الشفا بتعريف حقوق المصطفى محذوف الأسانيد

الفصل الخامس فصاحة لسانه وبلاغته صلّى الله عليه وسلّم
وَأَمَّا فَصَاحَةُ اللِّسَانِ، وَبَلَاغَةُ الْقَوْلِ، فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَحَلِّ الْأَفْضَلِ، وَالْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يُجْهَلُ، سَلَاسَةَ طَبْعٍ، وَبَرَاعَةَ مَنْزَعٍ، وَإِيجَازَ مَقْطَعٍ، وَنَصَاعَةَ لَفْظٍ، وَجَزَالَةَ قَوْلٍ، وَصِحَّةَ مَعَانٍ، وَقِلَّةَ تَكَلُّفٍ.
- أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَخُصَّ بِبَدَائِعِ الْحِكَمِ، وَعِلْمِ أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ، فكان يُخَاطِبُ كُلَّ أُمَّةٍ مِنْهَا بِلِسَانِهَا، وَيُحَاوِرُهَا بِلُغَتِهَا، وَيُبَارِيهَا فِي مَنْزَعِ بَلَاغَتِهَا، حَتَّى كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَسْأَلُونَهُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ عَنْ شرح كلامه، وتفسير قوله.
- من تَأَمَّلَ حَدِيثَهُ، وَسِيَرَهُ، عَلِمَ ذَلِكَ وَتَحَقَّقَهُ.
- وَلَيْسَ كَلَامُهُ مَعَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ، وَأَهْلِ الْحِجَازِ، وَنَجْدٍ،

(1/167)


كَكَلَامِهِ مَعَ «ذِي الْمِشْعَارِ «1» الْهَمَدَانِيِّ» «وَطِهْفَةَ «2» النَّهْدِيِّ» و «قطن بن «3» حارثة العليمي» و «الأشعث «4» بن قيس» و «وائل بْنِ حُجْرٍ «5» الْكِنْدِيِّ» وَغَيْرِهِمْ، مِنْ أَقْيَالِ «6» حَضْرَمَوْتَ، وَمُلُوكِ الْيَمَنِ.
- وَانْظُرْ كِتَابَهُ إِلَى هَمَدَانَ: (إِنَّ لكم فراعها «7» ، ووهاطها «8»
__________
(1) هو أبو ثور مالك بن نمط الهمداني، نسبة إلى همدان قبيلة من اليمن، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك، مع كثير من قومه مسلمين فقال: هذا وفد همدان ما أسرعها الى النصر وأصبرها على الجهد.. هاجر ذو المشعار في زمن عمر رضي الله عنه إلى الشام ومعه أربعة آلاف عبد فأعتقهم كلهم وانتسبوا إلى همدان.
(2) طهفة النهدي نسبة إلى نهد قبيلة باليمن، وهو خطيبها ووافدها للنبي صلّى الله عليه وسلم سنة تسع..
(3) العليمي بالتصغير: صحابي قدم على النبي صلّى الله عليه وسلم فسأله الدعاء له ولقومه في غيث السماء في حديث فصيح كثير الغريب.
(4) الأشعث بن قيس: قدم على النبي صلّى الله عليه وسلم مع قومه وارتد بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فجيء به الى أبي بكر فقال: استبقني لحربك وزوجني أختك ففعل. ورجع إلى إلاسلام، ثم خرج مع سعد إلى العراق، وشهدمعه مشاهد كثيرة، وسكن الكوفة الى أن توفي بها سنة 40 هـ.
(5) وائل بن حجر الكندي: بشر النبي صلّى الله عليه وسلم به قبل قدومه عليه ثم قدم فأسلم فرحب به، وأدناه من نفسه، وبسط له رداءه وأجلسه عليه، ودعاله بالبركة، وولاه على أقيال حضرموت، وكان من ملوك حمير، توفي سنة 49 هـ.
(6) الأقيال: الأمراء..
(7) فراعها: ما ارتفع من الأرض.
(8) وهاطها: الارض المطمئنة.

(1/168)


وَعَزَازَهَا «1» تَأْكُلُونَ عِلَافَهَا «2» ، وَتَرْعَوْنَ عَفَاءَهَا «3» ، لَنَا مِنْ دِفْئِهِمْ «4» ، وَصِرَامِهِمْ «5» مَا سَلَّمُوا «6» بِالْمِيثَاقِ «7» وَالْأَمَانَةِ، وَلَهُمْ من الصدقة الثلب «8» والناب «9» ، والفصيل «10» ، والفارض «11» الداجن «12» ، وَالْكَبْشُ الْحَوَارِيُّ «13» ، وَعَلَيْهِمْ فِيهَا الصَّالِغُ «14» وَالْقَارِحُ «15» ...
وَقَوْلُهُ لنهد «16» : «اللهم بارك لهم في محضها» «17» ،
__________
(1) غزازها: ما خشن وصلب منها.
(2) علافها: ما تأكله الماشية.
(3) عفاءها: ما ليس لأحد فيه ملك.
(4) الدفء: نتاج الإبل وألبانها. والأظهر أنه كناية عن الأنعام
(5) صرامهم: تخيلهم أو ثمرهم.
(6) سلموا: استسلموا.
(7) الميثاق: الإسلام، أو العهد.
(8) الثلب: بكسر المثلثة: الهرم من الإبل الذي سقطت أسنانه وتناثر هلب ذنبه.
(9) الناب: أنثى الإبل التي طال نابها.
(10) الفصيل: ولد الإبل الذي فصل عن امه وفطم.
(11) الفارض: المسن من الابل أو البقر.
(12) الداجن: ما يألف البيوت ولا يذهب إلى المرعى.
(13) الكبش الحواري: الذي يتخذ من جلده نطع، وروي الذي جلده أحمر وقيل: أبيض.
(14) الصالغ: ما دخل في السنة السادسة من البقر والغنم.
(15) القارح: ما دخل من الخيل في السنة الخامسة.
(16) نهد: قبيلة باليمن أرسلت وفدها الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم برئاسة طهفة النهدي الذي سبق ذكره.
(17) محضها: لبنها الذي لم يخالطه ماء.

(1/169)


وَمَخْضِهَا «1» ، وَمَذْقِهَا «2» ، وَابْعَثْ رَاعِيَهَا فِي الدَّثْرِ «3» ، وَافْجُرْ لَهُ الثَّمَدَ «4» وَبَارِكْ لَهُمْ فِي الْمَالِ وَالْوَلَدِ.
مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ كَانَ مُسْلِمًا، وَمَنْ آتَى الزَّكَاةَ كَانَ مُحْسِنًا، وَمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَانَ مُخْلِصًا،
لَكُمْ يَا بني نهد ودائع»
الشريك، وَوَضَائِعُ «6» الْمُلْكِ، لَا تُلْطِطْ «7» فِي الزَّكَاةِ، وَلَا تُلْحِدْ «8» فِي الْحَيَاةِ، وَلَا تَتَثَاقَلْ عَنِ الصَّلَاةِ.
وَكَتَبَ لَهُمْ: فِي الْوَظِيفَةِ الْفَرِيضَةِ «9» ، وَلَكُمُ الْفَارِضُ وَالْفَرِيشُ «10» ، وَذُو الْعِنَانِ «11» الرَّكُوبُ، وَالْفَلُوُّ «12» الضَّبِيسُ «13» ، لَا يمنع
__________
(1) مخضها: ما مخض من لبنها وأخذ زبده.
(2) مذقها: ما خلط من لبنها بالماء.
(3) الدثر: المال الكثير.
(4) الثمد: الماء القليل.
(5) ودائع: جمع وديع أي العهد والميثاق.
(6) وضائع: الوظائف.
(7) تلطط: تمنع.
(8) تلحد: تميل.
(9) الفريضة: هي الفارض المسنة. أي عليكم في الوظيفة- وهي كل نصاب-
(10) الفريش: الحديثة العهد بالنتاج..
(11) ذو العنان: أي الفرس.
(12) الفلو: ولد الفرس.
(13) الضبيس: الصعب والعسر الأخلاق.

(1/170)


سَرْحُكُمْ «1» ، وَلَا يُعْضَدُ «2» طَلْحُكُمْ «3» ، وَلَا يُحْبَسُ دَرُّكُمْ «4» ، مَا لَمْ تُضْمِرُوا الرِّمَاقَ «5» ، وَتَأْكُلُوا الرِّبَاقَ «6» .
مَنْ أَقَرَّ فَلَهُ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ، وَالذِّمَّةِ، وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الرَّبْوَةُ «7» .
وَمِنْ كِتَابِهِ لِوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ «8» : «إلى الأقيال العباهلة «9» ، والأرواع «10» الْمَشَابِيبِ «11» .
وَفِيهِ: فِي التِّيعَةِ «12» شَاةٌ، لَا مُقَوَّرَةُ «13» الألياط «14» ،
__________
(1) سرحكم: ماشيتكم التي تسرح..
(2) نعضد: يقطع.
(3) الطلح: شجر كبير من أشجار الشوك حسن اللون والريح..
(4) دركم: الماشية التي تذهب للرعي وتدر لبنا أي لا تمنع من الرعي.
(5) الرماق: النفاق.
(6) الرباق: في الأصل عروة الحبل، يربط بها ما خيف ضياعه، وهنا استعارها لنقض العهد.
(7) الربوة: الزياده في الفريضة عقوبة له. وهذا الحديث رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة، والديلمي في مسند الفردوس.
(8) مرت ترجمته في ص «168» رقم «5» .
(9) العباهلة: ملوك اليمن الذين أقروا على ملكهم فلم يزالوا عنه.
(10) الأرواع: حسان الوجوه.
(11) المشابيب: جمع مشبوب أي الرؤوس السادة.
(12) انتيعة: الأربعين من الغنم.
(13) مقورة: الإقوار الاسترخاء في الجلد.
(14) الألياط: الجلود من لاط أي لضق والأصل هو قشر الشجرة.

(1/171)


ولا ضناك «1» ، وأنطوا «2» الثبجة «3» .
وَفِي السُّيُوبُ «4» الْخُمُسُ. وَمَنْ زَنَى مِمْ «5» بِكْرٍ فَاصْقَعُوهُ «6» مِائَةً، وَاسْتَوْفِضُوهُ «7» عَامًا، وَمَنْ زَنَى مِمْ ثيب فضرّجوه «8» بِالْأَضَامِيمِ «9» وَلَا تَوْصِيمَ 1»
فِي الدِّينِ، وَلَا عَمَةَ «11» فِي فَرَائِضِ اللَّهِ. وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَوَائِلُ بْنُ «12» حُجْرٍ يَتَرَفَّلُ «13» عَلَى الْأَقْيَالِ ...
أَيْنَ هَذَا مِنْ كِتَابِهِ لِأَنَسٍ «14» فِي الصَّدَقَةِ الْمَشْهُورِ، لَمَّا كَانَ كَلَامُ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا الْحَدِّ، وَبَلَاغَتُهُمْ عَلَى هَذَا النَّمَطِ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِمْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ، استعملها معهم، ليبين للناس ما نزّل
__________
(1) ضناك: ممتلئة اللحم مكثرة الشحم.
(2) أنطوا: لغة يمانية وهي: أعطوا.
(3) الثبجة: الشاة الوسطى.
(4) السيوب: جمع سيب وهو الركاز.
(5) مم: من بإبدال النون ميما.
(6) اصقعوه: اضربوه.
(7) استوفضوه: انفوه.
(8) ضرجوه: لطخوه بدمائه أي بواسطة الرجم.
(9) الأضاميم: جمع إضمامة أي الحجارة.
(10) توصيم: محاباة.
(11) عمه: لا تردد ولا حيرة. وفي رواية (غمة) أي ستر وغطاء
(12) تقدمت ترجمته في ص «168» رقم «5» .
(13) يترفل: يترأس. وكتابه هذا أخرجه الطبراني في الصغير والخطابي في الغريب.
(14) مرت ترجمته في ص «47» رقم «1» .

(1/172)


إليهم، وليحدث الناس بما يعلمون ...
وَكَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ «1» عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ «2» : «فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْطِيَةُ، وَالْيَدَ السُّفْلَى هِيَ الْمُنْطَاةُ» .
قَالَ: فَكَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُغَتِنَا.
وَقَوْلُهُ «3» فِي حَدِيثِ الْعَامِرِيِّ «4» : حِينَ سَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
«سل عَنْكَ» أَيْ سَلْ عَمَّا شِئْتَ. وَهِيَ لُغَةُ بَنِي عَامِرٍ ...
- وَأَمَّا كَلَامُهُ الْمُعْتَادُ، وَفَصَاحَتُهُ الْمَعْلُومَةُ، وَجَوَامِعُ كَلِمِهِ، وَحِكَمُهُ الْمَأْثُورَةُ، فَقَدْ أَلَّفَ النَّاسُ فِيهَا الدَّوَاوِينَ، وَجُمِعَتْ فِي أَلْفَاظِهَا، وَمَعَانِيهَا الْكُتُبُ.
وَمِنْهَا مَا لَا يُوَازَى فَصَاحَةً، وَلَا يُبَارَى بلاغة.
كقوله «5» : «المسلمون تتكافؤ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى من سواهم» .
__________
(1) رواه الحاكم وصححه البيهقي.
(2) عطية السعدي، منسوب إلى قبيلة بني سعد، وهو الذي قال: قدمنا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: ما أغناك الله فلا تسأل الناس شيئا فإن اليد المعطية. الخ..
(3) على ما ذكره أبو نعيم في دلائله.
(4) نسبة لقبيلة بني عامر، وفدوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعامري ههنا اسمه عطية، وقيل لقيط بن عامر بن المنتفق، توفي في حدود الثمانين.
(5) على ما رواه أبو داوود والنسائي.

(1/173)


وقوله «1» : «الناس كأسنان المشط» ،
- «المرء مع من أحبّ» «2» ،
- «لا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَكَ ما ترى له» «3» ،
- «والناس معادن» «4» ،
- «ما هلك امرؤ عرف قدره» «5» ،
- «المستشار مؤتمن وهو بالخيار ما لم يتكلم» «6» ،
- «رحم اللَّهُ عَبْدًا قَالَ خَيْرًا فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فسلم» «7» ،
وقوله: «أسلم تسلم.. أسلم يؤتك الله أجرك مرتين..» «8»
__________
(1) فيما رواه ابن لال في مكارم الأخلاق.
(2) رواه الشيخان.
(3) فيما رواه ابن عدي في كامله بسند ضعيف.. وأوله: «المرء على دين خليله ولا خير ... » .
(4) فيما رواه الشيخان وبقيته «.. كمعادن الذهب والفضه، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا..» .
(5) رواه السمعاني في تاريخه بسند فيه مجهول.
(6) الحديث رواه الأربعة والحاكم والترمذي أيضا في الشمائل في قضية أبي الهيثم، وفي بعض الروايات زيد فيه «وهو بالخيار إن شاء تكلم وإن شاء سكت، فإن تكلم فليجتهد رأيه» وأخرج الزياده أحمد.
(7) رواه أبو الشيخ في الثواب.. والديلمي.
(8) قوله: «أسلم تسلم» متفق عليه بين الشيخين، وبقية الحديث عند مسلم. وللبخاري في الجهاد.. «.. أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين» .

(1/174)


- «إنّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجَالِسَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ.» «1»
وَقَوْلُهُ: «لَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ وَيَبْخَلُ بِمَا لَا يُغْنِيهِ» «2»
وَقَوْلُهُ: «ذُو الْوَجْهَيْنِ لَا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا» «3»
وَنَهْيُهُ «4» عَنْ «قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَمَنْعٍ وَهَاتٍ، وَعُقُوقِ الْأُمَّهَاتِ ووأد البنات.»
وقوله: «إتق الله حيث كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بخلق حسن.» «5»
- «خير الأمور أوساطها.» «6»
وَقَوْلُهُ «7» : «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا، عَسَى أَنْ يكون بغيضك يوما ما» .
__________
(1) رواه الترمذي
(2) رواه البيهقي في شعبه، وأخرج نحوا من هذا الترمذي.
(3) رواه الشيخان، وأخرج أبو داوود: «ذو الوجهين في الدنيا ذو لسانين في النار» .
(4) فيما رواه الشيخان.
(5) رواه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي عن أبي ذر رضي الله عنه.
(6) رواه ابن السمعاني في تاريخه.
(7) فيما رواه الترمذي والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، والبخاري في الأدب المفرد.

(1/175)


وَقَوْلِهِ «1» : «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَقَوْلُهُ «2» فِي بَعْضِ دُعَائِهِ «3» : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عندك، تهدي بها قلبي، تجمع بِهَا أَمْرِي، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِي «4» ، وَتُصْلِحُ بِهَا غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكي بها عملي، وَتُلْهِمُنِي بِهَا رُشْدِي، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي، وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ؛
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْفَوْزَ عِنْدَ الْقَضَاءِ، وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ، وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَالنَّصْرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ ... »
إِلَى مَا رَوَتْهُ الْكَافَّةُ «5» عَنِ الْكَافَّةِ، مِنْ مَقَامَاتِهِ، وَمُحَاضَرَاتِهِ، وَخُطَبِهِ، وَأَدْعِيَتِهِ، وَمُخَاطَبَاتِهِ وَعُهُودِهِ، مِمَّا لَا خِلَافَ أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ ذَلِكَ مَرْتَبَةً «6» لَا يُقَاسُ بِهَا غَيْرُهُ، وحاز فيها سبقا لا يقدر قدره؛
__________
(1) رواه الشيخان.
(2) فيما رواه الترمذي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) لما فرغ من صلاة الجمعة.
(4) أي تلم برحمتك وتجمع ما تشعث وتفرق من أمري. قال الجوهري: الشعث: انتشار الأمر يقال: لم الله شعثك أي جمع أمرك.
(5) أي فيما رواه كثير من الناس لا يحصون، فكافة بمعنى جميعا، وأريد بهما الكثره إذ لم يروه جميع الناس، ولا جميع المحدثين، لكنه لما شاع وذاع، فكأنه كذلك.
(6) وفي نسخة (مرقبة) وهي بمعنى واحد.

(1/176)


- وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْ كَلِمَاتِهِ، الَّتِي لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهَا، وَلَا قَدَرَ أَحَدٌ أَنْ يُفْرِغَ فِي قالبه عليها.
كقوله «1» : «حمي الوطيس» ،
«مات حتف أنفه» »
،
«لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» «3» ،
«السعيد من وعظ بغيره» «4» ،
وفي أخواتها ما يُدْرِكُ النَّاظِرُ الْعَجَبَ فِي مُضَمَّنِهَا، وَيَذْهَبُ بِهِ الفكر في أواني حِكَمِهَا.
وَقَدْ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ «5» : مَا رَأَيْنَا الذي هو أفصح منك..
__________
(1) أي: يوم حنين على ما رواه مسلم والبيهقي: وقد فسر الوطيس بضراب الحرب، وأراد المعنى المجازي.
(2) رواه البيهقي في شعب الايمان. ولفظه: «من مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله» ، والمعنى أن من مات من غير ضرب ولا قتل ولا حرق ولا غرق، والحتف هو الهلاك، وقيل كانت العرب تتوهم أن روح المريض تخرج من أنفه، وروح المجروح من جراحته، فكلمهم النبي صلّى الله عليه وسلم على قدر عقولهم، وقال عبد الله بن عتيك فو الله ما سمعت قوله: «حتف أنفه» من أحد من العرب قبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلى هذا عدها المصنف- رحمه الله- من كلامه الذي ابتدعه، وهو المشهور.
(3) كما رواه البخاري وغيره.
(4) رواه الديلمي.
(5) كما رواه البيهقي في شعب الايمان.

(1/177)


فَقَالَ: «وَمَا يَمْنَعُنِي؟!! وَإِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِي، لسان عربي مبين» .
وقال مرة أخرى «1» : «أنا أفصح العرب، بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ وَنَشَأْتُ فِي بَنِي سَعْدٍ» .
فَجُمِعَ لَهُ بِذَلِكَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُوَّةُ عَارِضَةِ «2» الْبَادِيَةِ وَجَزَالَتُهَا «3» ، وَنَصَاعَةُ «4» أَلْفَاظِ الْحَاضِرَةِ وَرَوْنَقُ «5» كَلَامِهَا، إِلَى التَّأْيِيدِ الْإِلَهِيِّ الَّذِي مَدَدُهُ الْوَحْيُ الَّذِي لَا يُحِيطُ بِعِلْمِهِ بَشَرِيٌّ «6» .
وَقَالَتْ أُمُّ مَعْبَدٍ «7» فِي وَصْفِهَا لَهُ:
«حُلْوُ المنطق، فصل «8» ، لا نزر «9» ، ولا هذر «10»
__________
(1) كما رواه أصحاب الغرائب ولا يعرف له سند، وروى الطبراني «أنا أعرب العرب، ولدت في قريش، ونشأت في بني سعد، فأنى يأتيني اللحن؟!» .
(2) عارضة: حلاوة.
(3) الجزالة: ضد الركاكة.
(4) نصاعة: خلوص ألفاظها من الخلط.
(5) الرونق: الحسن ...
(6) بشري: أي منسوب للبشر.
(7) سبقت ترجمتها في ص «146» رقم «9» .
(8) فصل: مفصول مبين.
(9) نزر: يسير.
(10) هذر: كثير.

(1/178)


كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتٌ «1» نُظِمْنَ. وَكَانَ جَهِيرَ الصَّوْتِ «2» ، حسن النغمة.
صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) الخرز: ما ينظم من الجواهر، وليس كما تفهمه العامة من تخصيصه بنوع من الخرز وهو المثقب.
(2) وكانت العرب تمتدح بعلو الصوت وتذم بضده، ولذا تمدحوا بسعة الفم وذموا بصغره والجهير: العالي الصوت فليس فيه خفاء ولا يكسر ككلام النساء.

(1/179)