إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع

فصل في ذكر سفره صلّى اللَّه عليه وسلّم
اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحب السفر في يوم الخميس، وكان يذكر اللَّه تعالى عند سفره، وإذا رجع من سفره، بأذكار معلومة، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعو اللَّه تعالى إذا ودع مسافرا، وإذا نزل منزلا، وإذا كان وقت السحر، وكان يتنفل على الراحلة، وله سير معروف، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يطرق أهله ليلا.

أما يوم سفره صلّى اللَّه عليه وسلّم
فخرج البخاري عن يونس، عن الزهري قال: أخبرنى عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أن كعب بن مالك كان يقول: لقل ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخرج إذا خرج [في سفر] إلا يوم الخميس [ (1) ] . هكذا وقع الحديث في كتاب البخاري، عن يونس، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، قال:
سمعت مالكا يقول.. والحديث منقطع، لأنه لم يسمع عبد الرحمن بن عبد اللَّه، من جده كعب بن مالك شيئا، وإنما سمع من أبيه عبد اللَّه، ومن عمه عبيد اللَّه، عن أبيهما كعب بن مالك، ونسب ذلك لابن المبارك، لا ليونس، لأن الليث بن سعد، وعبد اللَّه بن وهب، روياه عن يونس، عن الزهري، عن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده كعب بن مالك، ورواه الليث أيضا، عن عقيل، عن الزهري، بهذا الإسناد أيضا متصلا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 140، كتاب الجهاد، باب (103) من أراد غزوة فوري بغيرها، ومن أحب الخروج يوم الخميس، حديث رقم (2949) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ] قال الحافظ في (الفتح) : والحاصل أن رواية الزهري للجملة الأولى هي عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه

(8/150)


وخرج النسائي من طريق ابن جريج، قال أخبرنى معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن جده، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج في غزوة تبوك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس، وخرج من طريق ابن وهب قال: أخبرنى يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه، عن جده، قال: ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخرج في سفر جهاد وغيره، إلا في يوم الخميس. هكذا قال في الأول: عبد الرحمن عن جده، وفي الثاني: عبد الرحمن عن أبيه [ (1) ] .
وخرج أبو بكر الشافعيّ، من طريق عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط، أبى محمد العبديّ قال: حدثنا يونس عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه قال: قل ما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد سفرا، أن يخرج إلا يوم الخميس [ (2) ] .
وخرج ابن حيان من طريق خالد بن إلياس [ويقال: ابن إياس] ، عن
__________
[ () ] ابن كعب بن مالك، وروايته للجملة الثانية المتعلقة بيوم الخميس هي عن عمه عبد الرحمن بن كعب ابن مالك، وقد سمع الزهري منهما جميعا، وحدّث يونس عنه بالحديثين مفصلا، وأراد البخاري بذلك دفع الوهم واللبس عمن يظن فيه اختلافا (فتح الباري) .
[ (1) ] نسبة المنذري إلى النسائي، ولعله في (الكبرى) ، وأخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) :
14/ 219، في ترجمة يحيى بن إسحاق، رقم (7510) .
[ (2) ] وأخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 79، كتاب الجهاد، باب (84) حديث رقم (2605) ، وقال في هامشه: وأخرجه النسائي.
وأخرجه أيضا أبو محمد الدارميّ في (السنن) : 2/ 214، كتاب السير، باب في الخروج يوم الخميس، بسنده ولفظه.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 491، حديث رقم (15352) من حديث كعب بن مالك الأنصاري، ولفظه: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك» وحديث رقم (15354) من حديث كعب بن مالك الأنصاري ولفظه: «أقلّ) ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخرج إذا أراد سفرا إلا يوم الخميس» ، وحديث رقم (26637) من حديث كعب بن مالك ولفظه: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد أن يسافر لم يسافر إلا يوم الخميس» .

(8/151)


محمد بن المنكدر، عن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب يوم الخميس، ويستحب أن يسافر فيه [ (1) ] . وخالد بن إياس هذا، قال أحمد: منكر الحديث، وقال ابن معين: لا يكتب حديثه [ (2) ] .
وخرج أيضا من طريق عثمان بن المخارق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسافر في يوم الاثنين والخميس [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 243.
[ (2) ] له ترجمة في (تهذيب التهذيب) : 3/ 70- 71، ترجمة رقم (152) .
[ (3) ] (أخلاق النبي) : 244.

(8/152)


وأما ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا خرج مسافرا
فخرج النسائي من طريق حماد، عن عاصم قال: قال عبد اللَّه بن سرجس: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سافر يقول: اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ أصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا، اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال [ (1) ] .
__________
[ (1) ]
(سنن النسائي) : 8/ 666، كتاب الاستعاذة، باب (41) ، الاستعاذة من الحور بعد الكور، حديث رقم (5513) ، ولفظه: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سافر قال: اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال» .
وحديث رقم (5514) : عن عبد اللَّه بن سرجس: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سافر قال: اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد» .
وفي باب (42) الاستعاذة من دعوة المظلوم، حديث رقم (5515) عن عبد اللَّه بن سرجس:
كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر» .
وفي باب (43) الاستعاذة من كآبة المنقلب، حديث رقم (5516) ، عن أبى هريرة قال: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سافر فركب راحلته قال بإصبعه، ومد شعبة بإصبعه قال: اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال، اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب» .
قوله: «من وعثاء السفر»
بفتح واو، وسكون عين مهملة، ومثلثة، ومد، أي شدته ومشقته.
قوله: «وكآبة المنقلب»
بفتح كاف وهمزة ممدودة أو ساكنة كرأفة ورآفة، في (القاموس) : هي الغم، وسوء الحال، والانكسار من حزن، والمنقلب: مصدر بمعنى الانقلاب، أو اسم مكان.
قال الخطابي: معناه أن ينقلب إلى أهله كئيبا حزينا لعدم قضاء حاجته، أو إصابة آفة له، أو يجدهم مرضى، أو مات منهم بعضهم.
«والحور بعد الكور» الكور لف العمامة، والحور نقضها، والمراد الاستعاذة من النقصان بعد

(8/153)


وخرجه الترمذي بهذا السند مثله، وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] ، قال: ويروى: الحور بعد الكور
أيضا، قال: ومعنى
قوله: الحور بعد الكون أو الكور
فكلاهما له وجه: إنما هو الرجوع من الإيمان إلى الكفر، أو من الطاعة إلى المعصية، إنما يعنى الرجوع من شيء إلى شيء من الشر [ (2) ] .
وخرجه أبو بكر الشافعيّ رحمه اللَّه، من حديث عاصم [قال:] حدثنا أبو الأحوص، عن سماك عن عكرمة، عن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج إلى سفر قال: اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ إني أعوذ بك من الفتنة في السفر، والكآبة في المنقلب، اللَّهمّ اقبض لنا الأرض، وهون علينا السفر [ (3) ] .
وللإمام أحمد من حديث عمران بن ظبيان، عن حكيم بن سعد أبى يحى، عن على رضى اللَّه عن قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد سفرا قال: اللَّهمّ
__________
[ () ] الزيادة، أو من الشتات بعد الانتظام، أي من فساد الأمور بعد صلاحها، وقيل: من الرجوع عن الجماعة بعد الكون فيهم.
وروى «بعد الكون» بنون، أي الرجوع من الحالة المستحسنة بعد أن كان عليها، قيل: هو مصدر كان التامة، أي من التغير بعد الثبات.
«ودعوة المظلوم» : استعاذة من الظلم، فإنه يترتب عليه دعوة المظلوم، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين اللَّه حجاب.
«وسوء المنظر» : هو كل منظر يعقب النظر إليه سوء.
(حاشية السندي على سنن النسائي) : 8/ 666.
(سنن الترمذي) : 5/ 464، كتاب الدعوات، باب (42) .
[ (1) ] ما يقول إذا خرج مسافرا، حديث رقم (3439) .
[ (2) ] (المرجع السابق) .
[ (3) ] (كنز العمال) : 6/ 735- 736، حديث رقم (17627) وعزاه لابن أبى شيبة، وزاد في آخره:
فإذا أراد الرجوع من السفر قال: تائبون عابدون لربنا حامدون، وإذا دخل على أهله قال: توبا توبا، لربنا أوبا، لا يغادر علينا حوبا.

(8/154)


بك أصول، وبك أجول، وبك أسير [ (1) ] .
ولمسلم من حديث إسماعيل بن علية، عن عاصم الأحول، عن عبد اللَّه ابن سرجس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سافر يتعوذ باللَّه من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال. انفرد بإخراجه مسلم [ (2) ] .
ولمسلم من حديث ابن جريج، قال: أخبرنى أبو الزبير، أن عليا الأزدي أخبره أن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، علمهم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبر ثلاثا ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ [ (3) ] اللَّهمّ إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللَّهمّ هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن: آئبون تائبون عابدون، لربنا حامدون [ (4) ] .
وخرجه الترمذي من حديث حماد بن سلمة، عن أبى الزبير، عن على ابن عبد اللَّه البارقي، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما قال:] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سافر ركب راحلته، كبر ثلاثا ويقول: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 1/ 145، حديث رقم (693) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 119، كتاب الحج، باب (75) ، يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره، حديث رقم (1343) .
[ (3) ] الزخرف: [13- 14] .
[ (4) ] (مسلم بشرح النووي) : 9/ 118- 119، كتاب الحج، باب (75) ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره، حديث رقم (1342) .
قوله: وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ معنى مقرنين مطيقين، أي ما كنا نطيق قهره واستعماله، لولا تسخير اللَّه تعالى إياه لنا، وفي الحديث استحباب هذا الذكر عند ابتداء الأسفار كلها، وقد جاءت فيه أذكار كثيرة جمعتها في كتاب (الأذكار) (شرح النووي) .

(8/155)


وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ثم يقول: اللَّهمّ إني أسألك في سفري هذا من البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللَّهمّ هون علينا السفر، واطو عنا بعد الأرض، اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ أصبحنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا. وكان يقول إذا رجع إلى أهله: آئبون [إن شاء اللَّه] [ (1) ] تائبون عابدون، لربنا حامدون [ (2) ] .
قال:
هذا حديث حسن [غريب من هذا الوجه] [ (1) ] .
وخرجه الإمام أحمد رحمه اللَّه، ولفظه: عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا ركب راحلته- يعنى إلى السفر- كبر ثلاثا ثم قال:
سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ثم يقول: اللَّهمّ إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللَّهمّ هون علينا السفر، واطو لنا بعده، اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا [ (3) ] .
وللنسائى من حديث جرير، عن منصور، عن أبى إسحاق، عن على بن ربيعة الأسدي، قال: أتى على رضى اللَّه عنه بدابة، فوضع رجله في الركاب فقال: بسم اللَّه، فلما استوى عليها قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ثم كبر ثلاثا، وحمد اللَّه ثلاثا، ثم قال: لا إله إلا أنت، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال يوما مثل ما قلت، ثم استضحك، فقلت: مم استضحكت؟ قال: يعجب ربنا من قول عبده:
سبحانك إني ظلمت نفسي، فاغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت،
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي) .
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 468، كتاب الدعوات، باب (47) ، يقول إذا ركب الناقة، حديث رقم (3447) .
[ (3) ] (مسند أحمد) : 2/ 312- 133، حديث رقم (6275) ، وزاد في آخره: «وكان إذا رجع إلى أهله قال: آئبون تائبون إن شاء اللَّه عابدون لربنا حامدون» .

(8/156)


قال: علم عبدي أنه له ربا يغفر له الذنوب [ (1) ] .
وخرجه الترمذي من حديث قتيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن أبى إسحاق، فذكره وقال: حديث حسن صحيح [ (2) ] .
وقال محمد بن إسحاق [عفى اللَّه عنه] : وبلغني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما خرج من مكة مهاجرا إلى اللَّه يريد المدينة قال: الحمد للَّه الّذي خلقني ولم أك شيئا، اللَّهمّ أعنى على هول الدنيا، وبوائق الدهر، ومصائب الليالي والأيام، اللَّهمّ اصحبنى في سفري واخلفني في أهلي، وبارك لي فيما رزقتني، ولك فذللني، وعلى صالح خلقي فقومني، وإليك رب فوجهني، وإلى الناس فلا تكلني، رب المستضعفين وأنت ربى، أعوذ بوجهك الكريم الّذي أشرقت له السموات والأرض، وكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والآخرين، أن يحل عليّ غضبك، أو ينزل بى سخطك، أعوذ بك من زوال نعمتك، وفجأة نقمتك، وتحول عافيتك، وجميع سخطك، لك العتبى عندي ما استطعت، ولا حول ولا قوة إلا بك. كذا ذكره أبو نعيم، عن ابن إسحاق [رحمه اللَّه تعالى] [ (3) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه النسائي في (الكبرى) ، السير، باب التسمية عند ركوب الدابة والتحميد والدعاء إذا استوى على ظهرها.
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 467، كتاب الدعوات، باب (47) ما يقول إذا ركب الناقة، حديث رقم (3446) ، وقال الترمذي: وفي الباب عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما، وأخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 77، كتاب الجهاد، باب (81) ما يقول الرجل إذا ركب، حديث رقم (2602) .
[ (3) ] لم أجده.

(8/157)


وأمّا ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا علا على شيء
فخرج الإمام أحمد من حديث عمارة، حدثنا زياد النميري، حدثني أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا علا نشزا من الأرض قال: اللَّهمّ لك الشرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حال [ (1) ] .

وأمّا الدعاء لمن ودّعه صلّى اللَّه عليه وسلّم
فخرج النسائي من حديث حماد بن سلمة، قال: أنبأنا أبو جعفر الخطميّ، عن محمد بن كعب القرظيّ، عن عبد اللَّه بن يزيد الخطميّ قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا شيع جيشا فبلغ عقبة الوداع قال: استودع اللَّه دينكم، وأعمالكم، وخواتيم أعمالكم [ (2) ] .
ومن حديث يحيى بن إسماعيل عن قزعة، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه
__________
[ (1) ] (مسند أحمد) : 4/ 122، حديث رقم (13092) .
[ (2) ] عبد اللَّه الخطميّ: هو عبد اللَّه بن يزيد الأنصاري الخطميّ، له صحبة، سكن الكوفة، وكان أميرا عليها. (معالم السنن) .
والحديث أخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 76- 77، كتاب الجهاد، باب (80) في الدعاء عند الوداع، حديث رقم (2601) ، ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد أن يستودع الجيش قال: استودع اللَّه دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم.
والنسائي في (الكبرى) ، السير، باب ما يقول إذا ودع، وفي عمل اليوم والليلة، باب ذكر الاختلاف على حنظلة بن أبى سفيان في باب ما يقول عند الوداع.
وابن ماجة في (السنن) : 2/ 943، كتاب الجهاد، باب (24) تشييع الغزاة ووداعهم، حديث رقم (2825) .

(8/158)


قال: ودع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا فقال: استودع اللَّه دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك [ (1) ] .
وفي لفظ عن قزعة قال: كنت عند عبد اللَّه بن عمر، فأردت الانصراف، فقال: كما أنت حتى أودعك كما ودعني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأخذ بيدي، فصافحني، ثم قال: استودع اللَّه دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك [ (1) ] .
وخرجه الترمذي [رحمه اللَّه] من حديث سعيد بن خيثم، عن حنظلة، عن سالم، أن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] كان يقول للرجل إذا أراد سفرا:
ادن منى أودعك كما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يودعنا، فيقول: استودع اللَّه دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح [غريب] من هذا الوجه من حديث سالم [ (2) ] .
وله من حديث جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! إني أريد سفرا فزودنى، قال: زودك اللَّه التقوى، قال: زدني، قال: وغفر ذنبك، قال: زدني بأبي أنت وأمى، قال: ويسر لك الخير حيثما ما كنت.
قال: هذا حديث حسن غريب [ (3) ] .
وله من حديث أسامة بن زيد، عن سعيد المقبري، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه [قال:] أن رجلا قال: يا رسول اللَّه! إني أريد أن أسافر فأوصنى، قال: عليك بتقوى اللَّه، والتكبير على كل شرف، فلما أن ولى الرجل،
__________
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 466، كتاب الدعوات، باب (44) ما يقول إذا ودع إنسانا، حديث رقم (3443) .
[ (3) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (3444) .
وأخرج الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 69- 70، حديث رقم (4510) من حديث عبد اللَّه

(8/159)


قال: اللَّهمّ طو له البعد، وهون عليه السفر،
قال: هذا حديث حسن [ (1) ] .
وخرجه تقى بن مخلد بهذا الإسناد، قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أوصيك بتقوى اللَّه، والتكبير على كل شرف، فلما ولّى قال: اللَّهمّ ازو له الأرض، وهون عليه السفر [ (2) ] .
ولابن يونس من حديث ابن لهيعة، عن الحسن بن ثوبان، عن موسى بن وردان، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: ودعني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال:
استودعك اللَّه الّذي لا تضيع ودائعه [ (3) ] .
__________
[ () ] ابن عمر عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، قال: «كان أبى عبد اللَّه بن عمر إذا أتى الرجل وهو يريد السفر قال له: ادن حتى أودعك اللَّه كما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يودعنا فيقول: أستودع اللَّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك» .
وحديث رقم (4766) بنحوه، وكذلك حديث رقم (4937) ، وحديث رقم (6164) .
«الأمانة» ها هنا: أهله ومن يخلفه منهم، وماله الّذي يودعه ويستحفظه أمينه ووكيله، ومن في معناهما، وجرى ذكر الدين مع الودائع لأن السفر موضع خوف وخطر، وقد تصيبه فيه المشقة والتعب فيكون سبب لإهمال بعض الأمور المتعلقة بالدين، فدعا له بالمعونة والتوفيق. (معالم السنن) .
[ (1) ] (سنن الترمذي) : 5/ 466- 467 كتاب الدعوات، باب (46) [بدون ترجمة] ، حديث رقم (3445) .
[ (2) ] راجع التعليق السابق، والشرف: المكان المرتفع، وأخرجه ابن ماجة مختصرا في (السنن) : 2/ 926، كتاب الجهاد، باب (8) فضل الحرس والتكبير في سبيل اللَّه، حديث رقم (2771) ، وقال في هامشه: «كل شرف» : أي كل أرض مرتفعة، فإن ارتفاع المخلوق يذكر بارتفاع الخالق.
[ (3) ] (سنن ابن ماجة) : 2/ 943، كتاب الجهاد، باب (24) تشييع الغزاة ووداعهم، حديث رقم (2825) . قال في (الزوائد) : في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.

(8/160)


وأمّا كيف سيره صلّى اللَّه عليه وسلّم
فخرج البخاري من حديث مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: سئل أسامة- وأنا جالس- كيف كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسير في حجة الوداع حين دفع؟
قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص، قال هشام: والنص، فوق العنق، قال أبو عبد اللَّه: فجوة، متسع، والجمع فجوات وفجاء، وكذلك ركوة وركاء.
ذكره في كتاب الجهاد [ (1) ] ، وفي آخر حجة الوداع [ (2) ] . وخرجه مسلم من
__________
[ (1) ]
(فتح الباري) : 6/ 171، كتاب الجهاد والسير، باب (136) السرعة في السير، وقال أبو حميد:
قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني متعجل إلى المدينة، فمن أراد أن يتعجل معى فليتعجل، حديث رقم (2999) .
[ (2) ] (فتح الباري) : 3/ 660، كتاب الحج، باب 92 السير إذا دفع من عرفة، حديث رقم (1666) .
وأخرجه أيضا في كتاب المغازي، باب (78) حجة الوداع، حديث رقم (4413) .
وفي (مسلم بشرح النووي) : 9/ 38، كتاب الحج، باب (47) الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتي المغرب والعشاء جميعا بالمزدلفة في هذه الليلة، حديث رقم (283) ، (284) .
قوله: «وكان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص» ، وفي الرواية الأخرى: «قال هشام: والنص فوق العنق» أما العنق فبفتح العين والنون، والنص بفتح النون وتشديد الصاد المهملة، وهما نوعان من إسراع السير، وفي العنق نوع من الرّفق، والفجوة بفتح الفاء المكان المتسع، ورواه بعض الرواة في الموطأ «فرجة» بضم الفاء وفتحها، وهي بمعنى الفجوة، وفيه من الفقه استحباب الرّفق في السير في حال الزحام، فإذا وجد فرجه استحب الإسراع ليبادر إلى المناسك، وليتسع له الوقت ليمكنه الرّفق في حال الزحمة، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) .
وفي (سنن أبى داود) : 2/ 472- 473، كتاب مناسك الحج، باب (64) الدفعة من عرفة، حديث رقم (1923) .

(8/161)


حديث الربيع بن حماد، حدثنا هشام عن أبيه، فذكره. ومن حديث حميد بن عبد الرحمن عن هشام.
وخرج الحاكم من حديث الإمام أحمد، حدثنا إسماعيل بن أبى علية، حدثنا الحجاج بن أبى عثمان، عن أبى الزبير، أن جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنهما] حدثهم قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتخلف عن المسير، [فيزجى] الضعيف ويردف، ويدعو لهم. [قال:] صحيح على شرط مسلم. [ولم يخرجاه] [ (1) ] .
__________
[ () ] العنق: السير الوسيع، والنص: أرفع السير، وهو من قولهم: نصصت الحديث إذا رفعته إلى قائله ونسبته إليه، ونصصت العروس إذا رفعتها فوق المنصة، والفجوة: الفرجة بين المكانين.
وفي هذا بيان أن السكينة والتؤدة المأمور بهما إنما هي من أجل الرّفق بالناس، لئلا يتصادموا، فإذا لم يكن زحام، وكان في الموضع سعة سار كيف شاء. (معالم السنن) وأخرجه الإمام مالك في (الموطأ) : 270 كتاب الحج، باب السير في الدفعة، حديث رقم (888) .
وأخرجه النسائي في (السنن) : 5/ 285- 286، كتاب المناسك، باب (205) كيف السير من عرفة، حديث رقم (2023) .
وابن ماجة في (السنن) : 2/ 1004، كتاب المناسك، باب (58) الدفع من عرفة، حديث رقم (3017) وفي هامشه: «العنق» : سير سريع معتدل، و «نص» : أي حرك الناقة يستخرج أقصى سيرها.
والدارميّ في السنن: 2/ 57، كتاب الحج، باب كيف السير في الإفاضة من عرفة.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 266- 267 من حديث أسامة بن زيد، حديث رقم (21276) ، ولفظه: «كان سيره صلّى اللَّه عليه وسلّم العنق، فإذا وجد فجوة نص، والنص فوق العنق، وأنا رديفه، وحديث رقم (21326) بنحوه.
[ (1) ] (المستدرك) : 2/ 126، كتاب الجهاد، حديث رقم (2541) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم.

(8/162)


وأمّا ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم ويعمله إذا نزل منزلا
فخرج النسائي من حديث بقية [قال:] حدثنا صفوان بن عمرو، حدثنا شريح بن عبيد، عن الزبير بن الوليد، عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه [عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سافر فأقبل الليل قال: يا أرض، ربى وربك اللَّه، أعوذ باللَّه من شرك، وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، ومن شر ما يدب عليك، وأعوذ باللَّه من أسد وأسود، ومن الحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد [ (1) ] .
وخرجه الإمام أحمد بهذا السند، ولفظه: عن عبد اللَّه بن عمر [رضى اللَّه عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا أو سافر، فأدركه الليل قال: يا أرض، ربى وربك اللَّه، أعوذ باللَّه من شرك وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما دب عليك، أعوذ باللَّه من شر كل أسد وأسود، وحية وعقرب، ومن شر ساكن البلد، [ومن شر] [ (2) ] والد وما ولد [ (3) ] .
وخرج الحاكم من حديث محمد بن إسحاق، حدثنا محمد بن أبى صفوان الثقفي، حدثنا عبد السلام بن هاشم، حدثنا عثمان بن سعد الكاتب، عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ينزل منزلا إلا ودعه بركعتين. قال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم
__________
[ (1) ] لم أجده في (المجتبى) ، ولعله في (الكبرى) ، والحديث أخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 78، كتاب الجهاد باب (82) ما يقول الرجل إذا نزل المنزل، حديث رقم (2603) .
وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 2/ 110، حديث رقم (2487) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المسند) .
[ (3) ] (مسند أحمد) : 2/ 291، حديث رقم (6126) من مسند عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما، وحديث رقم (11840) من مسند أنس ابن مالك رضى اللَّه عنه.

(8/163)


يخرجاه، وعثمان بن سعد ممن يجمع حديثه [في البصريين] [ (1) ] .

وأمّا ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في السّحر
خرج مسلم [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرنى سليمان ابن بلال، عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول: سمع سامع بحمد اللَّه، وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا، وأفضل عائذا باللَّه [من] النار [ (4) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 1/ 460- 461، من كتاب صلاة التطوع، حديث رقم (1188) ، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : ذكر أبو حفص الفلاس عبد السلام هذا فقال: لا أقطع على أحد بالكذب إلا عليه، وحديث رقم (1635) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : عثمان ضعيف ما احتج به البخاري، وحديث رقم (2492) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعثمان بن سعد ممن يجمع حديثه، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : لا، فإن عبد السلام كذبه الفلاس، وعثمان لين.
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 17/ 43، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب (18) التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، حديث رقم (2716) .
قوله: «أسحر» فمعناه قام في السحر، أو انتهى في سيره إلى السحر، وهو آخر الليل.
وقوله: «سمع سامع»
فروى بوجهين أحدهما فتح الميم من سمع، وتشديدها، والثاني كسرها مع تخفيفها، واختار القاضي هنا وفي (المشارق) ، وصاحب (المطالع) التشديد، وأشار إلى أنه رواية أكثر رواة مسلم، قال: ومعناه بلغ سامع قولي هذا لغيره، وقال مثله تنبيها على الذكر في السحر والدعاء في ذلك، وضبطه الخطابي وآخرون بالكسر والتخفيف، قال الخطابي: معناه شهد شاهد على حمدنا للَّه تعالى على نعمه وحسن بلائه.
وقوله: «ربنا صاحبنا وأفضل علينا»
أي احفظنا واكلأنا، وأفضل علينا بجزيل نعمتك، واصرف عنا كل مكروه.
[ (3) ] لم أجده في (المجتبى) ، ولعله في (الكبرى) .
[ (4) ] وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 1/ 615، كتاب المناسك، حديث رقم (1636) ، قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط مسلم.

(8/164)


ذكر ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا رأى قرية
خرج النسائي من حديث سليمان بن بلال [قال:] حدثنا أبو بكر، حدثنا سليمان عن أبى سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه كان يسمع قراءة عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، وهو يؤم الناس في مسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من دار أبى جهم [ (1) ] .
وقال كعب الأحبار: والّذي فلق البحر لموسى، لين مهيبا، حدثني أن محمدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: اللَّهمّ رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أظللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها، وشر أهلها، وشر ما فيها [ (2) ] .
وحلف كعب بالذي فلق البحر لموسى، لأنها كانت دعوة داود عليه السلام حين يرى القرية. ذكره من طرق.
__________
[ (1) ] لم أجده في (المجتبى) ، ولعله في (الكبرى) .
[ (2) ] إلى هنا ذكره الحاكم في (المستدرك) : 1/ 614، كتاب المناسك، حديث رقم (1634) من حديث كعب الأخبار، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.

(8/165)


ذكر تنفله صلّى اللَّه عليه وسلّم على الراحلة
خرج البخاري من حديث موسى بن عقبة، عن نافع قال: كان ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] يصلى على راحلته ويوتر عليها، ويخبر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يفعل ذلك [ (1) ] .
__________
[ (1) ]
أخرجه أبو داود من حديث أنس بن مالك رضى اللَّه عنه: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سافر أراد أن يتطوع استقبل القبلة بناقته، ثم كبر، ثم صلى حيث وجهه ركابه» ، حديث رقم (1225) في الصلاة، باب التطوع على الراحلة والوتر، وإسناده حسن.
وحديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنه أخرجه كل من البخاري، ومسلم، ومالك، وأبو داود، والترمذي، والنسائي: «أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه ويومئ برأسه، وكان ابن عمر يفعله» أخرجه البخاري ومسلم.
وأخرج الترمذي رواية سعيد بن يسار، وهذا لفظه: قال: «كنت مع ابن عمر في سفر فتخلفت عنه، فقال: أين كنت؟ فقلت: أوترت..» فذكر الحديث، وفيه: «على راحلته» .
وأخرج الرواية التي فيها ذكر الآية، وهذا لفظه: «إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يصلى على راحلته أينما توجهت به، وهو جاء من مكة إلى المدينة، ثم قرأ ابن عمر هذه الآية: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة: 115] ، وقال: في هذا أنزلت.
(جامع الأصول) : 5/ 476- 478، [ما جاء] في أمكنة الصلاة وما يصلى عليه، وفيه أربعة أنواع، النوع الثالث: في الصلاة على الدابة، حديث (3675) ، ومعنى قوله: «يسبح» : التسبيح صلاة النافلة هاهنا، يراجع في ذلك:
البخاري: في تقصير الصلاة، باب صلاة التطوع على الدابة وحيثما توجهت به، وباب الإيماء على الدابة، وباب من لم يتطوع في السفر دبر كل صلاة، وباب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة، وباب من تطوع في السفر، وفي الوتر، باب الوتر على الدابة، وباب الوتر في السفر.
ومسلم في صلاة المسافرين، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت.
والموطأ في قصر الصلاة، باب صلاة النافلة في السفر بالنهار والليل، وأبو داود في الصلاة، باب التطوع على الراحلة والوتر.

(8/166)


وخرجه مسلم من حديث عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان يصلى سبحته حيث توجهت به ناقته.
وفي لفظ: كان يصلى على راحلته حيث توجهت به.
ذكره من عدة طرق.
وللإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون، قال: أخبرنا ربعي بن الجارود [قال] : حدثني عمرو بن الحجاج، عن الجارود بن أبى سبرة، عن أنس رضى اللَّه عنه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد أن يصلى على راحلته، استقبل القبلة، وكبر للصلاة، ثم خلى عن راحلته، فصلى حيث توجهت به [ (1) ] .

وأمّا ما يقول إذا رجع من سفره
فخرّج البخاري من حديث مالك عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما قال:] إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا قفل من غزوة، أو حج، أو عمرة، يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آئبون، تائبون، عابدون، [ساجدون] لربنا حامدون، صدق اللَّه وعده، ونصر
__________
[ () ] والترمذي في الصلاة، باب ما جاء في الوتر على الراحلة، وفي التفسير، باب ومن سورة البقرة.
والنسائي في القبلة، باب الحالة التي يجوز فيها استقبال غير القبلة، وفي قيام الليل، باب الوتر على الراحلة.
[ (1) ] وأخرج أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 175، حديث رقم (5312) من مسند عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنه، 4/ 238، حديث رقم (13860) من مسند جابر بن عبد اللَّه، وحديث رقم (14124) من مسند جابر بن عبد اللَّه، وحديث رقم (14620) من حديث جابر بن عبد اللَّه، بسياقات مختلفة، (سنن الدارميّ) : 1/ 356، باب في الصلاة في الراحلة، من حديث جابر.

(8/167)


عبده، وهزم الأحزاب وحده. وخرجه مسلم،
فذكره من طرق عديدة [ (1) ] .
ولأبى بكر الشافعيّ من حديث أبى الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد الرجوع من سفر قال: آئبون تائبون، لربنا حامدون، فإذا دخل صلّى اللَّه عليه وسلّم على أهله قال:
أوبا أوبا، لربنا توبا، لا [يغادر] علنيا حوبا [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 3/ 789، كتاب العمرة، باب (12) ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو؟
حديث رقم (1797) وفي كتاب الجهاد والسير، باب (133) التكبير إذا علا شرفا، حديث رقم (2995) ، وفي كتاب المغازي، باب (30) غزوة الخندق وهي الأحزاب، حديث رقم (4116) ، وفي كتاب الدعوات، باب (52) الدعاء إذا أراد سفرا، حديث رقم (6385) .
و (مسلم بشرح النووي) : 9/ 120- 121، كتاب الحج، باب (76) ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره، حديث رقم (1344) و (سنن أبى داود) : 3/ 214، كتاب الجهاد، باب (170) في التكبير على كل شرف في المسير، حديث رقم (2770) .
و (سنن الترمذي) : 3/ 285، كتاب الحج، باب (104) ما جاء ما يقول عند القفول من الحج والعمرة، حديث رقم (950) .
و (موطأ مالك) : 291، كتاب الحج، حديث رقم (952) .
[ (2) ]
(مسند أحمد) : 1/ 423، حديث رقم (2311) من مسند عبد اللَّه بن عباس، وهو حديث طويل، وفيه: «توبا توبا، لربنا أوبا» .

(8/168)


وأمّا ما يصنع إذا قدم من سفر
فخرج البخاري [ (1) ] من حديث محمد بن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن أبيه، وعمه عبيد اللَّه بن كعب بن مالك [رضى اللَّه عنه قال:] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا قدم من سفر ضحى، دخل المسجد فصلى ركعتين قبل أن يجلس. وذكره مسلم بنحو ذلك [ (2) ] .
وخرّجه النسائي بهذا السند، ولفظه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يقدم من سفر إلا نهارا ضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم جلس [ (3) ] .
__________
[ (1) ] (فتح الباري) : 6/ 238، كتاب الجهاد، باب (198) الصلاة إذا قدم من سفر، حديث رقم (3088) .
[ (2) ] (مسلم بشرح النووي) : 5/ 235- 236، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (12) استحباب الركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه، حديث رقم (716) .
في هذه الأحاديث استحباب ركعتين للقادم من سفره في المسجد أول قدومه، وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر، لا أنها تحية المسجد، والأحاديث المذكورة صريحة فيما ذكرته. وفيه استحباب القدوم أوائل النهار، وفيه أنه يستحب للرجل الكبير في المرتبة، ومن يقصده الناس إذا قدم من سفر للسلام عليه أن يقعد أول قدومه قريبا من داره في موضع بارز سهل على زائريه، إما المسجد، وإما غيره. (شرح النووي) .
[ (3) ] (سنن النسائي) : 2/ 386، كتاب المساجد، باب (38) الرخصة في الجلوس فيه والخروج منه بغير صلاة، حديث رقم (830) ، وهو حديث طويل، وفيه: «ثم جلس للناس» .
وأخرجه الإمام مسلم في كتاب التوبة، باب (9) حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، حديث رقم (2769) ، وهو حديث طويل، وفيه: «وكان [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، وكل سرائرهم إلى اللَّه» .

(8/169)


وخرّجه ابن حيان من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن تميم، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن كعب بن مالك [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، ثم يقعد ما قدر له في مسائل الناس وسلامهم [ (1) ] .
وخرّج البخاري من حديث شعبة، عن محارب بن دثار، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما قدم المدينة، نحر جزورا أو بقرة، زاد معاذ عن شعبة، عن محارب، سمع جابر بن عبد اللَّه: اشترى منى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعيرا [بأوقيتين] ودرهم أو درهمين، فلما قدم صرارا، أمر ببقرة فذبحت، فأكلوا منها، فلما قدم المدينة أمرنى أن آتى المسجد فأصلى ركعتين، ووزن ثمن البعير. ذكره في كتاب الجهاد، وترجم عليه باب:
الطعام عند القدوم [ (2) ] .
__________
[ () ] وأخرجه أبو داود في (السنن) : 3/ 320- 321، كتاب الجهاد، باب (178) في الصلاة عند القدوم من السفر، حديث رقم (2781) ، وفي باب (173) في إعطاء البشير، حديث رقم (2773) .
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 4/ 490، حديث رقم (15345) ، (15346) ، (15347) ، (15348) بسياقات مختلفة، كلهم من حديث كعب بن مالك الأنصاري رضى اللَّه عنه.
وأخرجه ابن عدي في (الكامل) : 4/ 293، في ترجمة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، شامي دمشقي، رقم (153/ 1120) ، ولفظه: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم يقعد ما قدر له لمسائل الناس ولكلامهم» .
قال: وقوله في هذا المتن: «يقعد لمسائل الناس وكلامهم» لا أعرفه إلا من حديث ابن تميم هذا عن الزهري.
[ (1) ] (أخلاق النبي) : 244.
[ (2) ] (فتح الباري) : 6/ 238، كتاب الجهاد والسير، باب (199) ، الطعام عند القدوم، وكان ابن عمر يفطر لمن يغشاه، حديث رقم (3089) .

(8/170)


وخرّج مسلم من حديث شعبة عن محارب [أنه] سمع جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنهما] يقول: اشترى منى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعيرا بأوقيتين ودرهم أو درهمين، قال: فلما قدم صرارا أمر ببقرة فذبحت، فأكلوا منها، فلما قدم المدينة، أمرنى أن آتى المسجد فأصلى ركعتين، ووزن ثمن البعير فأرجح لي [ (1) ] . وفي لفظ له: وقال أمر ببقرة فنحرت، ثم قسم لحمها [ (2) ] .

وأما كونه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يطرق أهله ليلا
فخرج البخاري من حديث همام عن إسحاق بن أبى عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يطرق أهله ليلا، كان لا يدخل إلا غدوة أو عشية. وخرجه مسلم بهذا السند، ولفظه: كان لا يطرق أهله ليلا، وكان يأتيهم غدوة أو عشية [ (3) ] .
__________
[ () ] قال ابن بطال: فيه إطعام الإمام والرئيس أصحابه عند القدوم من السفر، وهو مستحب عند السلف، ويسمى النقيعة بنون وقاف، وزن عظيمة، ونقل عن المهلب أن ابن عمر كان إذا قدم من سفر أطعم من يأتيه، ويفطر معهم، ويترك قضاء رمضان، لأنه كان لا يصوم السفر، فإذا انتهى الطعام ابتدأ قضاء رمضان.
قال: وقد جاء هذا مفصلا في (كتاب الأحكام) لإسماعيل القاضي وتعقبه ابن بطال بأن الأثر الّذي أخرجه إسماعيل ليس فيه ما ادعاه المهلب، يعنى من التقييد برمضان، وإن كان يتناوله بعمومه.
مختصرا من (فتح الباري) .
[ (1) ] (مسلم بشرح النووي) : 11/ 38، كتاب المساقاة، باب (21) بيع البعير واستثناء ركوبه، حديث رقم (115) .
[ (2) ] (المرجع السابق) : حديث رقم (116) .
[ (3) ]
أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي من حديث جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرقن أهله ليلا» .
قال الحافظ في (الفتح) : التقييد فيه بطول الغيبة، يشير إلى أن علة النهى إنما توجد حينئذ، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فلما كان الّذي يخرج لحاجة مثلا نهارا، ويرجع ليلا، لا يتأتى

(8/171)


__________
[ () ] له ما يحذر، مثل الّذي يطيل الغيبة، كأن طول الغيبة مظنة الأمن من الهجوم، فيقع للذي يهجم بعد طول الغيبة غالبا ما يكره، إما أن يجد أهله على غير أهبة من التنظيف والتزين المطلوب من المرأة، فيكون ذلك سبب النفرة بينهما.
قال: وإما أن يجدها على حالة غير مرضية، والشرع محرض على التستر، وقد أشار إلى ذلك بقوله: «أن يتخونهم ويتطلب عثراتهم» ، فعلى هذا من أعلم أهله بوصوله، وأنه يقدم في وقت كذا مثلا، لا يناوله النهى.
قال الحافظ: وفي الحديث الحث على التواد والتحاب، خصوصا بين الزوجين، لأن الشارع راعى ذلك بين الزوجين، مع اطلاع كل منهما على ما جرت العادة بستره، حتى إن كل واحد منهما لا يخفى عنه من عيوب الآخر شيء في الغالب، ومع ذلك فقد نهى عن الطروق لئلا يطلع على ما تنفر نفسه عنه.
قال: ويؤخذ منه أن الاستحداد ونحوه مما تتزين به المرأة ليس داخلا في النهى عن تغيير الخلقة، وفيه التحريض على ترك التعرض لما يوجب سوء الظن بالمسلم. (فتح الباري) .
وفي رواية أخرى: «نهى أن يطرق أهله ليلا» وزاد في رواية: «لئلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم» .
وفي رواية: قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إذا جئت من سفر فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة، وعليك بالكيس» هذه روايات البخاري ومسلم.
وفي رواية أبى داود قال: «كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فلما ذهبنا لندخل، قال: أمهلوا حتى لا ندخل ليلا، لكي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة» .
وفي رواية له: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «إن أحسن ما دخل الرجل على أهله إذا قدم من سفر: أول الليل» .
وفي أخرى له، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكره أن يأتى الرجل أهله طروقا» .
وفي رواية الترمذي: «أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهاهم أن يطرقوا النساء ليلا» .
وفي أخرى له أنه قال: «لا تلجوا على المغيبات، فإن الشيطان يجرى من أحدكم مجرى الدم، قلنا: ومنك؟ قال: ومنى، ولكن اللَّه أعاننى عليه فأسلم» .
قال سفيان بن عيينة: معنى «أسلم» أي فأسلم أنا منه فإن الشيطان لا يسلم. قال: و «المغيبات» جمع مغيبة، وهي التي زوجها غائب.
يراجع في ذلك: البخاري في النكاح، باب لا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة، مخافة أن يخونهم أو يلتمس عثراتهم، وفي الحج باب لا يطرق أهله إذا بلغ المدينة.
ومسلم في الإمارة، باب كراهة الطروق وهو الدخول ليلا. وأبو داود في الجهاد، باب في الطروق

(8/172)


__________
[ () ] والترمذي في الرضاع والاستئذان، باب ما جاء في كراهية طروق الرجل أهله ليلا.
وفي رواية ذكرها رزين قال: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قفل من غزاة أو سفر فوصل عشية، لم يدخل حتى يصبح، فإن وصل قبل أن يصبح، لم يدخل إلا وقت الغداة، ويقول، أمهلوا، كي تمتشط التفلة الشعثة، وتستحد المغيبة» .
شرح الغريب:
«يطرقوا» الطروق: أن يأتى الرجل المكان الّذي يريده ليلا.
«يتخونهم» التخون: طلب الخيانة والتهمة.
«تستحد» الاستحداد: حلق العانة، وهو استفعال من الحديد، كأنه استعمل الحديد، على طريق الكناية أو التورية.
«المغيبة» : التي غاب عنها زوجها.
«الشعثة» : البعيدة العهد بالغسل، وتسريح الشعر، والنظافة.
«الكيس» : الجماع، والكيس: العقل، فيكون قد جعل طلب الولد من الجماع عقلا.
«التفلة» ، امرأة تفلة: إذا كانت غير متطيبة، (جامع الأصول) : 5/ 28- 31.

(8/173)