إمتاع
الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع فصل في ذكر ما أكرم اللَّه تعالى به الأوس
والخزرج من لقاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومبادرتهم إلى إجابته
ودخولهم في طاعته، وتصديقهم برسالته ومسارعتهم إلى مبايعته [وحرصهم] على
إيوائه ونصرته، بعد ما عرض نفسه على قبائل العرب فردوه ولم يقبلوه.
[اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان [ (1) ]] يقف بالموسم
على [القبائل] [ (2) ] فيقول: يا بنى فلان، إني رسول اللَّه إليكم، يأمركم
أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وكان يمشى خلفه أبو لهب ويقول: لا تطيعوه.
وأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كندة في منازلهم، فدعاهم إلى
اللَّه فأبوا، وأتى كلبا في منازلهم، فلم يقبلوا منه، وأتى بنى حنيفة في
منازلهم، فردوا عليه أقبح ردّ، وأتى عامر بن صعصعة، وكان لا يدع من العرب
من [له [ (1) ]] اسم وشرف إلا دعاه، وعرض عليه ما عنده.
خرج الترمذي من حديث إسرائيل، حدثنا عثمان [بن [ (2) ]] المغيرة عن سالم بن
أبى الجعد، عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم يعرض نفسه بالموقف فقال: [إلا [ (2) ]] رجل يحملني إلى
قومه؟ فإن قريشا قد منعونى أن أبلغ كلام ربى.
قال أبو عيسى: هذا حديث [غريب [ (3) ]] صحيح [ (4) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (2) ] زيادة للسياق والبيان من (سنن الترمذي) .
[ (3) ] في (الأصل) :: «حسن» .
[ (4) ] (سنن الترمذي) : 5/ 168- 169، كتاب فضائل القرآن، باب (24) ، حديث
رقم (2925) .
(9/178)
وخرج أبو داود من حديث إسرائيل، عن عثمان
بن المغيرة، عن سالم ابن أبى الجعد، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعرض نفسه
على الناس بالموقف فيقول: هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعونى
أن أبلغ كلام [ (1) ] ربى.
زاد ابن إسحاق في روايته قال: فأتاه رجل من همدان فقال: أنا، فقال: وهل في
قومك منعة؟ وسأله: من أين هو؟ فقال: من همدان، ثم إن الهمدانيّ خشي أن
يخفره قومه، أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: آتيهم فأخبرهم،
ثم ألقاك من عام قابل؟ قال: نعم، فانطلق، وجاء وفد الأنصار في رجب.
وخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] . [ولم يخرجاه [ (3) ]] .
وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب من كل موسم، ويكلم كل شريف قوم،
لا يسألهم مع ذلك أن لا يؤذوه ويمنعوه، يقول: لا أكره أحدا منكم على [شيء]
، من رضى منكم بالذي أدعو إليه [قبله] ، ومن كره لم أكرهه، إنما أريد أن
تحرزوني مما يراد بى من القتل، حتى أبلغ رسالات ربى، وحتى يقضى اللَّه عز
وجل لي و [لمن] صحبني بما شاء، فلم يقبله أحد منهم،
ولم يأت أحد من تلك القبائل إلا قال: قوم الرجل أعلم به، أترون أن رجلا
يصلحنا
__________
[ (1) ] (سنن أبى داود) : 5/ 103، كتاب السنة، باب (22) في القرآن، حديث
رقم (4734)
[ (2) ] (المستدرك) : 2/ 669، كتاب تواريخ الأنبياء والمتقدمين من الأنبياء
والمرسلين، حديث رقم (4220) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) ، (سيرة ابن هشام) : 2/ 270- 275،
عرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نفسه على القبائل، (مسند أحمد) :
4/ 382، حديث رقم (14770) من مسند جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه، (سنن ابن ماجة) : 1/ 73، المقدمة، باب (13) فيما أنكرته
الجهمية، حديث رقم (201) . (سنن الدارميّ) : 2/ 440، باب القرآن كلام
اللَّه، (المجموعة الصحيحة) : 4/ 591، حديث رقم (1947) .
(9/179)
وقد أفسد قومه ولفظوه؟ فكان ذلك مما ادّخر
اللَّه عز وجل للأنصار وأكرمهم به، [من البركة [ (1) ]] .
فلما توفى أبو طالب ارتد البلاء على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
أشد ما كان، فعهد إلى ثقيف بالطائف، رجاء أن يؤووه، فوجد ثلاثة نفر، هم
سادة ثقيف يومئذ، وهم إخوة: عبد ياليل بن عمرو، وحبيب بن عمرو، ومسعود بن
عمرو، فعرض عليهم نفسه، وشكا إليهم البلاء، وما انتهك منه قومه، فقال
أحدهم:
أنا أسرق أستار الكعبة إن كان اللَّه قد بعثك بشيء! وقال الآخر: أعجز
اللَّه أن يرسل غيرك؟ وقال الآخر: واللَّه لا أكلمك بعد مجلسك هذا أبدا،
واللَّه لئن كنت رسول اللَّه، لأنت أعظم شرفا وحقا من أن أكلمك، ولئن كنت
تكذب على اللَّه، لأنت أشر من أن أكلمك، وهزءوا به، وأفشوا في قومهم الّذي
راجعوه به، وقعدوا له صفين على طريقه، فلما مر رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم بين صفيهم، جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعها، إلا رضخوها
بالحجارة، حتى دموا رجليه، فخلص منهم وهما يسيلان الدماء.
فعمد إلى حائط من حوائطهم واستظل في ظل حبله [ (2) ] منه، [وهو] مكروب
موجع، تسيل رجلاه دما، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، فلما
رآهما كره مكانهما، لما يعلم من عداوتهما للَّه ورسوله،
فلما رأياه أرسلا إليه غلاما [لهما] يدعى عدّاس- هو نصرانىّ من أهل نينوى
معه عنب- فلما جاءه عداس، قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من
أي أرض أنت يا عداس؟ قال: أنا من أهل نينوى، فقال له رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم: من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى؟ فقال له عدّاس: وما
يدريك من يونس بن متى؟ قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وكان لا
يحقر أحدا أن يبلغه رسالة ربه-: أنا رسول اللَّه، واللَّه عز وجل أخبرنى
خبر يونس [بن] متى،
فلما أخبره بما أوحى اللَّه إليه من شأن يونس بن متى، خرّ عداس ساجدا لرسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء، فلما أبصر
عتبة وشيبة ما صنع غلامهما، سكتا،
__________
[ (1) ] (دلائل أبى نعيم) : 1/ 295 حديث رقم (221) .
[ (2) ] الحبلة: شجرة العنب.
(9/180)
فلما أتاهما قالا: ما شأنك؟ سجدت لمحمد
وقبلت قدميه؟ ولم نرك فعلته بأحد منا! قال: هذا رجل صالح، أخبرنى بشيء
عرفته، من شأن رسول بعثه اللَّه إلينا، يدعى يونس بن متى، فضحكا به وقالا:
لا يفتنك عن نصرانيتك، فإنه رجل خداع، فرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم إلى مكة [ (1) ] .
وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر- يعنى الواقدي- قال:
حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن أبى الحويرث، عن محمد بن جبير ابن مطعم
قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد موت أبى طالب إلى الطائف،
ومعه زيد بن حارثة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وذلك في الثالث من شوال
سنة عشر. قال الواقدي: فأقام بالطائف عشرة أيام- قال غيره: شهرا- لا يدع
أحدا من أشرافهم إلا جاءه فكلمه فلم يجيبوه، وخافوا على أحداثهم فقالوا: يا
محمد! اخرج من بلدنا وألحق بمحالك من الأرض، وأغروا به سفهاءهم، فجعلوا
يرجمونه بالحجارة، حتى إن رجليه لتدميان، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتى
لقد شج في رأسه شجاجا، فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة
وهو محزون.
فلما نزل نخلة، قام يصلى من الليل، فصرف إليه نفر من الجن، سبعة من أهل
نصيبين، فاستمعوا القرآن، وأقام بنخلة أياما، فقال له زيد بن حارثة: كيف
تدخل عليهم وهم أخرجوك؟ فأرسل رجلا من خزاعة إلى مطعم ابن عدي، أدخل في
جوارك؟ قال: نعم.
ويروى أنه أن ذهب إلى الأخنس بن شريق فقال: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالة
ربى؟ فقال: إن الحليف لا يجير على الصريح، فقال الرسول: ائت سهيل بن عمرو،
فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربى؟ فأتاه، فقال
له ذلك، فقال: إن بنى عامر بن لؤيّ لا تجير على بنى كعب، فرجع إلى رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فأخبره فقال: ائت
__________
[ (1) ] نينوى: بكسر أوله وسكون ثانيه، وفتح النون والواو، وهي قرية نبي
اللَّه يونس عليه السّلام بالموصل. (معجم البلدان) : 5/ 391.
(9/181)
المطعم ابن عدي فقل له: إن محمدا يقول لك:
هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربى؟ قال: نعم،
فليدخل، فرجع إليه فأخبره.
وأصبح المطعم بن عدي قد لبس سلاحه هو وبنوه، وبنو أخيه، ودخلوا المسجد،
فلما رآه أبو جهل قال: أمجير أم تابع؟ قال: بل مجير، قال: أجرنا من أجرت،
فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فانتهى إلى الركن فاستلمه، وصلّى
ركعتين، وانصرف إلى بيته، ومطعم وأولاده مطيفون به [ (1) ] .
وخرج الترمذي من حديث حماد بن سلمة قال: حدثنا ثابت، عن أنس رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد أخفت
في اللَّه، وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في اللَّه، وما يؤذى أحد، ولقد أتت
على ثلاثون من بين يوم وليلة، وما لي [ولبلال] طعام يأكله ذو كبد، إلا شيء
يواريه إبط بلال [ (2) ] ، قال أبو عيسى: هذا حديث [حسن غريب] [ (3) ] .
قال بعضهم: ومعناه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين خرج فارا من
مكة ومعه بلال، إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمله تحت إبطه [ (4) ] .
وخرج البخاري [ (5) ] من حديث ابن شهاب قال: أخبرنى عمرو بن الزبير أن
عائشة [رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها زوجة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم]
__________
[ (1) ] (طبقات ابن سعد) : 1/ 210- 212، ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم إلى الطائف.
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 4/ 556، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب
(34) ، حديث رقم (2472) .
[ (3) ] زيادة للسياق من (سنن الترمذي) ، وفي (الأصل) : «حديث صحيح» ،
وقال: ومعنى هذا الحديث: حين خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فارا
من مكة ومعه بلال إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمله تحت إبطه.
[ (4) ] (المرجع السابق) : تعقيبا على الحديث رقم (2472) .
[ (5) ] (فتح الباري) : 6/ 384- 385، كتاب بدء الخلق، باب (7) إذا قال
أحدكم: «آمين» والملائكة في السماء، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم
من ذنبه، حديث رقم (3231) ، 13، 460، كتاب التوحيد باب (9) وَكانَ اللَّهُ
سَمِيعاً بَصِيراً حديث رقم
(9/182)
حدثته أنها قالت لرسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم أشد عليك من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك
[ما لقيت و] كان أشد منه يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل [بن]
عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق
إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى، فنظرت،
فإذا فيها جبريل عليه السّلام، فناداني فقال: إن اللَّه قد سمع قول قومك لك
وما ردوا عليك، وقد بعث اللَّه إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم
ناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال: يا محمد إن اللَّه عز وجل قد سمع
قومك، وأنا ملك الجبال، قد بعثني إليك ربك لتأمرنى بما شئت، إن شئت نطبق
عليهم الأخشبين، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أرجو أن
يخرج اللَّه من أشرارهم [أو قال من أصلابهم] [ (1) ] من يعبد اللَّه لا
يشرك به شيئا.
قال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق، قال: حدثني الزهري قال: أتى رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم ناسا من كندة [في] مياه لهم، وفيهم سيد لهم يقال
له:
مليح، فدعاهم إلى اللَّه عز وجل، فعرض عليهم نفسه، فأبوا أن يقبلوا منه
نفاسة، ثم أتى حيا من كلب، يقال لهم، بنو عبد اللَّه، فقال لهم: يا بنى عبد
اللَّه! قد أحسن اللَّه اسم أبيكم، فلم يقبلوا ما عرض عليهم.
قال أبو نعيم: وحمله عرض نفسه صلّى اللَّه عليه وسلّم على القبائل على
تأكيد الحجة على منى لم يقبله، ولزوال اللائمة عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم
في الإساءة بهم إذا أعلاه اللَّه [لكي] لا ينسب إليه- إذا لم يعدم العذر،
ويلزمهم الحجة- الغلظة والإساءة بقومه.
وقيل: بل عرض نفسه على القبائل رياضة من اللَّه له، وتنبيها على التوكل
عليه في كل أموره، فيبقى له العلو والتمكين، من حيث لا يحتسب،
__________
[ () ] (7389) ، وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب (39) ما لقي رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم (1795) .
[ (1) ] ما بين الحاصرتين ليس في البخاري.
(9/183)
فقيض له الأنصار مع بعد نسبهم، فصاروا له
وزراء وأنصارا، دون أقاربه وقومه وعشيرته، الذين هم أولى بنصرته.
أول من لقيه من الأوس سويد بن الصامت
قال يونس بن بكير [عن] ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن أشياخ من
قومه قالوا: قدم سويد بن الصامت أخو بنى عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا،
وكان سويد [إنما] يسميه قومه فيهم: الكامل، لسنه، وجلده، وشعره [وشرفه،
ونسبه] ، قال: فتصدى له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، [حين سمع به]
ودعاه إلى اللَّه عز وجل، وإلى الإسلام، فقال سويد:
فلعل الّذي معك مثل الّذي معى، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم: وما الّذي معك؟
فقال: مجلة لقمان، يعنى حكمته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:
اعرضها عليّ، فعرضها عليه، فقال: إن هذا لكلام حسن، والّذي معى أفضل منه،
قرآن أنزله اللَّه عزّ وجل عليّ، هو هدى ونور، فتلا عليه صلّى اللَّه عليه
وسلّم القرآن، ودعاه إلى الإسلام، فلم يبعد منه، وقال: إن هذا لقول حسن، ثم
انصرف [عنه] .
فقدم المدينة على قومه، فلم يلبث أن قتلته الخزرج، وكان الّذي قتله المجذر
بن [زياد] البلوى، حليف بنى عوف بن الخزرج، وكان رجال قومه يقولون: إنا
لنرى أنه قتل وهو مسلم، وكان قتله قبل يوم بعاث [ (1) ] .
وذكر ابن عبد البر: أن سويد بن الصامت هذا لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم بسوق ذي المجاز من مكة، في حجة حجها سويد [على ما كانوا يحجون
عليه في [الجاهلية] ، وذلك في أول مبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
ودعائه إلى اللَّه
__________
[ (1) ] (سيرة ابن هشام) : 2/ 273- 275، عرضه صلّى اللَّه عليه وسلّم نفسه
على سويد بن الصامت، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (سيرة ابن هشام) ،
ومجلة لقمان: صحيفة، ويوم بعاث: يوم من أيام العرب في الجاهلية وقعت فيه
الحرب بين الأوس والخزرج، هلك فيها كثير من صناديدهم وأشرافهم، وبعاث: اسم
أرض بها عرفت. هامش (المرجع السابق) ، (أيام العرب في الجاهلية) : 73 وما
بعدها.
(9/184)
تعالى، فدعاه عليه السّلام إلى الإسلام،
فلم يرد عليه سويد شيئا، ولم يظهر له قبول ما دعاه إليه وقال له: لا أبعد
ما جئت به، ثم انصرف إلى قومه بالمدينة. قال أبو عمر: أنا شاك في إسلام
سويد بن الصامت، كما شك فيه غيري [ (1) ] .
ثم لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد لقاء سويد بن الصامت فتية
من بنى عبد الأشهل
قال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن
سعد بن معاذ، عن محمود بن لبيد، أخى بنى عبد الأشهل قال: لما قدم أبو
الحيسر أنس بن رافع مكة، ومعه فتية من بنى عبد الأشهل، فيهم إياس بن معاذ،
[يلتمسون] [ (2) ] الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، سمع بهم رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتاهم، فجلس إليهم، فقال لهم: هل لكم [في] [ (3)
] خير مما جئتم له؟ فقالوا [له] [ (4) ] : وما ذاك؟ قال: أنا رسول اللَّه،
بعثني إلى العباد، أدعوهم إلى أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وأنزل عليّ
الكتاب،
ثم ذكر لهم الإسلام، [وتلى] عليهم القرآن، فقال إياس بن معاذ- وكان غلاما
حدثا-: [أي] [ (5) ] قوم! هذا واللَّه خير مما جئتم له، [قال] [ (6) ] فأخذ
أبو الحيسر أنس بن رافع، حفنة من البطحاء، فضرب بها وجه إياس [
__________
[ (1) ] (الاستيعاب) : 2/ 677- 678، ترجمة رقم (1116) .
[ (2) ] في (الأصل) : «يلتمس» .
[ (3) ] في (الأصل) : «إلى» .
[ (4) ] زيادة للسياق.
[ (5) ] في (الأصل) : «يا» .
[ (6) ] زيادة للسياق.
(9/185)
ابن معاذ] [ (1) ] وقال: دعنا منك، فلعمري
لقد جئنا لغير هذا [قال: فصمت إياس] [ (2) ] .
وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنهم، وانصرفوا إلى المدينة،
[وكانت] وقعة بعاث بين الأوس والخزرج، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك. قال
محمود ابن لبيد: فأخبرني من حضره [من] قومه [عند موته] أنهم لم يزالوا
يسمعونه يهلل اللَّه تعالى، ويكبره، ويحمده، ويسبحه، حتى مات، وكانوا لا
يشكون أن قد مات مسلما، [فقد] كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس، حين سمع
من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما سمع [ (3) ] .
وخرج البخاري وأحمد من حديث أبى أسامة قال: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه،
عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: كان يوم بعاث يوما قدمه
اللَّه لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم المدينة، وقد افترق ملأهم، وقتلت سرواتهم [ (4) ] . وزاد أحمد: ورقوا
للَّه ولرسوله في دخولهم في الإسلام [ (5) ] .
__________
[ (1) ] زيادة للنسب.
[ (2) ] زيادة للسياق، وفي (الأصل) : «فسكت» .
[ (3) ] (سيرة ابن هاشم) : 2/ 275- 276، إسلام إياس بن معاذ وقصة أبى
الحيسر.
[ (4) ] (فتح الباري) : 7/ 138، كتاب مناقب الأنصار، باب (1) مناقب
الأنصار، باب (46) مقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه
المدينة، حديث رقم (3930) .
[ (5) ] أخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 7/ 90، حديث رقم (23799) ، من
مسند السيدة عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. وسرواتهم: سادتهم
وكبرائهم.
(9/186)
وكان من خبر يوم بعاث [ (1) ]
[اعلم] أن الأوس والخزرج لما استقروا بيثرب كما تقدم، وقع بينهم عدة حروب
[في مدة] مائة وعشرين سنة، آخرها أن قريظة والنضير [حيان] من اليهود، جددوا
مع الأوس العهود على المؤازرة والتناصر. وأدخلوا معهم قبائل أخر من اليهود،
وجدّوا في أمرهم، فجمعت الخزرج، واستنفروا حلفاءهم من أشجع، وجهينة، فراسل
الأوس أيضا حلفاءهم من مزينة، وأقام الفريقان مدة أربعين يوما يتجهزون
للحرب، ثم التقوا ببعاث- وهي من أموال بنى قريظة- وعلى الأوس حضير الكتائب
بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس [بن] زيد بن الأشهل بن جشم بن
الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس [ (2) ] وعلى الخزرج رحيلة بن ثعلبة بن
خالد بن عامر بن بياضة بن زريق ابن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن
الخزرج بن حارثة البياضيّ [ (3) ] ، وتخلف عبد اللَّه بن أبىّ ابن سلول
فيمن تبعه عن الخزرج، وتخلف بنو حارثة ابن الحارث عن الأوس، [فاقتتلوا]
قتالا شديدا صبروا فيه جميعا، ثم انهزمت الأوس، فثبت حضير الكتائب، ونزل عن
فرسه، وضرب بحربته ظهر قدمه، وصرخ وا عقراه، وصاح: واللَّه لا أبرح حتى
أقتل، فعطفوا عليه، وقاتلوا، فقتل عمرو بن النعمان رئيس الخزرج، فانهزم
الخزرج،
__________
[ (1) ] بعاث: بالضم، وآخره ثاء مثلثة: موضع في نواحي المدينة، كانت به
وقائع بين الأوس والخزرج في الجاهلية- وحكاه صاحب (كتاب العين) بالغين
المعجمة، ولم يسمع في غيره، وقال أبو أحمد العسكري: هو تصحيف.
[ (2) ] ترجمته في (جمهرة أنساب العرب) : 339، 346، (جمهرة النسب) : 634،
635.
[ (3) ] ترجمته في (جمهرة أنساب العرب) : 357، (الإصابة) : 2/ 481، ترجمة
رقم (2647) ، وقال الحافظ: رخيلة بالخاء المعجمة مصغرا، ابن ثعلبة بن خالد
بن ثعلبة ابن عامر بن بياضة الأنصاري الزرقيّ. ذكره ابن إسحاق، وموسى بن
عقبة فيمن شهد بدرا.
قال ابن هشام: قاله ابن إسحاق بالجيم، والصواب بالخاء، كذا أطلق، وقيده
الدار قطنى وغيره بالخاء المعجمة.
(9/187)
ووضع الأوس فيهم السلاح، ثم كفوا عنهم.
وأما حضير الكتائب فمات من جراحته، وأحرق الأوس دور الخزرج ونخيلهم.
وخرج الترمذي من حديث الفضل بن موسى، عن عيسى بن عبيد، عن غيلان بن عبد
اللَّه، عن أبى زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن اللَّه أوحى
إليّ أي هؤلاء الثلاثة نزلت، فهي دار هجرتك: المدينة، أو البحرين، أو
قنسرين [ (1) ]
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الفضل بن موسى [ (2) ] .
وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال، فلما اشتدوا على رسول اللَّه صلّى
اللَّه عليه وسلّم والمسلمين، أمرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
[بالخروج] إلى المدينة، فخرجوا
__________
[ (1) ] قنسرين: بكسر أوله وفتح ثانيه وتشديده- وقد كسره قوم- ثم سين
مهملة. وسبب تسميتها بذلك أن ميسرة بن مسروق العبسيّ مرّ عليها فلما نظر
إليها قال: ما هذه؟ فسميت له بالرومية، فقال: واللَّه لكأنها قين نسر،
فسميت قنسرين، وقيل غير ذلك.
وكان فتح قنسرين على يد أبى عبيدة بن الجراح رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه
في سنة (17) ، وكانت حمص وقنسرين شيئا واحدا، قال أحمد بن يحيى: سار أبو
عبيدة بن الجراح بعد فراغه من اليرموك إلى حمص، فاستقر بها، ثم أتى قنسرين
وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فقاتله أهل مدينة قنسرين، ثم لجئوا إلى حصنهم،
وطلبوا الصلح، فصالحهم، وغلب المسلمون على أرضها وقراها.
وكانت قنسرين مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جهة حمص، بقرب العواصم، وبعضهم
يدخل قنسرين في العواصم، وكانت عامرة آهلة إلى أن كانت سنة (351) وغلبت
الروم على مدينة حلب فليس بها اليوم إلا خان ينزله القوافل وعشار السلطان،
وفريضة صغيرة.
وكان خراب قنسرين في سنة (355) قبل موت سيف الدولة بأشهر. كان قد خرج إليها
ملك الروم، وعجز سيف الدولة عن لقائه فأمال عنه، فجاء إلى قنسرين وخربها،
وأحرق مساجدها، ولم تعمر بعد ذلك، وحاضرة قنسرين بلدة باقية إلى الآن.
[ (2) ] (سنن الترمذي) : 5/ 678، كتاب المناقب، باب (68) في فضل المدينة،
حديث رقم (3923) .
(9/188)
أرسالا أرسالا [ (1) ] فخرج منهم قبل خروج
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة: أبو سلمة ابن عبد الأسد،
وامرأته أم سلمة بنت أبى أمية، وعامر بن ربيعة، وامرأته أم عبد اللَّه بنت
أبى حثمة- ويقال: أول ظعينة قدمت المدينة أم سلمة، ويقول بعض الناس: أم عبد
اللَّه، واللَّه أعلم- ومصعب بن عمير، وعثمان بن مظعون، وأبو حذيفة بن عتبة
بن ربيعة، وعبد اللَّه بن جحش، وعثمان بن الشريد، وعمار بن ياسر. فنزل أبو
سلمة، وعبد اللَّه بن جحش في بنى عمرو بن عوف، ثم خرج عمر بن الخطاب، وعباس
بن أبى ربيعة في أصحاب لهم، فنزلوا في بنى عمرو بن عوف، وعدا أبو سفيان بن
حرب على دار بنى جحش، وهي دار إياب بن عثمان عند الروم فيملكها، إذ بقيت
[خرابا] لا أحد بها، لأنهم هاجروا بنسائهم، وطلب أبو جهل بن هشام، والحارث
بن هشام، والعاص بن هشام، عباس بن أبى ربيعة- وهو أخوهم لأمهم- فقدموا
المدينة، فذكروا له حزن أمه وقالا له: إنها حلفت أنها لا يظلها سقف بيت،
ولا يمس رأسها دهن حتى تراك، [ولولا] ذاك لم نطلبك، فنذكرك اللَّه في أمك-
وكان بها رحيما، وكان يعلم من حبها إياه، ورأفتها به- فصدق قولهم، [ورق]
لها، لما ذكروا [له] منها، وأبى أن يتبعهما، حتى عقد له الحارث بن هشام
عقدا، فلما خرجا به أوثقاه، فلم يزل به، قال: حتى خرج من خرج قبل فتح مكة،
وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعو له بالخلاص.
قال: وخرج عبد الرحمن بن عوف، على سعد بن الربيع، في بنى الحارث بن الخزرج،
وخرج عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد اللَّه، والزبير ابن العوام، وطائفة
أخرى، فأما طلحة فخرج إلى الشام، ثم تتابع أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه
عليه وسلّم [كذلك] إلى المدينة أرسالا.
ومكث من أصحابه بمكة، حتى بعد مقدمه المدينة، منهم: سعد بن أبى وقاص- وقيل:
بل قدم قبل قدوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
__________
[ (1) ] أرسالا: على دفعات متفرقة.
(9/189)
وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال:
حدثني نافع عن عبد اللَّه ابن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنهما قال: لما اجتمعنا للحرة، اتعدت أنا وعباس بن أبى ربيعة، وهشام
بن العاص بن وائل، وقلنا: الميعاد بيننا القاصب [ (1) ] من أضاة بنى غفار،
فمن أصبح منكم لم يأتها فقد حبس، فليمض صاحباه، فأصبحت أنا وعباس بن أبى
ربيعة، وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن.
وقدمنا المدينة، و [كنا] نقول: ما اللَّه يقبل من هؤلاء توبة، قوم عرفوا
اللَّه وآمنوا به، وصدقوا رسوله، ثم رجعوا عن ذلك، لبلاء أصابهم من الدنيا،
وكانوا يقولونه لأنفسهم، فأنزل اللَّه عز وجل فيهم: قُلْ يا عِبادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ
اللَّهِ [إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ] [ (2) ] .
قال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: فكتبتها بيدي كتابا، ثم بعثت بها إلى
هشام بن العاص، فقال هشام: فلما قدمت على، خرجت بها إلى ذي طوى، فجعلت
أصعدها، وأصوب لأفهمها، فقلت: اللَّهمّ فهمنيها، فعرفت أنها أنزلت فينا،
لما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا. فرجعت، فجلست على بعيري، فلحقت برسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقتل هشام شهيدا بأجنادين [ (3) ] ، في
ولاية أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
__________
[ (1) ] كذا في الأصل، ولم أجد لها توجيها.
[ (2) ] الزمر: 53.
[ (3) ] هو هشام بن العاص السهمي، الرجل الصالح المجاهد، ابن أخت أبى جهل،
وهي أم حرملة المخزومية، وقد مضى
قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ابنا العاص مؤمنان.
قال ابن سعد: كان هشام قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى الحبشة، ثم رد إلى مكة
إذ بلغه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد هاجر ليلحق به فحبسه
قومه بمكة. ثم قدم بعد الخندق مهاجرا وشهد ما بعدها.
قال ابن عيينة: قالوا العمرو بن العاص: أنت خير أم أخوك هشام؟ قال: أخبركم
عنى وعنه، عرضنا أنفسنا على اللَّه فكلنا نسأل اللَّه الشهادة يوم اليرموك،
فلما أصبحنا حرمتها
(9/190)
وقال عبد العزيز بن محمد، عن عبيد اللَّه،
عن نافع، عن ابن عمر [قال ابن إسحاق: ونزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة
ومن لحق به من أهله وقومه، وأخوه زيد بن الخطاب، وعمرو، وعبد اللَّه ابنا
سراقة بن المعتمر، وخنيس بن حذافة السهمي وكان صهره على ابنته حفصة بنت عمر
مخلف عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعده وسعيد بن زيد عمرو بن
نفيل، وواقد ابن عبد اللَّه التميمي حليف لهم، وخولى بن أبى خولى، ومالك بن
أبى خولى، حليفان لهم] [ (1) ] .
وقال إسرائيل عن أبى إسحاق عن البراء، فذكر حديث الهجرة والقبلة، قال
البراء: وكان أول من قدم علينا من المهاجرين، مصعب بن عمير، أخو بنى عبد
الدار بن قصي، فقلنا له ما فعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال:
هو مكانه، وأصحابه على إثري، ثم أتى بعده عمر، و [ابن] أم مكتوم الأعمى،
أخو بنى فهر، فقلنا له: ما فعل من ورائك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه
وسلّم وأصحابه؟ قال: هم على الإثر، ثم أتى بعده عمار بن ياسر، وسعد بن أبى
وقاص، وعبد اللَّه بن مسعود، وبلال، ثم أتانا عمر بن الخطاب في عشرين
راكبا، ثم أتانا بعدهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر رضى
اللَّه تبارك وتعالى عنه معه. أخرجه مسلم.
__________
[ () ] ورزقها. قتل يوم اليرموك أو أجنادين شهيدا، لما راى بعض النكوص من
المسلمين، فألقى المغفر عن وجهه، وجعل يتقدم في نحر العدو، ويصيح: يا معشر
المسلمين، إلى إليّ، أنا هشام بن العاص، أمن الجنة تفرون؟ حتى قتل. له
ترجمة في (الإصابة) : 6/ 540- 541، ترجمة رقم (8971) ، (المستدرك) : 3/
267- 268، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب هشام بن العاص بن وائل السهمي رضى
اللَّه تبارك وتعالى عنه، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 137، (الاستيعاب) :
4/ 1539- 1540، ترجمة رقم (2683) ، (طبقات خليفة) : ترجمة رقم (148) ،
2821) ، (الجرح والتعديل) 9/ 63، (جهرة أنساب العرب) : 163، (طبقات ابن
سعد) : 4/ 191- 194.
[ (1) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (الأصل) ، واستدركناه من (سيرة
ابن هشام) :
2/ 325، منازل المهاجرين بالمدينة.
(9/191)
وذكر محمد بن إسحاق أسماء من هاجر إلى
المدينة، أتم من ذكر موسى بن عقبة، ثم قال: وكان آخر من قدم المدينة من
الناس ممن لم يفتن في دينه أو يحبس، على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخره بمكة، وأمره
أن ينام على فراشه، وأجله ثلاثا، وأمره أن يؤدى كل ذي حق حقه، ففعل، ثم لحق
برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
(9/192)
|