بهجة
المحافل وبغية الأماثل في تلخيص المعجزات والسير والشمائل [الباب الرابع
فيما أيده الله به من المعجزات وخرق العادات]
(الباب الرابع فيما أيده الله به من المعجزات وخرق العادات) اعلم ان هذا
الباب بحر واسع لا يعلم قدره ولا يبلغ قعره وكل سابح فيه حرى ان ينسب نفسه
الى التقصير لتعلقه بأجل المقادير وأطول من علمت فيه باعا وأقوى اتساعا
القاضى عياض فانه جاء بجمل متكاثرات من أمهات ضروب المعجزات مع مقدمة قدمها
وقواعد مهدها أبان فيها عن قوة علمه وبراعة فهمه جدير بمصنفي هذا الفن ان
يجعلوها في فاتحة كتبهم كالعنوان أو كالتاج على ذى سلطان وها أنا أذكر
محاسنها مع ان كلها عندى حسن وأزيد ما تيسر من ذكر عيون المعجزات بعدها
وبالله التوفيق.
قال اعلم ان الله تعالى جل اسمه قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده والعلم
بذاته وأسمائه وصفاته وجميع تكليفاته ابتداء دون واسطة لو شاء كما حكى عن
سنته في بعض الأنبياء وجائز ان يوصل اليهم جميع ذلك بواسطة وتكون تلك
الواسطة اما من غير البشر كالملائكة مع الأنبياء أو من جنسهم كالانبياء مع
الامم ولا مانع لهذا من حيث دليل العقل واذا جاز هذا ولم يستحيل وجاءت
الرسل بما دل على صدقهم من معجزاتهم وجب تصديقهم في جميع ما أتوا به لأن
المعجزة مع التحدى من النبى صلى الله عليه وسلم قائمة مقام قول الله صدق
عبدى فأطيعوه واتبعوه فشاهده على صدقه فيما يقوله قال وهذا كاف واختلف
العلماء هل النبي والرسول بمعنى أو بمعنيين فقيل هما سواء وقيل مفترقان من
وجه اذ قد اجتمعا في النبوة التى هى لغيره أيضا (والاصح ان القسم) بين
الزوجات في المبيت (كان واجبا عليه) كغيره لقوله اللهم هذه قسمتى فيما أملك
فلا تلمني فيما تملك ولا أملك رواه ابن حبان وغيره وصححه الحاكم على شرط
مسلم ومقابله وجه انه لا يجب عليه لقوله تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ
الآية وبقى من الخصائص ما ينيف على مائتين وليس هذا محل بسطها وقد استوفاها
السيوطي في انموذج اللبيب في خصائص الحبيب وفي أصله أيضا.
(الباب الرابع فيما أيده الله به من المعجزات) (مع التحدى) باهمال الحاء
والدال أي الاستعجاز بطلب مثله
(2/199)
الاطلاع على الغيب والاعلام بخواص النبوة
وحوز درجتهما وافترقا في زيادة الرسالة وهو الامر بالانذار والاعلام وذهب
بعضهم الى أن الرسول من جاء بشرع مبتدأ ومن لم يأت به فنبي غير رسول وان
أمر بالابلاغ والانذار والصحيح والذى عليه الجم الغفير ان كل رسول نبيّ
وليس كل نبي رسولا وأول الرسل آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم
أجمعين وفي حديث أبى ذر رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم ان الانبياء
مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي. وذكر ان الرسل منهم ثلثمائة وثلاثة
عشر هذا ملخص ما ذكر القاضى قلت ورأيت نظما لبعضهم في أصحاب الشرائع منهم
فقال الناظم:
ألا ان أصحاب الشرائع خمسة ... من الانبياء والمرسلين الى الورى
فأولهم نوح وبعد محمد ... وموسى وعيسى والخليل بن آزر
وخمستهم في آية قد جمعتهم ... وفي آية الشورى تبين لمن قرا
وذو الملك منهم خمسة قد جمعتهم ... فاصخ وكن ندبا أديبا مشهرا
سليمان وداود ويوسف يافتى ... وموسى وهرون وقف ناقة السرا
وأصحاب الشرائع منهم هم أولوا العزم وقد جمعهم بعضهم في بيت واحد فقال
أولوا العزم نوح والخليل كلاهما ... وموسى وعيسى والنبي محمد
(ان كل رسول نبي) لانه شارك النبى في حده وزاد عليه بالرسالة فهو أخص منه
لانه ربما أوحي اليه ولم يؤمر بالتبليغ (وأول الرسل آدم وآخرهم محمد) هو
حديث أخرجه الحكيم عن أبى ذر وتتمته وأول أنبياء بني اسرائيل موسي وآخرهم
عيسى وأول من خط بالقلم ادريس (وثلاثة عشر) والمذكورن منهم في القرآن باسم
العلم خمسة وعشرون متفق عليهم وهم محمد صلى الله عليه وسلم وآدم وادريس
ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب وابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب وداود وسليمان
وأيوب وموسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسي والياس واليسع ويونس وذو الكفل
وثلاثة مختلف في نبوتهم وهم عزير وذو القرنين ولقمان (في آية جمعتهم) وهى
واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسي وعيسي ابن مريم
(وفي سورة الشوري) وهى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً
الآية (فاصخ) باهمال الصاد واعجام الخاء أى اصغ (وكن ندبا) بفتح النون
وسكون المهملة بعدها موحدة والندب الظريف الاديب قاله في القاموس (أديبا)
بالموحدة أي فطنا حاذقا (داود) بالصرف لضرورة الشعر (وهرون) بالصرف أيضا
لذلك
(2/200)
[فصل وسميت
المعجزة معجزة لعجز الخلق عن الإتيان بمثلها]
(فصل) وسميت المعجزة معجزة لعجز الخلق عن الاتيان بمثلها وهى نوعان نوع في
مقدور البشر فعجزوا عنه وتعجيز الله لهم عنه دال على صدق نبيه كصرفهم عن
تمني الموت وعن الاتيان بمثل القرآن على رأي من رأى انه كان في مقدورهم وان
الله صرفهم عنه.
النوع الثانى خارج عن قدرتهم كاحياء الموتى وقلب العصى حية واخراج ناقة من
صخرة وغيرهما مما لا يمكن ان يفعله أحد الا الله فيتحدي النبي صلى الله
عليه وسلم من يكذبه ان يأتى بمثله تعجيزا له وقد كانت معجزات نبينا صلى
الله عليه وسلم من النوعين معا وهى بكثرتها لا يحيط بها ضبط فان واحدا منها
وهو القرآن لا يحصي عدد معجزاته بألف ولا بألفين ولا أكثر لأن النبي صلى
الله عليه وسلم قد تحداهم بسورة منه فعجزوا واقصر السور انا أعطيناك الكوثر
فكل آية أو آيات منه بعددها وقدرها معجزة ثم فيها نفسها معجزات ثم معجزاته
صلى الله عليه وسلم على قسمين قسم منها قطعي كالقرآن فلا مرية فيه ولا خلاف
بمجىء النبي به وظهوره من قبله وانكار معانديه كانكار وجود محمد في الدنيا
ثم انه قد علم على الجملة ضرورة انه صلى الله عليه وسلم جرى على يديه جمل
من الآيات وخوارق العادات كما يعلم ضرورة جود حاتم وشجاعة عنترة وحلم أحنف
وان كان تفاصيل أخبارهم لا يبلغ هذا المبلغ وقسم آخر (فصل) في تسمية
المعجزة (واخراج ناقة من صخرة وغيرها) ككلام الشجر ونبع الماء وانشقاق
القمر (جود حاتم) هو ابن عبد الله الطائى والدعدي الصحابى هلك على كفره وبه
ضربت الامثال في الجود وكان اذا اشتد البرد أمر غلامه يسارا فاوقد نارا في
بقاع من الارض ليهتدي بها من ضل عن الطريق فيعمد نحوها ومن قوله في ذلك
أو قد فان الليل ليل قر ... والريح يا واقد ريح صر
على بدا نارك من يمر ... ان أجلبت ضيفا فانت حر
قالوا ولم يكن حاتم يمسك شيئا ما عدا فرسه وسلاحه فانه كان لا يجود بهما
واخباره في الجود أكثر من أن يحاط بها (وشجاعة عنترة) بتقديم النون على
التاء الفوقية هو ابن معاوية بن شداد العبسى بالموحدة فالمهملة كان شديد
السواد وأمه اسمها زبيبة كانت أمة سوداء لابيه وكان عنترة من أشهر فرسان
العرب وأشدهم بأسا وكان يقال له عنترة الفوارس (وحلم أحنف) هو ابن قيس أبو
بحر واسمه الضحاك وقيل صخر بن قيس بن معاوية بن حصين بن حفص بن عبادة بن
النوال بن مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمر بن كعب بن زيد مناة بن تميم دار وهو
أحنف والاحنف الاعرج والحنف الاعوجاج في الرجل وهو اقبال احدي الابهامين من
احدي الرجلين على الاخري وقيل الذي يمشي على ظهر قدميه من شقها الذي يلى
(2/201)
لا يبلغ مبلغ الضرورة والقطع وهو على نوعين
نوع مشتهر منتشر وهو ما جرى وقوعه في المحافل والمجموع المتكاثر من الصحابة
ونقله الينا عنهم الجمم الغفير والعدد الكثير ونوع آخر احتفل به الآحاد ولم
يشتهر اشتهار ما قبله لكنه اذا جمع الى مثله اتفقا في المعنى واجتمعا على
الاتيان بالمعجز ولحق بالمشتهر المنتشر من هذا الوجه والله أعلم
قال القاضى عياض رحمه الله
[فصل في إعجاز القرآن وفيه وجوه]
(فصل) في اعجاز القرآن اعلم ان كتاب الله العزيز منطو على وجوه من الاعجاز
كثيرة وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه
[أولها حسن تأليفه والتئام كلمه]
أولها حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته
ووجوه ايجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب وذلك انهم كانوا أرباب هذا الشأن
وفرسان الكلام قد خصوا من البلاغة والحكم ما لم يخص به غيرهم من الامم
وأوتوا من ذرابة اللسان ما لم يؤت انسان ومن فصل الخطاب ما يقيد الألباب
جعل الله ذلك طبعا وخلقة وفيهم غريزة وقوة يأتون منه على البديهة بالعجب
ويدلون به الى كل سبب فيخطبون بديها في المقامات وشديد الخطب ويرتحزون به
بين الطعن والضرب ويمدحون ويقدحون ويتوسلون ويتوصلون ويرفعون ويضعون فيأتون
بذلك بالسحر الحلال ويطوقون من أوصافهم أجمل من سمط اللآل فيجدعون الألباب
ويذللون الصعاب ويذهبون الاحن ويهيجون الدمن خنصرها قالوا وكانت أمه ترقصه
في صغره وتقول
والله لولى حنف في رجله ... ما كان في الحي فتى كمثله
أسلم في زمنه صلى الله عليه وسلم ودعا له فقال اللهم اغفر للاحنف ولم يتفق
له روية مات بالكوفة سنة سبع وستين في امارة بن الزبير (المحافل والجموع)
مترادفان (والتئام) بكسر الفوقية وفتح الهمزة أى توافق (كلمه) بفتح الكاف
وكسرها وهاء الضمير (وفصاحته) بالرفع معطوف على حسن (والحكم) بكسر الحاء
وفتح الكاف جمع حكمة (ذرابة اللسان) حدته وهى بفتح المعجمة وتخفيف الراء
والموحدة (يقيد الالباب) يمسكها ويحبسها من القيد (ويدلون) بضم أوله وسكون
المهملة مأخوذ من أدلي دلوه اذا أوردها في البئر (وشديد الخطب) بالمعجمة
(ويقدحون) بالقاف يرمون (سمط اللآل) بكسر السين المهملة وسكون الميم ثم
مهملة والسمط الخيط ما دام فيه الخرز ونحوه والا فهو سلك قاله في الصحاح
(ويذهبون الاحن) جمع احنة بكسر الهمزة وسكون المهملة وهي الحقد كما مر
(ويهيجون) بضم أوله وفتح الهاء وكسر التحتية المشددة بعدها جيم ويجوز كسر
الهاء وسكون التحتيتين مع التخفيف (الدمن) جمع دمنه
(2/202)
ويجرؤن الجبان ويبسطون يد الجعد البنان
ويصيرون الناقص كاملا ويتركون النبيه خاملا منهم البدوى ذو اللفظ الجزل
والقول الفصل والكلام الفخم والطبع الجوهرى والمنزع القوى ومنه الحضرى ذو
البلاغة البارعة والالفاظ الناصعة والكلمات الجامعة والطبع السهل والتصرف
في القول القليل الكلفة الكثير الرونق الرقيق الحاشية وكلا البابين فلهما
في البلاغة الحجة البالغة والقوة الدامغة والقدح الفالج والمهيع الناهج لا
يشكون ان الكلام طوع مرادهم والبلاغة ملك قيادهم قدحو وافنونها واستنبطوا
عيونها ودخلوا من كل باب من أبوابها وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها فقالوا في
الخطير والمهين وتفننوا في الغث والسمين وتقاولوا في القل والكثر وتساجلوا
في النظم والنثر فما راعهم الا رسول كريم بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من
بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أحكمت آياته وفصلت كلماته وبهرت
بلاغته العقول وظهرت فصاحته على كل مقول وتظافر ايجازه واعجازه وتظاهرت
حقيقته ومجازه وتبارت بكسر المهملة وسكون الميم وهى الجهد أيضا (ويجرؤن)
بالهمز من الجرأة (الجعد) بفتح الجيم وسكون العين ثم دال مهملتين قال
الجوهري وغيره من أهل اللغة يقال للكريم من الرجال جعد فان قيل جعد اليدين
أو جعد الانامل أو جعد (البنان) بفتح الموحدة وتخفيف النون فهو النحيل
والبنان هنا مجرور بالاضافة غير الحضة (النبيه) بالنون فالموحدة بوزن
العظيم وهو من له صيت وذكر (خاملا) بالمعجمة ساقطا لا ذكر له (البدوي) الذي
يسكن البادية (الجزل) بفتح الجيم وسكون الزاي نقيض الركيك (والقول الفصل)
أي المفصول الذى تبينه به من سمعه ولا يشكل عليه وهو بمعني الفاصل الذى
يفصل بين الصواب والخطأ (والكلام الفخم) بفتح الفاء وسكون المعجمة أي
العظيم (الحضري) الذى يسكن القرى (والالفاظ الناصعة) بالنون والمهملتين أي
الخالصة (القليل الكلفة) باضافة القليل الى الكلفة وهي غير محصية وكذا ما
بعده (والقدح) بكسر القاف وسكون الدال ثم حاء مهملتين هو السهم قبل أن يراش
ويجعل فيه نصله (الفالج) بالفاء واللام المكسورة والجيم هو الفائز والظاهر
والمفلح بالحاء (والمهيع) بفتح الميم والتحتية وسكون الهاء آخره مهملة هي
الطريق (الناهج) بالنون والجيم السالك (ملك) بكسر الميم (قيادهم) بكسر
القاف بعدها تحتية أى ان البلاعة تنقاد لهم ولا تستصعب (فنونها) أنواعها
(واستنبطوا) استخرجوا (عيونها) جمع عين وهي الماء الجاري (صرحا) أى بناء
عاليا ومنه قوله تعالى ابْنِ لِي صَرْحاً (في الخطير) باعجام الخاء واهمال
الطاء أى العظيم القدير (والمهين) الضعيف الذي لا خطر له (في الغث) أي
الهزيل وهو بفتح المعجمة وتشديد المثلثة (وتقاولوا) بالقاف (في القل
والكثر) بضم القاف والكاف مصدر قل يقل قلا وكثر يكثر كثرا ويقال قلة وكثرة
بكسر القاف وفتح الكاف (وتساجلوا) بالمهملة والجيم أي تفاخروا والمساجلة
المفاخرة وأصلها ما مر في قولهم الحرب سجال (فما راعهم) أي أفزعهم (مقول)
بفتح الميم وضم القاف (وتبارت) من المباراة بالموحدة والراء قال
(2/203)
في الحسن مطالعه ومقاطعه وحوت كل البيان
جوامعه وبدائعه واعتدل مع ايجازه حسن نظمه وانطبق على كثرة فوائده مختار
لفظه وهم افصح ما كانوا في هذا الباب مجالا وأشهر في الخطابة رجالا وأكثر
في السجع والشعر ارتجالا وأوسع في الغرايب واللغة مقالا بلغتهم التى بها
يتحاورون ومنازعهم التي عنها يتناضلون صارخا بهم في كل حين ومقرعا لهم بضعا
وعشرين عاما على رؤوس الملأ أجمعين أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ
فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ الى قوله وَلَنْ تَفْعَلُوا قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا
الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ الآية قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ
مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ. ولم يزل صلى الله عليه وسلم يقرعهم أشد التقريع
ويونجهم اشد التوبيخ ويسفه احلامهم ويحط اعلامهم ويشتت نظامهم ويذم آلهتهم
وآباءهم ويستبيح أرضهم وديارهم وأموالهم وهم في كل هذا ناكصون عن معارضته
محجمون عن مماثلته مخادعون أنفسهم بالتشغيب بالتكذيب والاعتراء بالافترى
وقولهم ان هذا الا سحر يؤثر. وسحر مستمر. وافك افتراه. وأساطير الاولين.
والمباهتة والرضى بالدنية كقولهم قلوبنا غلف وفي أكنة مما تدعونا اليه. وفي
آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ولا تسمعوا لهذا الجوهري المباراة
المعارضة وفلان يباري فلان أى يعارضه (الخطابة) بكسر المعجمة مصدر خطب (في
السجع) بفتح المهملة وسكون الجيم وهو في الاصل هدير الحمام ونحوها قال
الشمنى يحتمل أن يكون مصدرا وهو يوافق الالفاظ الواقعة في أواخر الفقر وأن
يكون جمع سجعة وهي الكلمة الاخيرة من العقيرة باعتبار كونها موافقة للكلمة
الاخيرة من العقيرة الاخرى (ارتجالا) بهمز وصل وسكون الراء وكسر الفوقية ثم
جيم والارتجال التكلم على البديهة من غير فكر ولا روية (يتحاورون) بالمهملة
يتجاوبون (يتناضلون) بالمعجمة أى يترامون (ومقرعا) بالقاف والمهملة أي
موبخا (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) أي اختلق محمد القرآن وجاء به من تلقاء
نفسه (قُلْ) ان كان في وسع البشر الاتيان بمثله (فَأْتُوا) أنتم
(بِسُورَةٍ) وفي الآية الاخرى بعشر سور (مِثْلِهِ) الضمير للقرآن
(وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ) يظاهرونكم ويعينونكم
على ذلك (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ان محمد افتراه وانكم لو شئتم قلتم مثله
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) أي في شك (مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا)
محمد صلى الله عليه وسلم (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) أى القرآن
والا فاستدلوا بعجزكم مع بلاغتكم وفصاحتكم على أنه نبي حق وأن القرآن كتاب
منزل ليزول بذلك عنكم الريب (ويسفه أحلامهم) أى ينسب عقولهم الى السفه أي
الضعف (ويشتت) يفرق وزنا ومعنى (ناكصون) بالنون والمهملة أي راجعون
(محجمون) بتقديم المهملة على الجيم ويجوز تأخيرها أى متوقفون (بالتشغيب)
بالمعجمتين الصراخ (الاعترا) بالمهملة والفوقية (وقولهم) بالجر معطوف على
التشغيب (سِحْرٌ يُؤْثَرُ) أى ينقل (وأَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أى ما يسطر
في كتب الاولين (والمباهتة) بالموحدة والفوقية (بالدنيئة) بالهمز وقد يسهل
أى الخصلة الخبيثة (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) أى صمم
(2/204)
القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون والأدعاء
مع العجز بقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا وقد قال لهم الله ولن تفعلوا فما
فعلوا ولا قدروا ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة كشف عواره لجميعهم
وسلبهم الله ما ألفوه من فصيح كلامهم والا فلم يخف على أهل الميز منهم انه
ليس من نمط فصاحتهم ولا جنس بلاغتهم بل ولوا عنه مدبرين وأتوا مذعنين من
بين مهتد وبين مفتون هذا وقد أسلم كثير منهم عند بديهة سماعه وسجد آخرون
دهشة لقوته وبكى أناس منهم فرقا واعترتهم روعة لمفاجأته وكلهم ممن لم يفهم
معناه ولا تفسيره روي أن نصرانيا سمع قارئا فوقف يبكي فقال بكيت للشجا
والنظم وان اعرابيا سمع قارئا يتلو فاصدع بما تؤمر فخرّ ساجدا وقال سجدت
لفصاحته وفي الصحيح عن جبير بن مطعم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ
هُمُ الْخالِقُونَ الى قوله الْمُصَيْطِرُونَ كاد قلبي أن يطير وكلم عتبة
بن ربيعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من خلاف قومه فتلا عليه حم
تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً
عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ الى قوله مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فامسك عتبة
بيده على في النبي صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم أن يكف. قال القاضى
عياض وأنت اذا تأملت قوله تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ وقوله
(والادعا) بالكسر أيضا (عواره) بضم المهملة وقد يفتح قال الجوهرى العوار
العيب (الفوه) بكسر اللام وضم الفاء أي اعتادوه ويجوز سكون الواو مع فتح
الفاء أي موجدوه بفتح الميم وسكون التحتية ثم زاى مصدر ماز يميز بمعني ميز
يميز تمييزا (وقد أسلم كثير منهم عند بديهة سماعه) قال عياض في الشفاء حكي
أن عمر ابن الخطاب كان يوما نائما في المسجد فاذا هو بقائم على رأسه يتشهد
شهادة الحق فاستخبره فاعلمه انه من بطارقة الروم ممن يحسن كلام العرب
وغيرها وأنه سمع رجلا من أسري المسلمين يقرأ آية في كتابكم فتأملتها فاذا
هي قد جمع فيها ما أنزل الله على عيسى بن مريم من أحوال الدنيا والآخرة وهي
قوله تعالى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ
وَيَتَّقْهِ الآية (فرقا) أي خوفا (للشجا) بفتح المعجمة والجيم والمد يقال
شجاه يشجوه اذا أحزنه واذا أطربه أيضا (وقال سجدت لفصاحته) ذكر ذلك عياض في
الشفا عن أبي عبيد القاسم بن سلام بالتشديد وفي الحديث (الصحيح) في البخاري
وغيره (حم كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ الى آخره) قد سبق ذكر هذه القصة
(وَلَكُمْ فِي) وجوب (الْقِصاصِ) على الجاني عمدا (حَياةٌ) وذلك لانه اذا
علم أنه سيقتص منه ترك القتل فحي هو ومن أراد قتله وقيل في المثل القتل
انفي للقتل وقيل في المثل القتل قلل
(2/205)
وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ
وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وقوله ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
وقوله يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي الآية وقوله
فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً
الآية وأشباهها من آلاى بل أكثر القرآن حققت ما بينته من ايجاز الفاظها
وكثرة معانيها وديباجة عبارتها وحسن تأليف حروفها وتلاؤم كلمها وان تحت كل
لفظة منها جملا كثيرة وفصولا جمة وعلوما زواخر ملئت الدواوين من بعض ما
استفيد منها وكثرت المقالات في المستنبطات عنها ثم هو في سرد القصص الطوال
وأخبار القرون السالفة التى يضعف في عادة الفصحاء عندها الكلام ويذهب ماء
البيان آية لمتأمله من ربط الكلام بعضه ببعض والتئام سرده وتناصف وجهه كقصة
يوسف على طولها ثم اذا ترددت قصه اختلفت العبارات عنها على كثرة ترددها حتى
تكاد كل واحدة تنسى في البيان صاحبتها وتناصف في الحسن وجه مقابلتها ولا
نفور للنفس من ترديدها ولا معاداة لمعادها
[الوجه الثاني من اعجازه سورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب
كلام العرب]
الوجه الثاني من اعجازه سورة نظمه العجيب
والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها
الذى جاء عليه ووقفت مقاطع آيه وانتهت فواصل كلماته اليه ولا يوجد قبله ولا
بعده نظير له ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه بل القتل (وَلَوْ تَرى) يا
محمد (إِذْ فَزِعُوا) لرأيت أمرا يعتبرنه (فَلا فَوْتَ) أي لا يفوتوننى
كقوله وَلاتَ حِينَ مَناصٍ وقيل لا فوت ولا نجاة اذ فزعوا عند الموت
(وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) أي من تحت أقدامهم أو من بطن الارض الى
ظهرها وأراد بالمكان القريب عذاب الدنيا وهو يوم بدر قاله الضحاك أو خسف
يكون بالبيداء قاله ابن ابزي (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي أصبر
عند الغضب واحلم عند الجهل واعف عند الاساءة قاله ابن عباس فاذا فعلت ذلك
خضع لك عدوك وصار (الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ) كابي سفيان بن
حرب (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ) قريب (حَمِيمٌ) صديق (وقيل) بعد تناهى أمر الطوفان
(يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) الذى على وجهك (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) اتركي
صب الماء (فَكُلًّا) من كفار الامم السالفة (أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) من غير
أن يفوتونا (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) أى ريحا تحمل
الحصباء وهي الحصا الصغار وهؤلاء قوم لوط (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ
الصَّيْحَةُ) وهم ثمود (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) وهم
قارون وأصحابه (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) وهم قوم نوح وفرعون وقومه (بل
أكثر) بالنصب (القصص) بكسر القاف جمع قصة (آية لمتأمله) بمد الهمزة وتحتية
(سرده) بفتح المهملة وسكون الراء ثم مهملة أي يتابعه يقال سرد الحديث سرده
سردا اذا تابعه وجاء به شيأ بعد شيء (صاحبتها) بالنصب (لمعادها) بضم ما
أعتد منها (والاسلوب) بضم الهمزة واللام وسكون المهملة والواو بعدها موحدة
أى الفن (آية)
(2/206)
حارت فيه عقولهم وتدلهت دونه أحلامهم ولم
يهتدوا الى مثله في جنس كلامهم من نثر أو نظم أو سجع أو رجز أو شعر ولهذا
ما روي عن الوليد بن المغيرة وقد سئل عنه فقال والله ما منكم أحد أعلم
بالأشعار مني والله ما يشبه الذى يقول شيئا من هذا وقال عتبة بن ربيعة يا
قوم قد علمتم انى لم اترك شيئا الا وقد علمته وقرأته وقلته والله لقد سمعت
قولا والله ما سمعت مثله قط ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة ونحوه ما
روى في اسلام أبى ذر رضى الله عنه وقول أخيه أنيس له لقد سمعت قول الكهنة
فما هو بقولهم ولقد وضعته على اقراء الشعر فلم يلتئم وما يلتئم على لسان
أحد بعدي انه شعر وانه لصادق وانهم لكاذبون والأخبار في هذا صحيحة كثيرة
ومع ذلك فقد كانوا أحرص شيء على معارضته واخفاء ظهوره واطفاء نوره لقيام
التحدى فما جلوا في ذلك خبيئة من بنات شفاههم ولا أتوا بنطفة من معين
مياههم مع طول الأمد وكثرة العدد وتظاهر الوالد وما ولد بل أبلسوا فما
نبسوا ومنعوا فانقطعوا هذا وقد كانوا أعظم قرون الدنيا في الفصاحة والبلاغة
وتوابعهما وكان ذلك همتهم وقصاراهم فكانوا يجتمعون في مواسمهم ومجامعهم
للتفاخر بالخطابة والشعر وهذا كما قالوا ان الله سبحانه وتعالى لم يبعث
رسولا الا جعل معجزته بحسب الفن الذي يعظمه أهل زمانه وبعث الله محمدا صلى
الله عليه وسلم وحمله معارف العرب وعلومها. اربعة. الخطب والشعر. والخبر.
والكهانة. فانزل الله عليه القرآن الخارق لهذه الاربعة فلم يهتدوا في
المنظوم بمد الهمزة وهاء الضمير جمع آية (حارت) بالمهملة أي تحيرت (وتدلهت)
باهمال الدال وتشديد اللام من التدله وهو ذهاب العقل من الهوي (ولا
بالكهانة) بكسر الكاف وفتحها وهو نوع من أنواع السحر يزعم صاحبها معرفة ما
سيحدث في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الاسرار وأن له تابعا من الجن ورئيا
يلقى اليه الاخبار والعراف من يزعم معرفة الامور باسباب يستند بها من كلام
من سأله أو من فعله أو حاله كمن يدعى معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة
قاتل الله متعاطي ذلك وزاعمه (ونحوه ما روى) في الصحيحين وغيرهما (أنيس)
بالنون والمهملة مصغر (اقرأ الشعر) بفتح الهمزة والراء وسكون القاف والمد
وهى طرق الشعر وأنواعه كما قاله الهروى (فما جلوا) بفتح الجيم واللام أي ما
أخرجوا (خبية) بالمعجمة فالموحدة فالتحتية المشددة فعلية بمعنى مفعولة (من
بنات) جمع بنت بالباء فالنون فالفوقية (بنطفه) بالمهملة والفاء أي شيء يسير
وفي بعض نسخ الشفاء بنقطه بالقاف بمعناه (من معين) بالمهملة بوزن عظيم وهو
الماء الكثير الجاري (ابلسوا) بالموحدة يئسوا (فما نبسوا) بنون فموحدة تخفف
وتشدد مفتوحتين فمهملة مضمومة قال الجوهرى يقال ما نبس بكلمة أي ما تكلم
(وقصاراهم) بضم القاف وتخفيف المهملة أي غاية أمرهم (الخارق)
(2/207)
الى طريقه ولا علموا في اساليب الا وذان
منهجه واكبر على الكوائن والاحداث ومخبآت الضمائر بما ظهر فيه صدقه واعترف
المخبر عنه بصحة ذلك وان كان اعدى الاعادي وابطل الكهانة التى تصدق مرة
وتكذب عشرا ثم اجتثها من اصلها برجم الشهب ورصد النجوم وجاء من الاخبار عن
القرون السالفة وانباء الانبياء والامم البائدة والحوادث ما يعجز من تفرغ
لهذا العلم عن بعضه على ما سيأتي في الوجهين الآخرين ان شاء الله تعالى
الوجه الثالث من اعجازه على يد النبي صلى الله عليه وسلم ما انطوى عليه من
الاخبار بالمغيبات وما لم يكن ولم يقع فوجد كما ورد على الوجه الذي اخبر
كاخباره عن الفتح وعن غلبة الروم واستخلاف الله المؤمنين في الارض وقوله
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ
اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وغير ذلك من كشف اسرار المنافقين واليهود وهتك
استارهم الى غير ذلك مما اخبر به من الكوائن والاحداث في العصور الآتية ومن
آية ذلك انه لم يمرّ عصر ولا زمن الا ويظهر فيه صدقه بظهور مخبره على ما
اخبر فيتجدد الايمان ويتظاهر البرهان وليس الخبر كالعيان والمشاهدة زيادة
في اليقين والنفس أشد طمأنينة الى عين اليقين منها الى علم اليقين وان كان
كل واحد عندها حقا وسائر معجزات الانبياء صلوات الله عليهم انقرضت
بانقراضهم وعدمت بعدم ذواتها ومعجزة نبينا صلى الله عليه وسلم لا تبيد ولا
تنقطع وآياته تجدد ولا تضمحل والى هذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله ما من
نبي من الانبياء الا أعطي من الآيات ما مثله أمن عليه البشر وانما كان ما
أوتيت وحيا أوحاه الله اليّ فارجو ان اكون أكثرهم تابعا يوم القيامة. الوجه
الرابع من اعجازه ما أنبأ به بالمعجمة والقاف (الى طريقه) بهاء الضمير (ثم
اجتثها) بهمز وصل وسكون الجيم وفتح الفوقية وتشديد المثلثة أى قطعها (ورصد
النجوم) بفتح الصاد (البائدة) بالموحدة والتحتية والمهملة الهالكة ويجوز
ابدال الدال راء بمعناه (وقوله) بالجر معطوف على كاخباره (مخبره) بضم الميم
وفتح الموحدة أى ما أخبر به (ليس الخبر كالعيان) هو حديث أخرجه الطبرانى في
الاوسط عن أنس وأخرجه الخطيب عن أبي هريرة وأخرجه أحمد والطبراني في الاوسط
أيضا والحاكم عن ابن عباس وزاد وان الله تعالى أخبر موسى بما صنع قومه في
العجل فلم يلق الالواح فلما عاين ما صنعوا ألقى الالواح فانكسرت (والنفس
أشد طمأنينة الى عين اليقين منها الى علم اليقين) فمن ثم سأل ابراهيم ربه
ان يريه كيف يحيى الموتي وكان في أعلا درجات العلم بقدرة الله تعالى على
الاشياء (ولا تضمحل) باعجام الضاد واهمال الحاء أى لا تذهب (ما من نبي من
الانبياء الا أعطى من الآيات الى آخرها) أخرجه الشيخان وغيرهما (وانما كان
ما) أي الذى (أوتيت وحيا أوحاه الله الي) وانما
(2/208)
من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة
والشرائع الدائرة مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة الا الفذ من اخبار أهل
الكتاب الذى قطع عمره في تعلم ذلك وقد علم انه صلى الله عليه وسلم أمي لا
يقرأ ولا يكتب ولا اشتغل بمدارسة ولا مثافنة وقد كان علماء الكتاب يقترحون
عليه السؤالات فينزل الوحى باخبارهم كقصص الانبياء مع قومهم وخبر موسى
والخضر ويوسف واخوته وأصحاب الكهف وذى القرنين ولقمان وابنه واشباه ذلك مما
صدقه فيه علماء الكتاب وأذعنوا له ولم يحك عن أحد منهم مع شدة عداوتهم
وحسدهم انه كذبه في شيء من ذلك ولا أظهر خلاف قوله من كتبه ولا أبدى صحيحا
ولا سقيما من صحفه قال الله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ
رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ
الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ الآيتين هذا تلخيص ما ذكره القاضي من
الوجوه الاربعة مع تقديم وتأخير وزيادة في بعض الألفاظ ونقص من بعضها وذكر
هو وغيره وراء ذلك من براهينه وآياته وبركاته وجوها (منها) ان الله سبحانه
حافظه من التحريف والتبديل والتغيير والزيادة والنقص على تطاول الدهور
وانقضاء الفصول وكثرة الحاسد والمعاند قال الله تعالى إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ وقال لا يَأْتِيهِ
الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ
حَمِيدٍ (ومنها) الروعة التي تعترى سامعيه من الابرار والفجار فاما الفاجر
فيستثقله خصه مع ان له معجزات كثيرة أخر لانه أعظم المعجزات ولبقائه بعده
صلى الله عليه وسلم (الا الفذ) بفتح الفاء وتشديد المعجمة أى الفرد الواحد
(ولا مثافنة) بالمثلثة قبل الالف والنون بعد الفاء قال الجوهرى يقال ثافن
فلانا أي جالسه ويقال اشتقاقه من الثفنة واحده ثفنات بالقصر وهي ما يقع على
الارض من اعضائه اذا استناخ كالركبتين كانك الصقت ثفنة ركبتك بثفنة ركبته
(وابنه) أى ابن لقمان واسمه أنعم أو مسكم قولان (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا
الذِّكْرَ) يعنى القرآن (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) قال بعض العلماء تولى
الله عز وجل حفظ كتاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بنفسه فلم يجد
المعاندون سبيلا الي تحريفه ولا تبديله وسائر الانبياء استحفظوا كتبهم كما
قال الله تعالي بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وشأن المخلوق
العجز فمن ثم وصل اليها التحريف والتبديل (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) أى
الشيطان قاله قتادة والسدي (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) أي
لا يستطيع أن يغيره ولا ان يزيد فيه ولا ينقص قال الزجاج انه محفوظ من
النقص فيأتيه الباطل من بين يديه ومن الزيادة فيه فيأتيه الباطل من خلفه
وقال مقاتل لا يأتيه تكذيب من الكتب السالفة ولا يأتى بعده
(2/209)
ويزيده نفورا وأما المؤمن فيقشعر جلده
ويكسبه ذلك هشاشة وبشاشة وقد مات كثير من الصلحاء عند سماعه واعترت جماعة
ممن رام معارضته روعة وهيبة حملتهم على التوبة
[الوجه الثالث وردت بتعجيز قوم في قضايا خاصة
بمن هو في مقدورهم]
(ومنها) أي وردت بتعجيز قوم في قضايا خاصة بمن هو في مقدورهم فلم يقدروا
كقصة تمنى الموت والمباهلة
[الوجه الرابع انه لا يزال غضا طريا لا تمجه
الاسماع ولا تستثقله الطباع]
(ومنها) انه لا يزال غضا طريا لا تمجه الاسماع ولا تستثقله الطباع وغيره من
الكلام لو بلغ في الحسن أي مبلغ يمل مع الترديد ويعادي اذا أعيد (ومنها)
جمعه لعلوم معارف لم يحط بها أحد من علماء الامم ولا أحاطت بها كتبهم فجمع
فيه من بيان علم الشرائع والتنبيه على طريق الحجج العقليات والرد على فرق
الأمة ببراهين قوية وأدلة بينة سهلة الالفاظ موجزة المقاصد كقوله تعالى
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ
يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ. وقل يحييها الذي أنشأها أول مرة. لَوْ كانَ فِيهِما
آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا الى ما حواه من علوم السير وأنباء الأمم
والمواعظ والحكم وأخبار الدار الآخرة ومحاسن الاداب والشيم «قال الله جلّ
اسمه» ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ
الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا
الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وقال صلى الله عليه وسلم ان الله أنزل هذا
القرآن آمرا وزاجرا وسنة خالية ومثلا مضروبا فيه نباؤكم وخبر ما كان قبلكم
ونباء ما بعدكم كتاب فينسخه (وقد مات كثيرون من الصلحاء عند سماعه) أو عند
تلاوته منهم زرارة بن أوفا مات عند تلاوة قوله تعالى فَإِذا نُقِرَ فِي
النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ الآية وروي القشيري في
الرسالة عن ابن الجلاء قال كان بالمغرب شيخان كل له أصحاب وتلامذة يقال
لاحدهما حبلة والثاني رزيق فزار رزيق يوما جبلة في أصحابه فقرأ رجل من
أصحاب رزيق شيأ فصاح واحد من أصحاب جبلة ومات فلما أصبحوا قال جبلة لرزيق
أين الذي قرأ بالامس فليقرأ آية فقرأ فصاح جبلة صيحة فمات القارئ فقال جبلة
واحد بواحد والبادى أظلم وأسند أيضا الى عبد الواحد بن علوان قال كان شاب
يصحب الجنيد فكان اذا سمع شيأ يتغير ويضبط نفسه حتى كانت كل شعرة من بدنه
تقطر بدم فسمع يوما من الايام قارئا يقرأ فصاح صيحة تلفت نفسه وكان ابن أبي
الجوارى اذا قريء عنده القرآن يصيح ويصعق وفي روض الرياحين لليافعي ذكر
جماعة ممن مات لذلك (كقصة تمني الموت) قال تعالى فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وقال صلى الله عليه وسلم والله لو تمنوا الموت لنص
كل بريقه وما بقي على وجه الارض يهودي الامات أخرجه البيهقي في الدلائل
(غضا) بالمعجمتين أي رطبا (موجزة) بضم الميم وسكون الواو وفتح الجيم بعدها
زاي أى مختصرة (ان الله أنزل هذا القرآن الى آخره) أخرجه بمعناه الترمذى عن
على (آمرا) بمد الهمزة اسم فاعل (وزاجرا) أي ناهيا وأقسام القرآن جمعها مجد
الدين الشيرازى فقال
ألا انما القرآن تسعة أحرف ... أتيت بها في بيت شعر بلا خلل
(2/210)
وحكم ما بينكم لا يخلقه طول الرد ولا تنقضى
عجائبه هو الحق ليس بالهزل من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن خاصم به فلج
ومن قسم به أقسط ومن عمل به أجر ومن تمسك به هدى الى صراط مستقيم ومن طلب
الهدى من غيره أضله الله ومن حكم بغيره قصمه الله هو الذكر الحكيم والنور
المبين والصراط المستقيم وحبل الله المتين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به
ونجاة لمن اتبعه لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضى عجائبه ولا يخلق
عن كثرة الرد (ومنها تيسير) حفظه لمتعلميه وتقريبه على متحفظيه قال الله
تعالى وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
وقال الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ وكتب الله القديمة كان لا يحفظها الا
الواحد الفذ من أهلها والقرآن تيسر حفظه للغلمان في أقرب مدة (ومنها)
مشاكلة بعض أجزائه بعضا وحسن ائتلاف أنواعها والتئام أقسامها وحسن التخلص
من قصة الى أخري والخروج من باب الى غيره على اختلاف معانيه وانقسام السورة
الواحدة على أمر ونهي وخبر واستخبار ووعد ووعيد واثبات نبوءة وتوحيد وتعزير
وترغيب وترهيب الى غير ذلك من فوائده وعوارفه ولطائفه التي لا تحصى ولا تعد
ولا تستقصى* قال بعضهم جميع كلمات القرآن نحو من سبعة وسبعين ألف كلمة ونيف
وأقل ما وقع به التحدى سورة
حلال حرام محكم متشابه ... بشير نذير قصة عظة مثل
(لا يخلقه) بضم أوله وكسر تاليه لا غير أي لا تبليه ويصير خلفا (فلج)
بالجيم وفتحات أى ظهر وفاز (أقسط) رباعى أي عدل وأما الثلاثي فمعناه جار
وحكي انه من الاضداد يأتى بمعنى جار وبمعنى عدل (قصمه الله) بالقاف
والمهملة أي أهلكه (وحبل الله) قال ابن الاثير حبل الله نور هداه وقيل عهده
وأمانه الذى يؤمن به من العذاب والحبل العهد والميثاق (المتين) بالفوقية أي
القوى (فيقوم) بالنصب جواب النهي (فيستعتب) بالنصب أيضا (ولا يخلق) بفتح
أوله وضم ثالثه وبضم أوله وكسر ثالثه أى لا يبلى والمراد انه لا تذهب
جلاوته وجلالته زاد البغوي في رواية ولا تلتبس به الالسنة ولا يشبع منه
العلماء هو الذي لم تدريه الجن اذ سمعته حين قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا
يهدي الى الرشد زاد في رواية أخرى من حديث عبد الله ابن مسعود فاتلوه فان
الله يأجركم على تلاوته بكل حرف منه عشر حسنات اما اني لا أقول ألم حرف
ولكن الالف حرف واللام حرف والميم حرف (قال بعضهم جميع كلمات القرآن نحو من
سبعة وسبعين أنف كلمة ونيف) وهو تسعمائة وأربع وثلاثون كما روي عن ابن
مسعود هذه الكلمات وأما الحروف فروي عنه أيضا ثلثمائة ألف وأربعة آلاف
وسبعمائة وأربعون واخرج الطبراني في الاوسط عن عمر القرآن ألف ألف حرف
وسبعة وعشرون ألف حرف فمن قرأ صابرا محتسبا كان له بكل حرف زوجة من الحور
العين (التحدي) بفتح الفوقية والحاء وكسر الدال المهملتين وهو الاستعجاز
يقال فلان يتحدى فلانا أي ينازعه ليغلبه
(2/211)
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ وكلماتها
عشر ونسبتها من القرآن أزيد من سبعة آلاف جزء كل واحد منهما معجز في نفسه
ثم اعجاز كل جزء بوجهين بطريق النظم وطريق البلاغة فيتضاعف العدد من هذا
الوجه الى غير ذلك من وجوه التضعيف التي تفهم بمن حاول احصاؤها انها صفة من
صفة الله لا تشبه الصفات كما ان ذاته سبحانه لا تشبه الذوات ولقد أحسن صاحب
البردة حيث يقول في وصف آيات القرآن العظيم وفي تحقيق معنى ما قدمناه أيضا:
آيات حق من الرحمن محدثة ... قديمة صفة الموصوف بالقدم
لم تقترن بزمان وهى تخبرنا ... عن المعاد وعن عاد وعن إرم
دامت لدينا ففاقت كل معجزة ... من النبيين اذ جاءت ولم تدم
محكمات فما تبقين من شبه ... لدى شقاق وما تبقين من حكم
ما حوربت قط إلا عاد من حرب ... أعدى الا عادي اليها ملقى السلم
ردت بلاغتها دعوى معارضها ... رد الغيور يد الجانى على الحرم
لها معان كموج البحر في مدد ... وفوق جوهره في الحسن والقيم
فما تعد ولا تحصي عجائبها ... ولا تسام على الاكثار بالسأم
قرت بها عين قاريها فقلت له ... لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
ان تتلها خيفة من حر نار لظى ... أطفأت نار لظي من ورده الشبم
كأنها الحوض تبيض الوجوه به ... من العصاة وقد جاؤه كالحمم
(وكلماتها عشر) باسقاط البسملة (محدية) أى ابدالا وهو معني قوله تعالى ما
يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ان أريد بالذكر القرآن
فان أريد ما يترتب عليه من الذكر فظاهر (صفة) الله عز وجل (الموصوف بالقدم)
وجل قديم الذات ان يكون صفاته محدثة (دامت) أى بقيت (لدينا) أي عندنا
(ففاقت) أي فضلت (كل معجزة من) معجزات (النبيين اذ جاءت) معجزاتهم (ولم
تدم) كدوام القرآن بل ذهبت بذهابهم (محكمات) بالتشديد وهو بمعنى محكمات
بالتخفيف (ما يتعين) أى ما يطلبن (من حكم) زيادة على ما فيهن بل حزن الحكم
جميعها (من حرب) بفتح المهملة والراء أى هلاك (ملقى) بالنصب على الحال (رد
الغيور) بفتح المعجمة أى الذي يغير به الغيرة وهي الانفة (عن الحرم) بضم
المهملة وفتح الراء كموج (البحر) أي في الكثرة (وفوق جوهره) أى جوهر البحر
(بالسام) أي بالملل (من وردها) بكسر الواو أى مائها (الشبم) بفتح المعجمة
وكسر الموحدة أى النادر (كالحمم) بضم المهملة وفتح الميم جمع حممة وهى
الفحم (معدلة) بفتح الميم وسكون العين وكسر الدال المهملتين أى عدلا
(2/212)
وكالصراط وكالميزان معدلة ... فالقسط من
غيرها في الناس لم يقم
لا تعجبن بحسود راح ينكرها ... تجاهلا وهو غير الحاذق الفهم
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ... وينكر الفم طعم الماء من سقم
[فصل ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم سوى
القرآن الآيات السماوية]
(فصل) ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم سوى القرآن الآيات السماوية
[فمن ذلك انشقاق القمر]
فمن ذلك انشقاق القمر وهو ما أثبته
القرآن العظيم ورواه العدد الكثير من الصحابة قال الله تعالى اقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. روينا في صحيح البخاري عن ابن مسعود قال
انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل
وفرقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا* وعن أنس قال سئل أهل
مكة النبي صلى الله عليه وسلم ان يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين حتى
رأوا حراء بينهما قال بعضهم وفي انشقاق القمر له مناسبة لشق قلبه حين شقه
الملكان ولذلك قال صاحب البردة:
(فصل) ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم (اقتربت الساعة وانشق القمر) ما ساقه
المصنف من ان المراد بانشقاق القمر انشقاقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم
هو ما عليه جمهور العلماء من المفسرين وغيرهم قال القرطبي ومن العلماء من
قال معني وانشق القمر أى ينشق كقوله تعالى أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا
تَسْتَعْجِلُوهُ أي يأبي ونقل عن الحليمى انه قال رأي الهلال وهو ابن
ليلتين منشقا نصفين عرض كل منهما كعرض القمر ليلة أربع أو خمس ومازلت أنظر
اليهما حتى اتصلا كما كانا ولكنهما في شكل اترجة ولم أمل طرفي عنهما الي ان
غابا وكان معى ليلتئذ جمع من الناس وكلهم رأي ما رأيت وأخبرني من أثق به
انه رأي الهلال وهو ابن ثلاث منشقا نصفين قال الحليمى فقد ظهر ان قول الله
تعالى وَانْشَقَّ الْقَمَرُ انما خرج علي الانشقاق الذي هو من اشراط الساعة
دون الذي جعله الله تعالى آية لرسوله (روينا في صحيح البخارى) وصحيح مسلم
وسنن الترمذي وغيرهم (عن ابن مسعود) وقد روي ذلك جماعة من الصحابة سوى ابن
مسعود منهم أنس وابن عباس وابن عمر وحذيفة وعلى وجبير بن مطعم (انشق القمر
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد الاعمش عن ابن مسعود ونحن بمنى
ومسروق عنه ونحن بمكة وزاد فقال كفار قريش سحركم ابن أبي كبشة فقال رجل
منهم ان محمدا ان كان سحر القمر فانه لا يبلغ من سحره ان يسحر الارض كلها
فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا مثل هذا فاتوا فسألوهم فاخبروهم انهم
رأوا مثل ذلك (مرتين) زعم بعضهم أخذا بظاهر هذا الحديث ان الانشقاق وقع
مرتين وليس كذلك كما قاله ابن قيم الجوزية وانما المراد بمرتين فلقتين وان
كانت المراة أكثر ما يستعمل في الافعال فقد يستعمل في الاعيان أيضا قال
عياض في الشفاء أكثر طرق أحاديث انشقاق القمر صحيحة والآية مصرحة به ولا
يلتفت الى اعتراض مخذول بانه لو كان هذا لم يخف على أهل الارض ثم دفع حجتهم
باجوبة منها ان القمر ليس في حد واحد لجميع أهل الارض فقد يطلع على قوم قبل
طلوعه على آخرين أو يحول بينهم وبينه حائل وأيضا عادة الناس بالليل الهدو
والسكون
(2/213)
أقسمت بالقمر المنشق أن له ... من قلبه
نسبة مبرورة القسم
[ومن ذلك احتباس الشمس]
ومن ذلك احتباس الشمس وذلك انه صلى الله
عليه وسلم أخبر قريشا بقدوم غيرهم من الشام يوم الاربعاء فولى النهار ولم
تجئ فدعى فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس ومن ذلك ما روت اسماء
بنت عميس انه صلى الله عليه وسلم أوحى اليه ورأسه في حجر على وفوّت علىّ
صلاة العصر لمراعاته فلما أفاق صلى الله عليه وسلم قال اللهم انه كان في
طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس قالت اسماء فرأيتها غربت ثم رأيتها
طلعت بعد ما غربت ووقفت على الجبال والارض وذلك بالصهباء في خيبر.
وايجاف الابواب وقطع البصر ولا يكاد يعرف من أمور السماء شيأ الا من رصد
ذلك (فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس) كما رواه ابن اسحاق في
السيرة ورواه غيره أيضا ومعناه أوقفت له حتى تقدم العير قبل غروبها كما
أخبر (ومن ذلك ما) أخرجه الطحاوي في مشكل الحديث من طريقين ثابتين ورواتهما
ثقات قال (روت أسماء بنت عميس) الى آخره (فلما أفاق صلى الله عليه وسلم)
قال أصليت يا على قال لا (اللهم انه كان في طاعتك) الى آخره (ثم رأيتها
طلعت بعد ما غربت) قال بعضهم هذا ابلغ في المعجزة من وقوفها المذكور في
الحديث الاول وقال آخرون بل ذاك أبلغ لان طلوع الشمس من مغربها أمر سيكون
بخلاف وقوف الشمس في مجراها فانه لم يعهد ولا يكون وكانت صلاة سيدنا على
هذه اداء والا لما كان رجوعها بعد غروبها بالنسبة اليه (فائدة) وان كان فيه
اظهار المعجزة الا ان سياق القصة يقتضى ان عودها كان سببه (وذلك بالصهبا)
بفتح المهملة والموحدة وبالمد موضع على مرحلتين من خيبر قال عياض في الشفا
وحكي الطحاوي ان أحمد ابن صالح كان يقول لا ينبغي لمن سبب له العلم التخلف
عن حديث اسما لانه من علامات النبوة انتهى (قلت) وفي حديثها من الفوائد
تقديم الاهم عند تعارض المصالح فمن ثم ترك سيدنا على الصلاة مراعاة له صلى
الله عليه وسلم وذلك من خصائصه ان من فوت شيأ من الصلاة بسببه يكون معذورا
ومنها ان محل الوعيد في تفويت العصر لمن فوتها لغير عذر وذلك ظاهر ومنها
انه لا بأس بان يجعل نحو الامام رأسه في حجر بعض اتباعه سيما مع علم محبتهم
ذلك وبلوغه رتبة من يتبرك به وفيه فضيلة لسيدنا على كرم الله وجهه ورضي عنه
حيث ردت الشمس بسببه (فائدة) قد حبست الشمس لنبينا صلى الله عليه وسلم في
بعض أيام الخندق كما ذكره عياض في الشفاء وغيره وقد حبست الشمس ليوشع بن
نون حيث قال لها انك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست وذكر
الخطيب في كتاب النجوم بسند ضعيف انها حبست لداود وردت لسليمان بعد ان
توارت بالحجاب أى غربت كما حكاه البغوى وغيره من المفسرين عن على فيحصل في
الشمس معجزتان رجوعها بعد غروبها ووقوفها في مجراها وجمعنا لنبينا صلى الله
عليه وسلم ولم يحصل لغيره سوي واحدة منهما
(2/214)
[فصل ومن
معجزاته صلى الله عليه وسلم تكثير القليل من الطعام ونبع الماء من بين
أصابعه]
(فصل) ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم تكثير القليل من الطعام ونبع الماء
من بين أصابعه وتفجيره وتكثيره ببركته من ذلك حديث أبى طلحة المشهور في
الصحاح واطعامه صلى الله عليه وسلم ثمانين أو سبعين رجلا من أقراص شعير
حملها أنس تحت ابطه ومنه حديث جابر انه ذبح عناقا وطحنت زوجته صاعا من شعير
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بجميع اهل الخندق وهم الف فبصق صلى الله
عليه وسلم في عجينهم وبرمتهم وبرك قال جابر فاقسم بالله لأكلوا حتى تركوه
وانخرفوا وان برمتنا لتغط كما هي وان عجيننا لنخبزه. قلت هذا ما صخ من حديث
جابر واما ما اولع به المداح من احياء بسطية وشاته فهو مختلق لا اصل له
والله اعلم. ومن ذلك حديث ابى هريرة حين اشتد به الجوع وجلس في طريق المسجد
يتعرض لمن مر به ويستقريهم الآيات فلم يقعوا على حاجته فلما مر صلى الله
عليه وسلم ضحك في وجهه ثم استتبعه فوجد في بيته قدح لبن قد اهدى له فقال
ادع لى اهل الصفة قال ابو هريرة قلت ما هذا اللبن فيهم كنت احق به ان اصيب
منه بشربة أتقوى بها ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد قال فدعوتهم
فشربوا حتى رووا أجمعون ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم اشرب فشرب وما
زال يقولها حتى قال والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكا فأخذ صلى الله عليه
وسلم القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة. ومنه حديث سمرة بن جندب قال أتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها لحم فتعاقبوها من غدوة حتى الليل
يقوم قوم ويقعد آخرون. ومنه حديث عبد الرحمن بن ابى بكر قال كنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائه وذكر في الحديث انه عجن صاع من (فصل) ومن
معجزاته تكثير القليل من الطعام (المشهور) في الاحاديث (الصحاح) في
الصحيحين وغيرهما (ومنه حديث جابر) في الصحيحين أيضا (انه ذبح عناقا) في
رواية بهيمة (وبرك) أي دعا بالبركة (حتى تركوه) أي من الشبع (وانحرفوا) أى
رجعوا (لغط) بفتح أوله وكسر المعجمة ثم مهملة أي يعلي ويسمع لها صوت قال
النووي قد تضمن حديث جابر علمين من اعلام النبوة أحدهما تكثير الطعام
القليل والثاني علمه صلى الله عليه وسلم بان هذا الطعام القليل الذي يكفي
في العادة خمسة أنفس سيكثر ويكفي ألفا وزيادة فدعا له ألف قبل أن يصل اليه
وقد علم انه صاع وبهيمة (مختلق) كذب (ومن ذلك حديث أبي هريرة) وهو في
البخاري والترمذى (مسلكا) بفتح الميم واللام أى مساغا (الفضلة) بفتح الفاء
وسكون المعجمة الباقى وفي هذا مع المعجزة ندب كون ساقي القوم آخرهم شربا
كما جاء في روايات متعددة (حتى الليل) بالكسر (حديث عبد الرحمن بن أبي بكر)
في الصحيحين أيضا
(2/215)
طعام وصنعت شاة فشوى سواد بطنها قال وأيم
الله ما من الثلاثين ومائة الا وقد حزله حزة من من سواد بطنها ثم جعل منها
قصعتين فأكلنا أجمعون وفضل من القصعتين فحملته على البعير ومنه حديث سلمة
بن الاكوع وأبو هريرة وعمر بن الخطاب ذكروا ان الناس أصابهم مخمصة شديدة في
بعض الغزوات فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ببقية الازواد فجاء الرجل
بالحثية من الطعام وفوق ذلك وأعلاهم من جاء بالصاع من التمر فجمع على نطع
قال سلمة فحزرته كربطة العنز فما بقى في الجيش وعاء الا ملؤه وبقى منه.
ومنه حديث أبي أيوب الانصارى في أول الهجرة انه صنع لرسول الله صلى الله
عليه وسلم ولأبى بكر من الطعام زهاء ما يكفيهما فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم ادع ثلاثين من أشراف الانصار فدعاهم فأكلوا حتى تركوه ثم قال ادع
ستين وكان مثل ذلك ثم قال ادع سبعين فأكلوا حتى تركوا وما خرج فيهم أحد حتى
أسلم وبايع قال أبو أيوب فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلا وعن ابى هريرة
قال امرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ادعو له اهل الصفة فتتبعتهم حتى
جمعتهم فوضعت بين ايدينا صحفة فأكلنا ما شئنا وفرغنا وهى مثلها حين وضعت
الآن فيها اثر الاصابع* وعن علىّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال جمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وكانوا اربعين منهم قوم يأكلون
الجذعة ويشربون الفرق فصنع لهم مدا من الطعام فأكلوا حتى شبعوا وبقى كما هو
ثم دعا بعس فشربوا حتى رووا وبقى كانه لم يشرب وامر صلى الله عليه وسلم عمر
بن الخطاب ان يزودوا اربعمائة راكب من احمس من قليل تمر قدر الفصيل الرابض
فزودهم منه وبقى على حاله ومن ذلك حديث جابر وشكى (حزة) بضم المهملة وتشديد
الزاى أي قطعة (في بعض الغزوات) في صحيح مسلم انها في غزوة تبوك (على نطع)
فيه أربع لغات أشهرها كسر النون مع فتح المهملة والثانية بفتحهما والثالثة
فتح النون مع سكون الطاء والرابعة كسر النون مع سكون الطاء (أهل الصفة)
للبخاري من حديث أبي هريرة لقد رأيت سبعين من أهل الصفة وعد أبو نعيم في
الحلية منهم مائة وسبعا وفي عوارف المعارف انهم كانوا نحو أربعمائة (كربضة)
بالموحدة والمعجمة أي محل ربوض والاشهر في الراء الفتح وقال ابن دريد الكسر
(العنز) بالمهملة فالنون فالزاى (أبي أيوب) اسمه خالد بن زيد كما مر (زهاء)
بضم الزاي مع المد أي قرب (حين وضعت) بالبناء للمفعول (أثر الاصابع) بالنصب
(بعس) بضم العين وتشديد السين المهملتين وهو قدح ضخم (ومن ذلك حديث جابر)
في البخارى وسنن أبي داود
(2/216)
الى النبي صلى الله عليه وسلم اشتداد غرماء
أبيه عليه في ديونهم وكان بذل لهم اصل ماله فلم يقبلوه وكان ثمره لا يفي
بخلاصهم سنين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم ان يجدّ تمره وان يبدر كل نوع
على حدته ففعل فجلس النبي صلى الله عليه وسلم حول أعظمها بيدرا وأمره أن
يوفيهم منه فاوفاهم الذي لهم وبقى كانه لم ينقص منه تمرة وسلمت البيادر
كلها. ومنه حديث أبى هريرة قال أصاب الناس مخمصة فقال لى رسول الله صلى
الله عليه وسلم هل من شيء قلت نعم شيء من التمر في المزود قال فأتني به
فادخل يده فاخرج قبضة فبسطها ودعا بالبركة ثم قال ادع عشرة فاكلوا حتى
شيعوا ثم عشرة كذلك حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا قال خذ ما جئت به وادخل يدك
واقبض منه ولا تكبه فقبضت على أكثر مما جئت به فأكلت منه وأطعمت حياة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر الى أن قتل عثمان فانتهب منى فذهب
وفي رواية قال فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله وهذا
الباب واسع وأكثره من الصحاح وكذلك معجزاته في الماء* فمنها حديث الاستسقاء
وآيته عظيمة وسبق ذكره في تواريخ السنين. ومنها حديث أنس قال جاءت صلاة
العصر فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
باناء فيه ما يغمر أصابعه أو لا يكاد يغمر فوضع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في ذلك الاناء يده وأمر الناس ان يتوضؤا والنسائى (اشتداد غرماء أبيه)
في الشفاء انهم كانوا يهود فعجبوا من ذلك (ان يجد) بالمعجمة والمهملة أى
يقطع (وان يبدر) بضم أوله أوله وفتح الموحدة وسكون التحتية وكسر المهملة
بعدها راء يصير بيدرا بفتح الموحدة والمهملة بينهما تحتية ساكنة (وبقي كانه
لم ينقص منه تمرة) زاد أبو داود فاتا جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليخبره فوجده يصلى العصر فلما انصرف أخبره بالفضل قال أخبر بذلك ابن الخطاب
فذهبت اليه فاخبرته فقال عمر قد علمت حين مشى فيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم ليباركن فيها (ومنه حديث أبى هريرة) في سنن الترمذى (مخمصة) أى مجاعة
(المزود) بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الواو ثم مهملة الاناء الذي يتزود
فيه (ولا تكبه) كذا في الشفاء وفي سنن الترمذى ولا تنبزنبزا فقوله هنا تكبه
تصحيف (وأطعمت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر) زاد
الترمذى وكان لا يفارق حقوي (فانتهب) وللترمذى فانقطع زاد رزين فخرنت عليه
(وفي رواية) في الشفاء وغيره (فقد حملت من ذلك الثمر الى آخره) زاد في
الشفاء وذكرت مثل هذه الحكاية في غزوة تبوك وان التمر كان بضع عشرة تمرة
وكذلك معجزاته في الماء (ومنها حديث أنس) في الصحيحين وسنن الترمذى
والنسائي (وحانت) أي جاء (حينها) أى وقتها (الوضوء) بفتح الواو على المشهور
وهو الماء الذي يتوضأ به (ما يغمر أصابعه أو لا يكاد يغتمر)
(2/217)
منه قال فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه
فتوضأ الناس حتى توضؤا من عند آخرهم قال له قتادة كم كنتم قال زهاء من
ثلاثمائة ومثله عن ابن مسعود وعن جابر قال عطش الناس يوم الحديبية وبين يدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوة فتوضأ منها واقبل الناس نحوه وقال ليس
عندنا الا ما في ركوتك فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده في
الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كامثال العيون قال سالم بن أبى الجعد
لجابركم كنتم قال لو كنا مائة الف لكفانا كنا خمس عشر مائة ونحوه عن جابر
أيضا في غزوة بواط وذكر حديثها الطويل وفيه قال قال لى رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يا جابر ناد بالوضوء فأتى بقطرة في عزلاء شجب فغمزه رسول
الله صلى الله عليه وسلم بكفه وتكلم بشيء لا أدرى ما هو وقال ناد بجفنة
الركب فأتيتها فوضعتها بين يديه وبسط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يده في الجفنة وفرق بين اصابعه وصب جابر عليه وقال بسم الله قال فرأيت
الماء يفور من بين أصابعه ثم فارت الجفنة واستدارت حتى امتلئت وامر الناس
بالاستسقاء فاستقوا حتى رووا فقلت هل بقى احد له حاجة فرفع رسول الله صلى
الله عليه وسلم يده من الجفنة وهى ملآنة قال الترمذي وفي الباب عن عمران بن
حصين. واما تفجير الماء روي المهلب انه كان بمقدار وضوء رجل واحد (فرأيت
الماء ينبع) بتثليث الموحدة أى يخرج من بين (أصابعه) حكي عياض في كيفية هذا
النبع قولين أحدهما وهو ما قاله أكثر العلماء ان الماء كان يخرج من نفس
أصابعه الكريمة وينبع من ذاتها ويؤيد هذا رواية فرأيت الماء ينبع من أصابعه
والثانى يحتمل ان الله تعالي كثر الماء في ذاته فصار يفور من بين الاصابع
لا من ذاتها ولا شك ان كليهما معجزة ظاهرة (من عند آخرهم) من هنا بمعنى الى
وهو لغة (زهاء ثلاثمائة) في رواية لمسلم عن أنس ما بين الستين الى الثمانين
وقال الحفاظ هما قضيتان جرتا في وقتين (عن ابن مسعود عن جابر) في الصحيحين
(كنا خمس عشرة فانه) سبق الكلام على الخلاف في كميتهم يومئذ مع الجمع بين
الاقوال في غزوة الحديبية فراجعه (ونحوه عن جابر أيضا) في آخر في صحيح مسلم
(ناد بالوضوء) بفتح الواو (بقطرة) بفتح القاف أي شيء يسير من الماء (في
عزلاء) بفتح المهملة وسكون الزاي وبالمد أي في فم (شجب) بفتح المعجمة وسكون
الجيم ثم موحدة وهو السقاء (فغمزه) بالمعجمة والزاي أى عصره (بكفه) ليس هذا
في صحيح مسلم بل في نسخة بيديه وفي أخرى بيده (وتكلم بشيء) لعله دعا الله
عز وجل بالبركة (ناد بحفنة الركب) بفتح الجيم (بسم الله) أي توضؤا قائلين
ذلك ففيه ندب التسمية للوضوء وان هذا أقلها وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم
(قال الترمذى وفي الباب عند عمران بن حصين) أي له حديث أيضا في تكثير الماء
وان الناس شكوا الى
(2/218)
فروي معاذ بن جبل في قصة غزوة تبوك انهم
وردوا العين وهى تبض بشيء من ماء مثل الشراك فغرفوا من العين بأيديهم حتى
اجتمع في شيء ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه ثم اعاده
فيها فانخرق من الماء ماله حس كحس الصواعق ثم قال يوشك يا معاذ ان طالت بك
حياة ان ترى ماء ها هنا قد ملأ جنانا ونحوه في غزوة الحديبية من رواية سلمة
بن الاكوع والبراء بن عازب وفي الحديث انهم وجدوا في بئرها ماء قليل فجلس
رسول الله صلى الله عليه وسلم على جباها وأتى بدلو فبصق ودعا فيها فجاشت
فروا أنفسهم وركائبهم وفي رواية أنه أخرج سهما من كنانته فوضع في قعر قليب
ليس فيه ماء فروى الناس حتى ضربوا بعطن ومن المشهور في الصحيح حديث ميضأة
ابن أبى قتادة وحديث صاحبة المزادتين.
رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش في بعض أسفاره فدعا بالميضاء فجعلها في
سننه ثم التقم فمها فالله أعلم نفث فيها أم لا فشرب الناس حتى رووا وملأوا
كل أناء معهم فخيل الى انها كما أخذها مني وكانوا اثنين وسبعين رجلا وروى
مثل هذه القصة لابي قتادة أيضا (فروي معاذ بن جبل) في الموطأ وصحيح مسلم
(وهي تبض) بفتح الفوقية وكسر الموحدة وتشديد المعجمة وروي باهمالها أي تبرق
(مثل الشراك) بكسر المعجمة وهو سير النعل والمعني ماء قليل جدا (فانخرق)
بالمعجمة والقاف (ماء له حس كحس الصواعق) هذا لفظ ابن اسحاق في السيرة ولفظ
مسلم فجرت العين بماء منهمر أى كثير (قدملا جنانا) جمع جثة وهي البستان
وهذا أيضا من المعجزات (ونحوه في غزوة الحديبية) وسبق الكلام عليه ثم
(ميضأة أبي قتادة) روي حديثها مسلم في أبواب الصلاة عند ذكر نومه صلى الله
عليه وسلم بالوادي وفيه أنه قال لابي قتادة احفظ على ميضأتك فانه سيكون لها
نباء والميضأة بكسر الميم وسكون التحتية وفتح المعجمة الاناء الذى يتوضأ
منه قال عياض في الشفاء وذكر الطبري حديث أبي قتادة على غير ما ذكره أهل
الصحيح وأن النبى صلى الله عليه وسلم خرج بهم ممدا لاهل مؤتة عند ما بلغه
قتل الامراء (وصاحبة المزادتين) حديثها مروى في الصحيحين وغيرهما عن عمران
بن حصين حاصله مع الاختصار أنه صلى الله عليه وسلم وجد عليا وعمران بعد أن
أصابهم عطش شديد وأعلمها أنهما يجدان امرأة بمكان كذا معها بعير عليه
مزادتان فوجداها وأتيا بها الى النبى صلى الله عليه وسلم فجعل في اناء من
مزادتيها فقال فيه ما شاء الله ان يقول ثم أعاد الماء في المزادتين ثم فتحت
عداليهما وأمر الناس فملؤا أسقيتهم حتى لم يدعوا شيأ الا ملاؤه ثم جمع
للمرأة من الازواد حتى ملأ ثوبها وقال اذهبى فانا لم نأخذ من مائك شيأ ولكن
الله هو الذى سقانا (خاتمة) ذكر عياض في الشفاء عن عمرو بن شعيب أن أبا
طالب قال للنبى صلى الله عليه وسلم وهو رديفه بذي المجاز عطشت وليس عندي
ماء فنزل النبي صلى الله عليه وسلم وضرب بقدمه الارض فخرج الماء فقال اشرب.
(2/219)
[فصل في نطق
الجمادات له صلى الله عليه وسلم]
«فصل» في نطق الجمادات له صلى الله عليه وسلم
[من ذلك قصة حنين الجزع]
من ذلك قصة حنين الجزع وهو حديث مشتهر
منتشر متواتر رواه من الصحابة بضع عشرة ورواه عنهم اضعافهم من التابعين وقد
قدمنا ذكره عند ذكر المنبر وفي الخبر عنه انه كان النبي صلى الله عليه وسلم
يخطب عليه فلما اتخذ المنبر وعدل عنه سمعوا له صوت كصوت العشار وارتج
المسجد لخواره وكثر بكاء الناس لما رأوا ما به فوضع صلى الله عليه وسلم يده
عليه فسكت وقال ان هذا بكى لما فقد من الذكر والذى نفسى بيده لو لم التزمه
لم يزل هكذا الى يوم القيامة تحزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فامر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن تحت المنبر وفي احدى رواياته أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال ان شئت ان أردك الى الحائط الذى كنت فيه ينبت لك
عروقك ويكمل خلقك وان شئت اغرسك في الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك ثم
اصغي اليه النبي صلى الله عليه وسلم يستمع ما يقول فقال بل تغرسني في الجنة
فيأكل منى أولياء الله وأكون في مكان لا أبلى فيه فسمعه ما يقول من يليه
فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد فعلت ثم قال اختار دار البقاء على دار
الفناء وكان الحسن البصرى اذا حدث بهذا الحديث بكى وقال يا عباد الله
الخشبة تحن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا اليه لمكانه من الله
فانتم أحق أن تشتاقوا الى لقائه (فصل) في نطق الجمادات (رواه من الصحابة
بضعة عشر) زاد في الشفاء منهم أبى بن كعب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك
وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وسهل بن سعد وأبو سعيد الخدري وبريدة
وأم سلمة والمطلب بن أبي وداعة (ورواه عنه أضعافهم من التابعين) قال في
الشفاء رواه عن جابر حفص بن عبيد الله بن حفص وأيمن وأبو نضرة وابن المسيب
وسعيد بن أبى كرب وكريب وأبو صالح ورواه عن أنس ابن مالك الحسن وثابت
واسحاق بن أبي طلحة ورواه عن ابن عمر نافع وأبو حسن ورواه عن أبى سعيد أبو
نضرة وأبو الوداك ورواه عن ابن عباس عمار بن أبى عمار ورواه عن سهل بن سعد
ابنه عباس بن سهل وأبو حازم ورواه عن المطلب كثير بن زيد ورواه عن بريدة
ابنه عبد الله ورواه عن أبى ابنه الطفيل (وارتج) بهمز وصل وسكون الراء وفتح
الفوقية وتشديد الجيم أى سمع رجة أي صوت (لخواره) يضم المعجمة وتخفيف الواو
وهو صوت الشاة والظبي والبقر وبضم الجيم وفتح الهمزة صوت الناس والبقر
(تحزنا) بفتح الفوقية والمهملة وضم الزاى ثم نون تفعلا من الحزن (فدفن تحت
المنبر) قال السهيلى انما دفنه صلى الله عليه وسلم لانه صار حكمه حكم
المؤمن لحبه وحنينه الى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ينضم الى قوله تعالى
كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ الآية والى قوله صلى الله عليه وسلم في النخلة مثلها
كمثل المؤمن (وفي احدي رواياته) وهى رواية بريدة بن الحصيب الاسلمي (من
ثمرك) بفتح المثلثة والميم وروي البخاري والترمذي والنسائي
(2/220)
وعن عبد الله بن مسعود قال كنا نأكل مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه وقال أنس أخذ النبي
صلى الله عليه وسلم كفا من حصى فسبحن في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى سمعنا التسبيح ثم صبهن في يد أبى بكر فسبحن ثم في أيدينا فما سبحن*
[ومنه تكليم الذراع له واخباره بأن فيه السم]
ومنه تكليم الذراع له واخباره بأن فيه السم
وقال أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه وكرم الله وجهه في الجنة
كنا بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج الى بعض نواحيها فما
استقبله شجر ولا جبل الا قال السلام عليك يا رسول الله وقال صلى الله عليه
وسلم انى لاعرف حجرا بمكة كان يسلم على قبل أن أبعث انى أعرفه الآن وحديث
العباس اذ اشتمل عليه النبى صلى الله عليه وسلم وعلى بنيه بملاءة ودعا لهم
بالستر من النار كستره اياهم بملاءته فامنت اسكفة الباب وحوائط البيت آمين
آمين* ويقرب من هذا رجفان أحد وحراء به وباصحابه وسقوط الاصنام التى كانت
حول البيت لاشارته وقد كانت مشدودة بالرصاص وروي ابن عمر أن النبي صلى الله
عليه وسلم قرأ على المنبر وَما قَدَرُوا
(وعن عبد الله بن مسعود) قال كنا نعد الآيات وأنتم تعدونها نحونا كنا مع
النبى صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال أطلبوا فضلة من ماء فجاؤا
باناء فيه ماء قليل فادخل يده فيه ثم قال حي على الطهور المبارك والبركة من
الله تعالى قال فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابعه ولقد (كنا نأكل مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه) الضمير للطعام ففي رواية
ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل (ثم صبهن في يد أبي بكر فسبحن) زاد في
الشفاء من حديث أبي ذر اذ لم يصرح يبقي ذلك بالنسبة الى عمر وعثمان بل لو
صرح بذلك في حديثه لما كان فيه نفي ذلك عنهما لاحتمال أن أبا ذر سمع دونه
أوان ذلك كان في قصة أخري (وقال على) كما حكاه عنه عياض في الشفاء بهذه
الصيغة أخرجه أحمد ومسلم والترمذي عن جابر ابن سمرة كما مر مع الكلام عليه
(انى لاعرف حجرا بمكة الى آخره) أخرجه أحمد ومسلم والترمذي عن جابر ابن
سمرة كما مر مع الكلام عليه (وحديث العباس) هو ما روي عن ابن عباس رضى الله
عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس يا عم اذا كان غداة
الاثنين فأتنى أنت وولدك أدعو لك بدعوة ينفعك الله بها وولدك قال فغد او
غدونا معه فألبسنا كساء ثم قال اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة
لا تغادر ذنبا اللهم احفظه في ولده أخرجه الترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه
الا من هذا الوجه وزاد رزين في في رواية واجعل الخلافة باقية في عقبه وما
ذكره المصنف هو لفظ الشفاء (بملآة) بضم الميم مع المد وهى الملحفة وجمعها
ملاء (أسكفة الباب) عتبته السفلى وهى بضم الهمزة والكاف بينهما مهملة ساكنة
وتشديد الفاء ويقال فيها أسكوفة (آمين آمين) فيها لغات أشهرها مد الهمزة
وتليها مدها مع الامالة وتليها القصر مع تخفيف الميم وتليها المد مع تشديد
الميم وتليها القصر مع تشديد الميم وهي اسم فعل معناه اللهم استجب وقيل
(2/221)
اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ثم قال يمجد الجبار
نفسه أنا الجبار أنا الجبار أنا الكبير المتعال فرجف المنبر حتى قلنا ليخرن
عنه.
[وأما المعجزات في الشجر وشهادتها له وانفيادها لأمرة]
وأما المعجزات في الشجر وشهادتها له وانفيادها
لأمرة ففي الصحيح عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال ذهب رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فلم يرى شيئا يستتر به فاذا شجرتان
بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أحدهما فأخذ بغصن من
أغصانها فقال انقادي علي باذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع
قائده وفعل بالأخرى كذلك حتى اذا كان بالمنصف قال التئما علىّ باذن الله
فالتأمتا وفي رواية أنه أمر جابرا أن يأمر احداهما ان تلحق بصاحبتها ولما
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته رجعت الى منبتها وأمر صلى الله
عليه وسلم أسامة بن زيد أن يأتى الى نخلات واحجار فيأمرهن ان يتقاربن لقضاء
حاجته فأمرهن قال اسامة فو الذي بعثه بالحق نبيا لقد رأيت النخلات يتقاربن
حتى اجتمعن والحجارة تتعاقدن حتى صرن ركاما خلفهن فلما قضي حاجته قال لى قل
لهن يفترقن فو الذي نفسي بيده لرأيتهن يفترقن حتى عدن الى افعل كذلك يكون
وقيل لا تخيب رجاءنا وقيل غير ذلك (يمجد) أى يعظم (الجبار) سمى بذلك قيل
لانه يجير خلقه على ما أراد وقيل من قولهم جبرت الكسر اذا أصلحته (الكبير)
هو ذو الكبرياء وهى كمال الذات والصفات (المتعالى) هو بمعني العلى مع نوع
من المبالغة والعلي هو الذى لا رتبة فوق رتبته وجميع المراتب منحطة عنه
(ليخرن) أى ليقعن واللام لام القسم ففي الحديث (الصحيح) في صحيح مسلم (عن
جابر بن عبد الله) في حديثه الطويل في غزوة بواط (كالبعير المخشوش) باعجام
الخاء والشين المكررة هو الذى يحصل في أنفه خشاش بكسر أوله وهو نحو عود
يجعل في أنف البعير الصعب ويشد فيه حبل ليذل وينقاد (الذى يصانع قائده)
بالمهملتين والنون أى الذى يذهب برأسه عن قائده يمينا وشمالا لصعوبته
(بالمنصف) بفتح الميم والمهملة بينهما نون ساكنة وفي آخره فاء وهو نصف
المسافة (التئما) بفتح الفوقية وكسر الهمزة أي اجتمعا (رجعت كل واحدة منهما
الى منبتها) من تتمة الحديث انه لما انتهي الى جابر قال يا جابر هل رأيت
مقامي قال قلت نعم يا رسول الله قال فانطلق الى الشجرتين فاقطع من كل منهما
غصنا فاقبل بهما حتى اذا قمت من مقامي فارسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك
قال جابر فقمت فاخذت حجرا فحسرته فاندلق لى قال فاتيت الشجرتين فقطعت من كل
واحدة منهما غصنا ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه
وسلم أرسلت غصنا عن يمينى وغصنا عن يسارى ثم لحقت فقلت قد فعلت يا رسول
الله نعم ذاك قال اني مررت بقبرين يعذبان فاحببت بشفاعتي ان يرفع عنهما ما
دام الغصنان رطبين (نخلات) جمع نخلة (والحجارة) بالنصب
(2/222)
مواضعهن* ومنه عن يعلي بن مرة وغيلان بن
سلمة الثقفي وفي خبر الجن أنهم قالوا له من شهد لك قال هذه الشجرة تعالى يا
شجرة فجاءت تجر عروقها لها قعاقع ونحوه في اعرابي قال له من يشهد لك قال
هذه الشجرة فاقبلت تخد الارض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا فشهدت انه
كما قال ثم رجعت الى مكانها وسئله اعرابى آية فامره أن يدعوا له شجرة هنالك
فتمايلت من كل جانب فتقطعت عروقها ثم جاءت تخد الارض تجر عروقها مغيرة حتي
وقعت بين يديه فقالت السلام عليك يا رسول الله قال الاعرابي مرها فلترجع
الى منبتها فرجعت فدلت عروقها فاستوت فقال الاعرابي أتأذن لى أن أسجد لك
قال لو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها قال فاذن لى ان
أقبل يدك ورجلك فاذن له. وذكر انه صلى الله عليه وسلم سار في غزوة الطائف
ليلا وهو وسن فاعترضته سدرة فانفرجت له نصفين حتى جاز بينهما وبقيت على
ساقين وأصلهما واحد. وقال صلى الله عليه وسلم لأعرابي أرأيت ان دعوت هذا
العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله قال (عن يعلي بن مرة) ويقال له
ابن سيابة بفتح المهملة وتخفيف التحتية وبعد الالف موحدة وهي أمه ومرة أبوه
ولهم أيضا يعلى بن أمية التميمى هو ابن منبه بضم الميم وسكون النون ثم
تحتية وهي أمه أيضا وأمية أبوه (غيلان) بفتح المعجمة وسكون التحتية مات في
آخر خلافة عمر قال المزي وغيره من الحفاظ ليس في الرواة عيلان بالمهملة الا
في قيس عيلان بن ضمر (ابن سلمة) بفتح اللام (وفي خبر الجن) كما نقله عياض
في الشفاء عن ابن مسعود (تعالى) بفتح اللام (لها قعاقع) بتكرير القاف
والمهملة بوزن منابر أي صوت كصوت السلاح (ونحوه في اعرابي) رواه في الشفاء
مسندا عن ابن عمر (قال هذه الشجرة) زاد في الشفاء السمرة (وسأله اعرابى آية
الى آخره) رواه الحاكم عن بريدة (تخد الارض) أى تشقها وهو باعجام الخاء
واهمال الدال المشددة (مغيرة) أى مسرعة (لو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لأمرت
المرأة ان تسجد لزوجها) رواه الترمذي عن أبى هريرة ورواه أحمد عن معاذ
ورواه أبو داود والحاكم عن قيس بن سعد بلفظ لا مرت النساء أن يسجدن
لازواجهن لما جعل لهم عليهم من الحق وفي الحديث تحريم السجود بلا سبب مطلقا
وكذا الركوع وفيه تأكد حق الزوج على المرأة (فاذن له) فيه انه لا بأس
بتقبيل يد العلماء والصلحاء وتقبيل أرجلهم تبركا وتعظيما لحرمات الله لا
رياء ولا سمعة (وذكر انه صلى الله عليه وسلم سار في غزوة الطائف الى آخره)
حكاه عياض في الشفاء عن ابن فورك (وسن) بفتح الواو وكسر المهملة أي نعسان
(وبقيت على ساقين) زاد في الشفاء عن ابن فورك الي وقتنا وهي هناك معروفة
معظمة (وقال صلى الله عليه وسلم لاعرابى الى آخره) أخرجه الترمذي عن ابن
عباس وقال حديث صحيح (العذق) بكسر المهملة
(2/223)
نعم فدعاه فجعل ينقز حتى أتاه فقال ارجع
فعاد الى مكانه.
[فصل فيما جاء به من المعجزات في ضروب
الحيوانات]
(فصل) فيم جاء به من المعجزات في ضروب الحيوانات من ذلك ما روت عائشة قالت
كان عندنا داجن فاذا كان عندنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قر وثبت مكانه
فلم يجىء ولم يذهب فاذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء وذهب وروي عن
عمر بن الخطاب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في محفل من أصحابه إذ
جاء اعرابى قد صاد ضبا فقال من هذا قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن هذا الضب وطرحه بين يدى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا ضب فأجابه بلسان عربى
مبين لبيك وسعديك يا زين من وافي القيامة قال من تعبد قال الذى في السماء
عرشه وفي الأرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته وفي النار عذابه
قال فمن أنا قال رسول رب العالمين وخاتم النبيين قد أفلح من صدقك وخاب من
كذبك فأسلم الاعرابى. ومنه قصة كلام الذئب المشهورة عن أبى سعيد الخدري
وغيره وفيها طول واختلاف بين الرواة وسكون المعجمة ثم فاء وهي الكناسة قال
الجوهري وهو من التمر بمنزلة العنقود من العنب (ينقز) بضم القاف بعدها زاى
أى يثب
(فصل) في معجزاته في الحيوانات (ما روت عائشة) كما أسنده عنها عياض في
الشفاء (داجن) بالمهملة والجيم المكسورة وهى ما تألف البيت من الحيوانات
كما مر (ضبا) هو بفتح المعجمة وتشديد الموحدة دويبة شبه الورل ذكروا من
عجائبه ان له ذكرين في أصل واحد وانه يعيش نحو سبعمائة سنة ولا يشرب الماء
بل يكتفي بالنسيم ويبول في كل أربعين يوما قطرة ولا يسقط له سن وذكر
الزركشى في شرح البخارى على قوله صلى الله عليه وسلم لو سلكوا جحر ضب
لسلكتموه انه انما خص الضب لان العرب تقول هو قاضي الطيور والبهائم وانها
اجتعت اليه لما خلق الله الانسان فوصفوه له فقال الضب وصفتم خلقا ينزل
الطير من السماء ويخرج الحوت من البحر فما كان ذا جناح فليطر وما كان ذا
مخلب فليحتفر (أو) بمعنى حتى (يؤمن) بالنصب بها (عن أبي سعيد وغيره) كابى
هريرة (وفيها طول) حاصلها ان الذئب لما عرض للراعي وأخذ شاة من الغنم
استنقذها الراعي منه فاقعى الذئب وقال للراعى ألا تتقى الله حلت بينى وبين
رزقى قال الراعى العجب من ذئب يتكلم بكلام الانس فقل الذئب الا أخبرك باعجب
من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحرتين يحدث الناس بانباء من قد
سبق فاتي الراعي النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره فقال قم فحدثهم ثم قال
صدق (واختلاف بين الرواة) في اللفظ فقط ففي حديث أبي هريرة فقال الذئب أنت
أعجب واقف بين غنمك وتركت نبيا لم يبعث الله نبيا قط أعظم منه قدرا قد فتحت
له أبواب الجنة وأشرف أهلها على أصحابه ينظرون قتالهم وما بينك وبينه الا
هذا الشعب فتصير في جنود الله وفي الحديث ان الذئب حفظ الغنم للراعي
(2/224)
قال ابن عبد البر كلم الذئب من الصحابة
رافع بن عميرة وسلمة بن الاكوع وأهبان بن أوس السلمى قلت وكلم أيضا أبا
سفيان بن حرب وصفوان بن أمية حين كانا مشركين ومثله لابى جهل بن هشام
ويتضمن كلام كلهم معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتنبيها لكل منهم
على نبوئته وحثا على اتباعه. ومنه حديث الجمل وهو حديث مشهور اخرجه الحاكم
وصححه ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثعلبة بن مالك وجابر بن عبد الله
ويعلى ابن مرة وعبد الله بن جعفر قال وكان لا يدخل أحد الحائط الا شد عليه
الجمل فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم دعاه فوضع مشفره في الارض وبرك
بين يديه فخطمه وقال ما بين السماء والأرض شيء الا يعلم انى رسول الله
الاعاصى الجن والانس وفي رواية أنه جاء وعيناه تذرفان وفي أخرى انه سجد
وأخرى قال أتدرون ما يقول زعم انه خدم مواليه أربعين وفي أخرى عشرين حتى
كبر فنقصوا من علفه وزادوا في عمله حتى اذا كان لهم غرض أرادوا ان ينحروه
غدا فأمرهم أن يحسنوا اليه حتى يأتى أجله. ومثله انقياد الفحلين له وقد
تغلبا على صاحبهما فلما جاء صلى الله عليه وسلم بركا بين يديه فخطمهما
ودفعهما اليه أخرجه ابو نعيم الحافظ.
ومنه ما روى انه صلى الله عليه وسلم لما اراد ان ينحر البدن ازدلفن اليه
بأيهن يبدأ. وروي أن حمام حتي ذهب فاسلم ثم رجع فوجدها كما هى لم يأخذ
الذئب منها شيأ (ابن عميرة) بفتح المهملة وكسر الميم (وسلمة ابن) عمرو بن
(الاكوع) زاد عياض وانه كان صاحب هذه القصة وسبب اسلامه (واهبان) بضم
الهمزة وسكون الهاء ثم موحدة (ابن أوس) زاد عياض وانه كان صاحب القصة
والمحدث بها وتكلم الذئب (السلمى) بضم السين (أبا سفيان بن حرب وصفوان بن
أمية) نقله في الشفاء عن ابن وهب (حين كانا مشركين) وكانت القصة انهما وجدا
ذئبا قد أخذ ظبيا فدخل الظبى الحرم فانصرف الذئب فعجبا من ذلك فقال الذئب
أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم الى الجنة وتدعونه الى النار
(و) وقع (مثله) أي مثل هذا المحكي (لابي جهل بن هشام) حكاه عياض في الشفاء
بصيغة روى (مشفره) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء قال الجوهري المشفر
للبعير كالجحفة للفرس وهي لذى الحافر كالشفة للانسان (من علفه) بفتح اللام
اسم ما يعلف به وبالسكون المصدر (تغلبا) أى امتنعا من السير وغلباه (اخرجه
أبو نعيم) اسمه أحمد بن عبد الله الاصبهاني ولد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة
ومات في صفر سنة ثلاثين وأربعمائة باصبهان (ومنه ما روي) عن صدقة بن قرظ
بضم القاف وفتح الراء ثم معجمة قال ابن عبد البر كان اسمه في الجاهلية
شيطانا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله (فازدلفن) بالزاي
والفاء أي تفدين (وروى ابن حمام
(2/225)
مكة اظلت عليه يوم الفتح فدعا لها بالبركة
وان حما متين وقفنا على فم الغارحين طلبه المشركون ونسجت على فم الغار
العنكبوت. ومنه حديث الظبية وقد اخرجه الدارقطني والطبراني والبيهقى بالفاظ
مختلفة وحاصلها ان النبي صلى الله عليه وسلم وجدها موثقة قد صادها أعرابى
فسألته ان يطلقها حتى ترضع أولادها وترجع فاطلقها فذهبت ورجعت فاوثقها
الاعرابى فشفع اليه في اطلاقها فاطلقها فخرجت تعدو في الصحراء وتقول أشهد
أن لا اله الا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنه قصة الاسد مع
سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي قصة مشهورة وقصة العضباء
ونداء الوحوش ها إنك لمحمد وروي أنها لم تأكل بعد النبي صلى الله عليه وسلم
حتى ماتت. وكلام الحمار الذي أصابه بخيبر وقوله اسمي يزيد بن شهاب فسماه
النبي صلى الله عليه وسلم يعفورا وكان يوجهه الى دور أصحابه فيستدعيهم له
وروى انه لمات النبي صلى الله عليه وسلم تردى في بئر جزعا وحزنا فمات.
وحديث الناقة التي شهدت لصاحبها عند النبي صلى الله عليه وسلم انه ما سرقها
وأنها ملكه. والشاة التي حلبها لعسكره وهم زهاء ثلاثمائة فاروتهم ثم قال
لرافع اربطها وما أراك فربطها فوجدها قد ذهبت فقال ان الذي جاء بها هو الذي
ذهب بها ونزل عن فرس له ليصلي وقال له لا تذهب بارك الله فيك فما حرك عضوا
وأخذ صلى الله عليه وسلم باذن شاة فبقى اثريده كالميسم وكان في دراريها.
[فصل في كلام الموتي والصبيان صلى الله عليه وسلّم]
«فصل» في كلام الموتي والصبيان روي أنس ان شابا من الأنصار توفى وله أم
عجوز عمياء قال فسجيناه وعزيناها به فقالت مات ابني قلنا نعم فقالت اللهم
ان كنت تعلم اني هاجرت اليك والى نبيك رجاء أن تعينني على كل شدة فلا
تحملني على هذه المصيبه فما مكة الى آخره) ذكره في الشفاء عن ابن وهب (ومنه
حديث الظبية) وهو حديث صحيح كما قاله الزركشى والقاضي زكريا وغيرهما (وقد
رواه الدار قطنى والطبراني والبيهقى) كلهم عن أم سلمة (وقصة العضباء) ذكرها
عياض في الشفاء عن الاسفرائيني (لم تأكل) زاد في الشفاء ولم تشرب (وكلام
الحمار الذى أصابه بخيبر) رواه في الشفاء عن ابراهيم بن حماد بسنده (اسمى
يزيد) وقيل زياد ومن كلامه كان في ابائى ستون حمارا كلهم ركبه نبي وأنت نبي
الله فلا يركبني أحد بعدك ذكره السهيلى في كتاب التعريف (ما أراك) بالضم أى
ما أظنك (لا تذهب بارك الله فيك) زاد عياض في الشفاء وجعله قبلته (كالميسم)
بكسر الميم وسكون التحتية وفتح المهملة.
(فصل) في كلام الموتي (روي أنس) كما ذكره عنه في الشفاء (فلا تحملن) بفتح
أوله وسكون ثانيه
(2/226)
برحنا أن كشف الثوب عن وجهه فطعم وطعمناه
واستشهد ثابت بن قيس بن شماس باليمامة فلما أدخل القبر سمعوه يقول محمد
رسول الله صدق أبو بكر الصديق عمر الشهيد عثمان البر الرحيم* وحسر زيد بن
حارثة الثوب عن وجهه بعد الموت وقال محمد رسول الله النبي الامي وخاتم
النبيين ذلك في الكتاب الاول ثم قال صدق صدق وذكر أبا بكر وعمر وعثمان ثم
قال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله ثم عاد ميتا* وأما كلام الاطفال
فمنه حديث مبارك اليمامة وفيه انه كلم النبى صلى الله عليه وسلم يوم ولد ثم
لم يتكلم بعدها حتى شب فكان يسمى مبارك اليمامة* ومنه حديث الصبية التى
طرحها أبوها بواد وأضلها فانطلق معه النبي صلى الله عليه وسلم الى الوادى
وناداها يا فلانة اجيبي باذن الله فخرجت وهى تقول لبيك وسعديك فقال لها ان
أبويك قد أسلما فان أحببت ان أردك عليهما فقالت لا حاجة لى بهما وجدت الله
خيرا لى منهما.
[فصل في ابراء المرضى وذوى العاهات.]
(فصل) في ابراء المرضى وذوى العاهات. من ذلك ما روى أهل الصحاح أنه صلى
الله عليه وسلم تفل في عيني على كرم الله وجهه في الجنة يوم خيبر وبه رمد
شديد فبرأ من حينه ولم يرمد بعدها. ورد صلى الله عليه وسلم عين قتادة بن
النعمان يوم أحد وقد برزت على خده وكسر ثالثه (واستشهد ثابت بن قيس الى
آخره) حكاه عياض في الشفاء عن عبد الله بن عبيد الله الانصارى وانه كان
فيمن دفنه (باليمامة) كانت وقعتها في خلافة الصديق رضى الله عنه (وحسر زيد
بن حارثة الي آخره) حكاه عياض عن النعمان بن بشير وذكره ابن عبد البر في
الاستيعاب قال الذهبي زيد بن حارثة المتكلم بعد الموت على الصحيح وقيل
المتكلم بعد الموت أبوه وذلك وهم لانه قتل يوم أحد (حديث مبارك اليمامة)
أخرجه البيهقى في الدلائل عن معرض بن معيقيب (انه كلم النبي صلى الله عليه
وسلم يوم ولد) وذلك في حجة الوداع قال له النبي صلى الله عليه وسلم من أنا
قال رسول الله قال بارك الله فيك (تنبيه) مبارك اليمامة هذا آخر من تكلم في
المهد وهم عشرة نبينا صلى الله عليه وسلم كما ذكره الواقدي في السير
وابراهيم كما ذكره الثعلبي وغيره وعيسي كما هو مشهور ويحيى كما أخرجه
الثعلبي عن الضحاك وصاحب جريج قال له من أبوك قال فلان الراعى كما في
الصحيحين وغيرهما والطفل المراضع لامه حين مر برجل ذي هيئة فقالت اللهم
اجعل ابني مثل هذا فترك الثدى وقال اللهم لا تجعلنى مثله الى آخره كما في
الصحيحين أيضا وفي قصة أصحاب الاخدود وجيء بامرأة لتلقى في النار لتكفر
ومعها صبي يرضع فتقاعست فقال يا أماه اصبرى فانك على الحق كما في مسلم
وشاهد يوسف وابن ماشطة فرعون كما أخرجهما أحمد والحاكم من حديث ابن عباس
مرفوعا (ومنه حديث الصبية الى آخره) ذكره عياض عن الحسن البصرى
(فصل) في ابراء المرضى (ورد صلى الله عليه وسلم عين قتادة بن النعمان الى
آخره) رواه ابن اسحاق في السير عن عاصم بن عمر بن قتادة وأخرجه مالك في
الموطأ من حديث جابر وفيه قال ان لى امرأة
(2/227)
وكانت أحسن عينيه ففي ذلك يقول أحد بنيه
مفتخرابه:
أنا ابن الذى سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفي أحسن الرد
وروى الدارقطني أن عينيه سقطتا معا. ومنه حديث الاعمى الذى امره أن يتوضأ
ويصلى ركعتين ويتوجه الى الله به صلى الله عليه وسلم ففعل فرد الله عليه
بصره. وأصاب ابن ملاعب الاسنة استسقاء فبعث الى النبى صلى الله عليه وسلم
فأخذ صلى الله عليه وسلم بيده حثوة من الارض وتفل عليها ثم أعطاها رسوله
فأتاه بها وهو على شفا حفرة فشربها فشفاه الله. وانكسرت رجل عبد الله بن
عتيك حين قتل أبا رافع فلما انتهى الى النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليها
قال فكأنها لم أشتكها قط. ونفث صلى الله عليه وسلم على ضربة بساق سلمة بن
الاكوع أصيبها يوم خيبر فبرئت. وأثقل خالد بن الوليد بالجراحة يوم حنين
فجاء صلى الله عليه وسلم يعوده ويقول من يدلنى على رحل خالد فجاء وقد أسند
الى مؤخرة رحله فنفث على جرحه فبرأ. وجاءته امرأة بابن لها به جنون فمسح
صدره فثع ثعة فخرج من صدره مثل الجر والاسود فشفي.
أحبها واخشى ان رأتنى تقذرني فاخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده
وردها الى موضعها وقال اللهم اكسه جمالا فكانت أحسن عينيه واحدهما نظرا
وكانت لا ترمد اذا رمدت الاخرى (ففي ذلك يقول أحد بنيه) أي أحد ذريته
(مفتخرا) بعد ان وفد على عمر بن عبد العزيز فسأله عمر من أنت فقال
(أنا ابن الذى سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفي أحسن الرد)
تتمته
فعادت كما كانت لاول أمرها ... فياحسن ما عين ويا حسن مارد
فوصله عمر بن عبد العزيز وقال
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
(وروي الدار قطنى) ومالك في الموطأ (ان عينيه سقطتا) لكن قال الدار قطنى
هذا حديث غريب عن مالك تفرد به عمار بن نصر وهو ثقة ورواه عن ابراهيم
الحربي عن عمار بن نصر (ومنه حديث الأعمي) أخرجه الترمذي والنسائي وابن
ماجه والحاكم كلهم عن عثمان بن حنيف وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وقال
الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه من حديث أبى جعفر وهو غير
الخطمى (وأصاب ابن ملاعب الاسنة الى آخره) أخرجه بن منده وأبو نعيم وذكره
عياض في الشفاء بصيغة روي واسم ملاعب الاسنة هذا عمرو بن مالك واسم ابنه
مالك (ثم أعطاها رسوله) زاد في الشفاء فاخذها متعجبا يري أن قد هزئ به (على
شفا) بفتح المعجمة والقصر يقال أشفا المريض على الموت وما بقى منه الاشفاء
أي قليل (ونفث على ضربة بساق سلمة بن الاكوع) كما أخرجه البخارى في أحد
ثلاثياته وأبو داود عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة (وأثقل خالد بن الوليد
بالجراحة الى آخره) أخرجه الكشي (وجاءته امرأة الى آخره) ذكر في الشفاء عن
ابن عباس (فثع ثعة) بالمثلثة والفاء أى قاء (مثل الجر والاسود) هذا
(2/228)
وكانت في كف شرحبيل الجعفي سلعة فمنعته
القبض على السيف وعنان الدابة فعركها صلى الله عليه وسلم بكفه حتى ارتفعت
فلم يبق لها أثر. وسألته صلى الله عليه وسلم جارية طعاما وهو يأكل فناولها
من بين يديه وكانت قليلة الحياء فقالت انما أريد الذى في فيك فناولها ما في
فيه ولم يكن صلى الله عليه وسلم يسأل شيئا فيمنعه فلما استقر في جوفها ألقى
عليها من الحياء ما لم يكن بالمدينة امرأة أشد حياء منها.
[فصل في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم]
* (فصل) * في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم. قال حذيفة كان صلى الله عليه
وسلم اذا دعا لرجل أدركت الدعوة ولده وولد ولده. فمن ذلك دعاؤه صلى الله
عليه وسلم لانس ابن مالك وقد سبق ذلك. ومنه دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف
بالبركة فاشتهر من يساره ما اشتهر حتى صولحت احدى زوجاته الاربع وهي التى
طلقها في مرضه على نيف وثمانين ألفا وأوصى بخمسين ألفا بعد هذا وعدا صدقاته
ألفاشية ونفقاته في سبيل الله ألوافية أعتق يوما واحدا ثلاثين عبدا وتصدق
مرة بتسعمائة بعير بما تحمل من الخيرات وباقتابها وأحلاسها.
ودعى لسعد بن أبى وقاص أن يكون مستجاب الدعوة فما دعا سعد لاحد أو عليه الا
استجيب له. ودعا بعز الاسلام بعمر أو بابى جهل بن هشام فاستجيب له في عمر.
وقال للنابغة لا يفضض تصحيف وانما هو مثل الخرء الاسود (شرحبيل) بضم
المعجمة وفتح الراء وسكون المهملة بعدها موحدة مكسورة فتحتية ساكنة وقيل ان
اسمه شراحيل ذكره في القاموس (الجعفي) بجيم فمهملة ففاء بوزن الكرسى منسوب
الى جعفي بوزن كرسى ابن سعد العشيرة الى حي باليمن قاله في القاموس (سلعة)
بكسر المهملة وسكون اللام وفتح المهملة زيادة تحدث في الجسد كالغدة تكون من
قدر الحمصة الى قدر البطيخة قاله الشمنى فعركها بفتح العين المهملة في
المضارع كالماضي (فيمنعه) بالفتح جواب فلم يكن (أشد حياء) بالفتح خبر يكن
(فصل) في اجابة دعائه (قال حذيفة) كما أخرجه عنه أحمد (دعاؤه لعبد الرحمن
بن عوف بالبركة) سبب الدعاء انه جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم باربعة
آلاف درهم فقال كان عندي ثمانية آلاف فامسكت أربعة لنفسى وعيالى وأربعة
أقرضتها ربي فقال صلى الله عليه وسلم بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت
رواه ابن عبد البر وغيره (على نيف وثمانين ألفا) وقيل مائة ألف (اعتق يوما
واحدا الى آخره) من جملة تصدقاته الارض التى تصدق بها على أمهات المؤمنين
فبيعت باربعين ألفا أخرجه الترمذي وصححه عن عائشة (وأوصى بخمسين ألفا) في
سبيل الله كما نقل عن عروة بن الزبير قال الشمنى وقال الزهرى أوصى عبد
الرحمن لمن بقي من أهل بدر لكل رجل باربعمائة دينار وكانوا مائة فاخذوها
وأخذ عثمان ممن أخذوا وأوصي بالف فرس في سبيل الله (وقال للنابغة) بالنون
والموحدة والمعجمة هو الجعدي واسمه قيس بن
(2/229)
الله فاك فعاش عشرين ومائة سنة لم يسقط له
سن. وقال لابن عباس اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل فسمى بعد ذلك البحر
وترجمان القرآن. ودعا لعبد الله بن جعفر بالبركة في صفقة يمينه فما اشترى
شيئا الاربح فيه. ودعا بمثل ذلك للمقداد وبمثله لعروة بن الجعد البارقى.
قال البخارى وكان لو اشترى التراب ربح فيه. ودعا لعلى أن يكفي الحر والقر
فكان يلبس ثياب الشتاء في الصيف وعكسه ولا يبالى. ودعا لفاطمة ابنته أن لا
يجيعها الله قالت فما جعت بعد ذلك.
ودعا على مضر بسبع كسبع يوسف فاخذتهم سنة حصّت كل شيء حتى استعطفوه فعطف
عليهم. ودعا على كسرى أن يمزق الله ملكه كل ممزق فلم تبق له باقية ولا بقيت
لفارس رئاسة. وقال لرجل رآه يأكل بشماله كل بيمينك فقال لا أستطيع فقال لا
أسطعت فلم يرفعها الى فيه. ودعا على عتيبة بن أبى لهب أن يسلط الله عليه
كلبا من كلابه فافترسه الاسد. ودعا على قريش حين وضعوا السلا على رقبته
وسمى سبعة منهم قال ابن مسعود فلقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم ألقوا في
القليب. وكان الحكم بن ابى العاص يختلج بوجهه ويغمز النبي صلى الله عليه
وسلم بعينيه فقال كذلك كن فلم يزل يختلج حتى مات. ودعا على محلم بن جثامة
فلم تقبله الارض يوم مات.
[فصل في كراماته وبركاته وانقلاب الأعيان له
فيما لمسه أو باشره صلى الله عليه وسلم]
(فصل) في كراماته وبركاته وانقلاب الاعيان له فيما لمسه أو باشره صلى الله
عليه وسلم.
من ذلك الآية الباهرة والعبرة الظاهرة وهو ما ثبت في الصحاح من خبر فرس أبى
طلحة وجمل جابر. وخفق صلى الله عليه وسلم فرسا لجعيل الاشجعي بمخفقة كانت
معه فلم يملك رأسها عبد الله وقيل بالعكس قال الشمنى قال الشعر ثم بقي
ثلاثين سنة لا يقوله ثم نبغ فيه فسمى النابغة (فعاش عشرين ومائة سنة) زاد
في الشفاء وقيل أكثر (لم يسقط له سن) في رواية في الشفاء وكان أحسن الناس
ثغرا اذا سقطت له سن نبتت له أخرى (البحر وترجمان) بنصبهما (ودعا بمثل ذلك
للمقداد) زاد في الشفاء وكان عنده غرائب من المال (البارقي) بالموحدة
والقاف نسبة الى بارق بطن من الازد نزلوا الى جنب جبل يسمى بارقا فنسبوا
اليه وحديثه مشهور في الصحيحين وغيرهما (كان لو اشترى التراب ربح فيه) قال
في الشفاء فقال عروة لقد كنت أقوم بالكناسة فما ارجع حتى اربح أربعين ألفا
(القر) بضم القاف وتشديد الراء البرد (حصت) بفتح الحاء وتشديد الصاد
المهملتين أي أذهبت (وقال لرجل يأكل بشماله) قال الخطيب هو بسر بن راعى
العير الاشجعي صحابي مشهور وغلط من زعم نفاقه وبسر بضم الموحدة وسكون
المهملة كما قاله جلال الدين المحلى وغيره وحديثه في صحيح مسلم عن سلمة بن
الأكوع (ودعا على عتيبة) بالتصغير على الصواب كما سبق (فافترسه) بالمهملة
(يختلج) بالمعجمة أي يميل.
(فصل) في كراماته (لجعيل) مصغر وهو ابن سراقة الضمري (بمخفقة) بكسر الميم
وسكون
(2/230)
نشاطا وباع من بطنها باثني عشر ألفا. وركب
حمارا قطوفا لسعد بن عبادة فكان بعد لا يساير وكانت شعرات من شعره في
قلنسوة خالد بن الوليد فكان يستفتح بها في حروبه فيفتح عليه وأعطى الحسن
والحسين لسانه فمصاه وكانا يبكيان عطشا فسكتا. وكان يتفل في أفواه الصبيان
المراضع فيكفيهم ريقه الى الليل وكاتب سلمان الفارسى مواليه على ثلاثمائة
ودية يغرسها ويعمل عليها حتى تطعم وعلى أربعين أوقية من ذهب فغرسها صلى
الله عليه وسلم بيده فأطعمت من عامها الا واحدة غرسها غيره فقلعها صلى الله
عليه وسلم ثم غرسها فاجدت وأعطاه مثل بيضة الدجاجة من الذهب بعد أن أدارها
على لسانه فوزن منها أربعين أوقية وبقى عنده مثل الذى أعطاهم وقال حنش بن
عقيل سقانى رسول الله صلى الله عليه وسلم شربة من سويق شرب أولها وشربت
آخرها فما برحت أجد شبعها اذا جعت وريها اذا عطشت وبردها اذا ظمئت. وانكسر
سيف عكاشة يوم بدر فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذل حطب فصار في
يده سيفا صارما يشهد به الحروب الى أن استشهد في قتال أهل الردة وكان هذا
السيف يسمى العون. ودفع صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش يوم أحد
عرجونا فرجع في يده سيفا ومن بركته صلى الله عليه وآله وسلم درة الحوائل
كشاة أم معبد وغنم حليمة وشارفها وشاة المقداد. ومسح صلى الله عليه وسلم
على رأس قيس بن زيد الجذامي ودعا له فمات وهو ابن مائة سنة ورأسه أبيض وما
مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود فكان يسمى الاغر. ومسح صلى الله
عليه وسلم على بطن عتيبة بن فرقد وظهره فكان له طيب يعدل طيب نسائه. وسلت
الدم على وجه عامر بن عمرو وكان جرح يوم حنين فكانت له غرة كغرة الفرس.
ومسح وجه قتادة بن ملحان فكان لوجهه بريق يتراءي فيه كالمرآة. ونضح المعجمة
وفتح الفاء ثم قاف وهي الدرة التي يضرب بها (وكاتب سلمان الفارسي) روي قصته
الدارمي وابن عبد البر (ودية) بفتح الواو وكسر المهلة وتشديد التحتية هي
صغار النخل (أوقية) بضم الهمزة على المشهور وبحذفها في لغة وهي أربعون
درهما (فغرسها غيره) روى البخاري في صحيحه ان الذي غرسها سلمان وروي ابن
عبد البر ان الذي غرسها عمر وجمع بينهما بانهما غرساها معا فاضاف الراوي
مرة غرسها لهذا ومرة لهذا (فاجدت) بالمعجمة والمهملة كما مر نظيره (مثل)
بالرفع (حنش) علي لفظ الجنس المعروف (ابن عقيل) مكبر (عكاشة) بتشديد الكاف
أشهر من تخفيفها (جذل) بفتح الجيم وسكون المعجمة (العون) بفتح المهملة
وسكون الواو (عرجونا) هو أصل العذق الذي يقطع منه الشماريخ فيبقي علي النخل
يابسا (وشاة المقداد) زاد في الشفاء وشاة عبد الله بن مسعود وكانت لم ينز
عليها فحل (الاغر) بالنصب (ملحان) بكسر الميم وسكون
(2/231)
الماء في وجه ربيبته زينب بنت أم سلمة
فاكسبها ذلك جمالا عظيما. وأمر آدر أن ينضحها من عين مج فيها ففعل فبرئ ومج
في دلو وصبت في بئر فكان يشم منها رائحة المسك وأحاديث هذا الفصل واسعة
وبركاته صلى الله عليه وسلم عظيمة عميمة. روينا في سنن أبي داود والترمذى
باسناد جيد عن أبى جرىّ جابر بن سليم الهجيمى قال رأيت رجلا يصدر الناس عن
رأيه لا يقول شيأ الا صدروا عنه قلت من هذا قالوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم قلت عليك السلام يا رسول الله مرتين قال لا تقل عليك السلام فان عليك
السلام تحية الموتي قل السلام عليك قلت انت رسول الله قال أنا رسول الله
الذي اذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك واذا أصابك عام سنة فدعوته انبتها لك
وان كنت بأرض قفراء وفلاة فضللت راحلتك فدعوته ردها عليك قال قلت أعهد الى
قال لا تسبن أحد قال فما سببت بعده حرا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة قال ولا
تحقرن من المعروف شيئا وان تكلم أخاك وأنت منبسط اليه بوجهك ان ذلك من
المعروف وارفع أزارك الى نصف الساق فان أبيت وإياك فالى الكعبين وإياك
واسبال الازار فانها من المخيلة وان الله لا يحب المخيلة وان أمرؤ شتمك
وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه فانما وبال ذلك عليه وفي اللام
بعدها مهملة (فاكسبها ذلك جمالا عظيما) لفظ الشفاء فما يعرف كان في وجه
امرأة من الجمال ما بها (آدر) بمد الهمزة ثم مهملة ثم راء من به الادرة وهو
انتفاخ الخصيتين (أبى جرى) بضم الجيم وفتح الراء وتشديد التحتية (ابن سليم)
بالتصغير الهجمى نسبة الى بنى الهجم بضم أولها وفتح الجيم قبيلة معروفة (لا
تقل عليك السلام) هو نهي تنزيه وتعليم للاكمل والا فهو ينادي به أصل السنة
(تحية) بالرفع ووهم من فتحه ظنا انه اسم ان (الموتى) أخذ بهذا القاضي
والمتولى فقال اذا سلم على الميت قال عليكم السلام ولا يقول السلام عليكم
لانهم ليسوا أهلا للخطاب واستدل الجمهور بما في مسلم ومسند أحمد وغيرهما ان
التسليم على الميت كهو على الحي وأجابوا عن الاول بانه اخبار عن عادتهم لا
تعليم لهم وبان اخبار السلام عليكم أصح وأكثر وقول القاضي والمتولى ليسوا
أهلا للخطاب ممنوع وقد أخرج ابن عبد البر باسناد حسن ما من أحد يمر بقبر
أخيه المؤمن يعرفه في الدنيا فيسلم عليه الا عرفه ورد عليه السلام (قلت)
هذا التعليل عجيب فان عليك السلام كالخطاب في السلام عليك (أنت رسول الله)
بمد الهمزة للاستفهام (عام) بالاضافة (سنة) مجرور بها والسنة عند العرب
الجدب (بارض) بالتنوين (قفر) بفتح القاف وسكون الفاء أى خالية (اعهد الي)
أي أوصني (واسأل) منصوب على التحذير (من المخيلة) بفتح الميم وكسر المعجمة
وسكون التحتية أى الخيلاء وهي العجب بالنفس
(2/232)
معنى حديث ابى جرى قول العفيف بن جعفر حيث
يقول:
لذ بالنبي اذا نابتك نائبة ... فعقدها برسول الله محلول
[فصل وأما ما أخبر به من الغيوب فأمر مشتهر
والخبر به متواتر والأتيان بجميعه متعذر]
«فصل» وأما ما أخبر به من الغيوب فأمر مشتهر والخبر به متواتر والأتيان
بجميعه متعذر. روينا في سنن أبى داود عن حذيفة قال قام فينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم مقاما فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك الى قيام الساعة الا
حدث به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه اصحابى هؤلاء وانه ليكون منه
الشيء فاعرفه واذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل اذا غاب عنه ثم اذا رآه عرفه
ثم قال حذيفة ما ادري انسي اصحابى ام تناسوا والله ما ترك رسول الله صلى
الله عليه وسلم من قائد فتنة الى ان تنقضى ايام الدنيا يبلغ من معه
ثلاثمائة فصاعدا الا وقد سماه لنا باسمه واسم ابيه وقبيلته وقد خرج اهل
الصحاح من ذلك اخبارا واسعة من ذلك اخباره أصحابه بالظهور على أعدائهم وفتح
مكة وبيت المقدس واليمن والشام والعراق وفتح خيبر على يد علىّ في غد يومه
واختلاف أمته وافتراقهم على نيف وسبعين فرقة الناجية منها واحدة واخباره ان
أمته اذا مشوا المطيطاء وخدمتهم بنات فارس والروم رد الله بأسهم بينهم وسلط
الله شرارهم على خيارهم وقوله صلى الله عليه وآله وسلم زويت لى الارض فرأيت
مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتى بما زوى لى منها وامتد ملكهم في المشرق
(فصل) في ذكر ما أخبر به من الغيوب (في سنن أبي داود عن حذيفة) وخرجه عنه
الشيخان أيضا (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما) قد جاهد
المقام مبينا في حديث عمرو بن أخطب قال صلي بنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم الفجر فصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر
فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس
فاخبر بما كان وما هو كائن فاعلمنا احفظنا خرجه مسلم وللترمذي من حديث أبى
سعيد صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بنهار ثم قام فخطبنا
فلم يدع شيأ يكون الى يوم القيامة الا اخبرناه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه
(واختلاف أمته الى آخره) خرجه أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه عن أبي
هريرة باسانيد صحيحة قال بعضهم أصول هذه الفرق ست الحرورية والقدرية
والجهمية والمرجئة والرافضة والجبرية وكل فرقة منهم تنقسم الى اثني عشرة
فهذه اثنان وسبعون سوي الناجية (الناجية منها) سئل عنها صلى الله عليه وسلم
فقال ما أنا عليه وأصحابي (اذا مشوا المطيطاء الى آخره) أخرجه الترمذى عن
ابن عمر وقال حديث غريب والمطيطاء بضم الميم وفتح الطاء المكررة وسكون
التحتية قال ابن الاثير يمد ويقصر وقال الجوهرى بالمد فقط مشية فيها تبختر
والمد لليدين ماخوذ من مطيمط اذا مد (زويت لى الارض الى آخره) أخرجه مسلم
وأبو داود
(2/233)
والمغرب أعظم من امتداده في الشام واليمن
واخباره بملك بني أمية واتخاذهم مال الله دولا وعباده خولا وخروج ولد
العباس بالرايات السود وملكهم أضعاف ما ملكوا وخروج المهدى وما ينال أهل
بيته وتقتيلهم وتشريدهم وقوله صلى الله عليه وسلم لعلى ان أشقاها الذى يخضب
هذه من هذه يعني لحيته من رأسه بالدم وان فيه مثلا من ابن مريم أبغضته
اليهود حتى بهتوا والترمذى عن ثوبان وزويت بالزاي أي ضمت وجمعت (واخباره
بملك بنى أمية) أخرجه الرويانى وابن عساكر عن أبي ذر (وخروج ولد العباس
بالرايات السود) من خراسان حتى تنصب بايليا أخرجه الترمذى عن أبي هريرة
(وخروج المهدي) أخرجه احمد وأبو داود عن على وأخرجه أبو داود عن ابن مسعود
وقال حديث حسن صحيح وأخرجه أبو داود وعبد الرزاق والترمذى عن أبي سعيد
وأخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة وعن ثوبان وعن عبد الله بن الحارث بن جزء
باسانيد صحيحة (تنبيه) أحاديث خروج المهدى معارضة بما أخرجه ابن ماجه ثنا
يونس بن عبد الاعلى ثنا محمد بن ادريس الشافعي قال حدثنى محمد بن خالد
الجندي عن ابان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لا يزداد الامر الاشدة ولا الدنيا الا ادبارا ولا الناس الا
شحا ولا تقوم الساعة الاعلى شرار الخلق ولا مهدي الا عيسى بن مريم وخرجه
أبو الحسن الآجرى أيضا وأجاب عنه الحفاظ بانه حديث لا يصح لانه انفرد
بروايته محمد بن خالد الجندى وهو مجهول كما قاله البخارى واختلف عليه في
اسناده فتارة يرويه عن ابان عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا مع
ضعف وتارة برويه عن ابان عن الحسن عن أنس والاحاديث في خروج المهدى ثابتة
أصح من هذا الحديث فالحكم لما دونه (فائدة) كان أهل البيت يزعمون أن محمد
بن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن هو المهدي وذلك بمواطأة اسمه واسم
أبيه اسمه صلى الله عليه وسلم واسم أبيه ولولا عدم اجتماع علامات المهدى
فيه لقطع به سيما وهو كان يسمى المهدى ويسمى النفس الزكية لان حديث يدفن
هاهنا رجل من أهل بيتى نفس زكية فدفن حيث أشار صلى الله عليه وسلم وذلك
بالمدينة الشريفة قتله جند العباسيين حين قام على المنصور سنة مائة وخمسين
من الهجرة (ان أشقاها) أي البرية (الذي يخضب هذه) يريد لحيته (من هذه) يريد
ناصيته وهذا الحديث أخرجه ابن عبد البر وغيره عن صهيب قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم يا على تدرى من أشقى الاولين قال الذي عقر ناقة صالح
قال صدقت قال تدري من أشقى الآخرين قال الله ورسوله أعلم قال الذى يضربك
على هذه وأشار الي نافوخه بالمعجمة فيبتل منها هذه وأخذ بلحيته وذهب ابن
عبد البر وغيره أن عليا كان عند تراكم الفتن يقول والله لوددت أن لو بعث
أشقاها (وأن فيه مثلا من ابن مريم) أخرجه بن عبد البر وغيره عن على (بهتو
(2/234)
أمه وأحبه النصارى حتى أنزلوه المنزلة التى
ليست له وأخبر بقتال الزبير له وهو ظالم له وبأن عمار تقتله الفئة الباغية
وقال لعبد الله بن الزبير ويل لك من الناس وويل للناس منك وقال في قزمان
وكان قد أبلى مع المسلمين وأعجب المسلمون بنفعه انه من أهل النار فقتل نفسه
وقال لجماعة من اصحابه آخركم موتا في النار فكان آخر أولئك موتا سمرة بن
جندب احترق في نار ومات واخبر ان في ثقيف كذابا ومبيرا وان مسيلمة يعقره
الله وان فاطمة اول اهله لحوقا أمه) أى كذبوا عليها ونسبوها الى الفجور
قاتلهم الله (حتى أنزلوه المنزلة التي ليس بها) فقالوا هو ابن الله سبحان
الله عن الصاحبة والولد وقد ظهر مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم فقد
تدينت الناصبة وأشبهاههم ببغضه حتى أنهم يلعنونه ويسبونه على منابرهم انتقم
الله منهم له وأحبته فرق الشيعة حتى غلا بعضهم في محبته وادعي له النبوة
وزاد بعضهم في الغلو فادعي له الربوبية وكلا الفرقتين كافر باجماع من يعتبر
به (وأخبر بقتال الزبير له وهو ظالم له) خرجه بن عبد البر في الاستيعاب
وذكر أن عليا نادى الزبير يوم الجمل يا عبد الله ادن الى أذكرك كلاما سمعته
أنا وأنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علىّ الامان فقال عليك
الامان فبرز فاذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وقد وجدهما
يضحكان بعضهما الى بعض أما انك ستقاتل عليا وأنت له ظالم فقال الزبير اللهم
اني ما ذكرت هذا الا هذه الساعة وثناعنان فرسه (وبأن عمارا تقتله الفئة
الباغية) كما أخرجه الشيخان وغيرهما وقد مر (وقال لعبد الله ابن الزبير الى
آخره) أخرجه الدار قطنى في السنن (ويل لك) عذاب يأتيك في الدنيا (من الناس)
يعني الحجاج بن يوسف الثقفي (وويل) في الآخرة (للناس) للحجاج (منك) أى
بسببك فقتل الحجاج عبد الله وصلبه كما أخرجه مسلم عن أبي نوفل (قزمان) بضم
القاف وسكون الزاي هو ابن على الظفرى وقصته مشهورة في الصحيحين وغيرهما
(وكان قد أبلي مع المسلمين) يوم خيبر (آخركم) موتا (في النار) أخرجه بن عبد
البر في الاستيعاب (احترق في نار ومات فيها) قال ابن عبد البر أصاب سمرة
مرض فكان يعالج بالقعود على قدر مملوه ماء حارا فسقط ذا يوم في القدر فمات
فيها وذلك بالبصرة سنة ثمان أو سبع وخمسين (وأخبر ان في ثقيف الى آخره)
أخرجه مسلم عن أسماء بنت أبي بكر وأخرجه الترمذي عن ابن عمر وأخرجه
الطبراني عن حذيفة (كذابا) هو المختار بن أبي عبيد بالاتفاق قال النووى ومن
أقبح كذبه دعواه أن جبريل يأتيه قال الشمنى وكان المختار واليا على الكوفة
وكان يلقب بكيسان واليه تنسب الكيسانية وكان خارجيا ثم صار زيديا ثم صار
شيعيا وكان يدعو الى محمد بن الحنفية ومحمد يتبرأ منه وكان أرسل ابن الاشتر
بعسكر الى ابن زياد قاتل الحسين فقتله وقتل من كان في قتل الحسين ممن قدر
عليه ولما ولى مصعب بن الزبير على البصرة من جهة عبد الله ابن الزبير قاتل
المختار بن عبيد وقتله (ومبيرا) بضم الميم وكسر الموحدة ثم تحتية ساكنة ثم
راء أى مهلكا والبوار الهلاك قال تعالى وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً أي هلكا
وهذا المبير هو الحجاج بن يوسف الثقفي بالاتفاق أيضا وروى الترمذي عن هشام
بن حسان قال أحصى من قتل الحجاج صبرا فوجد مائة ألف وعشرون ألفا
(2/235)
به وبان الخلافة بعده ثلاثون سنة ثم تكون
ملكا فكانت كذلك بمدة الحسين وقال للحسن بن على ان ابني هذا سيد ولعل الله
ان يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين واخبر بقتل الحسين بالطف واخرج
بيده تربة وقال فيها مضجعه واخبر بشأن اويس القرنى وبأن الانصار يستأثر
عليهم بالدنيا وبأنهم يقلون حتى يكونوا كالملح في الطعام واخبر بكتاب حاطب
الى اهل مكة ينذرهم واخبر عمه العباس حين اسر ببدر بماله الذى تركه عند
زوجته أم الفضل ولم يعلم به أحد وأخبر أنه يقتل أبي بن خلف فقتله بيده
واعلم بمصارع كفار بدر فما ماط أحد عن موضع يده وقال لسعد لعلك تخلف حتى
ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون وأخبر بقتل أهل مؤتة يوم قتلوا وبموت النجاشى
وان اسرع ازواجه لحقوقا به اطولهن يدا فكانت زينب وكان طول يدها (وبأن
الخلافة بعده ثلاثون سنة ثم تكون ملكا) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي
وحسنة وأبو يعلى وابن حبان عن سفينة فكانت خلافة أبي بكر سنتين وثلاثة أشهر
وخلافة عمر عشر سنين وثلاثة أشهر وخلافة عثمان إحدي عشر سنة وإحدى عشر شهرا
وخلافة على خمس سنين وخلافة الحسن سبعة أشهر وبها تمت الخلافة وهذا اصح ما
قيل ووراء ذلك أقوال أخر (أن أبنى هذا سيد الي آخره) أخرجه أحمد والبخاري
وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي بكرة (ولعل الله) هي هنا واجبة ففي
رواية خارج الصحيح وسيصلح الله (به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) في
الحديث أن البغي لا يزيل اسم الاسلام والمراد به هنا الايمان ليوافق قوله
تعالى وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا الآية وقد ظهر
مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم وذلك أن سيدنا الحسن رضي الله عنه سار
من العراق الى معاوية وسار اليه معاوية ومع كل منهما كتائب أمثال الجبال
فلما تقاربا وذلك بناحية الانبار من أرض السواد ورأي الحسن تكاثر الجيوش
تحنن عليهم وأخذته رأفة المسلمين فقال عمرو بن العاص اني لاري كتائب لا
تولى حتى تقتل أقرانها فقال معاوية أي عمرو ان قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء
هؤلاء من لى بامور المسلمين من لى بضيعتهم فكتب معاوية بالصلح على أن يسلم
له الحسن الامر ويكون له من بعده فرضي بذلك وافترق الجمع حسب ما ذكره ابن
عبد البر وغيره (وأخبر بقتل الحسين الى آخره) أخرجه أحمد عن أنس بن مالك
وأخرجه بن السكن عن أنس بن الحارث وزاد فمن أدركه منكم فلينصره فقتل أنس بن
الحارث مع الحسين بن على (بالطف) بفتح المهملة وتشديد الفاء موضع بناحية
الكوفة (وأخرج بيده تربة وقال فيها مضجعه) كما زاده أحمد وفيه أن أم سلمة
أخذت التربة فصرتها في خمارها قال ثابت بلغنا أنها كربلاء وأخرج الترمذى عن
سلمي امرأة من الانصار قالت دخلت على أم سلمة رضى الله عنها وهي تبكي فقلت
ما يبكيك قالت رأيت الآن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وعلى رأسه
ولحيته التراب وهو يبكى فقلت مالك يا رسول الله قال شهدت قتل الحسين آنفا
(وأخبر بشأن إويس) بن عامر (القرني) كما أخرجه مسلم عن أسد بن جابر والقرني
بفتح القاف والراء نسبة الي قرن بن ردمان ابن ناجية بن مراد قال الكلبي
ومراد اسمه جابر بن مالك بن أدد بن يشجب بن يعرب بن زيد بن كهلان بن
(2/236)
الصدقة وقال في يزيد بن صوحان سبقه عضو منه
الى الجنة فقطعت يده في الجهاد واخبر بامارات القيامة وأشراطها فمنها ان
تلد الأمة ربتها وان ترى الحفاة الرعاة العالة رعاء الشاء يتطاولون في
البنيان وتقارب الزمان وقبض العلم وظهور الفتن والهرج وذهاب الامثل فالأمثل
من الناس وخروج ثلاثين دجالا كذابا آخرهم الدجال الأعظم وقال ويل للعرب من
شر قد اقترب الى ما اخبر به من اسرار المنافقين وهتك استارهم حتى قال بعضهم
لصاحبه اسكت فو الله لو لم يكن عنده من يخبره لأخبرته حجارة البطحاء الى ما
اخبر به من احوال يوم القيامة وتطوره واحداثه والله اعلم. وقال القاضى رحمه
الله:
سبأ وغلط الجوهرى فقال أنه منسوب الى قرن المنازل (ابن صوحان) بالصاد
المضمومة والحاء المهملتين (بامارات القيامة) أى علاماتها (ان تلد الامة
ربتها) للبخارى في التفسير ربها زاد مسلم يعني السرارى ولاحمد أن تلد
الاماء أربابهن والمراد بالرب المالك أو السيد قال الخطابى معناه اتساع
الاسلام واستيلاء أهله على بلاد الترك وسبي ذراريهم واتخاذهم سرارى فاذا
ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة سيدها لانه ولده ونقل
النووي ذلك عن الاكثرين قال في التوشيح ويقدر من هذا قول وكيع في تفسيره ان
تلد العجم العرب ويوجه بان الاماء تلد الملوك فتصير الام من جملة الرعية
والملك سيد رعيته وقيل معنى ذلك كثرة العقوق في الاولاد فيعامل الولد أمه
معاملة السيد أمته من الاهانة والضرب والسب والاستخدام فاطلق عليه ربها
مجازا وحقيقة بمعنى المربي (العالة) أي الفقراء (رعاء) بكسر الراء مع المد
(الشاء) بالمد أيضا (يتطاولون) أي يتفاخرون (في) طول (البنيان) والمراد
الاخبار عن تبدل الحال بان يستولى أهل البادية على الامر ويتملكوا البلاد
بالقهر فتكثر أموالهم وتنصرف هممهم الى تشييد البنيان والتفاخر «1» ذكر
معنى ذلك (والهرج) بفتح الهاء وسكون الواء ثم جيم هو القتل (وذهاب الامثل
فالامثل) كما أخرجه أحمد والبخارى عن مرداس الاسلمي الامثل الفاضل الخيار
(وويل للعرب الى آخره) أخرجه البخاري عن زينب بنت جحش وأخرجه أبو داود
والحاكم عن أبي هريرة وزاد أفلح من كف يده قال القرطبي والمراد بالويل في
هذا الحديث الحرب قاله ابن عرفة فأخبر صلى الله عليه وسلم بما يكون بعده من
أمر العرب وما يستقبلهم من الويل والحرب وقد وجد ذلك بما استؤثر عليهم به
من الملك والدولة والاموال والامارة وصار ذلك في غيرهم من الترك والعجم
وتشتتوا في البوادي بعد أن كان العز والملك والدنيا لهم ببركته عليه الصلاة
والسلام ولما جاءهم به من الدين والاسلام فلما لم يشكروا النعمة سلبها الله
منهم ونقلها الى غيرهم ومن ثم قالت زينب في سياق هذا الحديث أنهلك وفينا
الصالحون قال نعم اذا كثر الخبث.
__________
(1) بياض في الاصل
(2/237)
[فصل ومن
معجزاته الباهرة ما جمعه الله له من المعارف والعلوم]
(فصل) ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله له من المعارف والعلوم وخصه به من
الاطلاع على جميع مصالح الدنيا والدين ومعرفته بأمور شرائعه وقوانين دينه
وسياسة عباده ومصالح امته وما كان في الامم قبله وقصص الانبياء والرسل
والجبابرة والقرون الماضية من لدن آدم الى زمنه وحفظ شرائعهم وكتبهم ووعى
سيرهم وسرد أنبائهم وأيام الله فيهم وصفات أعيانهم واختلاف أرائهم والمعرفة
بمددهم واعمارهم وحكم حكامهم ومحاجة كل أمة من الكفرة ومعارضة كل فرقة من
أهل الكتابين بما في كتبهم واعلامهم باسرارها ومخبآت علومها واخبارهم بما
كتموه من ذلك وغيروه الى الاحتواء على لغات العرب وغريب الفاظ فرقها
والاحاطة بضروب فصاحاتها والحفظ لايامها وأمثالها وحكمها ومعاني أشعارها
والتخصيص بجوامع كلمها الى المعرفة بضرب الامثال الصحيحة والحكم البينة
لتقريب التفهيم للغامض والتبيين للمشكل الى تمهيد قواعد الشرع الذى لا
تناقض فيه ولا تخاذل مع اشتمال شريعته عن محاسن الاخلاق ومحامد الآداب وكل
شيء مستحسن مفضل لم ينكر منه ملحد ذو عقل سليم شيأ الا من جهة الخذلان بل
كل جاحد وكافر من الجاهلية به اذا سمع ما يدعوا اليه صوبه واستحسنه دون طلب
اقامة برهان عليه ثم ما أحل لهم من الطيبات وحرم عليهم من الخبائث وصان به
أنفسهم واعراضهم وأموالهم من المعاقبات والحد ودعا جلا والتخويف بالنار
آجلا الى الاحتواء على ضروب العلوم وفنون المعارف كالطب والعبارة والفرائض
والحساب والنسب وغير ذلك من العلوم مما اتخذ أهل هذه المعارف كلامه صلى
الله عليه وسلم فيها قدوة وأصولا في علمهم كقوله صلى الله عليه وسلم الرؤيا
لاول عابر وهي على رجل طائر (فصل) ومن معجزاته الباهرة (أحل لهم) بفتح
الهمزة مبنى للفاعل وكذا وحرم (والعبارة) بكسر المهملة ثم موحدة هي تعبير
الرؤيا (والفرائض) جمع فريضة بمعنى مفروضة (الرؤيا لاول عابر) ليس هذا على
الاطلاق كما قاله النووى وانما ذلك اذا أصاب وجهها فمن ثم قال صلى الله
عليه وسلم لسيدنا أبي بكر حين عبر الرؤيا أصبت بعضا وأخطأت بعضا وفي قوله
تعالى قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ دليل لذلك فان الرؤيا كانت رؤيا صحيحة على
حسب ما فسره سيدنا يوسف ولو كانت لاول عابر مطلقا لما أخطأ أبو بكر في بعض
ما عبر ولكانت الرؤيا التى عبرها يوسف أضغاث أحلام (وعلى رجل طائر) تتمة
الحديث فاذا عبرت وقعت ولا تقصها الا على وادّ أودى رأي أخرجه أبو داود
وابن ماجه والحاكم عن ابن رزين ومعنى قوله على رجل طائر كما قاله الهروى
على قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر وقال ابن قتيبة أراد انها غير مستقرة
يقال للشيء اذا لم يستقر هو على رجل
(2/238)
واذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب
وقوله عليه السلام أصل كل داء البردة أي التخمة وخير ما تداويتم به السعوط
واللدود والمشي والحجامة وخير الحجامة يوم تسع عشرة وسبع عشرة واحدى وعشرين
وفي العود الهندي سبعة اشفية وفي الحبة السوداء شفاء من كل داء الا السام
وقوله من يصبح سبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر وقوله في
السنا طائر وعلى قرن ظبي وبين مخالب طائر (اذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا
المؤمن تكذب) تتمة الحديث وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا أخرجه الشيخان وابن
ماجه عن أبي هريرة والمراد اذا قارب الزمان ان يعتدل ليله ونهاره قاله
الخطابي وغيره وقيل المراد اذا قارب القيامة والاول أشهر قاله النووي وقوله
وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا هو على الاطلاق ونقل عياض عن بعض العلماء ان هذا
يكون في آخر الزمان اذا انقطع العلم ومات العلماء والصالحون ومن يستدل
بقوله وعمله فجعله الله له جابرا وعوضا ومنبها لهم قال النووي والاول أظهر
لان غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل الي رؤياه (أصل كل داء البردة) أخرجه
الدار قطنى بسند ضعيف عن أنس وأخرجه ابن السني وأبو نعيم في الطب عن على
وأبي سعيد وعن الزهرى مرسلا والبردة بفتح الموحدة والراء والمهملة قال
الشمني هى التخمة وثقل الطعام على المعدة لان ذلك يبرد المعدة (خير ما
تداويتم به الى آخره) أخرجه بمعناه أحمد والطبراني والحاكم عن سمرة وأخرجه
أحمد والنسائي عن أنس وأخرجه أبو نعيم في الطب عن على (السعوط) بمهملات
وفتح السين ما يتداوى به في الانف وهو الانتشاق أيضا (واللدود) بتكرير
المهملة وفتح اللام ومر ذكره في الوفاة (والمشي) بفتح الميم وكسر المعجمة
وتشديد التحتية قال ابن الاثير هو الدواء المسهل الذي يحمل صاحبه على المشي
والتردد الى الخلاء (وخير الحجامة يوم سبع عشرة الى آخره) أخرجه البزار
وأبو نعيم في الطب عن ابن عباس ولابن سعد والطبرانى وابن عدى من حديث معقل
بن يسار الحجامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر دواء الداء سنة (عليكم
بالعود الهندي الى آخره) قد تقدم الكلام عليه في الوفاة (وفي الحبة السوداء
شفاء من كل داء الا السام) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن أبي هريرة
والحبة السوداء هو الشونيز بضم المعجمة وفتحها وكسر النون وسكون التحتية ثم
زاى قال النووي هذا الصواب المشهور الذي ذكره الجمهور وقيل انها الخردل
وقيل الحبة الخضراء وهي البطم والعرب تسمى الاخضر أسود وقوله من كل داء قيل
هو على عمومه وانها تدخل في كل دواء بالتركيب وقيل هو من العام الذى أريد
به الخاص أي من كل داء يقبل العلاج بها والسام بالمهملة بلا همز وهو الموت
(من يصبح سبع تمرات عجوة الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن سعد
بن أبي وقاص وأراد تمر المدينة فقط كما جاء في الاحاديث الصحيحة قال النووي
تخصيص عجوة المدينة دون غيرها وعدد السبع مما علمه الشارع صلى الله عليه
وسلم ولا نعلم نحن حكمتها فيجب الايمان بها واعتقاد فضلها والحكمة وهي
كاعداد الصلوات ونصب الزكاة وغيرها (سم) مثلث السين والفتح أفصح (وقوله في
السناء) بفتح المهملة مع المد والقصر قال في القاموس بنت مسهل
(2/239)
انه حار بارد وسئل عن سبأ ارجل هو أم امرأة
أم أرض فقال رجل ولد عشرة من الولد تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة الحديث
بطوله وقال حمير رأس العرب ونابها ومذحج هامتها وغلصمها والازد كاهلها
وجمجمتها وهمدان غاربها وذروتها وتعليمه لكاتبه تصوير الحروف باسمائها مع
كونه اميالا يكتب وأما جوابه لوفود العرب على اختلافهم وخطاب كل منهم بلغته
وتكلمه بالرطانة في بعض الاحيان فامر شائع هذا كله. وهو امي لا يحسب ولا
يكتب ولا علّم ولا نقل انه اشتغل بمدارسة كتب ولا بمجالسة احد مما علمها
قال تعالى وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ
بِيَمِينِكَ وقال تعالى وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ
اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
وهذا تلخيص ما ذكره القاضى مع زيادات زدتها والحق بالمعجزات ايضا كفاية
الله له وعصمته من الناس في حال اجتماعه وانفراده وكثرة المحاسد والمعاند
قال الله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وقال واصبر لحكم ربك
فانك بأعيننا وقال للصفراء والسوداء والبلغم (انه حار بارد) ولابن ماجه
والحاكم عن عبد الله بن أم حرام عليكم بالسناء والسنون فان فيهما شفاء من
كل داء الا السام والسنون بفتح المهملة وضم النون أو كسر المهملة وفتح
النون وسكون الواو ثم فوقية العسل (وسئل عن سبأ) كما نقله البغوي عن أبى
سبرة النخعى عن فروة بن مسيك القطيعي (كان رجلا من العرب) هو سبأ بن يشجب
بن يعرب بن قحطان (تيامن منهم ستة) وهم كندة والاشعريون والازد ومذحج
وانمار وحمير (وتشآم منهم أربعة) وهم عاملة وجراد ولخم وغسان (حمير) بكسر
المهملة وسكون الميم وفتح التحتية (ونابها) بالنون والموحدة (ومذحج) بفتح
الميم وسكون المعجمة وكسر المهملة بعدها جيم كما مر ذكر نسبه (وغلصمها)
بفتح المعجمة وسكون اللام وكسر المهملة هو رأس الحلقوم وهو الموضع الثانى
في الحلق (وكاهلها) هو ما بين الكتفين (وهمدان) بسكون الميم واهمال الدال
كما سبق (وغاربها) ما بين السنام والعنق (وذروتها) بضم المعجمة وكسر التاء
أعلاها (ولا علم) بتخفيف اللام (وما كنت تتلو من قبله) أي قبل القرآن
(تنبيه) ترك المصنف من المعجزات كثيرا مما ذكره عياض في الشفاء فليراجع فان
فيه اشياء من المعجزات وخوارق العادات في كل فنّ من هذه الفنون التى ذكرها
المصنف ولولا خوف الاشهار والتطويل في ذكرها لذكرتها (خاتمة) قال ابن
الجوزى في المنتخب شارك نبينا صلى الله عليه وسلم الانبياء في مناصبهم وزاد
سبطه قوله: أين انشقاق البحر من انشقاق القمر أين انفجار الماء من الحجر من
انفجاره من الاصابع أين التكليم عند الطور من قاب قوسين أين تسبيح الجبال
في أماكنها من تسبيح الحصا في الكف اين علو سليمان بالريح من ليلة المعراج
أين احياء عيسى الموتي من تكليم الذراع قال ونقل الرازي عن البيهقى ان
الامام الشافعى قيل له ان الله أعطي عيسى احياء الميت فقال الشافعي حنين
الجذع أعظم منه ان احياء الخشبة أعظم من احياء الميت وقال فلق القمر أعظم
من فلق البحر لان فلق القمر سماوي وخروج الماء من الحجر معتاد بخلاف
الاصابع فان خروجه من اللحم والدم أعجب والله أعلم.
(2/240)
اليس الله بكاف عبده وقال انا كفيناك المستهزئين وقال واذ يمكر بك الذين
كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
والاخبار في اذى الكفار له صلى الله عليه وسلم وحرصهم على الفتك به
وتظاهرهم على ذلك واسعة شائعة فلا نطول بسردها والله اعلم. |