إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل في ذكر من كان يلازم باب رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم
اعلم أنه كان عدة من الصحابة يلازمون باب النبي عليه السلام، منهم:
أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر ابن غنم بن
عدي بن النجار الأنصاري النجّارى أبو حمزة، أمه أم سليم نهلة، وقيل: رميلة،
وقيل: مليكة بنت ملحان بن مالك بن زيد بن حرام ابن جندب بن عامر بن غنم بن
عدي بن النجار الأنصارية.
كان مقدم النبي عليه السلام المدينة [وهو] [ (1) ] ابن عشر سنين، وقيل:
ابن ثمان سنين، وخرج مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين توجّه إلى
بدر وهو غلام يخدمه، فخدمه عشرين سنة [ (2) ] .
خرّج البخاري في الأدب المفرد من حديث جرير بن حازم، عن سلمة العلويّ قال:
سمعت أنسا يقول: كنت خادما للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وكنت أدخل بغير
استئذان، فجئت يوما فقال: كما أنت يا بنى، قد حدث بعدك أمر، لا تدخلن إلا
بإذن.
ومات سنة إحدى وتسعين، وقيل: ثنتين وتسعين، وقيل: ثلاث وتسعين، عن مائة
وثلاث سنين، وقيل: مائة وعشر سنين، وقيل: مائة وسبع سنين، وقيل: مائة إلا
سنة، وهو أصحّ.
وهند بن حارثة [ (3) ] بن هند بن عبد اللَّه بن غياث بن سعد بن عمرو بن
__________
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (3) ] (الإصابة) : 1/ 64، ترجمة رقم (137، (6/ 556، ترجمة رقم (1090) ،
(الاستيعاب) :
4/ 1544، ترجمة رقم (2698) .
(6/352)
عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمي،
ويقال: هند بن حارثة بن سعيد بن عبد اللَّه بن غياث بن سعد بن عمرو الأسلمي
الحجازي، شهد بيعة الرضوان مع إخوة له سبعة، ومات في خلافة معاوية.
وأخوه:
أسماء بن حارثة [ (1) ] ، أبو محمد، كانا من أهل الصّفّة، ولزما رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال أبو هريرة رضي اللَّه عنه: ما كنت أرى
أسماء وهند ابني حارثة إلا خادمين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، من
طول لزومهما بابه، وخدمتهما إياه.
وفي المسند للإمام أحمد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعثه يأمر
قومه بالصيام يوم عاشوراء [ (2) ] . وذكر ابن سعد أنه كان من أهل الصفة [
(3) ] ، وقال الواقدي [ (4) ] :
كان خدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الذين لا يريمون بابه: أنس بن
مالك، وهند وأسماء ابني حارثة، وكان أبو هريرة يقول: ما كنت أظنهما إلا
مملوكين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (5) ] ، وتوفي أسماء بالبصرة
سنة ست وستين عن ثمانين سنة.
وربيعة بن كعب بن مالك بن يعمر الأسلمي أبو فراس، من أهل الصفّة،
__________
[ (1) ] (الإصابة) : 1/ 64، ترجمة رقم (137) ، 6/ 556، ترجمة رقم (1090) ،
(الاستيعاب) :
4/ 1544، ترجمة رقم (2698) .
[ (2) ] (مسند أحمد) : 4/ 78، حديث رقم (16275) : عن يحيى بن هند بن حارثة
عن أبيه- وكان من أصحاب الحديبيّة- وأخوه الّذي بعثه رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم يأمر قومه بصيام يوم عاشوراء، وهو
أسماء بن حارثة: «أن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلم) بعثه فقال: مر
قومك فليصوموا هذا اليوم، قال: أرأيت إن وجدتهم قد طعموا؟ قال: فليتموا
بقية يومهم» .
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 497، 504، 2/ 376، 4/ 323.
[ (4) ] (مغازي الواقدي) : 659، 799.
[ (5) ] (الإصابة) : 1/ 64.
(6/353)
كان يلازم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم في السفر والحضر، وصحبه قديما، وسأله مرافقته في الجنة، فقال له:
أعنّي على نفسك بكثرة السجود، وأخرج له الستة إلا البخاري. مات سنة ثلاث
وستين [ (1) ] .
فصل في ذكر الحاجب الّذي كان يستأذن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غير واحد، يستأذنون لدخول
الصحابة رضي اللَّه عنهم عليه، منهم:
أنس بن مالك الأنصاري، رضي اللَّه عنه [ (2) ] .
ورباح الأسود، أحد الموالي [ (2) ] .
وأنسة أبو مسروح [ (2) ] ، وتقدم ذكرهم.
وعويم بن ساعدة [ (3) ] ، الّذي شهد العقبتين، وبدرا، وأحدا، ومات في حياة
النبي عليه السلام [ (4) ] ، وقيل: مات في خلافة عمر رضى اللَّه عنه، وهو
ابن خمس أو ست وستين سنة [ (5) ] .
وذكر الواقدي أن عبد اللَّه بن أبى بن سلول لما جاء بحلفائه يريد أن يكلم
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يقرّ [يهود] قينقاع في ديارهم بعد ما
نزلوا على حكمه، وجد [على باب] النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عويم بن ساعدة،
فذهب ليدخل، فردّه عويم وقال: لا تدخل حتى يؤذن رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلم بك، فدفعه ابن أبى،
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمتهم.
[ (3) ] عويم- بصيغة التصغير، ليس في آخره راء- هو ابن ساعدة ابن عائش-
وقيل عابس- بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية بن مالك بن عوف بن عمرو بن
عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي، وقيل في نسبه غير ذلك.
[ (4) ] هذا قول الواقدي.
[ (5) ] (الاستيعاب) : 3/ 1248.
(6/354)
فغلظ عليه عويم حتى جحش وجه ابن أبى الجدار
فسال الدم، فتصايح حلفاؤه من يهود وقالوا: أبا الحباب، لا نقيم [أبدا] [
(1) ] بدار أصاب وجهك فيها هذا، لا نقدر على أن نغيّره، فجعل ابن أبى يصيح
عليهم، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: ويحكم، فرّوا! فجعلوا يتصايحون: لا
نقيم أبدا بدار أصاب وجهك [فيها] [ (1) ] هذا، لا نستطيع له غيرا [ (2) ] .
وفي مسند الإمام أحمد، عن نافع بن عبد الحارث [ (3) ] بن جبلة بن عمير
الخزاعي قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى دخل حائطا
فقال: أمسك عليّ الباب، فجاء حتى جلس على القف ودلى رجليه في البئر، فضرب
الباب، فقلت: من هذا؟ قال: أبو بكر؟ قلت: يا رسول اللَّه! هذا أبو بكر،
قال: ائذن له وبشره بالجنة الحديث [ (4) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 102، 159، 178، 305، 405، 498، 516، 1048، 1037،
(الاستيعاب) : 3/ 1248، ترجمة رقم (2052) ، (الإصابة) : 745- 746، ترجمة
رقم (6116) .
[ (3) ] في (خ) : «عبد الوارث» ، وما أثبتناه من (المسند) .
[ (4) ] (مسند أحمد) : 3/ 408، حديث رقم (14949 (، (14950) لكن الحديث
الأول ذكره مطولا، والحديث الثاني مختصرا.
(6/355)
فصل في ذكر صاحب طهور رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم
الطّهور بفتح الطاء: اسم الماء، وكل ماء نظيف طهور.
اعلم أنه كان على طهور النبي عليه السّلام غير واحد، منهم:
عبد اللَّه بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فارس بن مخزوم بن صاهلة بن
كاهل بفتح الهاء ابن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن
مضر، أبو عبد الرحمن الهذلي، حليف بنى زهرة، حالف أبوه مسعود بن غافل في
الجاهلية عبد بن الحارث بن زهرة، وأمه وأم عبد اللَّه هي أم عبد بنت عبد
ودّ بن سواء، من هذيل.
أسلم في أول الإسلام، وذلك أنه كان يرعى غنما لعقبة بن أبى معيط، فمرّ به
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأخذ شاة حائلا [ (1) ] من تلك الغنم،
فدرّت عليه لبنا غزيرا، ثم ضمّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليه
فكان يلج [ (2) ] عليه، ويلبسه نعليه، ويمشى أمامه ومعه، ويستره إذا اغتسل،
ويوقظه إذا نام، وقال له: إذنك عليّ أن ترفع الحجاب، وأن تسمع سوادي حتى
أنهاك.
وكان يعرف في الصحابة بصاحب السواد والسواك، شهد بدرا وما بعدها، وهاجر
الهجرتين جميعا، وصلّى القبلتين، وشهد له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
بالجنة، وبعثه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه في خلافته إلى أهل الكوفة
معلّما، حتى أقدمه منها عثمان رضى اللَّه عنه إلى المدينة وبها مات سنة
ثلاثين عن بضع وستين سنة، وصلّى عليه الزبير بن العوام، وفضائله
__________
[ (1) ] حائل: ليس بها حمل ولا لبن.
[ (2) ] يلج: يدخل.
(6/356)
كثيرة [ (1) ] .
وأنس بن مالك رضى اللَّه عنه [ (2) ] ، قال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين،
أخبرنا يونس بن أبى إسحاق، أخبرنا المنهال بن عمرو قال: كان أنس صاحب نعل
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأداوته [ (3) ] .
ثبت في صحيح مسلم من حديث عطاء بن أبى ميمونة، عن أنس قال:
كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يتبرز لحاجته، فآتيه بالماء فيغتسل
به [ (4) ] .
وخرجه البخاري أيضا، ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا
تبرز لحاجته، أتيته بماء فيغسل به. ذكره في باب ما جاء في غسل البول [ (5)
] .
وفي لفظ لمسلم: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل
الماء أنا وغلام نحوي أداوة من ماء وعنزة [ (6) ] ، فيستنجي بالماء [ (7) ]
.
ولفظ البخاري: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمل
أنا وغلامه إداوة من ماء، وعنزة، يستنجى بالماء. ترجم عليه باب حمل العنزة
مع الماء
__________
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (2) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (3) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 482.
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 166- 167، كتاب الطهارة، باب (12) ،
الاستنجاء بالماء من التبرز، حديث رقم (71) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 1/ 426، كتاب الوضوء، باب (56) ، ما جاء في غسل
البول، حديث رقم (217) .
[ (6) ] العنزة بفتح العين والزاى: عصا طويلة كان النبي (صلّى اللَّه عليه
وسلم) ينصبها بين يديه لتكون حائلا يصلّى إليه.
[ (7) ] (مسلم بشرح النووي) : 3/ 166، حديث رقم (271) .
(6/357)
في الاستنجاء [ (1) ] .
وذكر في باب الاستنجاء بالماء، من حديث شعبة، عن أبى معاذ- واسمه عطاء بن
أبى ميمونة- قال: سمعت أنس بن مالك رضى اللَّه عنه يقول: كان النبي صلّى
اللَّه عليه وسلم إذا خرج لحاجته، أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء يعنى
يستنجى به [ (2) ] .
وذكره في باب من حمل معه الماء لطهوره [ (3) ] ، وذكره أيضا في كتاب
الصلاة، في باب الصلاة إلى العنزة، ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام منا معنا عكازة، أو عصا، أو عنزة، ومعنا
إداوة، فإذا فرغ من حاجته ناولناه الإداوة [ (4) ] .
وعبد اللَّه بن عباس [ (5) ] ، رضى اللَّه عنهما،
خرّج البخاري ومسلم من حديث ورقاء، عن عبيد اللَّه بن أبى يزيد، عن ابن
عباس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 335، كتاب الوضوء، باب (17) حمل العنزة مع الماء
في الاستنجاء، حديث رقم (152) .
[ (2) ] (فتح الباري: (1/ 333، كتاب الوضوء، باب (15) الاستنجاء بالماء،
حديث رقم (150) .
[ (3) ] ولفظه: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خرج لحاجته
تبعته وأنا غلام، ومنا معنا إداوة من ماء» حديث رقم (151) .
[ (4) ] ولفظه: «كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خرج لحاجته تبعته أنا
وغلام، ومعنا عكازة، أو عنزة، أو عصا، فإذا فرغ من حاجته ناولناه الإداوة»
حديث رقم (500) .
[ (5) ] هو عبد اللَّه بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي
الهاشمي، أبو العباس، ابن عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أمه أم
الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية.
عن ابن عمر أنه كان يقرّب ابن عباس، ويقول: إني رأيت رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلم دعاك فمسح رأسك وتفل في فيك، وقال: اللَّهمّ فقهه في
الدين وعلمه التأويل.
(6/358)
الخلاء، فوضعت له وضوءا، قال: من وضع هذا؟
فأخبر، فقال: اللَّهمّ فقهه في الدين.
ذكره البخاري في باب وضع الماء عن الخلاء [ (1) ] . ولفظ مسلم: أن النبي
صلّى اللَّه عليه وسلم أتى الخلاء، فوضعت له وضوءا، فلما خرج قال: من وضع
هذا؟
في رواية زهير [بن حرب] قالوا، وفي رواية أبى بكر [بن أبى النّضر] : قلت:
__________
[ () ] وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه سكب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه
وسلم وضوءا عند خالته ميمونة، فلما فرغ قال: من وضع هذا؟ فقالت: ابن عباس،
فقال: اللَّهمّ فقهه في الدين وعلمه التأويل.
وقال ابن سعد بسنده عن ابن عباس: دعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
فمسح على ناصيتي وقال: اللَّهمّ علمه الحكمة وتأويل الكتاب.
واتفقوا على أنه مات بالطائف سنة ثمان وستين، واختلفوا في سنه، فقيل: ابن
إحدى وسبعين. وقيل: ابن اثنتين، وقيل: ابن أربع، والأول أقوى. (الإصابة) :
4/ 141- 152، ترجمة رقم (4784) ، (الاستيعاب) : 3/ 933- 939، ترجمة رقم
(1588) ، (المستدرك) : 3/ 614- 625، (التاريخ الكبير) : 5/ 3، (التاريخ
الصغير) : 1/ 126، (الجرح والتعديل) : 5/ 116، (حلية الأولياء) : 1/ 314،
(جمهرة أنساب العرب) : 19، (تاريخ بغداد) :
1/ 173، (جامع الأصول) : 9/ 63، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 274، (وفيات
الأعيان) :
3/ 62، (المطالب العالية) : 1/ 114، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 331- 351،
ترجمة رقم (51) ، (الثقات) : 3/ 208، (أسماء الصحابة الرواة) : 40، ترجمة
رقم (5) .
[ (1) ] (فتح الباري) : 1/ 325، كتاب الوضوء، باب (10) وضع الماء عند
الخلاء، حديث رقم (143) ، والخلاء: المكان الخالي، واستعمل في المكان المعد
لقضاء الحاجة مجازا.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «فأخبر» فإن ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس
هي المخبرة بذلك. قال التيمي: فيه استحباب المكافأة بالدعاء، وقال ابن
المنير: مناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه على وضعه الماء من جهة أنه تردد
بين ثلاثة أمور: إما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء، أو يضعه على الباب
لتناوله من قرب، أو لا يفعل شيئا، فرأى الثاني أوفق، لأن في الأول تعرضا
للاطلاع، والثالث يستدعى مشقة في طلب الماء، والثاني أسهل، ففعله يدل على
ذكائه، فناسب أن يدعى له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع، وكذا كان.
(المرجع السابق) .
(6/359)
ابن عباس، قال: اللَّهمّ فقهه [ (1) ] .
وقيس بن سعد بن عبادة [ (2) ] ،
خرّج الحاكم [من حديث] وهب بن جرير، حدّثنا أبى قال: سمعت منصور بن زاذان،
يحدث عن ميمون بن أبى شبيب، عن قيس بن سعد بن عبادة، أن أباه دفعه إلى
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخدمه، قال: فأتى عليّ النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم، وقد صليت ركعتين، فضربني برجله وقال: ألا أدلّك على باب من أبواب
الجنة؟ قلت: بلى يا رسول اللَّه، قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 16/ 270، كتاب فضائل الصحابة، باب (30) ،
فضائل عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما، حديث رقم (138) ، وما بين
الحاصرتين من (خ) فقط.
[ (2) ] هو قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري، مختلف في كنيته، فقيل:
أبو الفضل، وأبو عبد اللَّه، وأبو عبد الملك. وذكر ابن حبان أن كنيته أبو
القاسم، وأمه بنت عم أبيه، واسمها فكيهة بنت عبيد ابن دليم. وقال ابن
عيينة. عن عمرو بن دينار: كان قيس ضخما، حسنا، طويلا، إذا ركب الحمار خطت
رجلاه الأرض. وقال الواقدي: كان سخيا كريما داهية.
وفي (مكارم الأخلاق) للطبراني، من طريق عروة بن الزبير: كان قيس بن سعد بن
عبادة يقول:
اللَّهمّ ارزقني ما لا، فإنه لا يصلح الفعال إلا بالمال.
وفي (صحيح البخاري) ، عن أنس: كان قيس بن سعد من النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. وأخرج البخاري في (التاريخ) من طريق
خريم بن أسد، قال: رأيت قيس بن سعد وقد خدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلم عشر سنين.
وقال أبو عمر في (الاستيعاب) : كان أحد الفضلاء الجلة، من دهاة العرب، من
أهل الرأى والمكيدة في الحرب، مع النجدة والسخاء والشجاعة، وكان شريف قومه
غير مدافع، وكان أبوه وجده كذلك. قال خليفة وغيره: مات في آخر خلافة معاوية
بالمدينة. (الاستيعاب) : 3/ 1289- 1293، ترجمة رقم (2134) ، (الإصابة) : 5/
473- 475، ترجمة رقم (7182) ، (الثقات) : 3/ 339.
[ (3) ] (المستدرك) : 4/ 290، كتاب الأدب، حديث رقم (7787/ 109) ، وقال
الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.
(6/360)
والمغيرة بن شعبة [ (1) ] ، قال الواقدي في
مغازيه: وكان المغيرة بن شعبة يقول: كنا بين الحجر وتبوك، فذهب رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم لحاجته، وكان إذا ذهب أبعد، وتبعته بماء بعد الفجر،
فأسفر الناس بصلاتهم، وهي صلاة الصبح، حتى خافوا الشمس، فقدّموا عبد الرحمن
بن عوف فصلّى بهم، فحملت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إداوة فيها ماء.
فلما فرغ صببت عليه فغسل وجهه، ثم أراد أن يغسل ذراعيه، فضاق كم الجبة-
وعليه جبّة رومية- فأخرج يديه من تحت الجبة، فغسلهما، ومسح خفّيه، وانتهينا
إلى عبد الرحمن بن عوف، وقد ركع بالناس ركعة، فسبح الناس بعبد الرحمن بن
عوف، حين رأوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى كادوا أن يفتتنوا.
فجعل عبد الرحمن يريد أن ينكص وراءه، فأشار إليه النبي صلّى اللَّه عليه
وسلم أن اثبت، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خلف عبد الرحمن
ركعة، فلما سلّم عبد الرحمن تواثب الناس،
وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقضى الركعة الباقية، ثم سلّم بعد
فراغه منها ثم قال: أحسنتم، إنه لم يتوفّ نبيّ حتى يؤمه رجل صالح من أمته [
(2) ] .
وله طرق ترد إن شاء اللَّه تعالى في اللباس، عند ذكر الجبة.
__________
[ (1) ] هو المغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب
بن عمرو بن سعد بن عوف ابن قيس، وهو ثقيف الثقفي، يكنى أبا عبد اللَّه،
وقيل: أبا عيسى، وأمه امرأة من بنى نصر بن معاوية.
أسلم عام الخندق، وقدم مهاجرا، وقيل: إن أول مشاهد الحديبيّة، توفي سنة
خمسين من الهجرة بالكوفة. (الاستيعاب) : 4/ 1445- 1448، ترجمة رقم (2483) ،
(الإصابة) : 6/ 197- 201، ترجمة رقم (8185) .
[ (2) ] (مغازي الواقدي) : 1011- 1012.
(6/361)
|