الروض
الأنف ت الوكيل [مَسِيرُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بَعْدَ
الْفَتْحِ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ مِنْ كِنَانَةَ وَمَسِيرُ عَلِيّ
لِتَلَافِي خَطَأِ خَالِد]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ بَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما
حَوْلَ مَكّةَ السّرَايَا تَدْعُو إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَلَمْ
يَأْمُرْهُمْ بِقِتَالِ، وَكَانَ مِمّنْ بَعَثَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ،
وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ بِأَسْفَلِ تِهَامَةَ دَاعِيًا، وَلَمْ يَبْعَثْهُ
مُقَاتِلًا، فَوَطِئَ بَنِي جَذِيمَةَ، فَأَصَابَ مِنْهُمْ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ فِي
ذَلِكَ:
فَإِنْ تك قد أمرت في القوم خالدا ... وقدمته فإنه قد تقدما
بجند هداه الله أنت أَمِيرُهُ ... نُصِيبُ بِهِ فِي الْحَقّ مَنْ كَانَ
أَظْلَمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي
حَدِيثِ يَوْمِ حُنَيْنٍ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللهُ فِي مَوْضِعِهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبّادِ بْنِ
حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ، قَالَ: بَعَثَ
رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مَكّةَ
دَاعِيًا، وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا، وَمَعَهُ قَبَائِلُ مِنْ
الْعَرَبِ: سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمُدْلِجُ بْنُ مُرّةَ، فَوَطِئُوا
بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةِ بْنِ كِنَانَةَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/125)
فَلَمّا رَآهُ الْقَوْمُ أَخَذُوا
السّلَاحَ، فَقَالَ خَالِدٌ: ضَعُوا السّلَاحَ، فَإِنّ النّاسَ قَدْ
أَسْلَمُوا:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، قَالَ: لَمّا أَمَرَنَا خَالِدٌ أَنْ
نَضَعَ السّلَاحَ قَالَ رَجُلٌ مِنّا يُقَالُ لَهُ جَحْدَمٌ: وَيْلَكُمْ
يَا بَنِي جَذِيمَةَ! إنّهُ خَالِدٌ وَاَللهِ! مَا بَعْدَ وَضْعِ السّلَاحِ
إلّا الْإِسَارُ، وَمَا بَعْدَ الْإِسَارِ إلّا ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ،
وَاَللهِ لَا أَضَعُ سِلَاحِي أَبَدًا. قَالَ: فَأَخَذَهُ رِجَالٌ مِنْ
قَوْمِهِ، فَقَالُوا: يَا جَحْدَمُ، أَتُرِيدُ أَنْ تَسْفِكَ دِمَاءَنَا؟
إنّ النّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا وَوَضَعُوا السّلَاحَ، وَوُضِعَتْ الْحَرْبُ
وَأَمِنَ النّاسُ. فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتّى نَزَعُوا سِلَاحَهُ،
وَوَضَعَ القوم السلاح لقول خالد.
[براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من عمل خَالِدٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ، قَالَ: فَلَمّا وَضَعُوا السّلَاحَ أَمَرَ
بِهِمْ خَالِدٌ عِنْدَ ذَلِكَ، فَكُتِفُوا، ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى السّيْفِ
فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ؛ فَلَمّا انْتَهَى الْخَبَرُ إلَى رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السّمَاءِ،
ثُمّ قَالَ: اللهُمّ إنّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ
الوليد.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنّهُ حُدّثَ
عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَحْمُودِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: رَأَيْتُ كَأَنّي لَقِمْت
لُقْمَةً مِنْ حَيْسٍ، فَالْتَذَذْتُ طَعْمَهَا، فَاعْتَرَضَ فِي حَلْقِي
مِنْهَا شَيْءٌ حِينَ ابْتَلَعْتهَا، فَأَدْخَلَ عَلِيّ يَدَهُ فَنَزَعَهُ؛
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/126)
يا رسول الله، هَذِهِ سَرِيّةٌ مِنْ
سَرَايَاك تَبْعَثُهَا، فَيَأْتِيك مِنْهَا بَعْضُ مَا تُحِبّ، وَيَكُونُ
فِي بَعْضِهَا اعْتِرَاضٌ، فَتَبْعَثُ عَلِيّا فَيُسَهّلُهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَنّهُ انْفَلَتَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ
فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَخْبَرَهُ
الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ
أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ
أَبْيَضُ رَبْعَةٌ، فَنَهَمَهُ خَالِدٌ، فَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَنْكَرَ
عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ طَوِيلٌ مُضْطَرِبٌ فَرَاجَعَهُ، فَاشْتَدّتْ
مُرَاجَعَتُهُمَا؛ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخطّاب: أما الأوّل يا رسول الله
فَابْنِي عَبْدُ اللهِ، وَأَمّا الْآخَرُ فَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي
حُذَيْفَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ قَالَ:
ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ
أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ:
يَا عَلِيّ، اُخْرُجْ إلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَانْظُرْ فِي أَمْرِهِمْ،
وَاجْعَلْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ تَحْتَ قَدَمَيْك. فَخَرَجَ عَلِيّ حَتّى
جَاءَهُمْ وَمَعَهُ مَالٌ قَدْ بَعَثَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَوَدَى لَهُمْ الدّمَاءَ وَمَا أُصِيبَ لَهُمْ مِنْ
الْأَمْوَالِ، حَتّى إنّهُ لَيَدِي لَهُمْ مِيلَغَةَ الْكَلْبِ، حَتّى إذَا
لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ وَلَا مَالٍ إلا وداء، بَقِيَتْ مَعَهُ
بَقِيّةٌ مِنْ الْمَالِ، فَقَالَ لَهُمْ عَلِيّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ
حِينَ فَرَغَ مِنْهُمْ: هَلْ بَقِيَ لَكُمْ بَقِيّةٌ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ
لَمْ يُودَ لَكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَإِنّي أُعْطِيكُمْ هَذِهِ
الْبَقِيّةَ مِنْ هَذَا الْمَالِ، احْتِيَاطًا لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ، مِمّا يَعْلَمُ وَلَا تَعْلَمُونَ، فَفَعَلَ.
ثُمّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ: فَقَالَ أَصَبْت وَأَحْسَنْت.
قَالَ: ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا شَاهِرًا يَدَيْهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/127)
حَتّى إنّهُ لَيُرَى مِمّا تَحْتَ
مَنْكِبَيْهِ، يَقُولُ: اللهُمّ إنّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمّا صَنَعَ خَالِدُ
ابن الوليد، ثلاث مرّات.
[الاعتذار عن خالد]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ يَعْذِرُ خَالِدًا إنّهُ
قَالَ: مَا قَاتَلْت حَتّى أَمَرَنِي بِذَلِك عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ
السّهْمِيّ، وَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قد أمرك
أن تقاتلهم لا متناعهم من الإسلام.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ: لما أتاهم خالد،
قالوا: صبأنا صبأنا.
[بين خالد وبين ابن عوف]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ جَحْدَمٌ قَالَ لَهُمْ حِينَ وَضَعُوا
السّلَاحَ وَرَأَى مَا يَصْنَعُ خَالِدٌ بِبَنِي جَذِيمَةَ: يَا بَنِي
جَذِيمَةَ، ضَاعَ الضّرْبُ، قَدْ كُنْت حَذّرْتُكُمْ مَا وَقَعْتُمْ فِيهِ.
قَدْ كَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَبَيْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فِيمَا
بَلَغَنِي، كَلَامٌ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ: عَمِلْت بِأَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ فِي الْإِسْلَامِ.
فَقَالَ: إنّمَا ثَأَرْت بِأَبِيك. فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: كَذَبْت،
قَدْ قَتَلْتُ قَاتِلَ أَبِي، وَلَكِنّك ثَأَرْتَ بِعَمّك الْفَاكِهِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ، حَتّى كَانَ بَيْنَهُمَا شَرّ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: مهلا يا خالد، دع عنك أصحابى، فو
الله لَوْ كَانَ لَك أُحُدٌ ذَهَبًا ثُمّ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللهِ مَا
أَدْرَكَتْ غَدْوَةَ رَجُلٍ من أصحابى ولا روحته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/128)
[بين قريش وبنى
جذيمة]
وَكَانَ الْفَاكِهُ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ، وَعَوْفُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ
زُهْرَةَ، وَعَفّانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ
قَدْ خَرَجُوا تُجّارًا إلَى الْيَمَنِ، وَمَعَ عَفّانَ ابْنُهُ عُثْمَانُ،
وَمَعَ عَوْفٍ ابْنُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ، فَلَمّا أَقْبَلُوا حَمَلُوا
مَالَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرٍ، كَانَ هَلَكَ،
بِالْيَمَنِ، إلَى وَرَثَتِهِ، فَادّعَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ
خَالِدُ بْنُ هِشَامٍ، وَلَقِيَهُمْ بِأَرْضِ بَنِي جَذِيمَةَ قَبْلَ أَنْ
يَصِلُوا إلَى أَهْلِ الْمَيّتِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَقَاتَلَهُمْ بِمَنْ
مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى الْمَالِ لِيَأْخُذُوهُ، وَقَاتَلُوهُ،
فَقُتِلَ عَوْفُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ، وَالْفَاكِهُ بْنُ الْمُغِيرَةِ،
وَنَجَا عَفّانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَابْنُهُ عُثْمَانُ، وَأَصَابُوا
مَالَ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَمَالَ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ،
فَانْطَلَقُوا بِهِ، وَقَتَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ خَالِدَ بْنَ
هِشَامٍ قَاتِلَ أَبِيهِ، فَهَمّتْ قُرَيْشٌ بِغَزْوِ بَنِي جَذِيمَةَ،
فَقَالَتْ بَنُو جَذِيمَةَ: مَا كان مصاب أصحابكم عن ملإمنا، إنما عدا
عليهم قوم بجهالة، فأصابوهم ولم نعلم، فنحن نعقل لكم ما كَانَ لَكُمْ
قِبَلَنَا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ، فَقَبِلَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ، وَوَضَعُوا
الْحَرْبَ.
[شِعْرُ سَلْمَى فيما بين جذيمة وقريش]
وقد قَائِلٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: امْرَأَةٌ
يُقَالُ لَهَا سَلْمَى:
وَلَوْلَا مَقَالُ الْقَوْمِ لِلْقَوْمِ أَسْلِمُوا ... لَلَاقَتْ سُلَيْمٌ
يَوْمَ ذَلِكَ نَاطِحَا
لَمَاصَعَهُمْ بُسْرٌ وَأَصْحَابُ جَحْدَمٍ ... وَمُرّةُ حَتّى يَتْرُكُوا
الْبَرْكَ ضابحا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/129)
فكائن ترى يوم القميصاء مِنْ فَتًى ...
أُصِيبَ وَلَمْ يَجْرَحْ وَقَدْ كَانَ جَارِحَا
أَلَظّتْ بِخُطّابِ الْأَيَامَى وَطَلّقَتْ ... غَدَاتَئِذٍ مِنْهُنّ مَنْ
كَانَ نَاكِحَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «يسر» «وَأَلَظّتْ بِخُطّابِ» عَنْ غَيْرِ
ابْنِ إسْحَاقَ
[شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي الرّدّ عَلَى سَلْمَى]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ، ويقال: بل
الجحّاف بن حكيم السّلمى:
دَعِي عَنْك تِقْوَال الضّلَالِ كَفَى بِنَا ... لِكَبْشِ الْوَغَى فِي
الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ نَاطِحَا
فَخَالِدُ أَوْلَى بِالتّعَذّرِ مِنْكُمْ ... غَدَاةَ عَلَا نَهْجًا مِنْ
الْأَمْرِ وَاضِحَا
مُعَانًا بِأَمْرِ اللهِ يُزْجِي إلَيْكُمْ ... سَوَانِحَ لا تكيو لَهُ
وَبَوَارِحَا
نَعَوْا مَالِكًا بِالسّهْلِ لَمّا هَبَطْنَهُ ... عَوَابِسَ فِي كَابِي
الْغُبَارِ كَوَالِحَا
فَإِنْ نَكُ أَثْكَلْنَاكِ سَلْمَى فَمَالِكٌ ... تَرَكْتُمْ عَلَيْهِ
نَائِحَاتٍ وَنَائِحَا
[الجحاف يرد على سلمى]
قال الْجَحّافُ بْنُ حَكِيمٍ السّلَمِيّ:
شَهِدْنَ مَعَ النّبِيّ مُسَوّمَاتٍ ... حُنَيْنًا وَهْيَ دَامِيَةُ
الْكِلَامِ
وَغَزْوَةَ خَالِدٍ شهدت وجرّت ... سنابكهنّ بالبلد الحرام
نعرص لِلطّعَانِ إذَا الْتَقَيْنَا ... وُجُوهًا لَا تُعَرّضُ لِلّطَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/130)
وَلَسْتُ بِخَالِعٍ عَنّي ثِيَابِي ...
إذَا هَزّ الْكُمَاةُ وَلَا أُرَامِي
وَلَكِنّي يَجُولُ الْمُهْرُ تَحْتِي ... إلَى الْعَلَوَاتِ بِالْعَضْبِ
الْحُسَامِ
[حديث ابن أبى حدرد يَوْمَ الْفَتْحِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ ابْنِ أَبِي
حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ، قَالَ: كُنْت يَوْمَئِذٍ فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ
الْوَلِيدِ، فَقَالَ لِي فَتَى مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، وَهُوَ فِي سِنّي،
وَقَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ برمّة، ونسوة مجتمعات غير بعيد منه:
يافتى؛ فَقُلْت: مَا تَشَاءُ؟
قَالَ: هَلْ أَنْتَ آخِذٌ بِهَذِهِ الرّمّةِ، فَقَائِدِي إلَى هَؤُلَاءِ
النّسْوَةِ حَتّى أقضى إليهنّ حاجة، ثم تَرُدّنِي بَعْدُ، فَتَصْنَعُوا بِي
مَا بَدَا لَكُمْ؟ قَالَ: قُلْت: وَاَللهِ لَيَسِيرٌ مَا طَلَبْت.
فَأَخَذْت بِرُمّتِهِ فَقُدْته بِهَا، حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِنّ، فَقَالَ:
اسلمى حبيش، على نفد من العيش:
أَرَيْتُكِ إذْ طَالَبْتُكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ ... بِحَلْيَةَ أَوْ
أَلْفَيْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ
أَلَمْ يَكُ أَهْلًا أَنْ يُنَوّلَ عَاشِقٌ ... تَكَلّفَ إدْلَاجَ السّرَى
وَالْوَدَائِقِ
فَلَا ذَنْبَ لِي قَدْ قُلْت إذْ أَهْلُنَا مَعًا ... أَثِيبِي بِوُدّ
قَبْلَ إحْدَى الصّفَائِقِ
أَثِيبِي بِوُدّ قَبْلَ أَنْ تَشْحَطَ النّوَى ... وَيَنْأَى الْأَمِيرُ
بِالْحَبِيبِ الْمُفَارِقِ
فَإِنّي لَا ضَيّعْتُ سِرّ أَمَانَةٍ ... وَلَا رَاقَ عَيْنِي عَنْك
بَعْدَك رَائِقُ
سِوَى أَنّ مَا نَالَ الْعَشِيرَةَ شَاغِلٌ ... عَنْ الْوُدّ إلّا أَنْ
يَكُونَ التّوَامُقُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ
الْبَيْتَيْنِ الْآخِرَيْنِ مِنْهَا لَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/131)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي
يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ
الزّهْرِيّ عَنْ ابن أبى حدرد الأسلمى قَالَتْ:
وَأَنْتَ فَحُيّيت سَبْعًا وَعَشْرَا ... وِتْرًا وَثَمَانِيًا تَتْرَى
قَالَ: ثُمّ انْصَرَفْتُ بِهِ. فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي أَبُو فِرَاسِ بْنُ أَبِي سُنْبُلَةَ
الْأَسْلَمِيّ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْهُمْ، عَمّنْ كَانَ حَضَرَهَا مِنْهُمْ،
قَالُوا: فَقَامَتْ إلَيْهِ حِينَ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، فَأَكَبّتْ عَلَيْهِ،
فَمَا زَالَتْ تُقَبّلُهُ حتى ماتت عنده.
[شعر جذيمى فى الْفَتْحِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بنى جذيمة:
جزى الله عنامد لجا حَيْثُ أَصْبَحَتْ ... جَزَاءَةَ بُوسَى حَيْثُ سَارَتْ
وَحَلّتْ
أَقَامُوا عَلَى أَقْضَاضِنَا يَقْسِمُونَهَا ... وَقْدَ نُهِلَتْ فِينَا
الرّماح وعلّت
فو الله لَوْلَا دِينُ آلِ مُحَمّدٍ ... لَقَدْ هَرَبَتْ مِنْهُمْ خُيُولُ
فَشَلّتْ
وَمَا ضَرّهُمْ أَنْ لَا يُعِينُوا كَتِيبَةً ... كَرِجْلِ جَرَادٍ
أُرْسِلَتْ فَاشْمَعَلّتِ
فَإِمّا يَنْبُوا أَوْ يَثُوبُوا لِأَمْرِهِمْ ... فَلَا نَحْنُ
نَجْزِيهِمْ بِمَا قد أضلّت
[وهب يرد على الجذيمى]
فَأَجَابَهُ وَهْبٌ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، فَقَالَ:
دَعَوْنَا إلَى الْإِسْلَامِ وَالْحَقّ عَامِرًا ... فَمَا ذَنْبُنَا فِي
عَامِرٍ إذْ تَوَلّتْ
وَمَا ذَنْبُنَا فِي عامر لا أبالهم ... لِأَنْ سَفِهَتْ أَحْلَامُهُمْ
ثُمّ ضَلّتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/132)
وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ:
لِيَهْنِئْ بَنِي كَعْبٍ مُقَدّمُ خَالِدٍ ... وَأَصْحَابِهِ إذْ
صَبّحَتْنَا الْكَتَائِبُ
فَلَا تِرَةٌ يَسْعَى بِهَا ابْنُ خُوَيْلِدٍ ... وَقَدْ كنت مكفيّا لوانك
غَائِبُ
فَلَا قَوْمُنَا يَنْهَوْنَ عَنّا غُوَاتَهُمْ ... وَلَا الدّاءُ مِنْ
يَوْمِ الْغُمَيْصَاءِ ذَاهِبُ
شِعْرُ غُلَامٍ جَذْمِيّ هَارِبٍ أَمَامَ خَالِدٍ وَقَالَ غُلَامٌ مِنْ
بَنِي جَذِيمَةَ، وَهُوَ يَسُوقُ بِأُمّهِ وَأُخْتَيْنِ لَهُ وَهُوَ
هَارِبٌ بِهِنّ مِنْ جَيْشِ خَالِدٍ:
رَخّينَ أَذْيَالَ الْمُرُوطِ وَارْبَعَنْ ... مَشْيَ حَيِيّاتٍ كَأَنْ
لَمْ يُفْزَعَنْ
إنْ تُمْنَعْ الْيَوْمَ نِسَاءٌ تُمْنَعَنْ
[ارتجاز بنى مساحق حِينَ سَمِعُوا بِخَالِدِ]
وَقَالَ غِلْمَةٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، يُقَالُ لَهُمْ بَنُو مُسَاحِقٍ،
يَرْتَجِزُونَ حِينَ سَمِعُوا بِخَالِدِ فَقَالَ أَحَدُهُمْ:
قَدْ عَلِمَتْ صَفْرَاءُ بَيْضَاءُ الْإِطِلْ ... يَحُوزُهَا ذُو ثَلّةٍ
وَذُو إبِلْ
لأغنينّ اليوم ما أغنى رجل
وَقَالَ الْآخَرُ:
قَدْ عَلِمَتْ صَفْرَاءُ تُلْهِي الْعِرْسَا ... لَا تَمْلَأُ الْحَيْزُومَ
مِنْهَا نَهْسَا
لَأَضْرِبَنّ الْيَوْمَ ضَرْبًا وَعْسَا ... ضَرْبَ الْمُحِلّينَ مَخَاضًا
قُعْسَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/133)
وَقَالَ الْآخَرُ:
أَقْسَمْتُ مَا إنْ خَادِرٌ ذُو لِبْدَهْ ... شَثْنُ الْبَنَانِ فِي
غَدَاةٍ بَرْدَهْ
جَهْمُ الْمُحَيّا ذُو سِبَالٍ وَرْدَهْ ... يُرْزِمُ بَيْنَ أَيْكَةٍ
وَجَحْدَهْ
ضَارٍ بِتَأْكَالِ الرّجَالِ وَحْدَهْ ... بِأَصْدَقَ الْغَدَاةَ مَنّي
نَجْدَهْ
[مَسِيرُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِهَدْمِ الْعُزّى]
ثُمّ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى
الْعُزّى، وَكَانَتْ بِنَخْلَةَ، وَكَانَتْ بَيْتًا يُعَظّمُهُ هَذَا
الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَمُضَرَ كُلّهَا، وَكَانَتْ
سَدَنَتُهَا وَحُجّابُهَا بَنِي شَيْبَانَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ حَلْفَاءِ
بَنِي هَاشِمٍ، فَلَمّا سَمِعَ صَاحِبُهَا السّلَمِيّ بِمَسِيرِ خَالِدٍ
إلَيْهَا، عَلّقَ عَلَيْهَا سَيْفَهُ، وَأَسْنَدَ فِي الْجَبَلِ الّذِي هى
فيه وهو يقول:
أَيَا عُزّ شُدّي شِدّةً لَا شَوَى لَهَا ... عَلَى خَالِدٍ أَلْقِي
الْقِنَاعَ وَشَمّرِي
يَا عُزّ إنْ لَمْ تَقْتُلِي الْمَرْءَ خَالِدًا ... فَبُوئِي بِإِثْمِ
عَاجِلٍ أَوْ تَنَصّرِي
فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهَا خَالِدٌ هَدَمَهَا، ثُمّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال ابن إسحاق: وحدثني ابن شهاب الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ
عَبْدِ اللهِ ابن عثبة بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَقَامَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ بَعْدَ فَتْحِهَا خَمْسَ
عَشْرَةَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصّلَاةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فَتْحُ مَكّةَ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ
مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(7/134)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَنْ إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ وَصَاحِبَيْهِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ كَسْرَ الْأَصْنَامِ، وَطَمْسَ التّمَاثِيلِ، وَمَقَالَةَ
الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ حِينَ اجْتَمَعَ هُوَ وَأَبُو سُفْيَانَ،
وَعَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ، فَتَكَلّمُوا فَأَخْبَرَهُمْ النّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السّلَامُ بِاَلّذِي قَالُوهُ، فَصَحّ بِذَلِكَ يَقِينُهُمْ وَحَسُنَ
إسْلَامُهُمْ، وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:
لَعَنَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَارِثَ وَأَبَا
سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ فَأَنْزَلَ اللهُ
تَعَالَى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ
الْآيَةَ آلِ عِمْرَانَ:
128 قَالَ: فَتَابُوا بَعْدُ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ، وَرُوِينَا بإسناد
متّصل عن عبد الله ابن أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: خَرَجَ النّبِيّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ فِي
الْمَسْجِدِ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ قَالَ فِي نَفْسِهِ:
لَيْتَ شِعْرِي بِأَيّ شَيْءٍ غَلَبْتنِي، فَأَقْبَلَ النّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتّى ضَرَبَ بِيَدِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ،
وَقَالَ:
بِاَللهِ غَلَبْتُك يَا أَبَا سُفْيَانَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ:
أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللهِ. مِنْ مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي
أُسَامَةَ، وَرَوَى الزّبَيْرُ بِإِسْنَادِ يَرْفَعُهُ إلَى مَنْ سَمِعَ
النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمَازِحُ أَبَا سُفْيَانَ فِي
بَيْتِ أُمّ حَبِيبَةَ وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ لَهُ تَرَكْتُك،
فَتَرَكَتْك الْعَرَبُ، وَلَمْ تَنْتَطِحْ بَعْدَهَا جَمّاءُ وَلَا
قَرْنَاءُ، وَالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ،
وَيَقُولُ: أَنْتَ تَقُولُ هَذَا يَا أَبَا حَنْظَلَة. وَقَالَ مُجَاهِدٌ
فِي قَوْلِهِ جَلّ وَعَزّ:
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ
مِنْهُمْ مَوَدَّةً الْمُمْتَحِنَةِ: 7 قَالَ هِيَ مُعَاهَدَةُ النّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي سُفْيَانَ. وَقَالَ أَهْلُ
التّفْسِيرِ:
رَأَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ أَسِيدَ
بْنَ أَبِي الْعِيصِ وَالِيًا عَلَى مكة
(7/135)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُسْلِمًا، فَمَاتَ عَلَى الْكُفْرِ، فَكَانَتْ الرّؤْيَا لِوَلَدِهِ عتّاب
حين أسلم، فولاء رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكّةَ،
وَهُوَ ابْنُ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَرَزَقَهُ كُلّ يَوْمٍ
دِرْهَمًا، فَقَالَ: أَيّهَا النّاسُ أَجَاعَ اللهُ كَبِدَ مَنْ جَاعَ
عَلَى دِرْهَمٍ، الْحَدِيثَ، وَقَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: وَاَللهِ مَا
اكْتَسَبْت فِي وِلَايَتِي كُلّهَا إلّا قَمِيصًا مُعَقّدًا «1» كَسَوْته
غُلَامِي كَيْسَانَ، وَكَانَ قَدْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَسَمِعَ
بِلَالًا يُؤَذّنُ عَلَى الْكَعْبَةِ، لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ أَسِيدًا،
يَعْنِي: أَبَاهُ أَنْ لَا يَكُونَ سَمِعَ هَذَا فَيَسْمَعَ مِنْهُ مَا
يَغِيظُهُ، وَكَانَتْ تَحْتَ عَتّابٍ جُوَيْرِيّةُ بِنْتُ أَبِي جَهْلِ
بْنِ هِشَامٍ، وَهِيَ الّتِي خَطَبَهَا عَلِيّ عَلَى فَاطِمَةَ، فَشَقّ
ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لَا آذَنُ ثُمّ لَا آذَنُ، إنّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنّي،
الْحَدِيثَ «2» ، فَقَالَ عَتّابٌ: أَنَا أُرِيحُكُمْ مِنْهَا
فَتَزَوّجَهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ الْمَقْتُولَ يَوْمَ
الجمل، يروى أن عقابا طَارَتْ بِكَفّهِ يَوْمَ قُتِلَ، وَفِي الْكَفّ
خَاتَمُهُ، فَطَرَحَتْهَا بِالْيَمَامَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَعُرِفَتْ
بِالْخَاتَمِ.
الْحَنْفَاءُ بِنْتُ أَبِي جَهْلٍ:
وَكَانَتْ لِأَبِي جَهْلٍ بِنْتٌ أُخْرَى، يُقَالُ لَهَا الْحَنْفَاءُ
كَانَتْ تَحْتَ سهيل
__________
(1) ضرب من برود هجر.
(2) قصة جويرية فى الصحيحين من حديث المسور بن مخرمة من غير أن تسمى. وفيها
قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل
واحد أبدا» . والسبب خوفه «ص» أن تفتن فاطمة فى دينها كما جاء مصرحا به فى
الحديث.
(7/136)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن عَمْرٍو، يُقَالُ: إنّهَا وَلَدَتْ لَهُ ابْنَهُ أَنَسًا الّذِي كَانَ
يَضْعُفُ «1» ، وَفِيهِ جَرَى الْمَثَلُ: أَسَاءَ سَمْعًا فَأَسَاءَ
إجَابَةً «2» وَيُقَالُ: إنّهُ نَظَرَ يَوْمًا إلَى رَجُلٍ عَلَى نَاقَةٍ
يَتْبَعُهَا خَرُوفٌ فَقَالَ: يَا أَبَتْ أَذَاكَ الْخَرُوفُ مِنْ تِلْكَ
النّاقَةِ؟ فَقَالَ أَبُوهُ:
صَدَقَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، وَكَانَتْ حِينَ خَطَبَهَا قَالَتْ: إنْ
جَاءَتْ مِنْهُ حَلِيلَتُهُ بِوَلَدِ أَحْمَقَتْ، وَإِنْ أَنْجَبَتْ فَعَنْ
خَطَأٍ مَا أَنْجَبَتْ، وَقَدْ قِيلَ فِي بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ:
الْحَنْفَاءِ: إنّ اسْمَهَا صَفِيّةُ «3» فَاَللهُ أَعْلَمُ.
إسْلَامُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ:
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ: أَلَا تَرَى مَا
يَصْنَعُ محمّد من مِنْ كَسْرِ الْآلِهَةِ، وَنِدَاءِ هَذَا الْعَبْدِ
الْأَسْوَدِ عَلَى الْكَعْبَةِ «4» فَقَالَ: إنْ كَانَ اللهُ يَكْرَهُ
هَذَا، فَسَيُغَيّرُهُ، ثُمّ حَسُنَ إسْلَامُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
بَعْدُ، وَهَاجَرَ إلَى الشّامِ، فَلَمْ يَزَلْ جَاهِدًا مُجَاهِدًا، حَتّى
اُسْتُشْهِدَ هُنَالِكَ رَحِمَهُ اللهُ.
__________
(1) من الضعفة ضعف الفؤاد وقلة الفطنة.
(2) فى اللسان: جابة وقال «هكذا يتكلم به، لأن الأمثال تحكى على موضوعاتها»
وهى اسم وضع موضع المصدر مثل الطاعة والطافة والغارة والعارة، وأصل المثل
أن الأخنس بن شريق لقيه مع أبيه، فقال له: أبن أمك يا فتى «أمك مصدر الفعل
أم، أى أين قصدك» فظن أنس أنه يسأل عن أمه، فقال: انطلقت إلى أم حنظلة تطحن
دقيقا، فقال أبوه: أساء سمعا فأساء جابة. أنظر اللسان مادة جوب والأمثال
للميدانى ص 330 ط السنة المحمدية.
(3) وفى الأمثال أن اسمها صفية.
(4) وفى رواية أنه قال: واثكلاه ليتنى مت قبل هذا اليوم، قبل أن أسمع بلالا
ينهق فوق الكعبة.
(7/137)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إسْلَامُ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ:
وَأَمّا بِنْتُ أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَتْ حِينَ سَمِعَتْ الْأَذَانَ عَلَى
الْكَعْبَةِ، فلما قال لمؤذن: أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ،
قَالَتْ: عَمْرِي لَقَدْ أَكْرَمَك اللهُ وَرَفَعَ ذِكْرَك، فَلَمّا
سَمِعَتْ: حَيّ عَلَى الصّلَاةِ، قَالَتْ: أَمّا الصّلَاةُ فَسَنُؤَدّيهَا،
وَلَكِنْ وَاَللهِ مَا تُحِبّ قُلُوبُنَا مَنْ قَتَلَ الْأَحِبّةَ، ثُمّ
قَالَتْ: إنّ هَذَا الْأَمْرَ لَحَقّ، وَقَدْ كَانَ الْمَلَكُ جَاءَ بِهِ
أَبِي، وَلَكِنْ كَرِهَ مُخَالَفَةَ قَوْمِهِ وَدِينَ آبَائِهِ.
وَأَمّا أَبُو مَحْذُورَةَ الْجُمَحِيّ، وَاسْمُهُ: سَلَمَةُ بْنُ
مِعْيَرٍ، وَقِيلَ سَمُرَةُ «1» ، فَإِنّهُ لَمّا سَمِعَ الْأَذَانَ،
وَهُوَ مَعَ فتية من قريش خارج مكة أقبلوا يستهزؤن، وَيَحْكُونَ صَوْتَ
الْمُؤَذّنِ غَيْظًا، فَكَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ مِنْ أَحْسَنِهِمْ
صَوْتًا، فَرَفَعَ صَوْتَهُ مُسْتَهْزِئًا بِالْأَذَانِ، فَسَمِعَهُ
النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِهِ فَمَثَلَ
بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَظُنّ أَنّهُ مَقْتُولٌ، فَمَسَحَ النّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاصِيَتَهُ وَصَدْرَهُ بِيَدِهِ،
قَالَ: فَامْتَلَأَ قَلْبِي وَاَللهِ إيمَانًا وَيَقِينًا وَعَلِمْت أَنّهُ
رَسُولُ اللهِ، فَأَلْقَى عَلَيْهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الْأَذَانَ، وَعَلّمَهُ إيّاهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذّنَ
لِأَهْلِ مَكّةَ، وَهُوَ ابْنُ سِتّ عَشْرَةَ سَنَةً، فَكَانَ مُؤَذّنَهُمْ
حَتّى مَاتَ ثُمّ عَقِبَهُ بَعْدَهُ يَتَوَارَثُونَ الْأَذَانَ كَابِرًا
عَنْ كَابِرٍ، وَفِي أَبِي مَحْذُورَةَ يَقُولُ الشاعر:
__________
(1) فى الاصابة عند البلاذرى عن اسمه: الأثبت أنه أدمس، وجزم ابن حزم فى أن
سمرة أخوه. وخالف أبو اليقظان فجزم بأن أدمس بن معير قتل يوم بدر كافرا وأن
اسم أبى مجذورة سلمان بن سمرة، وقيل غير ذلك.
(7/138)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أما وربّ الكعبة المستوره ... وماتلا مُحَمّدٌ مِنْ سُورَهْ
وَالنّغَمَاتِ مِنْ أَبِي مَحْذُورَهْ ... لَأَفْعَلَن فِعْلَةً
مَذْكُورَهْ
هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ:
وَأَمّا هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ، فَإِنّ مِنْ
حَدِيثِهَا يَوْمَ الْفَتْحِ أَنّهَا بَايَعَتْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى الصّفَا، وَعُمَرُ دُونَهُ بِأَعْلَى
الْعَقَبَةِ، فَجَاءَتْ فِي نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ يُبَايِعْنَ عَلَى
الْإِسْلَامِ، وَعُمَرُ يُكَلّمُهُنّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمّا أَخَذَ عَلَيْهِنّ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ
بِاَللهِ شَيْئًا قَالَتْ هِنْدُ: قَدْ عَلِمْت أَنّهُ لَوْ كَانَ مَعَ
اللهِ غَيْرُهُ لَأَغْنَى عَنّا، فَلَمّا قَالَ:
وَلَا يَسْرِقْنَ قَالَتْ: وَهَلْ تَسْرِقُ الْحُرّةُ، لَكِنْ يَا رَسُولَ
اللهِ أَبُو سُفْيَانَ رَجُلٌ مَسِيكٌ رُبّمَا أَخَذْت مِنْ مَالِهِ
بِغَيْرِ عِلْمِهِ مَا يُصْلِحُ وَلَدَهُ، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ، ثُمّ
قَالَ: إنّك لَأَنْتِ هِنْدُ؟ «1» قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ
اُعْفُ عَنّي، عَفَا اللهُ عَنْك، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حَاضِرًا،
فَقَالَ: أَنْتِ فِي حِلّ مِمّا أَخَذْت، فَلَمّا قَالَ: وَلَا يَزْنِينَ،
قَالَتْ: وَهَلْ تَزْنِي الْحُرّةُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمّا قَالَ:
وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوفٍ، قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي مَا
أَكْرَمَك، وَأَحْسَنَ مَا دَعَوْت إلَيْهِ، فَلَمّا سَمِعَتْ: وَلَا
يَقْتُلْنَ أولادهن،
__________
(1) هذا لأنها كانت متنكرة خوفا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورواية الصحيحين: «إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطينى من
النفقة ما يكفينى، ويكفى بنى فهل على جناح إن أخذت من ماله بغير علمه؟ فقال
رسول الله «ص» خذى من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفى بنيك» .
(7/139)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَالَتْ: وَاَللهِ قَدْ رَبّيْنَاهُمْ صِغَارًا، حَتّى قَتَلْتهمْ أَنْتَ
وَأَصْحَابُك بِبَدْرِ كِبَارًا، قَالَ: فَضَحِكَ عُمَرُ مِنْ قَوْلِهَا
حَتّى مَالَ.
عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ لَا عَمْرُو بْنُ الزّبَيْرِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيّ، وَاسْمُهُ:
خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو، وَقِيلَ: عَمْرُو بْنُ خُوَيْلِدٍ، وَقِيلَ:
كَعْبُ بْنُ عمرو، وقيل: هانىء بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: لَمّا قَدِمَ عَمْرُو
بْنُ الزّبَيْرِ مَكّةَ لِقِتَالِ أَخِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ
بِمَكّةَ، هَذَا وَهْمٌ مِنْ ابْنِ هِشَامٍ، وصوابه: عمرو بن سعيد بن
العاصى بْنِ أُمَيّةَ، وَهُوَ الْأَشْدَقُ، وَيُكَنّى أَبَا أُمَيّةَ،
وَهُوَ الّذِي كَانَ يُسَمّى لَطِيمَ الشّيْطَانِ، وَكَانَ جَبّارًا
شَدِيدَ الْبَأْسِ، حَتّى خَافَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى مَكّةَ،
فَقَتَلَهُ بِحِيلَةِ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ، وَرَأَى رَجُلٌ عِنْدَ مَوْتِهِ
فِي الْمَنَامِ قَائِلًا يَقُولُ:
أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلسّفَاهَةِ وَالْوَهْنِ ... وَلِلْعَاجِزِ الموهون
والرّأى ذى الْأَفْنِ
وَلِابْنِ سَعِيدٍ بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ ... عَلَى قَدَمَيْهِ خَرّ
لِلْوَجْهِ وَالْبَطْنِ
رَأَى الْحِصْنَ مَنْجَاةً مِنْ الْمَوْتِ فَالْتَجَا ... إلَيْهِ،
فَزَارَتْهُ الْمَنِيّةُ فِي الْحِصْنِ
فَقَصّ رُؤْيَاهُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُمَهَا،
حَتّى كَانَ مِنْ قَتْلِهِ مَا كَانَ، وَهُوَ الّذِي خَطَبَ بِالْمَدِينَةِ
عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَعَفَ
حَتّى سَالَ الدّمُ إلَى أَسْفَلِهِ فَعُرِفَ بِذَلِكَ مَعْنَى حَدِيثِهِ
عَلَيْهِ السّلَامُ الّذِي يُرْوَى عَنْهُ كَأَنّي بِجَبّارِ مِنْ بَنِي
أُمَيّةَ يَرْعُفُ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا حَتّى يَسِيلَ الدّمُ إلَى
(7/140)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَسْفَلِهِ «1» ، أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَعُرِفَ الْحَدِيثُ فِيهِ. فَالصّوَابُ إذًا عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ لَا
عَمْرُو بْنُ الزّبَيْرِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ
ابْنِ إسْحَاقَ، وَهَكَذَا وَقَعَ فِي الصّحِيحَيْنِ. ذَكَرَ هَذَا
التّنْبِيهَ عَلَى ابْنِ هِشَامٍ أَبُو عُمَرَ- رَحِمَهُ اللهُ- فِي
كِتَابِ الْأَجْوِبَةِ عَنْ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَغْرَبَةِ، وَهِيَ
مَسَائِلُ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ لِلْبُخَارِيّ تَكَلّمَ عَلَيْهَا فِي
ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَإِنّمَا دَخَلَ الْوَهْمُ عَلَى ابْنِ هِشَامٍ أَوْ
عَلَى الْبَكّائِيّ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ أَجْلِ أَنّ عَمْرَو بْنَ
الزّبَيْرِ، كَانَ مُعَادِيًا لِأَخِيهِ عَبْدِ اللهِ وَمُعِينًا لِبَنِي
أُمَيّةَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
أُمّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ أُمّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَكَانَتْ تَحْتَ
عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ «2» ، وَأَنّهَا اتّبَعَتْهُ حِينَ فَرّ مِنْ
الْإِسْلَامِ، فَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَاسْتُشْهِدَ عِكْرِمَةُ بِالشّامِ، فَخَطَبَهَا يَزِيدُ بْنُ
أَبِي سُفْيَانَ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، فَخُطِبَتْ إلَى خَالِدٍ،
فَتَزَوّجَهَا، فَلَمّا أَرَادَ الْبِنَاءَ بِهَا، وَجُمُوعُ الرّومِ قَدْ
احْتَشَدَتْ، قَالَتْ لَهُ: لَوْ أَمْهَلْت حتى يفضّ الله جمعهم، قال: إن
__________
(1) من الأحاديث التى ابتدعتها الأهواء السياسية.
(2) روى أبو داود والنسائى أنه ركب البحر فأصابتهم ريح عاصف فنادى عكرمة
اللات والعزى، فقال أهل السفينة: أخلصوا فآلهتكم لا تغنى عنكم شيئا هاهنا،
فقال عكرمة والله لئن لم ينجنى من البحر إلا الإخلاص لا ينجينى فى البر
غيره اللهم لك عهد إن أنت عافيتنى مما أنا فيه أن آتى محمدا حتى أضع يدى فى
يده فلأجدنه عفوا غفورا كريما، فجاء فأسلم. وقد روى البيهقى قصة إسلامه
مطولة.
(7/141)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نَفْسِي تُحَدّثُنِي أَنّي أُصَابُ فِي جُمُوعِهِمْ، فَقَالَتْ: دُونَك،
فَابْتَنَى بِهَا، فَلَمّا أَصْبَحَ الْتَقَتْ الْجُمُوعُ وَأَخَذَتْ
السّيُوفُ مِنْ كُلّ فَرِيقٍ مَأْخَذَهَا فَقُتِلَ خَالِدٌ، وَقَاتَلَتْ
يَوْمَئِذٍ أُمّ حَكِيمٍ، وَإِنّ عَلَيْهَا لِلرّدْعِ الْخَلُوقَ «1» ،
وَقَتَلَتْ سَبْعَةً مِنْ الرّومِ بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ بِقَنْطَرَةِ
تُسَمّى إلَى الْيَوْمِ بِقَنْطَرَةِ أُمّ حَكِيمٍ وَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ
أَجْنَادِينَ «2» .
دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ:
وَذَكَرَ فِي خُطْبَةِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا
كُلّ مَأْثُرَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ مَالٍ يُدَعّى، فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيّ
هَاتَيْنِ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ: وَأَوّلُ دَمٍ أَضَعُهُ
دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ. كَانَ لِرَبِيعَةَ ابْنٌ قُتِلَ فِي
الْجَاهِلِيّةِ اسْمُهُ آدَمُ، وَقِيلَ تَمّامٌ، وَهُوَ رَبِيعَةُ بْنُ
الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ.
حَوْلَ التّخْيِيرِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ الدّيَةِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ شُرَيْحٍ «3» قَوْلَهُ عَلَيْهِ
السّلَامُ: فَمَنْ قُتِلَ
__________
(1) يعنى: كانت متطيبة حديثا.
(2) فى الإصابة: فى معركة مرج الصفر.
(3) أصل حديث أبى شريح فى الصحيحين عن أبى هريرة: من قتل له قتيل، فهو بخير
النظرين، إما أن يفتدى، وإما أن يقتل. وقد رواه الجماعة لكن لفظ الترمذى،
إما أن يعفو وإما أن يقتل. وقد رواه أبو داود والنسائى. وقد رواه أحمد وأبو
داود وابن ماجة هكذا «من أصيب بدم أو خبل- والخبل الجراح- فهو بالخيار بين
إحدى ثلاث: إما أن يقتص أو يأخذ العقل، أو يعفو، -
(7/142)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَعْدَ مُقَامِي هَذَا، فَأَهْلُهُ بِخَيْرِ النّظَرَيْنِ، إنْ شاؤا فدم
قاتله، وإن شاؤا فَعَقْلُه، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ
فِيهِ أَلْفَاظُ الرّوَاةِ وَظَاهِرُهُ عَلَى هَذِهِ الرّوَايَةِ أَنّ
وَلِيّ الدّمِ، هُوَ الْمُخَيّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الدّيَةَ، وَهُوَ
الْعَقْلُ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فَصْلٍ
مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنْ يَخْتَارَ وَلِيّ الْمَقْتُولِ
أَخْذَ الدّيَةِ، وَيَأْبَى الْقَاتِلُ إلّا أَنْ يُقْتَصّ مِنْهُ،
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَلَا اخْتِيَارَ لِلْقَاتِلِ،
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ
الْمَالِ، وَتَأَوّلُوا الْحَدِيثَ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ،
وَقَالَ بِهَا طَائِفَةٌ، مِنْ السّلَفِ، وَقَالَ آخَرُونَ بِظَاهِرِ
الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ، وَأَشْهَبَ، وَمَنْشَأُ
الِاخْتِلَافِ مِنْ الِاحْتِمَالِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ عُفِيَ
لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ فَاحْتَمَلَتْ
الْآيَةُ عِنْدَ قَوْمٍ أَنْ تَكُونَ مِنْ وَاقِعَةً عَلَى وَلِيّ
الْمَقْتُولِ، وَمِنْ أَخِيهِ أَيْ مِنْ وَلِيّهِ الْمَقْتُولِ، أَيْ: مِنْ
دِيَتِهِ، وَعُفِيَ لَهُ أَيْ: يُسّرَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ،
وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ مِنْ وَاقِعَةً عَلَى الْقَاتِلِ وَعُفِيَ مِنْ
الْعَفْوِ عَنْ الدّمِ، وَلَا خِلَافَ أَنّ الْمُتّبِعَ بِالْمَعْرُوفِ،
هُوَ وَلِيّ الدّمِ، وَأَنّ الْمَأْمُورَ بِأَدَاءِ بِإِحْسَانِ هُوَ
الْقَاتِلُ، وَإِذَا تَدَبّرْت الآية، عرفت منشأ الخلاف منها، وَلَاحَ مِنْ
سِيَاقَةِ الْكَلَامِ أَيّ الْقَوْلَيْنِ أَوْلَى بِالصّوَابِ.
وَأَمّا مَا ذَكَرْت مِنْ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ النقلة فى الحديث، فيحصرها
سبعة ألفاظ
__________
- فإن أراد رابعة، فخذوا على يديه» أى أراد زيادة على القصاص أو الدية أو
العفو. وقد فسر ابن عباس. (فمن عفى له) . الآية: العفو أن يقبل فى العمد
الدية، والاتباع بالمعروف: يتبع الطالب بمعروف، ويؤدى إليه المطلوب بإحسان
البخارى والنسائى والدارقطنى.
(7/143)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَحَدُهَا: إمّا أَنْ يَقْتُلَ وَإِمّا أَنْ يُفَادِيَ.
وَالثّانِي: إمّا أَنْ يُعْقَلَ أَوْ يُقَادَ.
الثّالِثُ: إمّا أَنْ يَفْدِيَ وَإِمّا أَنْ يُقْتَلَ.
الرّابِعُ: إمّا أَنْ تُعْطَى الدّيَةُ أَوْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ.
الْخَامِسُ: إمّا أَنْ يَعْفُوَ أَوْ يَقْتُلَ.
السّادِسُ: يُقْتَلُ أَوْ يُفَادَى.
السّابِعُ: مَنْ قَتَلَ متعمّدا دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤا قتلوا
وإن شاؤا أَخَذُوا الدّيَةَ. خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ. وَرِوَايَةُ ابْنِ
إسْحَاقَ فِي السّيرَةِ ثَامِنَةٌ، وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الرّوَايَاتِ
قُوّةٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفِي بَعْضِهَا قُوّةٌ لِرِوَايَةِ
أَشْهَبَ فَتَأَمّلْهَا «1» .
النّهْيُ عَنْ اشْتِمَالِ الصّمّاءِ وَالِاحْتِبَاءِ:
وَخُطْبَتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَطْوَلُ مِمّا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ،
وَفِيهَا مِنْ رِوَايَةِ الشّيْبَانِيّ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ نَهْيُهُ عَنْ
صِيَامِ يَوْمَيْنِ، وَصَلَاةِ سَاعَتَيْنِ: يَعْنِي طُلُوعَ الشّمْسِ
وَغُرُوبَهَا، وَأَنْ لَا يتوارث أهل ملّتين، وعن لبستين وطعمتين،
__________
(1) وفى روايته «وإن أحبوا أخذوا العقل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة، وأربعين
خاتمة فى بطونها أولادها» وقد أخرجه الترمذى وابن ماجة عن عمرو ابن شعيب عن
أبيه عن جده. ويقول الشوكانى فى نيل الأوطار عن حديث أبى شريح: فى إسناده
محمد بن إسحاق، وقد أورده معنعنا، وهو معروف بالتدليس، فإذا عنعن ضعف
حديثه» ص 7 ج 7.
(7/144)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفُسّرَتَا فِي الْحَدِيثِ، فَقَالَ: اللّبْسَتَانِ: اشْتِمَالُ
الصّمّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرّجُلُ «1» وَلَيْسَ بَيْنَ عَوْرَتِهِ
وَالسّمَاءِ حِجَابٌ. وَالطّعْمَتَانِ: الْأَكْلُ بِالشّمَالِ، وَأَنْ
يَأْكُلَ مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنِهِ.
شِعْرُ ابْنِ الزّبَعْرَى:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ شعر ابن لزّبعرى: الزّبَعْرَى: الْبَعِيرُ الْأَزَبّ «2»
مَعَ قِصَرٍ، وَفِيهِ:
رَاتِقٌ مَا فَتَقْت إذْ أَنَا بُورُ
قَوْلُهُ: فَتَقْت يَعْنِي: فِي الدّينِ، فَكُلّ إثْمٍ فَتْقٌ وَتَمْزِيقٌ،
وَكُلّ تَوْبَةٍ، رَتْقٌ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قِيلَ للتوبة: نصوح من نصحت
الثوب إذَا خِطْته، وَالنّصَاحُ: الْخَيْطُ «3» ، وَيَشْهَدُ لِصِحّةِ
هَذَا المعنى قول إبراهيم بن أدهم:
__________
(1) اشتمال الصماء: أن يتجلل الرجل بثوبه، ولا يرفع منه جانبا، وإنما قيل
لها صماء، لأنه يسد على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء. والفقهاء
يقولون: هو أن يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه،
فيضعه على منكبه، فتنكشف عورته. والاحتباء: أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه
بثوب نجمعهما به مع ظهره، ويشده عليها، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض
الثوب، وإنما نهى عنه، لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك أو زال
الثوب فتبدو عورته.
(2) الزبب فى الإبل كثرة شعر الوجه والعثنون. وابن دريد يقول هو من قولهم:
رجل زبعرى إذا كان غليظا كثير الشعر.
(3) والنصاح كشداد، والناصح والناصحى: الخياط.
(7/145)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نُرَقّعُ دُنْيَانَا بِتَمْزِيقِ دِينِنَا ... فَلَا دِينُنَا يَبْقَى،
وَلَا مَا نُرَقّعُ
وَقَوْلُهُ: إذْ أَنَا بُورُ، أَيْ: هَالِكٌ، يُقَالُ: رَجُلٌ بُورٌ
وَبَائِرٌ، وَقَوْمٌ بُورٌ، وَهُوَ جَمْعُ بَائِرٍ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ
فُعُلٌ بِتَحْرِيكِ الْوَاوِ، وَأَمّا رَجُلٌ بُورٌ، فَوَزْنُهُ فُعْلٌ
بِالسّكُونِ، لِأَنّهُ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ، وَمِنْهُ قِيلَ: أَرْضٌ بُورٌ
مِنْ الْبَوَارِ، وَهُوَ هَلَاكُ الْمَرْعَى وَيُبْسُهُ.
وَقَوْلُ ابْنِ الزّبَعْرَى:
وَاللّيْلُ مُعْتَلِجُ الرّوَاقِ بَهِيمُ
الِاعْتِلَاجُ: شِدّةٌ وَقُوّةٌ، وَقَدْ تَقَدّمَ شَرْحُهَا. وَالْبَهِيمُ:
الّذِي لَيْسَ فِيهِ لَوْنٌ يُخَالِطُ لَوْنَهُ.
وَقَوْلُهُ: سُرُحُ الْيَدَيْنِ غَشُومُ. الْغَشُومُ: الّتِي لَا تُرَدّ
عَنْ وَجْهِهَا، وَيُرْوَى سَعُومُ، وَهِيَ الْقَوِيّةُ عَلَى السّيْرِ.
حَوْلَ شِعْرِ حَسّانٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانٍ يَوْمَ الْفَتْحِ وَأَوّلُهُ:
عَفَتْ ذَاتُ الْأَصَابِعِ فَالْجِوَاءُ
ذَاتُ الْأَصَابِعِ: مَوْضِعٌ بِالشّامِ، وَالْجِوَاءُ كَذَلِكَ،
وَبِالْجِوَاءِ كَانَ مَنْزِلُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، وَكَانَ
حَسّانُ كَثِيرًا مَا يَرِدُ عَلَى مُلُوكِ غَسّانَ بِالشّامِ
يَمْدَحُهُمْ، فَلِذَلِكَ يَذْكُرُ هَذِهِ المنازل.
(7/146)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: إلَى عَذْرَاءَ، هِيَ قَرْيَةٌ عِنْدَ دِمَشْقَ، فِيهَا قُتِلَ
حُجْرُ بْنُ عَدِيّ وَأَصْحَابُهُ.
وَقَوْلُهُ: نَعَمٌ وَشَاءُ. النّعَمُ: الْإِبِلُ، فَإِذَا قِيلَ أَنْعَامٌ
دَخَلَ فِيهَا الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ وَالْإِبِلُ. وَالشّاءُ وَالشّوِيّ:
اسْمٌ لِلْجَمِيعِ كَالضّأْنِ وَالضّئِينِ وَالْإِبِلِ وَالْإِبِيلِ،
وَالْمَعْزِ وَالْمَعِيزِ، وَأَمّا الشّاةُ، فَلَيْسَتْ مِنْ لَفْظِ
الشّاءِ، لِأَنّ لَامَ الْفِعْلِ مِنْهَا هَاءٌ. وَبَنُو الْحَسْحَاسِ:
حَيّ مِنْ بَنِي أَسَدٍ.
وَقَوْلُهُ: الرّوَامِسُ وَالسّمَاءُ، يَعْنِي: الرّيَاحَ وَالْمَطَرَ.
وَالسّمَاءُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يَقَعُ عَلَى الْمَطَرِ، وَعَلَى السّمَاءِ
الّتِي هِيَ السّقْفُ، وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ
وَنَحْوِهِ وَلَا مِنْ قَوْلِهِ:
إذَا سَقَطَ السّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا
غِضَابَا «1»
لِأَنّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَطَرَ السّمَاءِ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ،
وَلَكِنْ إنّمَا عَرَفْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي جَمْعِهِ: سُمَيّ وهم
يقولون فى جمع السماء: سماوات وَأَسْمِيَةٌ، فَعَلِمْنَا أَنّهُ اسْمٌ
مُشْتَرَكٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: وَلَكِنْ مَنْ لِطَيْفِ. الطّيْفُ: مَصْدَرُ طَافَ الْخَيَالُ
يَطِيفُ طَيْفًا، وَلَكِنْ لَا يُقَالُ لِلْخَيَالِ: هُوَ طَائِفٌ عَلَى
وَزْنِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ طاف، لأنه
__________
(1) الشعر لمعاوية بن مالك معود الحكماء، وبعده:
بكل مقلص عبل شواه ... إذا وضعت أعنتهن ثابا
ومحفزة؟؟؟ الحزام بمرفقيها ... كشاة الربل؟؟؟ أفلتت الكلابا
(7/147)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَا حَقِيقَةَ لِلْخَيَالِ، فَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى أَنّهُ هو الطّيف،
وهو توهّم ونخيّل، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ لَهُ حَقِيقَةٌ قُلْت فِيهِ:
طَائِفٌ، وَفِي مَصْدَرِهِ: طَيْفٌ كَمَا فِي التّنْزِيلِ طائِفٌ مِنَ
الشَّيْطانِ الْأَعْرَافِ: 201 وَقَدْ قُرِئَ أَيْضًا طَيْفٌ مِنْ
الشّيْطَان، لِأَنّ غُرُورَ الشّيْطَانِ وَأَمَانِيّهُ تُشَبّهُ
بِالْخَيَالِ، وَمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ.
وَأَمّا قوله: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ ن: 19 فَلَيْسَ فِيهِ
إلّا اسْمُ الْفَاعِلِ دُونَ الْمَصْدَرِ، لِأَنّ الّذِي طَافَ عَلَيْهَا
لَهُ حَقِيقَةٌ، وَهُوَ فَاعِلٌ مَعْرُوفٌ بِالْفِعْلِ، يُقَالُ إنّهُ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَتَحَصّلَ مِنْ هَذَا ثَلَاثُ مَرَاتِبَ:
الْخَيَالُ وَلَا حَقِيقَةَ لَهُ، فَلَا يُعَبّرُ عَنْهُ إلّا بِالطّيْفِ،
وَحَدِيثُ الشّيْطَانِ وَوَسْوَسَتُهُ، يُقَالُ فِيهِ: طَائِفٌ وَطَيْفٌ،
وَكُلّ طَائِفٍ سِوَى هَذَيْنِ فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ، لَا يُعَبّرُ عَنْهُ
بِطَيْفِ، وَلَا بِطَوَافِ، فَقِفْ عَلَى هَذِهِ النّكْتَةِ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: يُؤَرّقُنِي إذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ، أَيْ: يُسَهّرُنِي،
فَيُقَالُ: كَيْفَ يُسَهّرُهُ الطّيْفُ، وَالطّيْفُ حُلْمٌ فِي
الْمَنَامِ؟.
فَالْجَوَابُ: أَنّ الّذِي يُؤَرّقُهُ لَوْعَةٌ يَجِدُهَا عِنْدَ زَوَالِهِ
كَمَا قَالَ [حَبِيبُ بْنُ أَوْسٍ أَبُو تَمّامٍ] الطّائِيّ:
ظَبْيٌ تَقَنّصْتُهُ لَمّا نَصَبْت لَهُ ... مِنْ آخِرِ اللّيْلِ
أَشْرَاكًا مِنْ الْحُلْمِ
ثُمّ انْثَنَى، وَبِنَا مِنْ ذِكْرِهِ سَقَمٌ ... بَاقٍ، وَإِنْ كَانَ
معسولا من السّقم «1»
__________
(1) من قصيدة له يمدح بها مالك بن طوق. أولها:
سلم على الربع من سلم بذى سلم ... عليه وسم من الأيام والقدم-.
(7/148)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَدْ أَحْسَنَ فِي قَوْلِهِ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنّهُ
سَهِرَ لَيْلَهُ كُلّهُ، إلّا سَاعَةً جَاءَ الْخَيَالُ مِنْ آخِرِهِ،
فَكَأَنّهُ مُسْتَرَقٌ مِنْ قَوْلِ حَسّانٍ:
وَخَيَالٌ إذَا تَقُومُ النّجُومُ
ونظير قوله: يؤرّقنى، أى يورقنى بِزَوَالِهِ عَنّي قَوْلُ الْبُحْتُرِيّ:
أَلَمّتْ بِنَا بَعْدَ الْهُدُوّ فَسَامَحَتْ ... بِوَصْلِ مَتَى
تَطْلُبْهُ فِي الْجِدّ تَمْنَعْ
وَوَلّتْ كَأَنّ الْبَيْنَ يَخْلُجُ شَخْصَهَا ... أَوَانَ تَوَلّتْ مِنْ
حِشَائِي وَأَضْلُعِي «1»
وَقَوْلُهُ: لِشَعْثَاءَ الّتِي قَدْ تَيّمَتْهُ. شَعْثَاءُ الّتِي
يُشَبّبُ بِهَا حَسّانُ هِيَ بِنْتُ سَلّامِ بْنِ مِشْكَمٍ الْيَهُودِيّ،
وَرُوِيَ أَنّهُ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ
مُحَمّدًا نَبِيّ، وَلَوْلَا أَنْ تُعَيّرَ بِهَا شعثاء ابنتى لتبعته، وقد
كان تَحْتَ حَسّانٍ أَيْضًا امْرَأَةٌ اسْمُهَا شَعْثَاءُ بِنْتُ كاهن
الأسلميّة، ولدت له أمّ فراس.
__________
- وقبل البيتين قوله:
زار الخيال لها لابل أزاركه ... فكر إذا نام فكر الخلق لم ينم
وانظر نقد الآمدى لهذا البيت، ثم اعتذاره عنه، وما قاله الشريف المرتضى فى
طيف الخيال ص 7 ط 1962 بتحقيق الأستاذ الصيرفى، ص 6 ح 3 أمالى المرتضى
والسعادة.
(1) ذكر معهما المرتضى فى أماليه ستة أبيات ص 6 ح 3 وفيه: نطلبه وهو الصواب
بدلا من تطلبه. ويقول المرتضى عن البحترى «ولأبى عبادة البحترى فى وصف
الخيال الفضل على كل متقدم ومتأخر، فانه تغلغل فى أوصافه، واهتدى من معانيه
إلى ما لا يوجد لغيره» المصدر للسابق
(7/149)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: كَأَنّ خَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ إلَى آخِرِهِ، خَبَرُ
كَأَنّ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: كَأَنّ فِي فِيهَا
خَبِيئَةً، وَمِثْلُ هَذَا الْمَحْذُوفِ فِي النّكِرَاتِ حَسَنٌ
كَقَوْلِهِ:
إنّ مَحَلّا وَإِنّ مُرْتَحِلًا «1»
أَيْ: إنّ لَنَا مَحَلّا، وَكَقَوْلِ الْآخَرِ:
وَلَكِنّ زِنْجِيّا طَوِيلًا مَشَافِرُهْ «2»
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ فِي صِفَةِ الدّجّالِ: أَعْوَرَ كَأَنّ
عِنَبَةً طَافِيَةً، أَيْ: كَأَنّ فِي عَيْنِهِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنّ
بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ بَيْتًا فِيهِ الْخَبَرُ وَهُوَ:
عَلَى أَنْيَابِهَا أَوْ طَعْمُ غَضّ ... مِنْ التّفّاح هصّره اجتناء «3»
__________
(1) هو للأعشى، والشطرة الأخرى: وإن فى السفر ما مضى مهلا.
(2) روى سيبويه للفرزدق بيتا هو:
فلو كنت ضبيا عرفت قرابتى ... ولكن زنجى عظيم المشافر
هكذا برفع زنجى. ثم قال: والنصب أكثر فى كلام العرب كأنه قال: ولكن زنجيا
عظيم المشافر لا يعرف قرابتى، ولكنه أضمر هذا كما يضمر ما يا بنى على
الابتداء. انتهى. وعلى رفع زنجى يكون اسم لكن محذوفا والتقدير: ولكنك زنجى،
وقد أنشده اللسان بنصب زنجى بإضمار الخبر، وهو أقيس. والبيت فى هجاء رجل من
ضبة، فنفاه عنها، ونسبه إلى الزنج. أنظر ص 282 ح 1 كتاب سيبويه واللسان
مادة شفر.
(3) هو فى ديوانه المطبوع فى أوربا.
(7/150)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهَذَا الْبَيْتُ مَوْضُوعٌ لَا يُشْبِهُ شِعْرَ حَسّانٍ وَلَا لَفْظَهُ.
وَقَوْلُهُ: نُوَلّيهَا الْمَلَامَةَ إنْ أَلَمْنَا، أَيْ: إنْ أَتَيْنَا
بِمَا نُلَامُ عَلَيْهِ صَرَفْنَا اللّوْمَ إلَى الْخَمْرِ وَاعْتَذَرْنَا
بِالسّكْرِ. وَالْمَغْتُ: الضّرْبُ بِالْيَدِ، وَاللّحَاءُ: الْمُلَاحَاةُ
بِاللّسَانِ، وَيُرْوَى أَنّ حَسّانًا مَرّ بِفِتْيَةِ يَشْرَبُونَ
الْخَمْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَنَهَاهُمْ، فَقَالُوا: وَاَللهِ لَقَدْ
أَرَدْنَا تَرْكَهَا فَيُزَيّنُهَا لَنَا قَوْلُك:
وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا
فَقَالَ: وَاَللهِ لَقَدْ قُلْتهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَمَا شَرِبْتهَا
مُنْذُ أَسْلَمْت، وَكَذَلِكَ قِيلَ:
إنّ بَعْضَ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ قَالَهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَقَالَ
آخِرَهَا فِي الْإِسْلَامِ.
مَعْنَى التفضيل في شركا:
وَفِيهَا يَقُولُ لِأَبِي سُفْيَانَ: فَشَرّكُمَا لِخَيْرِكُمَا
الْفِدَاءُ. وَفِي ظَاهِرُ اللّفْظِ بَشَاعَةٌ، لِأَنّ الْمَعْرُوفَ أَنْ
لَا يُقَالَ هُوَ شَرّهُمَا إلّا وَفِي كِلَيْهِمَا شَرّ، وَكَذَلِكَ:
شَرّ مِنْك، وَلَكِنّ سِيبَوَيْهِ قَالَ فِي كِتَابِهِ: تَقُولُ مَرَرْت
بِرَجُلِ شَرّ مِنْك، إذَا نَقَصَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ، وَهَذَا
يَدْفَعُ الشّنَاعَةَ عَنْ الْكَلَامِ الْأَوّلِ، وَنَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُهُ
عَلَيْهِ السّلَامُ: «شَرّ صُفُوفِ الرّجَالِ آخِرُهَا» يُرِيدُ: نُقْصَانَ
حَظّهِمْ عَنْ حَظّ الْأَوّلِ، كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ
أَنْ يُرِيدَ التّفْضِيلَ فى الشر والله أعلم.
يلطلم أَوْ يُطَلّمُ:
وَفِيهَا قَوْلُهُ فِي صِفَةِ الْخَيْلِ: يَلْطِمُهُنّ بِالْخُمُرِ
النّسَاءُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ
(7/151)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي الْجَمْهَرَةِ: كَانَ الْخَلِيلُ رَحِمَهُ اللهُ يَرْوِي بَيْتَ
حَسّانٍ يُطَلّمُهُنّ بِالْخُمُرِ، وَيُنْكِرُ يُلَطّمُهُنّ وَيَجْعَلُهُ
بِمَعْنَى: يَنْفُضُ النّسَاءُ بِخُمُرِهِنّ مَا عَلَيْهِنّ مِنْ غُبَارٍ
أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَأَتْبَعَ بِذَلِكَ ابْنُ دُرَيْدٍ قَوْلُهُ:
الطّلْمُ ضَرْبُك خُبْزَةَ الْمَلّةِ بِيَدِك لِتَنْفُضَ مَا عَلَيْهَا
مِنْ الرّمَادِ، وَالطّلْمَةُ: الْخُبْزَةُ، ومنه حَدِيثُ أَبِي
هُرَيْرَةَ: مَرَرْنَا بِقَوْمِ يُعَالِجُونَ طَلْمَةً لهم، فنفّرناهم
عنها، فاقتسمناها، فأصابتنى منها كِسْرَةٌ، وَكُنْت أَسْمَعُ فِي بَلَدِي
أَنّهُ مَنْ أَكَلَ الْخُبْزَ سَمِنَ، فَجَعَلْت أَنْظُرُ فِي عِطْفِي:
هَلْ ظَهَرَ فِيّ السّمَنُ بَعْدُ. وَمِمّا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ
هَذَا الْمَعْنَى أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رؤى يَمْسَحُ وَجْهَ
فَرَسِهِ بِرِدَائِهِ، فَقَالَ: عُوتِبْت اللّيْلَةَ فِي الْخَيْلِ.
وَفِيهَا:
وَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا
نُحْكِمُ: أَيْ نَرُدّ وَنَقْرَعُ، هُوَ مِنْ حَكَمَةِ الدّابّةِ، وَهُوَ
لِجَامُهَا، وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَيْضًا: نُفْحِمُهُمْ ونحرسهم،
فَتَكُونُ قَوَافِينَا لَهُمْ كَالْحَكَمَاتِ لِلدّوَابّ قَالَ زُهَيْرٌ:
قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَاتِ الْقَدّ وَالْأَبْقَا «1»
وَفِي هَذِهِ الْقَصِيدَةِ: مَوْعِدُهَا كَدَاءُ، وَفِي رِوَايَةِ
الشّيْبَانِيّ: يَسِيلُ بها كدىّ أو كداء.
__________
(1) أوله: القائد الخيل منكوبا دوائرها، والقد: السير يقد من جلد غير
مدبوغ. والأبق: القنب.
(7/152)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَدْ ذَكَرْنَا كُدَيّا وَكَدَاءَ، وَذَكَرْنَا مَعَهُمَا كُدًى، وَزَادَ
الشّيْبَانِيّ فِي رِوَايَتِهِ أَبْيَاتًا فِي هَذِهِ الْقَصِيدَةِ وَهِيَ:
وَهَاجَتْ دُونَ قَتْلِ بَنِي لُؤَيّ ... جَذِيمَةُ إنّ قَتْلَهُمْ شِفَاءُ
وَحِلْفُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ... وَحِلْفُ قُرَيْظَةَ فِينَا
سَوَاءُ
أُولَئِكَ مَعْشَرٌ أَلّبُوا عَلَيْنَا ... فَفِي أَظْفَارِنَا مِنْهُمْ
دِمَاءُ
سَتُبْصِرُ كَيْفَ نَفْعَلُ بِابْنِ حَرْبٍ ... بِمَوْلَاك الّذِينَ هُمْ
الرّدَاءُ
حَوْلَ شِعْرِ أَنَسِ بْنِ سُلَيْمٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ أَنَسِ بْنِ سُلَيْمٍ «1» الدّيلِيّ وَفِيهِ:
وَأَكْسَى لِبُرْدِ الْخَالِ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ
الْخَالُ: مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ وَهُوَ مِنْ رَفِيعِ الثّيَابِ.
وَأَحْسَبُهُ سُمّيَ بِالْخَالِ الّذِي بِمَعْنَى الْخُيَلَاءِ كَمَا قَالَ
زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: الْبَرّ أَبْغِي لَا الْخَالَ،
وَفِيهِ:
تَعَلّمْ رَسُولَ اللهِ أَنّك مُدْرِكِي ... وَأَنّ وَعِيدًا مِنْك
كَالْأَخْذِ بِالْيَدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ سَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ،
كَذَا أَلْفَيْته فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ، رَحِمَهُ اللهُ،
وَمَعْنَاهُ مِنْ أَحْسَنِ الْمَعَانِي يُنْظَرُ إلَى قَوْلِ النّابِغَةِ:
فَإِنّك كَاللّيْلِ الّذِي هُوَ مُدْرِكِي ... وَإِنْ خِلْت أَنّ
الْمُنْتَأَى عَنْك واسع
__________
(1) فى السيرة: زنيم وهو الصواب، ولعله سهو من السهيلى.
(7/153)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خَطَاطِيفُ حُجْنٍ فِي حِبَالٍ مَتِينَةٍ ... تُمَدّ بِهَا أَيْدٍ إلَيْك
نَوَازِعُ
فَالْقَسِيمُ الْأَوّلُ كَالْبَيْتِ الْأَوّلِ من قول النابغة،
وَالْقَسِيمُ الثّانِي كَالْبَيْتِ الثّانِي، لَكِنّهُ أَطْبَعُ مِنْهُ،
وَأَوْجَزُ. وَقَوْلُ النّابِغَةِ كَاللّيْلِ فِيهِ مِنْ حُسْنِ
التّشْبِيهِ مَا لَيْسَ فِي قَوْلِ الدّيلِيّ، إلّا أَنّهُ يَسْمُجُ مِثْلُ
هَذَا التّشْبِيهِ فِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
لِأَنّهُ نُورٌ وَهُدًى، فَلَا يُشَبّهُ بِاللّيْلِ، وَإِنّمَا حَسُنَ فِي
قَوْلِ النّابِغَةِ أَنْ يَقُولَ كَاللّيْلِ، وَلَمْ يَقُلْ كَالصّبْحِ،
لِأَنّ اللّيْلَ تُرْهَبُ غَوَائِلُهُ، وَيُحْذَرُ مِنْ إدْرَاكِهِ مَا لَا
يَحْذَرُ مِنْ النّهَارِ، وَقَدْ أَخَذَ بَعْضُ الأندلسيين هَذَا
الْمَعْنَى، فَقَالَ فِي هَرَبِهِ مِنْ ابْنِ عَبّادٍ:
كَأَنّ بِلَادَ اللهِ وَهِيَ عَرِيضَةٌ ... تَشُدّ بِأَقْصَاهَا عَلَيّ
الْأَنَامِلَا
فَأَيْنَ مَفَرّ الْمَرْءِ عَنْك بِنَفْسِهِ ... إذَا كَانَ يَطْوِي فِي
يَدَيْك الْمَرَاحِلَا
وَهَذَا كُلّهُ مَعْنًى مُنْتَزَعٌ مِنْ الْقُدَمَاءِ. رَوَى الطّبَرِيّ
أَنّ «منوشهر بْنَ إيرج بْنِ أفريدون بْنِ أَثَفَيَانِ» وَهُوَ الّذِي
بُعِثَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ فِي زَمَانِهِ أَعْنِي زَمَانَ منوشهر
قَالَ حِينَ عَقَدَ التّاجَ عَلَى رَأْسِهِ فِي خُطْبَةٍ لَهُ طَوِيلَةٍ:
«أَيّهَا النّاسُ إنّ الْخَلْقَ لِلْخَالِقِ، وَإِنّ الشّكْرَ
لِلْمُنْعِمِ، وَإِنّ التّسْلِيمَ لِلْقَادِرِ، وَإِنّهُ لَا أَضْعَفَ مِنْ
مَخْلُوقٍ طَالِبًا أَوْ مَطْلُوبًا، وَلَا أَقْوَى مِنْ طَالِبٍ
طِلْبَتُهُ فِي يَدِهِ، وَلَا أَعْجَزَ مِنْ مَطْلُوبٍ هُوَ فِي يَدِ
طَالِبِهِ.
حَوْلَ شِعْرِ بُجَيْرِ بْنِ زُهَيْرٍ:
وَأَنْشَدَ لِبُجَيْرِ بْنِ زُهَيْرٍ:
نَفَى أَهْلَ الْحَبَلّقِ كُلّ فَجّ ... مُزَيْنَةُ غُدْوَةً وبنو خفاف
(7/154)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحبلق: أَرْضٌ يَسْكُنُهَا قَبَائِلُ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَقَيْسٍ،
وَالْحَبَلّقُ: الْغَنَمُ، الصّغَارُ، وَلَعَلّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ:
أَهْلَ الْحَبَلّقِ أَصْحَابَ الْغَنَمِ، وَبَنُو عُثْمَانَ هُمْ
مُزَيْنَةُ وهم بنو عثمان بن لاطم بن أدبن طَابِخَةَ، وَمُزَيْنَةُ
أُمّهُمْ بِنْتُ كَلْبِ بْنِ وَبَرَةَ ابن تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ
الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ، وَأُخْتُهَا: الْحَوْأَبُ الّتِي عُرِفَ بِهَا
مَاءُ الْحَوْأَبِ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَصْلُ
الْحَوْأَبِ فِي اللّغَةِ: الْقَدَحُ الضّخْمُ الْوَاسِعُ، وَبَنُو
خِفَافٍ: بَطْنٌ مِنْ سُلَيْمٍ، وَقَوْلُهُ:
ضَرَبْنَاهُمْ بِمَكّةَ يَوْمَ فَتْحِ النّبى ... الخير بالبيض الخفاف
فِي الْبَيْتِ مُدَاخَلَةٌ وَهُوَ انْتِهَاءُ الْقَسِيمِ الْأَوّلِ فِي
بَعْضِ كَلِمَةٍ مِنْ الْقَسِيمِ الثّانِي، وَهُوَ عَيْبٌ عِنْدَهُمْ إلّا
فِي الْخَفِيفِ وَالْهَزَجِ، وَمَعْنَى الْخَيْرِ أَيْ ذُو الْخَيْرِ،
وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الْخَيّرَ فَخَفّفَ، كَمَا يُقَالُ هَيْنٌ
وَهَيّنٌ. وَفِي التّنْزِيلِ: خَيْراتٌ حِسانٌ الرّحْمَنِ: 70.
وَقَوْلُهُ: كَمَا انْصَاعَ الْفُوَاقُ مِنْ الرّصَافِ، أَيْ: ذَهَبَ،
وَالرّصَافُ:
عَصَبَةٌ تُلْوَى عَلَى فَوْقِ السّهْمِ، وَأَرَادَ بِالْفُوَاقِ
الْفَوْقَ، وَهُوَ غَرِيبٌ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعَيْنِ فِي الْفُوَاقِ صَوْتَ الصّدْرِ، وَهُوَ
بِالْهَمْزِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْأَعْرَابِيّ، لِأَنّهُ مِنْ ذَوَاتِ
الْوَاوِ.
عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ وَاَلّذِينَ حَرّمُوا الْخَمْرَ:
وَذَكَرَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ، وَيُكَنّى أَبَا الْفَضْلِ، وَقِيلَ:
أَبَا الْهَيْثَمِ، وَمِنْ ذُرّيّتِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ
فَقِيهُ الْأَنْدَلُسِ، وَنَسَبُهُ: عَبّاسُ بْنُ مرداس بن أبى عامر بن
جارية
(7/155)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن عَبْدِ بْنِ عَبّاسِ «1» بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ الْحَارِثِ «2» بْنِ
بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمٍ السّلَمِيّ كَانَ أَبُوهُ حَاجِبًا لِحَرْبِ بْنِ
أُمَيّةَ، وَقَتَلَتْهُمَا الْجِنّ فِي خَبَرٍ مَشْهُورٍ «3» وَعَبّاسٌ
مِمّنْ حَرّمَ عَلَى نَفْسِهِ الْخَمْرَ فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَحَرّمَهَا
أَيْضًا عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ
وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَقَبْلَ
هَؤُلَاءِ حَرّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ
وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جُدْعَانَ وَشَيْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَمِنْ قُدَمَاءِ
الْجَاهِلِيّةِ عَامِرُ بْنُ الظّرِبِ الْعُدْوَانِيّ.
وَذَكَرَ فِي سَبَبِ إسْلَامِ عَبّاسٍ مَا سَمِعَ مِنْ جَوْفِ الصّنَمِ
الّذِي كَانَ يَعْبُدُهُ، وَهُوَ ضَمَارِ بكسر الراء وهو مثل حذام ورفاش،
وَلَا يَكُونُ مِثْلُ هَذَا الْبِنَاءِ إلّا فِي أسماء المؤنّث، وكانوا
يجعلون آلهتهم إناثا كاللّات وَالْعُزّى وَمَنَاةَ، لِاعْتِقَادِهِمْ
الْخَبِيثَ فِي الْمَلَائِكَةِ أَنّهَا بَنَاتٌ. وَفِي ضَمَارِ لُغَةُ
أَهْلِ الْحِجَازِ، وَبَنِيّ تَمِيمٍ الْبِنَاءُ عَلَى الْكَسْرِ لَا
غَيْرُ مِنْ أَجْلِ أَنّ آخِرَهُ رَاءٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي آخِرِهِ
رَاءٌ كَحَذَامِ وَرَقَاشِ، فَهُوَ مَبْنِيّ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ
وَمُعْرَبٌ غَيْرُ مُجْرًى فى لغة غيرهم «4» كذلك قال سيبويه.
__________
(1) فى الإصابة: ابن حارثة بن عبد بن عبس.
(2) فى الإصابة: ابن الحارث بن يحيى بن الحارث بن بهثة.
(3) خرافة أخرى مما يقال عن الجن.
(4) أى يجرونه مجرى ما لا ينصرف فيرفع بالضم بدون تنوين، وينصب ويجر
بالكسرة. وقد جاءت الأشعار على لغة أهل الحجاز. وقد ضبط القاموس ضمار على
وزن كتاب وكذلك ضبط فى المراصد وهى بفتح الضاد-
(7/156)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدّنْيَا فِي سَبَبِ إسْلَامِ عَبّاسٍ حَدِيثًا
أَسْنَدَهُ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ، بْنِ
أَنَسٍ السّلْمَانِيّ عَنْ عَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنّهُ كَانَ فِي
لِقَاحٍ لَهُ نِصْفَ النّهَارِ، فَاطّلَعَتْ عَلَيْهِ نَعَامَةٌ بَيْضَاءُ
عَلَيْهَا رَاكِبٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بَيَاضٌ فَقَالَ لِي: يَا عَبّاسُ
أَلَمْ تَرَ أَنّ السّمَاءَ كَفّتْ أَحْرَاسَهَا، وَأَنّ الْحَرْبَ
جَرَعَتْ أَنْفَاسَهَا، وَأَنّ الْخَيْلَ وَضَعَتْ أَحْلَاسَهَا، وَأَنّ
الّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ الْبِرّ وَالتّقَى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لَيْلَةَ
الثّلَاثَاءِ صَاحِبَ النّاقَةِ الْقَصْوَاءِ. قَالَ: فَخَرَجْت مَرْعُوبًا
قَدْ رَاعِنِي مَا رَأَيْت، وَسَعَيْت، حَتّى جِئْت وَثَنًا لِي، يُقَالُ
لَهُ الضّمَارِ كُنّا نَعْبُدُهُ وَنُكَلّمُ مِنْ جَوْفِهِ، فَكَنَسْت مَا
حَوْلَهُ، ثُمّ تَمَسّحْت بِهِ، فَإِذَا صَائِحٌ يَصِيحُ مِنْ جَوْفِهِ:
قُلْ لِلْقَبَائِلِ مِنْ قُرَيْشٍ كُلّهَا ... هَلَكَ الضّمَارُ وَفَازَ
أَهْلُ الْمَسْجِد «1»
هَلَكَ الضّمَارُ وَكَانَ يُعْبَدُ مُدّةً ... قَبْلَ الصّلَاةِ عَلَى
النّبِيّ مُحَمّدِ
إنّ الّذِي وَرِثَ النّبُوّةَ وَالْهُدَى ... بَعْدَ ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ
قُرَيْشٍ مُهْتَدِي
قَالَ فَخَرَجْت مَذْعُورًا حَتّى جِئْت قَوْمِي، فَقَصَصْت عَلَيْهِمْ
الْقِصّةَ، وَأَخْبَرْتهمْ الْخَبَرَ فَخَرَجْت فِي ثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ
قَوْمِي مِنْ بَنِي جَارِيَةَ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَلَمّا رَآنِي
النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسّمَ، وَقَالَ: إلَيّ يَا
عَبّاسُ، كَيْفَ إسْلَامُك؟ فقصصت عليه القصة، فقال:
__________
- موضع للعرب به وقعة. أما البكرى فضبط ضمار بفتح الضاد وقال: حجر كل لبنى
سليم يعبدونه، كان سبب إسلام عباس بن مرداس.
(1) فى السيرة والبكرى: من سليم. وأودى ضمار وعاش أهل المسجد.
(7/157)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صَدَقْت، فَأَسْلَمْت أَنَا وَقَوْمِي «1» .
شِعْرُ جَعْدَةَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي شِعْرِ جَعْدَةَ الْخُزَاعِيّ غَزَالَ، وَهُوَ اسْمُ
طَرِيقٍ غَيْرُ مَصْرُوفٍ، وَقَالَ كُثَيّرُ فِي قَصِيدَتِهِ
الْمَشْهُورَةِ يَذْكُرُ غَزَالَ:
أُنَادِيك مَا حَجّ الْحَجِيجُ وَكَبّرَتْ ... بِفَيْفَا غَزَالٍ رُفْقَةٌ
وَأَهَلّتْ «2»
وَكَذَلِكَ لَفْتٌ اسْمُ مَوْضِعٍ، وَفِي لَفْتٍ «3» يَقُولُ مَعْقِلُ بْنُ
خُوَيْلِدٍ:
لَعَمْرُك مَا خَشِيت وَقَدْ بَلَغْنَا ... جِبَالَ الْجَوْزِ مِنْ بَلَدٍ
تَهَامِ
نَزِيعًا «4» مُحْلِبًا مِنْ أَهْلِ لَفْتٍ ... لِحَيّ بَيْنَ أثلة والنجام
وَقَدْ تَقَدّمَ هَذَا الْبَيْتُ الْأَخِيرُ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ «5» .
سَرِيّةُ خَالِدٍ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ:
وَذَكَرَ سَرِيّةَ خَالِدٍ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ، وَتُعْرَفُ بِغَزْوَةِ
الغميط، وهو اسم ماء لبنى جذيمة.
__________
(1) الشعر مصنوع ولا شك، فليس فيه نفحة من عصره، والقصة كذلك موضوعة ولا شك
أو لعلها رؤيا كما فهم ابن حجر فى الإصابة.
(2) القصيدة بطولها كلها فى الأمالى ص 107 ح 3 ط 2.
(3) لفت قيدها البكرى بكسر اللام وفتحها. وقيدها القاضى عياض- كما فى
المراصد بثلاثة أوجه منها ما ذكرنا، وبفتح اللام والفاء، وقد سبق الكلام
عنها.
(4) سبق الكلام عن البيتين فى باب الهجرة.
(5) بل تقدم البيتان.
(7/158)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَكَرَ شِعْرَ امْرَأَةٍ، اسْمُهَا: سَلْمَى، وَفِيهِ:
وَمُرّةُ حَتّى يَتْرُكُوا الْبَرْكَ ضَابِحَا
الْبَرْكُ: جَمَاعَةُ الْإِبِلِ، وَمَاصَعَ: جَالَدَ وَقَاتَلَ، وَضَابِحَا
مِنْ الضّبْحِ، وَهُوَ نَفْسُ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ إذَا عُيّيَتْ، وَفِي
التّنْزِيلِ وَالْعادِياتِ ضَبْحاً وَفِي الْخَبَرِ:
مَنْ سَمِعَ ضَبْحَةً بِلَيْلِ، فَلَا يَخْرُجُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُ
شَرّ. قَالَ الرّاجِزُ:
نَحْنُ نَطَحْنَاهُمْ غَدَاةَ الْجَمْعَيْنِ ... بِالضّابِحَاتِ فِي
غُبَارِ النّقْعَيْنِ
نَطْحًا شَدِيدًا لَا كَنَطْحِ الطّورَيْنِ
وَالضّبْحُ وَالضّبْيُ مَصْدَرُ ضَبَحَتْ وَضُبِيَتْ أَيْ شُوِيَتْ
وَقُلِيَتْ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ: وَالْمَضَابِي وَالْمَضَابِحُ
هُوَ المقالى.
وذكر تبرّأ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمّا فَعَلَ
خَالِدٌ، وَهَذَا نَحْوٌ مِمّا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ حِينَ قَالَ لِأَبِي
بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: إنّ فِي سَيْفِ خَالِدٍ رَهَقًا.
إنّ فِي سَيْفِ خَالِدٍ رَهَقًا فَاقْتُلْهُ، وَذَلِكَ حِينَ قَتَلَ
مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ، وَجَعَلَ رَأْسَهُ تَحْتَ قِدْرٍ حَتّى طُبِخَ
بِهِ «1» ، وَكَانَ مَالِكٌ ارْتَدّ، ثُمّ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ، وَلَمْ
يُظْهِرْ ذَلِكَ لِخَالِدِ، وَشَهِدَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ مِنْ الصّحَابَةِ
بِرُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَقْبَلْهُمَا، وَتَزَوّجَ
امْرَأَتَهُ، فَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: اُقْتُلْهُ،
فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ لانه متأوّل،
__________
(1) لا يظن برجل مجده التاريخ كخالد أن يقترف مثل هذه القسوة والمثلة التى
نهاه عنها دينه.
(7/159)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَقَالَ: اعْزِلْهُ، فَقَالَ: لَا أَغْمِدُ سَيْفًا سَلّهُ اللهُ عَلَى
الْمُشْرِكِينَ، وَلَا أَعْزِلُ وَالِيًا وَلّاهُ رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
وذكر قَوْلَ الرّجُلِ لِلْمَرْأَةِ: اسْلِمِي حُبَيْشُ عَلَى نَفَدِ
الْعَيْشِ «1» النّفَدُ مَصْدَرُ نَفِدَ إذَا فَنِيَ، وَهُوَ النّفَادُ،
وَحُبَيْشٌ مُرَحّمٌ مِنْ حُبَيْشَةَ.
شِعْرُ أَبِي حدرد:
وحليبة وَالْخَوَانِقُ: مَوْضِعَانِ، وَالْوَدَائِقُ: جَمْعُ وَدِيقَةٍ،
وَهُوَ شِدّةُ الْحَرّ فِي الظّهِيرَةِ، سُمّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ الْوَدْقِ،
لِأَنّ فِي ذَلِك الْوَقْتِ يَسِيلُ لُعَابُ الشّمْسِ، وَهُوَ مَا تَرَاهُ
الْعَيْنُ كَالسّرَابِ وَنَحْوِهِ، وَقَالَ الرّاجِزُ:
وَقَامَ مِيزَانُ النّهَارِ، فَاعْتَدَلْ ... وَسَالَ لِلشّمْسِ لُعَابٌ
فَنَزَلْ
وَقَالَ: الْأَحْوَلُ: يُقَالُ: وَدَقَ إذَا دَنَا مِنْ الْأَرْضِ،
وَيُقَالُ: هُوَ وَادِقُ السّرّةِ إذَا كَانَتْ مَائِلَةً إلَى جِهَةِ
الْأَرْضِ وَأَنْشَدَ:
وَادِقًا سُرّاتُهَا
فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْوَدِيقَةُ مِنْ وَدَقَتْ الشّمْسُ إذَا دَنَتْ
مِنْ الْأُفُقِ، فَاشْتَدّ حرّها، والله أعلم.
وقوله: فهمه خالد، أى: زجره، وبحهه، وَرَوَى النّسَائِيّ فِي قِصّةِ
الْمَرْأَةِ الّتِي مَاتَتْ مُكِبّةً عَلَى الرّجُلِ الْمَقْتُولِ قَالَ:
حَدّثَنَا مُحَمّدُ بن على بن حرب
__________
(1) فى السيرة: من العيش.
(7/160)
|