الشفا
بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد الْفَصْلُ الثَّانِي صِفَاتُهُ
الْخِلْقِيَّةُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنْ قُلْتَ- أَكْرَمَكَ اللَّهُ-: لَا خَفَاءَ عَلَى الْقَطْعِ
بِالْجُمْلَةِ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَى
النَّاسِ قَدْرًا، وَأَعْظَمُهُمْ مَحِلًّا، وَأَكْمَلُهُمْ محاسن وفضلا،
وقد ذهبت فِي تَفَاصِيلِ خِصَالِ الْكَمَالِ مَذْهَبًا جَمِيلًا،
شَوَّقَنِي إِلَى أَنْ أَقِفَ عَلَيْهَا مِنْ أَوْصَافِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفْصِيلًا.
فَاعْلَمْ- نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبِي وَقَلَبَكَ، وَضَاعَفَ فِي هَذَا
النَّبِيِّ الْكَرِيمِ حُبِّي وَحُبَّكَ-، أَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى
خِصَالِ الكمال، التي هي غير مكتسبة-، وفي جبلّة الخلقه، وجدته صلّى الله
عليه وسلم حَائِزًا لِجَمِيعِهَا، مُحِيطًا بِشَتَاتِ مَحَاسِنِهَا، دُونَ
خِلَافٍ بَيْنِ نَقَلَةِ الْأَخْبَارِ «1» لِذَلِكَ؛ بَلْ قَدْ بَلَغَ
بعضها مبلغ القطع.
__________
(1) الأحاديث والآثار.
(1/145)
أَمَّا الصُّورَةُ وَجَمَالُهَا،
وَتَنَاسُبُ أَعْضَائِهِ فِي حُسْنِهَا، فَقَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ
الصَّحِيحَةُ، وَالْمَشْهُورَةُ الْكَثِيرَةُ، بِذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ
عَلِيٍّ «1» ، وَأَنَسِ «2» بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ «3» ،
وَالْبَرَاءِ «4» بْنِ عَازِبٍ، وَعَائِشَةَ «5» أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ،
وَابْنِ أَبِي «6» هَالَةَ، وَأَبِي «7» جُحَيْفَةَ، وَجَابِرِ «8» بْنِ
سَمُرَةَ، وَأُمِّ مَعْبَدٍ «9» ، وَابْنِ عَبَّاسٍ «10» ، وَمُعَرِّضِ
بْنِ
__________
(1) علي بن أبي طالب: تقدمت ترجمته في ص «54» رقم «1» .
(2) أنس بن مالك: تقدمت ترجمته في ص «47» رقم «1» .
(3) أبو هريرة: تقدمت ترجمته في ص «31» رقم «5» .
(4) البراء بن عازب. الأنصاري الأوسي، له ولأبيه صحبة، شهد أحدا، وغزا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس عشرة غزوة، وسافر
معه ثمانية عشر سفرا، توفي في الكوفة سنة 72.
(5) عائشة أم المؤمنين: الصديقة بنت الصديق، تزوجها رسول الله صلّى الله
عليه وسلم، وهي بنت تسع، ولم يتزوج بكرا غيرها، روت عن النبي صلّى الله
عليه وسلم عشرة ومائتين وألفين من الأحاديث، توفيت في المدينة ودفنت
بالبقيع سنة 58 هـ.
(6) ابن أبي هالة: هو هند بن أبي هالة. وهو ابن خديجة أم المؤمنين من زوجها
الأول أبي هالة، وهو ربيب النبي صلّى الله عليه وسلم، وكان لصغره يتشبع من
النظر اليه، ولذا أكثر من وصفه، فاشتهر بهند الوصاف، وسبق بذلك كبار
الصحابة، لأنهم كانوا يهابون إطالة النظر اليه صلّى الله عليه وسلم، قتل
يوم الجمل مع علي رضي الله عنه.
(7) أبو جحيفة: مصغرا واسمه وهب بن عبد الله، توفي رسول الله صلّى الله
عليه وسلم، وهو مراهق، روى له أحمد وغيره توفي سنة 72 هـ..
(8) جابر بن سمرة: بفتح السين وضم الميم، ابن جنادة بن جندب، أبو عبد الله،
ابن اخت سعد بن أبي وقاص، توفي بالكوفة سنة 72 هـ.
(9) أم معبد: عاتكة بنت خالد بن منقذ، نزل عليها النبي صلّى الله عليه وسلم
في هجرته، وهي خزاعية كعبية صحابية ولم ينقل لها تاريخ.
(10) ابن عباس: تقدمت ترجمته في ص «52» رقم «6» .
(1/146)
مُعَيْقِيبٍ «1» ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ «2»
، وَالْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ «3» ، وَخُرَيْمِ بْنِ فَاتَكٍ «4» وَحَكِيمِ
بْنِ حِزَامٍ «5» ، وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ:
أَزْهَرَ «6» اللَّوْنِ، أَدْعَجَ «7» ، أَنْجَلَ «8» ، أَشْكَلَ «9» ،
أهدب الأشفار «10» ، أبلج 1»
، أزجّ «12» ،
__________
(1) معوض بن معيقيب، بضم الميم وفتح العين وكسر الراء المشددة اليمامي، أي
المنسوب إلى اليمامة، روي عنه حديث الطفل الذي نطق بتصديق النبي صلّى الله
عليه وسلم معجزة له، توفي في زمن علي رضي الله عنه.
(2) أبو الطفيل: هو عامر بن وائلة الكناني، صحابي له رؤية ورواية، وكان
شاعرا مغلقا، ولد في أوائل الهجرة ومات سنة 110 هو هو آخر من مات من
الصحابة.
(3) العداء بن خالد: ابن هودة، أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وكان حسن
السبلة، أي اللحية. وهو الذي اشترى من النبي صلّى الله عليه وسلم غلاما أو
أمة كما روى الترمذي وتأخر الى ما بعد المائة.
(4) خريم بن فاتك: وخريم بالتصغير، شهد بدرا. ومات بالرقة زمن معاوية وروى
عنه ابن عساكر.
(5) حكيم بن حزام: ابن أخي خديجة أم المؤمنين، عاش مائة وعشرين سنة. نصفها
في الاسلام، وهو الوحيد الذي ولد داخل الكعبة مات سنة 60 هـ بالمدينة.
(6) أزهر اللون- حسنه أو أبيض.
(7) أدعج- شديد سواد الحدقة.
(8) أنجل- واسع شق العين مع حسنها.
(9) أشكل- في بياض عينه قليل حمرة.
(10) أهدب الأشفار- كثير شعر حروف أجفان عينيه.
(11) أبلج- مشرق الوجه.
(12) أزج- دقيق شعر الحاجبين طويلهما إلى مؤخر العين مع تقوس.
(1/147)
أَقْنَى «1» ، أَفْلَجَ «2» ، مُدَوَّرَ
الْوَجْهِ «3» ، وَاسِعَ الْجَبِينِ «4» ، كَثَّ اللِّحْيَةِ تَمْلَأُ
صَدْرَهُ، سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، وَاسِعَ الصَّدْرِ «5» ، عَظِيمَ
الْمَنْكِبَيْنِ «6» ، ضَخْمَ الْعِظَامِ، عَبْلَ «7» الْعَضُدَيْنِ
وَالذِّرَاعَيْنِ وَالْأَسَافِلِ، رَحْبَ «8» الْكَفَّيْنِ
وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلَ «9» الْأَطْرَافِ، أَنْوَرَ الْمُتَجَرَّدِ «10»
، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ «11» ، رَبْعَةَ «12» الْقَدِّ، لَيْسَ بالطويل
البائن «13» ، ولا القصير المتردد، ومع ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ يُمَاشِيهِ
أَحَدٌ، يُنْسَبُ إِلَى الطول إلّا طاله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، رَجْلَ «14» الشَّعْرِ، إِذَا افترّ
__________
(1) أقنى- مرتفع قصبة الأنف مع احديد اب يسير فيها، والمشهور أنه صلّى الله
عليه وسلم كان أشم، والأشم ارتفاع قصبة الأنف مع استواء أعلاه وقد يجمع
بينهما بأن ارتفاعها كان يسيرا جدا، من رآه متأملا عرفه أشم، ومن لم يتأمله
ظنه أقنى.
(2) أفلج- متباعد ما بين الثنايا، وقلته محمودة.
(3) ولكن إلى الطول أقرب.
(4) الجبين- هو ما اكتنف الجبهة من يمين وشمال.
(5) حسا ومعنى.
(6) المنكب- مجموع عظم العضد والكتف،
(7) العبل- الضخم.
(8) الرحب: الواسع، وهنا حسا ومعنى.
(9) سائل: تام.
(10) ما تجرد من بدنه أشرق من غيره.
(11) المسربة: خيط الشعر الذي بين الصدر والسرة.
(12) الربعة: المربوع.
(13) البائن: المفرط.
(14) رجل: ما بين الجعودة والسبوطة.
(1/148)
ضَاحِكًا افْتَرَّ «1» عَنْ مِثْلِ سَنَا
الْبَرْقِ، وَعَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ، إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ
كَالنُّورِ يَخْرُجُ مِنْ ثَنَايَاهُ، أَحَسَنَ النَّاسِ عُنُقًا، لَيْسَ
بِمُطَهَّمٍ «2» وَلَا مُكَلْثَمٍ «3» ، مُتَمَاسِكَ الْبَدَنِ «4» ،
ضَرْبَ اللَّحْمِ «5» .
قَالَ الْبَرَاءُ «6» : مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ «7» ، في حلة حمراء،
أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «8» .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «9» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا
أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كَأَنَّ
الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ، وَإِذَا ضَحِكَ يَتَلَأْلَأُ فِي
الْجُدُرِ «10» ...
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ «11» : وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: كَانَ وَجْهُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ
__________
(1) : أبدى اسنانه.
(2) المطهم: المدور الوجه، وقيل: هو السمين الفاحش، وقيل المنتفخ الوجه،
وقيل النحيف الجسم.
(3) المكلثم: المجتمع لحم وجهه.
(4) متماسك البدن: ليس برهل مسترخ لحمه.
(5) ضرب اللحم: خفيفة ولطيفة لا يابسة وكثيفة.
(6) تقدمت ترجمته في ص «146» رقم «4» .
(7) اللمة: بكسر اللام وتشديد الميم وهي ما طال من شعر الرأس في أحد جانبيه
وقيل: ما جاوز من شعره شحمة الاذن وسميت بها لا لمامها بالمتكبين.
(8) كما رواه الشيخان وغيرهما.
(9) تقدمت ترجمته في ص «31» رقم «5» .
(10) رواه أحمد والترمذي وابن حبان. ومعنى يتلألأ في الجدر: أي أن نور وجهه
الشريف يشرق إشراقا يصل الى الجدران المقابلة كما يكون ذلك من الشمس.
(11) تقدمت ترجمته في ص «146» رقم «8» .
(1/149)
السَّيْفِ. فَقَالَ: لَا بَلْ مِثْلَ
الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَكَانَ مُسْتَدِيرًا «1» .
وَقَالَتْ «2» أُمُّ مَعْبَدٍ «3» فِي بَعْضِ مَا وَصَفَتْهُ بِهِ:
أَجْمَلُ النَّاسِ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ.
وَفِي حَدِيثِ «4» ابْنِ أَبِي هَالَةَ «5» :
يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ، ليلة البدر.
وقال»
علي «7» فِي آخِرِ وَصْفِهِ لَهُ:
مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً «8» هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ.
يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
- وَالْأَحَادِيثُ فِي بَسْطِ صِفَتِهِ مشهورة كثيرة فلا نطول بسردها.
__________
(1) كما رواه الشيخان وغيرهما.
(2) أي من رواية البيهقي في دلائله عن أخيها جيشن ابن خالد عنها.
(3) تقدمت ترجمتها في ص «146» رقم «9» .
(4) سيأتي الحديث.
(5) تقدمت ترجمته في ص «146» رقم «6» .
(6) على ما في جامع الترمذي وشمائله.
(7) تقدمت ترجمته في ص «4» رقم «4» .
(8) بديهة: مفاجأة من غير روية أي أول وهلة.
(1/150)
- وَقَدِ اخْتَصَرْنَا فِي وَصْفِهِ نُكَتَ
«1» مَا جَاءَ فِيهَا، وَجُمْلَةً مِمَّا فِيهِ، كِفَايَةٌ فِي الْقَصْدِ
إِلَى الْمَطْلُوبِ.
- وَخَتَمْنَا هَذِهِ الْفُصُولَ بِحَدِيثٍ جَامِعٍ لذلك تقف عليه هناك- إن
شاء الله تعالى-.
***
__________
(1) النكت. اللطائف والدقائق.
(1/151)
|