الروض الأنف ت الوكيل

[حديث بئر معونة]
[سبب إرسال بعث بئر معونة]
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ، كَمَا حَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حزم، وغيره من أهل الملم، قَالُوا: قَدِمَ أَبُو بَرَاءٍ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ مُلَاعِبُ الْأَسِنّةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ، وَدَعَاهُ إلَيْهِ، فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَبْعُدْ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ لَوْ بَعَثْتَ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِك إلَى أَهْلِ نَجْدٍ، فَدَعَوْهُمْ إلَى أَمْرِك، رَجَوْتُ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَك؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إنّي أَخْشَى عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ؛ قَالَ أَبُو بَرَاءٍ: أَنَا لَهُمْ جَارٍ، فَابْعَثْهُمْ فَلْيَدْعُوا النّاسَ إلَى أَمْرِك.
[رِجَالُ الْبَعْثِ]
فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو، أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ، الْمُعْنِقَ لِيَمُوتَ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ: مِنْهُمْ:
الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ أَخُو بَنِي عَدِيّ بن النّجّار، وعروة ابن أَسْمَاءَ بْنِ الصّلْتِ السّلَمِيّ، وَنَافِعُ بْنُ بُدَيْلِ بن ورقاء الخزاعىّ، وعامر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(6/177)


ابن فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ، فِي رِجَالٍ مسمّين من خيار المسلمين. فسارو حَتّى نَزَلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَهِيَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ وَحَرّةِ بَنِي سُلَيْمٍ، كِلَا الْبَلَدَيْنِ مِنْهَا قَرِيبٌ، وَهِيَ إلَى حَرّةِ بَنِي سُلَيْمٍ أقرب.
[عامر يقتل صحابيا]
فَلَمّا نَزَلُوهَا بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلى عَدُوّ اللهِ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ؛ فَلَمّا أَتَاهُ لَمْ يَنْظُرْ فِي كِتَابِهِ حَتّى عَدَا عَلَى الرجل فقتله، ثم استصرخ عليهم بَنِي عَامِرٍ، فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ، وَقَالُوا:
لَنْ نَخْفِرَ أَبَا بَرَاءٍ، وَقَدْ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا وَجِوَارًا؛ فَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ مِنْ عُصَيّةَ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ، فَأَجَابُوهُ إلَى ذَلِكَ، فَخَرَجُوا حَتّى غَشُوا الْقَوْمَ، فَأَحَاطُوا بِهِمْ فِي رِحَالِهِمْ، فَلَمّا رَأَوْهُمْ أَخَذُوا سُيُوفَهُمْ، ثُمّ قَاتَلُوهُمْ حَتّى قُتِلُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ، يَرْحَمُهُمْ اللهُ، إلّا كَعْبَ بْنَ زيد، أخا بنى دينار ابن النّجّارِ، فَإِنّهُمْ تَرَكُوهُ وَبِهِ رَمَقٌ، فَارْتُثّ مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى، فَعَاشَ حَتّى قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا، رَحِمَهُ اللهُ.
ابْنُ أُمَيّةَ وَالْمُنْذِرُ وَمَوْقِفُهُمَا من القوم بعد علمهما بمقتل أصحابهم وَكَانَ فِي سَرْحِ الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ، وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ الْمُنْذِرُ بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الْجُلَاحِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمْ يُنْبِئْهُمَا بِمُصَابِ أصحابهما إلا الطير تحوم على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(6/178)


العسكر، فقالا: وَاَللهِ إنّ لِهَذِهِ الطّيْرِ لَشَأْنًا، فَأَقْبَلَا لِيَنْظُرَا، فَإِذَا الْقَوْمُ فِي دِمَائِهِمْ، وَإِذَا الْخَيْلُ الّتِي أَصَابَتْهُمْ وَاقِفَةٌ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ:
مَا تَرَى؟ قَالَ أَرَى أَنْ نَلْحَقَ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَنُخْبِرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ: لَكِنّي مَا كُنْتُ لِأَرْغَبَ بِنَفْسِي عن موطن قتل فيه المنذر ابن عَمْرٍو، وَمَا كُنْتُ لِتُخْبِرَنِي عَنْهُ الرّجَالُ؛ ثُمّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ، وَأَخَذُوا عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ أَسِيرًا؛ فَلَمّا أَخْبَرَهُمْ أَنّهُ مِنْ مُضَرَ، أَطْلَقَهُ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ، وَجَزّ نَاصِيَتَهُ، وَأَعْتَقَهُ عَنْ رَقَبَةٍ زَعَمَ أَنّهَا كَانَتْ عَلَى أُمّهِ.
[قَتْلُ الْعَامِرِيّيْنِ]
فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ، حَتّى إذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ صَدْرِ قَنَاةٍ، أَقْبَلَ رجلان من بنى عامر.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمّ مِنْ بَنِي كِلَابٍ، وَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ أَنّهُمَا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى نَزَلَا مَعَهُ فِي ظِلّ هُوَ فِيهِ. وَكَانَ مَعَ الْعَامِرِيّيْنِ عَقْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِوَارٌ، لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ، وَقَدْ سَأَلَهُمَا حِينَ نَزَلَا، مِمّنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَا: مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فَأَمْهَلَهُمَا، حَتّى إذَا نَامَا، عَدَا عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا، وَهُوَ يَرَى أَنّهُ قَدْ أَصَابَ بِهِمَا ثُؤْرَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فِيمَا أَصَابُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَلَمّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ، لَأَدِيَنّهُمَا!
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(6/179)


[كراهية الرسول عَمَلِ أَبِي بَرَاءٍ]
ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، قَدْ كُنْت لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوّفًا. فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَرَاءٍ، فَشَقّ عَلَيْهِ إخْفَارُ عَامِرٍ إيّاهُ، وَمَا أَصَابَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَبَبِهِ وَجِوَارِهِ؛ وَكَانَ فِيمَنْ أصيب عامر بن فهيرة.
[ابن فهيرة والسماء]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنّ عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ كَانَ يَقُولُ: مَنْ رَجُلٌ مِنْهُمْ لَمّا قُتِلَ رَأَيْته رُفِعَ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتّى رَأَيْت السّمَاءَ مِنْ دُونِهِ؟ قَالُوا: هُوَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ.
[سَبَبُ إسْلَامِ ابْنِ سَلْمَى]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وقد حدثنى بعض بَنِي جَبّارِ بْنِ سَلْمَى بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ- وَكَانَ جَبّارٌ فِيمَنْ حَضَرَهَا يَوْمَئِذٍ مَعَ عَامِرٍ ثُمّ أَسْلَمَ- (قَالَ) فَكَانَ يَقُولُ: إنّ مِمّا دَعَانِي إلَى الْإِسْلَامِ أَنّي طَعَنْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ بِالرّمْحِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَنَظَرْتُ إلَى سِنَانِ الرّمْحِ حِينَ خَرَجَ مِنْ صَدْرِهِ، فَسَمِعْته يَقُولُ:
فُزْتُ وَاَللهِ! فَقُلْت فِي نَفْسِي: مَا فَازَ! أَلَسْتُ قَدْ قَتَلْتُ الرّجُلَ! قَالَ: حَتّى سَأَلْت بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ، فَقَالُوا: لِلشّهَادَةِ؛ فَقُلْت: فَازَ لَعَمْرِو اللهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(6/180)


[شِعْرُ حَسّانٍ فِي تَحْرِيضِ بَنِي أَبِي بَرَاءٍ عَلَى عَامِرٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرّضُ بَنِي أَبِي بَرَاءٍ عَلَى عامر ابن الطفيل:
بَنِي أُمّ الْبَنِينَ أَلَم يَرُعْكُمْ ... وَأَنْتُمْ مِنْ ذَوَائِبِ أَهْلِ نَجْدِ
تَهَكّمُ عَامِرٍ بِأَبِي بَرَاءٍ ... لِيُخْفِرَهُ وَمَا خَطَأٌ كَعَمْدِ
أَلَا أَبْلِغْ رَبِيعَةَ ذَا الْمَسَاعِي ... فَمَا أَحْدَثْتَ فِي الْحَدَثَانِ بَعْدِي
أَبُوك أَبُو الْحُرُوبِ أَبُو بَرَاءٍ ... وَخَالُك مَاجِدٌ حَكَمُ بْنُ سَعْدِ
[نَسَبُ حَكَمِ وَأُمّ الْبَنِينَ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَكَمُ بْنُ سَعْدٍ: مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ؛ وَأُمّ الْبَنِينَ: بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَهِيَ أُمّ أبى براء.
[طَعْنُ رَبِيعَةَ لِعَامِرِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَمَلَ رَبِيعَةُ (بْنُ عَامِرِ) بْنِ مَالِكِ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ، فَطَعَنَهُ بِالرّمْحِ، فَوَقَعَ فِي فَخِذِهِ، فَأَشْوَاهُ، وَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ، فَقَالَ: هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، إنْ أَمُتْ فَدَمِي لِعَمّي، فَلَا يُتْبَعَنّ بِهِ، وَإِنْ أَعِشْ فَسَأَرَى رَأْيِي فِيمَا أُتِيَ إلَيّ.
[مَقْتَلُ ابْنِ وَرْقَاءَ وَرِثَاءُ ابْنِ رَوَاحَةَ لَهُ]
وَقَالَ أَنَسُ بْنُ عَبّاسٍ السّلَمِيّ، وَكَانَ خَالَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(6/181)


وَقَتَلَ يَوْمَئِذٍ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ:
تَرَكْت ابْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ ثَاوِيًا ... بِمُعْتَرَكِ تسْفِي عليه الأعاصر
ذكرت أبا الزّيّان لَمّا رَأَيْته ... وَأَيْقَنْت أَنّي عِنْدَ ذَلِكَ ثَائِرُ
وأبو الزيّان: طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَبْكِي نَافِعَ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ:
رحم الله نافع بن بديل ... رحمة المبتنى ثَوَابَ الْجِهَادِ
صَابِرٌ صَادِقٌ وَفِيّ إذَا مَا ... أَكْثَرَ الْقَوْمُ قَالَ قَوْلَ السّدَادِ
[شِعْرُ حَسّانٍ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي قَتْلَى بِئْرِ معونة، ويخصّ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو:
عَلَى قَتْلَى مَعُونَةَ فَاسْتَهِلّي ... بِدَمْعِ الْعَيْنِ سَحّا غَيْرَ نَزْرِ
عَلَى خَيْلِ الرّسُولِ غَدَاةَ لَاقَوْا ... مَنَايَاهُمْ وَلَاقَتْهُمْ بِقَدْرِ
أَصَابَهُمْ الفناء بعقد قوم ... نخوّن عَقْدُ حَبْلِهِمْ بِغَدْرِ
فَيَا لَهْفِي لِمُنْذِرٍ إذْ تَوَلّى ... وَأَعْنَقَ فِي مَنِيّتِهِ بِصَبْرِ
وَكَائِنْ قَدْ أُصِيبَ غَدَاةَ ذَاكُمْ ... مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ مِنْ سِرّ عَمْرِو
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي آخِرَهَا بَيْتًا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ.
[شِعْرُ كَعْبٍ فِي يَوْمِ بِئْرِ مَعُونَةَ]
وَأَنْشَدَنِي لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي يَوْمِ بِئْرِ مَعُونَةَ، يُعَيّرُ بَنِي جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(6/182)


تَرَكْتُمْ جَارَكُمْ لِبَنِي سُلَيْمٍ ... مَخَافَةَ حَرْبِهِمْ عَجْزًا وَهُونَا
فَلَوْ حَبْلًا تَنَاوَلَ مِنْ عُقَيْلٍ ... لَمَدّ بِحَبْلِهَا حَبْلًا مَتِينَا
أَوْ الْقُرَطُاءُ مَا إنْ أَسْلَمُوهُ ... وَقِدْمًا مَا وَفَوْا إذْ لَا تَفُونَا
[نَسَبُ الْقُرَطَاءِ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقُرَطَاءُ: قَبِيلَةٌ مِنْ هَوَازِنَ، وَيُرْوَى «مِنْ نُفَيْلٍ» مَكَانَ «مِنْ عُقَيْلٍ» ، وَهُوَ الصّحِيحُ؛ لِأَنّ الْقُرَطَاءَ مِنْ نُفَيْلٍ قريب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَقْتَلُ خَبِيبٍ وَأَصْحَابِهِ وَذَكَرَ غَدْرَ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ، وَهُمَا بَطْنَانِ مِنْ بَنِي الْهُونِ، وَالْهُونُ هُمْ بَنُو الرّيشِ وَيَثِيعُ ابْنَيْ الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ «1» ، وقد تقدم التعريف بمعنى
__________
(1) ورد عنهم فى نسب قريش للمصعب الزبيرى أن خزيمة بن مدركة ولد الهون وأن أمه بَرّةُ بِنْتُ مُرّ بْنِ أَدّ بْنِ طَابِخَةَ بن إلياس بن مضر ثم قال بالنص «فأما الهون بن خزيمة فهم عضل وديش والقارة بنو بيثغ بن الهون، وهم بطنان من خزاعة يقال لهما: الحيا والمصطلق» ص 9 وفى جمهرة ابن حزم أن الهون بن خزيمة ولد مليحا، وأن هذا ولد يثيغا. وأن الديش هو ابن محلم ابن غالب بن عائذة بن يثيع. وأن الديش ولد عضلا، وأن الدبش هم القارة ص 179 لكن ابن عبد البر يقول: «ولد خزيمة كنانة أمه هند ابنة عيلان ابن مضر، وأسد أو الهون وهو القارة أمهما بنت مر أخت تميم بن مر، وفى القارة بطون كثيرة» ويكرر هذا بقوله عن أكثر أهل العلم أنهم لا يعلمون الخزيمة ولدا غير أسد والهون وهو القارة وكنانة» بل إنه ليجعل للقارة عنوانا خاصا ثم يقول «وهو الهون بن خزيمة» ثم قال: «قال الزبير: عضل والقارة اننا ييثغ بن الهون بن خزيمة.. يقال لهم القارة. وقال أبو عبيدة عن يشيغ-

(6/183)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القارة، وبالمثل الذى جَرَى فِيهِمْ، وَالْقَارَةُ الْحَرّةُ «1» ، وَذَكَرْنَا السّبَبَ فِي تَسْمِيَتِهِمْ بِهَا.
وَذَكَرَ أَنّ أَصْحَابَ خَبِيبٍ كَانُوا سِتّةً، وَفِي الْجَامِعِ الصّحِيحِ لِلْبُخَارِيّ أَنّهُمْ كَانُوا عَشْرَةً، وَهُوَ أَصَحّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ أَسَمَاءَ السّتّة، وقد نسبهم فيما تقدم، فلما خُبَيْبٌ فَهُوَ مِنْ بَنِي جَحْجَبَى «2» بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّةِ «3» بْنِ مُعَاوِيَةَ مَقْلُوبٌ مِنْ الثّدَنَةِ وَالثّدَنُ اسْتِرْخَاءُ اللّحْمِ «4» .
وَذَكَرَ فِيهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَقَوْلَهُ:
مَا عِلّتِي وَأَنَا جلد نايل ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُنَابِلُ
وَالْعُنَابِلُ: الشّدِيدُ، وَكَأَنّهُ من العبالة، وهى القوّة، والنون زائدة،
__________
- هو أيثغ بن الهون بالألف، وقال محمد بن حبيب: هو ييثغ بالياء كما قال الزبير وقال ابن الكلبى: ييثغ بن مليح بن الهون بن خزيمة، وهو القارة» ص 73 وما بعدها الإنباه. أما الديش، فهو فى الأصل الريش وهو خطا، والديش بكسر الدال. وقال الجوهرى وربما قالوا بفتح الدال «ص 56 نهاية الأرب فى معرفة أنساب العرب للقلقشندى.
(1) الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار.
(2) فى الأصل حججبى وهو خطأ.
(3) ضبطه القاموس بدون تضعيف النون.
(4) فى الأصل تدنية والتدن وهو خطأ، ويقول ابن دريد إن الدثنة مشتقة من دثن الطائر- بتضعيف الثاء- إذا طاف حول وكره ولم يسقط عليه.

(6/184)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْعَبَالَةُ أَيْضًا: شَجَرَةٌ صُلْبَةٌ، وَفِي الْخَبَرِ أَنّ عَصَا مُوسَى كَانَتْ مِنْ عَبَالَةٍ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّ عَصَا مُوسَى كَانَتْ مِنْ عَيْنِ وَرَقَةِ آسِ الْجَنّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْحُوتًا مِنْ أَصْلَيْنِ: مِنْ الْعَنَنِ «1» وَالنّبْلِ، كَأَنّهُ يُصِيبُ مَا عزّ له بِنَبْلِهِ.
وَذَكَرَ قَوْلَهُ: أَبُو سُلَيْمَانَ وَرِيشُ الْمُقْعَدِ.
قَوْلُهُ: أَبُو سُلَيْمَانَ، أَيْ: أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ قَدْ عُرِفْت فِي الْحُرُوبِ، وَعِنْدِي نَبْلٌ رَاشَهَا الْمُقْعُدُ، وَكَانَ «2» رَائِشًا صَانِعًا. وَرِيشٌ: السّهْمُ الْمَحْمُودُ فِيهِ اللّؤَامُ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الرّيشَةُ بَطْنُهَا إلى ظهر الأخرى، واللّغاب «3» بعكس ذَلِكَ، أَنْ يَكُونَ ظَهْرُ وَاحِدَةٍ إلَى ظَهْرِ الأخرى، وهو الظّهار أيضا، ومن اللّؤَامُ أُخِذَ اللّأْمُ وَهُوَ السّهْمُ الْمَرِيشُ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
كَرّكَ لَأْمَيْنِ عَلَى نَابِلٍ «4» وَسُئِلَ رُؤْبَةُ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ، فَقَالَ: حَدّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، قَالَ حَدّثَتْنِي عَمّتِي، وَكَانَتْ فِي بَنِي دَارِمٍ قَالَتْ: سَأَلْت امْرَأَ الْقَيْسِ، وهو يشرب
__________
(1) العنن: ظهور الشىء أمامك.
(2) أى هذا المقعد المذكور كان رجلا رائشا الخ.
(3) فى القاموس: سهم لأم عليه ريش لؤام يلائم بعضها بعضا. واللغاب: السهم الفاسد لم يحسن يريه «القاموس» .
(4) البيت فى اللسان
نطعنهم سلكى ومخلوجة ... لغتك لأمين على نابل
ويروى كما ذكر السهيلى: كرك لأمين

(6/185)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
طِلَاءً لَهُ مَعَ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدَةَ: مَا مَعْنَى قَوْلِك: كَرّكَ لَأْمَيْنِ عَلَى نَابِلٍ؟ فَقَالَ:
مررت بنابل وصاحبه يناوله الرّيش لؤاما وَظُهَارًا، فَمَا رَأَيْت شَيْئًا أَسْرَعَ مِنْهُ، وَلَا أَحْسَنَ فَشَبّهْت بِهِ، ذَكَرَ هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ: وَضَالّةٌ، أَيْ:
سِهَامٌ قِدَاحُهَا مِنْ الضّالِ، وَهُوَ السّدْرُ. قَالَ الشّاعِرُ [ذُو الرّمّةِ] :
قَطَعْت إذَا تَخَوّفْت الْعَوَاطِي ... ضُرُوبَ السّدْرِ عُبْرِيًا وَضَالَا
فَالْعُبْرِيّ مِنْهَا مَا كَانَ عَلَى شُطُوطِ الْأَنْهَارِ، وَالضّالّ مَا كَانَ فِي الْبَرّيّةِ، وَالْعَوَاطِي هِيَ الْمَاشِيَةُ تَعْطُو أَيْ تَتَنَاوَلُ، وَإِنّمَا تَتَنَاوَلُ أَطْرَافَ الشّجَرِ فِي الصّيْفِ، فَمَعْنَاهُ: قَطَعْت هَذِهِ الصّحْرَاءَ فى هذا الوقت، وتخوفت: أى تنقّصت مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ النّحْلُ: 47. وَذَكَرَ أَنّ حُجَيْرَ بْنَ أَبِي إهَابٍ هُوَ الّذِي اشْتَرَى خُبَيْبًا، وَكَانَ خُبَيْبٌ قَدْ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ نَوْفَلٍ أَخَا حُجَيْرٍ لِأُمّهِ، وَقَالَ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ: اشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، لِأَنّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالْمَعْنَى قَرِيبٌ مِمّا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ.
وقوله عاويّة بِنْتُ «1» حُجَيْرٍ بِالْوَاوِ، رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عن ابن
__________
(1) فى السيرة: مولاة، وفى رواية البخارى أنه استعار الموسى من بعض بنات الحارث، وقد وقع فى الأطراف لخلف أن أسمها زينب بنت الحارث. وهى أخت عقبة الذى قتل خبيبا، وقيل: امرأته. وفى رواية البخارى أن بنت الحارث قالت بعد أن أعارته الموسى ليحلق به عانته: «قالت: فغفلت عن صبى لى فدرج إليه حتى أتاه، فوضعه على فخذه، فلما رأيته، فزعت فزعة، عرف ذاك منى، وفى يده الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟! ما كنت لأفعل ذاك إن شاء الله تعالى، وكانت تقول: ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب» ثم ذكرت-

(6/186)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إسْحَاقَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ: مَارِيّةُ بِالرّاءِ، وَبِالْوَاوِ وَقَعَ فِي النّسَخِ الْعَتِيقَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ، وَقَدْ تَكَلّمْنَا عَنْ اشْتِقَاقِ هَذَا الِاسْمِ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ، فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ، وَذَكَرْنَا أَنّ الْمَارِيَةَ بِالتّخْفِيفِ هِيَ الْبَقَرَةُ، وَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ: القطاة المنساء، وَأَمّا الْغُلَامُ الّذِي أَعْطَتْهُ الْمُدْيَةَ، فَقِيلَ: هُوَ أَبُو عِيسَى بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نوفل بن
__________
- فطف العنب. وفى الفتح نقلا عن الزبير أيضا أن الغلام هو: أبو حسين ابن الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مناف. وفى رواية بريدة بن سفيان: وكان ابن صغير، فأقبل إليه الصبى، فأخذه، فأجلسه عنده، فخشيت المرأة أن يقتله، فنا شدته. وعند أبى الأسود عن عروة، فأخذ خبيب بيد الغلام، فقال: هل أمكن الله منكم، فقالت: ما كان هذا ظنى بك، فرمى لها الموسى، وقال: إنما كنت مازحا، وفى رواية بريدة بن سفيان: ما كنت لأغدر. وقد حوول الجمع بين الروايتين رواية ابن إسحاق وما تقدم فى مسألة من حمل الموسى. وبعلق ابن بطال على مسألة قطف العنب: «هذا ويمكن أن يكون الله جعله آية على الكفار وبرهانا لنبيه، لتصحيح رسالته. قال: فأما من يدعى وقوع ذلك له اليوم بين ظهرانى المسلمين، فلا وجه له، إذ المسلمون قد دخلوا الدين، وأيقنوا بالنبوة، فأى معنى لإظهار الآية عندهم، ولو لم يكن فى تجويز ذلك إلا أن يقول جاهل: إذا جاز ظهور هذه الآيات على يد غير نبى، فكيف فصدقها من نبى، والغرض أن غيره يأتى بها، لكان فى إنكار ذلك قطعا للذريعة- إلى أن قال- إلا أن يكون وقوع ذلك مما لا يخرق عادة. ولا يقلب عينا، مثل أن يكرم الله عبدا باجابة دعوة، فى الحين، ونحو ذلك مما يظهر فيه فضل الفاضل وكرامة اولى، ومن ذلك حماية الله تعالى عاصما لئلا ينتهك عدوه حرمته» ص 305 ح 7 فتح البارى.

(6/187)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَبْدِ مَنَافٍ «1» ، قَالَهُ الزّبَيْرُ: وَهُوَ جَدّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الّذِي يَرْوِي عَنْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطّأِ.
وَذَكَرَ أَنّ أَبَا مَيْسَرَةَ هُوَ الّذِي طَعَنَ خُبَيْبًا فى الخشبة، وهو أبو ميسرة ابن عَوْفِ بْنِ السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، وَاَلّذِي طَعَنَهُ مَعَهُ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ يُكَنّى أَبَا سِرْوَعَةَ، وَيُقَالُ: إنّ أَبَا سِرْوَعَةَ وَعُقْبَةُ أَخَوَانِ أَسْلَمَا جَمِيعًا وَلِعُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي الرّضَاعِ، وَشَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِيهِ.
وَحَدِيثُهُ مَشْهُورٌ فِي الصّحَاحِ، فِيهِ أَنّهُ قَالَ: تَزَوّجْت بِنْتَ أَبِي إهَابِ بْنِ عَزِيزٍ، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ، سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: إنّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ «2» وَزَادَ فِيهِ الدّارَقُطْنِيّ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ تَسْأَلُ، فَلَمْ نُعْطِهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ: إنّي وَاَللهِ أَرْضَعْتُكُمَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ إنّهَا كَاذِبَةٌ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: كَيْفَ؟ وَقَدْ قِيلَ؟ فَطَلّقْهَا، وَنَكَحَتْ ضَرِيبَ بْنَ الْحَارِثِ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُمّ قِتَالٍ، وَهِيَ امْرَأَةُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَأُمّ ابْنِهِ مُحَمّدٌ، وَنَافِعٌ ابْنَا جَابِرٍ، وَاسْمُ هذه المرأة التى طلقها عقبة:
__________
(1) وهى كلمة حق يجب أن يعيها الذين لا عمل لهم فى الدين سوى إثبات أن شيوخهم كانوا صناع معجزات تقلب الإنسان حجرا!!.
(2) رواه البخارى فى الشهادات والعلم والبيوع والنكاح، ورواه أبو داود فى القضايا، والترمذى فى الرضاع، والنسائى فى النكاح. ولعقبة حديث: «صلى العصر ثم قام مسرعا، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه» رواه البخارى والنسائى، وحديث ثالث «جىء بالنعيمان أو ابن النعيمان شاربا رواه البخارى.

(6/188)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غُنَيّةُ، وَتُكَنّى أُمّ يَحْيَى، ذَكَرَ اسْمَهَا أَبُو الْحَسَنِ الدّارَقُطْنِيّ فِي الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ النّسَاءِ، وَلَا كَثِيرٌ مِمّنْ أَلّفَ فِي الْحَدِيثِ.
وَذَكَرَ قِصّةَ عَاصِمٍ حِينَ حَمَتْهُ الدّبْرُ. الدّبْرُ هَاهُنَا: الزّنَابِيرُ، وَأَمّا الدّبْرُ «1» فَصِغَارُ الْجَرَادِ، وَمِنْهُ يُقَالُ مَاءٌ دِبْرٌ «2» قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ لِلنّحْلِ أَيْضًا دَبْرٌ بِفَتْحِ الدّالِ وَاحِدَتُهَا دَبْرَةٌ، قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ: خَشْرَمٌ، وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ الْأَصْمَعِيّ، ورواية غيره عنه أن واحدته: خشرمة. والثّوئل جَمَاعَةُ النّحْلِ أَيْضًا، وَلَا وَاحِدَ لَهَا، وَكَذَلِكَ النّوَبُ وَاللّوْبُ. وَمِنْ اللّوْبِ: حَدِيثُ زَبّان بْنِ قَسْوَرٍ «3» ، قَالَ: رَأَيْت النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ نَازِلٌ بِوَادِي الشّوْحَطِ «4» فَكَلّمْته، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ إنّ مَعَنَا لَوْبًا لَنَا- يعنى نحلا- كَانَتْ فِي عَيْلَمٍ لَنَا بِهِ طَرْمٌ وَشَمْعٌ، فجاء رجل فضرب ميتين «5» فانتج حيا، وكفّنه بالتّمام، يعنى نارا
__________
(1) هكذا ضبطها اللسان.
(2) فى اللسان: مال دبر: أى كثير.
(3) فى الإصابة: ابن قيس، أو قيسور. وقال: روى حديثه الدارقطنى فى المؤتلف من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه عنه، قال الدارقطنى: حديثه منكر.
(4) فى القاموس وفى مراصد الإطلاع: شواحط بضم الشين وكسر الحاء جبل مشهور قرب المدينة كثير التمور.
(5) لم أهتد إليها، فى المعاجم، فلعلها حنين وهو الجبل أو الغيار أو عتين وهى خيوط تشد بها أوصال الخيام!! لا أدرى.

(6/189)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ زَنْدَيْنِ، ونحسه يَعْنِي: دُخْنَهُ، فَطَارَ اللّوبُ هاربا، ودلّى مشواره فى العليم فَاشْتَارَ الْعَسَلُ، فَمَضَى بِهِ، فَقَالَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ سَرَقَ شرو قوم، فَأَضَرّ بِهِمْ، أَفَلَا تَبِعْتُمْ أَثَرَهُ، وَعَرَفْتُمْ خَبَرَهُ؟ قَالَ:
قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ إنّهُ دَخَلَ فِي قَوْمٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ، وَهُمْ جِيرَانُنَا مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَالَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَبْرَك صَبْرَك تَرِدُ نَهَرَ الْجَنّةِ، وَإِنّ سِعَتَهُ كَمَا بَيْنَ اللّقِيقَةِ وَالسّحِيقَةِ «1» يَتَسَبْسَبُ جَرْيًا بِعَسَلِ صاف من قذاه ما تقيّاه لوب، ولا مجّه ثوب. فالعليم البئر، وأراد بها هاهنا قبّة النّحل أَوْ الْخَلِيّةَ، وَقَدْ يُقَالُ لِمَوْضِعِ النّحْلِ إذَا كَانَ صَدْعًا فِي جَبَلٍ: شِيقٌ، وَجَمْعُهُ: شِيقَانٌ، وَيُقَالُ لِكُلّ دُخَانٍ نُحَاسٌ «2» ، وَلَا يُقَالُ أَيّامٌ إلّا لِدُخَانِ النّحْلِ خَاصّةً، يُقَالُ: آمَهَا يَئُومُهَا إذَا دَخّنَهَا، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
مَقْتَلُ حُجْر بْنِ عَدِيّ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَنّ خُبَيْبًا أَوّلُ مَنْ سَنّ الرّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ. قَوْلُهُ هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُمَا سُنّةٌ جَارِيَةٌ، وَكَذَلِكَ فَعَلَهُمَا حُجْر بْنُ عَدِيّ بْنِ الْأَدْبَرِ حِينَ قَتَلَهُ مُعَاوِيَةُ- رَحْمَةُ اللهِ- وَذَلِكَ أَنّ زِيَادًا كَتَبَ مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى مُعَاوِيَةَ يَذْكُرُ أَنّ حُجْرا وَأَصْحَابَهُ، قَدْ خَرَجُوا عَلَى السّلْطَانِ، وَشَقّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَوَجّهَ مَعَ الْكِتَابِ «3» بِك فِيهِ شَهَادَةُ سَبْعِينَ رَجُلًا فِيهِمْ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ
__________
(1) لم أهتد فى مراجعى إلى معرفتهما.
(2) الذى سبق ذكره نحسة لا نحاس، وليس فى المعاجم نحسة بمعنى دخان.
(3) هكذا بالأصل، ولعلها: صكا.

(6/190)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْبَصْرِيّ وَابْنُ سِيرِينَ وَالرّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ عِلْيَةِ التّابِعِينَ ذَكَرَهُمْ الطّبَرِيّ «1» يَشْهَدُونَ بِمَا قَالَ زِيَادٌ مِنْ خُرُوجِ حُجْر بْنِ عَدِيّ عَلَيْهِ «2» ، وَكَانَ حُجْر شَدِيدَ الْإِنْكَارِ لِلظّلْمِ، غَلِيظًا عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَأَنْكَرَ عَلَى زِيَادٍ أُمُورًا مِنْ الظّلْمِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْخُرُوجَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمّا حَمَلَ حُجْر إلَى مُعَاوِيَةَ فِي خَمْسَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ لَهُ: السّلَامُ عَلَيْك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أو أنا لِلْمُؤْمِنَيْنِ أَمِيرٌ؟! ثُمّ أَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ صَلّى حُجْر الرّكْعَتَيْنِ، ثُمّ لَقِيَ مُعَاوِيَةُ عَائِشَةَ بالمدينة، فقالت له: أَمَا اتّقَيْت اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ فِي حُجْر بْنِ عَدِيّ وَأَصْحَابِهِ؟ فَقَالَ: أَوْ أَنَا قَتَلْتهمْ، إنّمَا قَتَلَهُمْ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ، فَلَمّا أَكْثَرْت عَلَيْهِ، قَالَ لَهَا: دَعِينِي وَحُجْرًا فَإِنّي مُلَاقِيهِ غَدًا عَلَى الْجَادّةِ، قَالَتْ:
فَأَيْنَ عَزَبَ عَنْك حُلْمُ أَبِي سُفْيَانَ؟ فَقَالَ: حِينَ غَابَ عَنّي مثلك من قومى «3» .
__________
(1) فى ص 269 وما بعدها ح 5 ط دار المعارف.
(2) وقد جاء فى كتاب هذه الشهادة ما يأتى: «هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبى موسى لله رب العالمين. شهد أن حجر بن عدى خلع الطاعة، وفارق الجماعة، ولعن الخليفة، ودعا إلى الحرب والفتنة. وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة، وخلع أمير المؤمنين معاوية، وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء» ص 269 المصدر السابق.
(3) تعددت روايات الطبرى للقاء عائشة ومعاوية رضى الله عنهما. ففى ص 257 يذكر أنه لقيها بمكة، فقالت: يا معاوية أين كان حلمك عن حجر؟ فقال لها: يا أم المؤمنين لم يحضرنى رشيد!! وفى ص 278 أن عائشة أرسلت إلى معاوية بعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فى شأن حجر وأصحابه، فقدم عليه، وقد قتلهم، فقال له عبد الرحمن: أين غاب عنك حلم أبى سفيان؟ قال: غاب عنى حين غاب عنى مثلك من حلماء قومى. -

(6/191)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِمَ صَارَتْ صَلَاةُ خُبَيْبٍ سُنّةً؟:
وَإِنّمَا صَارَ فِعْلُ خُبَيْبٍ سُنّةً حَسَنَةً. وَالسّنّةُ إنّمَا هِيَ أَقْوَالٌ مِنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَفْعَالٌ وَإِقْرَارٌ، لِأَنّهُ فَعَلَهَا فِي حَيَاتِهِ عَلَيْهِ السلام، فاستحسن ذلك من فعله، واستحسنه المعلّمون، مَعَ أَنّ الصّلَاةَ خَيْرُ مَا خُتِمَ بِهِ عَمَلُ الْعَبْدِ، وَقَدْ صَلّى هَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَوْلَى النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ، حَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ طَاهِرِ بْنِ طَاهِرٍ الْإِشْبِيلِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيّ الْغَسّانِيّ، قَالَ: أخبرنا أبو عمر النّمرىّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ جَبْرُونٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمّدٍ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعِينٍ: أَخْبَرَنَا قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ الْمِصْرِيّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ اكْتَرَى من رجل
__________
- وفى نفس الصفحة ذكر أن معاوية حين حج مر على عائشة رضوان الله عليهما، فاستأذن عليها، فأذنت له، فلما قعد قالت له: يا معاوية: أأمنت أن أخبأ لك من يقتلك؟! قال بيت الّا من دخلت. قالت: يا معاوية أما خشيت الله فى قتل حجر وأصحابه؟ قال: لست أَنَا قَتَلْتهمْ إنّمَا قَتَلَهُمْ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ. هذا وقد فصل الطبرى فى تاريخه قصة حجر وجعل مصرعه من أحداث سنة إحدى وخمسين وهى فى كتابه من ص 253 إلى ص 285 أما المسعودى فذكر أن مصرع حجر كان فى سنة 53 هـ. ولكنه قال: قيل إن قتلهم كان فى سنة 50 ص 12 ح 3 مروج الذهب لأبى الحسن على بن الحسين بن على المسعودى ط 1948 وانظر ص 22 المجلد الثالث من تاريخ عبد الرحمن بن خلدون المسمى كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر الخ» ط لبنان 1957.

(6/192)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَغْلًا مِنْ الطّائِفِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْكَرْيَ أَنْ يُنْزِلَهُ حَيْثُ شَاءَ، قَالَ: فَمَالَ بِهِ إلَى خربة، فقال له: انزل فنزل، فإذا فِي الْخَرِبَةِ قَتْلَى كَثِيرَةٌ، قَالَ: فَلَمّا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ، قَالَ: دَعْنِي أُصَلّي رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: صَلّ، فَقَدْ صَلّى قَبْلَك هَؤُلَاءِ فَلَمْ تَنْفَعْهُمْ صَلَاتُهُمْ شَيْئًا، قَالَ: فَلَمّا صَلّيْت أَتَانِي، لِيَقْتُلَنِي، قَالَ:
فَقُلْت: يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ، قَالَ: فَسَمِعَ صَوْتًا: لَا تَقْتُلْهُ، قَالَ: فَهَابَ ذَلِكَ فَخَرَجَ يَطْلُبُ أَحَدًا، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إلَيّ، فَنَادَيْت: يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَإِذَا أَنَا بِفَارِسِ بِيَدِهِ حَرْبَةٌ حَدِيدٌ فِي رَأْسِهَا شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ فَطَعَنَهُ بِهَا، فَأَنْفَذَهُ مِنْ ظَهْرِهِ، فَوَقَعَ مَيّتًا، ثُمّ قَالَ: لَمّا دَعَوْت الْمَرّةَ الْأُولَى يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ كُنْت فِي السّمَاءِ السّابِعَةِ، فَلَمّا دَعَوْت الْمَرّةَ الثّانِيَةَ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ، كُنْت فِي السّمَاءِ الدّنْيَا، فَلَمّا دَعَوْت الْمَرّةَ الثّالِثَةَ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ أَتَيْتُك «1» .
مَا أَنَزَلَ اللهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي خبر خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا أَنَزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي خَبَرِ خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ مِنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ فِيهِمْ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ الْبَقَرَةُ: 204 الْآيَةُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ التّفْسِيرِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ وَأَنّهَا نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثّقَفِيّ، رَوَاهُ أَبُو مَالِكٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيّ: كُنْت بِمَكّةَ، فَسُئِلْت عَنْ هَذِهِ الآية فقلت:
__________
(1) لا شك وانها أسطورة.

(6/193)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ، فَسَمِعَنِي رَجُلٌ مِنْ وَلَدِهِ، فَقَالَ لِي: يَا هَذَا إنّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَهْلِ مَكّةَ، فَلَا تُسَمّ أحدا مادمت فِيهَا، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ الْبَقَرَةُ 207.
نَزَلَتْ فِي صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ حِينَ هَاجَرَ، وَتَرَكَ جَمِيعَ مَالِهِ لِقُرَيْشِ وَيَدَعُونَهُ يُهَاجِرُ بِنَفْسِهِ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ هِشَامٍ عَلَى تَفْسِيرِ الْأَلَدّ بِقَوْلِ مُهَلْهَلٍ، قَالَ: وَاسْمُهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ، وَيُقَالُ عَدِيّ، وَقَدْ صَرّحَ مُهَلْهَلٌ بِاسْمِ نَفْسِهِ فِي الشّعْرِ الّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ:
صَرَبَتْ صَدْرَهَا إلَيّ وَقَالَتْ ... يَا عَدِيّا لَقَدْ وَقَتْك الْأَوَاقِي «1»
وَفِيهِ الْبَيْتُ الّذِي ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ:
إنّ تَحْتَ الْأَحْجَارِ حَدّا وَلِينَا ... وَخَصِيمًا أَلَدّ ذَا مِعْلَاقِ «2»
وَيُرْوَى: مِغْلَاقِ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمِعْلَاقُ: اللّسَانُ، وَأَمّا الْمِغْلَاقُ، بَالِغِينَ مُعْجَمَةً، فَالْقَوْلُ الّذِي يَغْلِقُ فَمَ الْخَصْمِ وَيُسَكّتُهُ. وبعده:
حيّة فى الوجار أربد ... لا ينفع منها السّليم نفث الرّاقى
__________
(1) الأواقى: جمع واقية، فهمز الواو الأولى فى الجمع. ومن قال: إن اسمه امرؤ القيس بن ربيعة الخ روى الشطرة الثانية هكذا: يا امرا القيس حان وقت الفراق. ص 111 سمط اللآلى للبكرى.
(2) أنشده اللسان: إن تحت الاحجار حزما وجودا. وزاد فى تفسير المعلاق أنه اللسان إذا كان جدلا. هذا وبيت الطرماح الذى فى السيرة أنشده اللسان هكذا: يضحى على سوق الجذول كأنه ... يلتدد.

(6/194)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَسُمّيَ مُهَلْهِلًا بِقَوْلِهِ:
لَمّا تَوَقّلَ فِي الْكُرَاعِ هَجِينُهُمْ ... هَلْهَلْت أَثَارُ جَابِرًا أَوْ صِنْبِلَا «1»
هَلْهَلْت: أَيْ كِدْت وَقَارَبْت، وَأَمّا الْأَلَدّ، فَهُوَ مِنْ اللّدِيدَيْنِ، وَهُمَا جَانِبًا الْعُنُقِ، فَالْأَلَدّ الّذِي يُرِيغُ الْحُجّةَ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ، يُقَالُ: تَرَكْته يَتَلَدّدُ «2» ، وَقَالَ الزّجّاجُ: الْخِصَامُ جَمْعٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْمُخَاصَمَةَ، لِأَنّ أَفَعَلَ الّذِي يُرَادُ بِهِ التّفْضِيلُ إنّمَا يَكُونُ بَعْضَ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ، تَقُولُ: زَيْدٌ أَفْصَحُ النّاسِ، وَلَا تَقُولُ: زَيْدٌ أَفْصَحُ الْكَلَامِ.
قَالَ الشّيْخُ الْحَافِظُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَهَذَا الّذِي قَالَهُ حَسَنٌ إنْ كَانَ أَلَدّ مِنْ هَذَا الْبَابِ الّذِي مُؤَنّثُهُ الْفُعْلَى، أَمّا إنْ كَانَ مِنْ بَابِ أَفْعَل الّذِي مُؤَنّثُهُ فَعْلَاء نَحْوُ: أَخْرَس وَخَرْسَاء، فَالْخِصَامُ مَصْدَرُ خَاصَمْته، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُفَسّرِينَ، فَإِنّهُمْ فَسَرّوهُ بِالشّدِيدِ الْخُصُومَةِ، فَاللّدَد إذًا مِنْ صِفَةِ الْمُخَاصَمَةِ، وَإِنْ وُصِفَ
__________
(1) فى الأصل: نوقل وصوابها توقل، والبيت فى اللسان، وفى سمط اللآلى ص 112: توعر بدلا من توقل. والبيت من شعر قاله لزهير بن جناب، وقد قاله لما أدرك بثأر أخيه كليب، وقد سبق الحديث عن المهلهل، وقد ذكر ابن قتيبة أنه سمى مهلهلا لأنه هلهل الشعر، أى أرقه وقول السهيلى هو قول الطوسى. وهو الذى ارتضاه أبو العلاء المعرى فى رسالة الغفران، وجابر وصنبل رجلان من تغلب.
(2) قال أبو اسحاق: معنى الخصم الألد فى اللغة: الشديد الخصومة الجدل واشتقاقه من لديدى العنق، وهما صفحتاه، وتأويله: أن خصمه أى وجه أخذ من وجوه الخصومة غلبه فى ذلك.

(6/195)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِهِ الرّجُلُ مَجَازًا، وَيُقَوّي هَذَا قَوْلُهُ: وَخَصِيمًا أَلَدّ، وَلَمْ يُضِفْهُ، وَلَا قَالَ أَلَدّ مِنْ كَذَا، فَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ أَصَمّ وَأَشَمّ وَنَحْوِهِ، وَيُقَوّيهِ أَيْضًا قَوْلُهُمْ فِي الْجَمْعِ: قَوْمٌ لُدّ، رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ قَالَ: أَبْغَضُ الْخَلْقِ إلَى اللهِ الخصم الألذّ «1» وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ، وَرَفْعِ الْهَاءِ مِنْ اسْمِ اللهِ تَعَالَى، أَيْ: وَيَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قلبه.
__________
(1) البخارى ومسلم والترمذى والنسائى. والخصم بكسر الصاد الذى يحج من يخاصمة. هذا وقد استشهد ابن هشام فى السيرة ببيت قاله يزيد بن ربيعة بن مفرغ. وقد سبق حديث عنه وعن السبب الذى من أجله قال القصيدة. والقصيدة التى منها البيت «وشربت بردا ليتنى» الخ هى كما رواها الزجاج فى أماليه:
أصرمت حبلك من أمامه ... من بعد أيام برامه
لهفى على الرأى الذى ... كانت عواقبه ندامه
تركى سعيدا ذا الندى ... والبيت ترفعه الدعامه
وتبعت عبد بنى علا ... ج تلك أشراط القيامه
جاءت به حبشية ... سكاء تحسبها نعامه
من نسوة سود الوجو ... هـ ترى عليهن الدمامه
وشربت بُرْدًا لَيْتَنِي ... مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هَامَهُ
أو بومة تدعو صدى ... بين المشقر واليمامه
العبد يقرع بالعصا ... والحر تكفيه الملامه
الريح تبكى شجوها ... والبرق يلمع فى غمامه
ورمقتها فوجدتها ... كالضلع ليس له استقامه
ص 29 وما بعدها الأمالى لأبى القاسم عبد الرحمن بن اسحاق الزجاجى ط 1324.

(6/196)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عُدَس فِي شِعْرِ حَسّانَ فِي خُبَيْبٍ:
وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ فِي قِصّةِ خُبَيْبٍ، وَقَوْلُهُ فِيهِ:
مِنْ الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ مَنْ نَفَتْ عُدَسُ
قَوْلُهُ: مَنْ نَفَتْ عُدَسُ، يَعْنِي حُجَيْرَ بْنَ أَبِي إهَابِ بْنِ عُرَيْنٍ، وَهُوَ يُنْتَسَبُ إلَى بَنِي عُدَسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بن دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ، وَيُقَالُ: بَلْ هُوَ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حنظلة، ومن ها هنا ذَكَرَ نَفْيَ بَنِي عُدَس لَهُ، مِنْ أَجْلِ الِاخْتِلَافِ فِي نَسَبِهِ. وَعُدَس بِضَمّ الدّالِ فِي تَمِيمٍ، وَهُوَ هَذَا، وَكُلّ عُدَس فِي الْعَرَبِ سِوَاهُ فَهُوَ بِفَتْحِ الدّالِ، وَهُوَ مِنْ عَدَسَ فِي الْأَرْضِ إذَا ذَهَبَ فِيهَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ، فَمِنْ الْمَفْتُوحِ الدّالِ عُدَس بْنُ عُبَيْدٍ فِي الْأَنْصَارِ، ثُمّ فِي بَنِي النّجّارِ، وَهُوَ جَدّ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ «1» وَقَدْ قَالَ بعض النسايين فِي عُدُس بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ دَارِمٍ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ: عَدَس بِفَتْحِ الدّالِ، وَالْأَوّلُ أَعْرَفُ وَأَشْهَرُ.
دَعْوَةُ خُبَيْبٍ عَلَى قَاتِلِيهِ:
وَذَكَرَ قَوْلَ خُبَيْبٍ حِينَ رَفَعُوهُ فِي الْخَشَبَةِ: اللهُمّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، فَمَنْ رواه بددا بكسر الباء، فهو مصدر بمعنى التّبدّد، أى: ذوى «2»
__________
(1) فى الأصل دارة وهو خطأ وصوابه ما أثبته.
(2) جاء فى هامش المطبوعة: وفى النسخة الأخرى: بكسر الباء فهو جمع بدة، وهى الفرقة والقطعة من الشىء المتبدد، أى ذوى بدد هذا وقد ذكر-

(6/197)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَدَدٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ أُجِيبَتْ فِيهِمْ دَعْوَةُ خُبَيْبٍ، وَالدّعْوَةُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَبْدِ مُسْتَجَابَةٌ؟
قُلْنَا: أَصَابَتْ مِنْهُمْ مَنْ سُبِقَ فِي عِلْمِ اللهِ أَنْ يَمُوتَ كَافِرًا، ومن أسلم منهم فلم بعنه خُبَيْبٌ وَلَا قَصَدَهُ بِدُعَائِهِ، وَمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ كَافِرًا بَعْدَ هَذِهِ الدّعْوَةِ، فَإِنّمَا قُتِلُوا بَدَدًا غَيْرَ مُعَسْكِرِينَ وَلَا مُجْتَمَعِينَ كَاجْتِمَاعِهِمْ فِي أُحُد، وَقَبْلَ ذَلِكَ فِي بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْخَنْدَقُ بَعْدَ قِصّةِ خُبَيْبٍ فَقَدْ قُتِلَ مِنْهُمْ آحَادٌ فِيهَا مُتَبَدّدُونَ، ثُمّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ جَمْعٌ وَلَا مُعَسْكَرٌ غَزَوْا فِيهِ، فَنَفَذَتْ الدّعْوَةُ عَلَى صُورَتِهَا وَفِيمَنْ أَرَادَ خُبَيْبٌ- رَحِمَهُ اللهُ- وَحَاشَا لَهُ أَنْ يَكْرَهَ إيمَانَهُمْ وَإِسْلَامَهُمْ «1» .
ابْنُ كُهَيْبَةَ فِي شِعْرِ حَسّانَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَشْعَارَ حَسّانَ فِي خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَعْنًى خَفِيّ، وَلَا لَفْظٌ غَرِيبٌ وَحْشِيّ، فَيَحْتَاجُ إلى تفسيره، لكن فى بعضها:
__________
- الخشنى البدة بكسر الباء: المتفرقون، وهو بفتح الباء المصدر، وأصله من التبدد وهو التفرق. وذكر ابن الأثير ما يأتى: بدد: يروى بكسر الباء جمع بدة وهى الحصة والنصيب؛ أى اقتلهم حصصا مقسمة، لكل واحد حصته ونصيبه. ويروى بالفتح. أى. متفرقين فى القتل واحد أبعد واحد من التبديد.
(1) وقصيدة خبيب فى السيرة لم يرو منها البخارى غير هذين:
ما إن أبالى حين أقتل مسلما ... على أى شق كان لله مصرعى
وذاك فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أوصال شلوزع؟؟؟
وفى رواية أبى الأسود عن عروة ذكر البيت الأول والرابع من القصيدة.

(6/198)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَنِي كُهَيْبَةَ أَنّ الْحَرْبَ قَدْ لَقِحَتْ جَعَلَ كُهَيْبَةَ كَأَنّهُ اسْمُ عِلْمٍ لِأُمّهِمْ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: بَنِي ضَوْطَرَي وَبَنِيّ الْغَبْرَاءِ وَبَنِيّ دَرَزَةَ «1» قَالَ الشّاعِرُ:
أَوْلَاد دَرْزَةَ أَسْلَمُوك وَطَارُوا «2»
وَهَذَا كُلّهُ اسْمٌ لِمَنْ يُسَبّ، وَعِبَارَةٌ عَنْ السّفْلَةِ مِنْ النّاسِ، وَكُهَيْبَةُ مِنْ الْكُهْبَةِ، وَهِيَ الْغُبْرَةُ، وَهَذَا كَمَا قَالُوا: بَنِي الْغَبْرَاءِ، وَأَكْثَرُ أَشْعَارِ حَسّانَ فِي هَذِهِ الْقِصّةِ، قَالَ فِيهَا مِنْ هُذَيْلٍ، لِأَنّهُمْ إخْوَةُ الْقَارَةِ، وَالْمُشَارَكُونَ لَهُمْ فِي الْغَدْرِ بِخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ، وهُذَيل وَخُزَيْمَةُ أَبْنَاءُ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ وَعَضَلَ وَالْقَارَةُ مِنْ بَنِي خُزَيْمَةَ.
حَوْلَ الْعَلَمِ وَضْعُهُ مِنْ التّنْوِينِ مَعَ الْخَفْضِ:
وَقَوْلُهُ: وَابْنٌ لِطَارِقِ، وَابْنُ دَثْنَة مِنْهُمْ، حَذَفَ التنوين كما تقدم فى قوله
__________
(1) الضوطرى: الرجل الضخم الذى لا غناء عنده، ويقال للقوم إذا كانوا لا يغنون غناء بنو ضوطرى. وبنو ضوطرى: حى معروف. وبنو غبراء تقال المحاويج أو الفقراء كأنهم نسبوا إلى الأرض، وهى فى الأصل: غبرى- مقصورة- ولم أجدها. وبنو درزة يقال الدعى هو ابن درزة وابن ترنى، وذلك إذا كان ابن أمة تساعى فجاءت به من المساعاة: ولا يعرف له أب ويقال: هؤلاء أولاد درزة وأولاد فرتنى للسفلة والسقاط. انظر اللسان فى مادة درز وضطر وغبر.
(2) فى اللسان قاله شاعر يخاطب زيد بن على. ويقال. أراد به الخياطين، وقد كانوا خرجوا معه، فتركوه وانهزموا.

(6/199)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شُلّتْ يَدَا وَحْشِيّ مِنْ قَاتِلٍ، وَلَوْ أَنّهُ حِينَ حَذَفَ التّنْوِينَ نَصَبَ، وَجَعَلَهُ كَالِاسْمِ الّذِي لَا يَنْصَرِفُ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَفْضِ مَفْتُوحٌ، لمكان وَجْهًا وَقِيَاسًا صَحِيحًا، لِأَنّ الْخَفْضَ تَابِعُ التّنْوِينِ، فَإِذَا زَالَ التّنْوِينُ، زَالَ الْخَفْضُ، لِئَلّا يَلْتَبِسُ بِالْمُضَافِ إلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلّمِ، لِأَنّ ضَمِيرَ الْمُتَكَلّمِ، وَإِنْ كَانَ يَاءً فَقَدْ يُحْذَفُ، وَيَكْتَفِي بِالْكِسْرَةِ مِنْهُ، وَزَوَالُ التّنْوِينِ فِي أَكْثَرِ مَا لَا يَنْصَرِفُ إنّمَا هُوَ لِاسْتِغْنَاءِ الِاسْمِ عَنْهُ، إذْ هُوَ عَلَامَةُ الِانْفِصَالِ عَنْ الْإِضَافَةِ فَكُلّ اسْمٍ لَا يُتَوَهّمُ فِيهِ الْإِضَافَةُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التّنْوِينِ، لَكِنّهُ إذَا لَمْ يُنَوّنْ لَمْ يُخْفَضْ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْتِبَاسِهِ بِالْمُضَافِ إلَى الْمُتَكَلّمِ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي أَشْعَارِ أُحُدٍ: كَنَارِ أَبِي حُبَاحِبَ والظُبينا بِفَتْحِ الْبَاءِ مِنْ حُبَاحِبَ فِي مَوْضِعِ الْخَفْضِ، وَكَانَ حَقّ كُلّ عَلَمٍ أَلّا يُنَوّنَ؛ لِأَنّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْإِضَافَةِ كَمَا لَمْ يُنَوّنْ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْمَعَارِفِ، وَلَكِنّهُ نُوّنَ مَا نوّن منه لِلسّرّ الّذِي بَيّنّاهُ فِي أَسْرَارِ مَا لَا يَنْصَرِفُ مِنْ الْأَسْمَاءِ، وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي ذَلِكَ جزآ، وَلَكِنْ الْخَفْضُ فِي طَارِقٍ وَوَحْشِيّ مَرْوِيّ، وَوَجْهُهُ أَنّهُ لَمّا كَانَ ضَرُورَةَ شِعْرٍ، وَلَمْ يَكْثُرْ فِي كَلَامِهِمْ لَمْ يُتْبِعُوا الْخَفْضَ فِيهِ التّنْوِينَ إذْ لَا يُتَوَهّمُ إضَافَتُهُ إلَى الْمُتَكَلّمِ، إذْ لَا يَقَعُ إلّا نَادِرًا فِي شِعْرٍ، فَاللّبْسُ فِيهِ بَعِيدٌ.
اشْتِقَاقُ اسْمِ خُبَيْبٍ وهُذَيل:
وَقَوْلُهُ: وَابْنُ الْبُكَيْرِ إمَامُهُمْ وَخُبَيْبُ، أَرْدَفَ حَرْفَ الرّوِيّ بِيَاءِ مَفْتُوحٌ مَا قَبْلَهَا، وَقَدْ تَقَدّمَ الْقَوْلُ فِيهِ مَرّتَيْنِ. وَخُبَيْبٌ فِي اللّغَةِ تَصْغِيرُ خِبّ، وهو الماكر من الرجال الخداع، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَصْغِيرَ خَابٍ مِنْ الْخَبِيبِ،

(6/200)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَيَكُونُ مِنْ بَابِ تَصْغِيرِ التّرْخِيمِ، وَهُوَ الّذِي يَنْبَنِي عَلَى حَذْفِ الزّوَائِدِ، وَأَمّا هُذَيْلٌ فَقَالُوا فيه: إنه مصغّر تصغير التّرخيم، لِأَنّهُ مِنْ هَوْذَل الرّجُلُ بِبَوْلِهِ إذَا بَاعَدَ بِهِ، فَكَأَنّهُ تَصْغِيرُ مُهَوْذِلٍ عَلَى حَذْفِ الزّوَائِدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَصْغِيرَ هُذْلُولٍ، وَهُوَ التّلّ الصّغِيرُ مِنْ الرّمْلِ عَلَى تَصْغِيرِ التّرْخِيمِ أَيْضًا «1» .
سَالَتْ بِدُونِ هَمْزَةٍ:
وَقَوْلُهُ: سَالَتْ «2» هُذَيْلٌ رَسُولَ اللهِ فَاحِشَةً، لَيْسَ عَلَى تَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ فِي سَالَتْ، وَلَكِنّهَا لُغَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: تَسَايَلَ الْقَوْمُ، وَلَوْ كَانَ تَسْهِيلًا، لَكَانَتْ الْهَمْزَةُ بَيْنَ بَيْنَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ وَزْنُ الشّعْرِ بِهَا، لِأَنّهَا كَالْمُتَحَرّكَةِ، وَقَدْ تُقْلَبُ أَلِفًا سَاكِنَةً كَمَا قَالُوا: الْمِنْسَاة «3» ، وَلَكِنّهُ شَيْءٌ لَا يُقَاسَ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَتْ سَالَ لُغَةً فِي سَأَلَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُضَارِعُ يَسِيلُ، وَلَكِنْ قَدْ حَكَى يُونُسُ:
سِلْت تَسَالُ مِثْلَ خِفْت تَخَافُ، هُوَ عِنْدَهُ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ، وَقَالَ الزّجّاجُ:
الرّجُلَانِ يَتَسَايَلَانِ، وَقَالَ النّحّاسُ وَالْمُبَرّدُ: يَتَسَاوَلَانِ، وَهُوَ مِثْلُ مَا حَكَى يُونُسُ.
خَبَرُ بِئْرِ مَعُونَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا، وَالصّحِيحُ أَنّهُمْ كَانُوا سَبْعِينَ،
__________
(1) قريب منه قول ابن دريد: اشتقاق هذيل عن الهذل وهو الاضطراب، يقال: هوذل الرجل ببوله إذا اضطرب بوله فقد هوذل.
(2) السهيلى ينتقل من قصيدة إلى قصيدة دون ترتيب.
(3) المنساة: العصا يهمز ولا يهمز.

(6/201)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِمٍ.
مُلَاعِبُ الْأَسِنّةِ وَإِخْوَتُهُ وَمُعَوّذٌ الْحُكَمَاءُ:
وَذَكَرَ أَبَا بَرَاءٍ مُلَاعِبَ الْأَسِنّةِ، وَأَنّهُ أَجَارَ أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، سُمّيَ مُلَاعِبَ الْأَسِنّةِ فِي يَوْمِ سُوبَانَ، وَهُوَ يَوْمٌ كَانَتْ فِيهِ وَقِيعَةٌ فِي أَيّامِ جَبَلَةَ، وَهِيَ أَيّامُ حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ قَيْسٍ وَتَمِيمٍ، وَجَبَلَةُ اسْمٌ لِهَضْبَةِ عَالِيَةٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ طَرَفٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ، وَكَانَ سَبَبُ تَسْمِيَتِهِ فِي يَوْمِ سُوبَانَ مُلَاعِبَ الْأَسِنّةِ أَنّ أَخَاهُ الّذِي يُقَالُ لَهُ فَارِسُ قُرْزل، وَهُوَ طُفَيْلُ بْنُ مَالِكٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ مَعْنَى قُرْزل، كَانَ أَسْلَمَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَفَرّ فَقَالَ شَاعِرٌ:
فَرَرْت وَأَسْلَمْت ابْنَ أُمّك عَامِرًا ... يُلَاعِبُ أطراف الوسيج الْمُزَعْزَعِ
فَسُمّيَ مُلَاعِبَ الْأَسِنّةِ، وَمُلَاعِبُ الرّمَاحِ. قَالَ لبيد:
وإنني ملاعب الرماح ... ومدره الكتيبة الرداح
وَهُوَ عَمّ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانُوا إخْوَةً خَمْسَةً: طُفَيْلٌ فَارِسُ قُرْزل، وَعَامِرٌ مُلَاعِبُ الْأَسِنّةِ، وَرَبِيعَةُ الْمُقْتِرِينَ «1» وَهُوَ وَالِدُ لَبِيدٍ، وَعُبَيْدَةُ الْوَضّاحُ، ومعاوية معوّذ الحكماء «2» وهو الذى يقول:
__________
(1) فى الجمهرة لابن حزم: وربيعة، وهو ربيع المفترين.
(2) فى الجمهرة معود ص 268 وكذلك فى اللسان وفى سمط اللآلى ص 190، 448.

(6/202)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذَا سَقَطَ السّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا
وَفِي هَذَا الشّعْرِ يَقُولُ:
يَعُوذُ مِثْلَهَا الْحُكَمَاءُ بَعْدِي ... إذَا مَا الْأَمْرُ فِي الْحَدَثَانِ نَابَا
وَبِهَذَا الْبَيْتِ سُمّيَ مُعَوّذَ الْحُكَمَاءِ «1» .
شِعْرُ لَبِيدٍ عَنْ مُلَاعِبٍ وَإِخْوَتِهِ أَمَامَ النّعْمَانِ:
وَإِيّاهُمْ عَنَى لَبِيدٌ حِينَ قَالَ بَيْنَ يَدَيْ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ:
نَحْنُ بَنِي أُمّ الْبَنِينَ الأربعه ... المطعمون الْجَفْنَةَ الْمُدَعْدَعَهْ
وَالضّارِبُونَ الْهَامَ تَحْت الْخَيْضَعَهْ ... يَا ربّ هيجا هى خير من دعه «2»
__________
(1) البيت فى اللسان هكذا:
أعود مثلها الحكماء بعدى ... إذا ما الحق فى الحدثان نابا
ويقول اللسان قبلها: وسمى معود الحكماء لقوله فى هذه القصيدة ثم ذكر البيت. وفى سمط اللالى ص 190 يقول: سمى معود- بالدال- الحكماء يقوله:
سأعقلها وتحملها غنى ... وأورث مجدها أبدا كلابا
أعود مثلها الحكماء بعدى ... إذا ما معضل الحدثان نابا
وفى ص 448 يذكر بعد بيته إذا نزل السماء هذين البيتين:
لكل مقلص عبل شواه ... إذا وضعت أعنتهن نابا
ومحفزة الحزام بمرفقيها ... كشاة الربل أفلتت الكلابا
وانظر ص 182 ج 1 الأمالى للقالى ط 2.
(2) فى اللسان وفى سمط اللآلى: نحن بنو، وزاد اللسان بعد الشطرة الأولى فى مادة خضع: ونحن خير عامر بن صعصعة «والمدعدعة: المليئة. والخيضعة: البيضة أو التفاف الأصوات فى الحرب وقد قال لبيد الرجز حين ناظر الربيع-

(6/203)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثُمّ ذَكَرَ الرّبِيعَ بْنَ زِيَادٍ [الْعَبْسِيّ] فَقَالَ:
مَهْلًا أَبَيْتَ اللّعْنَ لَا تَأْكُلْ مَعَهْ
إلَى آخِرِ الرّجَزِ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ، إنّمَا قَالَ: الْأَرْبَعَةُ، وَهُمْ خَمْسَةٌ، لِأَنّ أَبَاهُ رَبِيعَةَ قَدْ كَانَ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، لَا كَمَا قَالَ بَعْضُ النّاسِ، وَهُوَ قَوْلٌ يُعْزَى إلَى الْفَرّاءِ أَنّهُ قَالَ إنّمَا قَالَ أَرْبَعَةً، وَلَمْ يَقُلْ خَمْسَةً مِنْ أَجْلِ الْقَوَافِي، فَيُقَالُ لَهُ: لَا يَجُوزُ لِلشّاعِرِ أَنْ يَلْحَنُ لِإِقَامَةِ وَزْنِ الشّعْرِ، فَكَيْفَ بِأَنْ يَكْذِبَ لِإِقَامَةِ الْوَزْنِ، وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنّهُ اسْتَشْهَدَ بِهِ عَلَى تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ تَأَوّلَهُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحْمَنُ: 46 وَقَالَ: أَرَادَ جَنّةً وَاحِدَةً، وجاء بلفظ التّثنية، لتتفق رؤس الْآيِ، أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ، فَصَمّي صَمَامْ «1» مَا أَشْنَعَ هَذَا الْكَلَامَ، وَأَبْعَدَهُ عَنْ الْعِلْمِ، وَفَهْمِ الْقُرْآنِ: وَأَقَلّ هَيْبَةَ قَائِلِهِ مِنْ أَنْ يَتَبَوّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النّارِ، فَحَذَارِ مِنْهُ حَذَارِ. وَمِمّا يَدُلّك أَنّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَةً حِينَ قَالَ لَبِيدٌ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إنّ فِي الْخَبَرِ ذِكْرُ يُتْمِ لَبِيَدٍ وَصِغَرِ سِنّهِ، وَأَنّ أَعْمَامَهُ الْأَرْبَعَةَ اسْتَصْغَرُوهُ أَنْ يُدْخِلُوهُ مَعَهُمْ عَلَى النّعْمَانِ حِينَ هَمّهُمْ مَا قَاوَلَهُمْ بِهِ الرّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ، فَسَمِعَهُمْ لَبِيدٌ يَتَحَدّثُونَ بِذَلِكَ، وَيَهْتَمّونَ لَهُ، فَسَأَلَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوهُ مَعَهُمْ عَلَى النّعْمَانِ، وَزَعَمَ أَنّهُ سيفحمه فتهاونوا بقوله،
__________
- ابن زياد العبسى بحضرة النعمان بن المنذر. أنظر ص 151 سمط اللآلى. وحسنا فعل السهيل حين بتر الرجز، فقد أفحش فيه لبيد، ورمى زيادا بما تبرأ منه الرجولة بألفاظ تثير التقزز» .
(1) صمى صمام: يضرب الرجل يأتى الداهية، أى احرصى يا صمام- ويقال الداهية: صمى صمام مثل قطام وهى الداهية، أى زيدى.

(6/204)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَتّى اخْتَبَرُوهُ بِأَشْيَاءَ مَذْكُورَةٍ فِي الْخَبَرِ، فَبَانَ بِهَذَا كُلّهِ أَنّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَةً، وَلَوْ سَكَتَ الْجَاهِلُ لَقَلّ الْخِلَافُ وَالْحَمْدُ لِلّهِ.
مَصِيرُ ابْنِ فُهَيْرَةَ:
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنّ عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ قَالَ يَوْمئِذٍ: مَنْ رَجُلٌ لَمّا طَعَنْته رَفَعَ حَتّى رَأَيْت السّمَاءَ مِنْ دُونِهِ. هَذِهِ رِوَايَةُ البكّابى عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَرَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنّ عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: مَنْ رَجُلٌ يَا مُحَمّدُ لَمّا طَعَنْته رَفَعَ إلَى السّمَاءِ؟ فَقَالَ: هُوَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ «1» وَرَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ وَابْنُ الْمُبَارَكِ أَنّ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ اُلْتُمِسَ فِي الْقَتْلَى يَوْمئِذٍ، فَفُقِدَ، فَيَرَوْنَ أَنّ الْمَلَائِكَةَ رَفَعَتْهُ أَوْ دَفَنَتْهُ.
أُمّ الْبَنِينَ الْأَرْبَعَةِ:
وَذَكَرَ قَوْلَ حَسّانَ:
بَنِي أُمّ الْبَنِينَ أَلَمْ يَرْعَكُمْ ... وَأَنْتُمْ فِي «2» ذَوَائِبِ أَهْلِ نَجْدِ
وَهَذِهِ أُمّ الْبَنِينَ الّتِي ذَكَرَ لَبِيدٌ فِي قَوْلِهِ:
نَحْنُ بَنِي أُمّ الْبَنِينَ الأربعة
__________
(1) فى رواية البخارى أن عامر بن الطفيل سأل عمرو بن أمية الضمرى، وأن عامرا قال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء، حتى إنى لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض ... وهذا قول رجل كافر ظل على كفره فهل يصدق؟.
(2) فى السيرة: من.

(6/205)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاسْمُهَا: لَيْلَى بِنْتُ عَامِرٍ- فِيمَا ذَكَرُوا وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ نَسَبَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا.
وَذَكَرَ قَوْلَ أَنَسِ بْنِ عَبّاسٍ السّلَمِيّ:
تَرَكْت ابن ورقاء الخزاعىّ ثاويا ... بمعترك تسغى عَلَيْهِ الْأَعَاصِرُ
ذَكَرْت أَبَا الزّبّانِ لَمّا رَأَيْته ... وَأَيْقَنْت أَنّي عِنْدَ ذَلِكَ ثَائِرُ
الزّبّانُ أَوْ الرّيّانُ هَكَذَا وَقَعَ فِي النّسْخَةِ أَبَا الزّبّانِ «1» ، وَفِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ:
أَبَا الرّيّانِ بِالرّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِالْيَاءِ أُخْتِ الْوَاوِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ فِي الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ، كَمَا فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ.
القُرطاء:
وَذَكَرَ شِعْرَ كَعْبٍ وَفِيهِ: أَوْ القُرطاء مَا إنْ أَسْلَمُوهُ. القُرطاء: هُمْ بَنُو قُرْطٍ وَقُرَيْطٍ وَقَرِيطٍ، وَهُمْ أَبَطْنُ مِنْ بَنِي عَامِرٍ ثُمّ مِنْ بَنِي كِلَابٍ.
شَيْءٌ مَنْسُوخٌ وَلَمّا قُتِلَ أَصْحَابُ بِئْرِ مَعُونَةَ نَزَلَ فِيهِمْ قُرْآنٌ، ثُمّ رفعَ: أَنْ أَبْلِغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبّنَا فَرَضِيَ عَنّا وَرَضِينَا عَنْهُ «2» ، فَثَبَتَ هَذَا فِي الصّحِيحِ، وَلَيْسَ
__________
(1) فى أبى ذر: الزيان أى بالزاء والياء وقد صوب: الريان.
(2) البخارى: إنا لقينا ربنا، فرضى عنا وأرضانا. ولنتدبر النقد الرائح الذى نقد به السهيلى هذا.

(6/206)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَيْهِ رَوْنَقُ الْإِعْجَازِ، فَيُقَالُ: إنّهُ لَمْ يَنْزِلْ بِهَذَا النّظْمِ، وَلَكِنْ بِنَظْمِ مُعْجِزٍ كَنَظْمِ الْقُرْآنِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنّهُ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَا يَدْخُلُهُ النّسْخُ، قُلْنَا: لَمْ يُنْسَخْ مِنْهُ الْخَبَرُ، وَإِنّمَا نُسِخَ مِنْهُ الْحُكْمُ، فَإِنّ حُكْمَ الْقُرْآنِ أَنْ يُتْلَى فِي الصّلَاةِ، وَأَنْ لَا يَمَسّهُ إلّا طَاهِرٌ «1» ، وَأَنْ يَكْتُبَ بَيْنَ اللّوْحَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ تَعَلّمُهُ مِنْ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ، فَكُلّ مَا نُسِخَ، وَرُفِعَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ، وَإِنْ بَقِيَ مَحْفُوظًا، فَإِنّهُ مَنْسُوخٌ، فَإِنْ تَضَمّنَ حُكْمًا جَازَ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ الْحُكْمُ مَعْمُولًا بِهِ، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ، وَإِنْ تَضَمّنَ خَبَرًا بَقِيَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مُصَدّقًا بِهِ، وَأَحْكَامُ التّلَاوَةِ مَنْسُوخَةٌ عَنْهُ، كَمَا قَدْ نَزَلَ: لَوْ أَنّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلّا التّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَاب.
وَيُرْوَى: لَا يَمْلَأُ عَيْنَيْ ابْنِ آدَمَ، وَفَمَ ابْنِ آدَم، كُلّ ذَلِكَ فِي الصّحِيحِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ: وَادِيًا مِنْ مَالٍ أَيْضًا، فَهَذَا خَبَرٌ حَقّ، وَالْخَبَرُ لَا يُنْسَخُ، وَلَكِنْ نُسِخَ مِنْهُ أَحْكَامُ التّلَاوَةِ لَهُ، وَكَانَتْ هذه الآية أعنى قوله: لو أنّ
__________
(1) يشير إلى قوله سبحانه: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الواقعة: 77- 79 والضمير فى لا يمسه يعود إلى الكتاب الذى فى السماء كما قال ابن عباس. والمطهرون هم الملائكة. وقال ابن زيد: زعمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون كما قال تعالى: (وما تنزلت به الشياطين) وقال الفراه: لا يحد طعمه ونفعه إلا من آمن به.

(6/207)