المختصر
الكبير في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ذكرُ غَزْوَاتِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
فِي هَذِه المدَّة وَبَعض الْحَوَادِث
فَفِي السّنة الأُولى غَزْوَة الأَبْوَاء، وَهِي غَزوة وَدَّان فِي صَفَر.
وَفِي هَذِه السّنة جُعلت الصلاةُ الحَضَر أربعَ رَكْعَات، وَكَانَت
رَكعتين بعد مَقْدمِه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْمَدِينَة بشهرٍ. كَذَا
قَالَ ابْن إِسْحَاق وغيرُه. وَهُوَ قَول عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -
وَقيل: إِنَّهَا فُرضت أَرْبعا إلاّ المَغرب، فَإِنَّهَا فُرضت ثَلَاثًا،
والصُبح فُرضت رَكْعَتَيْنِ. وَقيل غير ذَلِك. وَالله أعلم.
وفيهَا شُرِع الأَذان، وأَسلم عبد الله بن سَلاَم، وَفِي السّنة
الثَّانِيَة غزوةُ بُوَاطٍ فِي شهر ربيعٍ الأول. ثمَّ غَزْوَة بدر الأولى
يطْلب كُرْزَ بن جَابر فِي الشَّهْر
(1/57)
الْمَذْكُور. ثمَّ غَزْوَة ذِي العُشَيْرة
فِي جُمادى الْآخِرَة، ثمَّ غَزْوَة بدرٍ الْكُبْرَى، وَهِي البَطْشَةُ
الَّتِي أعزّ الله بهَا الإِسلام، وأهلكَ بهَا رُؤُوس الكَفَرة يَوْم
الجُمعَة لسبعَ عشرَة خلونَ من شهر رَمَضَان، حضرَها من الْمُهَاجِرين
أَرْبَعَة وَسَبْعُونَ رجلا، وَمن الْأَنْصَار مِائَتَان وواحدٌ
وَثَلَاثُونَ رجلا. وَلم يكن [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] غزا بأَحدٍ من
الْأَنْصَار قبل ذَلِك. فَجَمِيع مَنْ حضرها من الْمُسلمين ثَلَاثمِائَة
وَخَمْسَة رجالٍ، هَكَذَا ذكر عددَهم شَيخنَا الْحَافِظ شرف الدّين
الدمياطي - رَحمَه الله -.
ثمَّ قَالَ: وَقيل ثَلَاثمِائَة وبِضْعَة عَشَر. وَفِي صَحِيح مُسلم من
حَدِيث عِكْرِمَة بن عمّار عَن سِمَاك الحنفيّ عَن ابْن عبّاس عَن عمر بن
الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ -: أَنهم كَانُوا ثَلَاثمِائَة وَسَبْعَة عشر
رجلا. وَجزم ابْن عبد البرّ فِي كِتَابه (الدُّرر فِي اخْتِصَار
الْمَغَازِي / 16 ظ. والسِّيَر) ، بأنَّ الْمُسلمين كَانُوا يَوْم بدرٍ
(1/58)
ثَلَاثمِائَة وَأَرْبَعَة عشر رجلا، عدد
الْمُهَاجِرين، ومَنْ ضربَ لَهُ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
بسهمه وَأَجَازَهُ ثَلَاثَة وَثَمَانُونَ رجلا، وَمن الْأَوْس أحد
وَسِتُّونَ رجلا، وَمن الْخَزْرَج مائَة وَسَبْعُونَ رجلا.
وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ: إنّ البَرَاء بن عَازِب قَالَ: استُصغرتُ أَنا و
[ابْن] عُمر يَوْم بَدرٍ. وَكَانَ المهاجرونَ يومَ بدرٍ نَيِّفاً على
الستِّين، وَالْأَنْصَار نَيِّفاً وَأَرْبَعين [وَمِائَتَيْنِ] . انْتهى.
[واستشْهد مِنْهُم أَرْبَعَة عشَرَ رجلا. وَكَانَ الْمُشْركُونَ بَين تسع
الْمِائَة وَالْألف. وقُتل مِنْهُم سَبْعُونَ رجلا] . وَجزم ابْن عبد البرّ
بِأَنَّهُم كَانُوا يَوْم بدرٍ تِسْعمائَة وَخمسين رجلا.
وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عِكْرِمَة عَن سِمَاكٍ عَن ابْن عبّاس عَن
(1/59)
عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - أَنهم
أَلفٌ. ثمَّ غَزْوَة بني قَيْنُقاع فِي شَوَّال: ثمَّ غَزْوَة السَّوِيق
فِي ذِي الْحجَّة، ثمَّ غَزْوَة قَرْقَرة الكُدْر فِي المحرّم.
وَفِي هَذِه السّنة صُرِفت القبلةُ يَوْم الِاثْنَيْنِ، النّصْف من رَجَب،
وَقيل يَوْم الثُّلَاثَاء النّصْف من شعْبَان. وفيهَا فُرض صومُ شهر
رَمَضان فِي شعْبَان. وفيهَا فُرضت زَكَاة الفِطْر قبل الْعِيد بيومين قبلَ
أَن تُفرض الزَّكَاة فِي الْأَمْوَال كَمَا قَالَ ابْن سعد. وَقَالَ
بَعضهم: إنّ الزَّكَاة فُرضت فِي هَذِه السَّنَة. وَقيل: فُرضت قبل
الْهِجْرَة بمكةَ. وفيهَا أمرَ النبيُّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
بالأُضْحية. وفيهَا أعرس عليٌّ بفاطمة - رَضِي الله عَنْهَا - بعد وقْعَة
بَدْرٍ.
وَفِي السّنة الثَّالِثَة من غَزْوَة غَطَفَان إِلَى نَجْدٍ، وَهِي غَزْوَة
أَنمار، وَهِي ذُو
(1/60)
أَمَر فِي شهر ربيعٍ الأول. ثمَّ غَزْوَة
بني سُلَيْم ببُحران فِي جُمادَى الْآخِرَة. ثمَّ غَزوة أُحُد يَوْم السبت
لسبعٍ خلت من شوّال، تَعبّأَ فِيهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
لِلْقِتَالِ، وَهُوَ فِي سَبْعمِائة رجلٍ، وَالْمُشْرِكُونَ ثَلَاثَة آلَاف
رجلٍ، فيهم سَبْعمِائة دارعٍ، وَمَعَهُمْ مِائَتَا فرَس، وَثَلَاثَة آلَاف
بَعيرٍ. وَقيل: كَانَ مَعَ الْمُسلمين خَمْسُونَ فَرَساً. واستُشهد فِيهَا
من الْمُسلمين / 17 و. سَبْعُونَ - رَضِي الله عَنْهُم - وَقيل: من الكفّار
اثْنَان وَعِشْرُونَ رجلا. ثمَّ غَزْوَة حَمْرَاء الأَسَد فِي شوّال
أَيْضا. وَفِي هَذِه السّنة وُلِد الحَسن بن عليّ - رَضِي الله عَنْهُمَا -
وفيهَا
(1/61)
حُرِّمت الخَمرُ. وَقيل: فِي السّنة
الرَّابِعَة.
وَفِي السّنة الرَّابِعَة غَزْوَة بَني النَّضِير فِي ربيع الأول، ثمَّ
غَزْوَة بدرٍ الصُّغْرَى فِي ذِي الْقعدَة، ثمَّ غَزْوَة ذَات الرّقاع فِي
المحرَّم. وَفِي هَذِه الْغُزَاة صلّى سَوَّلَ الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] صَلَاة الخَوف. وَفِي هَذِه السَّنة قُصِرَت الصلاةُ، ونَزلت آيةُ
الحِجاب. وولِد الحُسين بن عليّ - رَضِي الله عَنْهُمَا - وَكَانَ بَينه
(1/62)
وَبَين أَخِيه الحَسَن طُهرٌ واحدٌ
وَفِي السّنة الْخَامِسَة غَزْوَة دُوْمَة الجَنْدل فِي ربيعٍ الأول، ثمَّ
غَزْوَة المُرَيْسِيع، وَهِي غَزْوَة بني المُصْطَلِق فِي شعْبَان، ثمَّ
غَزْوَة الخَنْدق، وَهِي غَزْوَة الْأَحْزَاب. ثمَّ عَقبهَا غَزْوَة بني
قُرَيْظة، كلتاهما فِي ذِي الْقعدَة، وَقيل: كلتاهما فِي شوّال.
(1/63)
قَالَ ابْن حزم: وَالثَّابِت أَنَّها -
يَعْنِي غَزْوَة الخَنْدَق - فِي الرابعةِ، لحديثِ ابْن عمر: عُرِضْتُ على
النبيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم أُحُد، وَأَنا ابنُ أربعَ عشرةَ،
فردّني، ثمَّ عُرضتُ يَوْم الخَنْدَق وَأَنا ابنُ خمسَ عشرةَ فأجازني،
فصحَّ أَنه لم يكن بَينهمَا إلاَّ سَنَة وَاحِدَة فَقَط، فَإِنَّهَا قبلَ
دُوْمَة الجَنْدل. وَقيل: إِن الحجّ فُرضَ فِي هَذِه السَنة. وَقيل: سنة
ستٍ، وَقيل: سنة سبعٍ. وَقيل: سنة ثمانٍ، وَقيل: سنة تسعٍ. ورجّحه بعض
الْعلمَاء. وَقيل غير ذَلِك.
وَفِي هَذِه السّنة قصَّة الإِفْك فِي غَزْوَة المُريْسِيع، وَقيل إِنَّهَا
فِي السّنة السَّادِسَة. وَنزلت آيَة التَيَمُّم فِي هَذِه السّنة بعد
قصَّة الإِفك، وَقيل: نزلت آيَة التَيمُّم فِي السّنة الرَّابِعَة. وَفِي
هَذِه السّنة صلّى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] صَلَاة الْخَوْف
على قولٍ.
وَفِي السّنة السَّادِسَة غَزْوَة بني لِحْيانَ فِي ربيع الأول، ثمَّ
غَزْوَة الغابة،
(1/64)
وَهِي ذُو قَرَد، فِي ذِي القِعْدة، ثمَّ
غَزْوَة الحُدَيْبيَة فِي ذِي القعْدة أَيْضا. وَفِي هَذِه السّنة قحطَ
النَّاس، فَاسْتَسْقَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] / 17 ظ.
بِالنَّاسِ فِي شهر رَمَضَان فسُقُوا.
وَفِي السّنة السابعةِ غَزْوَة خَيْبَر، فِي جُمَادَى الأُولى، وَقيل: فِي
المحرِّم. وَفِي هَذِه السّنة أسلم أَبُو هُرَيْرَة وَعمْرَان بن حُصين -
رَضِي الله عَنْهُمَا -.
وَفِي السّنة الثَّامِنَة غَزْوَة الفَتْح فِي شهر رَمَضَان، ثمَّ غَزْوَة
رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حُنَيْناً فِي شوّال، فِي اثْنَي
عشر ألفا من الْمُسلمين، عشرَة آلَاف من أهل
(1/65)
الْمَدِينَة، وألفين من أهل مَكَّة.
وَكَانَت سِيما الملائكةِ يَوْم حُنَين عمائمَ حُمْراً قد أَرْخَوها بَين
أكتافهم -. ثمَّ غزوةُ الطَّائف فِي شَوّال أَيْضا.
وَفِي هَذِه السّنة قيل: قدم خَالِد بن الْوَلِيد وَعُثْمَان بن طَلْحَة
وَعَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى الْمَدِينَة فأسلموا. وَقيل: إِن خَالِدا
وعَمراً أسلما قبل ذَلِك، وشهِدا خَيْبَر، وَهُوَ الصَّحِيح. وفيهَا عُمِلَ
مِنبرُ النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وخطبَ عَلَيْهِ، وحنّ إِلَيْهِ
الجذَعُ الَّذِي كَانَ يخْطب عِنْده، وَهُوَ أول مِنبر عُمل فِي
الْإِسْلَام. وَكَانَ من أَثل الغابة، عملَه غُلَام لامْرَأَة من
الْأَنْصَار اسْمه مينا، وَقيل: إِبْرَاهِيم. وَقيل غير ذَلِك، وَكَانَ
دَرَجَتَيْنِ ومجلساً.
(1/66)
وَفِي السّنة التَّاسِعَة غَزْو تَبُوك فِي
ثَلَاثِينَ ألفا، مَعَهم عَشرة آلَاف فرسٍ، وَهي آخرُ غزواتِه [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] وعددُها سبعٌ وَعِشْرُونَ، كَمَا ذكرنَا، وَبِذَلِك جزم
الشَّيْخ الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطيّ، وَهُوَ قَول مُوسَى بن عقبَة
وَابْن إِسْحَاق كَمَا حكى عَنْهُمَا ابْن سعد، وَقَول الْوَاقِدِيّ.
وَقيل: كَانَت غَزَوَاته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خمْسا وَعشْرين. وَقيل:
تسع عشرَة. وَقيل: إِحْدَى وَعشْرين، وَقيل: سِتا وَعشْرين، وَقيل: أَرْبعا
وَعشْرين. قَاتل [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِيهَا فِي تسعٍ: بَدرٌ،
وأُحُد، والخَنْدَق، وقُرَيظة، والمُصْطَلِق، وخَيْبر / 18 و. والفَتْح،
وحُنَيْن، والطائف: وَقيل: قَاتل فِي بني النَضير والغابة ووداي القُرى من
أَعمال خَيبر. وتُسمّى هَذِه السّنة سنة الْوُفُود لِكَثْرَة مَنْ وَفد
فِيهَا على النبيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وفيهَا آلى النبيُّ [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] من نِسَائِهِ. وفيهَا هُدم مَسْجِد الضِّرار، وفيهَا لاعَن
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بَين عُوَيمِر العَجلانيّ وَبَين امْرَأَته
(1/67)
فِي مَسْجده بعد الْعَصْر فِي شعْبَان،
وفيهَا مَاتَ النّجاشيُّ أَصْحَمة.
وَفِي السّنة الْعَاشِرَة قدِمَ جَريرُ بن عبد الله البَجَلِيُّ على رَسُول
الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فأَسلمَ فِي شهر رَمَضَان. وفيهَا نزلَ
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين
ملكت أَيْمَانكُم} الْآيَة. وَكَانُوا لَا يَفْعَلُونَهُ قبل ذَلِك. وفيهَا
ارتدّ مُسيلمةُ الكَذَّاب، وادّعى النبوّة، وفيهَا حَجَّ رَسُول الله [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] حَجَّةَ الوَدَاع. وَنزل عَلَيْهِ [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] بعَرَفَةَ {اليومَ أَكملتُ لكُمْ دِينَكم وأَتممتُ عَلَيْكُم
نِعمَتي، ورَضِيتُ لكُمُ الإِسلامَ دينا} ووقف مَعَه [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] مائةُ ألفٍ وَعِشْرُونَ ألفا. وسُمِّيت حَجَّة الوَدَاع لأنّ
النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خطب النَّاس فِيهَا، وأوصاهم، وَقَالَ:
(1/68)
" لَعلْكم لَا تَرَوني بعد عامِي هَذَا "
وودَّعهم.
وَلم يحجّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعد الْهِجْرَة غَيرهَا. وَقَالَ ابْن
سعد: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يحجَّ منذُ تَنبَّأَ غيرَ
حَجّة الوَدَاع. وَقيل: حَجّ بمكّةَ بعد النبوّة حَجَّةً أُخرى. وَقيل:
حَجّتين أُخرَيَين، وَقَالَ ابْن حزم: حَجّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
واعتمرَ قبل النبوّة وَبعدهَا قبل الْهِجْرَة، حِجَجاً وعُمَراً لَا
يُعرَفُ عددُها. وَاعْتمر رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعد
الْهِجْرَة أربعَ عُمَرٍ، كلّها فِي ذِي القِعْدة، عُمرة الحُدَيْبيَة،
وعُمرة القَضَاء، من قابلٍ، وعُمرة الجِعْرانة والعُمْرَة 18 / ظ. الَّتِي
جَمع مَعَ حَجَّته.
وَكَانَت سَراياه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سِتّاً وَخمسين كَمَا ذكر
الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطيّ - رَحمَه الله - وَقيل: كَانَت سِتّاً
وأَربعين، وَقيل: ثمانياً وَأَرْبَعين، وَقيل: سِتّاً وَثَلَاثِينَ.
(1/69)
ذِكْرُ صِفتهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
كَانَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَيْسَ بالطويل الْبَائِن، وَلَا الْقصير
المتردّد، وَلَا بالأبيض الأَمْهَق، وَلَا الآدم، وَلَا الجَعْد القَطَط،
وَلَا السَّبْط، رَجْلَ الشّعْر، أزهرَ اللَّوْن، مُشْرَباً بحُمرَة فِي
بياضٍ ساطعٍ، كأنّ وجهَه القمرُ ليلةَ الْبَدْر، حَسَنَ العُنق، كَأَنَّهُ
جِيد دُمْيَة فِي صفاء الفِضَّة، ضخمَ الكَرَاديس، أوْطَفَ الأشفار،
أَدْعَج الْعَينَيْنِ، حَسَنَ الثَغْرِ، أزجَّ الحواجِب فِي غير قرَنٍ،
واسعَ الجبين، سَهْلَ الخدَّين، ضلِيعَ الْفَم، أَشنبَ مُفَلّج
الْأَسْنَان، حَسَن الْأنف.
(1/70)
إِذا مَشى يَتَكفَّأ كأنّما يَنحطُّ من
صَبَبٍ، إِذا التَفَتَ التَفتَ بجميعهِ، ضَخْمَ الْيَدَيْنِ لَيِّنهما،
كثَّ اللحيّة واسعها، أسودَ الشعرِ، بادناً متماسكاً، سواءَ الْبَطن
والصدرِ، عريض الصدْر بعيدَ مَا بَين المَنْكبين، أنورَ المتجرِّد، موصولَ
مَا بَين اللبَّة والسُّرَّة بشَعرٍ يجْرِي كالخيط، أَشعرَ الذراعين
والمنكبين وأعالي الصَّدْر، عاريَ الثديَين والبطن ممّا سوى ذَلِك.
إِذا طوَّل شعرَه فَإلَى شحمةِ أُذُنَيْهِ وَمَعَ كَتفيهِ، وَإِذا قَصَّره
فَإلَى أَنْصَاف أُذنيه، لم يبلغ شيبُ رأسِه ولحيته عشْرين شَعْرَة، لَيْسَ
لِرجليه أَخمص، قليلَ لحم العَقِبيْن، إنْ صَمتَ فِعليهِ الوقَارُ، وإنْ
تكلّم سما وعلاه البهاءُ، أجملَ النَّاس وَأَبْهَاهُ من بعيدٍ، وأحسنَه
وأحلاه من قريبٍ، حلوَ الْمنطق، بَين كَتفيهِ خاتَمُ النبوّة مثل بيضةِ
حمامة. وَقيل: على نُغْضِ كتفه الْأَيْسَر، لون جسده، عَلَيْهِ خِيْلان.
يَقُول / 119 و. واصفه: لم أرَ قبلَه وَلَا بعدَه مِثلَه [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] . وَقَالَ الْبَراء بن عَازِب - رَضِي الله عَنهُ -: رأيتُ
رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي حُلَّة حَمْرَاء، لم أرَ شَيْئا
(1/71)
قَطُّ أحسنَ مِنْهُ. وَقَالَ أنس - رَضِي
الله عَنهُ -: مَا مَسستُ دِيباجاً وَلَا حَرِيرًا ألينَ من كفِّ رَسُول
الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَلَا شَممتُ رَائِحَة قطُّ كَانَت أطيبَ
من رَائِحَة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَكَانَ أَبُو بكر -
رَضِي الله عَنهُ - إِذا رأى النبيَّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول:
(أَمينٌ مُصطفى بِالْخَيرِ يَدْعُو ... لِضوءِ البدرِ زَايلَه الظلام)
وَكَانَ عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - ينشد قَول زُهَيْر بن أبي
سُلْمى فِي هَرِم بن سِنَان:
(لَو كنتَ من شيءٍ سوى بَشَرٍ ... كنتَ المضيَّ لليلةِ الْبَدْر)
ثمَّ يَقُول عمر وجلساؤه: كَذَلِك كَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] وَلم يكنْ كذلكَ غيرُه. وَفِيه يَقُول عَمُّه أَبُو طَالب:
(وأَبيضُ يُستسقى الغَمامُ بوَجْهِه ... رَبيعُ اليتَامى عِصْمةٌ للأرامل)
(يطِيف بِهِ الْهلَال من آل هاشمٍ ... فهُمْ عِنْده فِي نعْمةٍ وفوَاضل)
(وميزانُ حقٍّ لَا يُخِسُّ شعيرَة ... ووزَّان عدلٍ وزنُه غير عائل)
(1/72)
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وعَلى آله وَصَحبه
وَسلم. اللَّهُمَّ صلِّ وَسلم عَلَيْهِ. |