ألفية
السيرة النبوية - نظم الدرر السنية الزكية ذكر معجزاته صلّى الله عليه وسلّم
أعظمها معجزة القرآن ... تَبْقَى على تَعَاقُبِ الأزْمَانِ
كذا انْشِقاقُ البَدْرِ حتّى افترقا ... بِفِرْقتَيْنِ، رَأيَ عَيْنٍ
حُقِّقَا
وقَدْ زَوَى لَهُ الإلهُ حَقَّا ... الأرضَ مَغْربًا لَها وَشَرْقَا
وقالَ: «ما زَوَاهُ لي سَيَبْلُغُ ... إليهِ مُلْكُ أُمَّتي» فَبَلَغُوا
وحَنَّ جِذْعُ النَّخْلِ لمَّا فَارقَهْ ... لِمِنْبَرٍ إليهِ، حتَّى
اعْتَنَقَهْ
وَنَبَعَ الْمَاءُ فَجَاشَ كَثْرَه «1» ... من بين إصبعيه «2» غير مرّه «3»
وسبّح الحصى بِكَفِّهِ بِحَقْ ... كَذا الطعَامُ عِندَهُ بهِ نَطَقْ
وَشَجَرٌ وَحَجَرٌ قَدْ سَلَّما ... عَلَيْهِ نُطْقًا، والذّرَاع كلّما
وقد شكا له البعير إذ جهد ... وبالنّبوّة له الذّيب شهد
وجاء مرّة قضاء الحاجة ... ولم يجد شيئا «4» سوى أشاءة «5»
__________
(1) جاش: ارتفع وفار.
(2) في هامش (ب) : (لو قال شيخنا: «من نفس إصبعيه» .. كان أحسن؛ لأن الصحيح
أن الماء تفجر من نفس الأصابع، مع احتمال كل من القولين، والله أعلم) .
(3) في هامش (ب) : (قال ابن عبد البر في أول «الإستيعاب» : إن ذلك كان من
النبي صلى الله عليه وسلم مرات في مواطن شتى. اه وعن ابن حبان في «صحيحه» :
أنه اتفق مرات عددها خمسة) .
(4) في (ج) و (د) : (سترا) بدل (شيئا) .
(5) أشاءة- بفتح الهمزة وشين معجمة-: نخلة صغيرة.
(1/92)
ومِثْلِهَا، لكنْ هُمَا بَعُدَتا ... أمَرَ
كلاًّ مِنْهُما فَأَتَتَا
تَخُدُّ «1» الأرْضَ ذي وذي حتَّى قَضَى ... حاجته، أمر كلّا فمضى
وازدلفت إليْهِ سِتُّ بُدْنِ ... للنَّحْرِ، كُلٌّ سَابِقٌ للطَّعْنِ
وَنَدَرَتْ «2» عَيْنُ قَتَادَةَ فَرَدْ ... تِلكَ فكانتْ مِنْ صحيحة أحد
وبرئت عَيْنُ عَليٍّ إذْ تَفَلْ ... فِيهَا لِوَقْتِهِ، وما عَادَ حَصَلْ
وابْنُ عَتِيْكٍ رِجْلُهُ أُصيبَتْ ... فَهْيَ بمسحه سريعا برئت
وقَالَ: أقْتُلُ أُبَيَّ بْنَ خَلَفْ ... خَدَشَهُ خَدْشًا يسِيرًا
فانْحَتَفْ «3»
كَذَاكُمُ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفِ ... قُتِلَ كافِرًا ببَدْرٍ فَوُفِي
وَعَدَّ في بَدْرٍ لهُمْ مَصَارِعا ... كلٌّ بما سَمّى لهُ قَدْ صُرِعا
وقالَ عَنْ قَوْمٍ: «سَيَرْكَبُونا ... ثَبَجَ «4» هذا البَحْرِ» أيْ:
يَغْزُونا
ومنهُمُ أمُّ حَرَامٍ رَكِبَتْ ... البَحرَ، ثمَّ في رجوعِهِمْ قَضَتْ «5»
وقَالَ في الحَسَنِ سِبْطِ نَسَبِهْ ... يَومًا: لَعَلَّ الله أنْ يُصْلِحَ
بِهْ
ما كَانَ بَيْنَ فِئتَينِ وَهُمَا ... عَظيمَتانِ، الكُلُّ مِمَّنْ
أسْلَمَا
فكانَ ذا، وقالَ في عثمانا: ... «تصيبه البلوى» فحقّا كانا
__________
(1) تخد: تشق.
(2) ندرت: سقطت.
(3) فانحتف: من لقي حتفه إذا مات.
(4) ثبج: وسط.
(5) قضت: ماتت.
(1/93)
ومَقْتَلُ الأسوَدِ في صَنْعَا اليَمَنْ
... ذَكَرَهُ لَيلَةَ قَتْلِهِ، وَمَنْ
قَتَلَهُ «1» ، كَذاكَ كِسْرَى أخْبَرَا ... بِقَتْلِهِ، فَكَانَ ذا بِلا
مِرَا
وقَالَ إخْبَارًا عَنِ الشَّيْمَاءِ «2» ... «قَدْ رُفعَتْ في بَغْلَةٍ
شَهْبَاءِ»
خِمَارُها أسْودُ حتَّى أُخِذَتْ ... عَهدَ أبي بكرٍ كما قَد وُصِفَتْ
وَقَدْ دَعَا لوَلَدِ الخَطَّابِ ... بِعِزَّةِ الدّينِ بهِ، أوْ بأَبِي
جَهْلٍ، أصَابَتْ عُمَرًا فأسْلَمَا ... عَزَّ بهِ مَنْ كانَ أضْحَى
مُسْلِمَا
ولِعَلِيٍّ بذَهابِ الحَرّ ... والبَرْدِ، لمْ يكنْ بِذَينِ يَدْري
ولابنِ عَباسٍ بِفقهِ الدّينِ مَعْ ... عِلْمٍ بتأويلٍ، فَبَحْرًا اتَّسَعْ
وثَابِتٍ بِعَيْشِهِ سَعِيدًا «3» ... حَيَاتَهُ، وموتِهِ شَهيدًا
فَكانَ ذا، وأنسٍ بِكَثْرَةِ ... المَالِ والوُلْدِ وَطُولِ المُدَّةِ
في عمْرِهِ، فَعَاشَ نَحوَ المئة «4» ... وكانَ يُؤْتي نَخْلُهُ في
السَّنَةِ
حِمْلَيْنِ، والوُلْدُ لصلب مئة ... من بعد عشرين ذكورا أثبتوا
__________
(1) في هامش (ب) : (الذي قتله هو فيروز الديلمي، أسلم في حياته عليه
السلام، وتعد له صحبة) .
(2) الشيماء: هي بنت بقيلة الأزدية، وخبرها أخرجه الطبراني في «الكبير» (4/
213) ، والبيهقي في «الدلائل» (5/ 268) ، ووقع في «العجالة السنية» (173)
للمناوي: أنها الشيماء بنت الحارث السعدية، فوهم في ذلك، ثم أتى بالحديث
فذكر الشيماء الأزدية.
(3) في هامش (ب) : (هو ثابت بن قيس بن شماس) .
(4) في هامش (ب) : (وعاش على قول فوق المئة، والله أعلم) .
(1/94)
وقَالَ فيمَنِ ادَّعَى الإسْلامَا «1» ...
وَقَدْ غَزا مَعْهُ العِدَا وَحَامَا «2»
مَعْ شِدَّةِ القِتَالِ للكفَّارِ ... مَعْهُ: بأنهُ مِنَ أهلِ النارِ
فَصَدَّقَ الله مقالَ السَّيّدِ ... بِنَحرِهِ لِنَفسِهِ عَمْدَ اليَدِ «3»
وكانَ مِنْ عتبة بنِ أبي لَهَبْ ... أذًى لهُ، دَعَا عَليهِ، فوجب
يسلّط الله عليهِ كَلْبا ... قَتَلَهُ الأَسَدُ قَتْلاً صَعْبا
وقد شكا لَهُ قُحُوطَ المَطَرِ ... شَاكٍ، أتاهُ وهْوَ فوقَ المِنبرِ
فَرَفَعَ اليَدَيْنِ لله، وَمَا ... قَزَعَةٌ «4» ولا سَحَابٌ في السَّمَا
فَطَلَعَتْ سَحَابَةٌ وانتشَرَتْ ... فأُمْطِروا جمعة تواترت
حتّى شكا لَهُ انقطاعُ السُّبُلِ ... فأَقْلَعَتْ لمَّا دَعَا الله العَلي
وأطْعَمَ الألفَ زَمَانَ الخَنْدَقِ ... مِنْ دونِ صَاعٍ وبُهَيْمةٍ، بَقي
بَعدَ انْصِرافِهِمْ عَنِ الطعَامِ ... أكثرُ ممَّا كان مِنْ طَعَامِ
كذاكَ قدْ أطعمَهُمْ مِنْ تَمْرٍ ... أَتَتْ بهِ جَارِيَةٌ في صُغْرِ
وأَمَرَ الفَاروقَ أن يُزَوّدا ... مئينَ أرْبعًا أتَوْا فَزَوَّدا
والتمرُ كانَ كالفَصيلِ الرَّابِضِ ... كأنهُ ما مسّه من قابض «5»
__________
(1) في هامش (ب) : (هو قزمان، وكنيته أبو الغيداق) .
(2) حام: احتفل وانتصر له.
(3) عمد اليد: بنصب (عمد) أي: قتل نفسه بيده عمدا.
(4) قزعة: قطعة من الغيم.
(5) الفصيل: ولد الناقة. الرابض: البارك.
(1/95)
كذاكَ أقراصُ شَعيرٍ جُعِلَتْ ... مِنْ
تَحتِ إبْطِ أنَسٍ، فَأَكَلَتْ
جَمَاعَةٌ منها ثَمانونَ، وَهمْ ... قَدْ شَبِعوا، وهْوَ كما أُتي لَهُمْ
وأطعَم الجيشَ فكلٌّ شَبِعا ... مِنْ مِزْوَدٍ، وما بقي فيهِ دعا
لِصَاحِبِ المِزْوَدِ فيهِ «1» ، فَأُكِلْ ... منهُ حيَاتَهُ إلى حَينَ
قُتِلْ
عُثمانُ، ضَاعَ، وَرَوَوا أنْ حِمْلا ... خمسينَ وِسْقًا منهُ لله علا
وفي بِنَائِهِ بزَيْنَبْ أطْعَمَا ... خَلقًا كثيرًا منْ طَعَامٍ قُدِّما
أهدَتْ لهُ أمُّ سُليمٍ، رُفِعَا ... مِنْ بينِهِمْ، وَهْوَ كَمَا قدْ
وُضِعا
والجَيشُ في يَومِ حُنَينِ إذ رُموا ... مِنهُ بقَبْضَةٍ تُرَابًا هُزمُوا
وأنْزلَ الله بِهِ كِتَابَا ... وامتلأَتْ أعْيُنُهُمْ ترابا
كذا التّراب في رؤوس القَوْمِ قَدْ ... وَضَعَهُ، ولمْ يَرَهْ منهُمْ
أَحَدْ
وكمْ لهُ مِنْ مُعجزاتٍ بَيّنَهْ ... تَضيقُ عَنهَا الكتب المدوّنه «2»
__________
(1) صاحب المزود هو سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه وقصته أخرجها البيهقي في
«الدلائل» (6/ 110) .
(2) أجمع كتاب ضمها هو «حجة الله على العالمين في معجزات سيّد المرسلين»
للعلامة النبهاني رحمه الله تعالى.
(1/96)
ذكر خصائصه صلّى الله عليه وسلّم «1»
خُصَّ النبيُّ بوجوبِ عِدَّهْ ... الوِتْرِ، والسّوَاكِ، والأُضْحِيَّهْ
كذا الضُّحى- لَوْ صَحَّ- والمُصَابَرَهْ ... على العَدُوّ، وكذا
المُشاوَرَهْ
والشافعِي عَنِ الوجوبِ صَرَفَهْ «2» ... حَكَاهُ عنهُ البيهقِيْ في
«المَعْرِفَهْ» «3»
كذا التَّهَجُّدُ ولَكِنْ خفّفا ... نسخا، وقيل: بل هذا كرم
كذا قَضَاءُ دَيْنِ مَنْ مَاتَ وَلَمْ ... يَتْرُكْ وَفَاءً، قِيلَ: بَلْ
هَذَا كَرَمْ
كذاكَ تَخْيِيرُ النّساء اللّاتي ... معه، وأمّا في المحرّمات
ممّا أبيح لسواه حرّما ... عليه، فهي مَدُّ عَيْنَيْهِ لِمَا
قدْ مُتّعَ الناسُ بهِ مِنْ زَهْرَةِ ... دُنْيَاهُمُ، كَذاكَ مِنْ خائنَةِ
الأعْيُنِ، اعْدُدْهُ، ونَزْعُهُ لِمَا ... لَبِسَ مِنْ لأْمَةِ حَرْبٍ
حُرِمَا «4»
حتَّى يُلاقيَ العِدَا فَيَنْزِعا ... صَدَقةً فامْنَعْ ولو تطوّعا
والشّعر، والخطّ، وقيل: يمنع ... ثوم ونَحوُهُ، وأكلٌ يَقَعُ
معَ اتّكَاءٍ، والنكَاحَ للأَمَهْ ... مع الكتابيّة غير المسلمه
__________
(1) أجمع كتاب فيها «الخصائص الكبرى» للحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله
تعالى.
(2) في هامش (ب) : (صرف ذلك إلى الاستحباب؛ يعني وجوب المشاورة، لا كل ما
ذكر) .
(3) أي: كتاب «معرفة السنن والآثار» للبيهقي.
(4) قوله: (لأمة حرب) أي: الدرع.
(1/97)
كذاكَ إمْسَاكُ التي قدْ كَرِهَتْ ...
نِكَاحَهُ، والخُلْفُ في هذا ثَبَتْ
وَقَدْ أباحَ ربُّهُ الوِصَالا ... لهُ، وفي سَاعَةٍ القِتَالا
بمَكَّةٍ، كذا بِلا إحرَامِ ... دُخولُهَا، وليسَ بالمَنَامِ
مُضطَجِعًا نَقضُ وضوئِهِ حصل ... كذا اصطفاء ما له الله أَحَلْ
منْ قَبْلِ قِسْمةٍ، كذاكَ يَقْضي ... لنفسِهِ وَوُلْدِهْ فيَمْضي
كذا الشهَادَةُ، كذاكَ يَقبَلُ ... مَنْ شَهِدوا لهُ، كذاكَ يَفْصِلُ
في حُكمِهِ بِعِلمِهِ للعِصْمَةِ ... واخْتلَفُوا في غيرِهِ للرِّيبَةِ «1»
كَذَا له أنْ يَحْمِيَ المَواتَا ... لِنَفسِهِ، ويأخُذَ الأقْوَاتَا
وغيرَهَا منَ الطعَامِ مَهْمَا ... إحْتاجَ، والبَذلَ فأوْجِبْ حَتْما
مِنْ مَالِكٍ، وإن يكنْ مُحْتَاجَا ... لكنَّهُ لفِعْلِ هذا مَا جَا
والخُلْفُ في النَّقضِ بِلَمْسِ المَرأةِ ... والمُكثِ في المَسجِدِ مَعْ
جَنَابَةِ
وجَائِزٌ نِكَاحُهُ لتِسْعَةِ ... وفَوقَهَا، وعَقْدُهُ بالهِبَةِ
فإنْ فلا بالعَقدِ حَتم مَهرِهِ ... ولا الدُّخولُ بخِلافِ غَيرِهِ «2»
__________
(1) في (أ) و (ج) وهامش (د) وهامش (ب) رواية أخرى:
(في حكمه لعلمه إجماعا ... وغيره فيه الخلاف شاعا)
(2) في هامش (ب) : (إذا قلنا: إنه يعقد نكاحه ص بلفظ الهبة كما هو الأصح..
فلا يجب المهر بالعقد ولا بالدخول كما هو مقتضى الهبة، هذا معنى هذا البيت،
فنزله عليه؛ فإني كذلك رأيته في الأصل المنقول منه، وهأنا أحلّه لك، فقوله:
«فإن» أي: فإن قلنا بانعقاد نكاحه بالهبة ... أو فإن وقع مثل ذلك ...
وقوله: «فلا بالعقد» أي: فلا يجب مهر بالعقد، والله أعلم) .
(1/98)
كذَا بلا وَليّ، او شُهودٍ، او ... في
حَالِ إحرامٍ، بِخُلْفٍ قدْ حَكَوْا
ومَنْ يَرُمْ نِكاحَهَا، لَزِمَهَا ... إجابَةٌ، وحَرُمَتْ خِطْبَتُهَا
ومَنْ لهَا زوجٌ فحَقًّا وَجَبَا ... طَلاقُهَا، كما جَرَى لِزيْنَبَا «1»
وفي وُجوبِ قَسْمِهِ بَينَ الإمَا ... وبَيْنَ زَوجاتٍ لَهُ خُلْفٌ نَمَا
«2»
زَوْجاتُهُ كُلٌّ مُحرمَاتُ ... هُنَّ لذي الإيمَانِ أُمهَاتُ
نِكاحُهُنَّ مَعْ عُقوقِهِنَّهْ ... معَ الوجوبِ لاحتِرَامِهِنّهْ
لا نَظَرٌ وخَلْوةٌ بِهِنَّهْ ... ولا بِتَحريمِ بَناتِهِنَّهْ «3»
مَنْ دَخَلَتْ عَليهِ، أوْ قَدْ فُورِقَتْ ... أو مَاتَ عَنْها، أو تَكونُ
سَبَقَتْ «4»
__________
(1) المصنف هنا يشير لقصة زواج النبي ص بزينب رضي الله عنها، وأنه ص رآها
فأعجبته إلى آخر هذه القصة المدسوسة، والعجب من المصنف- وهو هو في علم
الحديث- كيف أشار إليها مع أنه اعتمد إيراد ما صح من السّير، قال الصالحي
الشامي في «سبل الهدى والرشاد» (11/ 321) : وقال القاضي والحافظ وغيرهما:
وما زعمه هؤلاء من أن النبي ص هوي امرأة زيد، وأحب طلاقها، وأنه أخفى ذلك
عن زيد حين استشاره في طلاقه غير صحيح، وإن صح عن قائله.. فهو منكر من
القول، يتحاشى جانب النبوة عنه، إذ كيف يتصور أن سيد الأولين والآخرين ينظر
إلى زوجة رجل من أصحابه الخصيصين، الذي ادعاه ولدا له، وأنها تقع في خاطره،
وأنه يقصد فراق زوجها ليتزوجها؟ معاذ الله أن ينسب ذلك إليه، ولو نسب ذلك
لآحاد الناس لم يرضه لنفسه، ولا يرضاه أحد لغيره، ومن قال هذه المقالة فقد
اقتحم أمرا عظيما في جانب النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) نما: ظهر وانتشر.
(3) قوله: (لا نظر ... ) أي: أن حكم أمهات المؤمنين في الاحترام والإعظام
وتحريم نكاحهن، ولا يجري هذا الحكم بالنسبة إلى النظر إليهن والخلوة بهن
وزواج بناتهن. والهاء في المصراعين للسكت.
(4) في هامش (ب) : (أي: سبقته بالوفاة، كخديجة وزينب بنت خزيمة) .
(1/99)
وهُنَّ أفْضَلُ نِسَاءِ الأُمَّةِ «1» ...
ضُعِّفْنَ في الأجْرِ وفي العُقوبَةِ
أفْضَلُهُنَّ مُطلقًا خَدِيجَةُ ... وبَعدَها عَائِشَةُ الصِّدِّيقَةُ «2»
وأَنَّهُ خَاتَمُ الأنبِيَاءِ ... خَيْرُ الخَلائِقِ بِلا مِرَاءِ
أمَّتُهُ في النَّاسِ أفضَلُ الأُمَمْ ... مَعْصومَةٌ منَ الضَّلالِ
بِعِصَمْ «3»
أصْحَابُهُ خَيرُ القرونِ في المَلا ... كِتَابُهُ المَحفوظُ أنْ يُبَدَّلا
شِرْعَتُهُ قَدْ أُبّدَتْ وَنَسَخَتْ ... كُلَّ الشَّرَائعِ التي قَبلُ
خَلَتْ
والأرضُ مَسجِدٌ لهُ طهورُ ... والرُّعْبُ شَهْرًا نَصرُهُ يسير
سيّد أولاد أبينا آدما ... قَدْ حَلَّلَ الله لهُ الغَنائِمَا
أُرْسِلَ للنَّاسِ جَميعًا، أُعْطِيَا ... مَقامَهُ المَحمودَ حتى رَضِيَا
وخُصَّ بالشفَاعةِ العُظْمَى التي ... يُحْجِمُ عَنْها كُلُّ مَنْ لَها
أُتي
أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ ... ولا يَنَامُ قَلْبُهُ بَلْ
غَمْضُ
أَوَّلُّ مَنْ يَقُومُ للشَّفَاعَةِ ... أوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ
الجَنَّةِ
أكْثَرُ الأنبيَاءِ حَقًّا تَبَعا ... يَرَى وَرَاءَهُ كَقُدَّامِ معا
آتاه ربُّهُ جَوامِعَ الكَلِمْ ... قَرينُهُ «4» أَسْلَمَ «5» ، فَهْوَ
قَدْ سلم
__________
(1) في هامش (ب) : (أي: بعد بناته الأربع، وأفضلهن فاطمة) .
(2) في هامش (ب) : (وبعد عائشة زينب بنت جحش، هذا الذي يظهر، والله أعلم) .
(3) بعصم- جمع عصمة-: وهي الحفظ.
(4) جوامع الكلم: يعني أن كلامه كثير المعاني، قليل الألفاظ. قرينة: صاحبه
من الجن.
(5) في هامش (ب) : (في هذا اختيار من شيخنا لرواية «فأسلم» بالفتح، وفي
الميم روايتان لرواة مسلم، وكأن الشيخ ترجح عنده الفتح) .
(1/100)
صُفُوفُهُ والأمَّةِ المُبَارَكَهْ ...
كَصَفّ عِندَ رَبّهَا المَلائِكهْ «1»
ولا يَحِلُّ الرَّفْعُ فَوْقَ صَوْتِهِ ... ولا يُنادَى باسمِهِ بَلْ
نَعْتِهِ
خُوطِبَ في الصَّلاةِ بالسَّلامِ ... عَلَيكَ دونَ سَائِرِ الأنَامِ
ومَنْ دَعَاهُ في الصَّلاةِ وَجَبَتْ ... إجابَةٌ لَهُ، وفَرضُهُ ثَبَتْ
«2»
وبَولُهُ ودَمُهُ إذ أُتِيَا ... تَبَرُّكًا مِنْ شَارِبٍ ما نُهِيَا
يَقْبَلُ ما يُهْدَى لَهُ فَحِلُّ ... دُونَ الوُلاةِ فَهْوَ لا يَحِلُّ
فَاتَتْهُ رَكْعتَانِ بَعْدَ الظهْرِ ... صَلاهُمَا ودَامَ بَعْدَ العَصْرِ
وما لنَا دَوامُ ذا بَلْ يَمتَنِعْ ... وما سِوَى سَبَبِهِ فمنقطع
ونسب يوم القيامة «3» ، ومن ... رآه نوما فهو قد رآه لَنْ
يَكونَ للشيطَانِ مِنْ تَمَثُّلِ ... بِصورَةِ النَّبيّ أو تَخَيُّلِ
وكَذِبٌ عَليهِ لَيْسَ كَكَذِبْ ... عَلى سواه «4» ، فهو أكبر الكذب «5»
__________
(1) قوله: (والأمة) بالجر معطوف على الضمير المجرور، يعني: أن صفوفه وصفوف
أمته عند الله كصفوف الملائكة. وقوله: (كصف) فصل بينه وبين ما أضيف إليه
(الملائكة) بالظرف.
(2) قوله: (وفرضه ثبت) يعني: أن صلاته لا تبطل بذلك وإن كانت فرضا.
(3) يعني: أن كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببه ونسبه صلى الله عليه
وسلم، ومعناه: أنه ينتفع يومئذ بالنسبة إليه، ولا ينتفع بسائر الأنساب.
(4) في هامش (ب) : (أي من البشر، وإلا.. فالكذب على الله عز وجل أكبر) .
(5) في هامش (أ) : (بلغ الحافظ نور الدين الهيثمي قراءة على ناظمها
والجماعة سماعا في الثالث بالروضة الشريفة) .
(1/101)
ذكر حجّه وعمره صلّى الله عليه وسلّم
قَدْ حَجَّ بَعدَ هِجرَةٍ لِطَيبَه ... سَنَةَ عَشْر قَطْ بِغيرِ مِرَيه
«1»
واعتَمَرَ النبيُّ بَعدَ الهجرَةِ ... أربعَةً، والكُلُّ في ذي القَعْدَةِ
إلا التي في حجّة الوداع ... قرنها، لم تخل من نزاع
أوَّلُهَا سَنَةَ سِتّ صُدَا ... فيهَا عن البَيتِ، فَحَلَّ «2» قَصْدَا
كَانَتْ بِهَا بَيْعَتُهُ المَرضِيَّهْ ... ثم تَليهَا عُمرَةُ القَضِيَّهْ
سَنةَ سَبعٍ، بَعدَهَا الجِعْرانَهْ ... عَامَ ثمانٍ، واعدُدَنْ قِرَانَهْ
ولم يَعُدَّ مَالِكٌ ذي الرَّابِعَهْ ... وقالَ: حَجَّ مُفرَدًا، وتابَعَهْ
بَعضُهُمُ، وَحَجَّ قَبلَ الهجرَةِ ... ثِنتَينِ، أو أكثرَ، أو فَمَرَّةِ
ولمْ يَصِحَّ عَدَدُ الحَجَّاتِ ... مِن قَبلِ هجرة، ولا العمرات «3»
__________
(1) في هامش (ب) : (أو يقال: «في عشرة» ، وحذف «قط» هو الوزن في كلام
المصنف، وفي بعض النسخ: سنة عشر) .
(2) فحلّ: فتحلل بذبح الهدي والحلق.
(3) في هامش (ب) : (بلغ على أصله) .
(1/102)
ذكر عدد مغازيه صلّى الله عليه وسلّم
سبعا وعشرين اعددنّ الغزوا ... أوّلها ودّان وهي الأبوا «1»
ثمّ بواط بعد، فالعشيرا ... فبدر الأولى، فبدر الكبرى «2»
فقينقاع، فالسّويق، غطفان ... وهي فذو أمر، فغزو بحران «3»
فأحد بعد، فحمراء الأسد ... ثمّ بنو النّضير، ثمّ في العدد «4»
ذات الرّقاع، ثمّ بدر الموعد ... فدومة، فالخندق، اذكر واعدد «5»
__________
(1) ودّان: هي الأبواء وقد مرت.
(2) بواط- بفتح الباء وضمها-: جبل من جبال جهينة بناحية رضوى- وقيل: واد-
شمال ينبع. العشيرة: تقع في الجنوب الشرقي لينبع، وقد اندرس موضعها الآن،
وبقربها عين البركة لا تزال معروفة حتى الآن.
(3) قينقاع- بفتح القافين وسكون التحتية وتثليث النون، والضم أشهر- قال
السمهودي في «الوفا» : (منازل بني قينقاع عند جسر بطحان مما يلي العالية،
ولهم شجاعة) . ذو أمر- بفتح الهمزة والميم وتشديد الراء، وخفف هنا للوزن-:
موضع بنجد من ديار غطفان. بحران- بضم الموحدة وسكون المهملة-: موضع بناحية
الفرع، بينها وبين المدينة المنورة ثمانية برد شرق رابغ على مسافة تسعين
كيلومترا.
(4) حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة المنورة، عن يسار
الطريق إذا أردت ذا الحليفة. بنو النضير- بفتح النون وكسر الضاد المعجمة-:
قبيلة من اليهود، ينسبون إلى سيدنا هارون عليه السلام، سكنوا مع العرب،
ودخلوا فيهم.
(5) بدر الموعد: وهي غزوة بدر الصغرى، وتسمى بدر الموعد؛ للمواعدة عليها مع
أبي سفيان يوم أحد. ذات الرقاع- بكسر الراء، جمع رقعة-: موضع على بعد (100)
كيلومترا شمال المدينة المنورة بين نخل وادي الحناكية وبين الشّقرة. دومة
الجندل: مدينة معروفة بين الشام والمدينة المنورة شمال مدينة تيماء على
مسافة (450) كيلومترا.
(1/103)
قريظة، لحيان، ثمّ ذو قرد ... ثمّ المريسيع
على القول الأسد «1»
ثمّ تليها عمرة الحديبيه ... فخيبر، فعمرة القضيّه «2»
ففتح مكّة، حنين، وتلا ... غزاة طائف تبوك، قاتلا
منها بتسع: أحد، والخندق ... بدر، بني قريظة، المصطلق
خيبر، والفتح، حنين، طائف ... وقد حكوا عن قول بعض السّلف «3»
بأنّه قاتل في النّضير ... وغابة، وادي القرى المشهور «4»
__________
(1) قريظة: بضم القاف وفتح الراء، وبنو قريظة كانوا يسكنون العوالي من
المدينة المنورة، ففيها منازلهم. لحيان- بكسر اللام وفتحها-: قبيلة من
هذيل. ذو قرد- بفتح القاف والراء، وقيل: بضمها، وقيل: بضم الأول وفتح
الثاني-: ماء على ليلتين من المدينة المنورة، بينها وبين خيبر، تبعد عن
المدينة المنورة (35) كيلومترا شمال شرق. المريسيع: ماء في ناحية قديد إلى
الساحل، بينها وبين سيف البحر (80) كيلومترا.
(2) خيبر: على وزن جعفر، وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير، تقع
شمال المدينة المنورة، تبعد عنها حوالي (179) كيلومترا، وهي محافظة تتبعها
قرى، وتتبع محافظة خيبر إمارة منطقة المدينة المنورة.
(3) حنين: اسم موضع في طريق الطائف إلى جنب ذي المجاز، وهو سوق كان للعرب
على فرسخ من عرفة. الطائف: محافظة معروفة تابعة لإمارة منطقة مكة المكرمة.
تبوك- بفتح الفوقية وضم الباء: - مدينة عامرة لها إمارة مستقلة تتبعها عدة
محافظات، وتقع شمال المدينة المنورة، وتبعد عنها (760) كيلومترا.
(4) الغابة: موضع قرب المدينة المنورة من ناحية الشام تبعد عنها (6)
كيلومترا من جهة الشمال الغربي. وادي القرى- بضم القاف وفتح الراء-: واد
بين المدينة المنورة وتبوك، بينه وبين المدينة (350) كيلومترا من جهة
الشمال. وفي هامش (أ) : (بلغ الشيخ شهاب الدين أحمد بن عثمان الكلوتاتي نفع
الله به قراءة عليّ في الخامس والجماعة سماعا. كتبه مؤلفه) .
(1/104)
|