السيرة الحلبية = إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون

ـ[السيرة الحلبية = إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون]ـ
المؤلف: علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي، أبو الفرج، نور الدين ابن برهان الدين (المتوفى: 1044هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الثانية - 1427هـ
عدد الأجزاء: 3
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

(/)


الجزء الأول
بسم الله الرّحمن الرّحيم

تقديم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على صاحب أزكى سيرة محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد.
فهذا كتاب «إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون» المعروف ب «السيرة الحلبية» لمؤلفه الشيخ علي الحلبي؛ ذكر فيه أن أحسن ما ألّف فيه هو كتاب «عيون الأثر» للحافظ أبي الفتح ابن سيّد الناس؛ غير أنه أطال بذكر الإسناد. ثم ذكر سيرة الشمس الشامي فقال: «وأما سيرة الشمس الشامي فهو وإن أتى فيها بما يعدّ في صفائح وجوه الصحائف حسنات، لكنه أتى فيها بما هو في أسماع ذوي الأفهام كالمعادات؛ ولا يخفى أن السير تجمع الصحيح والسقيم والضعيف والبلاغ والمرسل والمنقطع والمعضل دون الموضوع» «1» اهـ. فرأى أن يلخص هاتين السيرتين مع الضميمة إليهما بإشارة الشيخ أبي المواهب محمد البكري، ثم ذكر شيئا من أبيات القصيدة الهمزية للبوصيري وتائية السبكي من ديوانه المسمى ب «بشرى اللبيب بذكر الحبيب» «2» .
وقبل تقديم الكتاب إلى القرّاء لا بدّ من ترجمة موجزة للمؤلف، فنقول:
هو علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي، أبو الفرج نور الدين ابن برهان الدين:
مؤرخ أديب. أصله من حلب، وولد بمصر سنة 975 هـ (1567 م) وتوفي بها سنة 1044 هـ (1635 م) .
له- عدا «إنسان العيون» وهو الكتاب الذي بين أيدينا- تصانيف كثيرة، منها:
- زهر المزهر. اختصر به مزهر السيوطي.
- مطالع البدور؛ في قواعد العربية.
- غاية الإحسان فيمن لقيته من أبناء الزمان.
__________
(1) انظر مقدمة المؤلف في أول هذا الكتاب.
(2) انظر كشف الظنون (ص 180) .

(1/3)


- أعلام الطراز المنقوش في محاسن الحبوش.
- حاشية على شرح المنهج؛ في فقه الشافعية.
- فرائد العقود العلوية في حلّ ألفاظ شرح الأزهرية؛ في النحو.
- النصيحة العلوية؛ في الطريقة الأحمدية.
- عقد المرجان فيما يتعلق بالجان.
- ملح الشيخ الأكبر.
- النفحة العلوية.
وغير ذلك «1» .
__________
(1) انظر الأعلام للزركلي (4/ 251، 252) .

(1/4)


بسم الله الرّحمن الرّحيم

[المقدّمة]
حمدا لمن نضر وجوه أهل الحديث، وصلاة وسلاما على من نزل عليه أحسن الحديث، وعلى آله وأصحابه أهل التقدم في القديم والحديث، صلاة وسلاما دائمين ما سارت الأئمة في جمع سير المصطفى السير الحثيث.
وبعد: فيقول أفقر المحتاجين، وأحوج المفتقرين، لعفو ذي الفضل والطول المتين، علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي: إن سيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام من أهم ما اهتم به العلماء الأعلام، وحفاظ ملة الإسلام، كيف لا وهو الموصل لعلم الحلال والحرام، والحامل على التخلق بالأخلاق العظام، وقد قال الزهري رحمه الله: في علم المغازي «خير الدنيا والآخرة» وهو أول من ألف في السير.
قال بعضهم: أول سيرة ألفت في الإسلام سيرة الزهري، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه فيقول:
يا بنيّ هذه شرف آبائكم فلا تنسوا ذكرها، وأحسن ما ألف في ذلك وتداولته الأكياس، سيرة الحافظ أبي الفتح ابن سيد الناس، لما جمعت من تلك الدراري والدرر، ومن ثم سماها «عيون الأثر» غير أنه أطال بذكر الإسناد الذي كان للمحدثين به مزيد الاعتداد، وعليه لهم كثير الاعتماد، إذ هو من خصائص هذه الأمة، ومفتخر الأئمة، لكنه صار الآن لقصور الهمم لا تقبله الطباع، ولا تمتد إليه الأطماع. وأما سيرة الشمس الشامي، فهو وإن أتى فيها بما يعد في صفائح وجوه الصحائف حسنات، لكنه أتى فيها بما هو في أسماع ذوي الأفهام كالمعادات.
ولا يخفى أن السير تجمع الصحيح والسقيم، والضعيف والبلاغ، والمرسل والمنقطع والمعضل دون الموضوع، ومن ثم قال الزين العراقي رحمه الله:
وليعلم الطالب أن السيرا ... تجمع ما صح وما قد أنكرا
وقد قال الإمام أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة: إذا روينا في الحلال والحرام

(1/5)


شددنا وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا. وفي الأصل: والذي ذهب إليه كثير من أهل العلم الترخص في الرقائق، وما لا حكم فيه من أخبار المغازي وما يجري مجرى ذلك، وأنه يقبل منها ما لا يقبل في الحلال والحرام، لعدم تعلق الأحكام بها، فلما رأيت السيرتين المذكورتين على الوجه الذي لا يكاد ينظر إليه لما اشتملتا عليه، عنّ لي أن ألخص من تينك السيرتين أنموذجا لطيفا يروق للأحداق، ويحلو للأذواق، يقرأ مع ما أضمه إليه بين يدي المشايخ على غاية الانسجام، ونهاية الانتظام، ولا زلت في ذلك أقدم رجلا وأؤخر أخرى، لكوني لست من أهل هذا الشأن، ولا ممن يسابق في ميدانه على خيل الرهان، حتى أشار عليّ بذلك، وبسلوك تلك المسالك، من إشارته واجبة الاتباع، ومخالفة أمره لا تستطاع. ذو البديهة المطاوعة، والفضائل البارعة، والفواضل الكثيرة النافعة، من إذا سئل عن أي معضلة أشكلت على ذوي المعرفة والوقوف، لا تراه يتوقف، ولا يخرج عن صوب الصواب ولا يتعسف، ولا أخبر في كثير من الأوقات عن شيء من المغيبات وكاد أن يتخلف، وهو الأستاذ الأعظم والملاذ الأكرم، مولانا الشيخ أبو عبد الله وأبو المواهب محمد فخر الإسلام البكري الصديقي كيف لا وهو محل نظر والده، من نشر ذكره ملأ المشارق والمغارب، وسرى سره في سائر المساري والمسارب، ولي الله، والقائم بخدمته في الأسرار والإعلان، والعارف به الذي لم يتمار في أنه القطب الفرد الجامع اثنان مولانا: الأستاذ أبو عبد الله، وأبو بكر محمد البكري الصديقي.
ولا بدع فإنه نتيجة صدر العلماء العاملين، وأستاذ جميع الأستاذين، والمعدود من المجتهدين، صاحب التصانيف المفيدة في العلوم العديدة، مولانا الأستاذ «محمد أبو الحسن» تاج العارفين البكري الصديقي، أعاد الله تعالى عليّ وعلى أحبابي من بركاتهم، وجعلنا في الآخرة من جملة أتباعهم، فلما أشار عليّ ذلك الأستاذ بتلك الإشارة ورأيتها منه أعظم بشارة، شرعت معتمدا في ذلك على من يبلغ كل مؤمل أمله، ولم يخيب من قصده وأمله وقد يسر الله تعالى ذلك على أسلوب لطيف، ومسلك شريف، لا تمله الأسماع، ولا تنفر منه الطباع، والزيادة التي أخذتها من سيرة الشمس الشامي على سيرة أبي الفتح ابن سيد الناس، الموسومة ب «عيون الأثر» إن كثرت ميزتها بقولي في أولها قال، وفي آخرها انتهى: وإن قلت أتيت بلفظة أي وجعلت في آخر القولة دائرة هكذا بالحمرة وربما أقول وفي السيرة الشامية، وربما عبرت عن الزيادة القليلة بقال، وعن الكثيرة بأي، وما ليس بعده تلك الدائرة فهو من الأصل، أعني «عيون الأثر» غالبا، وقد يكون من زيادتي على الأصل والشامي كما يعلم بالوقوف عليهما، وربما ميزت تلك الزيادة بقولي في أولها أقول، وفي آخرها والله أعلم، وقد يكون من الزيادة ما أقول. وفي السيرة الهشامية بتقديم الهاء على

(1/6)


الشين: وحيث أقول قال في الأصل أو ذكر في الأصل أو نحو ذلك فالمراد به عيون الأثر، ثم عنّ لي أن أذكر من أبيات «القصيدة الهمزية» المنسوبة لعالم الشعراء وأشعر العلماء وهو الشيخ شرف الدين البوصيري ناظم القصيدة المعروفة «بالبردة» ما تضمنته تلك الأبيات، وأشارت إليه من ذلك السياق، فإنه أحلى في الأذواق، وربما أحل ذلك النظم بما يوضح معناه، ويظهر تركيب مبناه، وربما أذكر أيضا من أبيات «تائية الإمام السبكي» ما يناسب المقام، وربما أذكر أيضا بعض أبيات من كلام صاحب الأصل من قصائده النبوية المجموعة بديوانه المسمى، ب «بشرى اللبيب بذكرى الحبيب» . وقد سميت مجموع ذلك: «إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون» .
وأسأل من لا مسؤول إلا إياه، أن يجعل ذلك وسيلة لرضاه آمين.

(1/7)