إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل في سفر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم إلى الطائف
اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سافر- فيما حفظ من أحواله- إلى
الطائف مرتين، مرة قبل الهجرة، ومرة بعد الهجرة، فأما التي قبل الهجرة،
فإنه خرج بعد موت عمه أبى طالب، وبعد موت زوجته خديجة بنت خويلد، بثلاثة
أشهر، ومعه زيد بن حارثة، في شوال سنة عشر من المبعث- في قول الواقدي-
ليدعو ثقيفا إلى نصرته، فأقام بالطائف عشرة أيام، وقيل:
شهرا.
قال ابن إسحاق: ولما هلك أبو طالب، نالت قريش من رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم من الأذى، ما لم تكن تناله منه في حياة عمه أبى طالب، فخرج إلى
الطائف يلتمس من ثقيف النّصرة، والمنعة بهم من قومه، ورجاء أن يقبلوا منه
ما جاءهم به من اللَّه [عزّ وجلّ] فخرج إليهم وحده.
قال: فحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: لما انتهى رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف، عهد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ
سادة ثقيف وأشرافهم، وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمرو بن عمير، ومسعود
ابن عمرو بن عمير، وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة [بن] غيرة بن عوف
بن ثقيف، وعند أحدهم امرأة من قريش، من بنى جمح، فجلس إليهم [رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] ، فدعاهم إلى اللَّه، وكلمهم بما جاءهم له
من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه.
فقال أحدهم- وهو يمرط [ (2) ] ثياب الكعبة-: إن كان اللَّه أرسلك! وقال
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) .
[ (2) ] يمرط: ينزع ويرمى.
(8/305)
الآخر: أما وجد اللَّه أحدا يرسله غيرك؟
وقال الثالث: واللَّه لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسولا من اللَّه كما تقول،
لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على اللَّه، ما ينبغي
لي أن أكلمك،
فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من عندهم، و [قد] يئس من خير
ثقيف، وقد قال لهم- فيما ذكر لي-: إذا فعلتم ما فعلتم، فاكتموا عنى [ (1) ]
.
وكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبلغ ذلك قومه، فيذئرهم [ (2)
] ذلك عليه، فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه، ويصيحون به،
حتى اجتمع عليه الناس، [وألجئوه] [ (3) ] إلى حائط [ (4) ] لعتبة بن ربيعة،
وشيبة بن ربيعة، وهما فيه، ورجع عنه سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعهد إلى ظل
حبلة [ (5) ] من عنب فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريان ما لقي من
سفهاء أهل الطائف.
وقد لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- فيما ذكر لي- المرأة [التي] [
(6) ] من بنى جمح، فقال لها: ماذا لقينا من أحمائك؟ فلما اطمأن، قال- فيما
ذكر لي: اللَّهمّ إليك [أشكو] ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا
أرحم الراحمين أنت، رب المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد
يتجهمني [ (7) ] ؟ أو إلى عدوّ ملكته أمرى، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا
أبالى، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بوجهك الّذي أشرقت له
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 267.
[ (2) ] يذئرهم: يثيرهم.
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (4) ] حائط: حديقة أو بستان.
[ (5) ] حبلة: شجرة العنب.
[ (6) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (7) ] تجهم فلانا: أي استقبله بوجه قبيح.
(8/306)
الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من
أن تنزل بى غضبك، أو يحل عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة
إلا بك.
فلما رآه ابنا ربيعة- عتبة وشيبة- وما لقي، تحركت له رحمهما [ (1) ] ،
فدعوا غلاما لهما نصرانيا، يقال له: عدّاس، فقالا له: خذ قطفا من هذا
العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه،
ففعل عدّاس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم، ثم قال له: كل، فلما وضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده
فيه قال: باسم اللَّه، ثم أكل، فنظر عدّاس في وجهه ثم قال: واللَّه إن هذا
الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:
ومن أهل أي البلاد أنت يا عدّاس؟ وما دينك؟ قال:
نصرانىّ، وأنا رجل من أهل نينوى، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم: من قرية الرجل الصالح يونس بن متّى؟ فقال له عدّاس: وما يدريكك ما
يونس بن متى؟
قال: ذلك أخى كان نبيا، وأنا نبي، قال: فأكبّ عدّاس على رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم يقبّل رأسه، ويديه، و [قدميه] [ (2) ] .
قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك، فقد أفسد عليك، فلما
جاءهما عداس قالا له: ويلك يا عداس، ما لك تقبل رأس هذا الرجل، ويديه،
وقدميه؟! قال: يا سيدي! ما في الأرض [شيء] [ (3) ] خير من هذا، لقد أخبرنى
بأمر ما يعلمه إلا نبي، قال: ويحك يا عداس! لا يصرفنّك عن دينك، فإن دينك
خير من دينه.
ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انصرف من الطائف راجعا إلى مكة،
حين يئس من
__________
[ (1) ] الرحم: شرعا، الصلة والقرابة.
[ (2) ] زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) ، وقال في هامشها: في قصة عداس
غلام بنى ربيعة من فقه السنة: قبول هدية المشرك، وأن لا يتورع عن طعامه،
وفيه تعجب عداس لمعرفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبار يونس ابن متى،
وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم أمىّ، وفي أمّة أمّية صلّى اللَّه عليه وسلّم.
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
(8/307)
خير ثقيف، حتى إذا كان بنخلة [ (1) ] ، قام
من جوف الليل يصلى، فمرّ به النفر من الجن الذين ذكر اللَّه تبارك وتعالى،
وهم- فيما ذكر لي- سبعة نفر من جن نصيبين، فاستمعوا له، فلما فرغ من صلاته،
ولّوا إلى قومهم منذرين، قد آمنوا، وأجابوا إلى ما سمعوا، فقصّ اللَّه
خبرهم عليه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] ، فقال [تعالى] [ (2) ] :
وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ
فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى
قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً
أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى
الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ* يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ
اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ
مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [ (3) ] .
وقال [تعالى] [ (2) ] : قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ
مِنَ الْجِنِّ ... [ (4) ] إلى آخر القصة، من خبرهم في هذه السورة [ (5) ]
، وأما خروجه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف بعد الهجرة، فسيأتي في فتح
مكة إن شاء اللَّه تعالى.
__________
[ (1) ] نخلة: اسم وادي.
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] الأحقاف: 29- 31.
[ (4) ] الجن: أول سورة الجن.
[ (5) ] (سيرة ابن هشام) : 2: 266- 269، سعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم إلى الطائف، وموقف ثقيف منه، وشكواه إلى اللَّه تعالى، وقصته مع
عدّاس.
(8/308)
فصل في خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم إلى عكاظ، ومجنّة، وذي المجاز
اعلم أنه كانت للعرب أسواق يجتمعون بها في تجاراتهم، ويجتمع إليها سائر
الناس، فإذا انقضت لا يصل إليها أحد، ولا يرجع منها أحد إلا بخفيه، وكانت
أعظم هذه الأسواق [عشرة أسواق] ، منها ما يقوم في أشهر الحرم، ثم لا يقوم
إلى مثل ذلك من قابل، ومنها ما لا يقوم في أشهر الحرم ويقوم في غيرها.
فمن الأسواق العشرة: عكاظ، في أعلا نجد، قريب من عرفات، وكانت تقوم في
النصف من ذي القعدة، وكانت من أعظم أسواق العرب، وكانت قريش تنزلها،
وهوازن، وغطفان، والأحابيش- وهم الحرث [من بنى] [ (1) ] عبد مناة، وعضل،
والمصطلق، وطوائف أفناء العرب، فإذا نزلوها في نصف ذي القعدة، لا يبرحون
حتى [يروا] [ (1) ] هلال ذي الحجة، فإذا رأوه انقشعت.
وكان قيامها فيما بين نخلة والطائف، بينها وبين الطائف عشرة أيام، وبها نخل
وأموال لثقيف، ولم يكن فيها عشور [ (2) ] ولا خفارة [ (3) ] ، وكانت فيها
أشياء ليست في شيء من أسواق العرب، كأن يوافي [بالأسرى] [ (1) ]
__________
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] عشر القوم يعشرهم عشرا بالضم، وعشورا، وعشّرهم: أخذ عشر أموالهم،
والعشّار: قابض العشر.
(لسان العرب) : 4/ 570.
[ (3) ] الخفير: المجير، فكل واحد منهم مجير لصاحبه، والاسم من ذلك كله
الخفرة، والخفارة: الأمان وخفير القوم: مجيرهم الّذي يكونوا في ضمانه ما
داموا في بلاده. (المرجع السابق) : 253.
(8/309)
فيفادون بها، وكان بيعهم في السرار، وإذا
وجب البيع [وعند التاجر فيها ألف ممن يريد الشراء، ومن لا يريد أشركه في
الربح] [ (1) ] .
خرّج البيهقيّ من حديث سفيان بن عيينة، عن أبى حمزة الثمالي، عن سعيد بن
جبير، عن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: قدم وفد إياد على
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسألهم عن قس بن ساعدة الإيادي
فقالوا: هلك يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد
شهدته في الموسم بعكاظ، وهو على جمل له أحمر، أو على ناقة حمراء، وهو ينادى
في الناس،
فذكره [ (2) ] .
وقال جابر بن عبد اللَّه: مكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين
يتتبّع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنه، وفي [المواسم] [ (3) ] ، ويقول: من
يؤوينى؟ من ينصرني؟
ومجنة سوق من أسواق العرب، بين عكاظ وذي المجاز، كانت بأسفل مكة، على بريد
منها، وهي سوق لكنانة، وأرضها من أرض كنانة.
وخرّج الدارقطنيّ من حديث ابن نمير، عن يزيد بن زياد بن أبى الجعد [قال] [
(4) ] : حدثنا أبو ضمرة جامع بن شداد، عن طارق بن عبد اللَّه المحاربي،
قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرتين، مرة بسوق ذي المجاز،
وأنا في تباعة لي- هكذا قال- أبيعها، فمرّ وعليه حلة حمراء، وهو ينادى
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين سقط من (خ) ، واستدركناه من (ج) .
[ (2) ] (دلائل البيهقي) : 2/ 102، حديث قسّ بن ساعدة بن عمرو بن عدىّ بن
مالك، من بنى إياد، أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم في الجاهلية، ويقال:
إنه أول عربي خطب متوكئا على سيف، أو عصا، وأول من قال في كلامه: أما بعد،
وكان يفد على قيصر الروم زائرا فيعظمه، ويكرمه، وهو معدود في المعمرين،
طالت حياته، وأدركه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل النبوة، ورآه في
عكاظ، وسئل عنه بعد ذلك، فقال: يحشر أمة واحدة، خطب الناس بعكاظ وبشرهم
بمبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وحثهم على اتباعه، وذلك قبل البعثة.
[ (3) ] زيادة للسياق.
[ (4) ] زيادة للسياق من (سنن الدار قطنى) .
(8/310)
[بأعلى] صوته: [يا أيها] [ (1) ] الناس!
قولوا: لا إله إلّا اللَّه تفلحوا، ورجل يتبعه بالحجارة، قد أدمى كعبيه
وعرقوبيه، وهو يقول: [يا أيها] الناس! لا تطيعوه فإنه كذاب، قلت: من هذا؟
قالوا: هذا غلام [بنى] [ (1) ] عبد المطلب، قلت: من هذا الّذي يتبعه يرميه؟
قالوا: عمه عبد العزّى- وهو أبو لهب-.
فلما ظهر الإسلام، وقدم المدينة، أقبلنا في ركب من الرَّبَذَة، وجنوب
الرَّبَذَة، حتى نزلنا [قريبا] [ (1) ] من المدينة، ومعنا ظعينة لنا، فبينا
نحن قعود، إذ أتانا رجل عليه ثوبان أبيضان، فسلّم، فرددنا عليه، فقال: من
أين أقبل القوم؟ قلنا: من [الرَّبَذَة] [ (2) ] ، وجنوب الرَّبَذَة، [قال:
ومعنا] [ (2) ] جمل أحمر، قال: تبيعوني جملكم؟ قلنا نعم، قال: بكم؟ قلنا:
بكذا و [كذا] [ (2) ] صاعا من تمر، قال: فما استوضعنا شيئا، وقال: قد
أخذته.
ثم أخذ برأس الجمل حتى دخل المدينة، فتوارى عنا، فتلاومنا بيننا، وقلنا:
أعطيتم جملكم من لا تعرفونه، فقالت الظعينة: لا تلاوموا، فقد رأيت وجه رجل
ما كان ليحقركم، ما رأيت وجه رجل أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه، فلما كان
العشاء أتانا رجل فقال: السلام عليكم، أنا رسول رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم إليكم، وأنه أمركم أن تأكلوا من هذا حتى تشبعوا، وتكتالوا حتى
تستوفوا.
قال: فأكلنا حتى شبعنا، واكتلنا حتى استوفينا، فلما كان من الغد دخلنا
المدينة، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قائم على المنبر، يخطب
الناس وهو يقول: يد المعطى [العليا] [ (2) ] ، وابدأ بمن تعول، أمّك وأباك،
وأختك وأخاك، وأدناك أدناك، فقام رجل من الأنصار فقال: يا رسول اللَّه!
هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع الذين قتلوا فلانا في الجاهلية، فخذ لنا بثأرنا،
فرفع يديه
__________
[ (1، 2) ] زيادة للسياق من (سنن الدار قطنى) .
(8/311)
حتى [رأينا] [ (1) ] بياض إبطيه، فقال: ألا
لا يجنى والد على ولده [ (2) ] .
[وخرجه الحاكم وابن حبان] [ (3) ] .
[وذكر ابن سعد عن عبد اللَّه بن عون، عن عمرو بن سعيد، أن أبا طالب قال:
كنت بذي المجاز مع ابن أخى- يعنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- فأدركنى
العطش فشكوت إليه، فقلت: يا ابن أخى! قد عطشت- وما قلت له ذاك وأنا أرى أن
عنده شيئا إلا الجزع- قال: فثنى وركه، ثم نزل فقال: يا عم! أعطشت؟ قال:
قلت: نعم، قال: فأهوى بعقبه إلى الأرض، فإذا [بالماء] ، قال: اشرب يا عم،
قال: فشربت] [ (4) ] .
[وروى عبد اللَّه بن الأجلح، عن الكلبي، عن أبى صالح، عن ابن عباس، عن
العباس رضى اللَّه عنه قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا
عباس، لا أرى لي عندك ولا عند بنى أبيك ممنعة، فهل أنت مخرجي إلى السوق
غدا، حتى تعرفني منازل قبائل الناس؟ قلت: نعم، قال: فخرجت به، فأتيت به سوق
عكاظ- وكانت مجمع العرب- قال: فقلت هذه كندة ولفها، وهي أفضل من يحج البيت
من اليمن، وهذه منازل بكر بن وائل، وهذه منازل بنى عامر بن صعصعة، فاختر
لنفسك، قال: فبدأ بكندة، فأتاهم، فقال:
ممن [القوم] ؟ فقالوا: من أهل اليمن، قال: من أي اليمن؟ قالوا: من كندة،
قال: من أي كندة؟ قالوا: من بنى عمرو بن معاوية، قال: فهل لكم إلى خير؟
قالوا: وما هو؟ قال: تشهدون أن لا إله إلا اللَّه، وتقيمون الصلاة،
__________
[ (1) ] زيادة للسياق من (سنن الدار قطنى) .
[ (2) ] (سنن الدارقطنيّ) : 3/ 44- 45، كتاب البيوع، حديث رقم (186) .
[ (3) ] (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 8/ 130- 131، كتاب الزكاة، باب
(9) صدقة التطوع، حديث رقم (3341) وأخرجه النسائي في الزكاة، باب أيتهما
اليد العليا؟ عن يوسف بن عيسى، عن الفضل بن موسى بهذا الإسناد، وهو إسناد
صحيح.
[ (4) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 152- 153، ذكر علامات النبوة في رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يوحى إليه.
(8/312)
وتؤمنون بما جاء به من عند اللَّه] .
[قال ابن الأجلح: وحدثني أبى عن أشياخ قومه، أن كندة قالت له: إن ظفرت تجعل
لنا الملك من بعدك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الملك للَّه
يجعله حيث شاء، قالوا: لا حاجة لنا فيما جئتنا به. قال الكلبي في حديثه:
فقال جئتنا لتصدنا عن آلهتنا، وتنابذ العرب، ألحق بقومك، فلا حاجة لنا بك]
.
[فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من عندهم، فأتى بكر بن وائل
فقال: ممن القوم؟ قالوا: من بكر بن وائل، قال: من أي بكر بن وائل؟ قالوا:
من بنى قيس بن ثعلبة، قال: كيف [الغلبة] ؟ قالوا: كثير مثل الثرى، قال:
فكيف المنعة؟ قالوا: لا منعة، جاورنا فارس، فنحن لا نمنع منهم، ولا نجير
عليهم، قال: فتجعلون للَّه عليكم إن هو أبقاكم حتى تنزلوا منازلهم،
وتستنكحوا نساءهم، وتستعبدوا أبناءهم، أن تسبحوا اللَّه ثلاثا وثلاثين،
وتحمدوه ثلاثا وثلاثين، وتكبروه ثلاثا وثلاثين، قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم انطلق عنهم] .
[وكان عمه أبو لهب يتبعه، فيقول للناس: لا تسمعوا منه، ولا تقبلوا قوله،
قال: ثم مرّ أبو لهب فقالوا: هل تعرف هذا الرجل؟ قال: نعم، هذا في الذروة
منّا، أيّ شأنه تسألونى؟ فأخبروه بما دعاهم، وقالوا: زعم أنه رسول اللَّه،
قال: لا ترفعوا لقوله رأسا، فإنه مجنون، يهذى من أم رأسه، قالوا: لقد رأينا
ذلك، حيث ذكر من أمر فارس ما ذكر] .
[وروى يزيد بن هارون، عن جرير بن عثمان، عن سليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة،
قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعكاظ فقلت: من تبعك على هذا
الأمر؟ قال: حر وعبد] .
[وروى أبو الزبير عن جابر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مكث سبع سنين،
يتبع الحاج
(8/313)
في منازلهم في المواسم، بعكاظ ومجنة، يعرض
عليهم الإسلام، وبعكاظ رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قسّ بن
ساعدة، وحفظ كلامه] .
[وخرج] الحاكم من حديث يونس بن بكير، حدثنا يزيد بن زياد بن أبى الجعد، عن
جامع بن شداد، عن طارق [بن] عبد اللَّه المجازي، قال: رأيت رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم مرتين [ (1) ] ، رأيته بسوق ذي المجاز- وأنا في
بياعة لي- فمرّ وعليه حلة حمراء، فسمعته يقول: يا أيها الناس! قولوا: لا
إله إلا اللَّه، تفلحوا،
ورجل يتبعه يرميه بالحجارة، قد أدمى كعبيه، وهو يقول: يا أيها الناس، لا
تطيعوا هذا فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا غلام من بنى عبد المطلب،
قلت: من الرجل الّذي يرجمه؟ قيل لي: هو عمه عبد العزّى أبو لهب.
فلما أظهر اللَّه الإسلام خرجنا من الرَّبَذَة، ومعنا ظعينة لنا، حتى نزلنا
قريبا من المدينة، فبينا نحن قعود، إذ أتانا رجل عليه ثوبان، فسلم علينا
وقال: من أين القوم؟ فقلنا: من الرَّبَذَة، ومعنا جمل أحمر، فقال:
تبيعوننى الجمل؟ فقلنا: نعم، فقال: بكم؟ فقلنا: بكذا وكذا صاعا من تمر،
قال: أخذته
وما استقضى، فأخذ بخطام الجمل، فذهب به حتى توارى في حيطان المدينة، فقال
بعضنا لبعض: تعرفون الرجل؟ فلم يكن منا أحد يعرفه، فلام القوم بعضهم بعضا،
فقالوا: أتعطون جملكم من لا تعرفون؟
فقالت الظعينة: لا تلاوموا، فلقد رأيت وجه رجل لا يغدرنكم، ما رأيت شيئا
أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه.
فلما كان العشىّ، أتانا رجل فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه، أنتم الذين
جئتم من الرَّبَذَة؟ قلنا: نعم، قال: أنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم إليكم، وهو يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر حتى تشبعوا، وتكتالوا حتى
__________
[ (1) ] في (المستدرك) : «مرّ بسوق ذي المجاز» .
(8/314)
تستوفوا، فأكلنا من التمر حتى شبعنا،
واكتلنا حتى استوفينا.
ثم أتينا المدينة من الغد، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قائم
يخطب الناس على المنبر، فسمعته يقول: يد المعطى العليا، وابدأ بمن تعول،
أمّك وأباك، وأختك وأخاك، وأدناك أدناك، وثمّ رجل من الأنصار فقال: يا رسول
اللَّه! هؤلاء [بنو] ثعلبة بن يربوع، الذين قتلوا فلانا في الجاهلية، فخذ
لنا ثأرنا، فرفع رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] يديه حتى رأيت بياض
إبطيه فقال: لا تجنى أم على ولد، لا تجنى أم على ولد،
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] .
ولأبى نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبى شيبة قال: [حدثنا] محمد بن
[مكاره، حدثنا] ابن أبى الزياد، قال: حدثني أبى قال: رأيت رجلا يقال له:
ربيعة بن عباد، قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمر في فجاج
ذي المجاز وهو يقول: يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا اللَّه تفلحوا، قال:
فما يؤذيه أحد إلا أنهم يتبعونه، قال: فقالوا: هذا ابن عبد اللَّه بن عبد
المطلب، إلا رجل أحول، وضيء، ذو غديرتين، يتبعه في فجاج ذي المجاز وهو
يقول: إنه صابئ كاذب، قال: فقلنا: من هذا؟ قالوا: عمه أبو لهب.
قال أبو نعيم: ورواه زيد بن أسلم، وسعيد بن خالد القارظي، وحسين بن عبد
اللَّه بن عبيد اللَّه بن عباس، في آخرين، عن ربيعة [ (2) ] .
__________
[ (1) ] (المستدرك) : 2/ 668- 669، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء
والمرسلين، حديث رقم (4219) وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : روى ابن أبى
شيبة بعضه، وابن ماجة بعضه.
[ (2) ] أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 292- 293 مطولا، وبسياقه أتم
من هذه التي اختصرها المقريزي، وزاد أبو نعيم في آخرها: قال الشيخ رحمة
اللَّه عليه: ومن القبائل التي سماهم الواقدي أنه عليه السلام عرض عليهم
نفسه، ودعاهم إلى الإسلام: بنو عامر، وغسّان، وبنو فزارة، وبنو مرة، وبنو
حنيفة، وبنو سليم، وبنو عبس، وبنو نصر من هوازن، وثعلبة بن العكابة، وكندة،
وكلب، وبنو الحارث بن كعب، وبنو عذرة، وقيس بن الخطيم، وأبو الجيش أنس بن
رافع [أو ابن رافع] .
وأخرجه أيضا ابن سعد في (الطبقات) : 1/ 216، ذكر دعاء رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم قبائل العرب في المواسم.
(8/315)
|