الفصول
في السيرة فصل ـ غزوة بني
لحيان
ثم خرج صلى الله عليه وسلم بعد قريظة بستة أشهر، وذلك في جمادى الأولى من
السنة السادسة على الصحيح قاصداً بني لحيان ليأخذ ثأر أصحاب الرجيع المتقدم
ذكرهم، فسار حتى نزل بلادهم في واد يقال له غران، وهو بين أمج وعسفان،
فوجدهم قد تحصنوا في رؤوس الجبال، فتركهم وركب في مائتي فارس حتى نزل عسفان
وبعث فارسين حتى نزلا كراع الغميم، ثم كرا راجعين، ثم قفل صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة.
(1/177)
فصل ـ غزوة ذي قرد
ثم أغار بعد قدومه المدينة بليال عيينه بن حصن في بني عبد الله بن غطفان،
على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم التي بالغابة فاستاقها وقتل راعيها، وهو
رجل من غفار، وأخذوا امرأته.
فكان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي رضي الله عنه، ثم
انبعث في طلبهم ماشياً وكان لا يسبق، فجعل يرميهم بالنبل ويقول: خذها أنا
ابن الأكوع واليوم يوم الرضع يعني اللئام، واسترجع عامة ما كان في أيديهم.
ولما وقع الصريخ في المدينة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة من
الفرسان، فلحقوا سلمة بن الأكوع، واسترجعوا اللقاح، وبلغ النبي صلى الله
عليه وسلم ماءً يقال له ذو قرد، فنحر لقحة مما استرجع، وأقام هناك يوماً
وليلة، ثم رجع إلى المدينة.
(1/178)
وقتل في هذه الغزوة الأخرم، وهو محرز بن
نضلة رضي الله عنه، قتله عبد الرحمن بن عيينة، وتحول على فرسه، فحمل على
عبد الرحمن أبو قتادة فقتله، واسترجع الفرس، وكانت لمحمود بن مسلمة وأقبلت
المرأة المأسورة على ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نذرت: إن
الله أنجاها عليها لتنحرنها، «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس ما
جزتها، لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولفي معصية» وأخذ ناقته.
وقد روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع في هذه القصة، قال: فرجعنا إلى
المدينة، فلم نلبث إلا ثلاث ليال، حتى خرجنا إلى خيبر، ولعل هذا هو الصحيح،
والله تعالى أعلم.
فصل ـ غزوة بني المصطلق
وغزا صلى الله عليه وسلم بني المصطلق من خزاعة في شعبان من السنة السادسة،
وقيل: كانت في شعبان سنة خمس، والأول أصح وهو قول ابن إسحاق وغيره.
واستعمل على المدينة أبا ذر، وقيل: نميلة بن عبد الله الليثي، فأغار عليهم
وهم غارون على ماء لهم يسمى
(1/179)
المريسيع، وهو من ناحية قديد إلى الساحل،
فقتل من قتل منهم، وسبى النساء والذرية، وكان شعار المسلمين يومئذ: أمت
أمت.
وكان من السبي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ملك بني المصطلق، وقعت في سهم
ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتزوجها، فصارت أم المؤمنين، فأعتق المسلمون بسبب ذلك مائة بيت من بني
المصطلق قد أسلموا.
وفي مرجعه صلى الله عليه وسلم قال: الخبيث عبد الله بن أبي بن سلول: لئن
رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، يعرض برسول الله صلى الله عليه
وسلم، فبلغها زيد بن أرقم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء عبد الله بن
أبي معتذراً ويحلف ما قال فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزل
الله عز وجل تصديق زيد بن أرقم في سورة المنافقين.
وكان في هذه الغزوة من الحوادث قصة الإفك الذي افتراه عبد الله بن أبي هذا
الخبيث وأصحابه، وذلك أن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنها كانت
قد خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السفرة، وكانت تحمل في
هودج، فنزلوا بعض المنازل ثم أرادوا أن يرتحلوا أول النهار فذهبت إلى
المتبرز، ثم رجعت
(1/180)
فإذا هي فاقدة عقداً لأختها أسماء كانت
أعارتها إياه، فرجعت تلتمسه في الموضع الذي كانت فيه، فجاء النفر الذين
كانوا يرحلون بها فحملوا الهودج، حملة رجل واحد، وليس فيه أحد، فرحلوه على
البعير ولم يستنكروا خفته لتساعدهم عليه، ولأن عائشة رضي الله عنها كانت في
ذلك الوقت لم تحمل اللحم، بل كانت طفلة في سن أربع عشرة سنة.
فلما رجعت وقد أصابت العقد لم تر بالمنزل أحداً، فجلست في المنزل وقالت:
إنهم سيفقدونها فيرجعون إليها، والله غالب على أمره وله الحكم فيما يشاء.
وأخذتها سنة من النوم فلم تستيقظ إلا بترجيع صفوان بن المعطل السلمي ثم
الذكواني، وكان قد عرس في أخريات القوم، لأنه كان شديد النوم كما جاء ذلك
عنه في رواية أبي داود، فلما رأى أم المؤمنين قال: إنا لله وإنا إليه
راجعون، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم أناخ بعيره فقربه إليها،
فركبته، ولم يكلمها كلمة واحدة، ولم تسمع منه إلا ترجيعه، ثم سار بها
يقودها حتى قدم بها وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة.
فلما رأى ذلك الناس تكلم المنافقون بما الله مجازيهم به، وجعل عبد الله بن
أبي الخبيث مع ما تقدم له من الخزي في هذه الغزوة يتكلم في ذلك ويستحكيه،
ويظهره ويشيعه ويبديه.
وكان الأمر في ذلك كما هو مطول في الصحيحين من
(1/181)
حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب، وعروة بن
الزبير، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، كلهم عن
عائشة رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سماوات مما
اتهمها به أهل الإفك في هذه الغزوة في قوله تعالى: {إن الذين جاؤوا بالإفك
عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم} الآيات.
فلما أنزل الله تعالى ذلك وكان بعد قدومهم من هذه الغزوة بأكثر من شهر.
جلد الذين تكلموا في الإفك، وكان ممن جلد مسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك صعد على المنبر فخطب
المسلمين واستعذر من عبد الله بن أبي وأصحابه، «فقال: من يعذرني من رجل
بلغني أذاه في أهلي؟ والله ما علمت على أهلي إلا خيراً، وذكروا رجلاً ما
علمت عليه إلا خيراً، وما يدخل على أهلي إلا معي» فقام سعد بن معاذ أخو بني
عبد الأشهل فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، فإن كان من الأوس ضربنا
عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة
فقال كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تستطيع قتله، ولو كان من رهطك لما أحببت
أن يقتل.
فقال أسيد بن الحضير: والله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين فتثاور
الحيان حتى كادوا يقتتلون، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم
ويسكنهم حتى سكنوا.. الحديث.
هكذا وقع في الصحيحين أن المقاول لسعد بن عبادة هو سعد بن معاذ، وهذا من
المشكلات التي أشكلت على كثير من أهل العلم بالمغازي، فإن سعد بن
(1/182)
معاذ لا يختلف أحد منهم أنه مات إثر قريظة،
وقد كانت عقب الخندق، وهي سنة خمس على الصحيح.
ثم حديث الإفك لا يشك أنه في غزوة بني المصطلق هذه، وهي غزوة المريسيع.
وقال الزهري: في غزوة المريسيع.
وقد اختلف الناس في الجواب عن هذا، فقال موسى بن عقبة فيما حكاه البخاري
عنه: إن غزوة المريسيع كانت في سنة أربع، وهذا خلاف الجمهور، ثم في الحديث
ما ينفي ما قال، لأنها قالت: وذلك بعد ما أنزل الحجاب، ولا خلاف أنه نزل
صبيحة دخوله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، وقد سأل صلى الله عليه وسلم
زينب عن شأن عائشة في ذلك، فقالت: أحمي سمعي وبصري.
قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر أهل التواريخ أن تزويجه بها كان في ذي القعدة في سنة خمس فبطل ما
كان ولم ينجل الإشكال.
وأما الإمام محمد بن إسحاق بن يسار فقال: إن غزوة بني المصطلق كانت في سنة
ست، وذكر فيها حديث الإفك، إلا أنه قال: عن الزهري عن عبيد الله بن عبد
الله بن عتبة عن عائشة، فذكر الحديث.
قال: فقام أسيد بن الحضير فقال: أنا أعذرك منه ولم يذكر سعد بن معاذ.
قال أبو محمد بن حزم: وهذا الصحيح الذي لاشك فيه، وذلك عندنا وهم.. وبسط
الكلام في ذلك مع اعترافه بأن ذكر سعد جاء من طرق صحاح.
قلت: وهو كما قال إن شاء الله.
وقد وقع من هذا النمط في الحديث
(1/183)
مما لا يغير حكماً أحاديث ذوات عدد، وقد
نبه الناس على أكثرها، وقد حاول بعضهم أجوبة لها فتعسف، والله سبحانه
وتعالى أعلم.
فصل ـ غزوة الحديبية
ولما كان ذو القعدة من السنة السادسة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
معتمراً في ألف ونيف قيل: وخمسمائة، وقيل: وأربعمائة، وقيل: وثلاثمائة،
وقيل: غير ذلك.
فأما من زعم أنه إنما خرج في سبعمائة فقط غلط.
فلما علم المشركون بذلك جمعوا أحابيشهم وخرجوا من مكة صادين له عن الاعتمار
هذا العام، وقدموا على خيل لهم خالد بن الوليد إلى كراع الغميم.
وخالفه صلى الله عليه وسلم في الطريق فانتهى صلى الله عليه وسلم إلى
الحديبية، وتراسل هو والمشركون حتى جاء سهيل بن عمرو فصالحه على:
أن يرجع عنهم عامهم هذا وأن يعتمر من العام المقبل، فأجابه صلى الله عليه
وسلم إلى ما سأل، لما جعل الله عز وجل في ذلك من المصلحة والبركة، وكره ذلك
جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وراجع
(1/184)
أبا بكر الصديق في ذلك، ثم راجع النبي صلى
الله عليه وسلم، فكان جوابه صلى الله عليه وسلم، كما أجابه الصديق رضي الله
عنه، وهو أنه عبد الله ورسوله وليس يضيعه، وهو ناصره.
وقد استقصى البخاري هذا الحديث في صحيحه.
فقاضاه سهيل بن عمرو على:
أن يرجع عنهم عامه هذا، وأن يعتمر من العام المقبل على أن لا يدخل مكة ألا
في جلبان السلاح، وأن لا يقيم عندهم أكثر من ثلاثة أيام.
وعلى أن يأمن الناس بينهم وبينه عشر سنين.
فكانت هذه الهدنة من أكبر الفتوحات للمسلمين كما قال عبد الله مسعود رضي
الله عنه.
وعلى أنه من شاء دخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن شاء دخل في
عقد قريش.
وعلى أنه لا يأتيه أحد منهم وإن كان مسلماً إلا رده إليهم، وإن ذهب أحد من
المسلمين إليهم لا يردونه إليه.
(1/185)
فأقر الله سبحانه ذلك كله إلا ما استثنى من
المهاجرات المؤمنات من النساء: فإنه نهاهم عن ردهن إلى الكفار، وحرمهن على
الكفار يومئذ، وهذا أمر عزيز ما يقع في الأصول، وهو تخصيص السنة بالقرآن،
ومنهم من عده نسخاً، كمذهب أبي حنيفة وبعض الأصوليين، وليس هو الذي عليه
أكثر المتأخرين، والنزاع في ذلك قريب، إذ يرجع حاصله إلى مناقشة في اللفظ.
وقد كان صلى الله عليه وسلم قبل وقوع هذا الصلح بعث عثمان بن عفان رضي الله
عنه إلى أهل مكة يعلمهم أنه لم يجيء لقتال أحد وإنما جاء معتمراً، فكان من
سيادة عثمان رضي الله عنه أنه عرض عليه المشركون الطواف بالبيت، فأبى عليهم
وقال: لا أطوف بها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يرجع عثمان رضي الله عنه، حتى بلغه صلى الله عليه وسلم أنه قد قتل
عثمان، فحمي لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا أصحابه إلى البيعة
على القتال، فبايعوه تحت شجرة هناك، وكانت سمرة، وكان عدة من بايعه هناك
جملة من قدمنا أنه خرج معه إلى الحديبية إلا الجد بن قيس فإنه كان قد استتر
ببعير له نفاقاً منه وخذلانا، وإلا أبا سريحة حذيفة بن أسيد، فإنه شهد
الحديبية، وقيل: إنه لم يبايع، وقيل: بل بايع.
(1/186)
إن أول من بايع يومئذ أبو سنان: وهب بن
محصن، أخو عكاشة بن محصن، وقيل: ابنه سنان بن أبي سنان، وبايع سلمة بن
الأكوع رضي الله عنه يومئذ ثلاث مرات بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له
بذلك، كما رواه مسلم عنه، ووضع صلى الله عليه وسلم إحدى يديه عن نفسه
الكريمة ثم قال: وهذه عن عثمان رضي الله عنه فكان ذلك أجل من شهوده تلك
البيعة.
وأنزل الله عز وجل في ذلك: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك} «وقال
صلى الله عليه وسلم: لا يدخل أحد ممن بايع تحت الشجرة النار»
فهذه هي بيعة الرضوان.
«ولما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من مقاضاة المشركين كما قدمنا شرع في
التحلل من عمرته وأمر الناس بذلك، فشق عليهم وتوقفوا رجاء نسخه، فغضب النبي
صلى الله عليه وسلم من ذلك، فدخل على أم سلمة فقال لها ذلك، فقالت: اخرج
أنت يا رسول الله فاذبح هديك واحلق رأسك، والناس يتبعونك يا رسول الله،
فخرج ففعل ذلك، فبادر الناس إلى موافقته، فحلقوا كلهم إلا عثمان بن عفان
وأبا قتادة الحارث بن ربعي، فإنهما قصراً،» ذكره السهيلي في الروض الأنف.
(1/187)
وكاد بعضهم يقتل بعضاً غماً، لأنهم يرون
المشركين قد ألزموهم بشروط كما أحبوا، وأجابهم صلى الله عليه وسلم إليها
وهذا من فرط شجاعتهم رضي الله عنهم وحرصهم على نصر الإسلام، ولكن الله عز
وجل أعلم بحقائق الأمور ومصالحها منهم، ولهذا لما انصرف صلى الله عليه وسلم
راجعاً إلى المدينة أنزل الله عز وجل عليه سورة الفتح بكمالها في ذلك، وقال
عبد الله بن مسعود: إنكم تعدون الفتح فتح مكة وإنما كنا نعده فتح الحديبية،
وصدق رضي الله عنه، فإن الله سبحانه وتعالى جعل هذه هي السبب في فتح مكة
كما سنذكره بعد أن شاء الله تعالى.
وعوض من هذه خيبر سلفاً وتعجيلاً.
بر
فصل ـ غزوة خيبر
ولما رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أقام بها إلى المحرم من السنة
السابعة، فخرج في آخره إلى خيبر، ونقل عن مالك بن أنس رحمه الله: أن فتح
خيبر كان في سنة ست، والجمهور على أنها في سنة سبع، وأما ابن حزم فعنه أنها
في سنة ست بلا شك، وذلك بناء على اصطلاحه، وهو أنه يرى أن أول السنين
الهجرية شهر ربيع الأول الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة مهاجراً، ولكن لم يتابع عليه، إذا الجمهور على أن أول التاريخ من
محرم تلك السنة، وكان أول من أرخ بذلك يعلى بن أمية باليمن، كما رواه
الإمام أحمد بن حنبل عنه بإسناد صحيح
(1/188)
إليه، [وقيل: عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وذلك في سنة ست عشرة كما بسط ذلك في موضع آخر] .
فسار صلى الله عليه وسلم إليها، واستخلف على المدينة نميلة بن عبد الله
الليثي فلما انتهى إليها حاصرها حصناً حصناً يفتحه الله عز وجل عليه
ويغنمه، حتى استكملها صلى الله عليه وسلم وخمسها، وقسم نصفها بين المسلمين،
وكان جملتهم من حضر الحديبية فقط، وأرصد النصف الآخر لمصالحه ولما ينوبه من
أمر المسلمين.
واستعمل اليهود الذين كانوا فيها بعد ما سألوا ذلك عوضاً عما كان صالحهم
عليه من الجلاء على أن يعملوها ولرسول الله صلى الله عليه وسلم النصف مما
يخرج منها من ثمر أو زرع، وقد اصطفى صلى الله عليه وسلم من غنائمها صفية
بنت حيي بن أخطب لنفسه، فأسلمت، فأعتقها، وتزوجها، وبنى بها في طريق
المدينة بعدما حلت.
«و
(1/189)
قد أهدت إليه امرأة من يهود خيبر ـ وهي
زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم ـ شاة مصلية مسمومة، فلما انتهش من
ذراعها أخبره الذراع أنه مسموم، فترك الأكل، ودعا باليهودية فاستخبرها:
[أسممت هذه الشاة] فقالت: نعم، فقال: [ما أردت إلى ذلك] ؟ فقالت: أردت إن
كنت نبياً لم يضرك، وإن كنت غيره استرحنا منك، فعفا عنها صلى الله عليه
وسلم.
وقيل: إن بشر بن البراء بن معرور كان ممن أكل منها، فمات، فقتلها به.
وقد روى ذلك أبو داود مرسلاً عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف» .
وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر بعد فراغهم من القتال جعفر
بن أبي طالب وأصحابه ممن بقي مهاجراً بأرض الحبشة، وصحبتهم أبو موسى
الأشعري في جماعة من الأشعريين يزيدون على السبعين.
وقدم عليه أبو هريرة وآخرون رضي الله عنهم أجمعين، فأعطاهم صلى الله عليه
وسلم من المغانم كما أراه الله عز وجل، «وقد قال صلى الله عليه وسلم لجعفر:
[لا أدري بأيهما أنا أسر، أبفتح خيبر أم بقدوم جعفر] ؟» ولما قدم عليه قام
وقبل ما بين عينيه.
وقد استشهد بخبير من المسلمين نحو عشرين رجلا رضي الله عنهم جميعهم.
(1/190)
فصل ــ فتح فدك
ولما بلغ أهل فدك ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر، بعثوا
إليه يطلبون الصلح فأجابهم، فكانت مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا
ركاب، فوضعها صلى الله عليه وسلم حيث أراه الله عز وجل، ولم يقسمها.
فصل ـ فتح وادي القرى
ورجع إلى المدينة على وادي القرى فافتحه، وقيل: إنه قاتل فيه.
فالله أعلم.
وفي الصحيحين أن غلاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى مدعماً، بينما
هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم غرب فقتله، فقال
الناس: هنيئاً له الشهادة يا رسول الله، «فقال: كلا والذي نفسي بيده، إن
الشملة التي أخذها من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً» .
(1/191)
فصل ـ عمرة القضاء
ولما رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أقام بها إلى شهر ذي القعدة فخرج
فيه معتمراً عمرة القضاء التي قاضى قريشاً عليها.
ومنهم من يجعلها قضاء عن عمرة الحديبية حيث صد.
ومنهم من يقول عمرة القصاص.
والكل صحيح.
فسار حتى بلغ مكة فاعتمر وطاف بالبيت، وتحلل من عمرته، وتزوج بعد إحلاله
بميمونة بنت الحارث أم المؤمنين.
وتمت الثلاثة أيام، فبعث إليه المشركون علياً رضي الله عنه يقولون له: اخرج
من بلدنا.
«فقال: (وما عليهم لو بنيت بميمونة عندهم؟ (فأبو عليه ذلك» .
وقد كانوا خرجوا من مكة حين قدمها صلى الله عليه وسلم عداوة وبغضاً له.
فخرج عليه الصلاة والسلام فبنى بميمونة بسرف ورجع إلى المدينة مؤيداً
منصوراً.
(1/192)
فصل ـ بعث مؤتة
ولما كان في جمادى الآخرة من سنة ثمان بعث صلى الله عليه وسلم الأمراء إلى
مؤتة، وهي قرية من أرض الشام، ليأخذوا بثأر من قتل هناك من المسلمين.
فأمر على الناس زيد بن حارثة مولاه صلى الله عليه وسلم «وقال: إن أصيب زيد
فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة» .
فخرجوا في نحو من ثلاثة آلاف، وخرج صلى الله عليه وسلم معهم يودعهم إلى بعض
الطريق، فساروا حتى إذا كانوا بمعان بلغهم أن هرقل ملك الروم قد خرج إليهم
في مائة ألف ومعه مالك بن زافلة في مائة ألف أخرى من نصارى العرب من لخم
وجذام وقبائل قضاعة من بهراء وبلي، وبلقين فاشتور المسلمون هناك وقالوا:
نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بأمره أو يمدنا.
فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: يا قوم! والله إن الذي خرجتم تطلبون:
أمامكم ـ يعني الشهادة ـ وإنكم ما تقاتلون الناس بعدد ولا قوة، وما نقاتلهم
إلا بهذا الدين الذي أكرمنا
(1/193)
الله به، فانطلقوا، فهي إحدى الحسنيين: إما
ظهور، وإما شهادة.
فوافقه القوم، فنهضوا.
فلما كانوا بتخوم البلقاء لقوا جموع الروم فنزل المسلمون إلى جنب قرية
مؤتة، والروم على قرية يقال لها مشارف، ثم التقوا فقاتلوا قتالا عظيماً.
وقتل أمير المسلمين زيد بن حارثة رضي الله عنه والراية في يده، فتناولها
جعفر، ونزل عن فرس له شقراء فعقرها، وقاتل حتى قطعت يده اليمنى، فأخذ
الراية بيده الأخرى فقطعت أيضاً، فاحتضن الراية ثم قتل رضي الله عنه عن
ثلاث وثلاثين سنة على الصحيح.
فأخذ الراية عبد الله بن رواحة الأنصاري رضي الله عنه، وتلوم بعض التلوم ثم
صمم وقاتل حتى قتل، فيقال: إن ثابت بن أقرم أخذ الراية وأراد المسلمون أن
يؤمروه عليهم فأبى، فأخذ الراية خالد بن الوليد رضي الله عنه فانحاز
بالمسلمين، وتلطف حتى خلص المسلمون من العدو، ففتح الله على يديه كما أخبر
بذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين بالمدينة يومئذ وهو
قائم على المنبر، فنعى إليهم الأمراء، واحداً واحداً وعيناه تذرفان صلى
الله عليه وسلم، والحديث في الصحيح.
وجاء الليل فكف الكفار عن القتال.
ومع كثرة هذا العدو وقلة عدد المسلمين بالنسبة إليهم لم يقتل من المسلمين
خلق كثير على ما ذكره أهل السير، فإنهم لم يذكروا فيما سموا إلا نحو
العشرة.
(1/194)
وكر المسلمون راجعين، ووقى الله شر الكفرة
وله الحمد والمنة، إلا أن هذه الغزوة كانت إرهاصاً لما بعدها من غزو الروم،
وإرهاباً لأعداء الله ورسوله.
فصل ـ غزوة فتح مكة
نذكر فيه ملخص غزوة فتح مكة التي أكرم الله عز وجل بها رسوله، وأقر عينه
بها، وجعلها علما ظاهراً على إعلاء كلمته وإكمال دينه والاعتناء بنصرته.
وذلك لما دخلت خزاعة ـ كما قدمنا ـ عام الحديبية في عقد رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ودخلت بنو بكر في عقد قريش وضربت المدة إلى عشر سنين، أمن الناس
بعضهم بعضاً، ومضى من المدة سنة ومن الثانية نحو تسعة أشهر، فلم تكمل حتى
غدا نوفل بن معاوية الديلي فيمن أطاعه من بني بكر بن عبد مناة فبيتوا
(1/195)
خزاعة على ماء لهم يقال له الوتير،
فاقتتلوا هناك بذحول كانت لبني بكر على خزاعة من أيام الجاهلية، وأعانت
قريش بني بكر على خزاعة بالسلاح، وساعدهم بعضهم بنفسه خفية، وفرت خزاعة إلى
الحرم فاتبعهم بنو بكر إليه، فذكر قوم نوفل نوفلاً بالحرم، وقالوا: اتق
إلهك.
فقال لا إله له اليوم، والله يا بني بكر إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تدركون
فيه ثأركم؟ قلت: قد أسلم نوفل هذا بعد ذلك، وعفا الله عنه، وحديثه مخرج في
الصحيحين رضي الله عنه.
وقتلوا من خزاعة رجلاً يقال له منبه، وتحصنت خزاعة في دور مكة، فدخلوا دار
بديل بن ورقاء، ودار مولى لهم يقال له: رافع، فانتفض عهد قريش بذلك.
فخر ج عمرو بن سالم الخزاعي وبديل بن ورقاء الخزاعي [وقوم من خزاعة] حتى
أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلموه بما كان من قريش واستنصروه
عليهم، فأجابهم صلى الله عليه وسلم وبشرهم بالنصر، وأنذرهم أن أبا سفيان
سيقدم عليهم مؤكداً العقد وأنه سيرده بغير حاجة.
فكان ذلك، وذلك أن قريشاً ندموا على ما كان منهم، فبعثوا أبا سفيان ليشد
العقد الذي بينهم وبين محمد صلى الله عليه وسلم ويزيد في الأجل، فخرج، فلما
كان بعسفان لقي بديل بن ورقاء وهو راجع من المدينة، فكتمه بديل ما كان من
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب أبو سفيان حتى قدم المدينة
(1/196)
فدخل على ابنته أم حبيبة زوج رسول الله صلى
الله عليه وسلم ورضي الله عنها، فذهب ليقعد على فراش رسول الله صلى الله
عليه وسلم فمنعته، وقالت: إنك رجل مشرك نجس.
فقال: والله يا بنية لقد أصابك بعدي شر.
ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه ما جاء له، فلم يجبه صلى
الله عليه وسلم بكلمة واحدة.
ثم ذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه فطلب منه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأبى عليه، ثم جاء إلى عمر رضي الله عنه فأغلظ له، وقال: أنا أفعل
ذلك؟ ! والله لو لم أجد إلا الذر لقاتلتكم به.
وجاء علياً رضي الله عنه فلم يفعل، وطلب من فاطمة بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم ورضي الله عنها أن تأمر ولدها الحسن أن يجير بين الناس، فقالت:
ما بلغ بني ذلك، وما يجيل أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأشار عليه علي رضي الله عنه أن يقوم هو فيجير بين الناس، ففعل.
ورجع إلى مكة فأعلمهم بما كان منه ومنهم، فقالوا: والله ما زاد ـ يعنون
علياً ـ أن لعب بك 0
ثم شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاز إلى مكة، وسأل الله عز وجل
أن يعمي على قريش الأخبار، فاستجاب له ربه تبارك وتعالى، ولذلك لما كتب
حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى أهل مكة يعلمهم فيه بما هم به رسول الله صلى
الله عليه وسلم من القدوم على قتالهم وبعث به مع امرأة، وقد تأول في ذلك
مصلحةً تعود عليه
(1/197)
رحمه الله، وقبل ذلك منه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وصدقه، لأنه كان من أهل بدر: وبعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم علياً والزبير والمقداد رضي الله عنهم، فردوا تلك المرأة من روضة خاخ،
وأخذوا منها الكتاب وكان هذا من إعلام الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم
بذلك ومن أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم.
وخرج صلى الله عليه وسلم لعشر خلون من رمضان في عشرة آلاف مقاتل من
المهاجرين والأنصار وقبائل العرب، وقد ألفت مزينة وكذا بنو سليم على
المشهور رضي الله عنهم جميعهم.
واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين.
ولقيه عمه العباس بذي الحليفة، وقيل: بالجحفة فأسلم.
ورجع معه صلى الله عليه وسلم، وبعث ثقله إلى المدينة.
ولما انتهى صلى الله عليه وسلم إلى نيق العقاب جاءه ابن عمه أبو سفيان بن
الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية أخو أم سلمة مسلمين، فطردهما،
فشفعت
(1/198)
فيهما أم سلمة، وأبلغته عنهما ما رقته
عليهما، فقبلهما، فأسلما أتم إسلام رضي الله عنهما، بعد ما كانا أشد الناس
عليه صلى الله عليه وسلم.
وصام صلى الله عليه وسلم حتى بلغ ماء يقال له: الكديد، بين عسفان وأمج من
طريق مكة، فأفطر بعد العصر على راحته ليراه الناس، وأرخص للناس في الفطر،
ثم عزم عليهم في ذلك، فانتهى صلى الله عليه وسلم حتى نزل بمر الظهران فبات
به.
وأما قريش فعمى الله عليها الخبر، إلا أنهم قد خافوا وتوهموا من ذلك، فلما
كانت تلك الليلة خرج ابن حرب، وبديل بن ورقاء، وحكيم بن حزام يتجسسون
الخبر، فلما رأوا النيران أنكروها، فقال بديل: هي نار خزاعة، فقال أبو
سفيان: خزاعة أقل من ذلك.
وركب العباس بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ، وخرج من الجيش لعله
يلقى أحداً، فلما سمع أصواتهم عرفهم، فقال: أبا حنظلة! فعرفه أبو سفيان،
فقال: أبو الفضل؟ قال نعم.
قال ما وراءك؟ قال ويحك.. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس،
واصباح قريش! ..
قال: فما الحيلة؟ قال والله لئن ظفر بك ليقتلنك، ولكن اركب ورائي وأسلم.
فركب وراءه وانطلق به، فمر في الجيش كلما أتى على قوم يقولون: هذا عم رسول
الله صلى الله عليه وسلم على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى مر
بمنزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما رآه قال: عدو الله؟ الحمد لله الذي
أمكن منك بغير عقد ولا عهد.
ويركض العباس البغلة، ويشتد عمر رضي الله عنه في جريه، وكان بطيئاً، فسبقه
العباس، فأدخله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء عمر في أثره،
فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب عنقه، فأجاره العباس مبادرة،
فتقاول هو
(1/199)
وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فأمره صلى
الله عليه وسلم أن يأتيه به غداً، فلما أصبح أتى به رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فعرض عليه الإسلام فتلكأ قليلاً، ثم زجره العباس فأسلم، فقال
العباس: يا رسول الله! إن أبا سفيان يحب الشرف، فقال صلى الله عليه وسلم
«من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد
الحرام فهو آمن» .
قال ابن حزم: هذا نص في أنها فتحت صلحاً لا عنوة.
قلت: هذا أحد أقوال العلماء وهو الجديد من مذهب الشافعي.
واستدل على ذلك أيضاً بأنها لم تخمس ولم تقسم.
والذين ذهبوا إلى أنها فتحت عنوة استدلوا بأنهم قد قتلوا من قريش يومئذ عند
الخندمة نحواً من عشرين رجلاً، واستدلوا بهذا اللفظ أيضاً: [فهو آمن]
والمسألة يطول تحريرها ها هنا.
وقد تناظر الشيخان في هذه المسألة ـ أعني تاج الدين الفزاري، وأبا ز كريا
النووي ـ ومسألة قسمة الغنائم.
(1/200)
والغرض أنه صلى الله عليه وسلم أصبح يومه
ذلك سائراً إلى مكة، وقد أمر صلى الله عليه وسلم العباس أن يوقف أبا سفيان
عند خطم الجبل، لينظر إلى جنود الإسلام إذا مرت عليه.
وقد جعل صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه على المقدمة،
وخالد بن الوليد رضي الله عنه على الميمنة، والزبير بن العوام رضي الله عنه
على الميسرة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في القلب، وكان أعطى الراية
سعد بن عبادة رضي الله عنه، فبلغه أنه قال لأبي سفيان حين مر عليه: يا أبا
سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة ـ والحرمة هي الكعبة ـ فلما
شكا أبو سفيان ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بل هذا يوم تعظم
فيه الكعبة» .
فأمر بأخذ الراية من سعد فتعطى علياً، وقيل: الزبير، وهو الصحيح.
وأمر صلى الله عليه وسلم الزبير أن يدخل من كداء من أعلى مكة، وأن تنصب
رايته بالحجون، وأمر خالداً أن يدخل من كدى من أسفل مكة، وأمرهم بقتال من
قاتلهم.
وكان عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، قد جمعوا جمعاً
بالخندمة، فمر بهم خالد بن الوليد فقاتلهم، فقتل من المسلمين ثلاثة وهم:
كرز بن جابر من بني محارب بن فهر، وحبيش بن خالد بن ربيعة بن أصرم الخزاعي،
وسلمة بن الميلاء الجهني، رضي الله عنهم.
وقتل من المشركين ثلاثة عشر رجلاً، وفر بقيتهم.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وهو راكب على ناقته وعلى رأسه
المغفر، ورأسه يكاد يمس مقدمة الرحل من تواضعه لربه عز وجل.
وقد أمن صلى الله عليه وسلم الناس إلا
(1/201)
عبد العزى بن خطل، وعبد الله بن سعد بن أبي
سرح، وعكرمة بن أبي جهل، ومقيس بن صبابة، والحويرث بن نقيذ، وقينتين لابن
خطل، وهما فرتنا وصاحبتها، وسارة مولاة لبني عبد المطلب، فإنه صلى الله
عليه وسلم أهدر دمائهم، وأمر بقتلهم حيث وجدوا، حتى ولو كانوا متعلقين
بأستار الكعبة فقتل ابن خطل، وهو متعلق بالأستار، ومقيس ابن صبابة،
والحويرث بن نقيذ، وإحدى القينتين، وآمن الباقون.
ونزل صلى الله عليه وسلم مكة واغتسل في بيت أم هانئ وصلى ثماني ركعات يسلم
من كل ركعتين، فقيل إنها صلاة الضحى.
وقيل: صلاة الفجر.
قال السهيلي: وقد صلاها سعد بن أبي وقاص في إيوان كسرى، إلا أنه صلى ثماني
ركعات بتسليم واحد.
وليس كما قال، بل يسلم من كل ركعتين كما رواه أبو داود.
وخرج صلى الله عليه وسلم إلى البيت فطاف به طواف قدوم، ولم يسع، ولم يكن
معتمراً.
ودعا بالمفتاح، فدخل البيت وأمر بإلقاء الصور ومحوها منه، وأذن بلال يومئذ
على ظهر الكعبة، ثم رد
صلى الله عليه وسلم المفتاح إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة.
وأقرهم على السدانة.
وكان الفتح لعشر بقين من رمضان.
«و
(1/202)
استمر صلى الله عليه وسلم مفطراً بقية
الشهر يصلي ركعتين، ويأمر أهل مكة أن يتموا» ، كما رواه النسائي بإسناد حسن
عن عمران بن حصين رضي الله عنه، وخطب صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح
فبين حرمة مكة وأنها لم تحل لأحد قبله ولا تحل لأحد بعده، وقد أحلت له ساعة
من نهار، وهي غير ساعته تلك حرام.
وبعث صلى الله عليه وسلم السرايا إلى من حول مكة من أحياء العرب يدعوهم إلى
الإسلام، وكان في جملة تلك البعوث بعث خالد إلى بني جذيمة الذين قتلهم خالد
حين دعاهم إلى الإسلام، فقالوا: صبأنا، ولم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا،
فوداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ من صنيع خالد بهم.
وكان أيضاً في تلك البعوث بعث خالد أيضاً إلى العزى، وكان بيتاً تعظمه قريش
وكنانة وجميع مضر، فدمرها رضي الله عنه من إمام وشجاع.
وكان عكرمة بن أبي جهل قد هرب إلى اليمن، فلحقته امرأته وهي مسلمة وهي أم
حكيم بنت الحارث بن هشام، فردته بأمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم
وحسن إسلامه، وكذا صفوان بن أمية كان قد فر إلى اليمن، فتبعه صاحبه في
الجاهلية عمير بن وهب بأمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرده، وسيره صلى
الله عليه وسلم أربعة أشهر، فلم تمض حتى أسلم وحسن إسلامه رضي الله عنه.
(1/203)
فصل ـ غزوة حنين
ولما بلغ فتح مكة هوزان جمعهم مالك بن عوف النصري، فاجتمع إليه ثقيف وقومه
بنو نصر بن معاوية، وبنو جشم، وبنو سعد بن بكر، وبشر من بني هلال بن عامر،
وقد استصحبوا معهم أنعامهم ونساءهم لئلا يفروا، فلما تحقق ذلك دريد بن
الصمة شيخ بني جشم ـ وكانوا قد حملوه في هودج لكبره تيمناً برأيه ـ أنكر
ذلك على مالك بن عوف النصري وهجنه، وقال: إنها إن كانت لك لم ينفعك ذلك،
وإن كانت عليك فإن المنهزم لا يرده شيء.
وحرضهم على ألا يقاتلوا إلا في بلادهم، فأبوا عليه ذلك واتبعوا رأي مالك بن
عوف، فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم يغب عني.
وبعث صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي فاستعلم له خبر
القوم وقصدهم، فتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقائهم، واستعار من
صفوان بن أمية أدراعاً، قيل: مائة.
وقيل: أربعمائة.
واقترض منه جملة من المال، وسار إليهم في العشرة آلاف الذين كانوا معه في
الفتح، وألفين من طلقاء مكة، وشهد معه صفوان بن أمية حنيناً وهو مشرك، وذلك
في شوال من هذه السنة، واستخلف على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص أمية بن
عبد شمس، وله نحو عشرين سنة.
(1/204)
ومر صلى الله عليه وسلم في مسيره ذلك على
شجرة يعظمها المشركون يقال لها ذات أنواط، فقال بعض جهال العرب: اجعل لنا
ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.
فقال: «قلتم ـ والذي نفسي بيده ـ كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم
ألهة، لتركبن سنن من كان قبلكم» .
ثم نهض صلى الله عليه وسلم فوافى حنيناً، وهو واد حدور من أودية تهامة.
وقد كمنت لهم هوازن فيه، وذلك في عماية الصبح، فحملوا على المسلمين حملة
رجل واحد، فولى المسلمون لا يلوي أحد على أحد، فذلك قوله تعالى: {ويوم حنين
إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم
مدبرين} وذلك أن بعضهم قال: لن نغلب اليوم من قلة.
وثبت رسول
(1/205)
الله صلى الله عليه وسلم، ولم يفر، ومعه من
الصحابة: أبو بكر، وعمر، وعلي، وعمه العباس، وابناه: الفضل، وقثم، وأبو
سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وابنه جعفر، وآخرون.
وهو صلى الله عليه وسلم يومئذ راكب بغلته التي أهداها له فروة بن نوفاسة
الجذامي، وهو يركضها إلى وجه العدو، والعباس آخذ بحكمتها يكفها عن التقدم،
وهو صلى الله عليه وسلم ينوه باسمه يقول: (أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد
المطلب (.
ثم أمر العباس، وكان جهير الصوت، أن ينادي: يا معشر الأنصار، يا معشر أصحاب
الشجرة، يا معشر أصحاب السمرة، فلما سمعه المسلمون وهم فارون كروا وأجابوه:
لبيك لبيك، وجعل الرجل إذا لم يستطع أن يثني بعيره لكثرة المنهزمين، نزل عن
بعيره وأخذ درعه فلبسها، وأخذ سيفه وترسه، ويرجع راجلاً إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، حتى إذا اجتمع حوله عصابة منهم نحو المائة، استقبلوا هوزان
فا جتلدوا هم وإياهم، واشتدت الحرب، وألقى الله في قلوب هوازن الرعب حين
رجعوا، فلم يملكوا أنفسهم، ورماهم صلى الله عليه وسلم بقبضة حصى بيده، فلم
يبقى منهم أحد إلا ناله منها، وفسر قوله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن
الله رمى} بذلك.
وعندي في ذلك نظر، لأن الآية نزلت في قصة بدر كما تقدم.
وتفر هوازن بين يدي المسلمين، ويتبعونهم يقتلون ويأسرون، فلم يرجع آخر
الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا والآسارى بين يده، وحاز صلى
الله عليه وسلم أموالهم وعيالهم.
وانحازت طوائف من هوازن إلى أوطاس، فبعث صلى الله عليه وسلم إليهم أبا عامر
(1/206)
الأشعري واسمه عبيد ومعه ابن أخيه أبو موسى
الأشعري حاملا راية المسلمين في جماعة من المسلمين، فقتلوا منهم خلقاً.
وقتل أمير المسلمين أبو عامر، رماه رجل فأصاب ركبته، وكان منها حتفه، فقتل
أبو موسى قاتله، وقيل: بل أسلم قاتله بعد ذلك، وكان أحد إخوة عشرة قتل أبو
عامر التسعة قبله، فالله أعلم.
ولما أخبر أبو موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك استغفر صلى الله
عليه وسلم لأبي عامر.
وكان أبو عامر رابع أربعة استشهدوا يوم حنين، والثاني أيمن بن أم أيمن،
والثالث يزيد بن زمعة بن الأسود، والرابع سراقة بن الحارث بن عدي من بني
العجلان من الأنصار رضي الله عنهم.
وأما المشركون فقتل منهم خلق كثير (نحو الأربعين (
وفي هذه الغزوة قال صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلاً فله سلبه» في قصة
أبي قتادة رضي الله عنه.
فصل ـ غزوة الطائف ـ
وأما ملك هوازن وهو مالك بن عوف النصري فإنه حين انهزم جيشه دخل مع ثقيف
حصن الطائف.
ورجع صلى الله عليه وسلم من حنين فلم يدخل مكة حتى أتى الطائف فحاصرهم،
فقيل: بضع وعشرون ليلة، وقيل:
بضعة عشرة ليلة.
قال
(1/207)
ابن حزم وهو الصحيح بلا شك.
قلت: ما أدري من أين صحح هذا؟ بل كأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم
لهوازن حين أتوه مسلمين بعد ذلك: «لقد كنت استأنيت بكم عشرين ليلة» وفي
الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: فحاصرناهم أربعين يوماً ـ يعني
ثقيفاً ـ فاستعصوا وتمنعوا، وقتلوا جماعة من المسلمين بالنبل وغيره.
وقد خرب صلى الله عليه وسلم كثيراً من أموالهم الظاهرة وقطع أعنابهم، ولم
ينل منهم كبيرهم شيء، فرجع عنهم فأتى الجعرانة، فأتاه وفد هوازن هنالك
مسلمين، وذلك قبل أن يقسم الغنائم، فخيرهم صلى الله عليه وسلم بين ذراريهم
وبين أموالهم، فاختاروا الذرية، فقال صلى الله عليه وسلم: «أما ما كان لي
ولبني عبد المطلب فهو لكم» ، قال المهاجرون والأنصار: وما كان لنا فهو
لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وامتنع الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وقومهما حتى أرضاهما وعوضهما صلى الله
عليه وسلم.
وأراد العباس بن مرداس السلمي أن يفعل كفعلهما، فلم توافقه بنو سليم، بل
طيبوا ما كان لهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فردت الذرية على هوازن،
وكانوا ستة آلاف، فيهم الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى من بني سعد بن بكر
بن هوزان، وهي أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فأكرمها
وأعطاها، ورجعت إلى بلادها مختارةً لذلك، وقيل: كانت هوازن متوا إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم برضاعتهم إياه.
ثم قسم صلى الله عليه وسلم بقيته على المسلمين، وتألف جماعةً من سادات قريش
وغيرهم، فجعل يعطي الرجل المائة بعير، والخمسين، ونحو ذلك.
(1/208)
وفي صحيح مسلم عن الزهري أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أعطى يومئذ صفوان بن أمية ثلاثمائة من الإبل.
وعتب بعض الأنصار، فبلغه، فخطبهم وحدهم، وامتن عليهم بما أكرمهم الله من
الإيمان به، وبما أغناهم الله به بعد فقرهم، وألف بينهم بعد العداوة
التامة، فرضوا وطابت أنفسهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
وطعن ذو الخويصرة التميمي، واسمه حرقوص ـ فيما قيل ـ على النبي صلى الله
عليه وسلم في قسمته تلك، وصفح عنه صلى الله عليه وسلم وحلم، بعد ما قال له
بعض الأمراء: ألا نضرب عنقه؟ فقال: لا.
ثم قال: «إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم،
فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم» .
واستعمل صلى الله عليه وسلم مالك بن عوف النصري على من أسلم من قومه، وكان
قد أسلم وحسن إسلامه، وامتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصيدة ذكرها
ابن إسحاق.
واعتمر صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ودخل مكة، فلما قضى عمرته ارتحل إلى
المدينة، وأقام للناس الحج عامئذ عتاب بن أسيد رضي الله عنه، فكان أول من
حج بالناس من أمراء المسلمين.
(1/209)
فصل ـ غزوة تبوك
ولما أنزل الله عز وجل على رسول {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم
الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا
الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} ندب رسول الله صلى الله عليه
وسلم أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب إلى الجهاد، وأعلمهم بغزو الروم،
وذلك في رجب من سنة تسع، وكان لا يريد غزوة إلا ورى بغيرها، إلا غزوته هذه،
فإنه صرح لهم بها ليتأهبوا، لشدة عدوهم وكثرته، وذلك حين طابت الثمار، وكان
ذلك في سنة مجدبة، فتأهب المسلمون لذلك.
وأنفق عثمان بن عفان رضي الله عنه على هذا الجيش وهو جيش العسرة مالاً
جزيلاً فقيل: ألف دينار.
وقال بعضهم: إنه حمل على ألف بعير ومائة فرس وجهزها أتم جهاز حتى لم يفقدوا
عقالاً وخطاماً، رضي الله عنه.
ونهض صلى الله عليه وسلم في نحو من ثلاثين ألفاً، واستخلف على المدينة محمد
بن مسلمة وقيل: سباع بن عر فطة: وقيل: علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والصحيح أن علياً كان خليفة له على النساء والذرية، ولهذا لما آذاه
المنافقون فقالوا: تركه على النساء والذرية، لحق رسول الله صلى الله عليه
وسلم فشكا إليه ذلك، فقال: «ألا ترضى
(1/210)
أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه
لا نبي بعدي» وقد خرج معه عبد الله بن أبي رأس النفاق، ثم رجع من أثناء
الطريق.
وتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء والذرية، ومن عذره الله من
الرجال ممن لا يجد ظهراً يركبه أو نفقة تكفيه، فمنهم البكاؤون، وكانوا
سبعة: سالم بن عمير، وعلبة بن زيد، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، وعمر بن
الحمام، وعبد الله بن المغفل المزني، وهرمي بن عبد الله وعرباض بن سارية
الفزازي، رضي الله عنهم.
وتخلف منافقون كفراً وعناداً وكانوا نحوالثمانين رجلاً.
وتخلف عصاة مثل: مرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهلال بن أمية.
ثم تاب الله عليهم بعد قدومه صلى الله عليه وسلم بخمسين ليلة.
فسار صلى الله عليه وسلم فمر في طريقه بالحجر، فأمرهم أن لا يدخلوا عليهم
بيوتهم إلا أن يكونوا باكين، وأن لا يشربوا إلا من بئر الناقة، وما كانوا
عجنوا به من غيره فليطعموه للإبل.
وجازها صلى الله عليه وسلم مقنعاً.
فبلغ صلى الله عليه وسلم تبوك وفيها عين تبض بشيء من ماء قليل، فكثرت
ببركته، مع ما شوهد من بركة دعائه في هذه الغزوة، من تكثير الطعام الذي كان
حاصل الجيش جميعه منه مقدار العنز الباركة، فدعا الله عز وجل فأكلوا منه
وملؤوا كل وعاء كان في ذلك الجيش، وكذا لما عطشوا دعا الله تعالى فجاءت
سحابة
(1/211)
فأمطرت، فشربوا حتى رووا واحتملوا، ثم
وجدوها لم تجاوز الجيش.
ومن آيات أخر كثيرة احتاجوا إليها في ذلك الوقت.
ولما انتهى إلى هناك لم يلق غزواً، ورأى أن دخولهم إلى أرض الشام بهذه
السنة يشق عليهم، فعزم على الرجوع.
وصالح صلى الله عليه وسلم يحنة بن رؤبة صاحب أيلة، وبعث خالداً إلى أكيدر
دومة، فجيء به فصالحه أيضاً، ورده، ثم رجع صلى الله عليه وسلم وبعد رجوعه
أمر بهدم مسجد الضرار، وكان قد أخرج من دار خزام بن خالد، وهدمه بأمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم أخو بني سالم، أحد رجال بدر، وآخر
معه اختلف فيه، وهو المسجد الذي نهى الله رسوله أن يقوم فيه أبداً.
وكان رجوعه من هذه الغزاة في رمضان من سنة تسع، وأنزل فيها عامة سورة
التوبة، وعاتب الله عز وجل من تخلف عنه صلى الله عليه وسلم، فقال عز وجل:
{ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا
يرغبوا بأنفسهم عن نفسه} الآية والتي تليها، ثم قال: {وما كان المؤمنون
لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا
قومهم إذا
(1/212)
رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} ، فبان لك من هذا واتضح ما اختلف فيه، وهو أن
طائفة النافرة هم الذين يتفقهون في الدين بصحبتهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم في هذه الغزوة، وإذا رجعوا أنذروا قومهم ليحذروا مما تجدد بعدهم من
الدين، والله سبحانه وتعالى أعلم. |