَنّ عُمَرَ
قَالَ: رَأَيْته يَبْحَثُ التّرَابَ كَأَنّهُ ثَوْرٌ، فَصَدَدْت عَنْهُ،
وَحَمَلَ لَهُ عَلِيّ فَقَتَلَهُ «2» .
السّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ:
وَذَكَرَ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ: السّائِبَ بن أبي السائب،
واسم أبي السائب صيفي بْنُ عَابِدٍ، وَأَنْكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنْ يَكُونَ
السّائِبُ قُتِلَ كَافِرًا قَالَ: وَقَدْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ،
وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ عَنْ ابْنِ الزّبَيْرِ أَنّ السّائِبَ قُتِلَ
كَافِرًا يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ اتّبَعَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ
ابْنِ إسْحَاقَ، قَالَ:
وَقَدْ نَقَضَ الزّبَيْرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ بَعْدَ
ذَلِكَ، فَقَالَ: حَدّثَنِي يَحْيَى ابن مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
ثَوْبَانَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عِكْرِمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ كَعْبٍ عن أبيه
كعب مولى سعيد بن العاصى، قال: مَرّ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ يَطُوفُ
بِالْبَيْتِ، وَمَعَهُ جُنْدُهُ، فَزَحَمُوا السّائِبَ بْنَ صَيْفِيّ بْنِ
عَابِدٍ، فَسَقَطَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ
خَلِيفَةٌ فقال: ارفعو الشّيْخَ، فَلَمّا قَامَ قَالَ: مَا هَذَا يَا
مُعَاوِيَةُ؟
تَصْرَعُونَنَا «3» حَوْلَ الْبَيْتِ؟! أَمَا وَاَللهِ لَقَدْ أردت أن
أتزوج أمّك، فقال
__________
(1) فى نسب قريش أنه جعل يقول: أحلام قريش أحلام قريش، ولم يزد. انظر ص 176
كتاب نسب قريش والزيادة منه.
(2) فى النسب: فصمد له على فقتله ص 176.
(3) فى الإصابة: أجئتنا بأوباش الشام يصرعوننا. وقد ذكر الحافظ فى ترجمته
أن أبا داود والنسائى رويا من طريق قائده أنه كان شريك النبى «ص وفى السيرة
وفى نسب قريش، وفى الإصابة: صيفى بن عائذ بدلا من عابد كما فى-
(5/348)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُعَاوِيَةُ: لَيْتَك فَعَلْت، فَجَاءَتْ بِمِثْلِ أَبِي السّائِبِ،
يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنَ السّائِبِ، وَهَذَا وَاضِحٌ فِي إدْرَاكِهِ
الْإِسْلَامَ، وَفِي طُولِ عُمُرِهِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:
حَدّثَنِي أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ اللّيْثِيّ، قَالَ:
حَدّثَنِي أَبُو السّائِبِ يَعْنِي: الْمُنَاجِزَ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ
بْنُ السّائِبِ، قَالَ: كَانَ جَدّي أَبُو السّائِبِ شَرِيكَ النّبِيّ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نِعْمَ الشّرِيكُ كَانَ أَبُو السّائِبِ، لَا يُشَارِي
وَلَا يُمَارِي [وَلَا يُدَارِي] ، وَهَذَا كُلّهُ مِنْ الزّبَيْرِ
مُنَاقَضَةٌ فِيمَا ذُكِرَ أَنّ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ قُتِلَ
يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السّائِبُ بْنُ أَبِي
السّائِبِ الّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه
وسلم- نعم الشّرِيكُ أَبُو السّائِبِ لَا يُشَارِي «1» وَلَا يُمَارِي،
كَانَ قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ فِيمَا بَلَغَنَا. قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ: وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائب بن
عابد «2» بن
__________
- الروض ولكن يقول الخشنى: «قال الزبير بن بكار فيما حكى الدار قطنى عنه:
كل من كان من ولد عمر بن مخزوم فهو عابد، وكل من كان من ولد عمران بن مخزوم
فهو عائذ» وقد ذكر مصعب الزبيرى فى كتاب نسب قريش أن السائب بن أبى السائب
قتل كافرا ببدر. ويقول الحافظ فى الإصابة تأويلا لتناقض الزبير «يحتمل أن
يكون السائب بن صيفى عنده غير السائب بن أبى السائب» .
(1) لا يشارى: المشاراة: الملاجة، وقد شرى واستشرى: إذا لج فى الأمر، وقيل
لا يشارى من الشر، أى: لا يشارره فقلبت إحدى الرامين ياء والأول أوجه «ابن
الأثير» ويمارى: يجادل.
(2) سبق القول عن عابد وعائذ فى نسب صيفى. وفى نسب قريش للصعب الزبيرى أن
من عبد الله بن عمر بن مخزوم: عائذا ولم يذكر فيهم من اسمه عابد، ولكن
محققه يقول إنه فى الأصل المنقول عنه: عابد ص 299، 333.
(5/349)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ [بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ] مِمّنْ هَاجَرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجِعْرَانَةِ «1» مِنْ غَنَائِمِ
حُنَيْنٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا أَوْلَى مَا عُوّلَ عَلَيْهِ فِي
هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنّ الْحَدِيثَ فِيمَنْ كَانَ شَرِيكَ
رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ هَؤُلَاءِ
مُضْطَرِبٌ جِدّا، مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الشّرِكَةَ: لِلسّائِبِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا لِأَبِي السّائِبِ أَبِيهِ، كَمَا ذَكَرْنَا
عَنْ الزّبَيْرِ هَهُنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا لِقَيْسِ بن السّائب
[ابن عويمر] ، ومنهم من يجعلها لعبد بن أبى السّائب «2» ، وهذ اضْطِرَابٌ
لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجّةٌ وَالسّائِبُ بْنُ
أَبِي السّائِبِ مِنْ الْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَمِمّنْ حَسُنَ
إسْلَامُهُ. هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عُمَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ
حَدّثَنِي بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ طَاهِرٍ الْإِشْبِيلِيّ عَنْ أَبِي
عَلِيّ الْغَسّانِيّ عَنْهُ، كَذَلِكَ اخْتَلَفَتْ الرّوَايَةُ فى هذ
الْكَلَامِ: كَانَ خَيْرَ شَرِيكٍ لَا يُشَارِي وَلَا يُمَارِي، فَمِنْهُمْ
مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْ قَوْلِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي أَبِي السّائِبِ، ومنهم من
__________
(1) يقول صاحب المراصد: لا خلاف فى كسر أوله، وأصحاب الحديث يكسرون عينه،
ويشدون راءه، وأهل الأدب يخطئونهم، ويسكنون العين، ويخففون الراء، والصحيح
أنهما لغتان جيدتان. وينسب البكرى فى معجمه التضعيف العراقيين، والتخفيف
للحجازيين. وبه قال الأصمعى وأبو سليمان الخطابى، وهى ماء بين الطائف ومكة،
وهى إلى مكة أدنى، وبها قسمت غنائم حنين.
(2) لم يذكر المصعب الزبيرى من أولاد السائب من اسمه قيس، ولا من أولاد أبى
السائب من اسمه: عبد. ولكن ذكر عبيد الله أبا نهيك، وعبد الله أبا عطاء وهو
يقصد: قَيْسُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَائِذِ بن عمران،
وسيأتى التصريح بهذا فى الروض ص 333، 343
(5/350)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَجْعَلُهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي السّائِبِ فِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ:
وَذَكَرَ فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ: أَوْسَ بْنَ خَوْلِيّ
«1» أَحَدَ بَنِي الْحُبْلَى، يُقَالُ: كَانَ مِنْ الْكَمَلَةِ، وَكَانَ
النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ
شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ، وَالْخَوْلِيّ فِي اللّغَةِ هُوَ الّذِي يَقُومُ
عَلَى الْخَيْلِ، وَيَخْدُمُهَا «2» وَفِي الْخَبَرِ أَنّ جَمِيلًا
الْكَلْبِيّ، كَانَ خَوْلِيّا لِمُعَاوِيَةَ، وَفِي هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى
أَنّ الْيَاءَ فِي الْخَيْلِ أَصْلُهَا الْوَاوُ.
أَخُو طَلْحَةَ:
وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِمّنْ لَمْ
يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ مَالِكَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ
وَهُوَ أَخُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ.
ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُذْعَانَ:
وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُذْعَانَ التّيْمِيّ، وَعَبْدُ
اللهِ بْنُ جُذْعَانَ «3» هُوَ الْجَوَادُ الْمَشْهُورُ صَاحِبُ
الْجَفْنَةِ الْعَظِيمَةِ الّتِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْهَا الرّاكِبُ عَلَى
الْبَعِيرِ، وَكَانَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستظل
بظلّها، ووقع فيها إنسان
__________
(1) هكذا ضبطها ابن الأثير فى اللباب، وفى القاموس: أوس بن خولى محركة، وقد
تسكن.
(2) فى القاموس: الخولى- بسكون الواو- الراعى الحسن القيام على المال، وفى
النهاية لابن الأثير: الخولى- بفتح الواو- عند أهل الشام: القيم بأمر الإبل
وإصلاحها من التخول والتعهد وحسن الرعاية.
(3) هو يذكره بالذال: والصواب بالدال.
(5/351)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَغَرِقَ وَمَاتَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوّلِ هَذَا الْكِتَابِ
حَدِيثَهُ، وَالسّبَبَ فِي غِنَاهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ صُعْلُوكًا،
وَسُؤَالَ عَائِشَةَ عَنْهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
هَلْ يَنْتَفِعُ بِجُودِهِ أَمْ لَا «1» .
حُذَيْفَةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ:
وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِيهِمْ أَيْضًا حُذَيْفَةَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ
بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَاسْمُ أَبِي حُذَيْفَةَ هَذَا مُهَشّمٌ، وَهُوَ أَخُو
هِشَامٍ وَهَاشِمٍ [وَبِهِ كَانَ يُكَنّى] ابْنَيْ الْمُغِيرَةِ،
وَهِشَامٌ: وَالِدُ أَبِي جَهْلٍ، وَهَاشِمٌ جَدّ عُمَرَ لِأُمّهِ،
وَمُهَشّمٌ هُوَ:
أَبُو حُذَيْفَةَ، وَأَمّا أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ فَاسْمُهُ
قَيْسٌ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ وَلَا ابْنُ هِشَامٍ،
وَإِنّمَا قَالُوا فِيهِ مُهَشّمٌ، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ غَلَطٌ،
إنّمَا مُهَشّمٌ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ.
تَسْمِيَةُ مَنْ أُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يُسَمّ
ابْنُ إسْحَاقَ، وَلَا ابْنُ هِشَامٍ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، وَالْحَاجَةُ
مَاسّةٌ بقارىء السّيرَةِ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، فَأَوّلُهُمْ
وَأَفْضَلُهُمْ الْعَبّاسُ عَمّ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَلَا خَفَاءَ بِإِسْلَامِهِ وَفَضْلِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا
سَبَبَ إسْلَامِهِ فِي فَصْلٍ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ، وَأَنّ أَبَا
الْيُسْرِ كَعْبَ بْنِ عَمْرٍو هُوَ الّذِي أسره،
__________
(1) تمام القول: قال: لا. إنه لم يقل يوما: رب اغفرلى خطيئتى. والصعلوك:
الفقير.
(5/352)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكَانَ قَصِيرًا ذَمِيمًا، وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ أَنّهُ قِيلَ
لِلْعَبّاسِ: كَيْفَ أَسَرَك أَبُو الْيُسْرِ، وَلَوْ أَخَذْته بِكَفّك
لَوَسِعَتْهُ كَفّك، فَقَالَ: مَا هُوَ إلّا أَنْ لَقِيته، فَظَهَرَ فِي
عَيْنِي كَالْخَنْدَمَةِ، وَالْخَنْدَمَةُ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ مَكّةَ.
عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:
وَعَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِمّنْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ،
أَسْلَمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ «1» ، وَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا يَزِيدَ إنّي أُحِبّك حُبّيْنِ حُبّا
لِقَرَابَتِك مِنّي، وَحُبّا لِمَا أَعْلَمُ مِنْ حُبّ عَمّي إيّاكَ «2» ،
سَكَنَ عَقِيلٌ الْبَصْرَةَ، وَمَاتَ بِالشّامِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ.
رَوَى عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فِي
الْوُضُوءِ بِالْمُدّ وَالطّهُورِ بِالصّاعِ «3» ، وَحَدِيثًا آخَرَ
أَيْضًا: لَا تَقُولُوا بِالرّفَاءِ وَالْبَنِينَ «4» ، وَقُولُوا بَارَكَ
اللهُ لَك، وَبَارَكَ عَلَيْك. وكان أسنّ من جعفر بعشر سنين،
__________
(1) ذكر فى الإصابة مع هذا: تأخر إسلامه إلى عام الفتح.
(2) رواه الطبرانى مرسلا. وأقول: ما كان لرسول الله أن يحب أحدا إلا لله،
فهكذا أمر، وهكذا عاش صلّى الله عليه وسلم يقيم أمر الله سبحانه.
(3) رواه ابن ماجة عن محمد بن المؤمل، وعباد بن الوليد. والصاع: مكيال يسع
أربعة أمداد، والمد مختلف فيه، فقيل: هو رطل وثلث بالعراقى، وبه يقول
الشافعى، وفقهاء الحجاز، وقيل: رطلان، وبه أخذ أبو حنيفة وفقهاء العراق،
فيكون الصاع خمسة أرطال، وثلثا أو ثمانية أرطال.
(4) الرفاء: الالتئام والاتفاق والبركة والنماء، من قولهم رفأت الثوب رفأ،
أو رفوت رفوا، وإنما نهى عنه كراهية لأنه كان من عادتهم، ولهذا سن فيه غيره
«النهاية لابن الأثير»
(5/353)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكَانَ جَعْفَرٌ أَسَنّ مِنْ عَلِيّ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَكَانَ طَالِبٌ
أَسَنّ مِنْ عَقِيلٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ «1» .
نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ:
وَمِنْهُمْ: نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، يُقَالُ:
أَسْلَمَ عَامَ الْخَنْدَقِ، وَهَاجَرَ، وَقِيلَ: بَلْ أَسْلَمَ حِينَ
أُسِرَ، وَذَلِكَ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لَهُ: افْدِ نَفْسَك، قَالَ: لَيْسَ لِي مَالٌ أَفْتَدِي بِهِ، قَالَ:
افْدِ نَفْسَك بِأَرْمَاحِك الّتِي بِجُدّةِ، قَالَ: وَاَللهِ مَا عَلِمَ
أَحَدٌ أَنّ لِي بِجُدّةِ أَرْمَاحًا غَيْرَ اللهِ، أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ
اللهِ «2» وَهُوَ مِمّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْن وَأَعَانَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَيْهَا بِثَلَاثَةِ
آلَافِ رُمْحٍ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كَأَنّي أَنْظُرُ إلَى أَرْمَاحِك هَذِهِ تَقْصِفُ ظُهُورَ الْمُشْرِكِينَ.
مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَصَلّى عَلَيْهِ عُمَرُ
بْنُ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عنهما- «3» .
أبو العاصى بن الربيع وغيره:
ومنهم أبو العاصى بْنُ الرّبِيعِ صِهْرُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ
عليه وسلم-
__________
(1) هكذا ذكر المصعب فى كتابه نسب قريش ص 39.
(2) رواه ابن سعد عن طريق اسحاق بن عبد الله، وفيه أنها كانت ألف رمح.
(3) كان أخوه أبو سفيان بن الحارث- كما جاء فى الصحيحين- هو الذى كان يمسك
بلجام البغلة البيضاء التى كان يركبها النبى «ص» فى حنين.
(5/354)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَهُ مَعَ مَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِهِ،
وَذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهِ قَبْلَ هَذَا.
وَمِنْهُمْ أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ الْعَبْدَرِيّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا
اسْمَهُ وَاسْمَ أُمّهِ وَإِخْوَتِهِ، فِي أَوّلِ خَبَرِ بَدْرٍ.
وَمِنْهُمْ السّائِبُ بْنُ أبى حبيش بن المطّلب ابن أَسَدِ بْنِ عَبْدِ
الْعُزّى، وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- ذَاكَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ عَيْبًا، وَمَا أَحَدٌ إلّا
وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أَعِيبَهُ بَعْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقد
قِيلَ: إنّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَالَهَا عُمَرُ فِي ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ
بْنِ السّائِبِ، وَالسّائِبُ هَذَا هُوَ أَخُو فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي
حُبَيْشٍ الْمُسْتَحَاضَةِ «1» .
__________
(1) بقال استحيضت المرأة، فهى مستحاضة، وهى التى يستمر منها خروج الدم بعد
أيام حيضها المعتادة، وفى الصحيحين عن طريق هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قالت: جاءت فاطمة بنت أبى حبيش إلى النبى «ص» فقالت
يا رسول الله إنى امرأة أستحاض، فلا أطهر أفادع الصلاة؟ قال: لا، إنما ذلك
عرق، وليست الحيضة ولكن دعى للصلاة قدر الأيام التى كنت تحيضين، ثم اغتسلى
وصلى. أما فى رواية أبى داود فأسماء بنت عميس هى التى قالت لرسول الله «ص»
إن فاطمة بنت أبى حبيش استحيضت منذ كذا وكذا ولم تصل، فقال رسول الله «ص»
هذا من الشيطان لتجلس فى مركين، فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر
والعصر غسلا واحدا، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا، وتغتسل للفجر غسلا
وتتوضأ فيما بين ذلك. وهناك له روايات أخرى. والمركن- بكسر الميم- الإجانة
التى تغسل فيها الثياب، وأخرج البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى والترمذى
وابن ماجة أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت. رسول الله «ص» عن ذلك،
فأمرها أن تغتسل. قالت- أى عائشة- فكانت تغتسل لكل صلاة، ولكن ليس فى
الصحيحين ولا أحدهما أن النبى أمرها أن تغتسل لكل صلاة، -
(5/355)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَمِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ هِشَامٍ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْمُؤَلّفَةِ
قُلُوبُهُمْ.
وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي السّائِبِ، وَاسْمُ أَبِي السّائِبِ:
صَيْفِيّ، وَقَدْ تَقَدّمَ قَوْلُ عُمَرَ فِيهِ، وَفِي أَبِيهِ، وَعَنْهُ
أَخَذَ أَهْلُ مَكّةَ الْقِرَاءَةَ، وَعَلَيْهِ قَرَأَ مُجَاهِدٌ
وَغَيْرُهُ مِنْ قُرّاءِ أَهْلِ مَكّةَ.
وَمِنْهُمْ الْمُطّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ
عَبْدِ الله بن عمر ابن مَخْزُومٍ «1» ، وَبَنُو عُمَرَ بْنُ مَخْزُومٍ
ثَلَاثَةٌ: عَبْدُ الْعُزّى، وَعَابِدٌ، وَمِنْ أَهْلِ النّسَبِ مَنْ
ذَكَرَ فِيهِمْ عُثْمَانَ بْنَ عُمَرَ، وَبَنُو مَخْزُومٍ ثَلَاثَةٌ:
عُمَرُ وَالِدُ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ، وَعِمْرَانُ، وَعَامِرٌ، هَؤُلَاءِ
فِيهِمْ الْعَدَدُ، وَيُذْكَرُ فِي بَنِي مَخْزُومٍ أَيْضًا عُمَيْرٌ
وَعَمِيرَةُ وَلَمْ يُعْقِبْ عَمِيرَةُ إلّا بِنْتًا اسمها: زينب «2» ، ومن
حديث
__________
- وفى كتاب مسلم عن الليث: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله «ص» أمر أم حبيبة
أن تغتسل لكل صلاة، وإنما هو شىء فعلته هى ولهذا استدل على أن المستحاضة لا
يلزمها الغسل لكل صلاة، بقوله فى حديث فاطمه: اغتسلى وصلى
(1) أسقط ابن حزم فى الجمهرة ص 132 من نسبه: عبد الله، فقال: ابن عبيد بن
عمر بن مخروم. أما فى الإصابة فقال ابن عبيد بن مخزوم، أما فى ترجمه والده
عبد الله فذكر ابن عبيد بن عمر بن مخزوم، والبكرى فى ذيل اللآلى يقول: ابن
عبيد بن عمر بن مخزوم ص 102.
(2) ذكر المصعب الزبيرى أنهم: عبد الله وعبيد وعبد العزى. أما عثمان فجعله
ابن عبد الله بن عمر. أما ابن حزم فقال عن أولاد عمر بن مخزوم إنهما عبد
الله وعبيد، وجعل عثمان من أولاد عبد الله ص 132 وما بعدها. وذكر المصعب عن
أولاد مخزوم أنهم: عمر وعامر وعمران وعميرة، أما فى جمهرة ابن حزم فهم عمرو
وعامر وعمران. انظر ص 132 وما بعدها الجمهرة، ص 299 نسب قريش.
(5/356)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمُطّلِبِ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنّي بِمَنْزِلَةِ السّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنْ
الرّأْسِ، وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ «1» .
الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ:
وَمِنْ وَلَدِهِ الْحَكَمُ بن عبد المطلب بن عبد الله بن الْمُطّلِبِ،
وَكَانَ أَكْرَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَسْخَاهُمْ، ثُمّ تَزَهّدَ فِي
آخِرِ عُمُرِهِ، وَمَاتَ بِمَنْبِجَ، وَفِيهِ يَقُولُ [عَبَاءَةُ بْنُ
عُمَرَ] الرّاتِجِيّ يَرْثِيهِ:
سَأَلُوا عَنْ الْجُودِ وَالْمَعْرُوفِ مَا فَعَلَا ... فَقُلْت إنّهُمَا
ماتا مع الْحَكَمِ
مَاتَا مَعَ الرّجُلِ الْمُوفِي بِذِمّتِهِ ... قَبْلَ السؤال إذا لم يوفّ
بالذّمم «2»
__________
(1) أخرجه الترمذى عن قتيبة عن ابن أبى فديك عن عبد العزيز بن المطلب ابن
حنطب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حنطب أن النبى «ص» رأى
أبا بكر وعمر فقال: هذان السمع والبصر، قال الترمذى: هذا مرسل وعبد الله
ابن حنطب لم يدرك النبى صلّى الله عليه وسلم، وحوله أقوال أخرى انظرها فى
الإصابة فى ترجمة عبد الله بن الحنطب.
(2) الراتجى: منسوب إلى راتج من آطام يهود المدينة. وقد لحق الراتجى الدولة
العباسية، ومدح معنا. وقوله: سالوا على التسهيل، أو هو لعة، وقبل البيت
الأول:
ماذا بمنبج لو تنبش مقابرها ... من الهدم بالمعروف والكرم
وقد نسب ابن دريد هذه الأبيات إلى ابن هرمة. قال: البكرى: وأظنه الصواب.
وقد ترك الحكم المدينة وسكن منبج مرابطا بها. وقال رجل من أهل منبج- وهى فى
الروض منيح وهو خطأ- قدم علينا الحكم بن المطلب بن عبد الله ابن المطلب بن
حنطب، ولا مال معه فأغنانا كلنا، فقلنا كيف ذاك؟ قال علينا مكار، -
(5/357)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر الدّار قطنىّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَعْرُوفٍ قَالَ: حَضَرْت وَفَاةَ
الحكم بن عبد المطلب بن عبد الله بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ،
فَأَصَابَتْهُ مِنْ الْمَوْتِ شِدّةٌ، فَقَالَ قَائِلٌ فِي الْبَيْتِ:
اللهُمّ هَوّنْ عَلَيْهِ الْمَوْتَ، فَقَدْ كَانَ، وَقَدْ كَانَ، يُثْنِي
عَلَيْهِ فَأَفَاقَ الْحَكَمُ، فَقَالَ: مَنْ الْمُتَكَلّمُ؟ فَقَالَ
الرّجُلُ: أَنَا، فَقَالَ الْحَكَمُ: يَقُولُ، لَك مَلَكُ الْمَوْتِ أَنَا
بِكُلّ سَخِيّ رَفِيقٌ، ثُمّ كَأَنّمَا كَانَتْ فَتِيلَةً فَطُفِئَتْ،
وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا،
وَحِين سُجِنَ الْحَكَمُ فِي وِلَايَةٍ وَلِيَهَا، قَالَ فِيهِ شَاعِرٌ:
خَلِيلِيّ إنّ الْجُودَ فِي السّجْنِ فَابْكِيَا ... عَلَى الْجُودِ إذْ
سُدّتْ عَلَيْهِ مَرَافِقُهْ
فِي أَبْيَاتٍ، فَأَعْطَى قَائِلَ هَذَا الشّعْرِ ثَلَاثَةُ آلَافِ
دِرْهَمٍ.
مِنْ الّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ:
وَمِنْهُمْ: أَبُو وَدَاعَةَ الْحَارِثُ بْنُ صُبَيْرَةَ «1» بْنِ سَعِيدِ
بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ أَسْلَمَ هُوَ وَابْنُهُ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي
وَدَاعَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ.
__________
- الأخلاق، فعاد غنينا على فقيرنا فغنينا كلنا ص 216 ذيل الأمالى والنوادر
للقالى، ص 102 ح 3، سمط اللآلى للبكرى وكلاهما يذكره: الحكم بن المطلب.
ونقلت اسم الراتجى من المصدر السابق للبكرى. والتعبير بتزهد غير لائق، لأن
القرآن لم يستعمل الزهد إلا فى مضى التحقير.
(1) هكذا ضبطها الحافظ فى الإصابة فى ترجمة عبد الله بن أبى وداعة فقال
صبيرة بمهملة ثم موحدة مصغرا. وقال عنه ابن دريد: ضبيرة والزبيرى: صبيرة،
وقد سبق ما نقله السهيلى عن الخطابى، وظن الزبيرى فى شرح القاموس أن ضبيرة
هو الصواب فلم يثبت غيره.
(5/358)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَمِنْهُمْ الْحَجّاجُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ
سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ، وَلَمْ يُوَافِقْ الْوَاقِدِيّ وَلَا غَيْرُهُ
لِابْنِ إسْحَاقَ عَلَى قَوْلِهِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ، وَقَالُوا:
إنّمَا هُوَ سَعْدٌ، وَقَدْ تَقَدّمَ هَذَا، وَأَحْسَبُ ذِكْرَ الْحَجّاجِ
فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهْمًا فَإِنّهُ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ
وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ أُحُدٍ، فَكَيْفَ يُعَدّ فِي أَسْرَى
الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيّ أَسْلَمَ
يَوْمَ الْفَتْحِ، وَقُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَمِنْهُمْ: وَهْبُ بْنُ
عُمَيْرٍ الْجُمَحِيّ أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ جَاءَ أَبُو عُمَيْرٍ فِي
فِدَائِهِ فَأَسْلَمَا جَمِيعًا، وَقَدْ ذَكَرَ خَبَرَ إسْلَامِهِ ابْنُ
إسْحَاقَ قَبْلَ هَذَا.
وَمِنْهُمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَسْلَمَ وَمَاتَ بِالشّامِ شَهِيدًا،
وَهُوَ خَطِيبُ قُرَيْشٍ، وَأَخْبَارُهُ مَشْهُورَةٌ فِي السّيرَةِ
وَغَيْرِهَا.
وَمِنْهُمْ: عَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ أَخُو سَوْدَةَ بِنْتِ زَمَعَةَ
أَسْلَمَ، وَهُوَ الّذِي خَاصَمَهُ سَعْدٌ فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمَعَةَ،
وَاسْمُ الِابْنِ الْمُخَاصَمُ فِيهِ: عَبْدُ الرّحْمَنِ، وَهُوَ الّذِي
قَالَ فِيهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ لَك يا عبد
بن زمعة «1» .
__________
(1) روى الجماعة إلا الترمذى عن عائشة رضى عنها قالت: «اختصم سعد بن أبى
وقاص وعبد بن زمعة فى غلام، فقال سعد: هذا يا رسول الله ابن أخى عتبة ابن
أبى وقاص، عهد إلى أنه ابنه، انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخى يا
رسول الله. ولد على فراش أبى من وليدته. فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فرأى شبها بينا بعتبة، فقال: هو لك يا عبد بن
زمعة. الولد للفراش، وللعاهر الحجر، واحنجى منه يا سودة، فلم تره سودة قط»
وفى رواية أبى داود ورواية للبخارى: هو أخوك يا عبد. وله الحجر: أى الخيبة.
(5/359)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَمِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ السّائِبِ [بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَائِذِ بْنِ
عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ] الْمَخْزُومِيّ، إلَيْهِ كَانَ وَلَاءُ
مُجَاهِدِ بْنِ جُبَيْرٍ، الْقَارِي، وَيُقَالُ: فيه مجاهد ابن جَبْرٍ،
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ، وَكَانَ مُجَاهِدٌ يقول: فى مولاى قيس ابن
السّائِبِ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ
فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَأَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلّ يَوْمٍ
مِسْكِينًا، وَهُوَ الّذِي قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْجَاهِلِيّةِ شَرِيكِي، فَكَانَ خَيْرَ شَرِيكٍ
لَا يُشَارِينِي وَلَا يُمَارِينِي «1» ، وَقِيلَ: إنّ أَبَاهُ قَالَ
هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَتَقَدّمَ الِاضْطِرَابُ فِي ذَلِكَ
وَالِاخْتِلَافُ، وَقَوْلُهُ: يُشَارِينِي مِنْ شَرِيَ الْأَمْرُ
بَيْنَهُمْ إذَا تَغَاضَبُوا.
وَمِنْهُمْ نِسْطَاسٌ مَوْلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ «2» ، يُقَالُ: إنّهُ
أَسْلَمَ بَعْدَ أُحُدٍ،
__________
(1) أخرجه ابن سعد من طريق موسى بن أبى كثير عن مجاهد. ورواية البغوى: قال
مجاهد: سمعت ابن قيس بن السائب يقول: إن شهر رمضان يفتديه الإنسان، يطعم
فيه كل يوم مسكينا، فأطعموا عنى مسكينا كل يوم صاعا قال قيس: وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم شريكى فى الجاهلية، فكان خير شريك لا يمارى، ولا
يشارى، وأخرجه الدولابى لكنه قال: أبو قيس ابن السائب.. وحول هذا خلاف
كبير. وقد تقدم فى الكلام عن أبى السائب
(2) فى الإصابة أنه كان مولى أبى بن خلف. يقول ابن دريد فى الاشتقاق عن
فران: وهو فعلان من قولهم: فررت الفرس وغيره من الدواب: إذا فتحت فاه لتعرف
سنه ص 550، وهم بنو بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ
وفران هو ابن بلى، وفران فى الاشتقاق والجمهرة لابن حزم بتشديد الراء،
وعنهم يقول ابن حزم «ودار بلى بالأندلس: الموضع المعروف باعهم بشمال قرطبة
وهم هنالك إلى اليوم على أنسابهم لا يحسنون الكلام باللطينية لكن بالعربية
فقط نساؤهم ورجالهم، ويقرون الضيف، ولا يأكلون أليه الشاة إلى اليوم» ص 415
(5/360)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكَانَ يُحَدّثُ عَنْ انْهِزَامِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وَدُخُولِ
الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ فِي الْقُبّةِ وَهُرُوبِ صَفْوَانَ بِخَبَرِ
عَجِيبٍ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَنْ أَسْلَمَ
مِنْ الْأُسَارَى الّذِينَ أُسِرُوا يَوْمَ بَدْرٍ.
مِمّنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ الْأُسَارَى:
وَذَكَرَ فِيمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ حُمَيْدِ بْنِ
زُهَيْرٍ الْأَسَدِيّ، وَالْمَعْرُوفُ فِيهِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ حُمَيْدٍ،
كَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَأَبُو عُمَرَ، وَالْكَلَابَاذِيّ
أَبُو نَصْرٍ، وَهُوَ مَوْلَى حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ.
وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي نَسَبِ بَلِيّ بْنِ فَارَانَ بْنِ
عَمْرٍو، فَإِنّهُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ النّسَبِ فَرّانٍ بِغَيْرِ
أَلِفٍ غَيْرَ أَنّ مِنْهُمْ مَنْ يُشَدّدُ الرّاءَ، وَهُوَ ابْنُ
دُرَيْدٍ، وَقَالَ: هُوَ فَعْلَانُ مِنْ الْفِرَارِ «1» .
تَارِيخُ وَفَاةِ رُقَيّةَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي السّيرَةِ تَخَلّفَ عُثْمَانَ عَلَى امْرَأَتِهِ
رُقَيّةَ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، كَانَ مَوْتُهَا يَوْمَ قَدِمَ زيد ابن حَارِثَةَ
بَشِيرًا بِوَقْعَةِ بَدْرٍ، وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ فِي وَفَاةِ رُقَيّةَ،
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ فِي التّارِيخِ حَدِيثَ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ
اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهِدَ دَفْنَ بِنْتِهِ
رُقَيّةَ، وَقَعَدَ عَلَى قَبْرِهَا، وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ
أَيّكُمْ لم يقارف
__________
(1) رواه فى باب الجنائز عن عبد الله بن محمد، وعن محمد بن سنان.
(5/361)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللّيْلَةَ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ فِي
قَبْرِهَا، ثُمّ أَنْكَرَ الْبُخَارِيّ هَذِهِ الرّوَايَةَ، وَخَرّجَهُ فِي
كِتَابِ الْجَامِعِ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ أَنَسٍ شَهِدْنَا دَفْنَ بِنْتِ
رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ الْحَدِيثَ،
وَلَمْ يُسَمّ رُقَيّةَ وَلَا غَيْرَهَا «1» وَرَوَاهُ الطّبَرِيّ، فَقَالَ
فِيهِ: عَنْ أَنَسٍ شَهِدْنَا دَفْنَ أُمّ كُلْثُومٍ بنت رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فَبَيّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ كُلّهُ حَدِيثٌ
وَاحِدٌ، وَمَنْ قَالَ: كَانَتْ رُقَيّةَ، فَقَدْ وَهِمَ بِلَا شَكّ،
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: أَيّكُمْ يُقَارِفُ اللّيْلَةَ، فَقَالَ فُلَيْحُ
بْنُ سُلَيْمَانَ، وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ، يَعْنِي: الذّنْبَ هَكَذَا
وَقَعَ فِي الْجَامِعِ، وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوْلَى بِهَذَا «2» ، وَإِنّمَا أَرَادَ
أَيّكُمْ لَمْ يُقَارِفْ أَهْلَهُ، وَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُهُ بِهَذَا
اللّفْظِ، قَالَ ابْنُ بَطّالٍ: أَرَادَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ يَحْرِمَ عُثْمَانَ النّزُولَ فِي قَبْرِهَا، وَقَدْ كَانَ
أَحَقّ النّاسِ بِذَلِكَ، لِأَنّهُ كَانَ بَعْلَهَا، وَفَقَدَ مِنْهَا
عِلْقًا
__________
(1) ذكره البخارى فى باب من يدخل قبر المرأة تعليقا، ووصله الإسماعيلى وكذا
قال شريح بن النعمان فليح أخرجه أحمد عنه، وقد روى الواقدى الحديث عن طليح
بن سليمان، وفيه أنها أم كلثوم، وأخرجه ابن سعد فى الطبقات فى ترجمة أم
كلثوم، وكذا الدولابى فى الذرية الطاهرة والطحاوى من هذا الوجه، ورواه حماد
بن سلمة عن ثابت عن أنس، فسماها رقية، كما روى أحمد، وكذا أخرجه البخارى:
ما أدرى ما هذا، فإن رقية ماتت، والنبى ببدر لم يشهدها!! قال الحافظ: وهم
حماد فى تسميتها فقط، ويؤيد أنها أم كلثوم ما رواه ابن سعد أيضا فى ترجمة
أم كلثوم من طريق عمرة بنت عبد الرحمن، قالت: نزل فى حفرتها أبو طلحة.
(2) جزم ابن حزم بأن المقصود من يقارف: يجامع، ثم معاذ الله أن يتبجح أبو
طلحة عند رسول الله «ص» بأنه لم يذنب تلك الليلة
(5/362)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَا عِوَضَ مِنْهُ، لِأَنّهُ حِينَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَيّكُمْ
لَمْ يُقَارِفْ اللّيْلَةَ أَهْلَهُ سَكَتَ عُثْمَانُ، وَلَمْ يَقُلْ:
أَنَا، لِأَنّهُ كَانَ قَدْ قَارَفَ لَيْلَةَ مَاتَتْ بَعْضَ نِسَائِهِ،
وَلَمْ يَشْغَلْهُ الْهَمّ بِالْمُصِيبَةِ، وَانْقِطَاعِ صِهْرِهِ مِنْ
النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُقَارَفَةِ، فَحُرِمَ
بِذَلِكَ مَا كَانَ حَقّا لَهُ، وَكَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ
وَغَيْرِهِ، وَهَذَا بَيّنٌ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَلَعَلّ النّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ عَلِمَ ذَلِكَ بِالْوَحْيِ،
فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا، لِأَنّهُ فَعَلَ فِعْلًا حَلَالًا، غَيْرَ
أَنّ الْمُصِيبَةَ لَمْ تَبْلُغْ مِنْهُ مَبْلَغًا يَشْغَلُهُ حَتّى حُرِمَ
مَا حُرِمَ مِنْ ذَلِكَ بِتَعْرِيضِ غَيْرِ تَصْرِيحٍ وَاَللهُ أَعْلَمُ
«1» .
أَشْعَارُ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ قَدّمْنَا فِي آخِرِ حَدِيثِ الْهِجْرَةِ:
أَنّا لَا نَعْرِضُ لِشَرْحِ شَيْءٍ مِنْ الشّعْرِ الّذِي هُجِيَ بِهِ
الْمُسْلِمُونَ، وَنَالَ فِيهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمُشْرِكُونَ إلّا شِعْرًا أَسْلَمَ صَاحِبُهُ، وَتَكَلّمْنَا
هُنَالِكَ عَلَى مَا قِيلَ فِي تِلْكَ الْأَشْعَارِ، وَذَكَرْنَا قَوْلَ من
طعن على ابْنِ إسْحَاقَ بِسَبَبِهَا هُنَالِكَ وَبَيّنّا الْحَقّ
وَالْحَمْدُ لِلّهِ.
الشّعْرُ الْمَنْسُوبُ إلَى حَمْزَةَ: الشّعْرُ الْمَنْسُوبُ إلَى حَمْزَةَ
فِيهِ:
وَمَا ذَاكَ إلّا أَنّ قوما أفادهم
__________
(1) هناك من يقول: إن مرض المرأة كان قد طال، واحتاج عثمان إلى الوقاع، ولم
يكن يظن موتها تلك الليلة، وليس فى الخبر ما يقتضى أنه واقع بعد موتها بل،
ولا حين احتضارها، وما ذكره السهيلى هو رأى ابن حبيب.
(5/363)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَفَادَهُمْ: أَهْلَكَهُمْ، يُقَالُ: فَادَ الرّجُلُ وَفَاظَ، وَفَطَسَ،
وَفَازَ، وَفَوّزَ إذَا هَلَكَ، وَلَا يُقَالُ: فَاضَ بالضا، وَلَا
يُقَالُ: فَاظَتْ نَفْسُهُ إلّا فِي لُغَةِ بَنِي ضَبّةَ بْنِ أُدّ.
وَقَوْلُهُ: تَوَاصٍ هُوَ تَفَاعُلٌ مِنْ الْوَصِيّةِ، وَهُوَ الْفَاعِلُ
بِأَفَادَهُمْ.
وَفِيهِ يُجَرْجَمُ فِي الْجَفْرِ. الْجَفْرُ كُلّ بِئْرٍ لَمْ تُطْوَ،
وَمِثْلُهَا: الْجَفْرَةُ، وَيُجَرْجَمُ: يُجْعَلُ بَعْضُهُ عَلَى بعض «1»
.
شعر على:
وَقَالَ فِي الشّعْرِ الّذِي يُعْزَى إلَى عَلِيّ:
بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا
يُقَالُ عَصَيْت بِالسّيْفِ وَعَصَوْت بِالْعَصَا «2» ، فَإِذَا أَخْبَرْت
عَنْ جَمَاعَةٍ قُلْت عَصُوا بِضَمّ الصّادِ؛ كَمَا يُقَالُ عَمُوا، وَمِنْ
الْعَصَا تَقُولُ: عَصَوْا، كَمَا تَقُولُ غَزَوْا.
وَقَوْلُهُ: مُسَلّبَةً، أَيْ قَدْ لَبِسَتْ السّلَابَ، وَهِيَ خرقة سوداء
تلبسها الثّكلى. قال لبيد:
__________
(1) هى فى السيرة: تجرجم بحذف إحدى التاءين وأصله تتجرجم ومعناه كما عند
أبى ذر: تسقط، ويروى بضم التاء على البناء للمجهول، ومعناه تصرع. ومن معانى
القصيدة أيضا: تقرعن معناه: علون. الذوائب: المقصود: الأعالى. خاص: غدر.
النسر: القهر والغلبة. تورطوا: وقعوا فى هلكة. المسدمة: الفحول من الإبل،
والزهر: البيض والمازق: الموضع الضيق فى الحرب.
(2) فى القاموس وشرح أبى ذر يجوز العكس. والبيض الخفاف: السيوف
(5/364)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِنّنِي مُلَاعِبُ الرّمَاحِ ... وَمِدْرَهَ الْكَتِيبَةَ الرّدَاحِ
يَضْرِبْنَ حُرّ أَوْجُهٍ صِحَاحٍ ... فِي السّلُبِ السّودِ وَفِي
الْأَمْسَاحِ
فَالسّلُبُ: جَمْعُ سِلَابٍ.
حَوْلَ شِعْرِ حَسّانٍ: وَفِي شِعْرِ حَسّانٍ:
تَبَلَتْ فُؤَادَك فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةٌ
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْمَنَامِ النّوْمَ، وَمَوْضِعَ النّوْمِ،
وَوَقْتَ النّوْمِ، لِأَنّ مَفْعَلًا يَصْلُحُ فِي هَذَا كُلّهِ فِي
ذَوَاتِ الْوَاوِ، وَقَدْ تُسَمّى الْعَيْنُ أَيْضًا مَنَامًا، لِأَنّهَا
مَوْضِعُ النّوْمِ، وَعَلَيْهِ تُؤُوّلَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِذْ
يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا أَيْ فِي عَيْنِك، وَيُقَوّيهِ
قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ.
الْفَرْقُ بَيْنَ مَفْعَلٍ وَفَعْلٍ وَلَا فَرْقَ عِنْدَ النحريين بَيْنَ
مَفْعَلٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَفَعْلٍ، نَحْوَ مَضْرَبٍ وَضَرْبٍ،
وَمَنَامٍ وَنَوْمٍ، وَكَذَلِكَ هُمَا فِي التّعْدِيَةِ سَوَاءٌ، نَحْوَ
ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَمَضْرَبُ زَيْدٌ عَمْرًا، وَأَمّا فِي حُكْمِ
الْبَلَاغَةِ وَالْعِلْمِ بِجَوْهَرِ الْكَلَامِ، فَلَا سَوَاءَ، فَإِنّ
الْمَصْدَرَ إذَا حَدّدْته قُلْت ضَرْبَةً وَنَوْمَةً، وَلَا يُقَالُ:
مَضْرَبَةً وَلَا مَنَامَةً، فَهَذَا فَرْقٌ، وَفَرْقٌ آخَرُ تَقُولُ: مَا
أَنْتَ إلّا نَوْمٌ وَإِلّا سَيْرٌ إذَا قَصَدْت التّوْكِيدَ، وَلَا
يَجُوزُ: مَا أَنْتَ إلّا مَنَامٌ وَإِلّا مَسِيرٌ، وَمِنْ جِهَةِ النّظَرِ
أَنّ الميم
(5/365)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لم تزد إلا لمعنى زائد كلزوائد الْأَرْبَعِ فِي الْمُضَارِعِ، وَعَلَى مَا
قَالُوهُ، تَكُونُ زَائِدَةً لِغَيْرِ مَعْنًى.
فَإِنْ قُلْت: فَمَا ذَاكَ الْمَعْنَى الّذِي تُعْطِيهِ الْمِيمُ؟
قُلْنَا: الْحَدَثُ يَتَضَمّنُ زَمَانًا وَمَكَانًا وَحَالًا،
فَالْمَذْهَبُ عِبَارَةٌ عَنْ الزّمَانِ الّذِي فِيهِ الذّهَابُ، وَعَنْ
الْمَكَانِ أَيْضًا، فَهُوَ يُعْطِي مَعْنَى الْحَدَثِ وَشَيْئًا زَائِدًا
عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَدْت الْحَدَثَ مَقْرُونًا بِالْحَالَةِ
وَالْهَيْئَةِ الّتِي يَقَعُ عَلَيْهَا، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: وَمِنْ
آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ فَأَحَالَ عَلَى التّفَكّرِ
فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمُسْتَمِرّةِ عَلَى الْبَشَرِ، ثُمّ قَالَ فِي
آيَةٍ أُخْرَى لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ وَلَمْ يَقُلْ مَنَامٌ
لِخُلُوّ هَذَا الْمَوْطِنِ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ، وَتَعَرّيه مِنْ
ذَلِكَ الْمَعْنَى الزّائِدِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى، وَمَنْ لَمْ
يَعْرِفْ جَوْهَرَ الْكَلَامِ لَمْ يَعْرِفْ إعْجَازَ الْقُرْآنِ.
عَوْدٌ إلَى شِعْرِ حَسّانٍ:
وَفِي هَذَا الشّعْرِ:
بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمّ كَأَنّهُ
قَطَنُهَا: ثَبَجُهَا وَوَسَطُهَا «1» ، وَأَجَمّ أى: لا عظام فيه.
__________
(1) عند الخشنى: القطن: ما بين الوركين إلى الظهر، وأجم ممتلىء باللحم،
والبوص فى قصيدة حسان: الردف، ومتنضد: علا بعضه بعضا. ونفج: مرتفعة ولحم
قيبة: ما يجعله الراكب وراءه فاستعاره هاهنا لردف المرأة.
(5/366)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: كَأَنّهُ فُضُلًا، نُصِبَ فُضُلًا عَلَى الْحَالِ، أى: كأن
قطنها إذَا كَانَتْ فُضُلًا، فَهُوَ حَالٌ مِنْ الْهَاءِ فِي: كَأَنّهُ،
وَإِنْ كَانَ الْفَضْلُ مِنْ صِفَةِ الْمَرْأَةِ لَا مِنْ صِفَةِ
الْقَطَنِ، وَلَكِنْ لَمّا كَانَ الْقَطَنُ بَعْضَهَا صَارَ كَأَنّهُ حَالٌ
مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الضّمِيرِ فِي قَعَدَتْ
لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَعْمَلَ مَا بَعْدَ إذَا فِيمَا قَبْلَهَا،
وَالْفُضُلُ مِنْ النّسَاءِ وَالرّجَالِ: الْمُتَوَشّحُ فِي ثَوْبٍ
وَاحِدٍ، وَالْمَدَاكُ صَلَاءَةُ الطّيبِ «1» ، وَهُوَ مَفْعَلٌ مِنْ دُكْت
أَدُوكُ، إذَا دَقَقْت، وَمِنْهُ الدّوْكَةُ وَالدّوكَةُ «2» .
وَقَوْلُهُ: مَرّ الدّمُوكِ يُقَالُ: دَمَكَهُ دَمْكًا، إذَا طَحَنَهُ
طَحْنًا سَرِيعًا، وَبَكَرَةٌ دَمُوكٌ، أَيْ: سَرِيعَةُ الْمَرّ،
وَكَذَلِكَ أَيْضًا: رَحَى دَمُوكٌ، وَالْمُحْصَدُ الْحَبْلُ الْمُحْكَمُ
الْفَتْلُ، وَالرّجَامُ: وَاحِدُ الرّجَامَيْنِ، وَهُمَا الْخَشَبَتَانِ
اللّتَانِ تُلْقَى عَلَيْهِمَا الْبَكَرَةُ، وَالرّجَامُ أَيْضًا: جَمْعُ
رُجْمَةٍ، وَهِيَ حِجَارَةٌ مُجْتَمِعَةٌ، جَمْعُ رَجَمٍ وَهُوَ الْقَبْرُ،
وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي الطّيّب:
تمتّع من رفاد أَوْ سُهَادٍ ... وَلَا تَأْمَلْ كَرًى تَحْتَ الرّجَامِ
فَإِنّ لِثَالِثِ الْحَالَيْنِ مَعْنًى ... سِوَى مَعْنَى انْتِبَاهِك
وَالْمَنَامِ
وَارْقَدّتْ «3» : أَسْرَعَتْ، وَمَصْدَرُهُ: ارْقِدَادٌ، وَكَذَلِكَ
ارْمَدّتْ،
__________
(1) يعنى الحجر الذى يسحق عليه الطيب.
(2) الدوكة بفتح الدال: يقال: وقعوا فى دوكة: شر وخصومة. والدوكة بالضم:
المرض، ووقعوا فى دوكة: شر وخصومة.
(3) فى السيرة: وارمدت ويقول الخشنى فى شرحه للسيرة وارمدت-
(5/367)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَافْعَلّ فِي غَيْرِ الْأَلْوَانِ وَالْخُلُقِ عَزِيزٌ، وَأَمّا انْقَضّ
فَلَيْسَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ، لِأَنّك تَقُولُ فِي مَعْنَاهُ تَقَضّضَ
الْبِنَاءُ، فَالْقَافُ: فَاءُ الْفِعْلِ، وكذلك تقضّى البازى، لأنه منه،
وَغَلِطَ الْفَسَوِيّ فِي الْإِيضَاحِ، فَجَعَلَ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضّ
مِنْ بَابِ احْمَرّ، وَإِنّمَا هُوَ مِنْ بَابِ انْقَدّ وَانْجَرّ
وَالنّونُ زَائِدَةٌ، وَوَزْنُهُ: انْفَعَلَ، وَكَذَلِكَ غَلِطَ الْقَالِي
فِي النّوَادِرِ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ: وَجَرْيُهَا انْثِرَارٌ أَنّهُ
افْعِلَالٌ مِنْ النّثْرِ، كَمَا قَالَ الْفَسَوِيّ فِي الِانْقِضَاضِ،
وَإِنّمَا هُوَ انْفِعَالٌ مِنْ عَيْنٍ ثَرّةٍ أَيْ كَثِيرَةِ الْمَاءِ.
وَدُسْنَهُ بِحَوَامّ يَعْنِي: الْحَوَافِرَ، وَمَا حَوْلَ الْحَوَافِرِ،
يُقَالُ الْحَامِيَةُ، وَجَمْعُهُ حَوَامّ.
حَوْلَ شِعْرِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: وَقَوْلِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ:
حَتّى عَلَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ مُزْبِد يَعْنِي: الدّمَ، وَمُزْبِدٌ،
قَدْ عَلَاهُ الزّبَدُ.
وَقَوْلُهُ: وَالْأَحِبّةُ فِيهُمُ: يَعْنِي مَنْ قُتِلَ أَوْ أُسِرَ: مِنْ
رَهْطِهِ وَإِخْوَتِهِ.
عَوْدٌ إلَى حَسّانٍ: وَقَوْلُ حَسّانٍ: بِكَتِيبَةِ خَضْرَاءَ من بلخزرج:
__________
- وارقدت معناهما جميعا: أسرعت، وقال بعض اللغويين: الارقداد: السرعة عند
نفور.
(5/368)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعَرَبُ تَجْعَلُ الْأَسْوَدَ أَخْضَرَ، فَتَقُولُ: لَيْلٌ أَخْضَرُ
كَمَا قَالَ [ذُو الرّمّةِ:
قَدْ أَعْسَفَ النّازِحُ الْمَجْهُولُ مَعْسَفُهُ ... فِي ظِلّ أَخْضَرَ
يَدْعُو هَامَةَ الْبُومِ
وَتُسَمّي الْأَخْضَرَ أَسْوَدَ، إذَا اشْتَدّتْ خُضْرَتُهُ، وفى التنزيل:
(مدهامّتان) ، قال أهل التأويل: سود اوان مِنْ شِدّةِ الْخُضْرَةِ.
وَقَوْلُهُ: بِكُلّ أَبْيَضَ سَلْجَجِ، هو السيف الماضى الذى يقطع الضريبة
بسهولة، ومنه الْمَثَلُ: الْأَخْذُ سَلَجَانَ وَالْقَضَاءُ لِيّانْ «1» ،
أَيْ الْأَخْذُ سَهْلٌ يَسُوغُ فِي الْحَلْقِ بِلَا عُسْرٍ، كَمَا قَالُوا:
الْأَخْذُ سُرّيْطٌ [وَسُرّيْطَى] وَالْقَضَاءُ ضُرّيْطٌ [وَضُرّيْطَى] «2»
فَسُرّيْطٌ مِنْ سَرِطْت الشّيْءَ إذَا بَلَعْته سَهْلًا، فَسَلْجَجُ مِنْ
هَذَا، إلّا أَنّهُمْ ضَاعَفُوا الْجِيمَ، كَمَا ضَاعَفُوا الدّالَ مِنْ
مَهْدَدِ «3» ، وَلَمْ يُدْغِمُوا إلّا أنهم ألحقوه بجعفر.
__________
(1) السلجان: الأكل السريع، ويروى: الأكل مكان الأخذ. ويقال فيمن يحب أن
يأخذ، ويكره أن يرد، أى إذا أخذ الرجل الدين أكله فإذا أراد صاحب الدين
حقه، لواه به، أى مطله
(2) وقالوا سريطى، وضريطى بضم الحرف الأول وتشديد الثانى مع فتحه، وفتح
الطاء فى الكلمتين، أى: يأخذ الدين، فيسترطه، فاذا استقضاه غريمه أضرط به،
و: امثله لأخذ سرطان، والقضاء ليان. وقد ضبط ليان فى باب سلح بكسر اللام،
وهنا بفتحها، وقال إنها بالضبطين فى مادة لوى أى بفتح اللام وكسرها. وبعض
العرب يقول: الأخذ سريطاء، بضم ففتح فسكون، والقضاء ضريطاء. بنفس ضبط
سريطاء. وقال بعض الأعراب: الأخذ سربطى بكسر فتشديد مع كسر وفتح الطاء،
والقضاء ضريطى بضبط سريطى:
(3) سبق بسط القول عن مهدد.
(5/369)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: بَلْخَزْرَجِ، أَرَادَ: بَنِي الْخَزْرَجِ، فَحَذَفَ النّونَ
لِأَنّهَا مِنْ مَخْرَجِ اللّامِ، وَهُمْ يَحْذِفُونَ اللّامَ فِي مِثْلِ،
عَلْمَاءِ وَظِلْتُ «1» ، كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ اللّامَيْنِ، وَكَذَلِكَ
أَحَسْتُ كَرَاهِيَةَ التّضْعِيفِ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا- تَرِبَتْ يَمِينُك وَأُلْتِ، أَرَادَتْ: أُلِلْتِ، أَيْ طُعِنْت
«2» مِنْ قَوْلِهِمْ: مَالُهُ أُلّ وَغُلّ، وَيُرْوَى: أُلّتْ فَتَكُونُ
التّاءُ عَلَمًا لِلتّأْنِيثِ، أَيْ أُلّتْ يَدُك، وَعِنْدَنَا فِيهِ
رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ، وَهِيَ تَرِبَتْ يَدَاك
وَأُلّتِ بِكَسْرِ التّاءِ وَتَشْدِيدِ اللّامِ وَهِيَ عَلَى لُغَةِ مَنْ
يَقُولُ فِي رَدَدْتِ رَدّتْ فَيُدْغِمُ مَعَ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ، وَهِيَ
لُغَةٌ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ «3» [مِنْ أَحْكَامِ الْأَفْعَالِ
الْمَبْنِيّةِ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيّ لِلْمَجْهُولِ] .
وَذَكَرَ شِعْرَ كَعْبٍ وَفِيهِ:
لَعَمْرُ أَبِيكُمَا يَا بَنِي لُؤَيّ ... عَلَى زَهْوٍ لَدَيْكُمْ
وَانْتِخَاءِ
الِانْتِخَاءُ. افْتِعَالٌ مِنْ النّخْوَةِ، وَيُقَالُ نُخِيَ الرّجُلُ
وَانْتَخَى. وَمِنْ الزّهو:
__________
(1) أصلهما: على الماء وظللت، وقالوا: علرض وجلمر، وسلقامة فى على الارض،
وجلا الأمر، وسلا الإقامة وكلها بفتح الأول وتضعيف الثانى مع؟؟؟. الشافية ح
3 ص 246.
(2) فعل هذا المعنى: أل- بفتح الهمزة وتضعيف اللام، ويؤل بضم الهمزة وتضعيف
اللام. وقد ضبط ابن الأثير الفعل بهذا المعنى كما ضبطته وقال: وروى بضم
الهمزة مع التشديد أى: طعنت بالألة بفتح الهمزة وتضعيف اللام مع فتح- وهى
الحربة العريضة النصل، وفيه بعد، لأنه لا يلائم لفظ الحديث وقال: إن امرأة
سألت عن المرأة تحتلم، فقالت لها عائشة رضى الله عنها: تربت يداك وألت، وهل
ترى المرأة ذلك. ثم ضبط ألت بفتح الهمزة وتضعيف اللام، وفسرها بقوله: أى
هاجت لما أصابها مر شدة هذا الكلام.
(3) هى لغة بكر بن وائل وغيرهم.
(5/370)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
زُهِيَ وَازْدَهَى، وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ مِنْ مِثْلِ «1» هَذَا إلّا
بِاللّامِ، لِأَنّ الْفِعْلَ فِيهِ لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ، وَإِذَا أُمِرَ
مَنْ لَيْسَ بِمُخَاطَبِ، فَإِنّمَا يُؤْمَرُ بِاللّامِ كَقَوْلِك:
لِتُزْهَ يَا فُلَانٌ وَلِتُعْنَ بِحَاجَتِي، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَيْضًا
أَنْ لَا يُقَالَ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ:
مَا أَفْعَلَهُ، وَلَا هُوَ أَفْعَلُ مِنْ كَذَا، كَمَا لَا يُقَالُ فِي
الْمَرْكُوبِ: مَا أَرْكَبَهُ، وَلَا فِي الْمَضْرُوبِ، مَا أَضْرَبَهُ،
وَلَكِنّهُ قَدْ جَاءَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ: مَا أَزْهَاهُ،
وَمَا أَعْنَاهُ بِحَاجَتِي، وَقَالُوا: هُوَ أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ
النّحْيَيْنِ، وَهُوَ أَزْهَى مِنْ غُرَابٍ، وَالْفِعْلُ فِي هَذَا كُلّهِ
زُهِيَ وَشُغِلَ فَهُوَ مَشْغُولٌ وَمَزْهُوّ. وَقِيلَ فِي الْمَجْنُونِ
مَا أَجَنّهُ حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ [صَالِحُ بْنُ إسْحَاقَ] الْجَرْمِيّ.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنّ الْعَرَبَ تُقَدّمُ فِي كَلَامِهَا
مَا هُمْ بِهِ أَهَمّ، وهم ببيانه أعنى، وإن كانا جَمِيعًا يَهُمّانِهِمْ،
وَيَعْنِيَانِهِمْ، فَقَالَ أَهَمّ وَأَعْنَى، وَهُوَ مِنْ هَمّهِمْ
وَعَنَاهُمْ، فَهُمْ بِهِ مَعْنِيّونَ مِثْلَ مَضْرُوبُونَ، فَجَازَ فِي
هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَا تَرَى، وَسَبَبُ جَوَازِهِ: أَنّ الْمَفْعُولَ
فِيهَا فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى، فَالْمَزْهُوّ مُتَكَبّرٌ وَكَذَا
الْمَنْخُوّ وَالْمَشْغُولُ مُشْتَغِلٌ وَفَاعِلٌ لِشُغْلِهِ،
وَالْمَعْنِيّ بِالْأَمْرِ كَذَلِكَ، وَالْمَجْنُونُ كَالْأَحْمَقِ،
فَيُقَالُ: مَا أَجَنّهُ، كَمَا يُقَالُ: مَا أَحْمَقَهُ، وَلَيْسَ
كَذَلِكَ مَضْرُوبٌ، وَلَا مَرْكُوبٌ وَلَا مَشْتُومٌ، وَلَا مَمْدُوحٌ،
فَلَا يُقَالُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ: مَا أَفْعَلَهُ، وَلَا هُوَ أَفْعَلُ
مِنْ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قُلْت: فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا أَنْ
يُؤْمَرَ فِيهِ بِغَيْرِ اللّامِ، كَمَا يُؤْمَرُ الْفَاعِلُ إذًا، وَقَدْ
قُلْتُمْ: أَنّهُ فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى فَالْجَوَابُ: أَنّ الْأَمْرَ
إنّمَا هُوَ بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ تَضْرِبُ وَتَخْرُجُ،
فَإِذَا أَمَرْت حذفت حرف المضارعة،
__________
(1) فى الأصل ولا يكون إلا من مثل.
(5/371)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَبَقِيَتْ حُرُوفُ الْفِعْلِ عَلَى بِنْيَتِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ زُهِيت
فَأَنْتَ تُزْهَى، وَلَا شُغِلْت فَأَنْتَ تُشْغَلُ، لِأَنّك لَوْ حَذَفْت
مِنْهُ حَرْفَ الْمُضَارَعَةِ لَبَقِيَ لَفْظُ الْفِعْلِ عَلَى بِنْيَةٍ
لَيْسَتْ لِلْغَائِبِ، وَلَا لِلْمُخَاطَبِ، لِأَنّ بِنْيَةَ الْأَمْرِ
لِلْمُخَاطَبِ افْعَلْ، وَبِنْيَتُهُ لِلْغَائِبِ، فَلْيَفْعَلْ،
وَالْبِنْيَةُ الّتِي قَدّرْنَاهَا لَا تَصْلُحُ لِوَاحِدِ مِنْهُمَا،
لِأَنّك كُنْت: تَقُولُ أَزْهَى مِنْ زُهِيت، وَكُنْت تَقُولُ مِنْ شُغِلْت
أَشْغَلُ، فَتَخْرُجُ مِنْ بَابِ شُغِلْت فَأَنْتَ مَشْغُولٌ إلَى بَابِ
شَغَلْت غَيْرَك، فَأَنْتَ شَاغِلٌ، فَلَمْ يَسْتَقِمْ فِيهِ الأمر إلا
باللّام.
وقوله: وميكال فياطيب الْمَلَاءِ أَرَادَ الْمَلَأَ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ
مَدّ الْمَقْصُورِ، إذْ لَا يَجُوزُ فِي عَصَى عَصَاءٌ، وَلَا فِي رَحَى:
رَحَاءٌ فِي الشّعْرِ، وَلَا فِي الْكَلَامِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ
أَشْبَعُوا الْحَرَكَاتِ فِي الضّرُورَةِ، فَقَالُوا فِي الْكَلْكَلِ
الْكَلْكَالَ، وَفِي الصّيَارِفِ: الصّيَارِيفَ، وَلَكِنّ مَدّ
الْمَقْصُورِ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا، لِأَنّ زِيَادَةَ الْأَلِفُ تَغْيِيرٌ
وَاحِدٌ، وَمَدّ الْمَقْصُورِ تَغْيِيرَانِ، زِيَادَةُ أَلِفٍ وَهَمْزُ مَا
لَيْسَ بِمَهْمُوزِ، غَيْرَ أَنّهُ قَدْ جَاءَ فِي شِعْرِ طَرَفَةَ:
وَكَشْحَانِ لَمْ يَنْقُصْ طَوَاءَهُمَا الْحَبَلْ
«1» لَكِنّهُ حَسّنَهُ قَلِيلًا فِي بَيْتِ طَرَفَةَ فِي أَنّهُ لم يرد
الطّوى الذى هو مصدر،
__________
(1) الذى فى اللسان: والطواء أن ينطوى ثديا المرأة، فلا يكسرهما الحبل-
بفتح الباء- وأنشد: وثديان لم بكسر طواءهما الحبل
(5/372)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
طَوِيَ يَطْوِي: إذَا جَاعَ، وَخَوِيَ بَطْنُهُ، وَإِنّمَا أَرَادَ: رِقّةَ
الْخَصْرِ، وَذَلِكَ جَمَالٌ فِي الْمَرْأَةِ، وَكَمَالٌ فِي الْخِلْقَةِ،
فَجَاءَ بِاللّفْظِ عَلَى وَزْنِ جمال وكمال، وظهر فى لفظه ما كَانَ فِي
نَفْسِهِ، وَالْعَرَبُ تَنْحُو بِالْكَلِمَةِ إلَى وَزْنِ مَا هُوَ فِي
مَعْنَاهَا، وَقَدْ مَضَى مِنْهُ كَثِيرٌ وَسَيَرِدُ عَلَيْك مَا هُوَ
أَكْثَرُ.
وَأَمّا الْمَلَأُ وَالْخَطَأُ وَالرّشَأُ وَالْفَرَأُ «1» وَمَا كَانَ
مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنّ هَمْزَتَهُ تُقْلَبُ أَلِفًا فِي الْوَقْفِ
بِإِجْمَاعِ نَعَمْ، وَفِي الْوَصْلِ فِي بَعْضِ اللّغَاتِ، فَيَكُونُ
الْأَلِفُ عِوَضًا مِنْ الْهَمْزَةِ، وَقَدْ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْعِوَضِ
وَالْمُعَوّضِ مِنْهُ، كَمَا قَالُوا هَرَاقَ الْمَاءَ، وَإِنّمَا كَانَتْ
الْهَاءُ بَدَلًا مِنْ الْهَمْزَةِ، فَجَمَعُوا بَيْنَهُمَا، وَقَالُوا فِي
النّسَبِ إلَى فَمٍ فَمَوِيّ، وَقَالُوا فِي النّسَبِ إلَى الْيَمَنِ
يَمَنِيّ، ثُمّ قَالُوا: يَمَانٍ، فَعَوّضُوا الْأَلِفَ مِنْ إحْدَى
الْيَاءَيْنِ، ثُمّ قَالُوا يَمَانِيّ بِالتّشْدِيدِ فجمعوا بين العوض
والمعوّض منه، فياطيب الْمَلَاءِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَكَذَلِكَ
قَوْلُهُمْ الْخَطَاءُ فِي الْخَطَأِ. قَالَ الشّاعِرُ:
فَكُلّهُمْ مُسْتَقْبِحٍ لِصَوَابِ مَنْ ... يُخَالِفُهُ مُسْتَحْسِنٌ
لِخَطَائِهِ
وَقَدْ قَالَ وَرَقَةُ: إلّا مَا غَفَرْت خَطَائِيَا «2» (فَإِنْ قِيلَ)
فَقَدْ أنشد أبو علىّ فى مد المقصور:
__________
(1) الرشأ: الظبى إذا قوى ومشى مع أمه. والفرأ: حمار الوحش أو فتيه. والملأ
أشراف القوم.
(2) هو سهو من السهيلى. فان هذا الكلام جزء من بيت شعر نسب فى السيرة إلى
زيد بن عمرو بن نفيل، وقال ابن هشام إن القصيدة كلها-
(5/373)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يَا لَك مِنْ تَمْرٍ وَمِنْ شِيشَاءِ ... يَنْشَبُ فِي الْمَسْعَلِ
وَاللهَاءِ
أَرَادَ: جَمْعَ لَهَاةٍ. قُلْنَا: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا
مُوَلّدًا، وَإِنْ كَانَ عَرَبِيّا، فَلَعَلّ الرّوَايَةَ فِيهِ: اللهَاءُ
بِكَسْرِ اللّامّ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ أَكَمَةَ وَإِكَامٍ، وَقَدْ
ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفُ بِالْكَسْرِ
وَالْفَتْحِ «1» .
شَرْحُ شِعْرِ أَبِي أُسَامَةَ: وَذَكَرَ شِعْرَ أَبِي أُسَامَةَ بْنِ
زُهَيْرٍ الْجُشَمِيّ وَفِيهِ:
وَقَدْ زَالَتْ «2» نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ
الْعَرَبُ تَضْرِبُ زَوَالَ النّعَامَةِ مَثَلًا للفرار، وتقول:
شالت نعامة القوم
__________
- لابن أبى الصلت إلا البيتين الأولين والبيت الخامس والبيت الأخير. أنظر ص
349 ح 2 الروض من هذه الطبعة.
(1) أنظر فى اللسان مادة لها؛ إذ يقول ابن سيدة بعد أن خطأ رواية فتح اللام
فى لها: إن فعلة يكسر على فعال- بكسر الفاء- ونظيره ما حكاه سيبويه من
قولهم: أضاة وإضاء، ومثله من السالم: رحبة ورحاب، ورقبة ورقاب، قال ابن
برى: إنما مد قوله فى المسعل واللهاء للضرورة، قال: هذه الضرورة على من
رواه بفتح اللام، لأنه مد المقصور وذلك مما ينكره البصريون. قال: وكذلك ما
قيل فى هذا البيت:
قد علمت أم أبى السعلاء ... أن نعم مأكولا على الخواء
فمد السعلاء والخواء ضرورة
(2) فى السيرة: شالت.
(5/374)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذا فرّوا وهلكوا. قال الشّاعِرُ:
يَا لَيْتَ مَا أُمّنَا شَالَتْ نَعَامَتُهَا ... إمّا إلَى جَنّةٍ إمّا
إلَى نَارٍ «1»
وَقَالَ أُمَيّةُ:
اشْرَبْ هَنِيئًا فَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ
«2» وَالنّعَامَةُ فِي اللّغَةِ: بَاطِنُ الْقَدَمِ، وَمَنْ مَاتَ فَقَدْ
شَالَتْ رِجْلُهُ، أَيْ:
ارْتَفَعَتْ، وَظَهَرَتْ نَعَامَتُهُ، وَالنّعَامَةُ أَيْضًا الظّلْمَةُ
«3» ، وَابْنُ النّعَامَةِ عِرْقٌ فِي بَاطِنِ الْقَدَمِ، فَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ قَوْلُهُ زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ، كما يقال: زال سواده،
__________
(1) فى التصريح على التوضيح أن البيت لسعد بن فرط لا الأخوص خلافا للجوهرى.
ويروى هكذا.
يا ليتما أمنا شالت نعامتها ... أيما إلى جنة أيما إلى نار
أقول: وهكذا روايته أيضا فى مغنى اللبيب رواه وهو يتحدث عن إما الثانية فى
قولهم: جاء إما زيد وإما عمر وباعتبار أن إما عاطفة. قال: وزعم يونس
الفارسى وابن كيسان أنها غير عاطفة كالأولى ووافقهم ابن مالك لملازمتها
الواو العاطفة غالبا. ومن غير الغالب قوله: وأنشد البيت، ثم قال: وفيه شاهد
ثان، وهو فتح الهمزة، - يعنى فى أيما-، وثالث وهو الإبدال أى جعل الميم ياء
من إما. قال: ونقل ابن عصفور الإجماع على أن إما غير عاطفة. وذكر الأمير فى
حاشيته على المغنى أن البيت لرجل من بنى عبد القيس يقال له: سعد كان عافا
لأمه وكانت به بارة.
(2) فى اللسان: وأنشد ابن برى لأبى الصلت الثقفى:
اشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم فى برديك إسبالا
وانظر القاموس مادة أمه، فقد رواه إيما وإيما بكسر الهمزة.
(3) ذكر اللسان لها معانى كثيرة جدا غير ما ذكر.
(5/375)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَضَحَا ظِلّهُ إذَا مَاتَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ضَرَبَ النّعَامَةَ
مَثَلًا، وَهُوَ الظّاهِرُ فِي بَيْتِ أَبِي أُسَامَةَ؛ لِأَنّهُ قَالَ:
زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ أَشْرَدُ مِنْ
نَعَامَةٍ، وَأَنْفَرُ مِنْ نَعَامَةٍ قَالَ الشّاعِرُ:
هُمْ تَرَكُوك أَسْلَحَ مِنْ حُبَارَى ... رَأَتْ صَقْرًا وَأَشْرَدَ مِنْ
نَعَامٍ «1»
وَقَالَ آخَرُ:
وَكُنْت نَعَامًا عِنْدَ ذَاكَ مُنَفّرًا فَإِذَا قُلْت: زَالَتْ
نَعَامَتُهُ، فَمَعْنَاهُ: نَفَرَتْ نَفْسُهُ الّتِي هِيَ كَالنّعَامَةِ
فِي شَرُودِهَا وَقَوْلُهُ:
وَأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى سَرَاةُ كُلّ شَيْءٍ: مَا علا
منه، وَسَرَاةُ الْفَرَسِ: ظَهْرُهُ لِأَنّهُ أَعْلَاهُ. قَالَ الشّاعِرُ
يَصِفُ حِمَارًا:
بُسْرَاتِهِ نَدَبٌ لَهَا وَكُلُومٌ وَقَوْلُهُمْ: سَرَاةُ الْقَوْمِ،
كَمَا تَقُولُ: كَاهِلُ الْقَوْمِ، وَذِرْوَةُ الْقَوْمِ، قَالَ
مُعَاوِيَةُ: إنّ مُضَرَ كَاهِلُ الْعَرَبِ، وتميم كاهل مضر، وبنو سعد كاهل
__________
(1) الحبارى ترمى الصقر بسلحها- ومعناه معروف- إذا أراغها ليصيدها، فتلوث
ريشه بلثق سلحها، ويقال: إن ذلك يشتد على الصقر لمنعه إياه من الطيران.
والحبارى طائر طويل العنق رمادى اللون على شكل الأوزة، فى منقاره طول،
الذكر والأنثى والجمع فيه سواء
(5/376)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَمِيمٍ. وَقَالَ بَعْضُ خُطَبَاءِ بَنِي تَمِيمٍ: لَنَا الْعِزّ
الْأَقْعَسُ، وَالْعَدَدُ الْهَيْضَلُ، وَنَحْنُ فِي الْجَاهِلِيّةِ
الْقُدّامُ، وَنَحْنُ الذّرْوَةُ وَالسّنَامُ، وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ
بَيّنٌ، فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَقُولَ فِي الذّرْوَةِ، وَلَا فِي
السّنَامِ، وَلَا فِي الْكَاهِلِ إنّهُ جَمْعٌ أَيْ مِنْ أَبْنِيَةِ
الْجَمْعِ، وَلَا اسْمٌ لِلْجَمْعِ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَالَ
فِي سَرَاةِ الْقَوْمِ، أَنّهُ جَمْعُ سَرِيّ، لَا عَلَى الْقِيَاسِ، وَلَا
عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ، كَمَا لَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي كَاهِلِ الْقَوْمِ،
وَسَنَامِ الْقَوْمِ، وَالْعَجَبُ كَيْفَ خَفِيَ هَذَا عَلَى
النّحْوِيّينَ، حَتّى قلّد الخالف منهم السّالِفَ، فَقَالُوا: سَرَاةٌ
جَمْعُ سَرِيّ «1» ، وَيَا سُبْحَانَ اللهِ! كَيْفَ يَكُونُ جَمْعًا لَهُ،
وَهُمْ يَقُولُونَ فِي جَمْعِ سَرَاةٍ سَرَوَاتٍ، مِثْلَ قَطَاةٍ
وَقَطَوَاتٍ، يُقَالُ: هَؤُلَاءِ مِنْ سَرَوَاتِ النّاسِ، كَمَا تَقُولُ:
من رؤس الناس، قال قيس ابن الخطيم:
وعمرة من سروات النّساء ... تَنْفَحُ بِالْمِسْكِ أَرْدَانُهَا
وَلَوْ كَانَ السّرَاةُ جَمْعًا مَا جُمِعَ لِأَنّهُ عَلَى وَزْنِ فَعْلَة،
وَمِثْلُ هَذَا الْبِنَاءِ فِي الْجَمُوعِ لَا يُجْمَعُ، وَإِنّمَا سَرِيّ
فَعِيلٌ مِنْ السّرْوِ، وَهُوَ الشّرَفُ، فَإِنْ جُمِعَ عَلَى لَفْظِهِ،
قِيلَ سُرًى وَأَسْرِيَاءُ «2» ، مِثْلَ غَنِيّ وَأَغْنِيَاءَ، وَلَكِنّهُ
قَلِيلٌ وُجُودُهُ وَقِلّةُ وُجُودِهِ لَا يَدْفَعُ الْقِيَاسَ فِيهِ،
وَقَدْ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: أَذْبَاحُ عِتَرٍ: جَمْعُ ذَبْحٍ، وَعِتَرٌ بِكَسْرِ
الْعَيْنِ: الصّنَمُ الّذِي كَانَ يَعْتِرُ لَهُ
__________
(1) فِي القاموس: السراة: اسم جمع جمعه: سروات، وكذلك فى اللسان منسوب إلى
سيبويه. وقال ابن برى: هى اسم مفرد للجمع عند سيبويه.
(2) زاد اللحيانى: سرواء بضم ففتح، وفى اللسان شرح واف للكلمة.
(5/377)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فى الجاهليّة، أى: تذبح له الْعَتَائِرُ، جَمْعُ: عَتِيرَةٍ، وَهِيَ
الرّجَبِيّةُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي نَسَبِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوّل مَنْ سَنّ الْعَتِيرَة، وَأَنّهُ بُورُ بْنُ
صَحُورَا، وَأَنّ أَبَاهُ سَنّ رَجَبًا لِلْعَرَبِ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ:
سَعْدٌ رَجَبٍ، وَلَوْ قَالَ:
أَذْبَاحُ عِتَرِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لَجَازَ لِأَنّهُ مَصْدَرٌ.
وَقَوْلُهُ: وَكَانَتْ جُمّةً. الْجُمّةُ: السّوَادُ، وَالْجُمّةُ:
الْفِرْقَةُ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِالْجُمّةِ سَوَادَ الْقَوْمِ
وَكَثْرَتَهُمْ، فَلَهُ وَجْهٌ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْفِرْقَةَ
مِنْهُمْ، فَهُوَ أَوْجَهُ»
، وَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ.
وَقَوْله: عَطَيَانُ بَحْرٌ: فَيَضَانُهُ «2» .
وَقَوْلُهُ: أُبَيّنُ نِسْبَتِي نَقْرًا بِنَقْرِ. النّقْرُ: الطّعْنُ فِي
النّسَبِ وَغَيْرِهِ، يَقُولُ: إنْ طَعَنْتُمْ فِي نَسَبِي، وَعِبْتُمُوهُ
بَيّنْت الْحَقّ وَنَقَرْت فِي أَنْسَابِكُمْ، أَيْ عِبْتهَا، وَجَازَيْت
عَلَى النّقْرِ بِالنّقْرِ، وَقَالَتْ جَارِيَةٌ مِنْ الْعَرَبِ: مَرّوا
بِي عَلَى بَنِي نَظَرِي «3» يَعْنِي الْفَتَيَانِ الّذِينَ يَنْظُرُونَ
إلَيّ وَلَا تَمُرّوا بِي عَلَى بَنَاتِ نَقْرِي، يعنى النّساء اللّواتى
ينقرن أى: يعبن.
__________
(1) فى شرح السيرة لأبى ذر: وكانت جمة: من رواه يالجم، فمعناه: الجماعة من
الناس، واكثر ما يقال فى الجماعة الذين يأتون يسألون فى الدية، ومن رواه
حمة بالحاء المهملة، فمعناه: قرابة وأصدقاء من الحميم وهو القريب. وهى فى
السيرة: جمة.
(2) هى فى السيرة: غيطان، وهى إحدى الروايات. يقول أبو ذر الخشنى عن رواية
الغطيان: والغطيان هنا: الماء الكثير الذى يغطى ما يكون فيه، ويروى: غيطان
بحر.
(3) بفتح النون والظاء والراء، وتقال بتضعيف الظاء أيضا. وفى اللسان أنها
قالت ذلك لبعلها. وبنو نظرى: أهل النظر إلى النساء والتغزل بهن.
(5/378)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: دُعِيت إلَى أُفَيْدِ، تَصْغِيرُ وَفْدٍ، وَهُمْ
الْمُتَقَدّمُونَ مِنْ كُلّ شَيْءٍ مِنْ نَاسٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ إبِلٍ،
وَهُوَ اسْمٌ لِلْجَمْعِ مِثْلَ: رَكْبٍ، وَلِذَلِكَ جَازَ تَصْغِيرُهُ،
وَقِيلَ: أُفَيْدِ: اسْمُ مَوْضِعٍ «1» .
وَقَوْلُهُ: عَلَى مُضَافٍ. الْمُضَافُ: الْخَائِفُ الْمُضْطَرّ.
وَقَوْلُهُ:
فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ هَذَا شَاهِدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي
نَسَبِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاشْتِقَاقُ تِلْكَ
الْأَسْمَاءِ، وَقُلْنَا فِي لُؤَيّ: إنّهُ تَصْغِيرُ لَأْيٍ، وَاخْتَرْنَا
هَذَا الْقَوْلَ على قول ابن الأنبارىّ وفطرب، وَحَكَيْنَا قَوْلَهُ،
وَشَاهِدَهُ، وَإِنّمَا أَرَادَ هَهُنَا بِبَنِي لأى بنى لؤىّ، فجاء به
مكبّرا عَلَى مَا قُلْنَاهُ.
وَقَوْلُهُ:
مُوَقّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمّ أَجْرِ يَعْنِي الضّبُعَ، وَمُوَقّفَةُ مِنْ
الْوَقْفِ، وَهُوَ الْخَلْخَالُ، لِأَنّ فِي قَوَائِمِهَا سَوَادًا.
قَالَ الشّاعِرُ [أَبُو وَجْزَةَ السّعْدِيّ] :
وَخَائِفٍ لَحْمٍ شَاكًا برَاشَتُهُ ... كأنه قاطم وقفين من عاج «2»
__________
(1) يرى الخشنى أنه اسم رجل فقال فى البيت الثامن: أصلها: يا مالك فرخم.
وحذف حرف النداء.
(2) البيت فى اللسان فى مادة قطم منسوب إلى أبى وجزة، وفى مادة شوك-
(5/379)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأُمّ أَجْرِ: جَمْعُ جَرْ، وَكَمَا نَقُولُ: دَلْوٌ وَأَدْلٍ، وَهَذَا
كَقَوْلِ الْهُذَلِيّ:
وَغُودِرَ ثَاوِيًا وَتَأَوّبَتْهُ ... مُوَقّفَةُ أُمَيْمُ لَهَا فَلِيلُ
«1»
وَالْفَلِيلُ: عُرْفُهَا، وَكَقَوْلِ الْآخَرِ:
يَا لَهْفَ مِنْ عَرْفَاءَ ذَاتِ فَلِيلَةٍ ... جَاءَتْ إلَيّ عَلَى
ثَلَاثٍ تَخْمَع
وَتَظِلّ تَنْشِطُنِي وَتَلْحَمُ أَجْرِيًا ... وَسَطَ الْعَرِينِ،
وَلَيْسَ حَيّ يَدْفَعُ
لَوْ كَانَ سَيْفَيْ بِالْيَمِينِ دَفَعْتهَا ... عَنّي وَلَمْ أو كل
وَجَنْبِي الْأَضْبُعُ
فَوَصَفَهَا أَنّهَا تَخْمَع، كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُهَلّبِ: الضّبُعَةُ
الْعَرْجَاءُ، وَلَحِنَ فِي قَوْلِهِ:
الضّبْعَةُ «2» . وَقَالَ آخَرُ:
فَلَوْ مِاْت مِنْهُمْ مَنْ جَرَحْنَا لَأَصْبَحَتْ ... ضِبَاعٌ
بِأَكْنَافِ الشّرَيْفِ عَرَائِسَا
وَذَلِكَ أَنّ الضّبُعَ يُقَلّبُ الْقَتِيلَ عَلَى قَفَاهُ فِيمَا ذُكِرَ،
وَتَسْتَعْمِلُ كَمَرَتَهُ، لِأَنّهَا أَشْيَقُ الْبَهَائِمِ، وَلِذَلِكَ
يُقَالُ لَهَا حِينَ تُصْطَادُ: أَبْشِرِي أُمّ عَامِرٍ بِجَرَادِ عُضَالٍ
وَكَمَرِ رِجَالٍ، يَخْدَعُونَهَا بِذَلِكَ، وَهِيَ تَكَنّى أُمّ عَامِرٍ،
وَأُمّ عَمْرٍو، وَأُمّ الْهِنّبْرِ [وَأُمّ عِتَابٍ وَأُمّ طَرِيقٍ وَأُمّ
نَوْفَلٍ] ، وَأُمّ خنّور وأم خنور
__________
- بيتان من القصيدة. ويريد بالموقفة: الضبع التى تأكل القتلى والموتى كما
يقول أبو ذر. والوقف أيضا- السوار- من العاج، وأنشد ابن برى لابن مقبل:
كأنه وقف عاج بات مكنونا
(1) البيت فى اللسان لساعد بن جؤية وفيه: مذرعة بدلا من موقفة.
(2) لأن الأنثى ضبع بفتح الضاد وضم الباء، أما الذكر فضبعان، والأنثى أيضا
ضبعانة بكسر الضاد فى الكلمتين.
(5/380)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَعًا وَتُسَمّى: حَضَاجِرَ وَجَعَار [وَالْعَثْوَاءُ وَذِيخَة وَعَيْلَم
وجيعر، وَأُمّ جَعْوَر] وَقَثَام وَجَيْأَل وَعَيْشُوم، وَقَثَام أَيْضًا
اسْمٌ لِلْغَنِيمَةِ الْكَثِيرَةِ يُقَالُ أَصَابَ الْقَوْمُ قُثَامًا،
قَالَهُ الزّبَيْرُ، وحيثل وَعَيْثُوم، وَأَمّا الذّكَرُ مِنْهَا
فَعَيْلَام وَعِثْيَان وَذِيخٌ [وَأَبُو كَلَدَةَ وَنَوْفَلٌ والأعثى] «1»
وَقَوْلُهُ فِي وَصْفِ الْأَسَدِ فِي الْغِيلِ: مُجْرٍ، أَيْ: ذُو
أُجَرَاءَ، وَالْأَبَاءَةُ:
الْأَجَمَةُ الّتِي هُوَ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْغِيلُ وَالْخِدْرُ
وَالْعَرِين وَالْعِرّيسَة.
وَقَوْلُهُ أُحْمَى الْأَبَاءَةَ، أَيْ: حَمَاهَا، وَأَحْمِي لُغَةٌ فِي
حَمَى لَكِنّهَا ضَعِيفَةٌ، وَلَعَلّهُ أَرَادَ: أَحْمَى الْأَبَاءَةَ،
أَيْ جَعَلَهَا كَالنّارِ الْحَامِيَةِ، يُقَالُ: أَحْمَيْت الْحَدِيدَةَ
فِي النّارِ، يَعْنِي: إنّ أَبَاءَتَهُ قَدْ حَمِيَتْ بِهِ فَلَا تَقْرَبْ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ كُلَافٍ، لَعَلّهُ أَرَادَ مِنْ شِدّةِ كَلَفٍ بِمَا
يَحْمِيهِ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى وَزْنِ، فَعَالٍ، لِأَنّ الْكِلْفَ إذَا
اشْتَدّ: كَالْهَيَامِ وَالْعِطَاشِ، وَفِي مَعْنَى الشّعَارِ، وَلَعَلّ
كُلَافًا اسْمُ مَوْضِعٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْكُلَاف: اسم شجر
والله أعلم «2» .
__________
(1) ضبط الهنبر كما ذكرت ولها ضبطان آخران هنبر- بكسر الهاء وفتح النون
وسكون الباء، أو هنبر بكسر الهاء وسكون النون وكسر الباء. وزاد القاموس
جيعر وأم جعار مع جعار كما زاد مع جيأل: جيألة وجيل بفتح الجيم والياء فى
الثانية، وزاد مع قتام قتم مثل عمر. فى كتاب الحيوان: أم طريق وزدت أم طريق
وأبا كلدة وأم نوفل ونوفلا من الحيوان للدميرى والقاموس. ومع العنيان ورد
فى القاموس واللسان: الأعثى للذكر والعثواء للأنثى، وورد النهاية ذيخة مؤنث
ذيخ، وعيلم مع عيلام.
(2) الشعار: موضع كثير الشجر والأجمة، وقال صاحب المراصد عنه: واد من عمل
المدينة.
(5/381)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ بِخَلّ، هُوَ الطّرِيقُ فِي الرّمْلِ، وَالْهَجْهَجَة مِنْ
قَوْلِك: هَجْهَجْت بِالذّئْبِ إذَا زَجَرْته. قَالَ الشّاعِرُ:
لَمْ يُنْجِهِ مِنْهَا صِيَاحُ الْهَجْهَجِ
«1» وَقَوْلُهُ: بقرقرة وهدر. القرقرة صوت شديد منقطع، وَجَاءَ فِي صِفَةِ
عَامِرٍ الْحَدّاءِ أَنّهُ كَانَ قراقرىّ الصوت، فلما كبر وصعف صَوْتُهُ،
قَالَ:
أَصْبَحَ صَوْتُ عَامِرٍ صَئِيّا ... أَبْكَمَ لَا يُكَلّمُ الْمَطِيّا «2»
وَهُوَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ الحدّاء الّتغلبىّ، وإليه ينسب بنو الحدّاء
«3» ،
__________
(1) الشعر لعمران بن عصام الغزى. وهو الذى أشار على عبد الملك ابن مروان
بخلع أخيه عبد العزيز والبيعة للوليد بن عبد الملك. خرج على الحجاج مع ابن
الأشعث، فظفر به الحجاج. فقتله، فلما بلغ عبد الملك بن مروان قتل الحجاج
له. قال: ولم قتله؟ وبله، ألا رعى قوله فيه:
وبعثت من ولد الأغر معتب ... صقرا يلوذ حمامه بالعرفج
فاذا طبخت بناره أنضجتها ... وإذا طبخت بغيرها لم تنضج
وهو الهزبر إذا أراد فريسة ... لم ينجها منه صياح الهجهج
ص 48 ح 1 البيان والتبيين للجاحظ ط 1948
(2) الرجز فى اللسان غير منسوب إلى أحد وهو:
أصبح صوت عامر صيئيا ... من بعد ما كان قراقريا
فمن ينادى بعدك المطيا
والضئى: صوت الفرخ.
(3) قال ابن حبيب: الحداء بن دهل بن الحارث بن ذهل بن مران الجعفى، وقال
ابن دريد: عامر بن ربيعة بن تيم الله بن أسامة بن مالك بن بكر بن تغلب
«اللباب لابن الأثير» .
(5/382)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ أَهْلُ اللّغَةِ أَنّ الْكَشِيشَ أَوّلُ رُغَاءِ الجمل، ثم الكتيت
«1» ثم الهدر، ثم القرفرة، ثُمّ الزّغْدَ، وَيُقَالُ زَغَدَ يَزْغُدُ ثُمّ
الْقُلَاخُ [أَوْ الْقَلْخُ أَوْ الْقَلِيخُ الْأَخِيرَةُ عَنْ
سِيبَوَيْهِ] إذا جعل كأنه يتقلّع.
وقوله: وأكنف مجناء «2» ، يَعْنِي: التّرْسَ، وَهُوَ مِنْ أَجَنَأْت
الشّيْءَ، إذَا جَنَيْته فَهُوَ مُجْنَأً، وَيَعْنِي بِصَفْرَاءَ
الْبُرَايَةِ: الْقَوْسَ، وبرايتها: ما برى منها، وجعلها صفراء لجدّتها
وفوّتها. وَقَوْلُهُ: وَأَبْيَضَ كَالْغَدِيرِ: أَرَادَ السّيْفَ،
وَعُمَيْرٌ اسْمُ صَانِعٍ، وَالْمَدَاوِسُ: جَمْعُ مِدْوَسٍ، وَهِيَ
الْآلَةُ الّتِي يُدَوّسُ بِهَا الْحَدّادُ، وَالصّيْقَلُ مَا يَصْنَعُهُ،
وَوَصَفَهُ إيّاهَا بِالْمُغْرِ، الْمُغْرُ:
جَمْعُ أَمْغَرَ، وَهُوَ الْأَحْمَرُ، وَالْخَادِرُ: الدّاخِلُ فِي
الْخِدْرِ وَمُسْبَطِرّ: غَيْرُ مُنْقَبِضٍ.
وَقَوْلُهُ: يَقُولُ لِي الْفَتَى سَعْدٌ هَدِيّا. الْهَدْيُ: مَا يُهْدَى
إلَى الْبَيْتِ، وَالْهَدْي أَيْضًا الْعَرُوسُ تُهْدَى إلَى زَوْجِهَا،
وَنَصَبَ هَدْيًا هُنَا عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ، كَأَنّهُ أَرَادَ اهْدِ
هَدْيًا.
شَرْحُ الْقَصِيدَةِ الْفَاوِيّةِ لِأَبِي أُسَامَةَ:
وَقَوْلُهُ فِي الشّعْرِ الفاوىّ: كأن رؤسهم حَدَجٌ نَقِيفُ. الْحَدَجُ:
جَمْعُ حَدَجَةٍ، وَهِيَ الْحَنْظَلَةُ، والنّقيف: المنقوف، كما قال امرؤ
القيس:
__________
(1) فى القاموس فى مادة كت: الكنيت أول هدر البكر. وفى مادة كشيش قال:
الكشيش من الجمل: أول هديره. وهو دون الكت.
(2) هو فى السيرة: أكلف. ويقول أبو ذر. من رواه باللام فإنه يعنى ترسا أسود
الظاهر، ومن رواه أكنف- بالنون- فهو الترس أيضا مأخوذ من كنفه أى: ستره.
(5/383)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[كأنى غَدَاةَ الْبَيْنِ يَوْمَ تَحَمّلُوا ... لَدَى سَمُرَاتِ الْحَيّ]
نَاتِفُ حَنُظَلٍ
وَهُوَ الْمُسْتَخْرِجُ حَبّ الْحَنْظَلِ.
وَقَوْلُهُ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ، أَيْ: مُتَرَاكِمَةٌ مِنْ خَصَفْت النّعْلَ
أو من خصفت الليّف، إذا نسجته، وَقَدْ يُقَالُ كَتِيبَةٌ خَصِيفٌ، أَيْ:
مُنْتَسِجَةٌ، بَعْضُهَا، بِبَعْضِ، مُتَكَاثِفَةٌ «1» ، وَفِي كِتَابِ
سِيبَوَيْهِ: كَتِيبَةٌ خَصِيفٌ أَيْ: سَوْدَاءُ.
وَقَوْلُهُ: وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ، هُوَ: الْمَوْضِعُ الّذِي
فِيهِ قَبْرُ آمِنَةَ أُمّ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَسُمّيَ الْأَبْوَاءَ، لِأَنّ السّيُولَ تَتَبَوّأهُ، وَفِي
الْحَدِيثِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَارَ
قَبْرَ أمه بالأبواء في ألف مقنع فبكى وأبكى «2» ، وَوَجَدْت عَلَى
الْبَيْتِ الْمُتَقَدّمِ الّذِي فِيهِ: حَدَجٌ نَقِيفُ فِي حَاشِيَةِ
الشّيْخِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحَنْظَلُ: مِنْ الْأَعْلَاثِ وَهُوَ
يَنْبُتُ شَرْيًا «3» ، كَمَا يَنْبُت شَرِيّ الْقِثّاءِ، وَالشّرِيّ:
شَجَرُهُ، ثُمّ يَخْرُجُ فِيهِ زَهْرٌ، ثُمّ يَخْرُجُ فِي الزّهْرُ جِرَاءَ
مِثْلَ جِرَاءِ الْبِطّيخِ «4» ، فَإِذَا ضَخُمَ وَسَمِنَ حَبّهُ سَمّوْهُ
الْحَدَجَ وَاحِدَتُهُ حَدَجَةٌ، فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الصّفرة سمّوه:
الخطبان، وزاد
__________
(1) فى اللسان: وكتيبة نسيفة: لما فيها من صدأ الحديد وبياضه.
(2) أخرجه الحاكم، وقد سبق الكلام عن هذا.
(3) الأعلاث أو الأغلاث، وقد ذكر منها أبو زياد الكلابى ضروبا من النبات
منها الحنظل، وقال إنها من الأعلاث، ثم قال: والأغلاث مأخوذ من الغلث وهو
الخلط. وفى اللسان أن أبا حنيفة حكاه بالغين.
(4) جمع جرو: صغير كل شىء حتى الحنظل والبطيخ ونحوه.
(5/384)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أبو حنيفة أن الحنظلة إدا اسْوَدّتْ بَعْدَ الْخُضْرَةِ، فَهِيَ
قَهْقَرَةٌ، وَذُكِرَ فِي الْقِثّاءِ الْحَدَجُ وَالْجِرَاءُ كَمَا ذُكِرَ
فِي الْحَنْظَلِ، وَكَذَلِكَ الشّرْيَةُ اسْمٌ لِشَجَرَتِهِمَا، وَفِي
الْقِثّاءِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بِطّيخًا الْقُحّ «1» ، وَقَبْلَ الْقُحّ
يَكُونُ خَضَفًا، وَأَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ الْقُشْعُرُ وَالشّعْرُورُ
وَالضّغْبُوسُ «2» ونقيف مَعْنَاهُ:
مَكْسُورٌ، لِأَنّهُ يُقَالُ نَقَفْت رَأْسَهُ عَنْ دِمَاغِهِ، أَيّ
كَسَرْته.
وَقَوْلُهُ: أَخُوضُ الصّرّةَ الْحَمّاءَ. الصّرّةُ «3» : الْجَمَاعَةُ،
وَالصّرّةُ: الصّيَاحُ، وَالصّرّةُ: شِدّةُ الْبَرْدِ، وَإِيّاهَا عَنِيَ،
لِأَنّهُ ذَكَرَ الشّفِيفَ فِي آخِرِ البيت، وهو وَهُوَ بَرْدٌ وَرِيحٌ،
وَيُقَالُ لَهُ: الشّفّانُ أَيْضًا، أَنْشَدَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ:
قُلْ لِلشّمَالِ الّتِي هَبّتْ مُزَعْزَعَةً ... تُذْرِي مَعَ اللّيْلِ
شَفّانًا بِصُرّادِ
اقْرِي السّلَامَ عَلَى نَجْدٍ وَسَاكِنِهِ ... وَحَاضِرٍ بِاللّوَى إنْ
كَانَ أَوْ بَادِ
سَلَامُ مُغْتَرِبٍ فِقْدَانَ مَنْزِلِهِ ... إن أنجد الناس لم يهمم بإبجاد
__________
(1) قال الأزهرى: أخطأ الليث فى تفسير القح، وفى قوله للبطيخة التى لم تنضج
أنها القح، وهذا تصحيف، قال: وصوابه: الفج- بكسر الفاء- يقال ذلك لكل ثمر
لم ينضج، وأما القح فهو أصل الشىء وخالصه.
(2) الخضف صغار البطيخ أو كباره. وفى اللسان: القشعر بضم القاف والعين
وسكون الشين: القثاه واحدته: قشعرة بلغة أهل الجوف من اليمن وفى اللسان.
الشعرورة: القثاءة الصغيرة، وقيل هو نبت، والشعارير: صغار القثاء واحدها:
شعرور. والضغبوس والضغنابيس القثاء الصغار، ولها معان أخر.
(3) الحماء: تروى بالجيم وبالحاء، ويقول أبو ذر: الجماء: الكثير، ومن رواه
الحماء: فمعناه: السود «ص 204» .
(م 25- الروض الأنف ج هـ)
(5/385)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شِعْرُ هِنْدٍ:
وَفِي شِعْرِ هِنْدٍ: جَمِيلُ الْمَرَاةِ، أَرَادَتْ: مِرْآةَ الْعَيْنِ،
فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إلَى السّاكِنِ، فَذَهَبَتْ الْهَمْزَةُ،
وَإِنّمَا تَذْهَبُ الْهَمْزَةُ إذَا نُقِلَتْ حَرَكَتهَا، لِأَنّهَا
تَبْقَى فِي تَقْدِيرِ أَلِفٍ سَاكِنَةٍ، وَالسّاكِنُ الّذِي قَبْلَهَا
بَاقٍ عَلَى حُكْمِ السّكُونِ لِأَنّ الْحَرَكَةَ الْمَنْقُولَةَ إلَيْهِ
عَارِضَةٌ، فَكَأَنّهُ قَدْ اجْتَمَعَ سَاكِنَانِ، فَحُذِفَتْ الْأَلِفُ
لِذَلِكَ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ جِنّي.
وَقَوْلُ هِنْدٍ: فَأَمّا بُرَيّ فَلَمْ أُعِنْهُ، فَهُوَ تَصْغِيرٌ
الْبَرَاءِ اسْمُ رَجُلٍ، وَقَوْلُهَا:
قَدْ كُنْت أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَأَنَا الْغَدَاةُ مُوَامِيَهْ
قَوْلُهُ: مُوَامِيَهْ، أَيْ: ذَلِيلَةٌ، وَهُوَ مُؤَامِية بِهَمْزَةِ،
وَلَكِنّهَا سُهّلَتْ، فَصَارَتْ وَاوًا، وَهِيَ مِنْ لَفْظِ الْأُمّةِ،
تَقُولُ: تَأَمّيْتُ أَمَةً أَيْ: اتّخَذْتهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
مَقْلُوبًا مِنْ الْمُوَاءَمَةِ، وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ، فَيَكُونُ
الْأَصْلُ مُوَائِمَةً، ثُمّ قُلِبَ فَصَارَ مُوَامِيَة عَلَى وَزْنِ
مُفَاعِلَةٍ «1» ، تُرِيدُ أَنّهَا قَدْ ذَلّتْ، فَلَا تَأْبَى، بَلْ
تُوَافِقُ الْعَدُوّ عَلَى كُرْهٍ، وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ التّوْأَمِ لِأَنّ
وَزْنَهُ فَوْعَلَ مِثْلَ التّوْلَجِ وَالتّاءُ فِيهِمَا جَمِيعًا بَدَلٌ
مِنْ: وَاوٍ، قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ.
وَقَوْلُهَا مَلْهُوفَةٌ مُسْتَلَبَهْ. الْأَجْوَدُ فِي مُسْتَلَبَهْ أَنْ
يَكُونَ بِكَسْرِ اللّامّ مِنْ السّلَابِ وَهِيَ الْخِرْقَةُ السّوْدَاءُ
الّتِي تُخَمّرُ بِهَا الثّكْلَى، وَمِنْهُ قَوْلُ النّبِيّ
__________
(1) يقول أبو ذر فى شرح السيره: موامية: مختلطة العقل، وهو مأخوذ من
المأموم، وهو البرسام «البرسام علة من العلل» .
(5/386)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ عُمَيْسٍ حِينَ
مَاتَ عَنْهَا جَعْفَرٌ: تَسَلّبِي ثَلَاثًا، ثُمّ اصْنَعِي مَا شِئْت،
وَهُوَ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ بِالْإِحْدَادِ، وَمُتَأَوّلٌ، ذَكَرَهُ
الطّبَرِيّ.
شِعْرُ قُتَيْلَةَ:
وَذَكَرَ ابْنُ هشام شعر قتيلة بنت الحرث تَرِثِي أَخَاهَا النّضْرَ بْنَ
الْحَارِثِ، وَالصّحِيحُ أَنّهَا بِنْتُ النّضْرِ لَا أُخْتُهُ «1»
كَذَلِكَ قَالَ الزّبَيْرُ وغيره، وكذلك وقع فى كتاب الدلائل، وقتبلة
هَذِهِ كَانَتْ تَحْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ الْأَصْغَرِ، فَهِيَ
جَدّةُ الثّرَيّا بِنْتِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ الّتِي يَقُولُ
فِيهَا عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ حِينَ خَطَبَهَا سُهَيْلُ بْنُ عَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ:
أَيّهَا الْمُنْكِحُ الثّرَيّا سُهَيْلًا ... عَمْرُك اللهُ كَيْفَ
يَلْتَقِيَانِ
هِيَ شَامِيّةٌ إذَا مَا اسْتَقَلّتْ ... وَسُهَيْلٌ إذَا اسْتَقَلّ
يَمَانِ «2»
وَرَهْطُ الثّرَيّا هَذِهِ يُقَالُ لَهُمْ: الْعَبَلَاتُ، لِأَنّ أُمّهُمْ
عبلة بنت عبيد
__________
(1) كذلك ذكر المصعب الزبيرى فى نسب قريش ص 255 وابن عبد البر والجوهرى
والذهبى، ويسميها الجاحظ فى البيان والتبيين: ليلى بنت للنضر ص 43 ح 4
البيان والنبيين.
(2) وقيل إنها تزوجت سهيل بن عبد العزيز بن مروان، وقد رجح أبو الفرج هذا
القول: لأنها حملت إلى مصر، وهناك كان منزل سهيل ابن عبد العزيز، ولم يكن
لسهل بن عبد الرحمن مرضع. وأول القصيدة.
أيها الطارق الذى قد عنانى ... بعد ما نام سامر الركبان
واقرأ قصة ثريا فى الأغانى وتجريده ص 217 ج 1 طبع لبنان، وص 89 ح 1 تجريد.
(5/387)
|