الروض الأنف ت الوكيل

[ذِكْرُ سَنَةِ تِسْعٍ وَتَسْمِيَتُهَا سَنَةَ الْوُفُودِ وَنُزُولُ سُورَةِ الْفَتْحِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: لَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكّةَ، وَفَرَغَ مِنْ تَبُوكَ، وَأَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ وَبَايَعَتْ، ضَرَبَتْ إليه وفود العرب من كلّ وجه.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، وَأَنّهَا كَانَتْ تُسْمَى سنة الوفود.
[انْقِيَادُ الْعَرَبِ وَإِسْلَامُهُمْ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَرَبّصَ بِالْإِسْلَامِ أَمْرَ هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَمّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنّ قُرَيْشًا كَانُوا إمَامَ النّاسِ وَهَادِيَهُمْ، وَأَهْلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَصَرِيحَ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ، وَقَادَةَ الْعَرَبِ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ هِيَ الّتِي نَصَبَتْ لِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخِلَافَهُ، فَلَمّا اُفْتُتِحَتْ مَكّةُ، وَدَانَتْ لَهُ قُرَيْشٌ، وَدَوّخَهَا الْإِسْلَامُ، وَعَرَفَتْ الْعَرَبُ أَنّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَدَاوَتِهِ، فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللهِ، كَمَا قَالَ عَزّ وَجَلّ، أَفْوَاجًا، يَضْرِبُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً.
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً: أَيْ فَاحْمَدْ اللهَ عَلَى مَا أَظْهَرَ مِنْ دِينِك، وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كَانَ توابا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/382)


[قُدُومُ وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ وَنُزُولُ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ]
[رجال الوفد]
فَقَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفود العرب، فقدم عليه عطارد ابن حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عُدُسٍ التّمِيمِيّ، فِي أشراف بنى تميم، منهم لأقرع ابن حَابِسٍ التّمِيمِيّ، وَالزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ التّمِيمِيّ، أَحَدُ بَنِي سَعْدٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، وَالْحَبْحَابُ بْنُ يزيد.
[شَيْءٌ عَنْ الْحُتَاتِ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحُتَاتُ وَهُوَ الّذِي آخَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ آخَى بَيْنَ نفر من أصحابه مِنْ الْمُهَاجِرِينَ؛ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَبَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَبَيْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ وَالزّبِيرِ بْنِ العوّام، وبين أبى ذرّ الغفارى وَالْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيّ، وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَالْحُتَاتِ بْنِ يَزِيدَ الْمُجَاشِعِيّ، فَمَاتَ الْحُتَاتُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فِي خِلَافَتِهِ، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ مَا تَرَكَ وِرَاثَةً بِهَذِهِ الْأُخُوّةِ، فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ لِمُعَاوِيَةَ:
أَبُوكَ وَعَمّي يَا مُعَاوِيَ أَوْرَثَا ... تُرَاثًا فَيَحْتَازُ التّرَاثَ أَقَارِبُهْ
فَمَا بَالُ مِيرَاثِ الْحُتَاتِ أَكَلْتَهُ ... وَمِيرَاثِ حَرْبٍ جَامِدٌ لَك ذَائِبُهْ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/383)


[سَائِرُ رِجَالِ الْوَفْدِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ: نُعَيْمُ بْنُ يَزِيدَ، وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقِيسُ بْنُ عَاصِمٍ، أَخُو بَنِي سَعْدٍ، فِي وَفْدٍ عَظِيمٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَعُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، أَحَدُ بنى دارم بن مالك بن حنظلة ابن مالك بن زيد مناة بن تميم، والأفرع بْنُ حَابِسٍ، أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكٍ، وَالْحُتَاتُ بْنُ يَزِيدَ، أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكٍ، وَالزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، أَحَدُ بَنِي بَهْدَلَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، أَحَدُ بَنِي مِنْقَرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ ابن تَمِيمٍ، وَقِيسِ بْنِ عَاصِمٍ، أَحَدُ بَنِي مِنْقَرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعَهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ، وَقَدْ كَانَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ مَكّةَ وَحُنَيْنًا والطائف.
[صياحهم بالرسول وكلمة عطارد]
فَلَمّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ كَانَا مَعَهُمْ، فَلَمّا دَخَلَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ الْمَسْجِدَ نَادَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وَرَاءِ حُجُرَاتِهِ: أَنْ اُخْرُجْ إلَيْنَا يَا مُحَمّدُ، فآذى ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صِيَاحِهِمْ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ، جِئْنَاك نُفَاخِرُك، فَأْذَنْ لِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا، قَالَ: قَدْ أَذِنْت لِخَطِيبِكُمْ فَلْيَقُلْ، فَقَامَ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/384)


الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَهُ عَلَيْنَا الْفَضْلُ وَالْمَنّ، وَهُوَ أَهْلُهُ، الّذِي جَعَلَنَا مُلُوكًا، وَوَهَبَ لَنَا أَمْوَالًا عِظَامًا، نَفْعَلُ فِيهَا الْمَعْرُوفَ، وَجَعَلَنَا أَعَزّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَكْثَرَهُ عَدَدًا، وَأَيْسَرَهُ عِدّةً، فَمَنْ مثلنا فى الناس؟ ألسنا برؤس النّاسِ وَأُولِي فَضْلِهِمْ؟ فَمَنْ فَاخَرَنَا فَلْيُعَدّدْ مِثْلَ مَا عَدّدْنَا، وَإِنّا لَوْ نَشَاءُ لَأَكْثَرْنَا الْكَلَامَ، وَلَكِنّا نَحْيَا مِنْ الْإِكْثَارِ فِيمَا أَعْطَانَا، وَإِنّا نُعْرَفُ بِذَلِكَ.
أَقُولُ هَذَا لِأَنْ تَأْتُوا بِمِثْلِ قَوْلنَا، وَأَمْرٍ أَفَضْلَ مِنْ أَمْرِنَا. ثُمّ جَلَسَ.
[كَلِمَةُ ثَابِتٍ فِي الرّدّ عَلَى عُطَارِدٍ]
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ، أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: قُمْ، فَأَجِبْ الرّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ. فَقَامَ ثَابِتٌ، فَقَالَ:
الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ خَلْقُهُ، قَضَى فِيهِنّ أَمْرَهُ، وَوَسِعَ كُرْسِيّهُ عِلْمُهُ وَلَمْ يَكُ شَيْءٌ قَطّ إلّا مِنْ فَضْلِهِ، ثُمّ كَانَ مِنْ قُدْرَتِهِ أَنْ جَعَلَنَا مُلُوكًا، وَاصْطَفَى مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ رَسُولًا، أَكْرَمَهُ نَسَبًا، وَأَصْدَقَهُ حَدِيثًا، وَأَفْضَلَهُ حَسَبًا، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كتابه وأأتمنه عَلَى خَلْقِهِ، فَكَانَ خِيرَةَ اللهِ مِنْ الْعَالَمِينَ، ثُمّ دَعَا النّاسَ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ، فَآمَنَ بِرَسُولِ اللهِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قَوْمِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ، أَكْرَمُ النّاسِ حَسَبًا، وَأَحْسَنُ النّاسِ وُجُوهًا، وَخَيْرُ النّاسِ فِعَالًا. ثُمّ كَانَ أَوّلُ الْخَلْقِ إجَابَةً، وَاسْتَجَابَ لِلّهِ حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ وَوُزَرَاءُ رَسُولِهِ، نُقَاتِلُ النّاسِ حَتّى يُؤْمِنُوا بِاَللهِ، فَمَنْ آمَنْ بِاَللهِ وَرَسُولِهِ مَنَعَ مِنّا مَالَهُ وَدَمَهُ، وَمَنْ كَفَرَ جَاهَدْنَاهُ فِي اللهِ أَبَدًا، وكان قتله علينا بسيرا. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/385)


[شِعْرُ الزّبْرِقَانِ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ]
فَقَامَ الزّبْرِقَانُ بن بدر، فقال:
نَحْنُ الْكِرَامُ فَلَا حَيّ يُعَادِلُنَا ... مِنّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُنْصَبُ الْبِيَعُ
وَكَمْ قَسَرْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ كُلّهِمْ ... عِنْدَ النّهَابِ وَفَضْلُ الْعِزّ يُتّبَعُ
وَنَحْنُ يُطْعِمُ عِنْدَ الْقَحْطِ مُطْعِمُنَا ... مِنْ الشّوَاءِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ الْقَزَعُ
بِمَا تَرَى النّاسَ تَأْتِينَا سُرَاتُهُمْ ... مِنْ كُلّ أَرْضٍ هُوِيّا ثُمّ تَصْطَنِعُ
فَنَنْحَرُ الْكُوَمَ عُبْطًا فِي أَرُومَتِنَا ... لِلنّازِلِينَ إذَا مَا أُنْزِلُوا شَبِعُوا
فَلَا تَرَانَا إلَى حَيّ نُفَاخِرُهُمْ ... إلّا اسْتَفَادُوا فَكَانُوا الرّأْسَ يُقْتَطَعُ
فَمَنْ يفاخرنا فى ذاك نعرفه ... فيرجع القوم والأحبار تستمع
منّا أَبَيْنًا وَلَا يَأْبَى لَنَا أَحَدٌ ... إنّا كَذَلِكَ عند الفخر نرتع
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى:
مِنّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُقْسَمُ الرّبَعُ
وَيُرْوَى:
مِنْ كُلّ أَرْضٍ هَوَانَا ثُمّ نُتّبَعُ
رَوَاهُ لِي بَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِلزّبْرِقَانِ
[شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى الزّبْرِقَانِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ حَسّانُ غَائِبًا، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/386)


وَسَلّمَ. قَالَ حَسّانُ: جَاءَنِي رَسُولُهُ، فَأَخْبَرَنِي أَنّهُ إنّمَا دَعَانِي لِأُجِيبَ شَاعِرَ بَنِي تَمِيمٍ، فَخَرَجْت إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أقول:
مَنَعْنَا رَسُولَ اللهِ إذْ حَلّ وَسْطَنَا ... عَلَى أَنْفٍ رَاضٍ مِنْ مَعَدّ وَرَاغِمِ
مَنَعْنَاهُ لَمَا حَلّ بَيْنَ بُيُوتِنَا ... بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلّ بَاغٍ وَظَالِمِ
بِبَيْتٍ حَرِيدٍ عِزّهُ وَثَرَاؤُهُ ... بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ
هَلْ الْمَجْدُ إلّا السّودَدُ الْعَوْدُ وَالنّدَى ... وِجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ
قَالَ: فَلَمّا انْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَ شَاعِرُ الْقَوْمِ، فَقَالَ مَا قَالَ، عَرَضْت فِي قَوْلِهِ، وَقُلْت عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ قَالَ: فَلَمّا فَرَغَ الزّبْرِقَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ: قُمْ يَا حَسّانُ، فَأَجِبْ الرّجُلَ فِيمَا قال. فقام حسان فقال:
إنّ الذّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ ... قَدْ بَيّنُوا سُنّةً لِلنّاسِ تُتّبَعُ
يَرْضَى بِهِمْ كُلّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ ... تَقْوَى الْإِلَهِ وَكُلّ الْخَيْرِ يَصْطَنِعُ
قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا ضَرّوا عَدُوّهُمْ ... أَوْ حَاوَلُوا النّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
سَجِيّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غير محدثة ... إنّ لخلائق فَاعْلَمْ شَرّهَا الْبِدَعُ
إنْ كَانَ فِي النّاسِ سَبّاقُونَ بَعْدَهُمْ ... فَكُلّ سَبْقٍ لِأَدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ
لَا يَرْقَعُ النّاسَ مَا أَوْهَتَ أَكَفّهُمْ ... عِنْدَ الدّفّاعِ وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعُوا
إنْ سَابَقُوا النّاسَ يَوْمًا فَازَ سَبْقُهُمْ ... أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنّدَى مَتَعُوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/387)


أعفّة ذكرت فى الوحى عفّتهم ... لا يطبعون وَلَا يُرْدِيهِمْ طَمَعُ
لَا يَبْخَلُونَ عَلَى جَارٍ بِفَضْلِهِمْ ... وَلَا يَمَسّهُمْ مِنْ مَطْمَعٍ طَبَعُ
إذَا نَصَبْنَا لِحَيّ لَمْ نَدِبّ لَهُمْ ... كَمَا يَدُبّ إلَى الْوَحْشِيّةِ الذّرِعُ
نَسْمُو إذَا الْحَرْبُ نَالَتْنَا مخالبها ... إذا الرّعانف مِنْ أَظْفَارهَا خَشَعُوا
لَا يَفْخَرُونَ إذَا نَالُوا عَدُوّهُمْ ... وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خُورٌ وَلَا هُلُعُ
كَأَنّهُمْ فِي الْوَغَى وَالْمَوْتُ مُكْتَنِعٌ ... أُسْدٌ بِحِلْيَةِ فى أرساغها فدع
خد مِنْهُمْ مَا أَتَى عَفْوًا إذَا غَضِبُوا ... وَلَا يَكُنْ هَمّكَ الْأَمْرَ الّذِي مَنَعُوا
فَإِنّ فِي حَرْبِهِمْ فَاتْرُكْ عَدَاوَتَهُمْ ... شَرّا يُخَاضُ عَلَيْهِ السّمّ وَالسّلَعُ
أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ اللهِ شِيعَتُهُمْ ... إذَا تَفَاوَتَتْ الْأَهْوَاءُ وَالشّيَعُ
أَهْدِي لَهُمْ مِدْحَتِي قَلْبٌ يُؤَازِرُهُ ... فِيمَا أُحِبّ لِسَانٌ حَائِكٌ صَنَعُ
فَإِنّهُمْ أَفْضَلُ الْأَحْيَاءِ كُلّهِمْ ... إنْ جَدّ بِالنّاسِ جِدّ الْقَوْلِ أَوْ شَمَعُوا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ:
يَرْضَى بِهَا كُلّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ ... تَقْوَى الْإِلَهِ وَبِالْأَمْرِ الّذِي شَرَعُوا
[شِعْرٌ آخر للزبرقان]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بالشعر من بنى تميم: أنّ الزبرقان ابن بَدْرٍ لَمّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ قام فقال:
أَتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْلَمَ النّاسُ فَضْلَنَا ... إذَا احْتَفَلُوا عِنْدَ احْتِضَارِ الْمَوَاسِمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/388)


بِأَنّا فُرُوعُ النّاسِ فِي كُلّ مَوْطِنٍ ... وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ كَدَارِمِ
وَأَنّا نَذُودُ الْمُعْلِمِينَ إذَا انْتَخَوْا ... وَنَضْرِبُ رَأْسَ الْأَصْيَدِ الْمُتَفَاقِمِ
وَأَنّ لَنَا الْمِرْبَاعَ فِي كُلّ غَارَةٍ ... نُغِيرُ بِنَجْدٍ أَوْ بِأَرْضِ الْأَعَاجِمِ
[شِعْرٌ آخَرُ لِحَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى الزّبْرِقَانِ]
فقام حسان بن ثابت فأجابه، فقال:
هَلْ الْمَجْدُ إلّا السّودَدُ الْعَوْدُ وَالنّدَى ... وِجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ
نَصَرْنَا وَآوَيْنَا النّبِيّ مُحَمّدًا ... عَلَى أَنْفِ رَاضٍ مِنْ مَعَدّ وَرَاغِمِ
بِحَيّ حَرِيدٍ أَصْلُهُ وَثَرَاؤُهُ ... بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ
نَصَرْنَاهُ لَمّا حَلّ وَسْطَ دِيَارِنَا ... بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلّ بَاغٍ وَظَالِمِ
جَعَلْنَا بَنِينَا دُونَهُ وَبَنَاتَنَا ... وَطِبْنَا لَهُ نَفْسًا بِفَيْءِ الْمَغَانِمِ
وَنَحْنُ ضَرَبْنَا النّاسَ حَتّى تَتَابَعُوا ... عَلَى دِينهِ بِالْمُرْهَفَاتِ الصّوَارِمِ
وَنَحْنُ وَلَدْنَا مِنْ قُرَيْشٍ عَظِيمَهَا ... وَلَدْنَا نَبِيّ الْخَيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمِ
بَنِي دَارِمٍ لَا تَفْخَرُوا إنّ فَخْرَكُمْ ... يَعُودُ وَبَالًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ
هَبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمْ ... لَنَا خَوَلٌ مَا بَيْنَ ظِئْرٍ وَخَادِمِ
فَإِنْ كُنْتُمْ جِئْتُمْ لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ ... وَأَمْوَالِكُمْ أَنْ تُقْسَمُوا فِي الْمَقَاسِمِ
فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ نِدّا وَأَسْلِمُوا ... وَلَا تَلْبَسُوا زِيّا كزى الأعاجم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/389)


[إسْلَامُهُمْ وَتَجْوِيزُ الرّسُولِ إيّاهُمْ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فَرَغَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ، قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: وَأَبِي، إنّ هَذَا الرّجُلَ لَمُؤَتّى لَهُ، لَخَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا، وَلَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَلِأَصْوَاتِهِمْ أَحْلَى مِنْ أَصْوَاتِنَا. فَلَمّا فَرَغَ الْقَوْمُ أَسْلَمُوا، وَجَوّزَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ.
[شِعْرُ ابْنِ الْأَهْتَمِ فِي هِجَاءِ قِيسٍ لِتَحْقِيرِهِ إياه]
كان عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ قَدْ خَلّفَهُ الْقَوْمُ فِي ظَهْرِهِمْ، وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنّا، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَكَانَ يُبْغِضُ عَمْرَو بْنَ الْأَهْتَمِ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّهُ قَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنّا فِي رِحَالِنَا، وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ، وَأُزْرَى بِهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ما أعطى القوم، فقال عمرو بن الأهتم حين بلغه أن قيسا قال ذلك يهجوه:
ظَلِلْتُ مَفْتَرِشَ الْهَلْبَاءِ تَشْتُمُنِي ... عِنْدَ الرّسُولِ فَلَمْ تصدق ولم تصب
سدناكم سود دار هوا وَسُوْدُدُكُمْ ... بَادٍ نَوَاجِذُهُ مُقْعٍ عَلَى الذّنَبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَقِيَ بَيْتٌ وَاحِدٌ تَرَكْنَاهُ، لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفِيهِمْ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/390)


[قِصّةُ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ فى الوفادة عن بنى عامر]
[بعض رجال الوفد]
وقدم عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ بَنِي عَامِرٍ فِيهِمْ عَامِرُ بْنُ الطّفيل وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَزْءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَجَبّارُ بْنُ سَلْمَى بْنِ مَالِكِ ابن جَعْفَرٍ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةُ رُؤَسَاءَ الْقَوْمِ وَشَيَاطِينَهُمْ.
[تَدْبِيرُ عَامِرٍ لِلْغَدْرِ بِالرّسُولِ]
فَقَدِمَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ عَدُوّ اللهِ، عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُرِيدُ الْغَدْرَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: يَا عَامِرُ، إنّ النّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا فَأَسْلِمْ، قَالَ: وَاَللهِ لَقَدْ كُنْتُ آلَيْتُ أَنْ لَا أَنْتَهِيَ حَتّى تَتْبَعَ الْعَرَبُ عَقِبِي، أَفَأَنَا أَتْبَعُ عَقِبَ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ! ثُمّ قَالَ لِأَرْبَدَ: إذَا قَدِمْنَا عَلَى الرّجُلِ، فَإِنّي سَأَشْغَلُ عَنْك وَجْهَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَاعْلُهُ بِالسّيْفِ، فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، قال عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ: يَا مُحَمّدُ، خَالِنِي، قَالَ: لَا وَاَللهِ حَتّى تُؤْمِنَ بِاَللهِ وَحْدَهُ. قَالَ: يَا مُحَمّدُ خَالِنِي. وَجَعَلَ يُكَلّمُهُ وَيَنْتَظِرُ مِنْ أَرْبَدَ مَا كَانَ أَمَرَهُ بِهِ فَجَعَلَ أَرْبَدُ لَا يُحِيرُ شَيْئًا، قَالَ: فَلَمّا رَأَى عَامِرُ مَا يَصْنَعُ أَرْبَدُ، قَالَ يَا مُحَمّدُ خَالِنِي قَالَ: لَا، حَتّى تُؤْمِنَ بِاَللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. فَلَمّا أَبَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: أَمَا وَاَللهِ لَأَمْلَأَنّهَا عَلَيْك خَيْلًا وَرِجَالًا، فَلَمّا وَلّى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/391)


فَلَمّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عَامِرٌ لِأَرْبَدَ: وَيْلَك يَا أَرْبَدُ أَيْنَ مَا كنت أمرأتك بِهِ؟ وَاَللهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَجُلٌ هُوَ أَخْوَفَ عِنْدِي عَلَى نَفْسِي مِنْك. وَاَيْمُ اللهِ لَا أَخَافُك بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا. قَالَ:
لَا أَبَا لَك! لَا تَعْجَلْ عَلَيّ، وَاَللهِ مَا هَمَمْت بِاَلّذِي أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ أَمْرِهِ إلّا دَخَلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ الرّجُلِ، حَتّى مَا أَرَى غَيْرَك، أَفَأَضْرِبك بِالسّيْفِ؟
[مَوْتُ عَامِرٍ بِدُعَاءِ الرّسُولِ عَلَيْهِ]
وَخَرَجُوا رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ، حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطّرِيقِ، بَعَثَ اللهُ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ الطّاعُونَ فِي عُنُقِهِ، فَقَتَلَهُ اللهُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ من بنى سلول، فجعل يقول: يا بنى عامر، أَغُدّةٌ كَغُدّةِ الْإِبِلِ، وَمَوْتًا فِي بَيْتِ سَلُولِيّةٍ!
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَغُدّةٌ كَغُدّةِ الْإِبِلِ، وَمَوْتًا فِي بَيْتِ سَلُولِيّةٍ.
[مَوْتُ أَرْبَدَ بِصَاعِقَةِ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي عَامِرٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ أَصْحَابُهُ حِينَ وَارَوْهُ، حِينَ قَدِمُوا أَرْضَ بَنِي عَامِرٍ شَاتِينَ، فَلَمّا قَدِمُوا أَتَاهُمْ قَوْمُهُمْ فَقَالُوا: مَا وَرَاءَك يَا أَرْبَدُ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ وَاَللهِ، لَقَدْ دَعَانَا إلَى عِبَادَةِ شَيْءٍ لَوَدِدْتُ أَنّهُ عِنْدِي الْآنَ فَأَرْمِيَهُ بِالنّبْلِ حَتّى أَقْتُلَهُ، فَخَرَجَ بَعْدَ مَقَالَتِهِ بِيَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ مَعَهُ جَمْلٌ لَهُ يَتْبَعُهُ، فَأَرْسَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَلِهِ صَاعِقَةً، فَأَحْرَقَتْهُمَا. وَكَانَ أَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ أَخَا لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ لِأُمّهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/392)


ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: وَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِي عَامِرٍ وَأَرْبَدَ: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ ... إلَى قَوْلِهِ: وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ
قَالَ: الْمُعَقّبَاتُ: هِيَ مِنْ أَمْرِ اللهِ يَحْفَظُونَ مُحَمّدًا. ثُمّ ذَكَرَ أَرْبَدَ وَمَا قَتَلَهُ اللهُ بِهِ، فَقَالَ: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ إلَى قَوْلِهِ:
شَدِيدُ الْمِحالِ.
[شِعْرُ لَبِيَدٍ فِي بُكَاءِ أَرْبَدَ]
قَالَ ابْنُ إسحاق: فقال لبيد يبكى أربد:
مَا إنْ تُعَدّي الْمَنُونُ مِنْ أَحَدٍ ... لَا والد مشفق ولا ولد
أخشى على أربدا لحتوف وَلَا ... أَرْهَبُ نَوْءَ السّمَاكِ وَالْأَسَدِ
فَعَيْنٍ هَلّا بَكَيْت أَرْبَدَ إذْ ... قُمْنَا وَقَامَ النّسَاءُ فِي كَبَدِ
إنْ يَشْغَبُوا لَا يُبَالِ شَغْبَهُمْ ... أَوْ يَقْصِدُوا فِي الحكوم يَقْتَصِدْ
حُلْوٌ أَرِيَبٌ وَفِي حَلَاوَتِهِ ... مُرّ لَطِيفُ الْأَحْشَاءِ وَالْكَبِدِ
وَعَيْنِ هَلّا بَكَيْت أَرْبَدَ إذْ ... أَلْوَتْ رِيَاحُ الشّتَاءِ بِالْعَضَدِ
وَأَصْبَحَتْ لَاقِحًا مُصَرّمَةً ... حَتّى تَجَلّتْ غَوَابِرُ الْمُدَدِ
أَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ غَابَةٍ لَحِمٍ ... ذُو نَهْمَةٍ فِي الْعُلَا وَمُنْتَقَدِ
لَا تَبْلُغُ الْعَيْنُ كُلّ نَهْمَتِهَا ... لَيْلَةَ تُمْسَى الْجِيَادُ كَالْقِدَدِ
الْبَاعِثُ النّوْحَ فِي مَآتِمِهِ ... مِثْلَ الظّبَاءِ الْأَبْكَارِ بِالْجَرَدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/393)


فجّعنى البرق والصّواعق بال ... فارس يَوْمَ الْكَرِيهَةِ النّجُدِ
وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ إذَا ... جَاءَ نَكِيبًا وَإِنْ يَعُدْ يَعُدْ
يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ وَالسّؤَالِ كَمَا ... يُنْبِتُ غَيْثُ الرّبِيعِ ذُو الرّصَدِ
كُلّ بَنِي حُرّةٍ مَصِيرُهُمْ ... قُلّ وَإِنْ أَكْثَرَتْ مِنْ الْعَدَدِ
إنْ يُغْبَطُوا يَهْبِطُوا وَإِنْ أُمِرُوا ... يَوْمًا فَهُمْ لِلْهَلَاكِ وَالنّفَدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَيْتُهُ: «وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ» عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَبَيْتُهُ: «يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ» : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ:
أَلَا ذَهَبَ الْمُحَافِظُ وَالْمُحَامِي ... وَمَانِعُ ضَيْمِهَا يَوْمَ الْخِصَامِ
وَأَيْقَنْتُ التّفَرّقَ يَوْمَ قَالُوا ... تُقُسّمَ مَالُ أَرْبَد بِالسّهَامِ
تَطِيرُ عَدَائِدُ الْأَشْرَاكِ شَفْعًا ... وَوِتْرًا وَالزّعَامَةُ لِلْغُلَامِ
فَوَدّعَ بِالسّلَامِ أَبَا حُرَيْزٍ ... وَقَلّ وَدَاعُ أَرْبَدَ بِالسّلَامِ
وَكُنْتَ إمَامَنَا وَلَنَا نِظَامًا ... وَكَانَ الْجَزْعُ يُحْفَظُ بِالنّظَامِ
وَأَرْبَدُ فَارِسُ الْهَيْجَا إذَا مَا ... تَقَعّرَتْ الْمَشَاجِرُ بِالْفِئَامِ
إذَا بَكَرَ النّسَاءُ مُرَدّفَاتٍ ... حَوَاسِرَ لَا يُجِئْنَ عَلَى الْخِدَامِ
فَوَاءَلَ يَوْمَ ذَلِكَ مَنْ أَتَاهُ ... كَمَا وَأَلَ الْمُحِلّ إلَى الْحَرَامِ
وَيَحْمَدُ قِدْرَ أَرْبَد مَنْ عَرَاهَا ... إذَا مَا ذُمّ أَرْبَابُ اللّحَامِ
وَجَارَتُهُ إذَا حَلّتْ لَدَيْهِ ... لَهَا نَفَلٌ وَحَظّ مِنْ سَنَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/394)


فَإِنْ تَقْعُدْ فَمُكْرَمَةٌ حَصَانٌ ... وَإِنْ تَظْعَنْ فَمُحْسِنَةُ الْكَلَامِ
وَهَلْ حُدّثْتَ عَنْ أَخَوَيْنِ دَامَا ... عَلَى الْأَيّامِ إلّا ابْنَيْ شَمَامِ
وَإِلّا الْفَرْقَدَيْنِ وَآلَ نَعْشٍ ... خَوَالِدَ مَا تُحَدّثُ بِانْهِدَامِ
قَالَ ابْنُ هشام: وهى فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ:
انْعَ الْكَرِيمَ لِلْكَرِيمِ أَرْبَدَا ... انْعَ الرّئِيسَ وَاللّطِيفَ كَبَدَا
يُحْذِي وَيُعْطِي ماله ليحمدا ... أدما يشبّهن صوارا أيّدا
السّابِلَ الْفَضْلَ إذَا مَا عُدّدَا ... وَيَمْلَأُ الْجَفْنَةَ مَلْئًا مَدَدَا
رِفْهَا إذَا يَأْتِي ضَرِيكٌ وَرَدَا ... مِثْلُ الّذِي فِي الْغِيلِ يَقْرُو جُمُدَا
يَزْدَادُ قُرْبًا مِنْهُمْ أَنْ يُوعَدَا ... أَوْرَثْتَنَا تُرَاثَ غَيْرِ أَنْكَدَا
غِبّا وَمَالًا طَارِفًا وَوَلَدَا ... شَرْخًا صُقُورًا يَافِعًا وَأَمْرَدَا
وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا:
لَنْ تُفْنِيَا خَيْرَاتِ أَرْ ... بَدَ فَابْكِيَا حَتّى يَعُودَا
قُولَا هُوَ الْبَطَلُ الْمُحَا ... مِي حِينَ يَكْسُونَ الْحَدِيدَا
وَيَصُدّ عَنّا الظّالِمِي ... نَ إذَا لَقِينَا الْقَوْمَ صِيدَا
فَاعْتَاقَهُ رَبّ الْبَرِيّ ... ةِ إذْ رَأَى أَنْ لَا خُلُودًا
فَثَوَى وَلَمْ يُوجَعْ وَلَمْ ... ولم يوصب وكان هو الفقيدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/395)


وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا:
يُذَكّرُنِي بِأَرْبَدَ كُلّ خَصْمٍ ... أَلَدّ تَخَالُ خُطّتَهُ ضِرَارَا
إذَا اقْتَصَدُوا فَمُقْتَصِدٌ كَرِيمٌ ... وَإِنْ جَارُوا سَوَاءُ الْحَقّ جَارَا
وَيَهْدِي الْقَوْمَ مُطّلِعًا إذَا مَا ... دَلِيلُ الْقَوْمِ بِالْمَوْمَاةِ حَارَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آخِرُهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا:
أَصْبَحْتُ أَمْشِي بَعْدَ سَلْمَى بْنِ مَالِكٍ ... وَبَعْدَ أَبِي قَيْسٍ وَعُرْوَةَ كَالْأَجَبْ
إذَا مَا رَأَى ظِلّ الْغُرَابِ أَضَجّهُ ... حِذَارًا عَلَى بَاقِي السّنَاسِنِ وَالْعَصَبْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
[قُدُومُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا عَنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ.
[سُؤَالُهُ الرّسُولَ أَسْئِلَةً ثُمّ إسْلَامُهُ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، عن ابن عباس، قال: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/396)


بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمّ عَقَلَهُ، ثُمّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فِي أَصْحَابِهِ؛ وَكَانَ ضِمَامٌ رَجُلًا جَلْدًا أَشْعَرَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ، فَأَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيّكُمْ ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؟
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. قَالَ: أَمُحَمّدٌ؟
قَالَ: نَعَمْ؛ قال يابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ، إنّي سَائِلُك وَمُغَلّظٌ عَلَيْك فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَا تَجِدَنّ فِي نَفْسِك، قَالَ: لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي، فَسَلْ عَمّا بَدَا لَك. قَالَ:
أَنْشُدُك اللهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك، آللهُ بَعَثَك إلَيْنَا رَسُولًا؟ قَالَ: اللهُمّ نَعَمْ؛ قَالَ: فَأَنْشُدُك اللهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك، آللهُ أَمَرَك أَنْ تَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَهُ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ الْأَنْدَادَ الّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ؟ قَالَ: اللهُمّ نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْشُدُك اللهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك، آللهُ أَمَرَك أَنْ نُصَلّيَ هَذِهِ الصّلَوَاتِ الْخَمْسَ؟ قَالَ: اللهُمّ نَعَمْ؛ قَالَ: ثُمّ جَعَلَ يَذْكُرُ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً. الزّكَاةَ وَالصّيَامَ وَالْحَجّ وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ كُلّهَا، يَنْشُدُهُ عِنْدَ كُلّ فَرِيضَةٍ مِنْهَا كَمَا يَنْشُدُهُ فِي الّتِي قَبْلَهَا، حَتّى إذَا فَرَغَ قَالَ: فَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولَ اللهِ؛ وَسَأُؤَدّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ، وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتنِي عَنْهُ، لاثم أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ. ثُمّ انْصَرَفَ إلَى بَعِيرِهِ رَاجِعًا.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنْ صَدَقَ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ دَخَلَ الجنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/397)


دَعْوَتُهُ قَوْمَهُ لِلْإِسْلَامِ قَالَ: فَأَتَى بَعِيرَهُ فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ، ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ فَكَانَ أَوّلُ مَا تَكَلّمَ بِهِ أن قال: بئست اللّاتُ وَالْعُزّى! قَالُوا: مَهْ يَا ضِمَامُ اتّقِ الْبَرَصَ، اتّقِ الْجُذَامَ، اتّقِ الْجُنُونَ! قَالَ: وَيْلَكُمْ! إنّهُمَا وَاَللهِ لَا يَضُرّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ، إنّ اللهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا أَسْتَنْقِذُكُمْ بِهِ مِمّا كُنْتُمْ فِيهِ، وَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَمَا نها كم عنه، قال: فو الله مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَاضِرِهِ رجل ولا امرأة إلا مسلما.
قَالَ: يَقُولُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبّاسٍ: فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ ابن ثَعْلَبَةَ.
[قُدُومُ الْجَارُودِ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقِيسِ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَارُودُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَنْشٍ أَخُو عَبْدِ الْقَيْسِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْجَارُودُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْمُعَلّى فِي وَفْدِ عبد القيس وكان نصرانيا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلّمَهُ، فَعَرَضَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الْإِسْلَامَ، وَدَعَاهُ إلَيْهِ، وَرَغّبَهُ فِيهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، إنّي قَدْ كُنْت عَلَى دِينٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/398)


وَإِنّي تَارِكٌ دِينِي لِدِينِك، أَفَتَضْمَنُ لِي دَيْنِي؟ قال: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، أَنَا ضَامِنٌ أَنْ قَدْ هَدَاك اللهُ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ قَالَ: فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَ أَصْحَابُهُ، ثُمّ سَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحُمْلَانَ، فَقَالَ؛ وَاَللهِ مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بِلَادِنَا ضَوَالّ مِنْ ضَوَالّ النّاسِ: أَفَنَتَبَلّغُ عَلَيْهَا إلَى بِلَادِنَا؟ قَالَ: لَا، إيّاكَ وَإِيّاهَا، فَإِنّمَا تِلْكَ حَرَقُ النار.
[مَوْقِفُهُ مِنْ قَوْمِهِ فِي الرّدّةِ]
فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ الْجَارُودُ رَاجِعًا إلَى قَوْمِهِ، وَكَانَ حَسَنَ الْإِسْلَامِ، صُلْبًا عَلَى دِينِهِ، حَتّى هَلَكَ وَقَدْ أَدْرَكَ الرّدّةَ، فَلَمّا رَجَعَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ كَانَ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَى دِينِهِمْ الْأَوّلِ مَعَ الْغَرُورِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، قام الجارود فتكلّم، فتشهّد شهادة الحق، وَدَعَا إلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ: أَيّهَا النّاسُ، إنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَه إلّا اللهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأُكَفّرُ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ.
قال ابن هشام: يروى: وَأَكْفِي مَنْ لَمْ يَشْهَدْ.
[إسْلَامُ ابْنِ سَاوَى]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بعث العلاء ابن الْحَضْرَمِيّ قَبْلَ فَتْحِ مَكّةَ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيّ، فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ ثُمّ هَلَكَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ رِدّةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْعَلَاءُ عِنْدَهُ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى البحرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/399)


[قُدُومُ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ وَمَعَهُمْ مُسَيْلِمَةُ الْكَذّابِ]
وقدم عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد بنى حنيفة، فيهم مسيلمة ابن حَبِيبٍ الْحَنَفِيّ الْكَذّابُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُسَيْلِمَةُ بْنُ ثُمَامَةَ، وَيُكَنّى أَبَا ثُمَامَةَ.
[مَا كَانَ مِنْ الرّسُولِ لِمُسَيْلِمَةَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ مَنْزِلُهُمْ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّارِ، فَحَدّثَنِي بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: أَنّ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْتُرهُ بِالثّيَابِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ. مَعَهُ عَسِيبٌ مِنْ سَعَفِ النّخْلِ فِي رَأْسِهِ خوصات؛ فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يَسْتُرُونَهُ بِالثّيَابِ، كَلّمَهُ وَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: لو سألتنى هذا العيب؟؟؟ مَا أَعْطَيْتُكَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي شَيْخٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ أَنّ حَدِيثَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا. زَعَمَ أَنّ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَخَلّفُوا مُسَيْلِمَةَ فِي رِحَالِهِمْ، فَلَمّا أَسْلَمُوا ذَكَرُوا مَكَانَهُ، فَقَالُوا:
يَا رَسُولَ اللهِ، إنّا قَدْ خَلّفْنَا صَاحِبًا لَنَا فِي رِحَالِنَا وَفِي رِكَابِنَا يَحْفَظُهَا لَنَا، قَالَ:
فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِلْقَوْمِ، وَقَالَ أَمَا إنّهُ لَيْسَ بِشَرّكُمْ مَكَانًا، أَيْ لِحِفْظِهِ ضَيْعَةَ أَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ الّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/400)


[ارْتِدَادُهُ وَتُنَبّؤُهُ]
قَالَ: ثُمّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وجاؤه بِمَا أَعْطَاهُ، فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى الْيَمَامَةِ ارْتَدّ عَدُوّ اللهِ وَتَنَبّأَ وَتَكَذّبَ لَهُمْ، وَقَالَ: إنّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ. وَقَالَ لِوَفْدِهِ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ: أَلَمْ يَقُلْ لَكُمْ حِينَ ذَكَرْتُمُونِي لَهُ: أَمَا إنّهُ لَيْسَ بِشَرّكُمْ مَكَانًا؛ ماذاك إلّا لَمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنّي قَدْ أُشْرِكْت فِي الْأَمْرِ مَعَهُ، ثُمّ جَعَلَ يَسْجَعُ لَهُمْ الأساجيع، ويقول وَيَقُولُ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُ مُضَاهَاةً لِلْقُرْآنِ: «لَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَى الْحُبْلَى، أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى، مِنْ بَيْنَ صِفَاقٍ وَحَشًى» وَأَحَلّ لَهُمْ الْخَمْرَ وَالزّنَا، وَوَضَعَ عَنْهُمْ الصّلَاةَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَشْهَدُ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّهُ نَبِيّ، فَأَصْفَقَتْ مَعَهُ حَنِيفَةُ عَلَى ذَلِكَ، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ.
[قُدُومُ زيد الخيل فى وفد طيىء]
[إسلامه وموته]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد طيىء، فِيهِمْ زَيْدُ الْخَيْلِ، وَهُوَ سَيّدُهُمْ؛ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَيْهِ كَلّمُوهُ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمُوا، فَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ رِجَالِ طيىء؛ مَا ذُكِرَ لِي رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ بِفَضْلِ، ثُمّ جَاءَنِي، إلّا رَأَيْته دُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ، إلّا زَيْدَ الْخَيْلِ: فَإِنّهُ لَمْ يَبْلُغْ كُلّ مَا كَانَ فِيهِ، ثُمّ سَمّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/401)


الْخَيْرِ، وَقَطَعَ لَهُ فَيْدًا وَأَرَضِينَ مَعَهُ، وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم راجعا إلى قومه؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنْ يَنْجُ زَيْدٌ مِنْ حُمّى الْمَدِينَةِ، فَإِنّهُ قَالَ: قَدْ سَمّاهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاسْمِ غَيْرِ الْحُمّى، وَغَيْرِ أُمّ مَلْدَمٍ، فَلَمْ يَثْبُتْهُ- فَلَمّا انْتَهَى مِنْ بَلَدِ نَجْدٍ إلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِ، يُقَالُ لَهُ فَرَدَةَ، أَصَابَتْهُ الْحُمّى بِهَا فَمَاتَ، وَلَمّا أَحَسّ زيد بالموت قال:
أمر تحل قَوْمِي الْمَشَارِقَ غُدْوَةً ... وَأُتْرَكُ فِي بَيْتٍ بِفَرَدَةَ منجد
لا رُبّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْت لَعَادَنِي ... عَوَائِدُ مَنْ لَمْ يُبْرَ مِنْهُنّ يَجْهَد
فَلَمّا مَاتَ عَمَدَتْ امْرَأَتُهُ إلَى مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ كُتُبِهِ، الّتِي قَطَعَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَحَرّقَتْهَا بِالنّارِ.
[أَمْرُ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ]
وَأَمّا عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ فَكَانَ يَقُولُ، فِيمَا بَلَغَنِي: مَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ كَانَ أَشَدّ كَرَاهِيَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ بِهِ مِنّي، أَمَا أَنَا فَكُنْت امْرَأً شَرِيفًا، وَكُنْت نَصْرَانِيّا، وَكُنْت أَسِيرُ فِي قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ، فَكُنْتُ فِي نَفْسِي عَلَى دِينٍ، وَكُنْت مَلِكًا فِي قَوْمِي، لِمَا كَانَ يُصْنَعُ بِي. فَلَمّا سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كَرِهْته، فَقُلْت لِغُلَامِ كَانَ لِي عَرَبِيّ، وَكَانَ رَاعِيًا لِإِبِلِي: لَا أَبَا لَك، أَعْدِدْ لِي مِنْ إبِلِي أَجَمَالًا ذُلُلًا سِمَانًا، فَاحْتَبِسْهَا قَرِيبًا مِنّي، فَإِذَا سَمِعْتَ بِجَيْشِ لِمُحَمّدِ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنّي، فَفَعَلَ، ثُمّ إنّهُ أَتَانِي ذات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/402)


غَدَاةٍ، فَقَالَ: يَا عَدِيّ مَا كُنْتَ صَانِعًا إذَا غَشِيَتْك خَيْلُ مُحَمّدٍ، فَاصْنَعْهُ الْآنَ، فَإِنّي قَدْ رَأَيْت رَايَاتٍ، فَسَأَلْت عَنْهَا، فَقَالُوا: هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمّدٍ. قَالَ: فَقُلْت:
فَقَرّبْ إلَيّ أَجْمَالِي، فَقَرّبَهَا، فَاحْتَمَلْت بِأَهْلِي وَوَلَدِي، ثُمّ قُلْت: أَلْحَقُ بأهل دينى من النّصارى بالشام فلكت الْجَوْشِيّةَ، وَيُقَالُ الْحَوْشِيّةُ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَخَلّفْت بِنْتًا لِحَاتِمِ فِي الْحَاضِرِ، فَلَمّا قَدِمْت الشام أقمت بها.
وَتُخَالِفُنِي خَيْلٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَتُصِيبُ ابْنَةَ حَاتِمٍ، فِيمَنْ أَصَابَتْ، فَقُدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى سبايا من طىّء، وَقَدْ بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَرَبِي إلَى الشّامِ، قَالَ فَجُعِلَتْ بِنْتُ حَاتِمٍ فِي حَظِيرَةٍ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، كَانَتْ السّبَايَا يُحْبَسْنَ فِيهَا، فَمَرّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَامَتْ إلَيْهِ، وَكَانَتْ امْرَأَةً جَزْلَةً، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَ الْوَالِدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيّ، مَنّ اللهُ عَلَيْك. قَالَ: وَمَنْ وَافِدُك؟
قَالَتْ: عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: الْفَارّ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَتْ: ثُمّ مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركنى، حتى إذا كان من الغد مرّبى، فَقُلْت لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ بِالْأَمْسِ. قَالَتْ: حَتّى إذَا كَانَ بعد الغد مرّبى وَقَدْ يَئِسْت مِنْهُ، فَأَشَارَ إلَيّ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ أَنْ قَوْمِي فَكَلّمِيهِ؛ قَالَتْ: فَقُمْت إلَيْهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَ الْوَالِدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيّ، مَنّ اللهُ عَلَيْك؛ فَقَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَلَا تَعْجَلِي بِخُرُوجِ حَتّى تَجِدِي مِنْ قَوْمِك مَنْ يَكُونُ لَك ثِقَةً، حَتّى يُبَلّغُك إلَى بِلَادِك، ثُمّ آذِنِينِي. فَسَأَلْت عَنْ الرّجُلِ الّذِي أَشَارَ إلَيّ أَنْ أُكَلّمَهُ، فَقِيلَ: عَلِيّ بْنُ أَبِي طالب رضوان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/403)


اللهِ عَلَيْهِ، وَأَقَمْت حَتّى قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَلِيّ أَوْ قُضَاعَةَ، قَالَتْ: وَإِنّمَا أُرِيدُ أَنْ آتِيَ أَخِي بِالشّامِ. قَالَتْ: فَجِئْت رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِي، لِي فِيهِمْ ثِقَةٌ وَبَلَاغٌ. قَالَتْ: فَكَسَانِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَحَمَلَنِي، وَأَعْطَانِي نَفَقَةً، فخرجت معهم حتى قدمت الشام.
قال عدىّ: فو الله إنّي لَقَاعِدٌ فِي أَهْلِي، إذْ نَظَرْت إلَى ظَعِينَةٍ تَصُوبُ إلَيّ تُؤْمِنَا، قَالَ: فَقُلْت ابْنَةُ حَاتِمٍ، قَالَ: فَإِذَا هِيَ هِيَ، فَلَمّا وَقَفَتْ عَلَيّ انْسَحَلَتْ تَقُول: الْقَاطِعُ الظّالِمُ، احْتَمَلْتَ بِأَهْلِك وَوَلَدِك، وَتَرَكْت بَقِيّةَ وَالِدِك عَوْرَتَك، قَالَ: قُلْت: أى أخيّة، لا تقولى إلا خيرا، فو الله مالى مِنْ عُذْرٍ، لَقَدْ صَنَعْتُ مَا ذَكَرْت. قَالَ: ثُمّ نَزَلَتْ فَأَقَامَتْ عِنْدِي، فَقُلْت لَهَا: وَكَانَتْ امْرَأَةً حَازِمَةً، مَاذَا تَرَيْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ؟ قَالَتْ: أَرَى وَاَللهِ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ سَرِيعًا، فَإِنْ يَكُنْ الرّجُلُ نَبِيّا فَلِلسّابِقِ إلَيْهِ فَضْلُهُ، وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا فَلَنْ تَذِلّ فِي عِزّ الْيَمَنِ، وَأَنْتَ أَنْتَ. قَالَ: قُلْت: وَاَللهِ إن هذا الرأى.
[إسلام عدىّ]
قال: فَخَرَجْت حَتّى أَقْدَمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْت عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ، فَسَلّمْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ الرّجُلُ؟ فَقُلْت:
عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ؛ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ بِي إلَى بيته، فو الله إنّهُ لَعَامِدٌ بِي إلَيْهِ، إذْ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضعيفة كبيرة، فاستوقفته، فَوَقَفَ لَهَا طَوِيلًا تُكَلّمُهُ فِي حَاجَتِهَا؛ قَالَ: قُلْت فِي نَفْسِي: وَاَللهِ مَا هَذَا بِمَلِكِ؛ قَالَ:
ثُمّ مَضَى بِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا دَخَلَ بِي بَيْتَهُ، تَنَاوَلَ وِسَادَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/404)


مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوّةٍ لِيفًا، فَقَذَفَهَا إلَيّ؛ فَقَالَ: اجْلِسْ عَلَى هَذِهِ، قَالَ: قُلْت:
بَلْ أَنْتَ فَاجْلِسْ عَلَيْهَا، فَقَالَ: بَلْ أَنْتَ، فَجَلَسْت عَلَيْهَا، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالْأَرْضِ؛ قَالَ: قُلْت فِي نَفْسِي: وَاَللهِ مَا هَذَا بِأَمْرِ مَلِكٍ، ثُمّ قَالَ: إيِهِ يَا عدتى بْنَ حَاتِمٍ! أَلَمْ تَكُ رَكُوسِيّا؟ قَالَ: قُلْت: بَلَى. (قَالَ) :
أَوْ لَمْ تَكُنْ تَسِيرُ فِي قَوْمِك بِالْمِرْبَاعِ؟ قَالَ: قُلْت: بَلَى، قَالَ: فَإِنّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَحِلّ لَك فِي دِينِك؛ قَالَ: قُلْت: أَجَلْ وَاَللهِ، وَقَالَ: وَعَرَفْت أَنّهُ نَبِيّ مُرْسَلٌ، يَعْلَمُ مَا يُجْهَلُ، ثُمّ قَالَ: لَعَلّك يَا عَدِيّ إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ دُخُولٍ فِي هَذَا الدّينِ مَا تَرَى مِنْ حَاجَتِهِمْ، فو الله لَيُوشِكَنّ الْمَالُ أَنْ يَفِيضَ فِيهِمْ حَتّى لَا يوجد من يأخذه؛ وَلَعَلّك إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ دُخُولٍ فِيهِ مَا ترى من كثرة عدوّهم وقلة عددهم، فو الله لِيُوشِكَنّ أَنْ تَسْمَعَ بِالْمَرْأَةِ تَخْرَجُ مِنْ الْقَادِسِيّةِ عَلَى بَعِيرِهَا (حَتّى) تَزُورَ هَذَا الْبَيْتَ، لَا تَخَافُ؛ وَلَعَلّك إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ دُخُولٍ فِيهِ أَنّك تَرَى أَنّ الْمُلْكَ وَالسّلْطَانَ فِي غَيْرِهِمْ، وَاَيْمُ اللهِ لَيُوشِكَنّ أَنّ تَسْمَعَ بِالْقُصُورِ الْبِيضِ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ؛ قَالَ: فَأَسْلَمْت.
[وُقُوعُ مَا وَعَدَ بِهِ الرّسُولُ عَدِيّا]
وَكَانَ عَدِيّ يَقُولُ: قَدْ مَضَتْ اثْنَتَانِ وَبَقِيَتْ الثّالِثَةُ، وَاَللهِ لَتَكُونَنّ، قَدْ رَأَيْت الْقُصُورَ الْبِيضَ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ، وَقَدْ رَأَيْت الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْقَادِسِيّةِ عَلَى بَعِيرِهَا لَا تَخَافُ حَتّى تَحُجّ هَذَا الْبَيْتَ، وَاَيْمُ اللهِ لَتَكُونَنّ الثّالِثَةُ، لَيَفِيضَنّ الْمَالُ حَتّى لَا يُوجَدَ مَنْ يأخذه.
[قُدُومُ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيّ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ الْمُرَادّيّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/405)


عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ، وَمُبَاعِدًا لَهُمْ، إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ كَانَ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ بَيْنَ مُرَادَ وَهَمْدَانَ وَقْعَةٌ، أَصَابَتْ فِيهَا هَمْدَانُ مِنْ مُرَادَ مَا أَرَادُوا، حَتّى أَثْخَنُوهُمْ فِي يَوْمٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ: يَوْمَ الرّدْمِ، فَكَانَ الّذِي قَادَ هَمْدَانَ إلَى مُرَادَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الّذِي قَادَ هَمْدَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَالِكُ بْنُ حَرِيمٍ الْهَمْدَانِيّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُ فروة بن مسيك:
مَرَرْنَا عَلَى لُفَاةَ وَهُنّ خَوْصٌ ... يُنَازِعْنَ الْأَعِنّةَ يَنْتَحِينَا
فَإِنْ نَغْلِبْ فَغَلّابُونَ قِدْمًا ... وَإِنْ نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلّبِينَا
وَمَا إنْ طِبّنَا جُبْنٌ وَلَكُنّ ... منايانا وطعمة آخرينا
كذاك لدّهر دَوْلَتُهُ سِجَالٌ ... تَكُرّ صُرُوفُهُ حِينًا فَحِينًا
فَبَيْنَا مَا نُسَرّ بِهِ وَنَرْضَى ... وَلَوْ لُبِسَتْ غَضَارَتُهُ سِنِينَا
إذْ انْقَلَبَتْ بِهِ كَرّاتُ دَهْرٍ ... فَأَلْفَيْتَ الْأُلَى غُبِطُوا طَحِينًا
فَمَنْ يُغْبَطْ بِرَيْبِ الدّهْرِ مِنْهُمْ ... يَجِدْ رَيْبَ الزّمَانِ لَهُ خَئُونًا
فَلَوْ خَلَدَ الْمُلُوكُ إذَنْ خَلَدْنَا ... وَلَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إذَنْ بَقِينَا
فَأَفْنَى ذَلِكُمْ سَرَوَاتِ قَوْمِي ... كَمَا أَفْنَى الْقُرُونَ الْأَوّلِينَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوّلُ بَيْتٍ مِنْهَا، وَقَوْلُهُ: «فَإِنْ نَغْلِبْ» عَنْ غَيْرِ ابن إسحاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/406)


[قُدُومُ فَرْوَةَ عَلَى الرّسُولِ وَإِسْلَامُهُ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا تَوَجّهَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ، قَالَ:
لَمّا رَأَيْتُ مُلُوكَ كِنْدَةَ أَعَرَضَتْ ... كَالرّجُلِ خَانَ الرّجُلَ عَرَقَ نَسَائِهَا
قَرّبْتُ راحلتى أؤمّ محمّدا ... أرجو فواضلها وحسن ثرائها
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: «أَرْجُو فَوَاضِلَهُ وَحُسْنَ ثَنَائِهَا» .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي: يَا فَرْوَةُ، هَلْ سَاءَك مَا أَصَابَ قَوْمَك يَوْمَ الرّدْمِ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ ذَا يُصِيبُ قَوْمَهُ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمِي يَوْمَ الرّدْمِ لَا يسوؤه ذَلِكَ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُ:
أَمَا إنّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ قَوْمَك فِي الْإِسْلَامِ إلّا خَيْرًا.
وَاسْتَعْمَلَهُ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مُرَادَ وَزُبَيْدٍ وَمَذْحِجٍ كُلّهَا، وَبَعَثَ مَعَهُ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الصّدَقَةِ، فَكَانَ مَعَهُ فِي بِلَادِهِ حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[قُدُومُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ فِي أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ]
وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يكرب فى أتاس مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ، فَأَسْلَمَ؛ وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ قَالَ لِقَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ الْمُرَادِيّ، حِينَ انْتَهَى إلَيْهِمْ أَمْرُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: يَا قَيْسُ، إنّك سَيّدُ قَوْمِك، وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ مُحَمّدٌ قَدْ خَرَجَ بِالْحِجَازِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/407)


يَقُولُ إنّهُ نَبِيّ، فَانْطَلِقْ بِنّا إلَيْهِ حَتّى نَعْلَمَ عِلْمَهُ، فَإِنْ كَانَ نَبِيّا كَمَا يَقُولُ فَإِنّهُ لَنْ يَخْفَى عَلَيْك، وَإِذَا لَقَيْنَاهُ اتّبَعْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ عَلِمْنَا عِلْمَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِ قَيْسٌ ذَلِكَ، وَسَفّهُ رَأْيَهُ، فَرَكِبَ عَمْرُو بن معديكرب حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَسْلَمَ، وَصَدّقَهُ، وَآمَنَ بِهِ.
فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ قَيْسَ بْنَ مَكْشُوحٍ أَوْعَدَ عَمْرًا، وتحطّم عليه، وقال: خالفى وترك رأيى؛ فقال عمرو بن معديكرب فى ذلك:
أمرتك يوم ذى صنعاء أَمْرًا بَادِيًا رُشْدَهْ ... أَمَرْتُكَ بِاتّقَاءِ اللهِ وَالْمَعْرُوفِ تَتّعِدُهْ
خَرَجْتُ مِنْ الْمُنَى مِثْلَ الْحُمَيّرِ غَرّهُ وَتِدُهْ ... تَمُنّانِي عَلَى فَرَسٍ عَلَيْهِ جَالِسًا أُسْدُهْ
عَلَيّ مُفَاضَةٌ كَالنّهْيِ أَخَلَصَ مَاءَهُ جَدَدُهْ ... تَرُدّ الرّمْحَ مُنْثَنَى السّنَانِ عَوَائِرًا قِصَدُهْ
فَلَوْ لَاقَيْتَنِي لَلَقِيتُ لَيْثًا فَوْقَهُ لِبَدُهْ ... تُلَاقِي شَنْبَثًا شَثْنَ البرائن نَاشِزًا كَتَدُهْ
يُسَامَى الْقِرْنَ إنْ قِرْنٌ تَيَمّمُهُ فَيَعْتَضِدُهْ ... فَيَأْخُذُهُ فَيَرْفَعُهُ فَيَخْفِضُهُ فَيَقْتَصِدُهْ
فَيَدْمَغُهُ فَيَحْطِمُهُ فَيَخْضِمهُ فَيَزْدَرِدُهْ ... ظَلُومَ الشّرَكِ فِيمَا أَحْرَزَتْ أَنْيَابُهُ ويده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/408)


قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ:
أَمَرْتُكَ يوم ذى صنعاء أَمْرًا بَيّنًا رُشْدُهُ ... أَمَرْتُكَ بِاتّقَاءِ اللهِ تَأْتِيهِ وتتّعده
فكنت كذى الحميّر غرّره ممّا به وتده
لم يعرف سائرها.
[ارتداده وشعره فى ذلك]
قال ابن إسحاق: فأقام عمرو بن معديكرب فى قومه من بنى زبيدة وعليهم فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ. فَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ارتدّ عمرو ابن معديكرب، وَقَالَ حِينَ ارْتَدّ:
وَجَدْنَا مُلْكَ فَرْوَةَ شَرّ مُلْكٍ ... حِمَارًا سَافَ مُنْخُرَهُ بِثَفْرِ
وَكُنْتَ إذَا رَأَيْتَ أَبَا عُمَيْرٍ ... تَرَى الْحُوَلَاءَ مِنْ خَبَثٍ وَغَدْرٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «بِثَفْرِ» عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ.
[قُدُومُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأشعث ابن قَيْسٍ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ، فَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ بْنُ شِهَابٍ أَنّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ كِنْدَةَ، فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجده وقد رجّلوا جمعهم وَتَكَحّلُوا، وَعَلَيْهِمْ جُبَبُ الْحِبَرَةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/409)


وَقَدْ كَفّفُوهَا بِالْحَرِيرِ، فَلَمّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
أَلَمْ تسلموا؟ قالوا: بلى، قال: فمال بَالُ هَذَا الْحَرِيرِ فِي أَعْنَاقِكُمْ؟ قَالَ:
فَشَقّوهُ منها، فالقوه.
ثُمّ قَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: يَا رَسُولَ اللهِ: نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، وأنت ابن آكل الْمُرَارِ، قَالَ: فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَقَالَ:
نَاسَبُوا بِهَذَا النّسَبِ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَرَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ، وَكَانَ الْعَبّاسُ وَرَبِيعَةُ رَجُلَيْنِ، تَاجِرَيْنِ وَكَانَا إذَا شَاعَا فِي بَعْضِ الْعَرَبِ، فَسُئِلَا مِمّنْ هُمَا؟
قَالَا: نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، يَتَعَزّزَانِ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنّ كِنْدَةَ كَانُوا مُلُوكًا.
ثُمّ قَالَ لَهُمْ: لَا، بَلْ نَحْنُ بَنُو النّضْر بن كنانة، لَا نَقْفُو أُمّنَا، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا، فَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: هَلْ فَرَغْتُمْ يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ؟ وَاَللهِ لَا أَسْمَعُ رَجُلًا يَقُولُهَا إلّا ضَرَبْته ثمانين.
قال ابن هشام: الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: هَلْ فَرَغْتُمْ يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ؟ وَاَللهِ لَا أَسْمَعُ رَجُلًا يَقُولُهَا إلّا ضربته ثمانين.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ وَلَد آكِلِ الْمُرَارِ مِنْ قِبَلِ النّسَاءِ، وَآكِلُ الْمُرَارِ: الْحَارِثُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُجْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ مُرَتّعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ كِنْدِيّ، وَيُقَالُ كِنْدَةَ، وَإِنّمَا سُمّيَ آكِلَ الْمُرَارِ، لِأَنّ عَمْرَو بْنَ الْهَبُولَةِ الْغَسّانِيّ أَغَارَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ الْحَارِثُ غَائِبًا، فَغَنِمَ وَسَبَى، وَكَانَ فِيمَنْ سَبَى أُمّ أُنَاسَ بِنْتُ عَوْفِ بْنِ مُحَلّمٍ الشّيْبَانِيّ، امْرَأَةُ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَتْ لِعَمْرِو فِي مَسِيرِهِ: لَكَأَنّي بِرَجُلِ أَدْلَمْ أَسْوَدَ، كَأَنّ مَشَافِرَهُ مَشَافِرُ بَعِيرِ آكِلِ مُرَارٍ قَدْ أَخَذَ بِرِقْبَتِك، تَعْنِي: الْحَارِثَ، فَسُمّيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/410)


آكِلَ الْمُرَارِ، وَالْمُرَارُ: شَجَرٌ. ثُمّ تَبِعَهُ الْحَارِثُ فِي بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَلَحِقَهُ، فَقَتَلَهُ، وَاسْتَنْقَذَ امْرَأَتَهُ، وَمَا كَانَ أَصَابَ. فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلّزَةَ الْيَشْكُرِيّ لِعَمْرِو بْنِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ اللّخْمِيّ:
وَأَقَدْنَاكَ رَبّ غَسّانَ بِالْمُنْذِرِ ... كَرْهًا إذْ لَا تُكَالُ الدّمَاءُ
لِأَنّ الْحَارِثَ الْأَعْرَجَ الْغَسّانِيّ قَتَلَ الْمُنْذِرُ أَبَاهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَطْوَلُ مما ذكرت، وإنما منعني من استقصائه ما ذَكَرْت مِنْ الْقَطْعِ. وَيُقَالُ بَلْ آكِلُ الْمُرَارِ: حُجْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِنّمَا سُمّيَ آكِلَ الْمُرَارِ، لِأَنّهُ أَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ شَجَرًا يقال له المرار.
[قدوم صرد بن عبد الله الأزدى]
[إسلامه]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَزْدِيّ، فَأَسْلَمَ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، فِي وَفْدٍ مِنْ الْأَزْدِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ. وأمره أَنْ يُجَاهِدَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَنْ كَانَ يَلِيهِ من أهل الشرك، من قبل اليمن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/411)


[قتاله أهل جرش]
فَخَرَجَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَسِيرُ بِأَمْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نَزَلَ بِجُرَشَ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ مَدِينَةٌ مُعَلّقَةٌ، وَبِهَا قَبَائِلُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ، وَقَدْ ضَوَتْ إلَيْهِمْ خَثْعَمُ، فَدَخَلُوهَا مَعَهُمْ حِينَ سَمِعُوا بِسَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ، فَحَاصَرُوهُمْ فِيهَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، وَامْتَنَعُوا فِيهَا مِنْهُ، ثُمّ إنّهُ رَجَعَ عَنْهُمْ قَافِلًا، حَتّى إذَا كَانَ إلَى جَبَلٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ شَكْرُ، ظَنّ أَهْلُ جُرَشَ أَنّهُ إنّمَا وَلّى عَنْهُمْ مُنْهَزِمًا، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، حَتّى إذَا أَدْرَكُوهُ عَطَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَهُمْ قَتْلًا شَدِيدًا.
[إخْبَارُ الرّسُولِ وَافِدِي جُرَشَ بِمَا حَدّثَ لِقَوْمِهَا]
وَقَدْ كَانَ أَهْلُ جَرْش بَعَثُوا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة يرتادان وينظران؛ فبيناهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عَشِيّةً بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، إذْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِأَيّ بِلَادِ اللهِ شَكْرُ؟ فَقَامَ إلَيْهِ الْجُرَشِيّانِ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ، بِبِلَادِنَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ كَشْرُ؛ وَكَذَلِكَ يُسَمّيهِ أَهْلُ جُرَشَ، فَقَالَ: إنّهُ لَيْسَ بِكَشْرَ، وَلَكِنّهُ شَكْرُ؛ قَالَا: فَمَا شَأْنُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إنّ بُدْنَ اللهِ لَتُنْحَرُ عِنْدَهُ الْآنَ، قَالَ: فَجَلَسَ الرّجُلَانِ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَوْ إلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُمَا: وَيْحَكُمَا! أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيَنْعَى لَكُمَا قَوْمكُمَا، فَقُومَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْأَلَاهُ أَنْ يَدْعُوَ اللهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْ قَوْمِكُمَا؛ فَقَامَا إلَيْهِ، فَسَأَلَاهُ ذَلِكَ، فَقَالَ:
اللهُمّ ارْفَعْ عَنْهُمْ، فَخَرَجَا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/412)


إلَى قَوْمِهِمَا، فَوَجَدَا قَوْمَهُمَا قَدْ أُصِيبُوا يَوْمَ أَصَابَهُمْ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فِي الْيَوْمِ الّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، وَفِي السّاعَةِ الّتِي ذكر فيها ما ذكر.
[إسْلَامُ أَهْلِ جُرَشَ]
وَخَرَجَ وَفْدُ جُرَشَ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فأسلموا، وحمى لهم حَوْلَ قَرْيَتِهِمْ، عَلَى أَعْلَامٍ مَعْلُومَةٍ، لِلْفَرَسِ وَالرّاحِلَةِ وَلِلْمُثِيرَةِ، بَقَرَةُ الْحَرْثِ، فَمَنْ رَعَاهُ مِنْ النّاسِ فَمَا لَهُمْ سُحْتٌ. فَقَالَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ رَجُلٌ مِنْ الْأَزْدِ: وَكَانَتْ خَثْعَمُ تُصِيبُ مِنْ الْأَزْدِ فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَكَانُوا يَعْدُونَ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ:
يَا غَزْوَةً مَا غَزَوْنَا غَيْرَ خَائِبَةٍ ... فِيهَا الْبِغَالُ وَفِيهَا الْخَيْلُ وَالْحُمُرُ
حَتّى أَتَيْنَا حُمَيْرًا فِي مَصَانِعِهَا ... وَجَمْعَ خَثْعَمَ قَدْ شَاعَتْ لَهَا النّذُرُ
إذَا وَضَعَتْ غَلِيلًا كُنْتُ أَحْمِلُهُ ... فَمَا أُبَالِي أَدَانُوا بَعْدُ أَمْ كَفَرُوا
[قُدُومُ رسول ملوك حمير بكتابهم]
[قدوم رسول ملوك حمير]
وقدم عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ مُلُوكِ حِمْيَرَ، مَقْدَمَهُ مِنْ تَبُوكَ، وَرَسُولُهُمْ إلَيْهِ بِإِسْلَامِهِمْ، الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ كُلَالٍ، ونعيم ابن عَبْدِ كُلَالٍ. وَالنّعْمَانُ قَيْلُ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وهمدان؛ وبعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرّة الرّهاوى بإسلامهم، ومفارقتهم الشرك وأهله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/413)


[كتاب الرسول إليهم]
فَكَتَبَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:
بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ: مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ الله النبى، إلى الحارث ابن عَبْدِ كُلَالٍ، وَإِلَى نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَإِلَى النّعْمَانِ، قَيْلِ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ. أَمّا بَعْدُ ذَلِكُمْ، فَإِنّي أَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللهَ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ، أَمّا بَعْدُ، فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم، فلقينا بالمدينة، فبلّغ ما أرسلتم به، وخبّرنا مَا قَبْلَكُمْ، وَأَنْبَأْنَا بِإِسْلَامِكُمْ وَقَتْلِكُمْ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنّ اللهَ قَدْ هَدَاكُمْ بِهُدَاهُ، إنْ أَصْلَحْتُمْ وَأَطَعْتُمْ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَقَمْتُمْ الصّلَاةَ، وَآتَيْتُمْ الزّكَاةَ، وَأَعْطَيْتُمْ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللهِ، وَسَهْمَ الرّسُولِ وَصَفِيّهُ، وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الصّدَقَةِ مِنْ الْعَقَارِ، عُشْرَ مَا سَقَتْ الْعَيْنُ وَسَقَتْ السّمَاءُ، وَعَلَى مَا سَقَى الْغَرْبُ نِصْفُ الْعُشْرِ: وَأَنّ فِي الْإِبِلِ الْأَرْبَعِينَ ابْنَةَ لَبُونٍ، وَفِي ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، وَفِي كُلّ خُمُسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي كُلّ عَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَانِ، وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ؛ وَفِي كُلّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ، جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ؛ وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ سَائِمَةٌ وَحْدَهَا، شَاةٌ، وَأَنّهَا فَرِيضَةُ اللهِ الّتِي فَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَةِ؛ فَمَنْ زَادَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَمَنْ أَدّى ذَلِكَ وَأَشْهَدَ عَلَى إسْلَامِهِ، وَظَاهَرَ الْمُؤْمِنِينَ على المشركين، فإنه من المؤمنين، له سالهم، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، وَلَهُ ذِمّةُ اللهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ، وَإِنّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ، فَإِنّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، لَهُ مَا لَهُمْ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/414)


وَمَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيّتِهِ أَوْ نَصْرَانِيّتِهِ فَإِنّهُ لَا يُرَدّ عَنْهَا، وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، عَلَى كُلّ حَالٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرّ أَوْ عَبْدٍ، دِينَارٌ وَافٍ، مِنْ قِيمَةِ الْمَعَافِرِ أَوْ عِوَضُهُ ثِيَابًا، فَمَنْ أَدّى ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنّ لَهُ ذِمّةُ اللهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ، وَمَنْ مَنَعَهُ فَإِنّهُ عَدُوّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ. أَمّا بَعْدُ، فَإِنّ رَسُولَ اللهِ مُحَمّدًا النّبِيّ أَرْسَلَ إلَى زُرْعَةَ ذِي يَزَنٍ أَنْ إذَا أَتَاكُمْ رُسُلِي فَأُوصِيكُمْ بِهِمْ خَيْرًا: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ، وَمَالِكُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ نَمِرٍ. وَمَالِكُ بن مرّة، وأصحابهم وَأَنْ اجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنْ الصّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ مِنْ مُخَالِيفِكُمْ، وَأَبْلِغُوهَا رُسُلِي، وَأَنّ أَمِيرَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَا يَنْقَلِبَنّ إلّا رَاضِيًا. أَمّا بَعْدُ. فَإِنّ مُحَمّدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَأَنّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمّ إنّ مَالِكَ بْنَ مُرّةَ الرّهَاوِيّ قَدْ حَدّثَنِي أَنّك أَسْلَمْتَ مِنْ أَوّلِ حِمْيَرَ، وَقَتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَبْشِرْ بِخَيْرِ وَآمُرُك بِحِمْيَرَ خَيْرًا، وَلَا تَخُونُوا وَلَا تَخَاذَلُوا، فَإِنّ رَسُولَ اللهِ هُوَ وَلِيّ غَنِيّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ، وَأَنّ الصّدَقَةَ لَا تَحِلّ لِمُحَمّدِ وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِهِ، إنّمَا هِيَ زَكَاةٌ يُزَكّى بِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَابْنِ السّبِيلِ، وَأَنّ مَالِكًا قَدْ بَلّغَ الْخَبَرَ، وَحَفِظَ الْغَيْبَ، وَآمُرُكُمْ بِهِ خَيْرًا، وَإِنّي قَدْ أَرْسَلْتُ إلَيْكُمْ مِنْ صَالِحِي أَهْلِي وَأُولِي دِينِهِمْ وَأُولِي عِلْمِهِمْ، وَآمُرُك بِهِمْ خَيْرًا، فَإِنّهُمْ مَنْظُورٌ إلَيْهِمْ، وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وبركاته.
[وَصِيّةُ الرّسُولِ مُعَاذًا حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ]
[بعث الرسول معاذا على اليمن وشىء من أمره بها]
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ بَعَثَ مُعَاذًا، أَوْصَاهُ وَعَهِدَ إلَيْهِ، ثُمّ قَالَ لَهُ: يَسّرْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/415)


وَلَا تُعَسّرْ، وَبَشّرْ وَلَا تُنَفّرْ، وَإِنّك سَتَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، يَسْأَلُونَك مَا مِفْتَاحُ الْجَنّةِ؛ فَقُلْ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مُعَاذٌ، حَتّى إذَا قَدِمَ الْيَمَنَ قَامَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَتْ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ، مَا حَقّ زَوْجِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: وَيْحَك! إنّ الْمَرْأَةَ لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تُؤَدّيَ حَقّ زَوْجِهَا، فَأَجْهِدِي نَفْسَك فِي أَدَاءِ حَقّهِ مَا اسْتَطَعْت، قَالَتْ: وَاَللهِ لَئِنْ كُنْت صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّك لَتَعْلَمُ مَا حَقّ الزّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ. قَالَ: وَيْحَك! لَوْ رَجَعْت إلَيْهِ فَوَجَدْته تَنْثَعِبُ مَنْخِرَاهُ قَيْحًا وَدَمًا، فَمَصَصْت ذَلِكَ حَتّى تُذْهِبِيهِ مَا أَدّيْت حَقّهُ.
[إسلام فروة بن عمرو الجذامى]
[إسلامه]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو النّافِرَةَ الْجُذَامِيّ، ثُمّ النّفَاثِيّ، إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا بِإِسْلَامِهِ، وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَانَ فَرْوَةُ عَامِلًا لِلرّومِ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْعَرَبِ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ معان وما حولها من أرض الشام.
[حبس الروم له وشعره فى محبسه]
فَلَمّا بَلَغَ الرّومَ ذَلِكَ مِنْ إسْلَامِهِ، طَلَبُوهُ حَتّى أَخَذُوهُ، فَحَبَسُوهُ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ فِي مَحْبِسِهِ ذلك:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/416)


طَرَقَتْ سُلَيْمَى مَوْهِنًا أَصْحَابِي ... وَالرّومُ بَيْنَ الْبَابِ وَالْقِرْوَانِ
صَدّ الْخَيّالُ وَسَاءَهُ مَا قَدْ رَأَى ... وَهَمَمْتُ أَنْ أُغْفِي وَقَدْ أَبْكَانِي
لَا تَكْحَلِنّ الْعَيْنَ بَعْدِي إثْمِدًا ... سَلْمَى وَلَا تَدِيَنّ لِلْإِتْيَانِ
وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَبَا كُبَيْشَةَ أَنّنِي ... وَسْطَ الْأَعِزّةِ لَا يُحَصْ لِسَانِي
فَلَئِنْ هَلَكْتُ لَتَفْقِدُنّ أَخَاكُمْ ... وَلَئِنْ بَقِيتُ لَتَعْرِفُنّ مَكَانِي
وَلَقَدْ جَمَعْتُ أَجَلّ مَا جَمَعَ الْفَتَى ... مِنْ جَوْدَةٍ وَشَجَاعَةٍ وَبَيَانِ
فَلَمّا أَجَمَعَتْ الرّومُ لِصَلْبِهِ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ، يقال له عفراء بفلسطين، قال:
أَلَا هَلْ أَتَى سَلْمَى بِأَنّ حَلِيلَهَا ... عَلَى مَاءِ عَفْرَا فَوْقَ إحْدَى الرّوَاحِلِ
عَلَى نَاقَةٍ لَمْ يَضْرِبْ الْفَحْلُ أُمّهَا ... مُشّذّبَةٌ أَطْرَافُهَا بِالْمَنَاجِلِ
[مقتله]
فزعم الزهرىّ بن شِهَابٍ، أَنّهُمْ لَمّا قَدّمُوهُ لِيَقْتُلُوهُ. قَالَ:
بَلّغْ سَرَاةَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنّنِي ... سَلْمٌ لِرَبّي أَعْظُمِي وَمَقَامِي
ثُمّ ضَرَبُوا عُنُقَهُ، وَصَلَبُوهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، يَرْحَمُهُ اللهُ تَعَالَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/417)


[إسْلَامُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ عَلَى يَدَيْ خالد بن الوليد لما سار إليهم]
[دعوة خالد الناس إلى الإسلام وإسلامهم]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ أَوْ جُمَادَى الْأُولَى، سَنَةَ عَشْرٍ، إلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ بِنَجْرَانَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ ثَلَاثًا، فَإِنْ اسْتَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَاتِلِهِمْ. فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَبَعَثَ الرّكْبَانُ يَضْرِبُونَ فِي كُلّ وَجْهٍ، وَيَدْعُونَ إلَى الْإِسْلَامِ، وَيَقُولُونَ:
أَيّهَا النّاسُ، أَسْلِمُوا تُسْلَمُوا. فَأَسْلَمَ النّاسُ، وَدَخَلُوا فِيمَا دُعُوا إلَيْهِ، فَأَقَامَ فِيهِمْ خَالِدٌ يُعَلّمُهُمْ الْإِسْلَامَ وَكِتَابَ اللهِ وَسُنّةَ نَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَبِذَلِكَ كَانَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ هُمْ أَسْلَمُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا.
ثم كَتَبَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، السّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَإِنّي أَحْمَدُ إلَيْك اللهَ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ، أَمّا بَعْدُ، يَا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْك، فَإِنّك بَعَثْتنِي إلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وَأَمَرْتنِي إذَا أَتَيْتهمْ أَلّا أُقَاتِلَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ، وَأَنْ أَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَسْلَمُوا أَقَمْت فِيهِمْ، وَقَبِلْت مِنْهُمْ، وَعَلّمْتهمْ مَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَكِتَابَ اللهِ وَسُنّةَ نَبِيّهِ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا قَاتَلْتهمْ. وَإِنّي قَدِمْت عَلَيْهِمْ فَدَعَوْتهمْ إلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ، كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعثت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/418)


فِيهِمْ رُكْبَانًا، قَالُوا: يَا بَنِي الْحَارِثِ، أَسَلِمُوا تُسْلَمُوا، فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا، وَأَنَا مُقِيمٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، آمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ اللهُ بِهِ وَأَنْهَاهُمْ عَمّا نَهَاهُمْ اللهُ عَنْهُ، وَأُعَلّمُهُمْ مَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَسُنّةَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى يَكْتُبَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالسّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
[كِتَابُ الرّسُولِ إلَى خَالِدٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَجِيءِ]
فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ: مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ رَسُولِ اللهِ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.
سَلَامٌ عَلَيْك، فَإِنّي أَحْمَدُ إلَيْك اللهَ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ. أَمّا بَعْدُ، فَإِنّ كِتَابَك جَاءَنِي مَعَ رَسُولِك تُخْبِرُ أَنّ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قَدْ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ تُقَاتِلَهُمْ، وَأَجَابُوا إلَى مَا دَعَوْتهمْ إلَيْهِ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَشَهِدُوا أَنْ لَا إلَه إلّا اللهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ قَدْ هَدَاهُمْ اللهُ بِهُدَاهُ، فَبَشّرْهُمْ وَأَنْذِرْهُمْ، وَأَقْبِلْ وَلْيُقْبِلْ مَعَك وفدهم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
[قدوم خالد مع وفدهم على الرسول]
فَأَقْبَلَ خَالِدٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ مَعَهُ وَفْدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، مِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ الْحُصَيْنِ ذِي الْغُصّةِ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ، وَيَزِيدُ بْنُ المحجّل، وعبد الله بن قرد الزّيَادِيّ؛ وَشَدّادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقَنَانِيّ، وَعَمْرُو بن عبد الله الضبابى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/419)


[حديث وفدهم مع الرسول]
فلما قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَآهُمْ، قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الّذِينَ كَأَنّهُمْ رِجَالُ الْهِنْدِ؟ قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، هؤلاء رجال بنى الحارث ابن كَعْبٍ؛ فَلَمّا وَقَفُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلّمُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا:
نَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللهِ، وَأَنّهُ لَا إلَهَ إلّا اللهُ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَأَنّي رَسُولُ اللهِ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتُمْ الّذِينَ إذَا زُجِرُوا اُسْتُقْدِمُوا؟ فَسَكَتُوا، فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمّ أَعَادَهَا الثّانِيَةَ، فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمّ أَعَادَهَا الثّالِثَةَ، فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمّ أَعَادَهَا الرّابِعَةَ، فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ، نَحْنُ الّذِينَ إذَا زُجِرُوا اُسْتُقْدِمُوا، قَالَهَا أَرْبَعَ مِرَارٍ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنّ خَالِدًا لَمْ يَكْتُبْ إلَيّ أَنّكُمْ أسلمتم ولم نقاتلوا، لألقيت رؤسكم تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ؛ فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ: أَمَا وَاَللهِ مَا حَمِدْنَاك وَلَا حَمِدْنَا خَالِدًا، قَالَ: فَمَنْ حَمِدْتُمْ؟ قَالُوا: حَمِدْنَا اللهَ عَزّ وَجَلّ الّذِي هَدَانَا بِك يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَالَ: صَدَقْتُمْ. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بِمَ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ؟ قَالُوا: لَمْ نَكُنْ نَغْلِبُ أَحَدًا؛ قَالَ:
بَلَى، قَدْ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ؛ قَالُوا: كُنّا نَغْلِبُ مَنْ قَاتَلَنَا يَا رَسُولَ اللهِ إنّا كُنّا نَجْتَمِعُ وَلَا نَفْتَرِقُ، وَلَا نَبْدَأُ أَحَدًا بِظُلْمِ؛ قَالَ: صَدَقْتُمْ، وَأَمّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قَيْسَ بْنَ الْحُصَيْنِ.
فَرَجَعَ وَفْدُ بَنِي الْحَارِثِ إلَى قَوْمِهِمْ فِي بَقِيّةٍ مِنْ شَوّالٍ، أَوْ فِي صَدْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/420)


ذِي الْقَعَدَةِ، فَلَمْ يَمْكُثُوا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا إلَى قَوْمِهِمْ إلّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَحِمَ وبارك، ورضى وأنعم.
[بعث الرسول عمرو بن حزم بعهده إليهم]
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ وَلّى وَفْدُهُمْ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ، لِيُفَقّهَهُمْ فِي الدّينِ، وَيُعَلّمَهُمْ السّنّةَ وَمَعَالِمَ الْإِسْلَامِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ صَدَقَاتِهِمْ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا عَهِدَ إلَيْهِ فِيهِ عَهْدَهُ، وَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ.
بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ: هَذَا بيان من الله ورسوله، يا أيها الّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، عَهْدٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ رَسُولِ اللهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ فِي أَمْرِهِ كُلّهِ، فَإِنّ اللهَ مَعَ الّذِينَ اتّقَوْا وَاَلّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْحَقّ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، وَأَنْ يُبَشّرَ النّاسَ بِالْخَيْرِ، وَيَأْمُرَهُمْ بِهِ، وَيُعَلّمَ النّاسَ الْقُرْآنَ، وَيُفَقّهَهُمْ فِيهِ، وَيَنْهَى النّاسَ، فَلَا يَمَسّ الْقُرْآنَ إنْسَانٌ إلّا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذى لهم، والدى عليهم، ويلين للنّاس فى الحقّ، ويشدّ عَلَيْهِمْ فِي الظّلْمِ، فَإِنّ اللهَ كَرِهَ الظّلْمَ، وَنَهَى عَنْهُ، فَقَالَ: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ، وَيُبَشّرَ النّاسَ بِالْجَنّةِ وَبِعَمَلِهَا، وَيُنْذِرَ النّاسَ النّارَ وَعَمَلَهَا، وَيَسْتَأْلِفَ النّاسَ حَتّى يُفَقّهُوا فِي الدّينِ، وَيُعَلّمَ النّاسَ مَعَالِمَ الْحَجّ وَسُنّتَهُ وَفَرِيضَتَهُ، وَمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ، وَالْحَجّ الْأَكْبَرَ: الْحَجّ الْأَكْبَرَ، وَالْحَجّ الْأَصْغَرَ:
هُوَ الْعُمْرَةُ؛ وَيَنْهَى النّاسَ أَنْ يُصَلّيَ أَحَدٌ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ صَغِيرٍ، إلّا أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا يُثْنِي طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِيهِ؛ وينهى النّاسَ أن يَحْتَبِيَ أَحَدٌ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إلَى السّمَاءِ، وَيَنْهَى أَنْ يُعَقّصَ أَحَدٌ شَعَرَ رَأْسِهِ فِي قَفَاهُ، وَيَنْهَى إذَا كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/421)


بَيْنَ النّاسِ هَيْجٌ عَنْ الدّعَاءِ إلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ، وَلْيَكُنْ دَعَوَاهُمْ إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَمَنْ لَمْ يَدْعُ إلَى اللهِ، وَدَعَا إلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ فَلْيُقْطَفُوا بِالسّيْفِ، حَتّى تَكُونَ دَعْوَاهُمْ إلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَيَأْمُرُ النّاسَ بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَأَرْجُلَهُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ ويمسحون برؤسهم كَمَا أَمَرَهُمْ اللهُ، وَأَمَرَ بِالصّلَاةِ لِوَقْتِهَا، وَإِتْمَامِ الرّكُوعِ وَالسّجُودِ وَالْخُشُوعِ، وَيُغَلّسُ بِالصّبْحِ، وَيُهَجّرُ بِالْهَاجِرَةِ حِينَ تَمِيلُ الشّمْسُ، وَصَلَاةُ الْعَصْرِ وَالشّمْسُ فِي الْأَرْضِ مُدْبِرَةٌ، وَالْمَغْرِبُ حِينَ يَقْبَلُ اللّيْلُ، لَا يُؤَخّرُ حَتّى تَبْدُوَ النّجُومُ فِي السّمَاءِ، وَالْعِشَاءُ أَوّلُ اللّيْلِ، وَأَمَرَ بِالسّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ إذَا نُودِيَ لَهَا، وَالْغُسْلِ عِنْدَ الرّوَاحِ إلَيْهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللهِ، وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَةِ مِنْ الْعَقَارِ عُشْرَ مَا سَقَتْ الْعَيْنُ وَسَقَتْ السّمَاءُ، وَعَلَى مَا سَقَى الْغَرْبُ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَفِي كُلّ عَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَانِ، وَفِي كُلّ عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ، وَفِي كُلّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ سَائِمَةٌ وَحْدَهَا: شَاةٌ، فَإِنّهَا فَرِيضَةُ اللهِ الّتِي افْتَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَةِ، فَمَنْ زَادَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَأَنّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ إسْلَامًا خَالِصًا مِنْ نَفْسِهِ، وَدَانَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، لَهُ مِثْلُ مَا لَهُمْ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْ كَانَ عَلَى نَصْرَانِيّتِهِ أَوْ يَهُودِيّتِهِ فَإِنّهُ لَا يُرَدّ عَنْهَا، وَعَلَى كُلّ حَالِمٍ: ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرّ أَوْ عَبْدٍ، دِينَارٌ وَافٍ أَوْ عِوَضُهُ ثِيَابًا.
فَمَنْ أَدّى ذَلِكَ فَإِنّ لَهُ ذِمّةَ اللهِ وَذِمّةَ رَسُولِهِ، وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ، فَإِنّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/422)


عَدُوّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَى مُحَمّدٍ، وَالسّلَامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
[قدوم رفاعة بن زيد الجذامى]
[إسلامه وحمله كتاب الرسول إلى قومه]
وقدم عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَبْلَ خَيْبَرَ، رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ ثُمّ الضّبَيْبِيّ، فَأَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا، وَأَسْلَمَ، فَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا إلَى قَوْمِهِ. وَفِي كِتَابِهِ: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللهِ، لِرِفَاعَةِ بْنِ زَيْدٍ. إنّي بَعَثْته إلَى قَوْمِهِ عَامّةً، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِمْ، يَدْعُوهُمْ إلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ فَفِي حِزْبِ اللهِ وَحِزْبِ رَسُولِهِ، وَمَنْ أَدْبَرَ فَلَهُ أَمَانُ شَهْرَيْنِ.
فَلَمّا قَدِمَ رِفَاعَةُ عَلَى قَوْمِهِ أَجَابُوا وَأَسْلَمُوا، ثُمّ سَارُوا إلَى الْحَرّةِ: حَرّةِ الرّجْلَاءِ. وَنَزَلُوهَا.
[قُدُومُ وَفْدِ همدان]
[أسماؤهم وكلمة ابن نمط بين يدى الرسول]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدِمَ وَفْدُ هَمْدَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيما حدثنى من أثق به، عن عمرو بن عبد الله بن أذينة الْعَبْدِيّ، عَنْ أَبِي إسْحَاقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/423)


السّبِيعِيّ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ هَمْدَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُمْ: مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ ذُو الْمِشْعَارِ، وَمَالِكُ بْنُ أَيْفَعَ وَضِمَامُ بْنُ مَالِكٍ السّلْمَانِيّ وَعَمِيرَةُ بْنُ مَالِكٍ الْخَارِفِيّ، فَلُقُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ وَعَلَيْهِمْ مُقَطّعَاتُ الْحِبَرَاتِ. وَالْعَمَائِمُ الْعَدَنِيّةُ؛ بِرِحَالِ الْمَيْسِ عَلَى الْمَهْرِيّة وَالْأَرْحَبِيّة وَمَالِكِ بْنِ نَمَطٍ وَرَجُلٍ آخَرَ يَرْتَجِزَانِ بِالْقَوْمِ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا:
هَمْدَانُ خَيْرٌ سُوقَةً وَأَقْيَالْ ... لَيْسَ لَهَا فِي الْعَالَمِينَ أَمْثَالْ
مَحَلّهَا الْهَضْبُ وَمِنْهَا الْأَبْطَالْ ... لَهَا إطَابَاتٌ بِهَا وَآكَالْ
وَيَقُولُ الْآخَرُ:
إلَيْكَ جَاوَزْنَ سَوَادَ الرّيفِ ... فِي هَبَوَاتِ الصّيْفِ وَالْخَرِيفِ
مُخَطّمَاتٍ بِحِبَالِ اللّيفِ
فَقَامَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَصّيةٌ مِنْ هَمْدَانَ، مِنْ كُلّ حَاضِرٍ وَبَادٍ، أَتَوْك عَلَى قُلُصٍ نَوَاجٍ، متّصلة بحبائل الإسلام، لا تأخذهم فى الله لومة لَائِمٍ، مِنْ مِخْلَافِ خَارِفٍ وَيَام وَشَاكِرٍ أَهْلُ السّود والقود، أجابوا دعوة الرسول، وفارقوا آلهات الْأَنْصَابَ عَهْدُهُمْ لَا يُنْقَضُ مَا أَقَامَتْ لَعْلَعٌ، وما جرى اليعفور بصلّع.
[فَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابا فيه:]
بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ. هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُحَمّدٍ، لِمِخْلَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/424)


خَارِفٍ وَأَهْلِ جَنَابِ الْهَضْبِ وَحِقَافِ الرّمْلِ، مَعَ وفدها ذى المشعار مالك ابن نَمَطٍ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ، عَلَى أَنّ لَهُمْ فِرَاعَهَا وَوِهَاطَهَا، مَا أَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوْا الزّكَاةَ، يَأْكُلُونَ عِلَافَهَا وَيَرْعُونَ عَافِيَهَا، لَهُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللهِ وَذِمَامُ رَسُولِهِ، وَشَاهِدُهُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ. فقال فى ذلك مالك بن نمط:
ذكرت رسول الله فى فحمة الدّحى ... وَنَحْنُ بِأَعْلَى رَحْرَحَانَ وَصَلْدَدِ
وَهُنّ بِنَا خُوصٌ طلائح تعتلى ... بِرُكْبَانِهَا فِي لَاحِبٍ مُتَمَدّدِ
عَلَى كُلّ فَتْلَاءِ الذّراعين جسرة ... تمرّ بنا مرّ الهجفّ الخفيدد
حَلَفْتُ بِرَبّ الرّاقِصَاتِ إلَى مِنًى ... صَوَادِرَ بِالرّكْبَانِ مِنْ هَضْبِ قَرْدَدِ
بِأَنّ رَسُولَ اللهِ فِينَا مُصَدّقُ ... رَسُولٌ أَتَى مِنْ عِنْدِ ذِي الْعَرْشِ مُهْتَدِي
فَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَشَدّ عَلَى أَعْدَائِهِ مِنْ مُحَمّدِ
وَأَعْطَى إذَا مَا طَالِبُ الْعُرْفِ جَاءَهُ ... وَأَمْضَى بِحَدّ الْمَشْرَفِيّ الْمُهَنّدِ
[ذِكْرُ الْكَذّابَينَ مُسَيْلِمَةَ الْحَنَفِيّ وَالْأَسْوَدِ الْعَنْسِيّ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ تَكَلّمَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَذّابَانِ مسيلمة بن حبيب باليمامة فى حنيفة، والأسود بن كعب العنسى بصنعاء.
[رؤيا الرسول فيهما]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/425)


أَوْ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَيّهَا النّاسُ، إنّي قَدْ رَأَيْت لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمّ أُنْسِيتهَا، وَرَأَيْت فِي ذِرَاعَيّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَرِهْتهمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوّلْتهمَا هَذَيْنِ الْكَذّابَيْنِ: صَاحِبِ الْيَمَنِ، وَصَاحِبِ الْيَمَامَةِ.
[حَدِيثُ الرّسُولِ عَنْ الدّجّالِينَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى يخرج ثلاثون دجالا، كلهم يدّعى النبوّة.
[خروج الأمراء والعمال على الصدقات]
[الأمراء وأسماء العمال وما تولوه]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ بَعَثَ أُمَرَاءَهُ وَعُمّالَهُ عَلَى الصّدَقَاتِ، إلَى كُلّ مَا أَوْطَأَ الْإِسْلَامُ من البلدان، فبعث المهاجر ابن أَبِي أُمَيّةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ إلَى صَنْعَاءَ، فَخَرَجَ عليه العنسىّ وهو بها، وبعث زيادة بْنَ لَبِيدٍ، أَخَا بَنِي بَيَاضَةَ الْأَنْصَارِيّ، إلَى حَضْرَمَوْتَ وَعَلَى صَدَقَاتِهَا؛ وَبَعَثَ عَدِيّ بْنَ حَاتِمٍ على طيئ وصدقاتها، وعلى بنى أسد، وبعث مالك ابن نُوَيْرَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْيَرْبُوعِيّ- عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي حَنْظَلَةَ، وَفَرّقَ صَدَقَةَ بَنِي سَعْدٍ عَلَى رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ، فَبَعَثَ الزّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ عَلَى ناحية منها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/426)


وَقَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ عَلَى نَاحِيَةٍ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَبَعَثَ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى أهل بحران، لِيَجْمَعَ صَدَقَتَهُمْ وَيَقْدَمَ عَلَيْهِ بِجِزْيَتِهِمْ.
[كِتَابُ مُسَيْلِمَةَ إلَى رَسُولِ اللهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ]
وَقَدْ كَانَ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ، قَدْ كَتَبَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللهِ، إلَى مُحَمّدٍ رَسُولِ اللهِ: سَلَامٌ عَلَيْك، أَمّا بَعْدُ، فَإِنّي قَدْ أُشْرِكْت فِي الْأَمْرِ مَعَك، وَإِنّ لَنَا نِصْفَ الْأَرْضِ، وَلِقُرَيْشٍ نِصْفَ الْأَرْضِ وَلَكِنّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ.
فَقَدِمَ عَلَيْهِ رَسُولَانِ لَهُ بِهَذَا الْكِتَابِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَشْجَعَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيّ، عَنْ أَبِيهِ نُعَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُمَا حِينَ قَرَأَ كِتَابَهُ: فَمَا تَقُولَانِ أَنْتُمَا؟ قَالَا: نَقُولُ كَمَا قَالَ، فَقَالَ: أَمَا وَاَللهِ لَوْلَا أَنّ الرّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْت أَعْنَاقَكُمَا.
ثُمّ كَتَبَ إلَى مُسَيْلِمَةَ: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ، مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللهِ، إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ: السّلَامُ على من اتبع الهدى. أما بعد، الْأَرْضَ لِلّهِ يُورَثُهَا مَنْ يُشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، والعاقبة للمتقين.
وذلك فى آخر سنة عشر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(7/427)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قُدُومُ الْوُفُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ:
مِنْ أَصَحّ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَهُمْ الّذِينَ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى، وَقَدْ تَكَرّرَ حَدِيثُهُمْ فِي الصّحِيحَيْنِ دُونَ تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَمِنْهُمْ أَشَجّ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَهُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَائِذٍ، قَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ فِيك خَلّتَيْنِ يُحِبّهُمَا اللهُ وَرَسُولُهُ: الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ، وَمِنْهُمْ أَبُو الْوَازِعِ الزّارِعُ بْنُ عَامِرٍ وَابْنُ أُخْتِهِ مَطَرُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنْزِيّ.
وَلَمّا ذَكَرُوا لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ ابْنُ أُخْتِهِمْ قَالَ: ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ. وَمِنْهُمْ: ابْنُ أَخِي الزّارِعِ، وَكَانَ مَجْنُونًا، فَجَاءَ بِهِ مَعَهُ لِيَدْعُوَ لَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَسَحَ ظَهْرَهُ، وَدَعَا لَهُ فَبَرِئَ لِحِينِهِ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا فَكُسِيَ جَمَالًا وَشَبَابًا، حَتّى كَانَ وَجْهُهُ وَجْهَ الْعَذْرَاءِ، وَمِنْهُمْ الْجَهْمُ بْنُ قُثَمَ لَمّا نَهَاهُمْ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ عَنْ الشّرْبِ فِي الْأَوْعِيَةِ وَحَذّرَهُمْ مَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْجِرَاحِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُمْ إذَا شربوا المسكر عَمَدَ أَحَدُهُمْ إلَى ابْنِ عَمّهِ، فَجَرَحَهُ، وَكَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ قَدْ جُرِحَ فِي ذَلِكَ وَكَانَ يُخْفِي جُرْحَهُ وَيَكْتُمُهُ، وَذَلِكَ الرّجُلُ هُوَ جَهْمُ بْنُ قُثَمَ، عَجِبُوا مِنْ عِلْمِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ بِذَلِكَ، وَإِشَارَتِهِ إلَى ذَلِكَ الرّجُلِ.
وَمِنْهُمْ: أَبُو خَيْرَةَ الصّبَاحِيّ مِنْ بَنِي صُبَاحِ بْنِ لُكَيْزٍ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ

(7/428)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ قَالَ: اللهُمّ اغْفِرْ لِعَبْدِ الْقَيْسِ، وَأَنّهُ زَوّدَهُمْ الْأَرَاكَ يَسْتَاكُونَ بِهِ، وَمِنْهُمْ: مَزِيدَةُ «1» الْعَصْرِيّ جَدّ هُودِ بْنِ عَبْدِ اللهِ «2» بْنِ سَعْدِ ابن مَزِيدَةَ، وَعَلَى هُودٍ يَدُورُ حَدِيثُهُ فِي التّمْرِ الْبَرْنِيّ، وَأَنّهُ دَوَاءٌ، وَلَيْسَ فِيهِ دَاءٌ، وَمِنْهُمْ: قَيْسُ بْنُ النّعْمَانِ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ، فَهَذَا مَا بَلَغَنِي مِنْ تَسْمِيَةِ مَنْ وَفَدَ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ.
وَذَكَرَ فِي الْوُفُودِ الْحُتَاتَ بْنَ يَزِيدَ وَقَوْلَ الْفَرَزْدَقِ لِمُعَاوِيَةَ فِيهِ:
فَمَا بَالُ مِيرَاثِ الْحُتَاتِ أَكَلْته
الْبَيْتَ، وَبَعْدَهُ فِي غَيْرِ سِيرَةِ ابْنِ إسْحَاقَ:
فَلَوْ أَنّ هَذَا كَانَ فِي غَيْرِ مُلْكِكُمْ ... لَبُؤْت بِهَا أَوْ غَصّ بِالْمَاءِ شَارِبُهْ
شَرْحُ صَاحِبِ الْحُلّةِ:
وَذَكَرَ فِيهِمْ عُطَارِدَ بْنَ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ الْحُلّةِ الّتِي قَالَ فِيهَا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ الْحُلّةَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ [فِي الآخرة] «3»
__________
(1) قال عنه ابن مندة: مزيدة بن جابر العبدى العصرى. وسماه ابن الكلبى: مزيدة بن مالك بن همام بن معاوية بن شبابة بن عامر بن خطمة بن محارب ابن عمرو بن وديعة بن لكير بن أفصى. وقال الحافظ: وهذا هو المعتمد. والذى ذكره ابن مندة وهم، فان مزيدة بن جابر العبدى كان قاضى الخوارج فى زمان قطرى بن الفجاءة فى زمن بنى أمية.
(2) هو جده لأمه كما جاء فى الإصابة.
(3) الزيادة من الصحيح، هذا وقد ورد فى الصحيح من طريق جرير بن حازم عن نافع عن ابن عمر قال: رأى عمر بن الخطاب عطاردا التميمى يبيع-

(7/429)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَتَكْسُونِي هَذِهِ، وَقَدْ قُلْت فِي حُلّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْت، وَكَانَ سَبَبُ تِلْكَ الْحُلّةِ أَنّ حَاجِبَ بْنَ زُرَارَةَ أَبَا عُطَارِدٍ كَانَ وَفَدَ عَلَى كِسْرَى لِيَأْخُذَ مِنْهُ أَمَانًا لِقَوْمِهِ لِيَقْرُبُوا مِنْ رِيفِ الْعِرَاقِ لِجَدْبٍ أَصَابَ بِلَادَهُمْ، فَسَأَلَهُ كِسْرَى رَهْنًا لِيَسْتَوْثِقَ بِهَا مِنْهُمْ، فَدَفَعَ إلَيْهِ قَوْسَهُ رَهِينَةً فَاسْتَحْمَقَهُ الْمَلِكُ وَضَحِكَ مِنْهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ إنّهُمْ الْعَرَبُ لَوْ رَهَنَك أَحَدُهُمْ تِبْنَةً مَا أَسْلَمَهَا غَدْرًا فَقَبِلَهَا مِنْهُ كِسْرَى، فَلَمّا أَخْصَبَتْ بِلَادُهُمْ انْتَشَرُوا رَاجِعِينَ إلَيْهَا، وَجَاءَ حَاجِبٌ يَطْلُبُ قَوْسَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ كَسَاهُ كِسْرَى تِلْكَ الْحُلّةَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَ عُطَارِدٍ الْمَذْكُورَةَ فِي جَامِعِ الْمُوَطّإِ. ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ أَوْ مَعْنَاهُ، وَفِي الْمُوَطّإِ أَنّ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه- كسا الحلّة أخاله مُشْرِكًا بِمَكّةَ، قَالَ ابْنُ الْحَذّاءِ: كَانَ أَخَاهُ لِأُمّهِ، وَاسْمُهُ: عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الثّقَفِيّ، وَهُوَ جَدّ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ لِأُمّهِ، هَكَذَا ذَكَرَ فِي تَسْمِيَةِ رِجَالِ الْمُوَطّإِ، وَغَلِطَ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنّهُ قَالَ: كَانَ أَخَا عُمَرَ لِأُمّهِ، وإنما هو أخو زيد ابن الْخَطّابِ لِأُمّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ وَهْبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَمّا أُمّ عُمَرَ فَهِيَ حَنْتَمَةُ بِنْتُ هَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ [بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَخْزُومٍ «1» ] ، وَالْغَلَطُ الثّانِي أَنّهُ جَعَلَهُ ثَقِيفِيّا وَإِنّمَا هُوَ سُلَمِيّ، وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمِ بن أميّة بن مرّة بن هلال
__________
- فى السوق حلة سيراء، وكان رجلا يغشى الملوك، ويصيب منهم، فقال عمر: يا رسول الله لو اشتريتها فلبستها لوفود العرب، فقال: إنما يلبس الحرير فى الدنيا من لا خلاق له فى الآخرة ورواه مسلم عن شعبان بن أبى شيبة عن جرير، وله روايات أخرى عند الطبرانى وابن مندة.
(1) الزيادة من نسب قريش ص 347.

(7/430)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن فَالِجِ بْنِ ذَكْوَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمٍ «1» ، هَكَذَا نَسَبَهُ الزّبَيْرُ وَبِنْتُهُ أُمّ سعيد، وَلَدَتْ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ.
نَسَبُ ابْنِ الْأَهْتَمِ:
وذكر فيهم عمرو بن الأهنم وَنَسَبَهُ، وَاسْمُ الْأَهْتَمِ: سُمَيّ بْنُ سِنَانٍ، وَهُوَ جَدّ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ وَخَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ الْخَطِيبَيْنِ الْبَلِيغَيْنِ، وَسُمّيَ سُمَيّ بِالْأَهْتَمِ، لِأَنّ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ ضَرَبَهُ فَهَتَمَ فَاهُ.
عَنْ كرسي الله:
وَذَكَرَ خُطْبَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَفِيهَا وَسِعَ كُرْسِيّهُ عِلْمُهُ، وَفِيهِ رَدّ عَلَى مَنْ قَالَ: الْكُرْسِيّ هُوَ الْعِلْمُ، وَكَذَلِك مَنْ قَالَ هُوَ الْقُدْرَةُ، لِأَنّهُ لَا تُوصَفُ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ بِأَنّ الْعِلْمَ وَسِعَهَا، وَإِنّمَا كُرْسِيّهُ مَا أَحَاطَ بِالسّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، وَهُوَ دُونَ الْعَرْشِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ، فَعِلْمُهُ سُبْحَانَهُ قَدْ وَسِعَ الْكُرْسِيّ بِمَا حَوَاهُ مِنْ دَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ وَجَلَائِلِهَا وَجُمَلِهَا وَتَفَاصِيلِهَا، وَقَدْ قِيلَ: إنّ الْكُرْسِيّ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الْعَرْشُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ حُجّةً لِهَذَا الْقَوْلِ، لِأَنّهُ لَمْ يُرِدْ أَنّ الْعِلْمَ وَسِعَ الْكُرْسِيّ، فما دونه
__________
(1) أم زيد أسماء بنت وهب بن حبيب بن الحارث بن عيسى بن قعين من بنى أسد بن خزيم. ويقول المصعب الزبيرى فى كتابه: نسب قريش: «وأخوه لأمه عثمان بْنُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الأوقص السلمى، وعثمان بن حكيم هو جد سعيد بن المسيب أبو أمه» ص 348.

(7/431)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَلَى الْخُصُوصِ، دُونَ مَا فَوْقَهُ، فَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعَرْشَ، وَمَا تَحْتَهُ وَاَللهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ صَحّتْ الرّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ الْكُرْسِيّ هُوَ الْعِلْمُ، فَمُؤَوّلَةٌ، كَأَنّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَفْسِيرَ لَفْظِ الْكُرْسِيّ، وَلَكِنْ أَشَارَ إلَى أَنّ مَعْنَى الْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ يُفْهَمُ مِنْ الْآيَةِ، لِأَنّ الْكُرْسِيّ الّذِي هُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ مِنْ سَرِيرِ الْمُلْكِ إذَا وَسِعَ مَا وَسِعَ، فَقَدْ وَسِعَهُ عِلْمُ الْمَلِكِ وَمُلْكُهُ وَقُدْرَتُهُ، وَنَحْوَ هَذَا، فَلَيْسَ فِي أَنْ يَسَعَ الْكُرْسِيّ مَا وَسِعَهُ مَدْحٌ وَثَنَاءٌ عَلَى الْمَلِكِ سُبْحَانَهُ، إلّا مِنْ حَيْثُ تَضَمّنِ سَعَةِ الْعِلْمِ وَالْمُلْكِ، وَإِلّا فَلَا مَدْحَ فِي وَصْفِ الْكُرْسِيّ بِالسّعَةِ، وَالْآيَةُ لَا مَحَالَةَ وَارِدَةٌ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالتّعْظِيمِ لِلْعَلِيّ الْعَظِيمِ الّذِي لَا يَئُودُهُ حِفْظُ مَخْلُوقَاتِهِ كُلّهَا، وَهُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ، وَقَرّى الطّبَرِيّ قَوْلَ ابْنِ عَبّاسٍ، وَاحْتَجّ لَهُ بِقَوْلِهِ عَزّ وجل (ولا يئوده حفظهما) وَبِأَنّ الْعَرَبَ تُسَمّي الْعُلَمَاءَ كَرَاسِيّ. قَالَ: وَمِنْهُ سُمّيَتْ الْكُرّاسُ «1» لِمَا تَضَمّنَتْهُ «2» وَتَجْمَعُهُ مِنْ الْعِلْمِ، وَأَنْشَدَ:
تَحُفّهُمْ بِيضُ الْوُجُوهِ وَعَصَبَةٌ ... كَرَاسِيّ بِالْأَحْدَاثِ حين تنوب «3»
أى عالمون بالأحداث.
__________
(1) فى الأصل: الكراسى. والكراسى: واحدتها كراسة.
(2) فى الأصل تضمنه فلعلها كما ضبطت أو تضمه. ونص تعبير الطبرى: قيل يكون فيها علم مكتوب: كراسة.
(3) فى الطبرى: يحف بهم. وفى أساس البلاغة للزمخشرى عن قطرب: تحف بها.

(7/432)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شِعْرُ الزّبْرِقَانِ:
وَذَكَرَ شِعْرَ الزّبْرِقَانِ، وَأَنّ بَعْضَ النّاسِ يُنْكِرُ الشّعْرَ لَهُ، وَذَكَرَ الْبَرْقِيّ أَنّ الشّعْرَ لِقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيّ، وَكَانَ الزّبْرِقَانُ يُرْفَعُ لَهُ بَيْتٌ مِنْ عَمَائِمَ وَثِيَابٍ، وَيُنْضَخُ بِالزّعْفَرَانِ وَالطّيبِ، وَكَانَتْ بَنُو تَمِيمٍ تَحُجّ ذَلِكَ الْبَيْتَ. قَالَ الشّاعِرُ، وَهُوَ الْمُخَبّلُ السّعْدِيّ، وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ قِتَالٍ:
وَأَشْهَدَ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً ... يَحُجّونَ سِبّ الزّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا «1»
__________
(1) فى الأصل: ست وهو خطأ فى الطبع. ويقول الجاحظ: كان الزبرقان يصبغ عمامته بصفرة، وذكره الشاعر فقال: ثم ذكر البيت. ويرى قطرب أن المخبل نسب الزبرقان إلى الأبنة لأنه كان يصفر إسته، وأنه يعنى بالسب: الاست السمط ص 191 واللسان مادة زبرق. وفى إصلاح المنطق عن معنى البيت «يكثرون الاختلاف إليه، والسب: العمامة، وسب المرأة: خمارها، وإنما سمى الزبرقان لصفرة عمامته» ص 411 والحلول: الأحياء المجتمعة. انظر ص 97 ج 3 البيان ومادتى سبب وحجج فى اللسان ورواية البيت فى الاشتقاق: فهم أهلات حول قيس بن عاصم الخ. وفيه أيضا: قال قوم: سمى الزبرقان لخفة لحيته، وقال قوم: بل لجماله وقال قوم: لأنه كان يصبغ عمامته بالزعفران وكانت سادة العرب تفعل ذلك. وعن المخبل قال مغلطاى: اسمه: الربيع بن ربيعة، وقيل: ربيعة بن مالك بن ربيعة بن عوف بن قتال بن أنف الناقة شاعر مخضرم فحل يكنى أبا يزيد مات فى خلافة عمر أو عثمان. وقال السهيلى: اسمه: كعب بن ربيعة بن قتال، وهو وهم بينته فى كتاب الزهر الباسم» ص 254 الاشتقاق وفى السمط أنه ربيعة بن مالك من بنى شماس بن لأى ابن أنف النافة ص 418- وقبل بيت الزبرقان: -

(7/433)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالسّبّ: الْعِمَامَةُ، وَأَحْسَبُهُ أَشَارَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ:
بِمَا تَرَى النّاسَ تَأْتِينَا سَرَاتُهُمْ
الْبَيْتَ. وَلَيْسَ السّرَاةُ جَمْعَ سَرِيّ كَمَا ظَنّوا، وَإِنّمَا هُوَ كَمَا تَقُولُ ذُرْوَتُهُمْ وَسَنَامُهُمْ، وَسَرَاةُ كُلّ شَيْءٍ: أَعْلَاهُ، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَالزّبْرِقَانُ مِنْ أَسْمَاءِ الْقَمَرِ. قَالَ الشّاعِرُ:
تُضِيءُ بِهِ الْمَنَابِرُ حِينَ يَرْقَى ... عَلَيْهَا مِثْلَ ضَوْءِ الزّبْرِقَانِ
وَالزّبْرِقَانُ أَيْضًا: الْخَفِيفُ الْعَارِضَيْنِ، وَكَانَتْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءَ: الزّبْرِقَانُ وَالْقَمَرُ وَالْحُصَيْنُ، وَثَلَاثُ كُنًى: أَبُو الْعَبّاسِ، وَأَبُو شَذْرَةَ، وَأَبُو عَيّاشٍ، وَهُوَ الزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ خَلَفِ بْنِ بَهْدَلَةَ بْنِ عَوْفِ ابْنُ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ.
شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى الزبرقان في المسيحية وَالْعَيْنِيّةِ:
وَقَوْلُ حَسّانَ:
بِبَيْتٍ حَرِيدٍ عِزّهُ وَثَرَاؤُهُ
يُرِيدُ: بَيْتٍ شَرَفُهُمْ مِنْ غَسّانَ وَهُمْ مُلُوكُ الشّامِ، وَهُمْ وَسَطَ الْأَعَاجِمِ، وَالْبَيْتُ الْحَرِيدُ: الْمُنْفَرِدُ عَنْ الْبُيُوتِ، كَمَا انْفَرَدَتْ غَسّانُ، وَانْقَطَعَتْ عَنْ أرض
__________
-
ألم تعلمى يا أم عمرة أننى ... تخطأنى ريب المنون لأكبرا
ولهذا ضبط ابن برى أشهد فى البيت بالنصب «مادة زبرق» اللسان.

(7/434)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعَرَبِ، وَكَانَ حَسّانُ يَضْرِبُ بِلِسَانِهِ أَرْنَبَةَ أَنْفِهِ هُوَ وَابْنُهُ وَأَبُوهُ وَجَدّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: لَوْ وَضَعْته يَعْنِي لِسَانَهُ عَلَى حَجَرٍ لَفَلَقَهُ، أَوْ عَلَى شَعْرٍ لَحَلَقَهُ، وَمَا يَسُرّنِي بِهِ مَقُولٌ مِنْ مَعَدّ.
وَقَوْلُ حَسّانَ:
يُخَاضُ إلَيْهِ السّمّ وَالسّلَعُ
السّلَعُ: شَجَرٌ مُرّ. قَالَ أُمَيّةُ [بْنُ أَبِي الصّلْتِ] :
عُشَرٌ مَا وَفَوْقَهُ سَلَعٌ مَا ... عَائِلٌ مَا، وَعَالَتْ الْبَيْقُورَا «1»
يُرِيدُ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا اسْتَسْقَوْا فِي الْجَاهِلِيّةِ رَبَطُوا السّلَعَ وَالْعُشَرَ فِي أَذْنَابِ الْبَقَرِ.
وَقَوْلُهُ: شَمَعُوا، أَيْ: ضَحِكُوا وَمَزَحُوا. قَالَ الشّاعِرُ [الْمُتَنَخّلُ الْهُذَلِيّ] يَصِفُ الْأَضْيَافَ:
وَأَبْدَؤُهُمْ بِمَشْمَعَةٍ وَأُثْنِي ... بِجُهْدِي مِنْ طَعَامٍ أَوْ بِسَاطِ
وَفِي الْحَدِيثِ: مَنْ تَتَبّعَ الْمَشْمَعَةَ شَمّعَ اللهُ بِهِ. يُرِيدُ مِنْ ضَحِكَ مِنْ النّاسِ وأفرط فى المزح.
__________
(1) البيت فى اللسان: سلع ما ومثله عشر ما الخ. وفى البيت كما قال الأزهرى وقاله السهيلى بعد، شاهد على ما يفعله العرب من استمطارهم بإضرام النار فى آذناب البقر، والسلع شجر، والعشر: شجر له صمغ. والبيقور: اسم جمع للبقر.

(7/435)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ:
أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنّدَى مَتَعُوا
أَيْ: ارْتَفَعُوا، يُقَال: مَتَعَ النّهَارُ إذَا ارْتَفَعَ.
شِعْرٌ آخَرُ لِحَسّانَ فِي الرد عَلَى الزّبْرِقَانِ:
وقول حسان:
وطبنا له أنفسا بِفَيْءِ الْمَغَانِمِ
يُرِيدُ: طِيبَ نُفُوسِهِمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَلّفَةَ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا.
شَرْحُ قَوْلِ ابْنِ الْأَهْتَمِ لِابْنِ عَاصِمٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ عَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ لِقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ:
ظَلِلْت مُفْتَرِشَ الْهَلْبَاءِ تَشْتُمُنِي ... عِنْدَ النّبِيّ فَلَمْ تَصْدُقْ وَلَمْ تُصِبْ
الْهَلْبَاءُ: فَعْلَاءُ مِنْ الْهُلْبِ وَهُوَ الْخَشِينُ مِنْ الشّعْرِ، يُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ أَهْلَبُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشّعْبِيّ فِي مُشْكِلَةٍ نَزَلَتْ: هَلْبَاءُ زَبّاءُ ذَاتُ وَبَرٍ، كَأَنّهُ أَرَادَ بِمُفْتَرِشِ الْهَلْبَاءِ، أَيْ: مُفْتَرِشًا لِحْيَتَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِمُفْتَرِشِ الْهَلْبَاءِ، يَعْنِي امْرَأَةً. وَقِيلَ: الْهَلْبَاءُ، يُرِيدُ بِهَا هَاهُنَا دُبُرَهُ، فَإِنْ كَانَ عَنَى امْرَأَةً، فَهُوَ نَصْبٌ عَلَى النّدَاءِ.
مَا نَزَلَ فِي وَفْدِ تَمِيمٍ مِنْ الْحُجُرَاتِ:
وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِمْ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ، وَقَدْ كَانَ

(7/436)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ اخْتَلَفَا فِي أَمْرِ الزّبْرِقَانِ وَعَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِتَقْدِيمِ الزّبْرِقَانِ، وَأَشَارَ الْآخَرُ بِتَقْدِيمِ عَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ حَتّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إلَى قَوْلِهِ: لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ فَكَانَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا كَلّمَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ لَا يُكَلّمُهُ إلّا كَأَخِي السّرَارِ «1» .
إنّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا:
وَفِي هَذَا الْوَفْدِ جَاءَ الْحَدِيثُ أَنّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا مِنْ نَجْدٍ فَخَطَبَا، فَعَجِبَ النّاسُ لِبَيَانِهِمَا، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا، وَأَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي بَابِ مَا يُذَمّ مِنْ الْقَوْلِ، مِنْ أَجْلِ أَنّ السّحْرَ مَذْمُومٌ شَرْعًا، وَغَيْرُهُ يَذْهَبُ إلَى أَنّهُ مَدْحٌ لَهُمَا بِالْبَيَانِ وَاسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ كَالسّحْرِ، وَكَانَ مِنْ قَوْلِهِمَا.
إنّ عَمْرًا قَالَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الزّبرقان: إنه مطاع فى أذنيه سَيّدٌ فِي عَشِيرَتِهِ، فَقَالَ الزّبْرِقَانُ: لَقَدْ حَسَدَنِي يَا رَسُولَ اللهِ لِشَرَفِي، وَلَقَدْ عَلِمَ أَفْضَلَ مِمّا قَالَ. قَالَ: فَقَالَ عَمْرٌو: إنّهُ لَزَمِرُ الْمُرُوءَةِ ضَيّقُ الْعَطَنِ لَئِيمُ الْخَالِ، فَعَرَفَ الْإِنْكَارَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فقال: يا رسول الله
__________
(1) عند البخارى فى رواية أن أحدهم أشار بالأقرع بن حابس، والآخر برجل آخر. قال نافع: لا أحفظ اسمه، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافى الخ، وقد انفرد به البخارى دون مسلم. وفى رواية أخرى أن أبا بكر أشار بتأمير القعقاع بن معبد، وأن عمر أشار بتأمير الأقرع بن حابس. وفى مسند البزار أن أبا بكر هو الذى قال: يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخى السرار. وهناك روايات أخرى تخالف هذه حول أسباب نزول الآية، فالله أعلم.

(7/437)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَضِيت فَقُلْت أَحْسَنَ مَا عَلِمْت، وَسَخِطْت فَقُلْت أَقْبَحَ مَا عَلِمْت، وَلَقَدْ صَدَقْت فِي الْأُولَى وَمَا كَذَبْت فِي الثّانِيَةِ، فَحِينَئِذٍ قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» وَقَوْلُهُ: لَئِيمُ الْخَالِ، قِيلَ: إنّ أُمّهُ كَانَتْ مِنْ بَاهِلَةَ، قَالَهُ ابْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا عَلَيْهِ، وَمِمّنْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَبُو مَرْوَانَ بْنُ سِرَاجٍ، فَاَللهُ أَعْلَمُ، لِأَنّ أَهْلَ النّسَبِ ذَكَرُوا أَنّ أُمّ الزّبْرِقَانِ عُكْلِيّةٌ مِنْ بَنِي أُقَيْشٍ، وَعُكْلٌ وَإِنْ كَانَتْ تَجْتَمِعُ مَعَ تَمِيمٍ فِي أُدّ بْنِ طَابِخَةَ لَكِنّ تَمِيمًا أَشْرَفُ مِنْهُمْ، وَلَا سِيّمَا بَنِي سَعْدٍ رَهْطُ الزّبْرِقَانِ، فَلِذَلِكَ جَعَلَهُ عَمْرٌو لَئِيمَ الْخَالِ.
خَبَرُ عَامِرٍ وَأَرْبَد:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ خَبَرَ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ وَأَرْبَدَ، وَأَنّ أَرْبَدَ قَالَ لِعَامِرٍ: مَا هَمَمْت بِقَتْلِ مُحَمّدٍ إلّا رَأَيْتُك بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفَأَقْتُلُك؟! وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ: إلّا رَأَيْت بَيْنِي وَبَيْنَهُ سُورًا مِنْ حَدِيدٍ وَكَذَلِك فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ، قَالَ عَامِرٌ: لَأَمْلَأَنّهَا عَلَيْك خَيْلًا جُرْدًا، وَرِجَالًا مُرْدًا، وَلَأَرْبِطَنّ بكلّ نخلة فرسا، فجعل أسيد ابن حضير يضرب فى رؤسهما وَيَقُولُ: اُخْرُجَا أَيّهَا الْهِجْرِسَانِ، فَقَالَ لَهُ عَامِرٌ: وَمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَ: أَحُضَيْرُ بْنُ سِمَاكٍ؟ قَالَ:
نَعَمْ، قَالَ: أَبُوك كَانَ خَيْرًا مِنْك، فَقَالَ: بَلْ أَنَا خَيْرٌ مِنْك، وَمِنْ أَبِي، لِأَنّ أَبِي كَانَ مُشْرِكًا، وَأَنْت مُشْرِكٌ. وَذَكَرَ سِيبَوَيْهِ قَوْلَ عَامِرٍ: أَغُدّةً «1» كغدّة
__________
(1) مضبوطة فى اللسان برفع غدة وكذلك فى النهاية لابن كثير.

(7/438)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْبَعِيرِ، وَمَوْتًا فِي بَيْتِ سَلُولِيّةٍ، فِي بَابِ مَا يَنْتَصِبُ عَلَى إضْمَارِ الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ إظْهَارُهُ، كَأَنّهُ قَالَ: أُغَدّ غُدّةً، وَالسّلُولِيّةُ امْرَأَةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى سَلُولَ بْنِ صَعْصَعَةَ وَهُمْ بَنُو مُرّةَ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَسَلُولُ أُمّهُمْ، وَهِيَ بِنْتُ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ، وَكَانَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، فَلِذَلِكَ اخْتَصّهَا لِقُرْبِ النّسَبِ بَيْنَهُمَا، حَتّى مَاتَ فِي بَيْتِهَا. وَأَمّا أَشْعَارُ لَبِيدٍ فِي أَرْبَدَ فَفِيهَا قَوْلُهُ:
تَطِيرُ عَدَائِدُ «1» الْأَشْرَاكِ شَفْعًا ... وَوِتْرًا وَالزّعَامَةُ «2» لِلْغُلَامِ
الزّعَامَةُ: الرّيَاسَةُ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالزّعَامَةِ هُنَا بَيْضَةَ السّلَاحِ، وَالْأَشْرَاكُ:
الشّرَكَاءُ، وَالْعَدَائِدُ: الْأَنْصِبَاءُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَدَدِ، وَيُقَالُ: إنّ أَرْبَدَ حِينَ أَصَابَتْهُ الصّاعِقَةُ أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى مُحَمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ يَعْنِي أَرْبَدَ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَعَامِرٌ وَأَرْبَدُ يَجْتَمِعَانِ فِي جَعْفَرِ بْنِ كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَأُمّهُمَا وَاحِدَةٌ، وَسَائِرُ شِعْرِ لَبِيَدٍ فِي أَرْبَدَ مَرْغُوبٌ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِشَرْحِهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا الْمُتَقَدّمِ، وَاَللهُ وَلِيّ التّوْفِيقِ.
عَنْ لَبِيدٍ:
على أنّ لبيد رَحِمَهُ اللهُ قَدْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَعَاشَ فِي الْإِسْلَامِ سِتّينَ سَنَةً، لَمْ يَقُلْ فِيهَا بَيْتَ شِعْرٍ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ تَرْكِهِ الشّعْرَ، فَقَالَ: مَا كُنْت لِأَقُولَ شِعْرًا بَعْدَ أَنْ علّمنى لله الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَزَادَهُ عُمَرُ فِي عَطَائِهِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، مِنْ أَجْلِ هَذَا الْقَوْلِ، فَكَانَ عطاؤه ألفين وخمسمائة،
__________
(1) رواية أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابى: غدائر.
(2) قيل عن الزعامة إنها الرياسة أو الدرع.

(7/439)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَلَمّا كَانَ مُعَاوِيَةُ، أَرَادَ أَنْ يَنْقُصَهُ مِنْ عَطَائِهِ الْخَمْسَمِائَةِ، وَقَالَ لَهُ: مَا بَالُ الْعِلَاوَةِ فَوْقَ الْفَوْدَيْنِ؟ فَقَالَ لَهُ لَبِيدٌ: الْآنَ أَمُوتُ، وَتَصِيرُ لَك الْعِلَاوَةُ وَالْفَوْدَانِ، فَرَقّ لَهُ مُعَاوِيَةُ وَتَرَكَهَا لَهُ، فَمَاتَ لَبِيدٌ إثْرَ ذَلِكَ بِأَيّامٍ قَلِيلَةٍ، وَقَدْ قِيلَ: إنّهُ قَالَ بَيْتًا وَاحِدًا فِي الْإِسْلَامِ:
الْحَمْدُ لِلّهِ إذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي ... حَتّى اكْتَسَيْت مِنْ الْإِسْلَامِ سِرْبَالًا
وَفْدُ جرس:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ وَفْدَ جُرَشٍ، وَأَنّ خَثْعَمَ ضَوَتْ إليها حين حاصرهم صرد ابن عَبْدِ اللهِ، وَأَنْشَدَ:
حَتّى أَتَيْنَا حُمَيْرًا فِي مَصَانِعِهَا ... وَجَمْعَ خَثْعَمَ قَدْ صَاغَتْ «1» لَهَا النّذُرُ
وَيُرْوَى خُمَيْرًا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي حِمْيَرَ حِمْيَرُ الْأَدْنَى، وَهُوَ حِمْيَرُ بْنُ الْغَوْثِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ شُدَدَ «2» بْنِ زُرْعَةَ وَهُوَ حِمْيَرُ الْأَصْغَرُ بْنُ سَبَأٍ الْأَصْغَرِ بْنِ كَعْبِ كَهْفِ الظّلْمِ بن زيد الجمهور ابن عمرو بن قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ وَائِلِ بْنِ الْغَوْثِ ابن حَيْدَان بْنِ قَطَنِ بْنِ عَرِيبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الهميسع بن حمير الأكبر «3»
__________
(1) فى السيرة: شاعت.
(2) فى جمهرة النسب: شرد.
(3) النسب فى جمهرة ابن حزم من أول شرد: بن زرعة بن قيس بن صنعاء ابن سبأ الأصغر بن كعب بْنِ زَيْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ عَبْدِ شمس بن وائل بن عوف بن حمير بن قطن بن عوف بن زهير بن أيمن بن حمير بن سبأ. وهو كما ترى يختلف عما هنا. وعند ابن الكلبى: -

(7/440)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهو العزبحج، وَقَالَ الْأَبْرَهِيّ: وَهُوَ مِنْ عُلَمَاءِ حِمْيَرَ بِالنّسَبِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى أَبَرْهَةَ بْنِ الصّبَاحِ الْحِمْيَرِيّ فِي حِمْيَرَ الْأَدْنَى الْمَبْدُوءِ بِذِكْرِهِ حِمْيَرُ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَصِحّ رِوَايَةُ الْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ، وَمَنْ رَوَاهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ تَصْغِيرُ حِمْيَرَ تَصْغِيرَ التّرخيم، والعزبحج فِي لُغَةٍ: حِمْيَرُ الْعَتِيقُ.
حَدِيثُ ضِمَامٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: جَاءَنَا أَعْرَابِيّ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيّ صَوْتِهِ، وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ، الْحَدِيثَ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطّإِ عَنْ عَمّهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ طَلْحَةَ، وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ لِمَا فِيهِ مِنْ دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ.
وَذَكَرَ مَعَهُ حَدِيثَ الْيَهُودِ حِينَ دَخَلُوا الْمَسْجِدَ، وَذَكَرُوا أَنّ رَجُلًا مِنْهُمْ، وَامْرَأَةً زَنَيَا، وَقَالَ بِهِ الشّافِعِيّ، وَكَرِهَ مَالِكٌ دُخُولَ الذّمّيّ الْمَسْجِدَ، وَخَصّصَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِقَوْلِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ، فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ الْآيَةَ، وَتَعَلّقَ مَالِكٌ بِالْعِلّةِ الّتِي نَبّهَتْ عَلَيْهَا الآية، وهى التّنجيس، فعمّ المساجد كلّها.
__________
- كعب بْنِ زَيْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ عَبْدِ شمس بْنِ الْغَوْثِ بْنِ حَيْدَان بْنِ قَطَنِ بْنِ عريب بن الهميسع. وقد سقط حيدان منه هنا، ولكنه ذكرها فى مكان آخر. أنظر 364، 365 المحبر.

(7/441)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَوْلَ حَدِيثِ الْجَارُودِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْجَارُودَ الْعَبْدِيّ، وَهُوَ بِشْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُعَلّى، يُكَنّى أَبَا الْمُنْذِرِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: يُكَنّى أَبَا غِيَاثٍ وَأَبَا عِتَابٍ، وَسُمّيَ الْجَارُودَ، لِأَنّهُ أَغَارَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ بَكْرٍ، فَجَرّدَهُمْ «1» قَالَ الشّاعِرُ:
وَدُسْنَاهُمْ بِالْخَيْلِ مِنْ كُلّ جَانِبٍ ... كَمَا جَرّدَ الْجَارُودُ بَكْرَ بْنَ وَائِلِ
وَذَكَرَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْجَارُودِ الْغَرُورَ بْنَ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَكَانَ كِسْرَى حِينَ قَتَلَ النّعْمَانَ صَيّرَ أَمْرَ الْحِيرَةِ إلَى هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ الشّيْبَانِيّ، وَلَمْ يَبْقَ لِآلِ الْمُنْذِرِ رَسْمٌ وَلَا أَمْرٌ يُذْكَرُ حَتّى كانت الرّدّة، ومات هانىء ابن قَبِيصَةَ فَأَظْهَرَ أَهْلُ الرّدّةِ أَمْرَ الْغَرُورِ بْنِ النّعْمَانِ، وَاسْمُهُ: الْمُنْذِرُ، وَإِنّمَا سُمّيَ الْغَرُورَ، لِأَنّهُ غَرّ قَوْمَهُ فِي تِلْكَ الرّدّةِ، أَوْ غَرّوهُ وَاسْتَعَانُوا بِهِ عَلَى حَرْبِهِمْ فَقُتِلَ هُنَالِكَ، وَزَعَمَ وَثِيمَةُ بْنُ مُوسَى أَنّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ ارْتِدَادِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ وَنَسَبُ مُسَيْلِمَةَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ، وَاسْمُ حَنِيفَةَ أَثَالُ بْنُ لُجَيْمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ ابن بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ مَعَ مُسَيْلِمَةَ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وهو مسيلمة
__________
(1) فى اللسان: لأنه فر بإبله إلى أخواله من بنى شيبان، وبإبله داء، ففشا ذلك الداء فى إبل أخواله، فأهلكها.

(7/442)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن ثُمَامَةَ بْنِ كَبِيرِ «1» بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ هِفّانَ بْنِ ذُهْلِ بْنِ الدّوَلِ بْنِ حَنِيفَةَ يُكَنّى أَبَا ثُمَامَةَ، وَقِيلَ: أَبَا هَارُونَ، وكان يُسَمّى بِالرّحْمَنِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ الزّهْرِيّ قَبْلَ مَوْلِدِ عَبْدِ اللهِ والد رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَقُتِلَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ حِينَ سَمِعَتْ بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ، قَالَ قَائِلُهُمْ: دُقّ فُوك، إنّمَا تَذْكُرُ مُسَيْلِمَةَ رَحْمَانَ الْيَمَامَةِ، وَكَانَ الرّحّالُ الْحَنَفِيّ «2» ، وَاسْمُهُ نَهَارُ بْنُ عُنْفُوَةَ، وَالْعُنْفُوَةُ يَابِسُ الْحَلِيّ، وَهُوَ نَبَاتٌ، وَذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالَ فِيهِ: عُنْثُوَ بِالثّاءِ الْمُثَلّثَةِ، وَقَالَ: هُوَ يَابِسُ الْحَلِيّ، وَالْحَلِيّ: النّصِيّ، وَهُوَ نَبْتٌ- قَدِمَ فِي وَفْدِ الْيَمَامَةِ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ وَتَعَلّمَ سُوَرًا مِنْ الْقُرْآنِ، فَرَآهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَحَدُهُمَا فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ، وَالْآخَرُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: ضِرْسُ أَحَدِكُمْ فِي النّارِ مِثْلُ أُحُدٍ، فَمَا زَالَا خَائِفَيْنِ حَتّى ارْتَدّ الرّحّالُ، وَآمَنَ بِمُسَيْلِمَةَ وَشَهِدَ زُورًا أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ شَرِكَهُ مَعَهُ فِي النّبُوّةِ، وَنَسَبَ إلَيْهِ بَعْضَ مَا تَعَلّمَ مِنْ الْقُرْآنِ، فَكَانَ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ الْفِتْنَةِ عَلَى بنى حنفية، وَقَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، ثُمّ قَتَلَ زَيْدَ بْنَ الْخَطّابِ سَلَمَةُ بْنُ صُبَيْحٍ الحنفىّ، وكان مسيلمة صاحب
__________
(1) فى جهرة ابن حزم: كثير.
(2) ذكره القاموس بالجيم على وزن شداد، وقال: ووهم من ضبطه بالحاء.

(7/443)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نَيْرُوجَاتٍ «1» يُقَالُ: إنّهُ أَوّلُ مَنْ أَدْخَلَ الْبَيْضَةَ فِي الْقَارُورَةِ «2» ، وَأَوّلُ مَنْ وَصَلَ جَنَاحَ الطّائِرِ الْمَقْصُوصَ، وَكَانَ يَدّعِي أَنّ ظَبْيَةً تَأْتِيهِ مِنْ الْجَبَلِ، فَيَحْلُبُ لَبَنَهَا، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يَرْثِيهِ:
لَهَفِي عَلَيْك أَبَا ثُمَامَةَ ... لَهَفِي عَلَى رُكْنِي شَمَامَةِ
كَمْ آيَةٍ لَك فِيهِمْ ... كَالشّمْسِ تَطْلُعُ مِنْ غَمَامَةِ
وَكَذَبَ بَلْ كَانَتْ آيَاتُهُ مَنْكُوسَةً، تَفَلَ فِي بِئْرِ قَوْمٍ سَأَلُوهُ ذَلِكَ تَبَرّكًا فَمَلُحَ مَاؤُهَا، وَمَسَحَ رَأْسَ صَبِيّ فَقَرِعَ قَرَعًا فَاحِشًا، وَدَعَا لِرَجُلٍ فِي ابْنَيْنِ لَهُ بِالْبَرَكَةِ، فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَوَجَدَ أَحَدَهُمَا قَدْ سَقَطَ فِي الْبِئْرِ، وَالْآخَرَ قَدْ أَكَلَهُ الذّئْبُ، وَمَسَحَ عَلَى عَيْنَيْ رَجُلٍ اسْتَشْفَى بِمَسْحِهِ، فَابْيَضّتْ عَيْنَاهُ.
مُؤَذّنَا مُسَيْلِمَةَ وَسَجَاحَ:
وَاسْمُ مُؤَذّنِهِ: حُجَيْرٌ، وَكَانَ أَوّلَ مَا أُمِرَ أَنْ يَذْكُرَ مُسَيْلِمَةَ فِي الْأَذَانِ تَوَقّفَ، فَقَالَ لَهُ مُحَكّمُ بْنُ الطّفَيْلِ: صَرّحْ حُجَيْرُ، فَذَهَبَتْ مَثَلًا. وَأَمّا سَجَاحُ الّتِي تَنَبّأَتْ فِي زَمَانِهِ وَتَزَوّجَهَا، فَكَانَ مُؤَذّنُهَا جَنَبَةَ بْنَ طَارِقٍ، وَقَالَ الْقُتَبِيّ: اسْمُهُ: زهير بن عمرو، وقيل: إن شبث بنى رِبْعِيّ أَذّنَ لَهَا أَيْضًا، وَتُكَنّى أُمّ صَادِرٍ، وَكَانَ آخِرُ أَمْرِهَا أَنْ أَسْلَمَتْ فِي زَمَانِ عُمَرَ، كُلّ هَذَا مِنْ كِتَابِ الوّاقِدِيّ وَغَيْرِهِ. وكان محكّم بن طفيل الحنفىّ، صاحب
__________
(1) النيرنج: آخذ كالسحر وليس به، وجمعها: نيرنجات ونيارج.
(2) عمل هين يأتيه طلابنا فى معاملهم.

(7/444)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَرْبِهِ وَمُدَبّرَ أَمْرِهِ، وَكَانَ أَشْرَفَ مِنْهُ فِي حَنِيفَةَ، وَيُقَالُ فِيهِ: مُحَكّمٌ وَمُحَكّمٌ، وَفِيهِ يَقُولُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
يَا مُحَكّمُ بْنَ طُفَيْلٍ قَدْ أُتِيحَ لَكُمْ ... لِلّهِ دُرّ أَبِيكُمْ حَيّةِ الْوَادِي
وَقَالَ أَيْضًا:
يَخْبِطْنَ بِالْأَيْدِي حِيَاضَ مُحَكّمِ
امْرَأَةُ مُسَيْلِمَةَ:
وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ: انْزِلُوا، يَعْنِي وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ بِدَارِ الْحَارِثِ. الصّوَابُ:
بِنْتُ الحارث، واسمها: كيسة بنت الحارث بن كريز بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي غَزْوَةِ قُرَيْظَةَ الْكَلَامُ عَلَى كَيْسَةَ: وَكَيْسَةُ بِالتّخْفِيفِ، وَأَنّهَا كَانَتْ امْرَأَةً لِمُسَيْلِمَةَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ أَنْزَلَهُمْ بِدَارِهَا وَكَانَتْ تَحْتَ مُسَيْلِمَةَ، ثُمّ خَلَفَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ، وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ أَنّ الصّوَابَ مَا قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّ اسْمَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ، كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَالْمَذْكُورَةُ هَاهُنَا كَيْسَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَإِيّاهُ عَنَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَطَبَ، فَقَالَ: أُرِيت فِي يَدَيّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَرِهْتهمَا، فَنَفَخْت فِيهِمَا فَطَارَا فَأَوّلْتهمَا كَذّابَ الْيَمَامَةِ وَالْعَنْسِيّ، صَاحِبَ صَنْعَاءَ، فَأَمّا مُسَيْلِمَةُ فَقَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَأَفْنَى قَوْمَهُ قَتْلًا وَسَبْيًا.
مَسْعُودٌ الْعَنْسِيّ:
وَأَمّا مَسْعُودُ بْنُ كَعْبٍ الْعَنْسِيّ، وَعَنْسٌ مِنْ مَذْحِجٍ، فَاتّبَعَتْهُ قَبَائِلُ مِنْ

(7/445)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَذْحِجٍ وَالْيَمَنُ عَلَى أَمْرِهِ، وَغَلَبَ عَلَى صَنْعَاءَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ذُو الْخِمَارِ، وَيُلَقّبُ: عَيْهَلَةَ، وَكَانَ يَدّعِي أَنّ سَحِيقًا وَشَرِيقًا يَأْتِيَانِهِ بِالْوَحْيِ، وَيَقُول:
هُمَا مَلَكَانِ يَتَكَلّمَانِ عَلَى لِسَانِي، فِي خُدَعٍ كَثِيرَةٍ يُزَخْرِفُ بِهَا، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ مَالِكِ بْنِ عَنْسٍ، وَبَنُو عَنْسٍ جُشَمُ وَجُشَيْمٌ وَمَالِكٌ وَعَامِرٌ وَعَمْرٌو، وَعَزِيزٌ وَمُعَاوِيَةُ وَعَتِيكَةُ وَشِهَابٌ وَالْقِرّيّةُ وَيَامُ «1» وَمِنْ وَلَدِ يَامَ بْنِ عَنْسٍ عمّار ابن يَاسِرٍ، وَأَخَوَاهُ عَبْدُ اللهِ وَحُوَيْرِثٌ ابْنَا يَاسِرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَالِكٍ، قَتَلَهُ فَيْرُوزُ الدّيْلَمِيّ، وَقَيْسُ بْنُ مَكْشُوحٍ وَدَاذَوَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَبْنَاءِ دَخَلُوا عَلَيْهِ مِنْ سِرْبٍ صَنَعَتْهُ لَهُمْ امْرَأَةٌ كَانَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَبْنَاءِ، فَوَجَدُوهُ سَكْرَانَ لَا يَعْقِلُ مِنْ الْخَمْرِ، فَخَبَطُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ:
ضَلّ نَبِيّ مَاتَ وَهُوَ سَكْرَانْ ... وَالنّاسُ تَلْقَى جُلّهُمْ كَالذّبّانْ
النّورُ وَالنّارُ لَدَيْهِمْ سِيّانْ
ذَكَرَهُ الدّوْلَابِيّ، وَزَادَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْهُ أَنّ امْرَأَتَهُ سَقَتْهُ الْبَنْجَ فِي شَرَابِهِ تِلْكَ اللّيْلَةَ، وَهِيَ الّتِي احْتَفَرَتْ السّرْبَ لِلدّخُولِ عَلَيْهِ، وَكَانَ اغْتَصَبَهَا، لِأَنّهَا كَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النّسَاءِ، وَكَانَتْ مُسْلِمَةً صَالِحَةً، وَكَانَتْ تحدّث عنه أنه لا ينتسل مِنْ الْجَنَابَةِ، وَاسْمُهَا الْمَرْزُبَانَةُ، وَفِي صُورَةِ قَتْلِهِ اخْتِلَافٌ.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُرِيت سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَنَفَخْتهمَا فَطَارَا، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتّعْبِيرِ: تَأْوِيلُ نَفْخِهِ لَهُمَا أَنّهُمَا بريحه قتلا، لأنه لم يغزهما
__________
(1) فى الجمهرة هم: سعد الأكبر وسعد الأصغر، وعمرو، وعامر ومعاوية، وعزيز وعتيك وشهاب ومالك ويام وجشم والقرية.

(7/446)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِنَفْسِهِ، وَتَأْوِيلُ الذّهَبِ أَنّهُ زُخْرُفٌ، فَدَلّ لَفْظُهُ عَلَى زَخْرَفَتِهِمَا، وَكَذِبِهِمَا، وَدَلّ الْإِسْوَارَانِ بِلَفْظِهِمَا عَلَى مَلِكَيْنِ لِأَنّ الْأَسَاوِرَةَ هُمْ الْمُلُوكُ، وَبِمَعْنَاهُمَا عَلَى التّضْيِيقِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ السّوَارِ مُضَيّقًا عَلَى الذّرَاعِ.
زَيْدُ الْخَيْلِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ زَيْدَ الْخَيْلِ، وَهُوَ زَيْدُ بْنُ مُهَلْهِلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُنْهِبٍ، يكنى: أبا مكنف الطّائىّ، واسم طيّئ أُدَدُ، وَقِيلَ لَهُ: زَيْدُ الْخَيْلِ لِخَمْسِ أَفْرَاسٍ، كَانَتْ لَهُ، لَهَا أَسْمَاءُ أَعْلَامٍ ذَهَبَ عَنّي حِفْظُهَا الْآنَ «1» .
وَذَكَرَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنْ يَنْجُ زَيْدٌ مِنْ حُمّى الْمَدِينَةِ.
أَسْمَاءُ الْحُمّى:
قَالَ الرّاوِي: وَلَمْ يُسَمّهَا بِاسْمِهَا الْحُمّى، وَلَا أُمّ مَلْدَمٍ، سَمّاهَا بِاسْمٍ آخَرَ ذَهَبَ عَنّي، وَالِاسْمُ الّذِي ذَهَبَ عَنْ الرّاوِي مِنْ أَسْمَاءِ الْحُمّى، هُوَ أُمّ كُلْبَةَ، ذُكِرَ لِي أَنّ أَبَا عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ فِي مَقَاتِلِ الْفُرْسَانِ، وَلَمْ أَرَهُ، وَلَكِنْ رَأَيْت الْبَكْرِيّ ذَكَرَهُ فِي بَابٍ أَفْرَدَهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْبِلَادِ، وَلَهَا أَيْضًا اسْمٌ سِوَى هَذِهِ الْأَسْمَاءِ ذَكَرَهُ ابْنُ دريد فى الجمهرة، قَالَ: سَبَاطِ، مِنْ أَسْمَاءِ الْحُمّى عَلَى وَزْنِ
__________
(1) ضبط منهب فى السمط بوزن منبر، ويقول البكرى: «وإنما سمى زيد الخيل لكثرة خيله، لأنه لم يكن لأحد من قومه، ولا لكثير من العرب إلا الفرس والفرسان، وكانت لزيد خيل كثيرة، فالتى ذكر منها فى شعره ستة: الهطال والكميت والورد والكامل وذؤل، «ولاحق» .

(7/447)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رَقَاشِ، وَأَمّا أُمّ مَلْدَمٍ، فَيُقَالُ بِالدّالِ، وَبِالذّالِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا، وَهُوَ [مِنْ] اللّدْمِ وَهُوَ شِدّةُ الضّرْبِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُمّ كُلْبَةَ هَذَا الِاسْمُ مُغَيّرًا مِنْ كُلْبَةٍ بِضَمّ الْكَافِ؛ والكلبة شدّة الرّعدة، وكلب البرد سدائده، فَهَذِهِ أُمّ كُلْبَةَ بِالْهَاءِ، وَهِيَ الْحُمّى، وَأَمّا أُمّ كُلْبٍ، فَشَجَرَةٌ لَهَا نُورٌ حَسَنٌ، وَهِيَ إذَا حُرّكَتْ أَنْتَنُ شَيْءٍ، وَزَعَمَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنّ الْغَنَمَ إذَا مَسّتْهَا لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَقْرَبَ الْغَنَمَ لَيْلَتَهَا تِلْكَ مِنْ شدة إنتانها.
خبر زَيْدٍ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى:
وَذَكَرَ فِي خَبَرِ زَيْدِ الْخَيْلِ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيّ الْبَغْدَادِيّ مَا هَذَا نَصّهُ: خَرَجَ نفر من طىّء يريدون النبىّ عليه السلام بِالْمَدِينَةِ وُفُودًا، وَمَعَهُمْ زَيْدُ الْخَيْلِ، وَوَزَرُ بْنُ سُدُوسٍ النّبْهَانِيّ وَقَبِيصَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ جُوَيْنٍ الْجِرْمِيّ، وَهُوَ النّصْرَانِيّ، وَمَالِكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَيْبَرِيّ بْنِ أَفْلَتَ بْنِ سَلْسَلَةَ وَقُعَيْنُ بْنُ خُلَيْفٍ الطّرِيفِيّ رَجُلٌ مِنْ جَدِيلَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِي بَوْلَانَ، فَعَقَلُوا رَوَاحِلَهُمْ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَدَخَلُوا، فَجَلَسُوا قَرِيبًا مِنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ، فَلَمّا نَظَرَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَيْهِمْ، قَالَ: إنّي خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ الْعُزّى، وَلَاتِهَا، وَمِنْ الْجَمَلِ الْأَسْوَدِ الّذِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، وَمِمّا حَازَتْ مِنَاع «1» ، مِنْ كُلّ ضَارٍ غَيْرِ نَفّاعٍ، فَقَامَ زَيْدُ الْخَيْلِ، فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِهِمْ خُلُقًا وَأَحْسَنِهِمْ وَجْهًا وَشِعْرًا، وَكَانَ يركب الفرس العظيم الطويل
__________
(1) فى معجم البكرى: مناع: هضبة فى جبال طىء، أو هو اسم لأجأ، سمى بذلك لا متناعهم فيه من ملوك العرب والعجم.

(7/448)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَتَخُطّ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ كَأَنّهُ حِمَارٌ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَتَى بِك مِنْ سَهْلِك وَحَزَنِك، وَسَهّلَ قَلْبَك لِلْإِيمَانِ، ثُمّ قَبَضَ عَلَى يَدِهِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا زَيْدُ الْخَيْلِ بْنُ مُهَلْهِلٍ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، وَأَنّك عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ لَهُ: بَلْ أنت زيد الخير، ثُمّ قَالَ: يَا زَيْدُ مَا خُبّرْت عَنْ رَجُلٍ شَيْئًا قَطّ إلّا رَأَيْته دُونَ مَا خُبّرْت عَنْهُ غَيْرَك، فَبَايَعَهُ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا عَلَى مَا أَرَادَ، وَأَطْعَمَهُ قِرًى كَثِيرَةً، مِنْهَا: فَيْدٌ، وَكَتَبَ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى قَوْمِهِ إلّا وَزَرَ بْنَ سُدُوسٍ، فَقَالَ: إنّي لَأَرَى رَجُلًا لَيَمْلِكَنّ رِقَابَ الْعَرَبِ، وَلَا وَاَللهِ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتِي عَرَبِيّ أَبَدًا، ثُمّ لَحِقَ بِالشّامِ، وَتَنَصّرَ وَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَلَمّا قَامَ زَيْدٌ مِنْ عِنْدِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَيْ فَتًى لَمْ تُدْرِكْهُ أُمّ كُلْبَةَ، يَعْنِي: الْحُمّى، وَيُقَالُ: بَلْ قَالَ: إنْ نَجَا مِنْ آجَامِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ زَيْدٌ حِينَ انْصَرَفَ:
أُنِيخَتْ بِآجَامِ الْمَدِينَةِ أَرْبَعًا ... وَعَشْرًا يُغَنّي فَوْقَهَا اللّيْلَ طَائِرُ
فَلَمّا قَضَتْ أَصْحَابُهَا كُلّ بُغْيَةٍ ... وَخَطّ كِتَابًا فِي الصّحِيفَةِ سَاطِرُ
شَدَدْت عَلَيْهَا رَحْلَهَا وَشَلِيلَهَا ... مِنْ الدّرْسِ وَالشّعْرَاءِ وَالْبَطْنُ ضَامِر
الدّرْسُ: الْجَرَبُ. وَالشّعْرَاءُ: ذُبَابٌ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ فِي حَدِيثِهِ:
وَأَهْدَى زَيْدٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مخذما وَالرّسُوبَ، وَكَانَا سَيْفَيْنِ لِصَنَمِ بَلِيّ الْفَلْسِ «1» ، فَلَمّا انْصَرَفُوا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
__________
(1) الفلس بضم الفاء واللام، أو سكونها أو بفتح الفاء وسكون اللام هو-

(7/449)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَا قَدِمَ عَلَيّ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ يُفَضّلُهُ قَوْمُهُ إلّا رَأَيْته دُونَ مَا يُقَالُ إلّا مَا كَانَ مِنْ زَيْدٍ، فَإِنْ يَنْجُ زَيْدٌ مِنْ حُمّى الْمَدِينَةِ فَلِأَمْرٍ مَا هُوَ. وَقَوْلُهُ:
أَلَا رُبّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْت لَعَادَنِي ... عَوَائِدُ مَنْ لَمْ يُبْرَ مِنْهُنّ يُجْهَدْ
وَبَعْدَهُ:
فَلَيْتَ اللّوَاتِي عُدْنَنِي لَمْ يَعُدْنَنِي ... وَلَيْتَ اللّوَاتِي غِبْنَ عَنّي شُهّدِي
قُدُومُ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ وَهُوَ عَدِيّ بْنُ حَاتِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سعد بن حشرج بن امرىء القيس ابن عَدِيّ «1» بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جَرْوَلَ بْنِ ثُعَلَ بن عمرو بن الغوث بن طيّئ، يُكَنّى أَبَا ظَرِيفٍ «2» ، وَحَدِيثُ إسْلَامِهِ صَحِيحٌ عَجِيبٌ خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ، وَأُخْتُهُ الّتِي ذُكِرَ إسْلَامُهَا أَحْسَبُ اسْمَهَا سَفّانَةَ، لِأَنّي وَجَدْت فِي خَبَرٍ عَنْ امْرَأَةِ حَاتِمٍ تَذْكُرُ فِيهِ مِنْ سَخَائِهِ قَالَتْ: فَأَخَذَ حَاتِمٌ عَدِيّا يُعَلّلُهُ مِنْ الْجُوعِ، وَأَخَذْت أَنَا سَفّانَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لِعَدِيّ وَلَدًا نُقْرَضُ عقبه، ولحاتم عقب من قبل
__________
- صنم طىء الذى بعث النبى «ص» عليا لهدمه سنة تسع. وكان آنقا أحمر فى وسط أجأ كأنه تمثال إنسان. وأخذ سيفين مشهورين يقال لهما المخذم ورسوب كان الحارث بن أبى شمر الغسلان؟؟؟ قلده إياهما. أنظر الطبرى ص 177 ج 3 ط المعارف، ولسان العرب مادة خذم والمراصد.
(1) فى إمتاع الأسماع بعد عدى: ابن أخزم بن أبى أخزم بن ربيعة بن ثعل ابن جرول.
(2) فى الإصابة: طريف.

(7/450)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عَبْدِ اللهِ بْنِ حَاتِمٍ، ذَكَرَهُ الْقُتَبِيّ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ بِنْتٌ إلّا سَفّانَةُ، فَهِيَ إذًا هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ فِي السّيرَةِ وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَأُمّ حاتم: عنبة «1» بنت عفيف [بن عمرو «2» ابن عَبْدِ الْقَيْسِ] كَانَتْ مِنْ أَكْرَمِ النّاسِ وَهِيَ الّتِي تَقُولُ:
لَعَمْرِي لَقَدْ مَا عَضّنِي الْجُوعُ عَضّةً ... فَآلَيْت أَلّا أَحْرِمَ الدّهْرَ جَائِعًا «3»
وَالسّفّانَةُ: الدّرّةُ، وَبِهَا كَانَ يُكَنّى حَاتِمٌ.
حَدِيثُ فَرْوَةَ «مَعْنَى قَرْوٍ» .
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ فَرْوَةَ وَقَوْلَهُ:
طَرَقَتْ سُلَيْمَى مَوْهِنًا أَصْحَابِي ... وَالرّومُ بَيْنَ الْبَابِ وَالْقِرْوَانِ «4»
الْقِرْوَانُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ قرو، وهو حوض الماء مثل صنوان،
__________
(1) قال عنها القالى: غنية بِنْتُ عَفِيفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ. وقال البكرى: وصواب اسمها عنبة.. وقد تصحف فى عامة الكتب بعتبة وغنية. ص 23 ح 3 ط 2 الأمالى وص 13 ح 3 سمط اللآلى.
(2) الزيادة من الأمالى المكان السابق.
(3) فى الأمالى ألا أمنع، وقد حجر أهلها عليها لإتلافها ما لها فى الكرم، فلما ظنوا أنها قد وجدت الم ذلك أعطوها صرمة من إبلها، فجامتها هوازنية فأعطتها إياها، ثم أنشدت هذا البيت، وبعده:
فقولا لهذا اللائم اليوم أعفنى ... فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا
فماذا عسيتم أن تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا
ولا ما ترون الخلق إلا طبيعة ... فكيف بتركى يابن أم الطبائعا
ص 24 ح 3 الأمالى ط 1.
(4) هذا البيت ليس فى السيرة.

(7/451)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ: قَرِيّ مِثْلُ صَلِيبٍ وَصُلْبَانٍ. وَأَصَحّ مَا قِيلَ فِي الْقَرْوِ إنّهُ حُوَيْضٌ مِنْ خَشَبٍ تُسْقَى فِيهِ الدّوَابّ، وَتَلِغُ فِيهِ الْكِلَابُ، وَفِي الْمَثَلِ: مَا فِيهَا لَاعِي قَرْوٍ، أَيْ: «1» مَا فِي الدّارِ حَيَوَانٌ، وَأَرَادَ: بِلَاعِي قَرْوٍ، لَاعِقَ قَرْوٍ، وَقَلَبَ الْقَافَ الْأُولَى يَاءً لِلتّضْعِيفِ.
إبْدَالُ آخِرِ حَرْفٍ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ:
وَحَسّنَ ذَلِكَ أَنّهُ اسْمُ فَاعِلٍ، وَقَدْ يُبْدِلُونَ مِنْ آخِرِ حَرْفٍ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ يَاءً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمّ تَضْعِيفٌ، كَقَوْلِهِمْ فِي الْخَامِسِ: خَامِيهِمْ، وَفِي سَادِسِهِمْ سَادِيهِمْ، وَكَذَلِكَ إلَى الْعَاشِرِ؛ وَنَحْوٌ مِنْهُ: مَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ.
وَلِضَفَادِي جَمّهِ نَقَانِقُ «2»
أَيْ لِضَفَادِعِ جَمّهِ، وَأَنْشَدَ:
من الثّعالى ووخز من أرانبها «3»
__________
(1) فى الأصل: قروائى.
(2) فى الأصل: جبه. وأول البيت:
ومنهل ليس له حوازق
وقيل: إن صانع البيت: خلف الأحمر. والحوازق الجماعات. والجم: جمع جمة، وهى معظم الماء ومجتمعه ص 344 ح 1 كتاب سيبويه.
(3) البيت لرجل من بنى يشكر. وأوله:
لها أشارير من لحم تتمره
والأشارير: جمع إشرارة وهى القطعة من اللحم يجفف للادخار. وتتمره: تجففه. والبيت فى وصف عقاب «المصدر السابق» .

(7/452)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَرَادَ الثّعَالِبَ وَأَرَانِبِهَا، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْرُوفًا فَلَاعِي قَرْوٍ أَحَقّ أَنْ يُقْلَبَ آخِرُهُ يَاءً كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ قَافَيْنِ.
وَذَكَرَ قُدُومَ وَفْدِ كِنْدَةَ، وَفِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا نَقْفُو أُمّنَا، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا، وَفِي هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْأَشْعَثَ قَدْ أَصَابَ فِي بَعْضِ قَوْلِهِ: نَحْنُ وَأَنْتَ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، وَذَلِكَ أَنّ فِي جَدّاتِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هِيَ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ، مِنْهُنّ: دَعْدُ بِنْتُ سُرَيْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْكِنْدِيّ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ أُمّ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ، وَقِيلَ: بَلْ هِيَ جَدّةُ كِلَابٍ أُمّ أُمّهِ هِنْدٍ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ هِنْدًا هَذِهِ، وَأَنّهَا وَلَدَتْ كِلَابًا.
قُدُومُ وَفْدِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ ذَكَرَ فِيهِمْ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَدَانِ، وَاسْمُ عَبْدِ الْمَدَانِ عَمْرُو بْنُ الدّيّانِ، وَالدّيّانُ اسْمُهُ: يَزِيدُ بْنُ قَطَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ بن كعب ابن الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ الْحَارِثِيّ.
وَذَكَرَ فِيهِمْ أَيْضًا ذَا الْغُصّةِ، وَاسْمُهُ الْحُصَيْنُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ شَدّادٍ الْحَارِثِيّ، وَقِيلَ لَهُ: ذُو الْغُصّةِ، لِغُصّةٍ كَانَتْ فِي حَلْقِهِ لَا يَكَادُ يُبِينُ مِنْهَا، وذكره عمر ابن الْخَطّابِ يَوْمًا، فَقَالَ: لَا تُزَادُ امْرَأَةٌ فِي صَدَاقِهَا عَلَى كَذَا وَكَذَا، وَلَوْ كَانَتْ بِنْتَ ذِي الْغُصّةِ.
وَذَكَرَ فِيهِمْ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللهِ الضّبَابِيّ، وَهُوَ ضِبَابٌ بِكَسْرِ الضّادِ فِي بنى الحارث بن كعب بن مذحج، وَضِبَابٌ أَيْضًا فِي قُرَيْشٍ وَهُوَ ابْنُ حُجَيْرِ

(7/453)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ابن عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرٍ أَخُو حَجَرِ بْنِ عَبْدٍ، وَفِي حَجَرٍ وَحُجَيْرٍ يَقُولُ الشّاعِرُ:
أُنْبِئْت أَنّ غُوَاةً مِنْ بَنِي حَجَرٍ ... وَمِنْ حُجَيْرٍ بِلَا ذَنْبٍ أَرَاغُونِي
أَغْنُوا بَنِي حَجَرٍ عَنّا غُوَاتَكُمْ ... وَيَا حُجَيْرُ إلَيْكُمْ لا تبوروني
والضّباب فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَهُمْ ضِبَابٌ وَمُضِبّ وَحِسْلٌ وَحُسَيْلٌ بَنُو مُعَاوِيَةَ بْنِ كِلَابٍ، وَأَمّا الضّبَابُ بِالْفَتْحِ، فَفِي نَسَبِ النّابِغَةِ الذّبْيَانِيّ ضَبَابُ بْنُ يَرْبُوعِ بْنِ غَيْظٍ، وَأَمّا الضّبَابُ بِالضّمّ فَزَيْدٌ وَمَنْجَا «1» ابْنَا ضُبَابٍ مِنْ بَنِي بَكْرٍ، ذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ.
وُفُودُ رِفَاعَةَ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ وُفُودَ رِفَاعَةَ الضّبَيْبِيّ، وَأَنّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا، وَذَلِكَ الْغُلَامُ هُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي الْمُوَطّإِ «2» .
وَذَكَرَ وَفْدَ هَمْدَانَ، وَمَالِكَ بْنَ نَمَطٍ الْهَمْدَانِيّ الّذِي يُقَالُ لَهُ ذُو الْمِشْعَارِ، وَكُنْيَتُهُ: أَبُو ثَوْرٍ وَقَعَ فِي النّسْخَةِ، وَفِي أَكْثَرِ النّسَخِ: وَأَبُو ثَوْرٍ بِالْوَاوِ، كَأَنّهُ غَيْرُهُ، وَالصّوَابُ سُقُوطُ الْوَاوِ، لِأَنّهُ هُوَ هُوَ، وَقَدْ يخرج إثبات الواو على
__________
(1) فى القاموس: والمنجى للمفعول: سيف واسم.
(2) وقع ذكره أيضا فى الصحيحين من طريق سالم مولى ابن مطيع عن أبى هريرة فى فتح خيبر. وفيه أن مدعما أصابه سهم عائر فقتله.

(7/454)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إضْمَارِ هُوَ، كَأَنّهُ قَالَ: وَهُوَ أَبُو ثَوْرٍ ذُو الْمِشْعَارِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، فَقَالَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ: مَالِكٌ ذُو الْمِشْعَارِ، وَذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فَقَالَ: هُوَ ذُو الْمِشْعَارِ يُكَنّى: أَبَا ثَوْرٍ، وَفِي الْكِتَابِ الّذِي كَتَبَهُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللهِ إلَى مِخْلَافِ خَارِفٍ وَيَامٍ وَأَهْلِ جَنَابِ الْهَضْبِ وَحِقَافِ الرّمْلِ مَعَ وَافِدِهَا ذِي الْمِشْعَارِ مَالِكِ بْنِ نَمَطٍ، فَهَذَا كُلّهُ يَدُلّ عَلَى أَنّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: وَأَبُو ثَوْرٍ ذُو الْمِشْعَارِ لَا مَعْنَى لَهُ.
وَقَوْلُهُ: عَلَيْهِمْ مُقَطّعَاتُ الْحِبَرَاتِ: الْمُقَطّعَاتُ مِنْ الثّيَابِ فِي تَفْسِيرِ أَبِي عُبَيْدٍ، هِيَ الْقِصَارُ، وَاحْتَجّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ فِي صَلَاةِ الضّحَى إذَا انْقَطَعَتْ الظّلَالُ، أَيْ: قَصُرَتْ، وَبِقَوْلِهِمْ فِي الْأَرَاجِيزِ: مُقَطّعَاتٍ، وَخَطّأَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي هَذَا التّأْوِيلِ، وَقَالَ: إنّمَا الْمُقَطّعَاتُ الثّيَابُ الْمَخِيطَةُ كَالْقُمُصِ وَنَحْوِهَا، سُمّيَتْ بِذَلِكَ، لِأَنّهَا تُقَطّعُ وَتُفَصّلُ ثُمّ تُخَاطُ «1» ، وَاحْتَجّ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ عَنْ بَعْضِ وَلَدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَفِيهِ أَنّهُ خَرَجَ وَعَلَيْهِ مُقَطّعَاتٌ يَجُرّهَا، فَقَالَ لَهُ شَيْخٌ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ: لَقَدْ رَأَيْت أَبَاك، وَكَانَ مُشَمّرًا غَيْرَ جَرّارٍ لِثِيَابِهِ، فَقَالَ لَهُ الْفَتَى: لَقَدْ هَمَمْت بِتَقْصِيرِهَا، فَمَنَعَنِي قَوْلُ الشّاعِرِ فِي أَبِيك:
قَصِيرُ الثّيَابِ فَاحِشٌ عِنْدَ ضَيْفِهِ ... لِشَرّ قُرَيْشٍ «2» فى قريش مركّبا
__________
(1) فى شرح السيرة لأبى ذر: مقطعات: ثياب وشى يصنع باليمن. والميس خشب تصنع منه الرجال التى تكون على ظهر الإبل.
(2) فى السمط: عند بيته وشر قريش. والقصة أن هشام بن عبد الملك خرج وهو سوقة إلى بيت المقدس، فمر بدمشق، فلقيه محمد بن الضحاك بن قيس-

(7/455)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالظّاهِرُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِمْ مُقَطّعَاتُ الْحِبَرَاتِ مَا قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَلَا مَعْنَى لِوَصْفِهَا بِالْقِصَرِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ. وَالْمَهْرِيّةُ مَنْسُوبَةٌ إلَى مَهْرَةَ بن حيدان «1» ابن الخاف بْنِ قُضَاعَةَ «2» . وَالْأَرْحَبِيّةُ: مَنْسُوبَةٌ إلَى أَرْحَبَ بَطْنٍ مِنْ هَمْدَانَ.
وَيَامٌ هُوَ يَامُ بْنُ أُصْبَى، وَخَارِفُ بْنُ الْحَارِثِ بَطْنَانِ مِنْ هَمْدَانَ يُنْسَبُ إلَى يَامٍ: زُبَيْدُ [بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ] الْيَامِيّ الْمُحَدّثُ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ فِيهِ: الْأَيَامِيّ. وَالْفِرَاعُ: مَا عَلَا مِنْ الْأَرْضِ. وَالْوِهَاطُ: مَا انْخَفَضَ مِنْهَا، وَاحِدُهَا: وَهْطٌ. وَلَعْلَعٌ: اسْمُ جَبَلٍ. وَالصّلّعُ: الْأَرْضُ الْمَلْسَاءُ. وَالْخَفَيْدَدُ:
وَلَدُ النّعَامَةِ. وَالْهِجَفّ: الضّخْمُ.
وَذَكَرَ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكرب، وقيس بن مكشوح.
__________
- الفهرى، وهو واليها يومئذ، وعلى هشام ثياب يجرها، فقال له: أما رأيت أمير المؤمنين عبد الملك يعرض له بجر ثيابه؟ فقال هشام: بلى، قال: فكيف رأيته؟ قال مهجرا مشمرا، قال: فما بالك أنت؟ قال: فعلت هذا لقول الشاعر. ثم ذكر للبيت. أنظر ص 165 سمط اللآلى، وص 174 ح 6 الحيوان للجاحظ.
(1) فى الأصل: المهدية ومهدة بن حيران وهو خطأ وهو فى الاشتقاق: مهرة بن حيدان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وصوابه حيدان بن عمرو بن الحاف، وكذا فى جهرة الأنساب لابن الكلبى، وفى الجمهرة لابن حزم، أنظر ص 552 الاشتقاق. ص 52 قلائد الجمان للقلقشندى ولكنهم فى كتابه نهاية الأرب مهرة بين حيدان بن عمران بن الحافى بن قضاعة ص 247 وانظر ص 412 الجمهرة لابن حزم وص 296 ج 2 نهاية الأرب للنويرى.
(2) ابن الحارث بن عبد الكريم زيادة من لباب الأنساب، وأصبى كما ورد فى اللباب ابن رافع بن مالك بن حسم بن حاشد بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان.

(7/456)