إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

 [فصل في ذكر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم]
اعلم أن إجماع من يعتد به انعقد على أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أربع بنات كلهن من خديجة، وهنّ زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة عليهنّ السلام.
__________
[ () ] عن ابنه إبراهيم، قال: لا أدري رحمة اللَّه على إبراهيم لو عاش لكان صدّيقا نبيا. ورواه ابن مندة والبيهقي عن ابن عباس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورواه ابن عساكر عن جابر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وأخرج ابن عساكر أيضا بسنده وقال: فيه من ليس بالقوي عن عليّ بن أبي طالب: لما توفي إبراهيم أرسل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أمه مارية، فجاءته، وغسّلته، وكفّنته، وخرج به، وخرج الناس معه، فدفنه، وأدخل يده في قبره فقال: أما واللَّه إنه لنبي ابن نبي، وبكى المسلمون حوله حتى ارتفع الصوت، ثم قال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يغضب الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون.
وروى أبو داود أنه مات وعمره ثمانية عشر شهرا، فلم يصل عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
صححه ابن خزيمة.
قال الزركشي: اعتلّ من سلم ترك الصلاة عليه بعلل: منها أنه استغنى بفضيلة أبيه عن الصلاة، كما استغنى الشهيد بفضل الشهادة. ومنها أنه لا يصلي نبي على نبي، وقد جاء لو عاش لكان نبيا.
ولا بعد في إثبات النبوة له مع صغره، لأنه كعيسى القائل يوم ولد: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وكيحيى الّذي قال تعالى فيه: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، قال المفسرون: نبّئ وعمره ثلاث سنين، واحتمال نزول جبريل بوحي لعيسى وليحيى يجري في إبراهيم، ويرشحه أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم صام يوم عاشوراء وعمره ثمانية أشهر، ثم قال بعد أن نقل عن السبكي كلاما: وبه يعلم تحقيق نبوة سيدنا إبراهيم في حال صغره، انتهى فأعرفه.
وقال في (المقاصد الحسنة) : الطرق الثلاثة:
أحدها: ما
أخرجه ابن ماجة وغيره عن ابن عباس أنه قال: لما مات إبراهيم ابن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلى عليه وقال: إن له مرضعا في الجنة، ولو عاش لكان صديقا، ولو عاش لاعتقت أخواله من القبط، وما استرق قبطي.
وفي سنده إبراهيم بن عثمان الواسطي ضعيف، ومن طريقه أخرجه ابن مندة في (المعرفة) ، وقال: غريب.
ثانيها: ما رواه إسماعيل السدّيّ عن أنس قال: كان إبراهيم قد ملأ المهد، ولو بقي لكان نبيا، ولكن لم يكن ليبقى فإن نبيكم آخر الأنبياء.
ثالثها: رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لعبد اللَّه بن أبي أوفى أنه قال: رأيت إبراهيم ابن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مات صغيرا، ولو قضي أن يكون بعد محمد نبي عاش إبراهيم ولكن لا نبي بعده.
وأخرجه أحمد عن ابن أبي أوفى أنه كان يقول: لو كان بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نبي ما مات ابنه. قال:
وعزاه شيخنا للبخاريّ من حديث البراء فيه.
وروى أحمد والترمذي وغيرهما، عن عقبة بن عامر رفعه: لو كان بعدي نبي لكان عمر. وورد عن جماعة آخرين.

(5/341)


فزينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت أكبر بناته، ولدت سنة ثلاثين من مولده، ولا خلاف أنها أسن بناته، إلا ما لا يصح ولا يلتفت إليه، وإنما الخلاف بين القاسم وزينب أيهما ولد أولا، فقالت طائفة من أهل العلم بالنسب: أول ولد ولد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القاسم ثم زينب، وقال ابن الكلبي: زينب ثم القاسم.
__________
[ () ] وقال القاري ويشير إلى قوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ: فإنه يومئ إلى أنه لا يعيش له ولد يصل إلى مبلغ الرجال، فإن ولده من صلبه يقتضي أن يكون لبّ قلبه، كما يقال: الولد سرّ أبيه، ولو عاش وبلغ أربعين سنة وصار نبيا، لزم أن يكون نبيا خاتم النبيين. ثم يقرب من هذا الحديث ما
رواه أحمد والحاكم عن عقبة مرفوعا: لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب.
قلت: ومع هذا لو عاش إبراهيم وصار نبيا لكان من أتباعه، وكذا لو صار عمر نبيا لكان من أتباعه، كعيسى والخضر وإلياس، فلا يناقض قوله تعالى: وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ، إذ المعنى أنه لا يأتي نبي بعده ينسخ ملته، ولم يكن من ملته،
وبقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي.
وقال النجم: وأورده السيوطي في (الجامع الصغير) بلفظ: لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا، وقال: أخرجه البارودي عن أنس، وابن عساكر عن جابر، وعن ابن عباس، وعن ابن أبي أوفى.
(كشف الخفا ومزيل الالتباس) : 2/ 156، حديث رقم (2101) ، (الفوائد المجموعة) :
398، ذكر إبراهيم رضي اللَّه عنه، حديث رقم (135) ، (ضعيف سنن ابن ماجة للألباني) وقال:
هذه الروايات وإن كانت موقوفة فلها حكم الرفع، إذ هي من الأمور الغيبية التي لا مجال للرأي فيها، فإذا عرفت هذا يتبين لك ضلال القاديانية في احتجاجهم بهذه الجملة «لو عاش إبراهيم لكان نبيا» ، على دعواهم الباطلة في استمرار النبوة بعده صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأنها لا تصح هكذا عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإن ذهبوا إلى تقويتها بالآثار التي ذكرنا، كما صنعنا نحن، فهي تلقمهم حجرا، وتعكس دليلهم عليهم، إذ أنها تصرح أن وفاة إبراهيم عليه السلام صغيرا كان بسبب أنه لا نبي بعده صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولربما جادلوا في ذلك- كما هو دأبهم- وحاولوا أن يوهنوا من الاستدلال بهذه الآثار، وأن يرفعوا عنها حكم الرفع، ولكن لم ولن يستطيعوا الانفكاك مما ألزمناهم به من ضعف دليلهم هذا ولو من الوجه الأول، وهو أنه لم يصح عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرفوعا صراحة (المرجع السابق) : 115- 116، (27) باب ما جاء في الصلاة على ابن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر وفاته، حديث رقم (332) ، وحديث رقم (333) ، (الأسرار المرفوعة) :
290، حديث رقم (379) ، (المقاصد الحسنة) : 547- 548، حديث رقم (893) .

(5/342)


[زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم]
[ (1) ] وكانت زينب عليها السلام عند أبي العاص بن [الربيع] بن عبد العزى بن عبد شمس، وأمه هالة ابنة خويلد، فهو ابن أخت خديجة لأبيها وأمها، وابن خالة زينب، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محبا في زينب، أسلمت وهاجرت حين أتى زوجها أبو العاص أن يسلم، وقد ولدت منه عليا وأمامة، وتوفيت سنة ثمان من الهجرة، وغسلتها سودة بنت زمعة، وأم سلمة رضي اللَّه عنهما.
وسبب موتها أنها خرجت من مكة مهاجرة، عهد إليها هبار بن الأسود بن عبد المطلب بن عبد العزى بن قصيّ، ومعه نافع بن عبد قيس- وقيل نافع بن لقيط، وقيل: هو خالد بن عبد قيس، ونافع بن قيس أصحّ، وهو نافع بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن ظرب بن الحرث بن فهد- فدفعها أحدهما على صخرة فأسقطت وأهراقت الدماء، فلم يزل بها مرضها ذلك حتى ماتت. وكان زوجها محبا لها ومن شعره فيها- وقد خرج إلى الشام تاجرا-:
ذكرت زينب لما جاورت أرما ... فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما
بنت الأمين جزاها اللَّه صالحة ... وكل بعل سينبى بالذي علما [ (2) ]
__________
[ (1) ] لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 8/ 30- 36، (تاريخ خليفة) : 92، (التاريخ الصغير) :
1/ 7، (المعارف) : 72، 127، 140، 141، 142، (المستدرك) : 4/ 45- 50، ذكر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد فاطمة رضي اللَّه عنهن، ذكر زينب بنت خديجة رضي اللَّه عنهما وهي أكبر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، (الإصابة) : 7/ 665- 166، ترجمة (11217) ، وفي هذه التراجم ذكر فدائها أبي العاص بن الربيع بقلادة كانت أدخلتها بها خديجة على أبي العاص حين بنى بها، فلما رآها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رقّ لها رقّة شديدة، قال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الّذي لها. فقد أخرجه ابن سعد من طريق الواقدي، وأخرجه الحاكم من طريق ابن إسحاق وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا: فإن ابن إسحاق قد صرح بالتحديث.
[ (2) ] هذان البيتان في (المستدرك) هكذا:
ذكرت زينب لما أورثت أرمى ... فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما
بنت الأمين جزاها اللَّه صالحة ... وكل بعل سيثنى بالذي علما

(5/343)


[رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم]
ورقية اختلف فيها، فقيل: كانت أصغر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: بل ولدت بعد زينب، ولرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة وثلاثون سنة، وكانت عند عتبة بن أبي لهب [ففارقها قبل الدخول] [ (1) ] لما أنزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ بأمر أبويه، فتزوجها عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه بمكة، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، وولدت له عبد اللَّه، وبه كان يكنى، وقدمت معه المدينة، وجاءت تعتب على عثمان فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أحب المرأة تكثر شكاية بعلها، انصرفي إلى بيتك،
ومرضت بالحصباء، فتخلف عثمان عن بدر لمرضها، فتوفيت يوم وقعة بدر، ودفنت يوم جاء [زيد بن حارثة] بشيرا بالفتح.
وقال قتادة: تزوج عثمان رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتوفيت عنده ولم تلد منه، وهذا وهم من قتادة لم يقله غيره، وكأنه أراد أم كلثوم، فإن عثمان تزوجها بعد رقية فتوفيت عنده ولم تلد منه، هذا قول جمهور أهل النسب.
[وفي رواية] عن سعيد بن المسيب قال: أيم عثمان من رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأيمت حفصة من زوجها، فمر عمر وعثمان رضي اللَّه عنهما فقال: هل لك في حفصة؟ - وكان عثمان قد سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يذكرها- فلم يجبه، فذكر ذلك عمر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: هل لك في خير من ذلك؟ أتزوج أنا حفصة، وأزوج عثمان خيرا منها، أم كلثوم.
وقد روى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: لما ماتت رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [قال] : لا يدخل القبر رجل قارف [أهله الليلة] [ (2) ] ، فلم يدخل عثمان،
وهذا من أوهام حماد، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يشهد دفن رقية، ولا كان
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، وأثبتناه من (سير أعلام النبلاء) .
[ (2) ] زيادة للسياق من (المستدرك) .

(5/344)


ذلك القول منه فيها، وإنما كان ذلك القول منه في أم كلثوم [ (1) ] .
وفي البخاري من حديث هلال بن علي، عن أنس قال: شهدنا بنت النبي عليه السلام، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس على القبر، فرأيت عينيه [تدمعان] [ (2) ] ، [قال] [ (2) ] : فقال: هل فيكم [ (3) ] أحد لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا، فقال:
انزل في قبرها [ (4) ] .
وهذا هو الصحيح في حديث أنس لا قول من ذكر فيه رقية.
__________
[ (1) ] لكن أخرج الحاكم في (المستدرك) : 4/ 51- 52 حديثين في ذكر رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، الحديث الأول:
حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي اللَّه عنه قال: لما ماتت رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة، فلم يدخل عثمان القبر،
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، حديث رقم (6851/ 2350) وسكت عنه الذهبي في (التلخيص) .
الحديث الثاني:
عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: شهدت دفن بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس على القبر، ورأيت عينيه تدمعان فقال: هل منكم رجل لم يقارف الليلة أهله؟ فقال أبو طلحة:
أنا يا رسول اللَّه، قال: فانزل في قبرها.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، حديث رقم (6853/ 2451) ، قال الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.
[ (2) ] زيادة للسياق من (البخاري) .
[ (3) ] وفيه: «هل منكم رجل» في الرواية الثانية، وفيها: «بلال بن علي» .
[ (4) ] (فتح الباري) : 3/ 194، كتاب الجنائز، باب (32)
قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنّته لقول اللَّه تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً
وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلكم راع ومسئول عن رعيته،
فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة رضي اللَّه عنها: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وهو كقوله تعالى: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ، وما يرخص من البكاء من غير نواح،
وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، وذلك أنه أول من سنّ القتل، حديث رقم (1285) .
قوله: «شهدنا بنتا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم» ، هي أم كلثوم زوج عثمان، رواه الواقدي عن فليح بن سليمان بهذا الإسناد، وأخرجه ابن سعد في (الطبقات) في ترجمة أم كلثوم، وكذا الدولابيّ في (الذرية الطاهرة) ، وكذلك رواه الطبري والطحاوي من هذا الوجه، ورواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، فسماها رقية. أخرجه البخاري في (التاريخ الأوسط) ، والحاكم في (المستدرك) ، قال البخاري: ما أدري ما هذا؟ فإن رقية ماتت والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ببدر لم يشهدها قال الحافظ ابن حجر:
وهم حماد في تسميتها فقط، ويؤيد الأول ما رواه ابن سعد أيضا في ترجمة أم كلثوم من طريق عمرة بنت عبد الرحمن قالت: نزل في حفرتها أبو طلحة.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لم يقارف»
بقاف وفاء، زاد ابن المبارك عن فليح: «أراه يعني الذنب» ، وقيل:
معناه لم يجامع تلك الليلة، وبه جزم ابن حزم وقال: معاذ اللَّه أن يتبجح أبو طلحة عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأنه لم يذنب تلك الليلة.

(5/345)


وقال مروان بن محمد الأسدي، عن غزال بن خالد بن يزيد بن عثمان بن عطاء، عن أبيه عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما عزّي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على رقية امرأة عثمان قال:
الحمد للَّه دفن البنات من المكرمات [ (1) ]
ولا خلاف بين أهل السير أن عثمان إنما تخلف عن بدر على امرأته رقية بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وضرب له سهمه وأجره. وذكر عمر بن شيبة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث زيد بن حارثة إلى زينب بنته ليقدم بها عليه المدينة، فخرج بها حتى إذا كانت بسنح أدركها هبار بن الأسود في نفر من قريش، فنخس بها حتى صرعت، فانفكت رجلها، فبلغ عدي بن الربيع- حموها- أخا زوجها أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، فعرض له فرماه بسهم، فخرج السهم في سوأته وأثواه. وقال:
عجبت لهبار وأوباش قومه ... يريدون إخفاري ببنت محمد
ولست أبالي ما بقيت صحيحها ... إذا استجمعت يوما [ (2) ] يدي بالمهند
إذا أنا لم أمنع ظلامة كنتي ... فلا عشت إلا كالخليع المطرّد
ألم تر هبارا غداة تبايعت ... به النفس في رأي من الرأي مفنّد
مصارعي عن زينب حين رامهت ... على ذي سبب مدمج الحلق أجرد
نصبت له مني بقطع مقدم ... على أصفر جبان أسمر محضد
فسالت ثمود في دم ... على الخد أحيانا وصفح المقلد
قال: ولما نخس هبار بزينب جاء سفيان بن حرب، فأسند ظهره إلى الكعبة ثم قال: أبنت محمد؟.
__________
[ () ] وفي هذا الحديث جواز البكاء كما ترجم له، وإدخال الرجال المرأة قبرها لكونهم أقوى على ذلك من النساء. وحكى عن ابن حبيب أن السرّ في إيثار أبي طلحة على عثمان، أن عثمان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة، فتلطف صلّى اللَّه عليه وسلّم في منعه من النزول في قبر زوجته بغير تصريح.
وفيه جواز الجلوس على شفير القبر عند الدفن، واستدل به على جواز البكاء بعد الموت، وفيه فضيلة لعثمان لإيثاره الصدق وإن كان عليه فيه غضاضة.
وأخرجه البخاري أيضا في كتاب الجنائز، باب (71) من يدخل قبر المرأة، حديث رقم (1342) .
[ (1) ] (الاستيعاب) : 4/ 1843، عن عكرمة عن ابن عباس في ترجمة رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رقم (3343) .
[ (2) ] في ابن هشام:
ولست أبالي ما حييت عديدهم ... وما استجمعت قبضا يدي بالمهنّد
وفيه: «كنانة بن الربيع» (سيرة ابن هشام) : 3/ 207- 208 باب شعر هند وكنانة في هجرة زينب.

(5/346)


[أفي] [ (1) ] السلم أعيار [ (2) ] جفاء وغلظة ... وفي الحرب أمثال النساء الحوائض
ثم مضى، فأتت هند بنت عتبة بعده- ولا تعلم بموقفه- فأسندت ظهرها إلى الكعبة ثم قالت: أبنت محمد؟.
[أفي] السلم أعيار جفاء وغلظة ... وفي الحرب أمثال النساء العوارك [ (3) ]
وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث يزيد بن أبي حبيب، عن أبي إسحاق الدوسيّ، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا لقيتم هبار بن الأسود ونافع ابن عبد قيس فحرقوهما بالنار، ثم إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال بعد ذلك: لا يعذب بها إلا اللَّه، ولكن إن لقيتموهما فاقتلوهما [ (4) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) .
[ (2) ] الأعيار: الحمير.
[ (3) ] يقال: عركت المرأة، ودرست، وضحكت، وطمثت: حاضت، قال العوفيّ عن ابن عباس في قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ [هود: 71] :
فَضَحِكَتْ أي حاضت.
[ (4) ] (الإحسان) : 12/ 425- 426 كتاب الحظر والإباحة، (1) فصل في التعذيب، ذكر الزجر عن أن يعذب أحد من المسلمين بعذاب اللَّه جلّ وعلا، حديث رقم (5611) ، (غوامض الأسماء المبهمة) : 1/ 119، (21) هبار بن الأسود ونافع بن عبد عمرو، (ابن هشام) : 3/ 208 فصل: الرسول يستبيح دم هبّار الّذي روّع ابنته زينب، (سنن الترمذي) : 4/ 117، كتاب السير، باب (20) بدون ترجمة، صفحة رقم (1571) وقال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، وقد ذكر محمد بن إسحاق بين سليمان بن يسار وبين أبي هريرة رجلا في هذا الحديث، وروى غير واحد مثل رواية الليث، وحديث الليث بن سعد أشبه وأصح، (فتح الباري) : 6/ 184، كتاب الجهاد والسير، باب (149) لا يعذب بعذاب اللَّه، حديث رقم (3016) ، قال الحافظ ابن حجر: وعاش هبار هذا إلى خلافة معاوية- وهو بفتح الهاء وتشديد الموحدة- ولم أقف لرفيقه على ذكر في الصحابة، فلعله مات قبل أن يسلم، وفي الحديث جواز الحكم بالشيء اجتهادا ثم الرجوع عنه، واستحباب ذكر الدليل عند الحكم لرفع الالتباس، والاستتابة في الحدود ونحوها، وأن طول الزمان لا يرفع العقوبة عمن يستحقها، وفيه كراهة قتل مثل البرغوث بالنار، وفيه نسخ السنة بالسنة وهو اتفاق.
وفيه مشروعية توديع المسافر لأكابر بلده، وتوديع أصحابه أيضا، وفيه جواز نسخ الحكم قبل العمل به أو قبل التمكن من العمل به، وهو الاتفاق إلا عن بعض المعتزلة فيما حكاه أبو بكر بن العربيّ. (المرجع السابق) .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 592، حديث رقم (8007) ، 3/ 7، حديث رقم (8256) ، 207، حديث رقم (9534) ، سنن الدارميّ: 2/ 222، باب في النهي عن التعذيب بعذاب اللَّه.

(5/347)


وقال الزبير بن بكار: وهبار بن الأسود هو الّذي نخس بزينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في شقها، من كفار قريش، وكانت حاملا فأسقطت، فذكروا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث سرية وقال: إن لقيتم هبارا فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أحرقوه بالنار، ثم قال: لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا اللَّه، إن وجدتموه فاقتلوه.
ثم قدم هبار بعد ذلك مسلما مهاجرا، فاكتنفه ناس من المسلمين يسبونه، فقيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل لك في هبار يسبّ ولا يسبّ؟ وكان هبار في الجاهلية مسباقا، فأتاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا هبار سبّ من يسبّك، فأقبل هبار عليهم فتفرقوا عنه،
قال: وقتل زمعة بن الأسود وأخوه عقيل بن الأسود يوم بدر كافرين، وكان هبار بن الأسود مع زمعة ذلك اليوم وابنه الحارث بن زمعة معه أيضا، فجعل زمعة يقول: جار إذا فزعني هبار [ (1) ] .
قال الزبير [بن بكار] : وكنانة بن عدي بن ربيعة بن عبد العزى، بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، الّذي خرج بزينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة إلى المدينة، وكانت بدر في رمضان سنة ثنتين من الهجرة كما تقدم، وكان في شأنه علم من أعلام النبوة.
قال إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم: إن فتية من الحبشة كانوا قد رأوا رقية وهي هناك مع زوجها عثمان بن عفان، ورأيت فيما يقال:
من أحسن البشر كانوا يختلفون إليها ينظرون إليها، ويدرقلون [ (2) ] إذا رأوها بخباء منها، حتى آذاها ذلك في أمرها وهم يبقون أن يؤذوا أحدا منهم لقربه ولما رأوا
__________
[ (1) ] ونحوه في (مغازي الواقدي) : 2/ 858- 859، (البداية والنهاية) : 3/ 400- 401، فصل في قدوم زينب بنت الرسول (ص) من مكة إلى المدينة، (دلائل البيهقي) : 3/ 154، 157، باب ما جاء في زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم امرأة أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى ابن عبد شمس، وهجرتها من مكة إلى أبيها بعد بدر.
[ (2) ] درقل القوم درقلة.. إذا مرّوا مرّا سريعا، ودرقل: رقص، قال محمد بن إسحاق: قدم فتية من الحبشة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدرقلون، أي يرقصون.. والدّرقلة: الرقص، والدّرقلة: لعبة للعجم معربة، مختصرا من (لسان العرب) : 11/ 244.

(5/348)


من حسن جواره، فلما سار النجاشي إلى عدوه ذلك ساروا معه، فقتلهم اللَّه في المعركة لم يفلت منهم رجل واحد [ (1) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 4/ 51، كتاب معرفة الصحابة، ذكر رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (6850/ 2448) ، وقال في هامشه: سكت عنه الذهبي في (التلخيص) .

(5/349)


[أم كلثوم بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم]
وأم كلثوم- ويقال: اسمها آمنة- ولدت قبل فاطمة عليها السلام، وتزوجها معتب بن أبي لهب، فلم يبن بها حتى بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما بعث فارقها بأمر أبويه، ثم تزوجها عثمان رضي اللَّه عنه بعد موت أختها رقية في ربيع الأول، وبنى عليها في [جمادى الآخرة] من السنة الثالثة، وتوفيت عنده في شعبان سنة تسع، فغسلتها أسماء بنت عميس، وصفية بنت عبد المطلب، وشهدت أم عطية غسلها، وقيل: بل أم عطية هي التي غسّلتها وغسّلت أختها زينب عليهم السلام،
وقيل: بل شهدت أم عطية غسل زينب، وحكت قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أغسلها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك ... الحديث.
وصلى عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونزل في حفرتها عليّ بن أبي طالب والفضل بن عباس وأسامة بن زيد رضي اللَّه عنهم.
وقد روى أن أبا طلحة الأنصاري استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ينزل معهم في قبرها فأذن له [ (1) ] ، وبكى عثمان رضي اللَّه عنه فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما يبكيك؟ قال:
انقطاع صهرتي منك يا رسول اللَّه، فقال: كلا، إنه لا يقطع الصهر الموت، إنما يقطعه الطّلاق، ولو كانت عندنا ثالثة لزوجناك،
ولم تلد أم كلثوم لعثمان [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (الاستيعاب) : 4/ 1952، ترجمة رقم (4201) ، (الإصابة) : 8/ 288، ترجمة رقم (12222) .
[ (2) ] ونحوه ما
أخرجه الحاكم من حديث عقيل بن خالد، عن ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لقي عثمان بن عفان وهو مغموم، فقال: ما شأنك يا عثمان؟ قال بأبي أنت يا رسول اللَّه وأمي، هل دخل على أحد من الناس ما دخل عليّ؟ توفيت بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رحمها اللَّه، وانقطع الصهر فيما بيني وبينك إلى آخر الأبد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتقول ذلك يا عثمان وهذا جبريل عليه السلام يأمرني عن أمر اللَّه عزّ وجلّ أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها وعلى مثل عدتها؟ فزوجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إياها. (المستدرك) : 4/ 54، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (6860/ 2458) .

(5/350)


[فاطمة الزهراء بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم]
وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وقيل لها: الزهراء، كما قيل لزهرة بنت عمرو بن حنتر بن رويبة بن هلال أم خويلد بن أسد الزهراء، وزهرة هذه هي جدة خديجة أم فاطمة عليها وعلى أمها السلام، وسميت البتول أيضا لأنها منقطعة القرين، والبتل القطع، وتكنى أم أبيها، وذكر المطور عن ابن عباس أنها سميت [فاطمة لأن] اللَّه تعالى فطم محبّيها عن النار.
وكانت فاطمة وأم كلثوم أصغر بنات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وفاطمة أصغرهما، ولدت سنة [إحدى وأربعين من] مولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: ولدت وقريش تبني الكعبة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن خمس وثلاثين، وقيل: ولدت قبل النبوة بخمس سنين، والأول أشبه بالصواب [ (1) ] ،
وخطبها أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم:
أنا أنتظر بها القضاء، ثم خطبها عمر رضي اللَّه عنه فقال له مثل ذلك، فقيل لعلي رضي اللَّه عنه لو خطبت فاطمة، فقال: منعها أبو بكر وعمر، ولا أريد أن يمنعنيها،
فحمل على خطبتها فخطبها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في السنة الثانية من الهجرة في رمضان وبنى بها، وقيل: تزوجها في صفر، وقيل: في رجب [ (2) ] وفي (الطبقات) لابن سعد: أنه تزوجها بعد مقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة بخمسة أشهر وبني بها مرجعه من بدر، وهي يوم بنى بها عليّ بنت ثمان عشرة سنة، فباع بعيرا له ومتاعا، فبلغ ثمن ذلك أربعمائة وثمانين درهما، ويقال: أربعمائة درهم، فأمره أن يجعل ثلثها في الطيب وثلثها في المتاع ففعل [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (الإصابة) : 8/ 53، ترجمة رقم (11583) .
[ (2) ] قال ابن عبد البر: قال السراج: سمعت عبد اللَّه بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي يقول: ولدت فاطمة رضي اللَّه عنها سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأنكح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة عليّ ابن أبي طالب بعد وقعة أحد.
وقيل: أنه تزوجها بعد أن ابتنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعائشة بأربعة أشهر ونصف، وبنى بها بعد تزويجه إياها بتسعة أشهر ونصف، وكان سنها يوم تزويجها: خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفا، وكانت سنّ على إحدى وعشرين سنة، وخمسة أشهر. (الاستيعاب) : 4/ 1893 ترجمة رقم (4057) .
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 8/ 11.

(5/351)


وقيل: أصدقها عليّ درعا من حديد وجرد برد- والجرد: الثوب الخلق- وقيل: تزوجها على إهاب شاة وسحق خبزه،
وكان علي رضي اللَّه عنه يقول: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحية منه، وتعجن فاطمة على ناحية، وإني لقد تزوجت فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وما لي فراش] غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار وما لي خادم غيرها.
وعن عكرمة، استحل على فاطمة ببدن من حديد،
وعن علي رضي اللَّه عنه قال: أردت أن أخطب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابنته، فقلت: واللَّه ما لي شيء، ثم ذكرت صلته وعائدته فخطبتها إليه فقال: هل عندك من شيء؟ قلت: لا، قال:
فأين درعك [الحطيمة] [ (1) ] التي أعطيتك يوم كذا [وكذا] [ (1) ] ؟ فقلت: هي عندي، قال: [فأعطها] [ (1) ] إياه [ (2) ] ،
وكان نكاحها بعد وقعة أحد، وقيل: إنه تزوجها بعد أن بنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعائشة رضي اللَّه عنها بأربعة أشهر ونصف، وبنى بها بعد تزويجه إياها بتسعة أشهر ونصف وكان سنها يوم تزوجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفا، وسنّ عليّ يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر.
وجهّزها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخميل وقربة ووسادة من أدم محشوة بإذخر،
فقال عليّ لأمه فاطمة بنت أسد: اكفي بنت رسول اللَّه الخدمة خارجا: سقاية الماء والحاج، وتكفيك العمل في البيت: العجن والطحن [ (3) ] .
خرج الحاكم من حديث زائدة، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عليّ رضي اللَّه عنه قال: جهز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة عليها السلام في خميل وقربة ووسادة من أدم حشوها ليف.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (4) ] .
ويقال: أن سعدا عمل وليمة [فاطمة بكبش] ، وآصع من ذرة أربعة أو خمسة، وولدت لعلي الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب، ولم يتزوج عليها حتى ماتت.
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (الإصابة) ، والحطمية التي تحطم السيوف أي تكسرها، وقيل: هي منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لهم حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع (النهاية) .
[ (2) ] (الإصابة) : 8/ 54- 55، ثم قال: وله شاهد عند أبي داود من حديث ابن عباس.
[ (3) ] (الاستيعاب) : 4/ 1893- 1894، ترجمة رقم (4057) .
[ (4) ] (المستدرك) : 2/ 202، كتاب النكاح، حديث رقم 2755/ 84، وقال الذهبي في (التلخيص) : صحيح، (الإصابة) : 8/ 58.

(5/352)


واختلف في وفاتها، فقيل: بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بستة أشهر، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بثمانية أشهر، وقيل: بسبعين يوما، وقيل: بخمس وسبعين ليلة، وقيل: بستة أشهر إلا ليلتين، وذلك يوم الثلاثاء [لليلات] خلت من رمضان سنة إحدى عشرة [ (1) ] .
ولما حضرتها الوفاة أمرت عليا فوضع لها غسلا فاغتسلت وتطهرت، ثم دعت بثياب أكفانها، فأتيت بثياب غلاظ خشنة فلبستها ومسّت من الحنوط، ثم أمرت عليا ألا يكشف عنها إذا قبضت، وأن تدفن كما هي في ثيابها ففعل.
وغسلتها أسماء بنت [عميس] وعليّ معا، وصلى عليها عليّ، وقيل: بل صلى عليها العباس رضي اللَّه عنه، وكبّر أربعا، ونزل هو وعلى في قبرها، ودفنت ليلا في دارها التي أدخلها عمر بن عبد العزيز في المسجد، ولم يعلم بها كثير من الناس [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (الاستيعاب) : 4/ 1894.
[ (2) ] (الإصابة) : 8/ 57- 58.
وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، في إسناده ابن إسحاق، وقد كذبه مالك، وهشام ابن عروة، وفيه علي بن عاصم، قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرفه بالكذب، وكان أحمد يسيء الرأي فيه، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي متروك الحديث.
قال ابن الجوزي: وكيف يكون صحيحا؟ والغسل إنما شرع بحدث الموت فكيف يقع قبله؟
ولو قدرنا خفي هذا عن فاطمة ... فكان يخفى على عليّ، ثم إن أحمد والشافعيّ يحتجان في جواز غسل الرجل زوجته أن عليا غسّل فاطمة عليها السلام. (العلل المتناهية) : 1/ 261- 262، حديث في أنها غسّلت نفسها وماتت.
وقال أيضا: وهذا حديث لا يصح. أما محمد بن إسحاق فمجروح، شهد بأنه كذاب مالك، وسليمان التميمي، ووهب بن خالد، وهشام بن عروة، ويحيى بن سعيد. وقال ابن المديني: يحدث عن المجهولين بأحاديث باطلة، وأما عاصم فقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وأما نوح بن يزيد والحكم فكلاهما متشيّع. وأما ابن عقيل فحديثه مرسل، ثم هو ضعيف جدا، قال ابن حبان: كان رديء الحفظ يحدث عن التوهم فيجيء بالخبر على غير سنته، فلما كثر ذلك في أخباره وجب مجانبتها ...
هذا لا يصح إضافته إلى عليّ وفاطمة رضي اللَّه عنهما، بل يتنزهون عن مثل هذا. مختصرا من (الموضوعات لابن الجوزي) : 3/ 277، باب ما روى أن فاطمة عليها السلام غسلت بغسلها بعد الموت ولم تغسل قبل الموت.

(5/353)


وقد ذكر عمر بن شيبة عدة أقوال في قبرها، ولم يتحصل منها معرفة موضعه [ (1) ] ، وكان لها يوم توفيت تسع وعشرون سنة، ويقال إحدى وثلاثون سنة وأشهر، و [كانت] أشبه الناس كلاما وحديثا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت إذا دخلت عليه قام لها فقبلها ورحب بها كما كانت هي تصنع به [ (2) ] ، وفضائل فاطمة عليها السلام كثيرة.
__________
[ (1) ] لكن قال الحافظ ابن حجر: وقال الواقدي: قلت لعبد الرحمن بن أبي الموالي: إن الناس يقولون:
إن قبر فاطمة بالبقيع، فقال: ما دفنت إلا في زاوية في دار عقيل، وبين قبرها وبين الطريق سبعة أذرع. (الإصابة) : 8/ 60.
[ (2) ] عن ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت:
ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها، ورحّب بها، وكذلك كانت هي تصنع به. قال الذهبي: ميسرة صدوق. وأخرجه أبو داود في (السنن) ، في كتاب الأدب، باب ما جاء في القيام، حديث رقم (5217) ، والترمذي في (الجامع الصحيح) ، في كتاب المناقب، باب مناقب فاطمة بنت محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (3871) ، والحاكم في (المستدرك) : 3/ 167، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حديث رقم (4732/ 330) وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص) : بل صحيح.

(5/354)