تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس

(ذكر خلافة يزيد بن معاوية بن أبى سفيان القرشى الاموى)
* أمه ميسورة بنت مخلد* حليته* كان شديد الادمة بوجهه أثر الجدرى كان أبوه قد جعله ولىّ عهده من بعده فقدم من أرض حمص وبادر الى قبر والده ثم دخل دمشق الى الخضراء وكانت دار السلطنة فخطب الناس وبايعوه بالخلافة فى رجب سنة ستين وكتب الى الاقاليم بذلك فبايعوه وامتنع من بيعته اثنان عظيمان الحسين بن علىّ سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن الزبير ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى أيام يزيد فتح مسلم بن زياد خوارزم وبخارى وماتت فى دولته أم المؤمنين أم سلمة المخزومية وكانت آخر زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم موتا*

(ذكر مقتل الحسين بن على وأين قتل ومن قتله)
* فى الاستيعاب لابن عبد البرّ قال أبو عمرو لما مات معاوية فى غرّة رجب سنة ستين وأفضت الخلافة الى يزيد ووردت بيعته على الوليد بن عتبة بالمدينة ليأخذ البيعة على أهلها ارسل الى الحسين بن على والى عبد الله بن الزبير ليلا وأتى بهما فقال بايعا فقالا مثلنا لا يبايع سرّا ولكننا نبايع على رؤس الناس اذا أصبحنا فرجعا الى بيوتهما وخرجا من ليلتهما الى مكة وذلك ليلة الاحد لليلتين بقيتا من رجب وأقام الحسين بمكة شعبان ورمضان وشوّالا وذا القعدة وخرج يوم التروية يريد الكوفة فكان سبب هلاكه فقتل يوم الاحد لعشر من المحرّم يوم عاشوراء سنة احدى وستين بموضع من أرض الكوفة يدعى كربلاء قرب الطف* وفى حياة الحيوان وكان قتله يوم عاشوراء فى سنة ستين ذكره أبو حنيفة فى الاخبار الطوال* وفى أسد الغابة لابن الاثير سبب قتله انه لما مات معاوية بن أبى سفيان كاتب كثير من أهل الكوفة الحسين بن على يحثونه على القدوم عليهم وكان قد امتنع من البيعة ليزيد بن معاوية لما بايع له أبوه بولاية العهد* وفى الاستيعاب كان معاوية أشار بالبيعة ليزيد فى حياته وعرّض بها ولم يكشفها ولا عزم عليها الا بعد موت الحسن بن على* وفى أسد الغابة وامتنع مع الحسين عن بيعة يزيد عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبى بكر ولما توفى معاوية لم يبايع حسين أيضا وسار من المدينة الى مكة فأتاه كتب أهل الكوفة وهو بمكة فاغترّ فتجهز للمسير فنهاه جماعة منهم أخوه محمد بن الحنفية وابن عمر وابن عباس وغيرهم فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام وأمرنى بأمر فأنا فاعل ما أمر* وفى دول الاسلام فسار الحسين فى سبعين فارسا من أهل بيته وغيرهم* وفى أسد الغابة فلما أتى العراق وكان يزيد استعمل عبيد الله ابن زياد على الكوفة فجهز الجيوش اليه واستعمل عليهم عمر بن سعد بن أبى وقاص ووعده امارة الرى* وفى دول الاسلام فوجه عبيد الله بن زياد عمر بن سعد بن أبى وقاص لقتاله فى نحو ألفى فارس فسار أميرا على الجيش فتلافوه بكر بلاء فأحاطوا به وطلبوا منه أن ينزل على حكم عبيد الله بن زياد فلم يرض ان ينقاد لهم ويسلم نفسه بل قاتل* وعن أبى جعفر عن بعض مشيخته قال قال الحسين بن على حين نزل بكر بلاء ما اسم هذه الارض قالوا كربلاء قال ذات كرب وبلاء لقد مرّ أبى بهذا المكان عند

(2/297)


مسيره الى صفين وانا معه فوقف وسأل عنه فأخبر باسمه فقال ههنا محط ركابهم وههنا هراق مائهم فسئل عن ذلك فقال نفر من آل محمد ينزلون ههنا ثم أمر باثقاله فحطت فى ذلك المكان كذا فى حياة الحيوان* وعن عبد المطلب قال لما أحيط بالحسين قال ما اسم هذه الارض فقيل كربلاء فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض كرب وبلاء خرجه ابن الضحاك* (ذكر كيفية قتله) * عن عبد ربه انّ الحسين بن على لما رهقه القتال وأخذ له السلاح قال ألا تقبلون منى ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل من المشركين قال كان اذا جنح أحد للسلم قبل منه قالوا لا قال فدعونى أرجع قالوا لا قال فدعونى آتى أمير المؤمنين* وفى رواية قال الحسين يا عمر اختر منى احدى ثلاث خصال اما أن تتركنى أرجع كما جئت فان أبيت فسيرنى الى يزيد فأضع يدى فى يده فيحكم فىّ ما رآى فان أبيت هذه فسيرنى الى الترك فأقاتلهم حتى أموت فأرسل عمر الى ابن زياد بذلك فهمّ ابن زياد أن يسير الى يزيد فقال له شمر بن ذى الجوشن لا الا ان ينزل على حكمك فأرسل اليه بذلك فقال والله لا أفعل فأبطأ عمر عن قتله فأرسل اليه ابن زياد شمر بن ذى الجوشن فقال ان تقدّم عمر فقاتل والا فاقتله وكن أنت مكانه* وكان مع عمر قريب من ثلاثين رجلا من أهل الكوفة فقالوا يعرض عليكم ابن بنت رسول لله صلى الله عليه وسلم ثلاث حصال لا تقبلون منها شيئا فتحوّلوا مع الحسين فقاتلوا أخرجهما ابن بنت منيع أبو القاسم البزى* وفى دول الاسلام امتنع الحسين عن الانقياد لهم ولم يسلم نفسه بل قاتل حتى جاء سهم فى حلقه فسقط فاحتزوا رأسه فانا لله وانا اليه راجعون وذلك فى يوم عاشوراء سنة احدى وستين بأرض كربلاء بالطف وكان له سبع وخمسون سنة على الخلاف كما سيأتى ونفذوا أولاده وخدمه الى يزيد وهو بدمشق فأكرم أهله ونساءه وبعثهم الى المدينة كذا فى دول الاسلام* وفى أسد الغابة ولما قتل الحسين أمر عمر بن سعد نفرا فركبوا خيولهم وأوطأوا الحسين وكان عدّة من قتل مع الحسين اثنين وسبعين* وفى ذخائر العقبى قتل الحسين يوم الجمعة لعشر خلت من المحرم يوم عاشوراء سنة ستين وقيل احدى وستين بموضع يقال له كربلاء من أرض العراق من ناحية الكوفة ويعرف ذلك الموضع أيضا بالطف كما مرّ* (ذكر من قتله) * قتله سنان بن أنس النخعى وقيل رجل من مذحج وقيل شمر بن ذى الجوشن وكان أبرص أجهر ثم تمم عليه خولى بن يزيد الاصبحى من حمير حز رأسه وأتى به عبيد الله بن زياد وقال
أوقر ركابى فضة وذهبا ... فقد قتلت السيد المحببا
كذا فى أسد الغابة* وقال فى الاستيعاب شعر
انى قتلت الملك المحببا ... قتلت خير الناس أمّا وأبا
وخيرهم اذ ينسبون نسبا
وما قيل ان عمر بن سعد بن أبى وقاص قتله فلم يصح وسبب نسبته اليه انه كان أمير الخيل التى أخرجها عبيد الله بن زياد لقتاله ووعده ان ظفر به أن يوليه الرى وكان فى تلك الخيل قوم من أهل مصر وأهل اليمن* وفى حياة الحيوان كان الذى باشر قتله الشمر بن ذى الجوشن وقيل سنان بن أنس النخعى وقيل ان شمرا ضربه على وجهه فأدركه سنان فطعنه فألقاه عن فرسه فنزل خولى بن يزيد الاصبحى ليحتز رأسه فارتعدت يداه فنزل اخوه شبل بن يزيد فاحتز رأسه ودفعه الى أخيه خولى وكان أمير الجيش عبيد الله بن زياد بن أبيه من قبل يزيد بن معاوية* وفى الاستيعاب عن ابن الحنفية انه قال قتل مع الحسين فى ذلك اليوم سبعة عشر رجلا كلهم من ولد فاطمة* وعن الحسن البصرى أصيب مع الحسين ستة عشر رجلا من أهل بيته ما على وجه الارض يومئذ لهم شبه* وفى تاريخ اليافعى وقتل معه ولده على الاكبر وعبد الله واخوته على الاصغر ومحمد وعتيق والعباس الاكبر وابن أخيه قاسم بن الحسن وأولاد عمه محمد وعون أبناء عبد الله بن جعفر بن أبى طالب بن عبد المطلب وابناه

(2/298)


عبد الله وعبد الرحمن* وفى حياة الحيوان ثم ان عبيد الله بن زياد جهز على بن الحسين ومن كان معه من حرمه بعد أن فعلوا ما فعلوا الى البغيض يزيد بن معاوية وهو يومئذ بدمشق مع الشمر بن ذى الجوشن فى جماعة من أصحابه فساروا الى ان وصلوا الى دير فى الطريق فنزلوا ليقيلوا به فوجدوا مكتوبا على بعض جدرانه
أترجو أمة قتلوا حسينا ... شفاعة جدّه يوم الحساب
فسألوا الراهب عن السطر ومن كتبه فقال انه مكتوب ههنا من قبل ان يبعث نبيكم بخمسمائة عام وقيل ان الجدار انشق وظهر منه كف مكتوب فيه بالدم هذا السطر* ثم ساروا حتى قدموا دمشق ودخلوا على يزيد بن معاوية ومعهم رأس الحسين فرمى به بين يدى يزيد ثم تكلم شمر بن ذى الجوشن فقال يا أمير المؤمنين ورد علينا هذا يعنى الحسين فى ثمانية عشر رجلا من أهل بيته وستين رجلا من شيعته فسرنا اليهم وسألناهم النزول على حكم أميرنا عبيد لله بن زياد أو القتال فاختاروا القتال فعدونا عليهم عند شروق الشمس وأحطنابهم من كل جانب فلما أخذت السيوف مأخذها أخذوا يلوذون لو اذ الحمام من الصقور فما كان الا مقدار جزر جزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة وثيابهم مزملة وخدودهم معفرة تسفى عليهم الرياح زوّارهم العقبان ووفودهم الرخم* فلما سمع يزيد ذلك دمعت عيناه وقال ويحكم قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين لعن الله ابن مرجانة أما والله لو كنت صاحبه لعفوت عنه ثم قال يرحم الله أبا عبد الله ثم تمثل بقول القائل
تعلق هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما
ثم أمر بالذرية فأدخلوا دار نسائه وكان يزيد اذا حضر غداؤه دعا على بن الحسين وأخاه عمر بن الحسين فأكلا معه ثم وجه الذرية صحبة على بن الحسين الى المدينة ووجه معه رجلا فى ثلاثين فارسا يسير أمامهم حتى انتهوا الى المدينة وكان بين وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليوم الذى قتل فيه الحسين خمسون عاما* وفى بهجة المجالس انه قيل لجعفر الصادق كم تتأخر الرؤيا قال خمسون سنة لانّ النبىّ صلى الله عليه وسلم رأى كانّ كلبا أبقع ولغ دمه فأوّله بانّ رجلا يقتل الحسين ابن بنته فكان الشمر بن ذى الجوشن قاتل الحسين كان أبرص فتأخرت الرؤيا بعده خمسين سنة كذا فى حياة الحيوان*

(ذكر سنه)
* اختلف فى سنه يوم قتل فقيل سبع وخمسون ولم يذكر ابن الدراع فى كتاب مواليد أهل البيت غيره وقال اقام منها مع جدّه عليه الصلاة والسلام سبع سنين الا ما كان بينه وبين الحسن ومع أبيه ثلاثين سنة ومع أخيه الحسن عشر سنين وبعده عشر سنين فجملة ذلك سبع وخمسون سنة وقيل ست وخمسون سنة وخمسة أشهر كذا فى الصفوة* وفى الاستيعاب قال قتادة قتل الحسين وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر* وذكر المزنى عن الشافعىّ عن سفيان بن عيينة قال قال جعفر بن محمد توفى على بن أبى طالب وهو ابن ثمان وخمسين سنة وقتل الحسين بن على وهو ابن ثمان وخمسين وتوفى على بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين وتوفى محمد بن على بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين قال وقال لى جعفر بن محمد وأنا بهذه السنة فى ثمان وخمسين سنة وتوفى فيها رحمه الله* وفى أسد الغابة ولما قتل الحسين أرسل عمر بن سعد رأسه ورؤس أصحابه الى ابن زياد فجمع الناس وأحضر الرؤس وجعل ينكت بقضيب بين ثنيتى الحسين فلما رآه زيد بن أرقم لا يرفع قضيبه قال له اعل بهذا القضيب فو الله الذى لا اله غيره لقد رأيت شفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين يقبلهما ثم بكى فقال له ابن زياد أبكى الله عينيك فو الله لولا انك شيخ قد خرفت لضربت عنقك فخرج وهو يقول أنتم

(2/299)


يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم الحسين بن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم وفى ذخائر العقبى جىء برأسه الى بين يدى ابن زياد فنكته بقضيبه وقال لقد كان غلاما صبيحا ثم قال أيكم قاتله فقام رجل فقال انا قاتله فقال ما قال لكم قال لما أخذت السلاح قلت له ابشر بالنار قال أبشر ان شاء الله تعالى برحمته وشفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم قال فاسودّ وجه الرجل* وفى أسد الغابة عن أمّ سلمة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه ولحيته التراب فقلت مالك يا رسول الله قال شهدت قتل الحسين آنفا* وعن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم نصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم فقلت بأبى أنت وأمى يا رسول الله ما هذا الدم قال هذا دم الحسين لم أزل ألتقطه منذ اليوم فوجده قتل ذلك اليوم* وفى أسد الغابة قضى الله عز وجل أن قتل عبيد الله بن زياد أيضا يوم عاشوراء سنة سبع وستين قتله ابراهيم بن الاشتر فى الحرب وبعث برأسه الى المختار وبعث به المختار الى ابن الزبير فبعث به ابن الزبير الى على بن الحسين وفى أسد الغابة عن عمارة بن عمير قال لما جىء برأس بن زياد وأصحابه نضدت فى المسجد فانتهيت اليهم وهم يقولون قد جاءت فاذا حية قد جاءت تخلل الرؤس حتى دخلت فى منخر عبيد الله بن زياد فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت ثم قالوا قد جاءت ففعلت ذلك مرّتين أو ثلاثا قال الترمذى هذا حديث حسن صحيح أخرجه الثلاثة* مروياته فى كتب الاحاديث ثمانية أحاديث*

(ذكر أولاده)
* فى الصفوة وله من الولد على الاكبر وعلى الاصغر وله العقب وجعفر وفاطمة وسكينة* وفى ذخائر العقبى ولد له ستة بنين وثلاث بنات على الاكبر واستشهد مع أبيه وعلى الامام زين العابدين وعلى الاصغر ومحمد وعبد الله الشهيد مع أبيه وجعفر وزينب وسكينة وفاطمة* قال ثم انّ اكابر أهل المدينة نقضوا بيعة يزيد لسوء سيرته وقيل كان يشرب الخمر وأبغضوه لما جرى من قتل الحسين* وفى المختصر الجامع وهاجت فتنة ابن الزبير فأخرج من كان بالمدينة من بنى أمية وأخرج عبد الله بن عباس ومحمد بن الحنفية من مكة* وفى شفاء الغرام انّ ابن جرير ذكر فى اخبار سنة ستين من الهجرة انّ يزيد بن معاوية ولى عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالاشدق المدينة بعد أن عزل عنها الوليد ابن عقبة فى شهر رمضان* وذكر ابن الاثير مثل ما ذكره ابن جرير بالمعنى وذكر انّ عمرو بن سعيد قدم المدينة وجهز منها الى ابن الزبير بمكة أخاه عمرو بن الزبير لما بينهما من العداوة وأنيس بن عمرو الاسلمى فى جيش نحو ألفى رجل فقتل أنيس بذى طوى قتله أصحاب عبد الله بن الزبير وأسر عمرو بن الزبير فأقاد منه أخوه عبد الله بن الزبير للناس بالضرب وغيره كما صنع بهم فى المدينة حتى مات عمرو تحت السياط* وفى أيام يزيد مات بمرو صاحب النبى صلى الله عليه وسلم بريدة بن الحصيب الاسلمى سنة اثنتين وستين وفيها مات بالكوفة فقيهها ومفتيها علقمة بن قيس النخعى تلميذ ابن مسعود ومات بدمشق شيخها وزاهدها أبو مسلم الخولانى من سادات التابعين وقبره بداريا وفى سنة أربع وستين فى أوّلها هلك مسلم بن عقبة الذى استباح المدينة عجل الله قصمه وكذا عجل الله بيزيد بن معاوية فمات بعد نيف وسبعين يوما منها كذا فى تاريخ اليافعى*

(ذكر وفاة يزيد ومدفنه)
* توفى لاربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاوّل وفى سيرة مغلطاى فى ثلاث وعشرين من شهر ربيع الاوّل* وقال الحافظ سنة أربع وستين بحوران بالذبحة وذات الجنب لقد ذاب ذوبان الرصاص وحمل الى دمشق ودفن فى مقبرة الباب الصغير وصلى عليه ابنه معاوية بن يزيد وعمره يوم مات ثمان أو تسع وثلاثون سنة وخلافته ثلاث سنين ونقش خاتمه ربنا الله* (ذكر أولاده وقاضيه وأميره وحاجبه وكاتبه) * أما أولاده فمعاوية وخالد وأبو سفيان وعبد الله الاكبر وعبد الله الاصغر وعمر وعبد الرحمن وعتبة الاعور ومحمد

(2/300)


وأبو بكر وحرب والربيع* وأما قاضيه فأبو ادريس الخولانى وعلى مصر سعيد بن يزيد الاسدى وأما أميره على مصر فمسيلمة بن مخلد ثم توفى فولى عوضه سعيد بن يزيد الازدى* وأما حاجبه فخصى اسمه فتح وهو أوّل من اتخذ الخصيان ولم يحج فى أيام خلافته*

(ذكر خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان القرشى الاموى)
* يكنى أبا ليلى وكان لقبه الراجع الى الحق أمه أم هاشم بنت أبى هاشم بن عتبة بن عبد شمس* وفى مورد اللطافة أمه أم خالد بويع له بالخلافة يوم موت أبيه منتصف شهر ربيع الاوّل من سنة أربع وستين وهو ابن عشرين سنة على خلاف وكان خيرا من أبيه فيه دين وعقل فأقام فى الخلافة أربعين يوما وقيل أقام فيها خمسة أشهر وأياما وخلع نفسه ثم لما خلع نفسه صعد المنبر فجلس طويلا ثم خطب خطبة بليغة مشتملة على الثناء على الله والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نزاع جدّه معاوية هذا الامر من كان أولى به منه ومن غيره ثم ذكر أباه يزيد وخلافته وتقلد أمرهم لهوى كان أبوه فيه وسوء فعله واسرافه على نفسه وكونه غير خليق للخلافة على أمة محمد واقدامه على ما أقدم من جراءته على الله وبغيه واستحلاله حرمة أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اختنقته العبرة فبكى طويلا ثم قال وصرت أنا ثالث القوم والساخط علىّ اكثر من الراضى وما كنت لأتحمل آثامكم ولا يرانى الله جلت قدرته متقلدا أو زاركم وألقاه بتبعاتكم فشأنكم أمركم فخذوه ومن رضيتم به فولوه فقد خلعت بيعتى من أعناقكم والسلام فقال له مروان بن الحكم وكان تحت المنبر أسنة عمرية يا أبا ليلى فقال اغد عنى فو الله ما ذقت حلاوة خلافتكم أفأ تجرّع مرارتها ثم نزل فدخل عليه أقار به وأمه فوجدوه يبكى فقالت له أمه ليتك كنت حيضة ولم أسمع بخبرك فقال وددت والله ذلك ثم قال ويلى ان لم يرحمنى ربى ثم انّ بنى أمية قالوا لمعلمه عمر المقصوص أنت علمته هذا ولقنته اياه وصددته عن الخلافة وزينت له حب علىّ وأولاده وحملته على ما وسمنا به من الظلم وحسنت له البدع حتى نطق بما نطق وقال ما قال فقال والله ما فعلته ولكنه مجبول ومطبوع على حب علىّ فلم يقبلوا منه ذلك وأخذوه ودفنوه حيا حتى مات* وتوفى معاوية بن يزيد فى جمادى الاخرة بعد خلع نفسه بأربعين ليلة وقيل تسعين وكان عمره ثلاثا وعشرين سنة وقيل احدى وعشرين وقيل ثمانية عشر وقيل عشرين سنة ويقال لما احتضر قيل له الا تستخلف فأبى وقال ما أصبت من حلاوتها شيئا فلم أتحمل مرارتها* وفى سيرة مغلطاى وصلى عليه الوليد بن عتبة ليكون له الامر من بعده فلما كبر طعن فمات قبل تمام الصلاة ولم يعقب ذكر ذلك كله فى حياة الحيوان وكان نقش خاتمه الدنيا غرور وصلى عليه مروان بن الحكم* وفى دول الاسلام الوليد بن عقبة بن أبى سفيان ودفن الى جنب أبيه*

(ذكر خلافة عبد الله ابن الزبير بن العوّام بن خويلد بن اسد بن عبد العزى بن قصى)
* ويكنى أبا بكر ويكنى أيضا أبا خبيب أمه أسماء ذات النطاقين بنت أبى بكر الصدّيق وهو أول مولود ولد للمهاجرين بالمدينة بعد الهجرة وكان قد صحب النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو صبى وحفظ عنه أحاديث فمات النبى صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين بل تسع كذا وقع فى دول الاسلام ومورد اللطافة والرياض النضرة وغيرها يعنى ذكر خلافة عبد الله بن الزبير بعد خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية وهو الانسب بالتاريخ وأما فى حياة الحيوان وبعض كتب التواريخ فذكرت خلافة ابن الزبير بعد خلافة عبد الملك بن مروان فقال وهو السادس فخلع وقتل* وفى حياة الحيوان بويع لابن الزبير بالخلافة بمكة لسبع بقين من رجب سنة أربع وستين فى أيام يزيد بن معاوية* وفى سيرة مغلطاى بويع عبد الله بن الزبير فى رابع جمادى الاخرة بالحجاز وما والاه انتهى وبايعه أهل العراق ومصر وبعض أهل الشأم وبايع خلق كثير من العرب الضحاك بن قيس الفهرى وولى دمشق فقدم اليه مروان بن الحكم مع

(2/301)


خدمه وحواشيه وانضم اليه عبيد الله بن زياد وقد هرب من نيابة العراق خوفا من القتل لما فعل بالحسين ثم التقى الضحاك ومروان وكان المصاف بتل راهط بمرج دمشق فقتل خلق كثير وقتل الضحاك وفى الرياض النضرة بويع ابن الزبير بالخلافة سنة أربع وستين وقيل سنة خمس وستين بعد موت معاوية بن يزيد واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان وحج بالناس ثمانى حجج وفى البحر العميق أقام عبد الله بن الزبير الحج للناس سنة ثلاث وستين قبل أن يبايع له فلما بويع له حج ثمانى حجج متوالية* وذكر صاحب الصفوة فى صفته انه كان اذا صلى كأنه عود من الخشوع قاله مجاهد وكان اذا سجد يطوّل السجود حتى ينزل العصافير على ظهره لا تحسبه الا جذعا قال يحيى بن ثابت الجذع أصل الشىء والجذعة القطعة من الجبل ونحوه* قال ابن المنكدر لو رأيت ابن الزبير يصلى كأنه غصن شجرة تصفقه الريح* وعن عمرو بن قيس عن أمّه قالت دخلت على ابن الزبير بيته وهو يصلى فسقطت حية من السقف على ابنه ثم تطوّقت على بطنه وهو نائم فصاح أهل البيت ولم يزالوا بها حتى قتلوها وابن الزبير يصلى ما التفت ولا عجل ثم فرغ بعد ما قتلت الحية فقال ما بالكم قالت زوجته رحمك الله أرأيت ان كنا هنا عليك يهون عليك ابنك* وفى المختصر الجامع بويع لابن الزبير بمكة لسبع بقين من رجب سنة أربع وستين بعد أن أقام الناس بغير خليفة جماديين وأياما من رجب وبايعه أهل العراق وبايعه أهل حمص وولى ابن الحارث قنسرين وولى مصر عبد الرحمن بن عتبة بن أبى اياس وولى عبيدة بن الزبير المدينة فقدمها فأخرج منها بنى أمية فى ولاية مروان بن الحكم فخرج مروان وبنو أمية الى الشأم وأتت ابن الزبير البيعة من الامصار ما خلا فلسطين فانّ حسان بن مالك بن نجدل كان بها مخالفا على ابن الزبير وولى أخاه مصعب البصرة وولى عبد الله بن مطيع الكوفة فوثب المختار بن أبى عبيد الثقفى على الكوفة فأخذها ووجه ابن سميط الى البصرة فقتله مصعب وسار الى المختار فقتله أيضا فى سنة سبع وستين وبنى عبد الله ابن الزبير الكعبة وأدخل فيها الحجر وجعل لها بابين وساواهما مع الارض يدخل من أحدهما ويخرج من الاخر وخلقوا داخل الكعبة وخارجها وهو أوّل من خلقها وكساها القباطى* وفى دول الاسلام نقض ابن الزبير الكعبة وبناها جديدا وأحكمها ووسعها بما أدخل فيها من الحجر وعلاها وعمل لها بابين وساواهما بالارض وفعل هذا لما حدثته خالته عائشة زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم انه قال لولا انّ قومك حديث عهد بالكفر لنقضت الكعبة وأدخلت فيها ستة أذرع من الحجر ولجعلت لها بابين بابا يدخل الناس منه وبابا يخرجون منه ولا لصقت بابها بالارض ففعل ذلك ابن الزبير* وفى شفاء الغرام ولى مكة عبد الله بن الزبير بعد أن لقى فى ذلك عناء شديدا سببه ان أهل المدينة لما طردوا منها عامل يزيد عثمان بن محمد بن أبى سفيان وغيره من بنى أمية الا ولد عثمان بن عفان بعث اليهم يزيد مسلم بن عقبة المرى ويسمى مسرفا باسرافه فى القتل بالمدينة وبعث معه اثنى عشر ألفا فيهم الحصين بن نمير السكونى وقيل الكندى ليكون على العسكران عرض لمسلم موت فانه كان عليلا فى بطنه الماء الاصفر فأمر يزيد مسرفا اذا بلغ المدينة أن يدعو أهلها الى طاعة يزيد ثلاثة أيام فان أجابوه والا قاتلهم فاذا ظهر عليهم أباحها ثلاثا ثم يكف عن الناس ويسير الى مكة لقتال ابن الزبير* وفى حياة الحيوان فى سنة ستين دعا ابن الزبير الى نفسه بمكة وعاب يزيد بشرب الخمر واللعب والتهاون بالدين وأظهر ثلمه ومنقصته فبايع ابن الزبير أهل تهامة والحجاز فلما بلغ ذلك يزيد ندب له الحصين بن نمير السكونى وروح بن ريباع الجذامى وضم الى كل واحد جيشا واستعمل على الجميع مسلم بن عقبة المرى وجعله أمير الامراء ولما ودّعهم قال يا مسلم لا تردّن أهل الشأم عن شئ يريدونه بعدوّهم واجعل طريقك

(2/302)


على المدينة فان حاربوك فحاربهم فان ظفرت بهم فأبحها ثلاثا فسار مسلم حتى بلغ المدينة فنزل الحرّة بظاهر المدينة بمكان يقال له حرّة واقم فخرج أهل المدينة وعسكروا بها وأميرهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة بن أبى عامر الراهب فدعاهم مسلم ثلاثا فلم يجيبوه فقاتلهم فغلب أهل المدينة وانهزموا وقتل أمير المدينة عبد الله بن حنظلة وسبعمائة من المهاجرين والانصار وقتل منهم معقل الاشجعى وعبد الله بن يزيد المازنى مع عبد الله بن حنظلة الغسيل وهؤلاء من الصحابة ودخل مسلم المدينة وأباحها ثلاثة أيام وذلك فى آخر سنة ثلاث وستين* وفى شفاء الغرام قتل من أولاد المهاجرين ثلثمائة نفر وجماعة من الصحابة وكانت الوقعة بمكان يقال له حرّة واقم كما سبق لثلاث بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة ثم سار مسلم الى مكة لقتال ابن الزبير ولما كان بالمشلل مات ودفن بثنية المشلل ثم نبش وصلب هناك وكان يرمى كما يرمى قبر أبى رغال دليل أبرهة المدفون بالمغمس والمشلل على ثلاثة اميال من قديد بينهما خيمتى أم معبد وقيل مات بثنية هرشى بفتح أوّله وسكون ثانيه مقصورة على وزن فعلى هضبة ململمة فى بلاد تهامة لا تنبت شيئا على ملتقى طريقى الشأم والمدينة وهى من الجحفة يرى منها البحر والطريق من جنبتيها كذا فى معجم ما استعجم* قال الشاعر
خذا بطن هرشى أوقفاها فانه ... كلا جانبى هرشى لهنّ طريق
ومات مسلم بن عقبة بعد أن قدّم على عسكره الحصين بن نمير فسار الحصين بالعسكر حتى بلغ مكة لاربع بقين من المحرّم سنة أربع وستين وقد اجتمع على ابن الزبير أهل مكة والحجاز وغيرهم وانضم اليه من انهزم من أهل المدينة وكان قد بلغه خبر أهل المدينة وما وقع لهم مع مسلم هلال المحرم سنة أربع وستين مع المسور بن مخرمة فلحقه منه أمر عظيم واعتدّ هو وأصحابه واستعدوا للقتال وقاتلوا الحصين أياما وتحصن ابن الزبير وأصحابه فى المسجد حول الكعبة وضرب أصحاب ابن الزبير فى المسجد خياما ورفافا يكتنون بها من حجارة المنجنيق ويستظلون بها من الشمس وكان الحصين بن نمير على أبى قبيس وعلى الاحمر وكان يرميهم بالحجارة وتصيب الحجارة الكعبة فوهنت* وفى الوفاء حاصر مكة أربعة وستين يوما جرى فيها قتال شديد ودقت الكعبة بالمجانيق يوم السبت ثالث ربيع الاوّل وأخذ رجل قبسا فى رأس رمح فطارت به الريح فاحترق البيت* وفى أسد الغابة فى هذا الحصر احترقت الكعبة واحترق فيها قرن الكبش الذى فدى به اسمعيل بن ابراهيم الخليل وكان معلقا فى الكعبة ودام الحرب بينهم الى ان فرّج الله عن ابن الزبير وأصحابه بوصول نعى يزيد بن معاوية ومات يزيد فى منتصف ربيع الاوّل سنة أربع وستين وكان وصول نعيه ليلة الثلاثاء لثلاث مضين من شهر ربيع الاخر سنة أربع وستين وكان بين وقعة الحرّة وبين موته ثلاثة أشهر وقال القرطبى دون ثلاثة أشهر وبلغ نعيه ابن الزبير قبل ان يبلغ الحصين وبعث الى الحصين من يعلمه بموت يزيد ويحسن له ترك القتال ويعظم عليه أمر الحرم وما أصاب الكعبة فمال الى ذلك وأدبر الى الشام لخمس ليال خلون من ربيع الاخر سنة أربع وستين بعد ان اجتمع بابن الزبير فى الليلة التى تلى اليوم الذى بلغه فيه نعى يزيد وسأل ابن الزبير أن يبايع له هو ومن معه من أهل الشام على أن يذهب معهم ابن الزبير الى الشام ويؤمّن الناس ويهدر الدماء التى كانت بينه وبين أهل الحرم فأبى ابن الزبير ذلك* وفى حياة الحيوان تحصن منه ابن الزبير بالمسجد الحرام ونصب الحصين المنجنيق على أبى قبيس ورمى به الكعبة المعظمة فبيناهم كذلك اذ ورد الخبر على الحصين بموت يزيد بن معاوية فأرسل الى ابن الزبير يسأله الموادعة فأجابه الى ذلك وفتح الابواب واختلط العسكران يطوفان بالبيت فبينا الحصين يطوف ليلة بعد العشاء اذ استقبله ابن الزبير فأخذ الحصين بيده وقال له سرّ اهل لك فى الخروج معى الى الشام فأدعو الناس الى بيعتك فان أمرهم

(2/303)


قد مرج ولا أرى أحدا أحق بها اليوم منك ولست أعصى ههنا فاجتبذ ابن الزبير يده من يده وقال وهو مجهر بقوله دون أن اقتل بكل واحد من أهل الحجاز عشرة من أهل الشام فقال الحصين كذب الذى قال انك من دهاة العرب أكلمك سرا وتكلمنى علانية وأدعوك الى الخلافة وتدعونى الى الحرب ثم انصرف بمن معه من أهل الشام* وقيل بايعه الحصين ثم بايعه أهل الحرمين وجرت فتن كبار واقتتل الناس على الملك بالشام والعراق والجزيرة بعد موت يزيد وبايع أهل دمشق بعد يزيد ولده معاوية بن يزيد وقيل بويع لابن الزبير بعد رحيل الحصين بالخلافة بالحرمين ثم بويع بها فى العراق واليمن وغير ذلك حتى كاد الامر أن يجتمع عليه فولى فى البلاد التى بويع له فيها العمال وفى شوّال سنة سبع وستين كان طاعون الجارف وهو طاعون كان فى زمن ابن الزبير مات فى ثلاثة أيام فى كل يوم سبعون ألفا ومات فيه لانس بن مالك ثلاثة وثمانون ابنا ومات لعبد الرحمن بن أبى بكر أربعون ابنا* وفى الصحاح الجرف الاخذ الكثير وقد جرفت الشىء أجرفه بالضم جرفا أى ذهبت به كله أوجله وجرفت الطين كسحته ومنه سمى المجرفة والجرف أو الجرف مثل عشر وعشر ما تجرفته السيول وأكلته من الارض ومنه قوله تعالى على شفا جرف هار والجارف الموت العام يجترف مال القوم* قال أبو الحسن المداينى الطواعين المشهورة العظام فى الاسلام خمسة طاعون شيرويه بالمدائن فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ست من الهجرة ثم طاعون عمواس فى عهد عمر بن الخطاب بالشام سنة ثمان عشرة مات فيه خمسة وعشرون ألفا منهم أبو عبيدة بن الجرّاح ومعاذ بن جبل* وعن الحارث ابن عمير قال طعن معاذ وأبو عبيدة وشرحبيل بن حسنة وأبو مالك الاشعرى فى يوم واحد ثم طاعون الجارف فى زمن ابن الزبير وقد سبق ذكره ثم طاعون الفتيات فى شوّال سنة سبع وثمانين سمى طاعون الفتيات لانه بدأ فى العذارى بالبصرة وواسط والشام والكوفة ويقال له طاعون الاشراف ثم طاعون سنة احدى وثلاثين ومائة فى رجب واشتدّ فى رمضان فكان يحصى فى سكة المريد فى كل يوم ألف جنازة ثم خف فى شوّال وكان بالكوفة طاعون سنة خمسين وفيه توفى المغيرة بن شعبة هذا آخر كلام المداينى وفيه بعض كلام غيره قال ولم يقع بمكة ولا بالمدينة طاعون كذا فى أذكار النووى* وفى المختصر ولم يزل ابن الزبير يقيم للناس الحج من سنة أربع وستين الى سنة اثنتين وسبعين ولما ولى عبد الملك بن مروان فى سنة خمس وستين منع أهل الشام من الحج من أجل ابن الزبير وكان يأخذ الناس بالبيعة له اذا حجوا فضج الناس لما منعوا الحج فبنى عبد الملك الصخرة وكان الناس يحضرونها يوم عرفة ويقفون عندها ويقال ان ذلك كان سببا للتعريف فى مسجد بيت المقدس ومساجد الامصار* وذكر الحافظ فى كتاب نظم القرآن انّ أوّل من سنّ التعريف فى مساجد الامصار عبد الله بن عباس*

(ذكر مقتل ابن الزبير)
* يروى انّ عبد الملك ابن مروان بعث الحجاج فى سنة اثنتين وسبعين الى ابن الزبير وكان الحجاج لما وصل من عند عبد الملك نزل الطائف فكان يبعث منه خيلا الى عرفة ويبعث ابن الزبير خيلا الى عرفة فيقتتلون بها فتهزم خيل ابن الزبير وتعود خيل الحجاج بالظفر ثم استأذن الحجاج عبد الملك فى منازلة ابن الزبير فأذن له فنزل الحجاج بئر ميمون ومعه طارق بن عمرو مولى عثمان وكان عبد الملك قد أمدّ الحجاج بطارق لما سأله النجدة أى الشجاعة والحرب على ابن الزبير فقدم طارق فى ذى الحجة ومعه خمسة آلاف وكان مع الحجاج ألفان وقيل ثلاثة آلاف من أهل الشام فحاصروه وكان ابتداء حصار الحجاج ليلة هلال ذى القعدة سنة اثنتين وسبعين من الهجرة* وفى أسد الغابة حصاره أوّل ليلة من ذى الحجة سنة اثنتين وسبعين من الهجرة وذكر القولين فى الرياض النضرة حج الحجاج بالناس تلك السنة ووقف بعرفة وعليه درع ومغفر ولم يطوفوا بالبيت ولا بين الصفا والمروة ونصب الحجاج منجنيقا على جبل أبى قبيس كذا فى أسد

(2/304)


الغابة وحاصره ستة أشهر وسبع عشرة ليلة على ما ذكر ابن جرير ورمى به أحث الرمى وألحّ عليه بالقتال من كل جانب وحبس عنهم الميرة وحصرهم أشدّ الحصار وكان يرمى بالمنجنيق من أبى قبيس فيصيب الكعبة حجارة المنجنيق لكون ابن الزبير مكتنا بالمسجد* وفى نهاية ابن الاثير أن ابن الزبير كان يصلى فى المسجد الحرام وأحجار المنجنيق تمرّ على أذنه وما يلتفت كانه كعب راتب أى منتصب* وفى زبدة الاعمال وبعض المناسك روى انّ الحجاج بن يوسف نصب المنجنيق على أبى قبيس ورمى الكعبة بالحجارة والنيران حتى تعلقت بأستار الكعبة واشتعلت فجاءت سحابة من نحو جدّة مرتفعة يسمع منها الرعد ويرى فيها البرق واستوت فوق الكعبة والمطاف فأطفأت النار وسال الميزاب فى الحجر ثم عدلت الى أبى قبيس فرمت بالصاعقة وأحرقت منجنيقهم قدر كوّة وأحرقت تحته أربعة رجال فقال الحجاج لا يهولنكم هذا فانها أرض صواعق فأرسل الله صاعقة أخرى فأحرقت المنجنيق وأحرقت معه أربعين رجلا وذلك فى سنة ثلاث وسبعين فى أيام عبد الملك بن مروان فأمسك وكتب بذلك الى عبد الملك ووهى البيت بسبب ما أصابه من حجارة المنجنيق ثم هدم الحجاج بأمر عبد الملك ما زاد ابن الزبير فى الكعبة وبناه* وعن هشام بن عروة قال لما كان قبل قتل ابن الزبير بعشرة أيام دخل على أمّه أسماء وهى شاكية فقال لها كيف تجدينك يا أماه قالت ما أجدنى الاشاكية فقال لها ان فى الموت لراحة فقالت لعلك تمنيته لى ما أحب ان أموت حتى يأتى عليك أحد طرفيك اما قتلت فأحتسبك واما ظفرت بعدوّك فقرّت عينى قال عروة فألتفت الى عبد الله فأضحك ولما كان اليوم الذى قتل فيه دخل على أمّه أسماء فقالت له يا بنى لا تقبلنّ منهم خطة تخاف على نفسك الذل مخافة القتل فو الله لضربة بسيف فى عز خير من ضربة بسوط فى ذلك فأتاه رجل من قريش فقال ألا نفتح لك الكعبة فتدخلها فقال عبد الله من كل شئ تحفظ أخاك الا من حتفه والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم وهل حرمة المسجد الا كحرمة البيت قال ثم شدّ عليه أصحاب الحجاج فقال عبد الله أين أهل مصر قالواهم هؤلاء من هذا الباب لاحد أبواب المسجد فقال لاصحابه اكسروا أغماد سيوفكم ولا تميلوا عنى قال فأقبل الرعيل الاوّل فحمل عليهم وحملوا معه وكان يضرب بسيفين فلحق رجلا فضربه فقطع يديه فانهرموا وجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد ثم دخل عليه أهل حمص فشدّ عليهم وجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد ثم دخل عليه أهل الاردن من باب آخر فقال من هؤلاء فقيل أهل الاردن فجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد ثم انصرف فأقبل عليه حجر من ناحية الصفا فوقع بين عينيه فنكسر رأسه وفى الصفوة فأصابته آجرة فى مفرقه ففلقت رأسه فوقف قائما وهو يقول
ولسنا على الاعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تفطر الدما
وفى الرياض النضرة ثم اجتمعوا عليه فلم يزالوا يضربونه حتى قتلوه ومواليه جميعا ولما قتل كبر عليه أهل الشام فقال عبد الله بن عمر المكبرون عليه يوم ولد خير من المكبرين عليه يوم قتل وفى الرياض النضرة روى انه لما اشتدّ الحصار بابن الزبير قامت أمّه أسماء يوما فصلت ودعت وقالت اللهمّ لا تخيب عبد الله بن الزبير وارحم ذلك السجود والتحنث والظمأ فى تلك الهواجر وكان قتله يوم الثلاثاء لسبع عشرة أو ست عشرة ليلة خلت من جمادى الاولى سنة ثلاث وسبعين من الهجرة وهو ابن اثنتين أو ثلاث وسبعين سنة كذا أخرجه صاحب الصفوة* وفى أسد الغابة فلم يزل الحجاج يحاصره الى ان قتله فى النصف من جمادى الاخرة سنة ثلاث وسبعين ولم يقتل الا بعد أن لم يبق معه من أصحابه الا اليسير لميلهم عنه الى الحجاج وأخذهم الامان منه وكان ممن فعل ذلك ابناه حمزة وخبيب ولما قتل صلب بعد قتله منكسا على الثنية اليمنى بالحجون وبعث برأسه لعبد الملك

(2/305)


ابن مروان فطيف به فى البلدان* وفى كتاب القرى حمل رأسه الى المدينة ثم الى خراسان وماتت أمّه أسماء بنت أبى بكر بعده بأيام ولها مائة سنة وقد كف بصرها* وقال يعلى بن حرملة دخلت مكة بعد ما قتل عبد الله بثلاثة أيام وهو مصلوب فجاءت أمّه امرأة كبيرة طويلة عجوزة مكفوفة البصر تقاد فقالت للحجاج أما آن لهذا الراكب أن ينزل فقال لها الحجاج المنافق فقالت لا والله ما كان منافقا ولكنه كان صوّاما قوّاما وصولا قال انصرفى فانك عجوزة قد خرفت قالت لا والله ما خرفت ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يخرج من ثقيف كذاب ومبير أما لكذاب فقد رأيناه وأما المبير فأنت* قال أبو عمرو الكذاب فيما يقولون المختار بن أبى عبيد الثقفى* وعن أبى نوفل معاوية بن مسلم قال رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة مكة قال فجعلت قريش والناس يمرّون عليه حتى مرّ عبد الله بن عمر فوقف عليه وقال السلام عليك أبا خبيب ثلاثا أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا ثلاثا أما والله ان كنت ما علمت صوّاما قوّاما وصولا للرحم أما والله لامّة أنت شرها لامّة سوء يعنى أهل الشام كانوا يسمونه ملحدا منافقا الى غير ذلك* وفى رواية لامّة خير ثم نفذ عبد الله بن عمر فبلغ الحجاج موقف عبد الله فأرسل اليه وأنزله عن جذعه فألقى فى قبور اليهود أورده فى المشكاة والرياض النضرة* وعن أبى مليكة قال لما أنزل عبد الله دعت أمّه أسماء بمركن وأمرت بغسله فكنا لا نتتاول عضوا الاجاء معنا وكنا نغسل العضو ونضعه فى أكفانه حتى فرغنا ثم قامت فصلت عليه وكانت تقول اللهمّ لا تمتنى حتى تقرّ عينى بجنبه فما أتت عليها جمعة حتى ماتت أخرجه أبو عمرو قال ثم أرسل الحجاج الى أمه أسماء بنت أبى بكر فابت ان تأتيه فأعاد عليها الرسول اما تأتينى أو لأبعثن اليك من يقودك أو يسحبك بقرونك فأبت وقالت والله لا آتيك حتى تبعث الىّ من يسحبنى بقرونى قال الحجاج أرونى سبتيتىّ فأخذ نعليه ثم انطلق يتوذف أى يتبختر حتى دخل عليها فقال كيف رأيتنى صنعت بعدوّ الله فقالت رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك بلغنى انك تقول له يا ابن ذات النطاقين انا والله ذات النطاقين أمّا أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبى بكر من الدواب وأما الاخر فنطاق المرأة التى لا تستغنى عنه أما انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا ان فى ثقيف كذابا ومبيرا فاما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فلا أخالك الا اياه فقام عنها ولم يراجعها* مروياته فى الكتب ثلاثة وثلاثون حديثا وهو أحد العبادلة الاربعة* فى القاموس العبادلة من الصحابة مائتان وعشرون واذا أطلقوا أرادوا أربعة عبد الله بن عباس وابن عمر وابن الزبير وابن عمرو بن العاص وليس منهم ابن مسعود كما توهمه الجوهرى*

(ذكر أولاده وقاضيه وكاتبه وأميره وحاجبه)
* أما أولاده فعبد الله وحمزة وخبيب وثابت وعباد وقيس وعامر وموسى وأما قاضيه فعابس بن سعيد وكاتبه زمل بن عمرو وكان أميره على مصر عبد الرحمن بن عتبة بن جحدم وكان يحجبه مولاه عنتر*

(ذكر خلافة مروان بن الحكم بن أبى العاص)
* بن أمية بن عبد شمس القرشى الاموى يقال له ابن الطريد لانّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طرد أباه الحكم الى بطن وج وفى حياة الحيوان طرده الى الطائف* وفى المختصر كان الحكم أبو مروان عليه فى اسلامه طعن وكان اظهاره الاسلام يوم فتح مكة وكان يمرّ خلف رسول الله فيغمز بعينه ويجلح بأنفه فبقى على ذلك التجليح وأصابته خبلة فقال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الانصارى
انّ اللعين أتاك فارم عطافه ... ان ترم ترم مجلحا مجنونا
يضحى خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا
واطلع الحكم ذات يوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض حجر نسائه فخرج اليه يعيره وقال من عذيرى من هذه الوزغة وكان يفشى حديث رسول الله وسرّه فلعنه وسيره الى الطائف ومعه عثمان

(2/306)


الازرق والحارث وغيرهما من بنيه وقال لا يساكننى فلم يزل طريدا حتى ردّه عثمان بن عفان الى المدينة وكان ذلك مما نقم عليه أيضا* قال الواقدى استأذن الحكم بن أبى العاص على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له لعنه الله ومن خرج من صلبه الا المؤمنين وقليل ما هم يشرفون فى الدنيا ويتضعون فى الاخرة* وفى دول الاسلام وكان مروان قد لحق النبى صلى الله عليه وسلم وهو صبى وولى نيابة المدينة مرّات وهو قاتل طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرة بالجنة وكان كاتب السرّ لعثمان وبسببه جرى على عثمان ما جرى* وفى مورد اللطافة كان مولد مروان بمكة بعد عبد الله ابن الزبير بأربعة أشهر* قال المداينى كان مروان من رجال قريش وكان من أقرأ الناس القرآن وكان يقول ما أخللت بالقرآن قط وانى لم آت الفواحش والكبائر قط قالوا وكان مروان يلقب بخيط باطل لدقته وطوله شبه بالخيط الابيض الذى يرى فى الشمس قال الشاعر
لعمرى ما أدرى وانى لسائل ... حليلة مضروب القنا كيف يصنع
لحى الله قوما امّروا خيط باطل ... على الناس يعطى ما يشاء ويمنع
وفى المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف انه قال كان لا يولد لاحد ولد الا أتى به النبى صلى الله عليه وسلم فيدعو له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون ثم قال صحيح الاسناد وكان اسلام الحكم يوم فتح مكة ومات فى خلافة عثمان كما مر* وفى مورد اللطافة سار مروان بعد قتل عثمان مع طلحة والزبير يطلبون بدم عثمان يوم وقعة الجمل وقاتل يومئذ أشدّ القتال ولما رأى الهزيمة عليهم رمى طلحة بسهم فقتله غدرا وهو فى عسكره والتفت الى أبان بن عثمان وقال له قد كفيتك بعض قاتلى أبيك وانهزم مروان من وقعة الجمل وقد أصابته جراحات فحمل وتداوى ثم اختفى وأمّنه علىّ فقدم عليه فلما مات معاوية أرسله يزيد يوم وقعة الحرّة مع مسلم بن عقبة وحرّضه على أهل المدينة ثم تزوّج مروان أم خالد بن يزيد بن معاوية آمنة بنت علقمة وقيل فاختة بنت هاشم كذا فى سيرة مغلطاى بعد موت يزيد وكان يجلس مع خالد بن يزيد فدخل عليه خالد فى بعض الايام فزبره مروان وقال له تنح يا ابن رطبة الاست والله مالك عقل فقام خالد عنه ودخل على أمه وذكر لها مقالته فأضمرت أمه السوء لمروان ثم دخل عليها مروان فقال لها هل قال لك خالد شيئا فأنكرت فنام عندها مروان فوثبت هى وجواريها فعمدت الى وسادة فوضعتها على وجهه وغمرته هى والجوارى حتى مات ثم صرخن وقلن مات فجأة وذلك فى أوّل شهر رمضان وقيل فى ربيع الاخر سنة خمس وستين بدمشق وقيل انه مات فجأة وقيل مطعونا وقيل مسموما فى نصف رمضان وكان مروان فقيها عالما أديبا كاتبا لعثمان بن عفان وهو كان من أعظم الاسباب فى زوال دولة عثمان وكانوا ينقمون على عثمان تقريب مروان وتصرّفه فى الامور بويع لمروان بالخلافة فى الجابية فى رجب سنة أربع وستين* وفى مورد اللطافة بويع له بعد خلع معاوية بن يزيد وقيل بعد خلع خالد بن يزيد ولقب المؤتمن بالله* وفى مورد اللطافة أيضا ثبت مروان على الخلافة من غير عهد ولا مشورة ثم سار الى دمشق بعد أن قتل الضحاك بن قيس وأطاعه اكثر امراء الشأم ثم عبى جيوشه وسار الى ديار مصر فى سنة خمس وستين فصالحه أهلها وأعطوه الطاعة فاستولى عليهم ثم جدّدت له البيعة* وفى تاريخ اليافعى فى سنة خمس وستين توجه مروان الى مصر فتملكها واستعمل عليها ابنه عبد العزيز فبايعوه فى ذى القعدة من السنة ورجع الى الشأم وكان سلطانه بالشأم ومصر فلم يلبث أن وثبت عليه زوجته لكونه شتمها فوضعت على وجهه مخدّة كبيرة وهو نائم وقعدت هى وجواريها فوقها حتى مات كذا فى دول الاسلام وقد مرّ تفصيله* وصلى عليه ابنه وولىّ عهده عبد الملك

(2/307)


وقال المداينى صلى عليه عبد الرحمن بن أم الحكم وكان خليفته بدمشق* قال الواقدى قبض النبى عليه السلام ومروان بن ثمان سنين ومات بدمشق سنة خمس وستين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة كذا فى المختصر وغيره وكان عمره يوم مات ثلاثا وستين سنة وخلافته منذ تجدّدت له البيعة عشرة أشهر* وفى مورد اللطافة نحو تسعة أشهر وكذا فى سيرة مغلطاى وقيل اكثر من ذلك وتخلف بعده ابنه عبد الملك وكان نقش خاتمه الله ثقتى ورجائى* (ذكر أولاده) * كان له من الولد عبد الملك ومعاوية وعبيد الله وعبد الله وأبان وداود وعبد العزيز وعبد الرحمن وأم عثمان وأم عمرو وعمرو وبشر ومحمد وكان قاضيه أبو ادريس الخولانى وحاجبه أبو اسماعيل مولاه*

(ذكر خلافة عبد الملك ابن مروان)
* وكان يلقب برشح الحجر لبخله وأمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبى العاص وهو أول من سمى عبد الملك فى الاسلام* (صفته) * كان أبيض طويلا أعين رقيق الوجه أفوه مفتوح الفم مشبك الاسنان بالذهب وكان حازما فى الامور لا يكلها الى أحد وكان قبل الخلافة متعبدا ناسكا عالما فقيها واسع العلم حتى قيل كان فقهاء المدينة أربعة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقبيصة ابن ذؤيب وعبد الملك بن مروان كذا فى المختصر ولما هلك أبوه فى رمضان سنة خمس وستين بايعه أهل الشأم ومصر بالخلافة وتمكن ابن الزبير وبايعه أهل الحرمين واليمن والعراق وخراسان واستناب على العراق وما يليه أخاه مصعب بن الزبير وتفرّقت الكلمة وبقى فى الوقت خليفتان اكبرهما ابن الزبير ثم لم يزل عبد الملك الى أن ظفر بالزبير وقتله فى سنة ثلاث وسبعين بعد حروب عظيمة* فأوّلها انه تجهز فى جيشه وسار من دمشق الى العراق فبرز لحربه نائبها مصعب بن الزبير فالتقى الجمعان والتحم الحرب فخامر على مصعب جيشه وكان عبد الملك قد كاتبهم ووعدهم بأمور فبقى مصعب فى نفر يسير وقاتل أشدّ القتال ولا زال كذلك حتى قتل فاستولى حينئذ عبد الملك على العراق وخراسان واستناب أخاه بشر بن مروان ورجع بجيشه الى دمشق ثم جهز جيشا عليهم الحجاج بن يوسف الثقفى لحرب بن الزبير فساروا وضايقوه وحاصروه ونصبوا المنجنيق وكان ابن الزبير قد نقض الكعبة وبناها كما ذكرنا وكان يضرب بشجاعته المثل كان رضى الله عنه وحده يحمل على عسكر الحجاج فيهزمهم ويخرجهم من أبواب المسجد وقاتلهم أربعة أشهر فاتفق انه حمل عليهم يوما فسقط على رأسه شرّافة من شراريف المسجد فخرّ منها فبادروا اليه واحتزوا رأسه وأمر الحجاج بصلب جسده وقد مرّ* وفى سنة أربع وستين قتل النعمان بن بشير الانصارى من صغار الصحابة وقد ولى نيابة حمص فلقيته خيل مروان بقرية حمص فقتلوه ومات بالطاعون بالشام فى ذلك العام الوليد بن عتبة بن أبى سفيان بعد أن صلى على معاوية بن يزيد وكانوا قد عينوه للخلافة وكان جوادا ممدحا دينا ولى المدينة غير مرّة لعمه معاوية فلما جاءته البيعة ليزيد أشار عليه مروان بقتل ابن الزبير والحسين ان لم يبايعوه فامتنع من ذلك ديانة* وفى سنة خمس وستين سار سليمان بن صرد الخزاعى والمسيب بن نجية الاميران فى أربعة آلاف يطلبون بثار الحسين وقصدوا عبيد الله بن زياد وكان مروان قد وجهه ليأخذ له العراق فى ثلاثين ألف فارس فالتقوا فقتل الاميران ولسليمان صحبة وكان المسيب من كبراء أصحاب علىّ وكانت الوقعة بالجزيرة وفيها مات عبد الله بن عمرو بن العاص السهمى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن صاحبه وكان واسع العلم عاقلا صالحا متعبدا يلوم أباه على أفاعيله وقيامه مع معاوية* مروياته فى كتب الاحاديث سبعمائة حديث ومات فى سنة ست وستين جابر بن سمرة الثوائى أحد أصحابه الذين نزلوا الكوفة ومات فيها أو بعدها زيد بن أرقم الانصارى بالكوفة من أهل بيعة الرضوان وقال غزوت مع النبىّ صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة وكان المختار بن أبى عبيد الثقفى الكذاب قد ظهر

(2/308)


بالعراق والتفت عليه الشيعة وكان يدّعى أن جبريل ينزل عليه فجهز ابراهيم بن الاشتر النخعى فى ثمانية آلاف فى سنة ست وستين لقتال عبيد الله بن زياد فالتقى الجمعان فقتل عبيد الله وقتل معه من الامراء حصين بن نمير السكونى وشرحبيل بن ذى الكلاع وكان المصاف بنواحى الموصل وتمزق فى الوقعة أكثر عسكر الشأم وكانوا أربعين ألفا وغلب على الكوفة المختار واباد قتلة الحسين كعمر بن سعد بن أبى وقاص وشمر بن ذى الجوشن وخرج نجدة الجرورى باليمامة فى جمع فأتى البحرين وقاتل أهلها ثم حج فوقف بجمعه وحده بعرفة ووقف ابن الزبير بالناس ووقف ابن الحنفية بجيشه الذين أتوا من العراق وحده فتواعدوا الحرب حتى ينقضى الحج والموسم ومات فى سنة سبع وستين عدى بن حاتم الطائى صاحب النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان يقول ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت الا وانا على وضوء وكان أبوه يضرب به المثل فى السخاء ولما بعث ابن الزبير أخاه مصعبا على العراق انضم اليه جيش البصرة فجاء وضايق المختار الكذاب حتى ظفر به وقتله وقتل بينهما سبعمائة أو أكثر*

وفاة عبد الله بن عباس
ومات فى سنة ثمان وستين عالم الامة الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له النبىّ صلى الله عليه وسلم ان يؤتيه الله العلم مرّتين فكان اعلم أهل زمانه وقد ولى نيابة البصرة لابن عمه علىّ وأضرّ فى آخر عمره ومات بالطائف وله احدى وتسعون سنة وقبره بها يزار وقتل فى سنة ثمان وستين نجدة الحرورى وفى سنة تسع وستين كان طاعون الجارف بالبصرة* قال المدائنى حدّثنى من أدرك ذلك قال كان ثلاثة أيام فمات فيها نحو مائتى ألف نفس* وقال غيره مات فى طاعون الجارف لانس من أولاده وأولادهم سبعون نفسا وقيل مات فى الجارف لعبد الرحمن بن أبى بكر أربعون ولدا وقل الناس وعجز من بقى عن دفن الموتى وكانت الوحوش تدخل الازقة وتأكلهم* ومات لصدقة المازنى فى يوم واحد سبعة بنين فقال اللهم انى مسلم فلما كان يوم الجمعة بقى الجامع يصفر لم يحضر للصلاة سوى سبعة أنفس وامرأة فقال الخطيب ما فعلت تلك الوجوه فقالت المرأة تحت التراب* وفى سنة سبعين سار عبد الملك بجيوشه الى العراق ليملكها فوثب بدمشق عمرو بن سعد بن العاص الاشدق الاموى ودعا الى نفسه بالخلافة واستولى على دمشق فرجع اليه عبد الملك ولاطفه وراسله وحلف له أن يكون الخليفة بعد عبد الملك وأن يكون مهما شاء حكم وفعل فاطمأنّ وفتح البلد لعبد الملك ثم ان عبد الملك غدر به وذبحه* وفيها مات عاصم بن عمر بن الخطاب العدوى ولد فى حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو جدّ الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز لامه*

هدم قصر الامارة بالكوفة
وفى سنة احدى وسبعين قتل عبد الملك بن مروان مصعب بن الزبير أخا عبد الله بن الزبير وهدم قصر الامارة بالكوفة* وسببه أنه جلس ووضع رأس مصعب بين يديه فقال له عبد الملك بن عمير يا أمير المؤمنين جلست أنا وعبد الله بن زياد فى هذا المجلس ورأس الحسين بين يديه ثم جلست أنا والمختار بن أبى عبيد فاذا رأس عبيد الله بن زياد بين يديه ثم جلست أنا ومصعب هذا فاذا رأس المختار بين يديه ثم جلست مع أمير المؤمنين فاذا رأس مصعب بين يديه وأنا أعيذ أمير المؤمنين من شرّ هذا المجلس فارتعد عبد الملك وقام من فوره فأمر بهدم القصر* ومات فى سنة اثنتين وسبعين الامير أبو بحر الاحنف بن قيس اليمنى أحد أشراف العرب وحلمائها بالبصرة وله سبعون سنة أو اكثر قد سمع من عمر وغيره* ومات فى سنة ثلاث وسبعين عوف بن مالك الاشجعى صاحب النبى صلى الله عليه وسلم وقد غزا بالمسلمين أرض الروم ولما قتل فيها ابن الزبير استقل بالخلافة فى الدنيا عبد الملك بن مروان وناب له على الحرمين الحجاج الظالم الغاشم فنقض ما زاد ابن الزبير فى الكعبة وضيقها وسدّ بابها الغربى وعلى الباب الشرقى* وفى سنة أربع وسبعين مات من الصحابة رافع بن خديج الانصارى وأبو سعيد الخدرى وعبد الله بن عمر بن الخطاب العدوى

(2/309)


الفقيه أحد الكبار وكان قد عين للخلافة يوم الحكمين فى زمن على رضى الله عنهم وفيها مات سلمة بن الاكوع الاسلمى آحد من بايع تحت الشجرة وكان بطلا شجاعا راميا محسنا يسبق الفرس العربية عدوا وأبو حجيفة السوائى وهب الخير من صغار الصحابة وفى هذا الوقت مات مقرى العراق أبو عبد الرحمن السلمى عبد الله بن حبيب بالكوفة قرأ على عثمان وعلى ابن مسعود وأقرأ الناس أربعين سنة وفى سنة خمس وسبعين مات الاسود بن يزيد النخعى صاحب ابن مسعود بالكوفة وكان رأسا فى العلم والعمل قيل كان يصلى فى اليوم والليلة ستمائة ركعة ومات بالشام العرباض بن سارية السلمى أحد أصحاب الصفة الاخيار البكائين وأبو ثعلبة الخشنى وكان ممن شهد فتح خيبر وحج فيها أمير المؤمنين عبد الملك

أوّل ضرب الدنانير فى الاسلام
وفيها ضربت الدراهم والدنانير وهى أول ما ضرب فى الاسلام وانما كانت قبل ذلك رومية وكسروية* وفى المختصر الجامع وهو أول من نقش الدراهم والدنانير بالعربية أمر بنقشها وكتب عليها قل هو الله أحد وكان عليها قبل ذلك كتابة بالرومية وعلى الدراهم بالفارسية* ومات بالبصرة بشر أخو الخليفة ونائب العراقين وكان جوادا ممدحا جميلا فبعث عبد الملك موضعه الحجاج الظالم فعسف وسفك الدماء* ومات بمصر قاضيها وواعظها وزاهدها سليم بن عنز البختى وكان قد حضر خطبة عمر بالجابية* ومات بالكوفة قاضيها شريح وكان من سادة القضاة حكم بها من دولة عمر رضى الله عنه* وافتتح عبد الملك مدينة هرقلة من أقصى بلاد الروم واستفحل أمر الخوارج وعليهم الامير شبيب بن يزيد بالعراق والاهواز وكان شبيب فردا فى الشجاعة قاتلوه عند جسر وحيل فلما غدا فوقه قطع الجسر فغرق شبيب وكان فى مائتى نفس يلتقى الالفين فيهزمهم ويبذعر فئتهم* وفى سنة ثمان وسبعين مات صاحب النبى صلى الله عليه وسلم جابر بن عبد الله الانصارى بالمدينة بعد أن ذهب بصره كذا فى الصفوة وكان عالما مفتيا كبير القدر شهد ليلة العقبة مع أبيه وشهد غزوة الاحزاب وعاش أربعا وتسعين سنة وروى علما كثيرا* مروياته فى كتب الاحاديث ألف وخمسمائة وأربعون حديثا ومات فيها بالكوفة زيد بن خالد الجهنى وله خمس وثمانون سنة من مشاهير الصحابة روى عنه علماء المدينة* وفى سنة ثمانين مات أسلم مولى عمر بن الخطاب وفيها مات عالم الشأم أبو ادريس الخولانى الفقيه وعبد الله بن جعفر بن أبى طالب الهاشمى الجواد ولد بالحبشة وله صحبة ورواية يقال لم يكن فى الاسلام أحد أسخى منه* وفى سنة احدى وثمانين مات محمد بن الحنفية وهو محمد ابن أمير المؤمنين على بن أبى طالب وكانت الشيعة تعظمه وتزعم أنه المهدى* وفى سنة اثنتين وثمانين مات زر بن حبيش بالكوفة وقد قرأ القرآن على على رضى الله عنهم وروى علما كثيرا وفيها كانت غزوة صقلية غزاها المسلمون وعليهم عطاء بن رافع وصقلية جزيرة كبيرة فى البحر فيها مدائن وهى قريبة من جزيرة الاندلس يركب اليها من ناحية تونس افتتحها المسلمون وبقيت دار اسلام مدّة طويلة وخرج منها علماء وأئمة ثم أخذتها الافرنج من نحو مائتى سنة* وفيها وفى المختصر الجامع فى سنة ثلاث وثمانين أنشأ الحجاج مدينة بالعراق وهى واسط وجعل فيها دار الامارة وفيها التقى ولد عبد الملك بن مروان عساكر الروم عند سورية فكسرهم واستعمل عبد الملك أخاه محمد بن مروان على امرة أذربيجان والجزيرة وأرمينية ولمحمد غزوات وفتوحات* وفى سنة خمس وثمانين مات متولى مصر والمغرب عبد العزيز بن مروان الاموى أخو الخليفة* قال ابن أبى مليكة سمعته عند الموت يقول يا ليتنى لم اكن شيئا وقد ولى الديار المصرية عشرين سنة وخلف أموالا لا تحصى ومات بالكوفة عمرو بن الحارث من بقايا أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم وبدمشق واثلة بن الاسقع وهو صحابى من أهل الصفة وأبو زيد عمرو بن سلمة الحرمى الذى كان يؤم قوما صبيا فى أيام النبىّ عليه

(2/310)


السلام ثلاثتهم فى سنة خمس وثمانين* ومات فى سنة ست وثمانين ثلاثة من الصحابة أبو أمامة الباهلى بحمص وعبد الله بن أوفى الاسلمى بالكوفة وكان من أصحاب الشجرة وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى بمصر وفيها بنيت مدينة أردبيل وبردعة على يد الامير عبد العزيز بن حاتم*

(ذكر وفاة عبد الملك بن مروان الاموى ومدفنه)
* توفى فى منتصف شوّال وقيل لعشر خلون من شوّال سنة ست وثمانين ودفن بدمشق وصلى عليه ابنه وولى عهده الوليد وكانت خلافته احدى وعشرين سنة وخمسة عشر يوما منها ثمان سنين كان مزاحما لابن الزبير ثم انفرد بمملكة الدنيا* وفى سيرة مغلطاى فكانت خلافته عشرين سنة الى أن مات وله ستون سنة كذا فى دول الاسلام* وفى المختصر الجامع كان سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة عشر يوما قبل قتل ابن الزبير وكانت ولايته بعد مقتل ابن الزبير ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر وخمسة عشر يوما ودفن خارج باب الجابية بدمشق وكان نقش خاتمه آمنت بالله مخلصا* (ذكر أولاده وقاضيه وأميره وكاتبه وحاجبه) * كان له من الولد سبعة عشر الوليد وسليمان ومروان الاكبر ويزيد ومروان الاصغر ومعاوية وهشام وبكار والحكم وعبد الله ومسلمة والمنذر وعيينة ومحمد وسعيد والحجاج وقبيصة وفى المختصر عدّ من أولاده داود وعائشة وفاطمة فيكونون عشرين ولى الخلافة منهم أربعة وفى حياة الحيوان رأى عبد الملك بن مروان فى المنام أنه بال فى محراب مسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم أربع مرّات فغمه ذلك فكتب بذلك الى ابن سيرين وفى رواية الى سعيد بن المسيب فقال ابن سيرين ان صدقت رؤياك فسيقوم من ولدك أربعة فى المحراب ويتقلدون الخلافة بعدك فوليها أربعة خلفاء من صلبه الوليد وسليمان ويزيد وهشام* وكان قاضيه أبو ادريس الخولانى وعبد الله ابن قيس* وكان أميره على العراق الحجاج بن يوسف الثقفى وعلى مصر أخوه عبد العزيز بن مروان* وكان كاتبه روح بن رباع ثم قبيصة بن ذؤيب* وكان حاجبه يوسف مولاه*

(ذكر خلاقة الوليد أبى العباس بن عبد الملك بن مروان)
* أمه ولادة بنت العباس (صفته) كان أسمر جميلا وبوجهه آثار جدرى* وفى دول الاسلام كان دميما سائل الانف يختال فى مشيته قليل العلم وكان ذا سطوة شديدة لا يتوقف اذا غضب وكان كثير النكاح والطلاق يقال انه تزوّج ثلاثا وستين امرأة وكان أبوه أخذ له العهد ولسليمان بعده بويع بالخلافة فى يوم الخميس منتصف شوّال سنة ست وثمانين وهو الذى بنى جامع دمشق وزخرفه وكان قبله نصفه كنيسة للنصارى والنصف الاخر الذى فيه محراب الصحابة للمسلمين فأرضى الوليد النصارى بعدة كنائس صالحهم عليها فرضوا ثم هدمه سوى حيطانه وأنشأ فيه النسر والقناطر وحلاها بالذهب وأستار الحرير وبقى العمل فيه تسع سنين حتى قيل كان يعمل فيه اثنا عشر ألف مرخم وغرم عليه من الدنانير المصرية زنة مائة قنطار وأربعة وأربعين قنطارا بالدمشقى حتى صيره نزهة الدنيا وأمر نائبه على المدينة ابن عمه عمر بن عبد العزيز ببناء مسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم وتوسيعه وزخرفته ففعل وهو أوّل من اتخذ المارستان للمرضى ودار الضيافة وأقام عمر بن عبد العزيز والى المدينة سبع سنين وخمسة أشهر وشيد مسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم وأدخل فيه المنازل التى حوله وحجرات أزواج النبىّ صلى الله عليه وسلم وبنى الاميال فى الطرقات وأنفذ الى خالد بن عبد الله القسرى عامله على مكة ثلاثين ألف مثقال ذهبا فصفح باب الكعبة والميزاب والاساطين* وفى دول الاسلام وكان الوليد يعطى أكياس الدراهم لتقسم فى الصالحين وكان يختم القرآن فى ثلاث قال ابراهيم بن أبى عبلة كان يختم فى رمضان سبع عشرة مرّة* وعن الوليد قال لولا انّ الله تعالى ذكر اللواطة فى كتابه ما ظننت أحدا يفعله* وفى حياة الحيوان قال الحافظ ابن عساكر

(2/311)


كان الوليد عند أهل الشام من أفضل خلفائهم بنى المساجد بدمشق وأعطى الناس وفرض للمجذومين وقال لا تسألوا الناس وأعطى كل مقعد خادما وكل أعمى قائدا وكان يبر حملة القرآن ويقضى عنهم ديونهم وبنى الجامع الاموى وهدم كنيسة مريوحنا وزادها فيه وذلك فى القعدة سنة ست وثمانين وتوفى الوليد ولم يتم بناؤه فأتمه سليمان أخوه وكان جملة ما أنفق على بنائه أربعمائة صندوق فى كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار وكان فيه ستمائة سلسلة ذهب للقناديل وما زالت الى أيام عمر ابن عبد العزيز فجعلها فى بيت المال واتخذ عوضها صفرا وحديدا وبنى الوليد قبة الصخرة ببيت المقدس وبنى المسجد النبوى ووسعه حتى دخلت الحجرة النبوية فيه وله آثار حسنة كثيرة جدّا ومع ذلك روى ان عمر بن عبد العزيز قال لما ألحدت الوليد ارتكض فى أكفانه وغلت يداه الى عنقه نسأل الله العفو والعافية فى الدنيا والاخرة* وفتحت فى أيام خلافة الوليد الفتوحات العظام مثل الهند والسند والاندلس وغير ذلك انتهى وقوله انّ الوليد بنى قبة الصخرة فيه نظر وانما بنى قبة الصخرة عبد الملك بن مروان فى أيام فتنة ابن الزبير لما منع عبد الملك أهل الشام من الحج خوفا من ان يأخذ منهم ابن الزبير البيعة وكان الناس يقفون يوم عرفة بقبة الصخرة الى ان قتل ابن الزبير* وعن ابن خلكان وغيره لعلها تشعثت فهدمها الوليد وبناها والله أعلم*

غريبة
وفى مورد اللطافة قال عمر بن عبد الواحد الدمشقى عن عبد الرحمن بن يزيد بن خالد عن أبيه قال خرج الوليد بن عبد الملك من الباب الاصغر فوجد رجلا عند الحائط عند المأذنة الشرقية يأكل وحده فجاء فوقف على رأسه فاذا هو يأكل خبزا وترابا فقال ما شأنك انفردت من الناس فقال أحببت الوحدة فقال فما حملك على أكل التراب أما فى بيت مال المسلمين ما يجرى عليك قال بلى ولكن رأيت القنوع قال فرجع الوليد الى مجلسه ثم أحضره فقال ان لك ذمّة ان تخبرنى به والا ضربت ما فيه عيناك قال نعم كنت جمالا ومعى ثلاثة أجمال موقرة طعاما حتى أتيت مرج الصفر فقعدت فى خرابة أبول فرأيت البول ينصب فى شق فاتبعته حتى كشفته واذا غطاء على حفير فنزلت فاذا مال فأنخت رواحلى وأفرغت طعامى ثم أوقرتها ذهبا وغطيت الموضع فلما سرت غير بعيد وجدت معى مخلاة فيها طعام فقلت انا أترك الكسرة وآخذ الذهب ففرغتها ورجعت لا ملأها فخفى عنى الموضع وأتعبنى الطلب فرجعت الى الجمال فلم أجدها ولم أجد الطعام فاليت على نفسى ان لا آكل شيئا الا الخبز والتراب فقال الوليدكم لك من العيال فذكر عيالا قال يجرى عليك من بيت المال ولا يستعمل فى شئ فان هذا المحروم* قال ابن جابر فذكر لنا أن الابل حملت الى بيت مال المسلمين فاناخت عنده فأخذها أمين الوليد فطرحها فى بيت المال* قال الذهبى هذه الحكاية رواية ثقات قاله الكنانى وفى سنة سبع وثمانين غزا قتيبة الباهلى بناحية بخارى ووقع بينه وبين الترك مصاف عظيم هزمهم ومزقهم وصالح أهل بخارى وولاها قرابته ورجع فوثبوا على متوليها وأخيارهم فقتلوهم فأقبل قتيبة ونازلها وافتتحها بالسيف فقتل وسبى وفيها غزا أخو الخليفة مسلمة فافتتح بالروم قميقم وبحيرة الفرسان* وفى سنة ثمان وثمانين غزا قتيبة بما وراء النهر وافتتح مدينتين صالحا فزحف اليه الترك والصغد وأهل فرغانه وعلى الجميع ابن أخت ملك الصين وكانوا نحو مائتى ألف فالتقاهم قتيبة فهزمهم ونصر الله الاسلام وفيها افتتح مسلمة جرمومة وطوانة من بلاد الروم وبلاد الاندلس وطليطله وحملت اليه مائدة سليمان بن داود عليهما السلام وهى من ذهب وفضة وعليها ثلاثة أطواق من لؤلؤ والتقى الروم فهزمهم فقتل خلقا وغزا مسلمة عمورية من الروم وهزم الكفار* وفى سنة تسع وثمانين غزا قتيبة وردان ثانى مرّة فسال عليه الروم فالتقاهم وهزمهم وقتل وأسر وأوقع بأهل الطالقان بخراسان فقتل منها مقتلة عظيمة وصلب من أهلها صفين مسيرة أربعة فراسخ

(2/312)


وسبب ذلك ان ملكها غدر ونكث وأعان الترك* وعزل الخليفة عمه محمدا عن الجزيرة وأذربيجان وولاها أخاه مسلمة فغزا مسلمة وافتتح مدائن وحصونا عند دربند ودان له من وراء باب الابواب وفيها حج الوليد بالناس* وفى المختصر الجامع حج الوليد بالناس سنة ثمان وثمانين واحدى وتسعين وأربع وتسعين وتمت لقتيبة الباهلى حروب بماوراء النهر حتى ان طرحون ملك الترك وثب عليه امراؤه فعزلوه وحبسوه واتكأ على سيفه حتى خرج من ظهره وغزا قتيبة خوارزم فافتتحها صالحا وصالح أهل سمرقند بعد ان قاتلوه أشدّ قتال يكون على ألفى ألف وعلى ثلاثين ألف رأس وقتل فى المصاف خلائق من الترك وكان دين أهل ما وراء النهر على المجوسية وعبادة النار والاوثان وافتتح فى دولته الهند وبعض بلاد الترك وجريرة الاندلس واتسعت ممالك الاسلام فى دولة الوليد وفى سنة أربع غزا قتيبة فافتتح فرغانة وخجند وكاشان بعد حروب عظيمة وبعث عسكرا افتتحوا الشاش وافتتح مسلمة من أرض الروم مدينة سندرة فكان فى كل وقت يصل اليه البريد بخبر فتح بعد فتح ويحمل اليه خمس المغانم وامتلأت خزائنه وعظمت هيبته* وفى سنة احدى وتسعين مات صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل بن سعد الساعدى بالمدينة وقد قارب مائة سنة ومات بمكة السائب بن يزيد الكندى صحابى صغير ومات فيها نائب اليمن محمد بن يوسف الثقفى أخو الحجاج فكان عمر بن عبد العزيز يقول الوليد الخليفة بدمشق والحجاج بالعراق وأخوه باليمن وعثمان بن حبان بالحجاز وقرّة بمصر امتلأت والله الدنيا جورا*

آخر من مات من الصحابة
وفى سنة ثلاث وتسعين مات بالبصرة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه وآخر من بقى من الصحابة أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الانصارى الخزرجى وله مائة وثلاث سنين وقد غزا مع النبىّ صلى الله عليه وسلم مرّات وروى عنه علما كثيرا مروياته فى كتب الاحاديث ألفان ومائتان وستة وثمانون حديثا* وفيها مات الامام أبو العالية الرباحى رفيع وله أزيد من مائة سنة قرأ القرآن على أبى بن كعب وغيره* قال ابن أبى داود لم يكن أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبى العالية وبعده سعيد بن جبير* وفيها قرأ فى صلاة الصبح قاضى البصرة زرارة بن أبى أوفى المدثر فلما بلغ الى قوله فاذا نقر فى الناقور خرّ ميتا رحمه الله* وفى سنة أربع وتسعين مات عالم أهل زمانه سيد التابعين سعيد بن المسيب المخزومى وقد قارب ثمانين سنة والامام عروة بن الزبير ابن العوام الاسدى بالمدينة* قال الزهرى كان بحر الا ينزف والامام زين العابدين على بن الحسين ابن على بن أبى طالب وله بضع وخمسون سنة قال الزهرى ما رأيت أفقه منه وأبو بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام المخزومى أحد الفقهاء السبعة وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى أحد الائمة الاعلام* وفى سنة خمس وتسعين مات فقيه الكوفة ابراهيم بن يزيد النخعى عن بضع وخمسين سنة وكان رأسا فى العلم والعمل والامام المفسر سعيد بن جبير الكوفى قتله الحجاج ظلما فما أمهله الله بعده فهلك الحجاج بن يوسف الثقفى أمير العراق فى رمضان وله ثلاث وخمسون سنة وكانت ولايته بالعراق عشرين سنة وكان شجاعا مهيبا جبارا عنيدا ومخازيه كثيرة الا انه كان عالما فصيحا مفوّها مجوّدا للقرآن يقال انه قتل أكثر من مائة ألف صبرا كذا فى دول الاسلام* وفى المختصر الجامع انّ عدّة من قتله الحجاج صبرا مائة ألف رجل وعشرون ألفا وانه توفى فى حبوسه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة وسمعوه يقول عند الموت رب اغفرلى فان الناس يزعمون انك لا تغفرلى وفيها مات مطرف بن عبد الله بن الشخير الحرشى بالبصرة كان من الائمة العباد بلغنا أن رجلا كذب عليه فقال مطرف اللهمّ ان كان كاذبا فأمته فخرّ مكانه ميتا* وفى سنة ست وتسعين قتل نائب خراسان كلها مسلم الباهلى وليها عشر سنين من جهة الحجاج ولما مات الوليد خرج عن الطاعة فوثب عليه الامير وكيع العبدانى

(2/313)


فقتله واستولى على خراسان وفيها مات نائب مصر قرّة بن شريك القيسى وكان ظالما جبارا بنى جامع مصر وزخرفه فقيل كان اذا انصرف منه الصناع دخل ودعا بالخمر والملاهى ويقول لهم النهار ولنا الليل وعزم جماعة من الكبار على قتله فعرف بهم وأبادهم*

ذكر وفاة الوليد
(ذكر وفاته ومدفنه) توفى يوم السبت منتصف جمادى الاخرة سنة ست وتسعين بدير مروان وحمل على أعناق الرجال ودفن بدمشق فى مقابر الباب الصغير وتولى دفنه عمر بن عبد العزيز كذا فى حياة الحيوان وعمره ست وأربعون سنة وأشهر وقيل ثمان وأربعون سنة وأشهر وفى دول الاسلام خمسون سنة وكانت خلافته تسع سنين وثمانية أشهر وقيل وتسعة أشهر وفى دول الاسلام عشر سنين وكان نقش خاتمه يا وليد انك ميت ومحاسب وتخلف بعده أخوه سليمان بن عبد الملك* (ذكر أولاده وأمرائه وقضاته وكتابه وحجابه) * كان له من الولد أربعة عشر ذكرا سوى البنات* وفى دول الاسلام خلف أربعة عشر ولدا انتهى منهم يزيد وابراهيم وليا الخلافة ومنهم العباس فارس بنى مروان وعمر فحلهم كان يركب فى ستين من صلبه وعمرو وعبد العزيز وبشر وكان أميره على مصر قرّة بن شريك*

(ذكر خلافة سليمان أبى أيوب بن عبد الملك بن مروان)
* أمه ولادة أم أخيه المقدّم ذكره* صفته* كان طويلا جميلا أبيض فصيحا لسنا بليغا وكان مولده فى سنة ستين* وفى دول الاسلام كان كبير الوجه مليحا مقرون الحواجب أبيض مقصوص الشعر أديبا معجبا بنفسه متوقفا عند الدماء بويع بالخلافة يوم موت أخيه الوليد يوم السبت منتصف جمادى الاخرة سنة ست وتسعين وكان أبوهما عقد لهما بالامر من بعده وكان سليمان بالرملة فلما جاءته الخلافة عزم على الاقامة بها ثم توجه الى دمشق وكمل عمارة الجامع الاموى كما تقدّم وكان محبا للغزو جهز أخاه مسلمة بن عبد الملك فى سنة سبع وتسعين الى غزو الروم فانتهى الى قسطنطينية كذا فى حياة الحيوان* وفى رواية حتى صالحهم على بناء جامع وكان شديد الغيرة وهو الذى خصى المخنثين بالمدينة وكان نكاحا وكان كثير الاكل حج مرّة فنزل بالطائف فأكل سبعين رمانة ثم جاؤه بخروف مشوى وست دجاجات فأكلها ثم جاؤه بزبيب فأكل منه شيئا كثيرا ثم نعس فانتبه فى الحال فأتاه الطباخ فأخبره بأن الطعام قد استوى فقال اعرضه علىّ قدرا قدرا فصار سليمان يأكل من كل قدر اللقمة واللقمتين واللحمة واللحمتين وكانت ثمانين قدرا ثم مدّ السماط فأكل على عادته كأنه لم يأكل شيئا* قيل أفاد بعض الحكماء انّ الرجل لا يأكل اكثر من ستين لقمة من جوعه الى شبعه فما يكون شأن هذا الرجل وأمثاله من الاكلة* وفى المختصر الجامع وحياة الحيوان من ترجمة ابن خلكان انّ سليمان كان يأكل كل يوم مائة رطل شامى وكان به عرج ولما ولى ردّ الصلاة الى ميقاتها الاوّل وكان من قبله من الخلفاء من بنى أمية يؤخرونها الى آخر وقتها ولذلك قال محمد بن سيرين رحم الله سليمان افتتح خلافته بخير وختمها بخير افتتحها باقامة الصلاة لمواقيتها الاولى وختمها باستخلاف عمر ابن عبد العزيز وبنى دار السلطنة وعملها قبة صفراء عالية بدمشق* ومما يحكى من محاسنه انّ رجلا دخل عليه فقال يا أمير المؤمنين انشدتك الله والاذان فقال له سليمان أما انشدتك الله فقد عرفناه فما الاذان قال قوله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين فقال له سليمان وما ظلامتك فقال ضيعتى فلانة غلبنى عليها عاملك فلان فنزل سليمان عن سريره ورفع البساط ووضع خدّه بالارض قال والله لا رفعت خدّى من الارض حتى يكتب له بردّ ضيعته فكتب الكتاب وهو واضع خدّه لما سمع كلام ربه الذى خلقه وخوّله نعمه خشى على نفسه من لعن الله وطرده رحمه الله* قيل انه أطلق من سجن الحجاج ثلثمائة ألف ما بين رجل وامرأة وصادر آل الحجاج واتخذ ابن عمه عمر بن عبد العزيز وزيرا ومشيرا كذا فى حياة الحيوان*

ذكر من مات من المشاهير فى خلافة سليمان بن عبد الملك
وفى سنة سبع وتسعين مات طلحة بن عبد الله بن عوف

(2/314)


الزهرى قاضى المدينة وكان أحد الاجواد وفيها مات قيس بن أبى حازم البجلى شيخ الكوفة وعالمها عن اكثر من مائة سنة وكان قد هاجر الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فلم يلحقه وسمع من أبى بكر وعمر رضى الله عنهم* وفى سنة ثمان وتسعين مات أحد الفقهاء السبعة بالمدينة عبيد الله بن عبد الله بن عتبة الهذلى شيخ الزهرى والفقيهة عمرة بنت عبد الرحمن صاحبة عائشة فى سنة تسع وتسعين وعالم بيت المقدس عبد الله بن محيريز الجمحى* قال الاوزاعى كان اماما قدوة وقال رجاء بن حيوة ان يفخر علينا أهل المدينة بابن عمر فانا نفخر عليهم بعابدنا ابن محيريز وبقاؤه أمان لاهل الارض وفيها توفى محمود بن الربيع الانصارى بالمدينة وكان قد عقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجهه من دلو وحدّث عن عبادة بن الصامت وغيره* وأمر الخليفة سليمان الناس بغزو القسطنطينية برّا وبحرا وجهز الجيوش وبذل الخزائين ونزل على حلب وأمر على الكل أخاه مسلمة وابنه وكان الذين غزوها أزيد من مائة ألف وطالت الغزوة حتى مات سليمان وهم هناك* وروى السكن ابن خالد قال أصاب الجيش على القسطنطينية جوع عظيم حتى اكلوا الميتة* وقال محمد بن زيد الالهانى هلكنا من الجوع ومات الناس وان كان الرجل ليذهب الى الغائط والاخر يرصده فاذا قام جاء هذا فأكل رجيعه وربما كان الرجل ليبعد للحاجة فيؤخذ*

(ذكر وفاته)
* قيل انّ سليمان جلس يوما فى نبت أخضر على وطاء أخضر عليه ثياب خضر ثم نظر فى المرآة فأعجبه شبابه وكان من أجمل الناس فقال كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا وكان أبو بكر صدّيقا وكان عمر فاروقا وكان عثمان حييا وكان معاوية حليما وكان يزيد صبورا وكان عبد الملك سيوفا وكان الوليد جبارا وأنا الملك الشاب فمات من جمعته فى يوم الجمعة عاشر صفر سنة تسع وتسعين* ويقال انه لبس يوما أفخر ما عنده وتطيب بأفخر الطيب وتزين بأحسن الزينة فأعجبته نفسه فالتفت فرأى جارية من جواريه واقفة فقال لها كيف ترين فقالت شعر
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للانسان
أنت خلو من العيوب ومما ... يكره الناس غير أنك فانى
وفى حياة الحيوان
ليس فيما بدا لنا منك عيب ... عابه الناس غير أنك فانى
فطردها ثم أحضرها فقال لها ما قلت فقالت ما قلت شيئا ولا رأيتك اليوم فتعجب الناس من ذلك ومات من جمعته* وفى دول الاسلام ولما احتضر أشار عليه وزيره رجاء بن حيوة بأن يستخلف ابن عمه الامام العادل عمر بن عبد العزيز بشرط أن تكون الخلافة من بعد عمر ليزيد بن عبد الملك أخى سليمان وفى الجملة هو من خيار ملوك بنى أمية قرّب ابن عمه عمر بن عبد العزيز وجعله ولىّ عهده بالخلافة وليس عهد فى الخلافة وانما العهد كان ليزيد وهشام فأدخل عمر قبلهما وبايع الناس على العهد وهو مكتوب وفيه عمر بن عبد العزيز ثم يزيد وهشام فصحت البيعة* وفى المختصر الجامع توفى سليمان بذات الجنب بمرج دابق من أرض قنسرين لعشر خلون من صفر سنة تسع وتسعين وله خمس وأربعون سنة وقيل تسع وثلاثون وصلى عليه عمر بن عبد العزيز وكانت خلافته سنتين وثمانية أشهر الا خمسة أيام* وفى دول الاسلام دون ثلاثة أعوام وكان نقش خاتمه آمنت بالله مخلصا وكان له من الولد أربعة عشر ذكرا*

(ذكر خلافة عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم القرشى الاموى)
* أمير المؤمنين أبى حفص ولد بالمدينة سنة ستين عام توفى معاوية بن أبى سفيان أو بعده بسنة كذا فى مورد اللطافة* وفى حياة الحيوان مولده بالبصرة سنة احدى وستين أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب عسّ ليلة من الليالى فأتى على امرأة تقول لابنتها قومى وامزجى اللبن

(2/315)


بالماء فقالت لا تفعلى فانّ أمير المؤمنين عمر نهى عن ذلك قالت ومن أين يدرى قالت فان لم يعلم هو فانّ رب أمير المؤمنين يرى ذلك* وفى شواهد النبوّة قالت البنت والله لا أفعله أبدا أطيع أمره فى العلن وأخالفه فى السرّ فلما أصبح عمر قال لابنه عاصم اذهب الى مكان كذا فانّ هناك صبية فان لم تكن مشغولة فتزوّج بها فلعل الله يرزقك منها نسمة مباركة فتزوّج عاصم بتلك البنية فولدت له أم عاصم بنت عاصم بن عمر فتزوّجها عبد العزيز بن مروان باربعمائة دينار من أطيب ماله فولدت له عمر بن عبد العزيز* وفى حياة الحيوان وهو تابعى جليل روى عن انس بن مالك والسائب بن مالك والسائب بن يزيد وروى عنه جماعة قال الترمذى فى تاريخه بلغنا انّ عمر بن الخطاب قال انّ من ولدى رجلا بوجهه شين يلى فيملأ الارض عدلا* قال نافع لا أحسبه الاعمر بن عبد العزيز* صفته* كان أبيض رقيق الوجه مليحا جميلا مهيبا نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين بجبهته أثر شجة من أثر حافر فرس ضربه وهو صغير ولذا سمى أشج بنى أمية وقد خطه الشيب* روى انه دخل اصطبل أبيه وهو غلام فضربه فرس فجعل أبوه يمسح عنه الدم ويقول ان كنت أشج بنى أمية انك لسعيد* وروى الذهبى فى تاريخه باسناده عن رباح بن عبيدة قال خرج علينا عمر بن عبد العزيز وشيخ متكىء على يده ونقلت فى نفسى هذا الشيخ جاف فلما صلى ودخل لحقته فقلت أصلح الله الامير من الشيخ لذى يتكىء على يديك قال يا رباح رأيته قلت نعم قال لا أحسبك الا رجلا صالحا ذاك أخى الخضر أتانى وأعلمنى انى سألى أمر هذه الامّة وانى أساعدك فيها بويع بالخلافة بعد موت ابن عمه سليمان بن عبد الملك بعهد عهده اليه ولقب بالمعصوم بالله فلما بويع بالخلافة قدّمت له فرس الخلافة على عادة الخلفاء فلم يركبها وركب فرسه* وفى حياة الحيوان فجاء صاحب الشرطة ليسير بين يديه بالحربة جريا على عادة الخلفاء فقال له تنح عنى مالى ولك انما انا رجل من المسلمين ثم سار مختلطا بين الناس حتى دخل المسجد فصعد المنبر واجتمع الناس اليه فحمد الله تعالى واثنى عليه وذكر النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم قال أيها الناس قد ابتليت بهذا الامر من غير رأى منى فيه ولا طلب ولا مشورة وانى قد خلعت ما فى أعناقكم فاختاروا لانفسكم غيرى فصاح المسلمون صيحة واحدة قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضيناك تدبرنا باليمن والبركة فلما سكتوا خطب الناس خطبة مشتملة على الحمد والصلاة ثم قال فى آخرها أيها الناس من أطاع الله تعالى وجبت طاعته ومن عصى الله عز وجل فلا طاعة له أطيعونى ما أطعت الله تعالى فان عصيته فلا طاعة لى عليكم ثم نزل ودخل دار الخلافة فأمر بالستور فهتكت وبالبسط فرفعت وأمر ببيع ذلك وادخال أثمانها فى بيت مال المسلمين ثم ذهب يتبوّأ ليقيل فاتاه ابنه عبد الملك فقال ما تريد أن تصنع يا أبت قال أى بنى أقيل قال تقيل ولا تردّ المظالم قال أى بنى انى قد سهرت البارحة فى أمر عمك سليمان فاذا صليت الظهر رددت المظالم فقال يا أمير المؤمنين من أين لك ان تعيش الى الظهر فقال ادن منى يا بنى فدنا منه فقبل بين عينيه وقال الحمد لله الذى أخرج من ظهرى من يعيننى على دينى فخرج ولم يقل فأمر مناديه ان ينادى ألا من كانت له مظلمة فيرفعها فقدم اليه ذمى من أهل حمص فقال يا أمير المؤمنين أسألك كتابك قال وما ذاك قال ان العباس بن الوليد اغتصبنى أرضى والعباس جالس فقال عمر ما تقول يا عباس قال ان أمير المؤمنين الوليد أقطعنى اياها وهذا كتابه فقال ما تقول يا ذمى قال يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله عز وجل فقال كتاب الله أحق ان يتبع من كتاب الوليد فاردد عليه أرضه يا عباس فردّ عليه ثم جعل لا يدع شيئا مما كان فى يد أهل بيته من المظالم الا ردّها مظلمة مظلمة فلما بلغ الخوارج سيره وما ردّ من المظالم اجتمعوا وقالوا ما ينبغى لنا ان نقاتل هذا الرجل انتهى ثم شرع فى بسط العدل الذى ما سمع بمثله من عهد الخلفاء الراشدين* قال الشافعىّ رحمه الله الخلفاء خمسة أبو بكر وعمر
وعثمان

(2/316)


وعلى وعمر بن عبد العزيز رضى الله عنهم ولما وليها أبطل سب على بن أبى طالب وجعل مكان ذلك انّ الله يأمر بالعدل والاحسان الاية وكان ذلك اللعن مستمرّا منذ ست وسبعين سنة* وفى رواية الاصح منذ ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر وذلك ألف شهر* روى ان عمر خلا بصعلوك وأمره ان يحىء اليه غدا حين كان عمر جالسا بين أظهر الناس فيخطب اليه ابنته وقال له انى سأقول كذا وكذا وأنت قل كذا وكذا ولا تخف فان فيه مصلحة فجاء الرجل من الغد فى مثل الوقت الذى أمره عمر ان يأتيه فيه فقال يا أمير المؤمنين ان لى اليك حاجة قال وما حاجتك قال انا رجل فقير أيم وأنت خليفة عادل تكفى مؤن الناس وتقضى حوائج الخلق فانى أخطب اليك ابنتك فهمّ الناس بزجره وايذائه فمنعهم عمر عن ذلك وقال للرجل أنت فقير وأنا خليفة فلا كفاءة بيننا قال الرجل لئن كنت خليفة فلست بأكبر من النبىّ صلى الله عليه وسلم ولئن كنت صعلوا كلسيئ الحال فلست بأسوأ من علىّ بن أبى طالب من حيث انكم تلعنونه على المنابر وهو كان ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم فصاح عمر وقال يا أيها الناس ألزمنى هذا الرجل لا أقدر على جوابه فأجيبوه فلما لم يجبه أحد أمر عمر برفع اللعن وتركه بعد ذلك وجاء فى التواريخ وجه آخر فى ترك اللعن وهو أنّ عمر أمر يهوديا ان يخطب اليه ابنته فخطبها اليهودى فقال له عمر كيف تحطب الىّ وأنت يهودى فقال اليهودى فكيف زوّج نبيكم ابنته من على بن أبى طالب فقال عمر ويحك انّ عليا من عظماء الدين وأكابر المسلمين فقال اليهودى فلم تلعنونه على المنابر فأقبل عمر على الناس فقال لهم أجيبوه ولما عجزوا عن الجواب أمر بترك اللعن وجعل مكانه ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان الاية وفيه قيل شعر
وليت ولم تشتم عليا ولم تحف ... بريا ولم تتبع سجية مثلم
وقلت فصدّقت الذى قلت بالذى ... فعلت وأضحى راضيا كل مسلم
وكان عمر صالحا ورعا زاهدا فقيها ولما ولى أبطل جميع ما كان أهله تتصرف من بيت المال كما مرّ وضيق على نفسه وعلى أهله تضييقا كثيرا* وعن مسلمة بن عبد الملك قال دخلت على أمير المؤمنين عمر أعوده فى مرضه الذى مات فيه فاذا عليه قميص لا يساوى أربعة دراهم فقلت لفاطمة بنت عبد الملك يا فاطمة اغسلى قميص أمير المؤمنين فقالت نفعل ان شاء الله تعالى ثم عدت فاذا القميص على حاله فقلت يا فاطمة ألم آمرك ان تغسلى قميص أمير المؤمنين فان الناس يعودونه فقالت والله ماله قميص غيره وأخشى ان أقلعه يبقى عريانا هذا وخراج الارض كلها يحمل اليه مع ما كان عليه من الترفه والمال قبل أن يلى الخلافة* قال رجاء بن حيوة فلما استخلف عمر قوّمت ثيابه وعمامته وقميصه وقباؤه وخفاه ورداؤه فاذاهنّ يعدلن اثنى عشر درهما كذا فى حياة الحيوان

ذكر من مات من المشاهير فى خلافة عمر بن عبد العزيز
وفى خلافته سنة مائة مات أبو امامة سهل بن حنيف الانصارى ولد فى حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان من علماء التابعين ومات معه بشر بن سعيد العالم الربانى المجاب الدعوة أحد التابعين بالمدينة والامام خارجة بن زيد بن ثابت الانصارى المدنى أحد الفقهاء السبعة والامام أبو عثمان النهدى بالبصرة عن مائة وثلاثين سنة وقد أسلم زمن النبىّ صلى الله عليه وسلم وأنفذ اليه بزكاته وشهد اليرموك وكان يصلى حتى يغشى عليه وشهر بن حوشب الاشعرى بالشام وفيها مات محمد بن مروان بن الحكم الامير نائب الجزيرة وأذربيجان* وذكر ابن عساكر وغيره ان عمر بن عبد العزيز كان شدّد على أقاربه وانتزع كثيرا مما فى أيديهم فتبرّموا به وسموه* يروى أنه دعا بخادمه الذى سمه فقال له ويحك ما حملك على ان تسقينى السم قال ألف دينار أعطيتها قال هاتها فجاء بها فأمر بطرحها فى بيت المال وقال لخادمه اذهب حيث لا يراك أحد كذا فى حياة الحيوان*

(ذكر وفاته)
* وتوفى أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز بن مروان

(2/317)


الاموى يوم الجمعة لخمس بقين وقال أبو عمرو بن الضرير لعشر بقين من رجب سنة احدى ومائة بدير سمعان من أعمال حمص* وقال الذهبى من أعمال قنسرين وقبره ظاهر يزار وهو ابن تسع وثلاثين سنة وستة أشهر وقال الذهبى عمره أربعون سنة وخلافته سنتان وخمسة أشهر كأبى بكر الصدّيق* وفى سيرة مغلطاى مدّة مكثه فى الخلافة ثلاثون شهرا وصلى عليه ابن عمه يزيد بن عبد الملك الذى تخلف بعده قال الذهبى فى تاريخه عن يوسف بن ماهك قال بينا نحن نسوّى التراب على قبر عمر بن عبد العزيز اذ سقط علينا كتاب رق من السماء فيه بسم الله الرحمن الرحيم أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار*

(ذكر خلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس الاموى القرشى)
* أمير المؤمنين أبو خالد ولقبه القادر بصنع الله وأمّه عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبى سفيان ومولده فى سنة احدى أو اثنتين وسبعين من الهجرة* صفته* كان أبيض جسيما مليح الوجه مدوّره أفقم لم يشب بويع بالخلافة بعد موت ابن عمه عمر بن عبد العزيز بعهد من أبيه ثم من أخيه سليمان معقود فى تولية عمر بن عبد العزير لانّ عمر لم يكن له عهد من عبد الملك الا أن سليمان أدخله فى العهد ثم ختم بأخيه يزيد هذا ثم هشام فلعل الله يرحم سليمان بذلك فأقام يزيد على هذا يسير على سيرة عمر بن عبد العزيز أربعين يوما وكان أوّلا صاحب لهو وطرب ثم انهمك فى اللذات* وفى خلافته دعا يزيد بن المهلب لنفسه ويسمى القحطانى فقتله وأهل بيته مسلمة بالعقر كذا فى سيرة مغلطاى*

ذكر من مات من المشاهير فى خلافته
وفى خلافته توفى الضحاك بن مزاحم الخراسانى صاحب التفسير وكان علامة وكان مؤدّبا عنده ثلاثة آلاف صبى ومكتبه كالجامع فكان يدور عليهم على بهيمة* وفيها مات عالم المدينة وواعظها عطاء بن يسار مولى ميمونة أم المؤمنين ومات شيخ التفسير الامام الربانى مجاهد بن حبر المكى مولى بنى مخزوم عن نيف وثمانين سنة وكان يقول عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث مرّات أفقه عند كل آية وأسأله فيم نزلت وكيف معناها* وفى سنة ثلاث ومائة مات مصعب بن سعد ابن أبى وقاص الهذلى المحدّث وموسى بن طلحة بن عبيد الله التيمى بالكوفة وكانوا يسمونه المهدى لفضله وجلالته* وفى سنة أربع ومائة مات عالم حمص خالد بن سعدان الكلاعى وكان قد لقى سبعين من الصحابة وفيها مات الشعبى وهو عامر بن شراحيل الكوفى عالم أهل زمانه وكان حافظا علامة ذا فنون وأدرك خلقا من الصحابة وعاش بضعا وثمانين سنة وفيها أو بعدها مات الامام أبو قلابة عبد الله بن يزيد الحرمى البصرى الفقيه وكان طلب للقضاء فهرب وسكن داريا وفيها توفى عالم الكوفة وقاضيها أبو بردة بن أبى موسى الاشعرى أخذ العلم من أبيه ومن جماعة* وفى سنة خمس ومائة مات أبان بن عثمان بن عفان الاموى أحد فقهاء المدينة وفيها وقيل فى سنة سبع مات أبو رجاء العطاردى شيخ البصرة وهو عمران بن ملحان عن مائة وعشرين سنة وكان أحد العلماء أسلم فى أيام النبىّ صلى الله عليه وسلم وكانت خلافة يزيد هذا أربع سنين وشهرا ومات بسواد الاردن بمرض السل قاله الهيثم بن عمرو* وفى حياة الحيوان توفى باربل من أرض البلقاء عشقا ولا يعلم خليفة مات عشقا غيره وقيل بالجولان وحمل على أعناق الرجال الى دمشق ودفن بين باب الجابية وباب الصغير* وقال غير واحد انه مات لخمس بقين من شعبان سنة خمس ومائة بعد موت قينته جبانة بأيام يسيرة وكانت الغالبة على الولاية والعزل وله تسع وعشرون سنة وقيل ثمان وثلاثون سنة وشهر*

(ذكر خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان الاموى أمير المؤمنين أبى الوليد)
* وأمه فاطمة بنت الوليد بن المغيرة المخزومية ومولده سنة نيف وسبعين* صفته* كان أبيض سمينا أحول يخضب بالسواد وكان حليما لين الجانب للرعية محببا اليهم وكان ذا رأى وحزم وقلة شرّ بويع بالخلافة بعد موت أخيه يزيد فى شعبان

(2/318)


سنة خمس ومائة وعمره أربع وثلاثون سنة* وعن سحيل بن محمد قال ما رأيت أحدا من الخلفاء اكره اليه الدماء ولا أشدّ عليه من هشام* وفى سنة ست ومائة غزا المسلمون فرغانة وعملوا مع الترك مصاف فقتل فيه ابن خاقان وانهزموا ولله الحمد وغزا الجرّاح الحكمى وتوغل فى بلاد الخور فصالحوه وأعطوه الجزية وحج بالناس الخليفة هشام*

ذكر من مات من المشاهير فى خلافة هشام ابن عبد الملك
وفيها مات عالم المدينة سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوى الزاهد الفقيه وكان أسود يلبس الصوف ويأكل الخشن ويخدم نفسه* وفى سنة سبع وماثة عزل الخليفة الجرّاح بن عبد الله الحكمى عن أذربيجان وأرمينية واستناب أخاه مسلمة فافتتح قيصرية بالسيف فتحا ثانيا وفيها مات سليمان بن يسار المدنى الفقيه أحد الفقهاء السبعة وهو أخو عطاء والعلامة عكرمة البربرى مولى ابن عباس وكان من بحور العلم فى زمانه والقاسم بن محمد بن أبى بكر الصدّيق المدنى أحد الاعلام* وفى سنة ثمان ومائة غزا أسد القسرى متولى خراسان فالتقى بالغور فكسرهم وفيها مات الامام يزيد بن عبد الله بن الشخير بالبصرة والامام محمد بن كعب القرظى المفسر الزاهد بالمدينة* وفى سنة عشر ومائة توفى عالم زمانه الحسن بن أبى الحسن البصرى وله تسعون سنة وكان قد سمع من عثمان والكبار ومات بعده بيوم شيخ البصرة محمد بن سيرين من كبار ائمة التابعين الورعين ومات شاعر العصر جرير والفرزدق فيها* وفى سنة احدى عشرة ومائة عزل مسلمة عن أذربيجان وأعيد الجرّاح الحكمى فافتتح المدينة البيضاء* وفى سنة ثلاث عشرة ومائة أعيد الى ولاية أذربيجان وأرمينية مسلمة بن عبد الملك وفيها توفى عالم الشأم مكحول مولى بنى هذيل ومات أحد ائمة البصرة معاوية بن قرّة المزنى* وفى سنة أربع عشرة ومائة عزل مسلمة عن أذربيجان ونواحيها ووليها مروان الحمار وفيها مات فقيه الحجاز وشيخ العصر أبو محمد عطاء بن أبى رباح المكى مولى قريش عن سنّ عالية وكان أسود قال أبو حنيفة ما رأيت أفضل منه وفيها مات الامام أبو جعفر محمد بن على بن الحسين العلوى الباقر الفقيه وله ثمان وخمسون سنة وعالم أهل اليمن وهب بن منبه الصنعانى وكان يشبه كعب الاحبار فى زمانه عاش ثمانين سنة وأخذ عن ابن عباس* وفى سنة خمس عشرة ومائة مات عالم الكوفة الحكم بن عيينة الفقيه أحد الائمة وقاضى مرو عبد الله بن بريدة الاسلمى وله مائة سنة* وفى سنة سبع عشرة ومائة مات شيخ أهل مكة عبد الله بن عبيد الله بن أبى مليكة التيمى وعالم البصرة أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسى الضرير المفسر وكان يقول ما سمعت شيئا فنسيته وما فى القرآن آية الا وقد سمعت فيها شيئا من النكت* وقال ابن سيرين قتادة أحفظ الناس ومات قاضى الجزيرة وفقيهها ميمون بن مهران البرقى وكان من العباد ومات عالم المدينة ومحدّثها أبو عبد الله نافع مولى ابن عمر* وفى سنة ثمان عشرة ومائة مات جدّ الخلفاء العباسيين على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بالبلقاء فى اعتقال الخليفة هشام وكان من أجمل قريش وأجلها وأهيبها وأعبدها* قال الاوزاعى كان يسجد لله تعالى كل يوم ألف سجدة وفيها مات الامام عمرو ابن شعيب من علماء التابعين ومقرى دمشق عبد الله بن عامر اليحصبى أحد السبعة وله سبع وتسعون سنة وقد ولى القضاء* وفى سنة عشرين ومائة مات فقيه الكوفة حماد بن أبى سليمان وهو شيخ أبى حنيفة ومات مقرى مكة عبد الله بن كثير الكنانى مولاهم الدارمى وله خمس وسبعون سنة ومات علقمة بن مرثد الكوفى المحدّث* وفى سنة احدى وعشرين ومائة مات البطل الكرّار مسلمة بن عبد الملك ابن مروان الامير الملقب بالجرادة الصفراء وله فتوحات كثيرة مشهورة منها مسيره فى مائة وعشرين ألفا فغزا القسطنطينية فى دولة أخيه سليمان* وفيها قتل زيد بن على بن الحسين بن على الهاشمى بالكوفة فى المصاف وكان قد خرج وبايعه خلق كثير فحاربه نائب العراق يوسف بن عمر وظفر به

(2/319)


يوسف فقتله وصلبه عريانا وبقى جسده مصلوبا أربع سنين وقد مر فى الفصل الاوّل من الموطن الاوّل أن العنكبوت نسجت على عورة زيد بن على بن الحسين لما صلب عريانا* وفى سنة ثلاث وعشرين ومائة مات شيخ البصرة ثابت بن أسلم البنانى من سادة التابعين علما وعبادة وتألها وشيخ الكوفة سماك بن حرب الذهلى وكان يقول ذهب بصرى فدعوت الله عز وجل فردّه علىّ وقال أدركت ثمانين صحابيا* وفى رمضان سنة أربع وعشرين ومائة مات عالم زمانه الزهرى أبو بكر محمد بن مسلم المدنى وله أربع وسبعون سنة* وفى سنة خمس وعشرين ومائة مات والد السفاح والمنصور محمد بن على بن عبد الله بن عباس الهاشمى وله ستون سنة* وفى سيرة مغلطاى وفى أيامه قتل قاآن الترك ودخلت دعاة بنى العباس خراسان وقتل يوسف بن عمر الثقفى نائب العراق زيد بن على بن الحسين وصلبه وقد مر نبذة منه فى حديث الغار وبعد زمان أحرقه وذرّاه فلما ظهر بنو العباس تتبعوا قبور الامويين يجلدونهم ويحرّقونهم* وفى ربيع الاخر منها مات أمير المؤمنين أبو الوليد هشام بن عبد الملك بن مروان الاموى بالرصافة بدمشق وقيل فى شوّال سنة خمس وعشرين ومائة وله أربع وخمسون سنة وقيل ثلاث وخمسون وخلافته عشرون عاما أو تسع عشرة سنة وتسعة أو سبعة أشهر وأياما وفى سيرة مغلطاى واحدى عشرة ليلة بدل وأياما*

(ذكر خلافة الوليد الزنديق بن يزيد بن عبد الملك بن مروان الاموى القرشى)
* أبو العباس الفاسق وهو السادس فخلع كما سيأتى أمّه بنت يوسف الثقفى أخت الحجاج ومولده بدمشق فى سنة تسعين ويقال سنة اثنتين وتسعين وكان من أجمل الناس وأحسنهم وأقرئهم وأجودهم شعرا وكان فاسقا متهتكا بويع بالخلافة بعد موت عمه هشام لان أباه حين احتضر لم يكن له أن يستخلفه لانه صبى حديث السنّ فعقد لاخيه هشام بالخلافة وعهد اليه بان يكون ولده الوليد هذا ولى العهد من بعده ولما مات هشام سلم الخلافة الى الوليد* ذكر الذهبى باسناده عن عمر قال ولد لاخى أمّ سلمة ولد سموه الوليد فقال صلى الله عليه وسلم سميتموه بأسماء فراعنتكم ليكونن فى هذه الامّة رجل يقال له الوليد لهو أشد لهذه الامّة من فرعون لقومه* وعن صالح بن سليمان قال أراد الوليد أن يحج وقال أشرب الخمر فوق ظهر الكعبة ونقل عنه من كفرياته وفسقه كثير من ذلك انه دخل يوما فوجد ابنته جالسة مع دادتها فبرك عليها وأزال بكارتها فقالت له الدادة هذا دين المجوس فأنشد
من راقب الناس مات غما ... وفاز باللذة الجسور
وأخذ يوما المصحف ففتحه فأوّل ما طلع واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد فقال أتهدّدنى ثم أغلق المصحف ولا زال يضربه بالنشاب حتى خرقه ومزقه ثم أنشد
أتوعد كل جبار عنيد ... فها أنا ذاك جبار عنيد
اذا لا قيت ربك يوم حشر ... فقل يا رب مزقنى الوليد
وأذن للصبح مرّة وعنده جارية يشرب الخمر معها فقام فوطئها وحلف لا يصلى بالناس غيرها فخرجت وهى جنب سكرانة فلبست ثيابه وتنكرت وصلت بالناس ونكح أمّهات أولاد أبيه* قيل كان فى عقله خلل والا فما يجاهر بالذى يفعله احد وان كان زنديقا خوفا من عواقب الامور* ولما كثر فسقه خرج عليه الناس قاطبة تدينا واجتمع أهل دمشق على خلعه وقتله ففعلوا ونصبوا ابن عمه يزيد بن الوليد بن عبد الملك الملقب بالناقص وسيجىء سبب تسميته بالناقص ورشحوه للخلافة فغلب على دمشق وكان الوليد الفاسق بناحية تدمر فى الصيد فجهز يزيد عسكرا فحاربوه الى ان أحاطوا به بحصن النجراء بأرض تدمر فلما غلب الوليد وحوصردنا من الباب فقال أما فيكم رجل شريف له حسب أكلمه فقال له

(2/320)


يزيد بن عنبسة كلمنى فقال يا أخا السكاسك ألم أزد فى عطائكم ألم أرفع عنكم المؤمن ألم أعط فقراءكم فقال ما ننقم عليك فى أنفسنا لكن ننقم عليك انتهاك ما حرم الله وشرب الخمر ونكاح أمّهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر الله قال حسبك فرجع الى الدار فجلس وأخذ المصحف وقال يوم كيوم عثمان ونشر المصحف يقرأ فيه ثم تسوّروا الحائط عليه فكان أوّل من نزل اليه يزيد بن عنبسة فأخذ بيد الوليد وهو يريد أن يعتقله ويؤامر فيه فنزل من الحائط عشرة فضربه عبد السلام اللخمى على رأسه وضربه آخر على وجهه وجرّوه بين خمسة ليخرجوه فصاحت امرأة حزوا رأسه فذبحوه وقطعوا رأسه وخاطوا الضربة التى فى وجهه وأتوا برأسه على رمح الى يزيد فسجد لله شكرا وتخلف يزيد المذكور بعده وكان قتله فى جمادى الاخرة يوم الخميس لليلتين بقيتا منها سنة ست وعشرين ومائة فكانت خلافته سنة وشهرين أو ثلاثة أشهر* وفى سيرة مغلطاى كان مقامه فى الخلافة سنة وشهرين واثنين وعشرين يوما وخرج عليه يحيى بن يزيد بن على فقتله نسر بن سيار*

(ذكر خلافة يزيد بن الوليد بن عبد الملك ابن مروان ابن الحكم الاموى)
* أبو خالد القرشى المعروف بالناقص ولقبه الشاكر لا نعم الله وفى سيرة مغلطاى وكانت المعتزلة تفضله على عمر بن عبد العزيز لكونه ينتحل مذهبهم* صفته* كان أسمر نحيفا حسن الوجه وأمّه شاه فرند بنت فيروز بن يزدجرد* حكى انّ سليمان بن أبى شيخ بن قتيبة بن مسلم ظفر بما وراء النهر بابنتى فيروز بن يزدجرد فبعث بهما الى الحجاج فبعث الحجاج باحداهما وهى شاه فرند الى الوليد بن عبد الملك فاولدها يزيد هذا وفيروز والد شاه فرند ابن بنت شيرويه بن كسرى وأمّ شيرويه بنت خاقان ملك الترك وأمّ فيروز المذكور هى بنت قيصر عظيم الروم فلذلك كان يزيد هذا يفتخر ويقول
أنا ابن كسرى وأبى مروان ... وقيصر جدّى وجدّى خاقان
بويع بالخلافة بعد قتل ابن عمه الوليد الفاسق بن يزيد فى جمادى الاخرة سنة ست وعشرين ومائة* وفى سيرة مغلطاى فى مستهل رجب من السنة المذكورة وتم أمره فى الخلافة ولقب بالناقص لكونه نقص الجند من عطاياهم وقال الذهبى لكونه لما استخلف نقص أخباز الجند* روى انه قام خطيبا عند قتل الوليد فقال أما بعد فانى والله ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا حرصا على الدنيا ورغبة فى الملك وانى لظلوم لنفسى ان لم يرحمنى ربى ولكن خرجت غضبا لله ودينه وداعيا الى كتاب الله وسنة نبيه حين درست معالم الهدى وطفئ نور أهل التقوى وظهر الجبار المستحل للحرمة والراكب للبدعة فلما رأيت ذلك أشفقت ان غشيكم ظلم لا يقلع عنكم على كثرة من ذنوبكم وقسوة من قلوبكم وأشفقت أن يدعو كثيرا من الناس الى ما هو عليه فيجيبه فاستخرت الله فى أمرى ودعوت من أجابنى من أهلى وأهل ولايتى وأراح الله البلاد والعباد ولاية من الله ولا قوّة الا بالله أيها الناس انّ لكم عندى ان وليت أموركم أن لا أضع لبنة على لبنة ولا حجرا على حجر ولا أنقل مالا من بلد حتى أسدّ ثغره وأقسم بين مصالحه ما يقوم به فان فضل فضل رددته الى البلد الذى يليه حتى تستقيم المعيشة وتكونوا فيه سواء فان اردتم بيعتى على الذى بذلت لكم فانا لكم وان ملت فلا بيعة لى عليكم وان رأيتم أحدا أقوى منى فانا أوّل من يبايع ويدخل فى طاعته واستغفر الله لى ولكم* ويزيد هذا أوّل من خرج بالسلاح فى العيد*

ذكر من مات من المشاهير فى خلافة يزيد ابن الوليد
ومات فى خلافته عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصدّيق التيمى فقيه المدينة ودراج أبو السمح واعظ مصر وهلك فى أوّلها خالد بن عبد الله القسرى الدمشقى الامير تحت العذاب وعمره ستون سنة ومات بمكة الامام عمرو بن دينار الجمحى مولاهم قال فيه ابن أبى نجيح ما رأيت أحدا قط أفقه منه وكان يزيد هذا ذا دين وورع الا انه لم يمتع وبغتته المنية ولم تطل خلافته ومات فى سابع الحجة سنة ست وعشرين ومائة* وفى سيرة مغلطاى توفى فى سلخ ذى القعدة وقيل فى ذى الحجة من السنة المذكورة وكانت خلافته ستة أشهر وقيل انه مات بعد عيد

(2/321)


الاضحى* وقال الهيثم بن عدى عاش ستا وأربعين سنة* وقال المداينى عاش خمسا وثلاثين سنة* وقال الذهبى عاش ستا وثلاثين سنة ودفن بباب الجابية الصغير ويقال انه مات بالطاعون وصلى عليه أخوه ابراهيم*

(ذكر خلافة ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الاموى)
* أمير المؤمنين أبى اسحاق الدمشقى لقب بالمعتز بالله أمّه أمّ ولد لما احتضر يزيد الناقص عهد بالامر الى أخيه ابراهيم فبويع بالخلافة بعد موت أخيه يزيد الناقص ولم يتم أمره ولا اطاعه أحد فلما سمع بذلك مروان الحمار نائب أذربيجان وتلك النواحى وصاحب الفتوحات سار فى جيشه ودعا الى نفسه وقدم الشام فجهز ابراهيم لحربه أخويه بشرا ومسرورا فالتقى الجمعان فانتصر مروان وزحف فنزل على مرج عذراء فبرز لحربه سليمان بن هشام بن عبد الملك فانكسر سليمان فبرز ابراهيم الخليفة وعسكر بظاهر دمشق وأنفق الخزائن واختلف عليه جنده وهزم ابراهيم وتوجه الى الجزيرة فمات بها فى سنة سبع وعشرين ومائة فكانت خلافته شهرين وعشرة أيام* قال الذهبى فخذله جنده وخامروا فاختفى ابراهيم وفى سيرة مغلطاى فمكث ابراهيم فى الخلافة أربعة أشهر ثم خلع وقتله مروان بن محمد وكان فى أيامه عجائب من الهرج واللغط وسقوط الهيبة واختلاف الكلمة*

(ذكر خلافة مروان الحمار بن محمد بن مروان ابن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس أبى عبد الملك الاموى الدمشقى القرشى)
* أمير المؤمنين ولقبه القائم بحق الله أمّه أمّ ولد كردية وكان مولده بالجزيرة وكان أبوه متوليها من قبل ابن عمه عبد الملك بن مروان فى سنة اثنتين وسبعين* صفته* كان أبيض ربعة أشهل ضخما كث اللحية مهيبا بطلا شجاعا بويع بالخلافة بعد ابن عمه ابراهيم بحكم خلعه ومروان هذا آخر خلفاء بنى أمية* وفى دول الاسلام بايعه الناس واستوثق له الامر وظهر ابراهيم فدخل على مروان ونزل له عن الخلافة وقتل فى هذا الفتنة يوسف بن عمر الثقفى الذى كان نائب العراق ذبح فى السجن بدمشق وقتل عبد العزيز ابن الحجاج بن عبد الملك بن مروان والحكم وعثمان أخو الخليفة ابراهيم وكان مروان هذا يعرف بالحمار لشجاعته يقال فلان أصبر من حمار فى الحرب فانه كان لا يفتر عن محاربة الخارجين عليه وكان أشجع بنى أمية كان يصل السير بالسير ويصبر على مكاره الحروب وقيل سمى بالحمار لان العرب تسمى كل مائة سنة حمارا فلما قارب ملك بنى أمية مائة سنة لقبوا مروان هذا بالحمار وأخذوا ذلك من قوله تعالى وانظر الى حمارك الاية وكان مروان هذا يعرف بالجعدى أيضا نسبة الى مؤدّبه وأستاذه جعد ابن درهم وكان زنديقا وقيل بل قيل له ذلك ذما وعيبا ويقال كانت أمّه من بنى جعدة وقد ولى مروان المذكور ولايات جليلة قبل ان يلى الخلافة وافتتح فتوحات كثيرة وكان مشهورا بالفروسية والشجاعة ولم ينتج أمره مع بنى العباس وانهزم من عبد الله بن على أقبح هزيمة بعد خطوب وحروب توالت بينهم أشهرا بل سنين لما ظهر أبو مسلم عبد الرحمن الخراسانى بدعوة بنى العباس ووقع الحرب بينهم بخراسان وقتل ابراهيم بن عبد الملك بالزاب كذا فى سيرة مغلطاى*

ذكر من مات من المشاهير فى خلافة مروان الحمار
وفى سنة سبع وعشرين ومائة مات محدث المدينة عبد الله بن دينار مولى ابن عمر وزاهد البصرة مالك بن دينار واسمعيل بن عبد الرحمن السدى المفسر* وفى سنة ثمان وعشرين ومائة توفى عاصم بن أبى النجود الكوفى المقرى أحد السبعة* وفى سنة تسع وعشرين ومائة فى رمضان كان ظهور أبى مسلم الخراسانى صاحب الدعوة بمرو واستولى عليها وفيها مات محملين المنكدر التيمى المدنى* وفى سنة احدى وثلاثين ومائة استفحل أمر ابى مسلم الخراسانى واستولى على بلاد خراسان وهزم الجيوش وأقبلت سعادة بنى العباس وولت الدنيا عن بنى أمية* وفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة قامت الدولة العباسية وسار عبد الله بن على فالتقى هو ومران الحمار بأرض الموصل فى جمادى الاخرة فانكسر مروان وقال خليفة بن حياط وسار مروان لحرب بنى

(2/322)


العباس لما بلغه ظهور دعوتهم وكان فى مائة ألف وخمسين ألفا حتى نزل الرأس دون الموصل فالتقى هو وعبد الله بن على العباسى عم المنصور فى جمادى الاخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائة فانكسر مروان وقطع الجسور الى الجزيرة فأخذ بيوت الاموال والكنوز وقدم الشأم فاستولى عبد الله على الجزيرة وطلب الشام وفرّعنه مروان ونازل عبد الله دمشق فلما بلغ مروان أخذ دمشق وهو يومئذ بأرض فلسطين دخل الى مصر وعبر النيل وطلب الصعيد وكان قد عزم على الدخول الى الحبشة وبلاد السودان فوجه عبد الله بن على أخاه صالح بن على فى طلب مروان وعلى طلائعه عمرو بن اسمعيل فساق عمرو فى أثر مروان فلحقه بقرية بوصير من أرض مصر فبيته فقتله* قال ابن السندى قتل مروان وهو ابن اثنتين وستين سنة* وقال الذهبى عاش بضعا وخمسين سنة وكانت خلافته خمس سنين وشهرا وعشرة أيام كذا فى سيرة مغلطاى وكان قتله فى ذى الحجة من سنة اثنتين وثلاثين ومائة ببوصير من أرض مصر* ويروى ان مروان فى هربه مرّ على راهب فقال يا راهب هل تبلغ الدنيا من الانسان ان تجعله مملوكا قال نعم قال كيف قال بحبها قال فكيف السبيل الى العتق قال ببغضها والتخلى عنها قال هذا مما لا يكون قال سيكون فبادر بالهروب منها قبل ان تبادرك قال هل تعرفنى قال نعم مروان ملك العرب تقتل فى بلاد السودان وتدفن بلا أكفان ولولا ان الموت فى طلبك لدللتك على موضع هربك* وأخبار مروان طويلة ووقائعه كثيرة وهو آخر خلفاء بنى أمية بدمشق وبلاد الشرق وبموته انقرضت دولة بنى أمية الى يومنا هذا سوى عبد الرحمن الداخل من بنى امية الى الغرب وتخلف هو وجماعة من ذريته هناك* وفى حياة الحيوان وفى أيام مروان ظهر أبو مسلم الخراسانى صاحب الدعوة وظهر السفاح بالكوفة فبويع بالخلافة وجهز عمه عبد الله بن على بن عبد الله بن عباس لقتال مروان بن محمد فالتقى الجمعان برأس الموصل فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم مروان وقتل من عسكره وغرق ما لا يحصى فتبعه عبد الله الى أن وصل نهر أردن فلقى جماعة من بنى امية وكانوا نيفا وثمانين رجلا فقتلهم عن آخرهم ثم أمر عبد الله فسحبوا وبسط عليهم بساط وجلس هو وأصحابه فوقهم واستدعى بالطعام فأكلوا وهم يسمعون انينهم من تحتهم فقال عبد الله يوم كيوم الحسين ولا سواء ثم جهز السفاح عمه صالح بن على على طريق السماوة فلحق بأخيه عبد الله وقد نازل دمشق ففتحها عنوة وأباحها ثلاثة أيام ونقض عبد الله سور دمشق حجرا حجرا وهرب مروان الى بوصير قرية من قرى الصعيد عند الفيوم فقال ما اسم هذه القرية قيل بوصير قال الى الله المصير ثم دخل كنيسة فبلغه أن خادما نمّ عليه فقطع رأسه وسل لسانه وألقاه على الارض فجاءت هرّة فاكلته ثم بعد أيام هجم عليه الكنيسة التى كان نازلا بها عمرو بن اسماعيل فخرج مروان من الكنيسة وفى يده سيف وقد أحاط به الجنود وعكفت عليه وصفقت حوله الطيور فتمثل ببيت الحجاج بن الحكم السلمى يقول
متقلدين صفائحا هندية ... يتركن من ضربوا كأن لم يولد
ثم قاتل حتى قتل فقال حين قتل انقرضت دولتنا فأمر به عمرو فقطع رأسه وسل لسانه وألقى على الارض فجاءت تلك الهرّة بعينها فحطفته وأكلته فقال عمرو لو لم يكن فى الدنيا عجب الا هذا لكان كافيا لسان مروان فى فم هرة* ودخل عمرو بعد قتله الكنيسة وقعد على فرش مروان وكان مروان يتعشى فلما سمع الوجبة وثب عن عشائه فأكل عمرو ذلك الطعام ودعا بابنة لمروان وكانت أسنّ بناته فقالت يا عمرو انّ دهرا أنزل مروان عن فرشه وأقعدك عليها حتى تعشيت بعشائه واستصبحت بمصباحه ونادمت ابنته لقد أبلغ فى موعظتك وأجمل فى ايقاظك فاستحيى عمرو وصرفها*

ملخص أخبار بنى أمية
ملخص أخبار بنى أمية انّ جميع خلفائهم من معاوية الى مروان أربعة عشر خليفة أوّلهم معاوية

(2/323)


وآخرهم مروان الجعدى المشهور بالحمار وكانت مدّة خلافتهم نيفا وثمانين سنة وهى ألف شهر فعلم ما قال الحسن بن على بن أبى طالب لما قيل له تركت الخلافة لمعاوية فقال ليلة القدر خير من ألف شهر ومدّة خلافتهم منذ خلص الامر لمعاوية الى أن قتل مروان احدى وتسعون سنة وتسعة أشهر وخمسة أيام منها فتنة ابن الزبير تسع سنين واثنان وعشرون يوما ثم تفرّقوا بعد قتل مروان فى البلاد وتمزقوا كل ممزق وهرب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الى الاندلس فبايعه أهلها سنة تسع وثلاثين ومائة وأقام واليا ثلاثا وثلاثين سنة وأربعة أشهر والله أعلم*