سيرة ابن
هشام ت السقا ذِكْرُ سَرْدِ النَّسَبِ الزَّكِيِّ مِنْ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، إلَى آدَمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للَّه رَبِّ
الْعَالَمِينَ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ
أَجْمَعِينَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ
(النَّحْوِيُّ) [1] :
هَذَا كِتَابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَّلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْن عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، وَاسْمُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: شَيْبَةُ [2] بْنُ هَاشِمٍ،
وَاسْمُ هَاشِمٍ: عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَاسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ:
الْمُغِيرَةُ بْنُ قُصَيٍّ، (وَاسْمُ قُصَيٍّ: زَيْدُ) [1] بْنُ كِلَابِ
بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ [3] بْنِ
مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ [4]
__________
[1] مَا بَين القوسين () : زِيَادَة عَن أ.
[2] وَقيل إِن اسْم عبد الْمطلب: عَامر (كَمَا فِي المعارف لِابْنِ
قُتَيْبَة، وَشرح الْمَوَاهِب اللدنية ج 1 ص 71 طبع المطبعة الأزهرية) .
وَالصَّحِيح أَن اسْمه: «شيبَة» كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك السهيليّ فِي
«الرَّوْض الْأنف» . وسمى كَذَلِك لِأَنَّهُ ولد وَفِي رَأسه شيبَة. وَأما
غَيره من الْعَرَب مِمَّن اسْمه شيبَة فَإِنَّمَا قصد بتسميته بِهَذَا
الِاسْم التفاؤل. وَقد عَاشَ عبد الْمطلب مائَة وَأَرْبَعين سنة، وَكَانَ
لِدَة عبيد بن الأبرص الشَّاعِر.
[3] واسْمه قُرَيْش، وَإِلَيْهِ تنْسب الْقَبِيلَة، وَقيل: بل فهر اسْمه،
وقريش لقب لَهُ. وَقد روى عَن نسابى الْعَرَب أَنهم قَالُوا: من جَاوز فهرا
فَلَيْسَ من قُرَيْش (انْظُر شرح الْمَوَاهِب اللدنية، ج 1 ص 75) .
[4] واسْمه قيس، ولقب بالنضر لنضارة وَجهه، وَأمه برة بنت أدبن طابخة،
تزَوجهَا أَبوهُ كنَانَة بعد أَبِيه خُزَيْمَة، فَولدت لَهُ النَّضر على
مَا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تفعل: إِذا مَاتَ الرجل خلف على زَوجته أكبر
بنيه من غَيرهَا. وَقد ذكر الجاحظ أَن هَذَا غلط نَشأ من اشْتِبَاه، إِذْ
أَن كنَانَة خلف على زَوْجَة أَبِيه، فَمَاتَتْ وَلم تَلد لَهُ ذكرا وَلَا
أُنْثَى، فنكح ابْنة أَخِيهَا، وَهِي برة بنت مرّة بن أد بن طابخة، فَولدت
النَّضر.
(رَاجع شرح الْمَوَاهِب اللدنية) . 1- سيرة ابْن هِشَام- 1
(1/1)
ابْن كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ
مُدْرِكَةَ، وَاسْمُ مُدْرِكَةَ: عَامِرُ [1] بْنُ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ
بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ [2] بْنِ (أُدٍّ، وَيُقَالُ) [3]
: أُدَدُ [4] بْنُ مُقَوِّمِ [5] بْنِ نَاحُورَ بْنِ تَيْرَحَ بْنِ
يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ نَابِتِ [6] بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ
إبْرَاهِيمَ- خَلِيلِ الرَّحْمَنِ- بْنِ تَارِحٍ [7] ، وَهُوَ آزَرُ [8]
بْنُ نَاحُورَ بْنِ سَارُوغَ [9] بْنِ رَاعُو [10] بْنِ فَالَخٍ [11]
__________
[1] هَذَا قَول ابْن إِسْحَاق، وَالصَّحِيح عِنْد الْجُمْهُور أَن اسْمه:
عَمْرو.
[2] اضْطَرَبَتْ كلمة النسابين فِيمَا بعد عدنان، حَتَّى نراهم لَا يكادون
يجمعُونَ على جد حَتَّى يَخْتَلِفُوا فِيمَن فَوْقه، وَقد حكى عَن النَّبِي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه كَانَ إِذا انتسب لم يتَجَاوَز فِي
نسبه عدنان بن أدد، ثمَّ يمسك وَيَقُول: كذب النسابون. وَقَالَ عمر بن
الْخطاب: إِنِّي لأنتسب إِلَى معد بن عدنان، وَلَا أدرى مَا هُوَ. وَعَن
سُلَيْمَان بن أَبى خَيْثَمَة قَالَ: مَا وجدنَا فِي علم عَالم، وَلَا شعر
شَاعِر أحدا يعرف مَا وَرَاء معد ابْن عدنان، ويعرب بن قحطان.
[3] زِيَادَة عَن أ.
[4] يذهب بعض النسابين إِلَى أَن أد هُوَ ابْن أدد، وليسا شخصا وَاحِدًا،
وَيَقُولُونَ: إِن أم أدهى النعجاء بنت عَمْرو بن تبع، وَأم أدد حَيَّة،
وَهِي من قحطان (رَاجع أصُول الأحساب وفصول الْأَنْسَاب للجوانى مخطوط
مَحْفُوظ بدار الْكتب المصرية برقم 2015 تَارِيخ) . وَقد ذهب ابْن
قُتَيْبَة فِي كِتَابه «المعارف» إِلَى أَن أد هُوَ ابْن يجثوم بن مقوم،
فَيكون مقوم جدا لأد وَلَيْسَ أَبَاهُ.
[5] ضَبطه السهيليّ فِي كِتَابه «الرَّوْض الْأنف» بالعبارة، فَقَالَ: «
... وَأما مقوم بِكَسْر الْوَاو» ، وَالظَّاهِر أَنَّهَا مُشَدّدَة كَمَا
ضبطت بالقلم فِي المعارف لِابْنِ قُتَيْبَة.
[6] وَيُقَال لَهُ: نبت أَيْضا (رَاجع كتاب أَنْسَاب الْعَرَب للصحارى
مخطوط مَحْفُوظ بدار الْكتب المصرية برقم 2461 تَارِيخ) .
[7] كَذَا بِالْأَصْلِ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي، ومروج الذَّهَب للمسعوديّ
(ج 1 ص 20 طبع بلاق) . وَفِي الطَّبَرِيّ، والمعارف لِابْنِ قُتَيْبَة،
ومروج الذَّهَب (ج 1 ص 303) . وروضة الْأَلْبَاب للْإِمَام مُحَمَّد الزيدي
(مخطوط مَحْفُوظ بدار الْكتب المصرية برقم 945 تَارِيخ) : «تَارِيخ»
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.
[8] وَقيل: هُوَ عَم إِبْرَاهِيم لَا أَبوهُ، إِذْ لَو كَانَ أَبَاهُ
الْحَقِيقِيّ لم يقل تَعَالَى: لِأَبِيهِ آزَرَ 6: 74 لِأَن الْعَرَب لَا
تَقول أَبى فلَان، إِلَّا للعم دون الْأَب الْحَقِيقِيّ. (رَاجع رَوْضَة
الْأَلْبَاب) .
[9] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ، ومروج الذَّهَب. وَفِي المعارف: «شاروغ»
وَفِيه: أَن اسْمه «أشرع» أَيْضا، وَهَذَا مَا ذكره ابْن هِشَام بعد قَلِيل
نقلا عَن قَتَادَة، وَفِي رَوْضَة الْأَلْبَاب: «شاروخ» (بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة) .
وَفِي الأَصْل هُنَا: «ساروح» (بِالْحَاء الْمُهْملَة) .
[10] كَذَا فِي الأَصْل هُنَا. وَفِيمَا سَيَأْتِي بعد قَلِيل: «أرغو» .
وَفِي الطَّبَرِيّ وروضة الْأَلْبَاب «أرغوا» وَفِي المعارف لِابْنِ
قُتَيْبَة ومروج الذَّهَب (ج 1 ص 303) : «أرعو» بِالْعينِ الْمُهْملَة،
وَفِي مروج الذَّهَب (ج 1 ص 20) : «رعو»
[11] كَذَا بِالْأَصْلِ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي. وَفِي الطَّبَرِيّ،
والمعارف، ومروج الذَّهَب، وأصول الأحساب، وَالرَّوْض الْأنف، وروضة
الْأَلْبَاب، وأنساب الْعَرَب: «فالغ» (بالغين الْمُعْجَمَة) . وَهُوَ
«فالخ» كَمَا نَص على ذَلِك فِي أَنْسَاب الْعَرَب. وَيُقَال: إِن
مَعْنَاهُ القسام.
(1/2)
ابْن عَيْبَرِ [1] بْنِ شالَخٍ [2] بْنِ
أرْفَخْشَذَ [3] بْنِ سَامِ بْنِ نُوحِ بْنِ لَمْكَ [4] بْنِ مُتَوَشْلِخَ
[5] ابْن أَخْنُوخَ، وَهُوَ إدْرِيسُ النَّبِيُّ- فِيمَا يَزْعُمُونَ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ أَوَّلَ بَنِي آدَمَ أُعْطَى النُّبُوَّةَ،
وَخَطَّ بِالْقَلَمِ- ابْنِ يَرْدِ بْنِ مُهْلَيِلِ [6] بْنِ قَيْنَنَ [7]
بْنِ يانِشَ بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا زِيَادُ
[8] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ [9]
الْمُطَّلِبِيِّ بِهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ نَسَبِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلَى آدَمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ، وَمَا فِيهِ مِنْ حَدِيثِ إدْرِيسَ وَغَيْرِهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي خَلَّادُ بْنُ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ
السَّدُوسِيُّ، عَنْ شَيْبَانَ ابْن زُهَيْرِ بْنِ شَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ
عَنْ قَتَادَةَ بْنِ دُعَامةَ، أَنَّهُ قَالَ:
إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ- خَلِيلِ الرَّحْمَنِ- ابْن تَارِحٍ، وهُوَ
آزَرُ بْنُ نَاحُورَ بْنِ أَسْرَغَ [10]
__________
[1] كَذَا بِالْأَصْلِ هُنَا. وَفِيمَا سَيَأْتِي: «عَابِر» ، وَهِي
رِوَايَة جَمِيع المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا غير رَوْضَة الْأَلْبَاب،
فَإِنَّهُ فِيهَا بالغين الْمُعْجَمَة.
[2] كَذَا بِالْأَصْلِ، والمعارف، والطبري، وَالرَّوْض الْأنف، وروضة
الْأَلْبَاب. وشالخ مَعْنَاهُ:
الرَّسُول أَو الْوَكِيل، وَفِي مروج الذَّهَب: «شالح» (بِالْحَاء
الْمُهْملَة) .
[3] كَذَا فِي م، ومروج الذَّهَب، وَالرَّوْض الْأنف، وأصول الأحساب،
وأنساب الْعَرَب.
وَمعنى أرفخشذ: مِصْبَاح مضيء. وَفِي الطَّبَرِيّ، والمعارف: «أرفخشد»
(بِالدَّال الْمُهْملَة) .
[4] كَذَا فِي شرح القصيدة الحميرية (المخطوطة الْمَحْفُوظ بدار الْكتب
المصرية برقم 1359 تَارِيخ) وروضة الْأَلْبَاب، ومروج الذَّهَب، وَقد ضبط
فِي هَامِش الْأَخير بالعبارة بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْمِيم. وَفِي
الأَصْل هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي: «لامك» .
[5] متوشلخ مَعْنَاهُ: مَاتَ الرَّسُول. (عَن الرَّوْض الْأنف) .
[6] فِيمَا سَيَأْتِي: «مهلائيل» وَهِي رِوَايَة أَكثر المراجع الَّتِي
بَين أَيْدِينَا.
[7] كَذَا بِالْأَصْلِ هُنَا. وَفِيمَا سَيَأْتِي: «قاين» . وَفِي
الطَّبَرِيّ، ومروج الذَّهَب: «قينان» .
[8] هُوَ أَبُو مُحَمَّد زِيَاد بن عبد الله بن الطُّفَيْل البكائي
الْكُوفِي، نسب إِلَى الْبكاء بن عَمْرو، ربيعَة بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن
بكر بن هوَازن، وَهُوَ من أَصْحَاب الحَدِيث، أخرج لَهُ البُخَارِيّ
وَمُسلم (عَن شرح السِّيرَة وتهذيب التَّهْذِيب) .
[9] هُوَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن بشار مولى قيس بن مخرمَة بن
الْمطلب بن عبد منَاف، وَلذَلِك يُقَال فِي نسبه: المطلبي، وَهُوَ من كبار
الْمُحدثين لَا سِيمَا فِي الْمَغَازِي وَالسير، وَكَانَ الزُّهْرِيّ يثنى
عَلَيْهِ بذلك، ويفضله على غَيره، وَهُوَ مدنِي توفى بِبَغْدَاد سنة
إِحْدَى وَخمسين وَمِائَة.
[10] كَذَا فِي أ. وَفِي م: «استرغ» . (رَاجع الْحَاشِيَة رقم 9 ص 2 من
هَذَا الْجُزْء) .
(1/3)
ابْن أَرْغُو بْنِ فَالَخٍ بْنِ عَابِرِ
بْنِ شَالَخٍ بْنِ أرْفخْشَذَ [1] بْنِ سَامِ بْنِ نُوحِ بْنِ لَمْكِ بْنِ
مَتُّوشَلَخِ بْنِ أَخْنُوخَ بْنِ يَرْدِ بْنِ مِهْلَائِيلَ بْنِ قَايِنَ
[2] بْنِ أَنُوشَ بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(نَهْجُ ابْنِ هِشَامٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ مُبْتَدِئٌ هَذَا
الْكِتَابَ بِذِكْرِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَمَنْ وَلَدَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَلَدِهِ،
وَأَوْلَادِهِمْ لِأَصْلَابِهِمْ، الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، مِنْ
إسْمَاعِيلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ، وَمَا يَعْرِضُ مِنْ حَدِيثهِمْ، وَتَارِكٌ ذِكْرَ غَيْرِهِمْ
مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ لِلِاخْتِصَارِ، إلَى
حَدِيثِ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَتَارِكٌ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ،
مِمَّا لَيْسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
فِيهِ ذِكْرٌ، وَلَا نَزَلَ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ، وَلَيْسَ
سَبَبًا لِشَيْءِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَا تَفْسِيرًا لَهُ، وَلَا
شَاهِدًا عَلَيْهِ، لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ الِاخْتِصَارِ، وَأَشْعَارًا
ذَكَرَهَا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ
يَعْرِفُهَا، وَأَشْيَاءَ بَعْضُهَا يَشْنُعُ الْحَدِيثُ بِهِ، وَبَعْضٌ
يَسُوءُ بَعْضَ النَّاسِ ذِكْرُهُ، وَبَعْضٌ لَمْ يُقِرَّ لَنَا
الْبَكَّائِيُّ بِرِوَايَتِهِ، وَمُسْتَقْصٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْهُ بِمَبْلَغِ الرِّوَايَةِ لَهُ، وَالْعِلْمِ بِهِ.
سِيَاقَةُ النَّسَبِ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
(أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَنَسَبُ أُمِّهِمْ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْبَكَّائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ قَالَ:
وَلَدَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ اثْنَيْ
عَشَرَ رَجُلًا: نَابِتًا، وَكَانَ أَكْبَرَهُمْ،
__________
[1] فِي أهنا: «الفخشذ» . (رَاجع الْحَاشِيَة رقم 3 ص 3 من هَذَا الْجُزْء)
.
[2] (رَاجع الْحَاشِيَة رقم 7 ص 3 من هَذَا الْجُزْء) .
(1/4)
وقَيْذَرُ [1] ، وَأَذْبُلَ [2] ،
وَمُبِشًّا [3] ، وَمِسْمَعًا، وَمَاشِي [4] ، وَدِمَّا [5] ، وَأَذَرُ [6]
، وَطَيْمَا [7] ، وَيَطُورَ [8] ، ونَبِشَ [9] ، وقَيْذُما [10] .
وَأُمُّهُمْ (رَعْلَةُ) [11] بِنْتُ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيُّ-
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مِضَاضٌ. وَجُرْهُمُ بْنُ قَحْطَانَ،
وَقَحْطَانُ أَبُو الْيَمَنِ كلهَا، وَإِلَيْهِ تَجْتَمِع نَسَبُهَا- ابْنُ
عَامِرِ بْنِ شالَخِ بْنِ أرْفَخْشَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ: جُرْهُمُ بْنُ يَقْطَنَ بْنِ عَيْبَرِ بْنِ شَالَخٍ. و (يَقْطَنُ
هُوَ) [12] قَحْطَانُ بْنُ عَيْبَرِ بْنِ شالَخٍ.
(عُمْرُ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَدْفِنُهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ عُمْرُ إسْمَاعِيلَ- فِيمَا يذكرُونَ مائَة
سَنَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
عَلَيْهِ، وَدُفِنَ فِي الْحِجْرِ [13] مَعَ أُمِّهِ هَاجَرَ، رَحِمَهُمْ
اللَّهُ تَعَالَى
__________
[1] كَذَا فِي أ، وَيُقَال فِيهِ: «قيذار» أَيْضا (رَاجع أَنْسَاب
الْعَرَب، وأصول الأحساب) . وَفِي م:
«قيدر» . وَفِي الطَّبَرِيّ، والمعارف: «قيدار» (بِالدَّال الْمُهْملَة فِي
الرِّوَايَتَيْنِ) .
[2] فِي الطَّبَرِيّ وأنساب الْعَرَب: «أدبيل» . وَيُقَال فِيهِ: «أدبال»
أَيْضا.
[3] كَذَا فِي أوالطبري، وأنساب الْعَرَب. وَفِي م: «منشا» . وَفِي أصُول
الأحساب: «مشا» .
[4] فِي الطَّبَرِيّ: «ماسى» بِالسِّين الْمُهْملَة.
[5] وَيُقَال فِيهِ: «دمار» (رَاجع أَنْسَاب الْعَرَب) .
[6] فِي أَنْسَاب الْعَرَب: «أدر» (بِالدَّال الْمُهْملَة) .
[7] كَذَا فِي أ، وَهُوَ بِكَسْر الطَّاء الْمُهْملَة وَفتحهَا وَإِسْكَان
الْيَاء. وَفِي أصُول الأحساب: «تيما» (بِفَتْح التَّاء وَسُكُون الْيَاء)
. وَقَيده الدارقطنيّ: «ظمياء» (بالظاء الْمُعْجَمَة وَتَقْدِيم الْمِيم
ممدودا) . وَفِي الطَّبَرِيّ. «طما» . وَفِي م. «ظيما» .
[8] كَذَا فِي أوأصول الأحساب. وَفِي م «تطورا» (بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة
الْفَوْقِيَّة) . وَفِي الطَّبَرِيّ:
«طور» . وَفِي أَنْسَاب الْعَرَب: «قطور» .
[9] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: «نيش» (بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة
التَّحْتِيَّة) . وَفِي الطَّبَرِيّ: «نَفِيس» . وَفِي أصُول الأحساب:
«يافيش» . وَفِي أَنْسَاب الْعَرَب: «فنس» .
[10] فِي الطَّبَرِيّ وأنساب الْعَرَب: «قيدمان» .
[11] زِيَادَة عَن أ. والّذي فِي الرَّوْض الْأنف أَن أمّهم اسْمهَا
السيدة، وَأَنه كَانَ لإسماعيل امْرَأَة سواهَا من جرهم اسْمهَا جداء بنت
سعد، وَهِي الَّتِي أمره أَبوهُ بتطليقها، ثمَّ تزوج أُخْرَى اسْمهَا: سامة
بنت مهلهل، وَقيل عَاتِكَة.
[12] زِيَادَة يقتضيها السِّيَاق.
[13] الْحجر (بِالْكَسْرِ ثمَّ السّكُون وَرَاء) : حجر الْكَعْبَة، هُوَ
مَا تركت قُرَيْش فِي بنائها من أساس إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام،
وحجرت على الْمَوَاضِع ليعلم أَنه من الْكَعْبَة فَسمى حجرا لذَلِك، لَكِن
فِيهِ زِيَادَة على مَا فِي الْبَيْت، وَقد كَانَ ابْن الزبير أدخلهُ فِي
الْكَعْبَة حِين بناها، فَلَمَّا هدم الْحجَّاج بناءه، رده إِلَى مَا كَانَ
عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
(1/5)
(مَوْطِنُ هَاجَرَ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ: هَاجَرَ وَآجَرَ فَيُبْدِلُونَ
الْأَلِفَ مِنْ الْهَاءِ كَمَا قَالُوا:
هَرَاقَ الْمَاءَ، وَأَرَاقَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ. وَهَاجَرُ مِنْ أَهْلِ
مِصْرَ.
(وَصَاةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ مِصْرَ
وَسَبَبُ ذَلِكَ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ [1] ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ [2] أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
اللَّهَ اللَّهَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، أَهْلِ الْمَدَرَةِ السَّوْدَاءِ
السُّحْمِ الْجِعَادِ [3] ، فَإِنَّ لَهُمْ نَسَبًا وَصِهْرًا. قَالَ
عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ: نَسَبُهُمْ، أَنَّ أُمَّ إسْمَاعِيلَ النَّبِيِّ-
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُمْ. وَصِهْرُهُمْ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تَسَرَّرَ [4] فِيهِمْ.
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: أُمُّ إسْمَاعِيلَ: هَاجَرُ، مِنْ أُمِّ الْعَرَبِ
[5] ، قَرْيَةٍ كَانَتْ أَمَامَ الْفَرَمَا [6]
__________
[1] ابْن لَهِيعَة (بِفَتْح اللَّام وَكسر الْهَاء وَسُكُون الْيَاء
الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَبعدهَا هَاء سَاكِنة) :
هُوَ أَبُو عبد الرَّحْمَن عبد الله بن لَهِيعَة بن عقبَة بن لَهِيعَة
الحضرميّ الغافقي الْمصْرِيّ، كَانَ مكثرا من الحَدِيث وَالْأَخْبَار
وَالرِّوَايَة، وَكَانَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور قد ولاه الْقَضَاء
بِمصْر فِي مستهل سنة خمس وَخمسين وَمِائَة، وَهُوَ أول قَاض ولى بِمصْر من
قبل الْخَلِيفَة، وَصرف عَن الْقَضَاء فِي شهر ربيع الأول سنة أَربع
وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَكَانَ أول قَاض حضر لنظر الْهلَال فِي شهر
رَمَضَان. توفى بِمصْر سنة سبعين وَمِائَة. وَقيل أَربع وَسبعين، وَكَانَ
عمره إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة، وَكَانَ مولده سنة سبع وَتِسْعين (رَاجع
ابْن خلكان) .
[2] هِيَ غفرة بنت بِلَال- وَقيل أُخْته- مولى أَبى بكر الصّديق رضى الله
عَنهُ. (رَاجع شرح السِّيرَة وَالرَّوْض الْأنف) .
[3] المدرة (هُنَا) : الْبَلدة، والسحم: السود، واحدهم: أسحم وسحماء.
والجعاد: الَّذين فِي شعرهم تكسير.
[4] يُقَال: تسرر الرجل وتسرى: إِذا اتخذ أمة لفراشه.
[5] وَيُقَال فِيهَا «أم العريك» ، كَمَا يُقَال إِنَّهَا من قَرْيَة
يُقَال لَهَا «ياق» عِنْد أم دنين. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[6] الفرما أَو الطينة (siravAuoesuelP)
مَدِينَة بِمصْر من شَرق، تبعد عَن سَاحل بَحر الرّوم بِقدر ميلين، كَانَ
لَهَا ميناء عَامر، ويصل إِلَيْهَا فرع من النّيل مُسَمّى باسمها اليوناني
(بيلوزة) أَي الطينة، وَكَانَت فِي زمن الفراعنة حصن مصر من جِهَة الشرق،
وَلذَلِك وَقعت بهَا جملَة وقائع حربية فِي جَمِيع أزمنة التَّارِيخ
الْمصْرِيّ، وتعرف الْآن بتل الفرما، وَيُقَال: إِن فِيهَا قبر أم
إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام، وقبر جالينوس
الْحَكِيم. وفيهَا ولد بطليموس القلوذى (eemelotPedualC)
الفلكي الْمَشْهُور، صَاحب كتاب المجسطي، من أهل الْقرن الثَّانِي من
الميلاد. (رَاجع فهرست المعجم الجغرافى لأمين بك واصف) .
(1/6)
مِنْ مِصْرَ. وَأُمُّ إبْرَاهِيمَ:
مَارِيَةُ [1] سُرِّيَّةُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ، الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ مِنْ حَفْنٍ [2] مِنْ
كُورَةِ أنْصِنا [3] .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ شِهَابِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ السُّلَمِيَّ
حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ:
إذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ
لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا. فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ
الزُّهْرِيِّ: مَا الرَّحِمُ الَّتِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ؟ فَقَالَ:
كَانَتْ هَاجَرُ أُمُّ إسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ.
(أَصْلُ الْعَرَبِ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَالْعَرَبُ كُلُّهَا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ
وَقَحْطَانَ. وَبَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ يَقُولُ: قَحْطَانُ مِنْ وَلَدِ
إسْمَاعِيلَ، وَيَقُولُ: إسْمَاعِيلُ أَبُو الْعَرَبِ كُلِّهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: عَاد بن عوض بْنُ إرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ،
وَثَمُودُ وَجُدَيْسٌ ابْنَا عَابِرِ [4] بْنِ إرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ
نُوحٍ، وطَسْمُ وَعِمْلَاقُ وَأُمَيْمُ بَنُو لَاوِذْ بْنِ سَامِ بْنِ
نُوحٍ: عَرَبٌ كُلُّهُمْ. فَوَلَدَ نَابِتُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: يَشْجُبَ
بْنَ نَابِتٍ، فَوَلَدَ يَشْجُبُ: يَعْرُبَ بْنَ يَشْجُبَ، فَوَلَدَ
يَعْرُبُ: تَيْرَحَ بْنَ يَعْرُبَ، فَوَلَدَ تَيْرَحُ:
__________
[1] هِيَ مَارِيَة بنت شَمْعُون (والمارية بتَخْفِيف الْيَاء: الْبَقَرَة
الْفتية. وبالتشديد: الملساء، فَيُقَال:
قطاة مَارِيَة، أَي ملساء) . وَسبب إهدائها إِلَى النَّبِي أَنه صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل إِلَى الْمُقَوْقس (واسْمه جريج ابْن ميناء)
حَاطِب بن أَبى بلتعة، وجبرا مولى أَبى رهم الغفاريّ، فقارب الْمُقَوْقس
الْإِسْلَام، وَأهْدى مَعَهُمَا إِلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بغلته، الَّتِي يُقَال لَهَا دُلْدُل، ومارية، كَمَا أهْدى
إِلَيْهِ أَيْضا قدحا من قَوَارِير، فَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشرب فِيهِ (عَن الرَّوْض الْأنف) .
[2] حفن: قَرْيَة من قرى الصَّعِيد، وَقيل: نَاحيَة من نواحي مصر، وَفِي
الحَدِيث: أهْدى الْمُقَوْقس إِلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَارِيَة من حفن من رستاق أنصنا، وكلم الْحسن بن على رضى الله
عَنهُ مُعَاوِيَة لأهل حفن، فَوضع عَنْهُم خراج الأَرْض.
[3] أنصنا (بِالْفَتْح ثمَّ السّكُون وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة وَبعدهَا
النُّون مَقْصُورا) : مَدِينَة من نواحي الصَّعِيد على شرقى النّيل،
وَيُقَال إِنَّهَا كَانَت مَدِينَة السَّحَرَة ينْسب إِلَيْهَا كثير من أهل
الْعلم، مِنْهُم: أَبُو طَاهِر الْحُسَيْن ابْن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن
هَاشم الأنصناوي الْمَعْرُوف بالطبري.
[4] فِي أ: «عاثر» .
(1/7)
نَاحُورَ بْنَ تَيْرَحَ، فَوَلَدَ
نَاحُورُ: مُقَوِّمَ بْنَ نَاحُورٍ: أُدَدَ بْنَ مقوّم: فولد مُقَوِّمٍ:
فَوَلَدَ أُدَدُ: عَدْنَانَ بْنَ أُدَدَ [1] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
وَيُقَالُ: عَدْنَانُ بْنُ أُدٍّ.
(أَوْلَادُ عَدْنَانَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَمِنْ عَدْنَانَ تَفَرَّقَتْ الْقَبَائِلُ مِنْ
وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَوَلَدَ
عَدْنَانُ رَجُلَيْنِ: مَعَدَّ بْنَ عَدْنَانَ، وَعَكَّ بْنَ عَدْنَانَ.
(مَوْطِنُ عَكٍّ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَصَارَتْ عَكٌّ فِي دَارِ الْيَمَنِ، وَذَلِكَ أَنَّ
عَكَّا تَزَوَّجَ فِي الْأَشْعَرِيِّينَ فَأَقَامَ فِيهِمْ، فَصَارَتْ
الدَّارُ وَاللُّغَةُ وَاحِدَةً، وَالْأَشْعَرِيُّونَ بَنُو أَشْعَرَ بْنِ
نَبْتِ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ [2] بْنِ هُمَيْسِعِ [3] بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَرِيبِ [4] بْنِ يَشْجُبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ ابْن سَبَأِ بْنِ
يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ، وَيُقَالُ: أَشْعَرُ [5] : نَبْتُ
بْنُ أُدَدَ، وَيُقَالُ: أَشْعَرُ: ابْنُ مَالِكٍ. وَمَالِكٌ: مَذْحجُ بْنُ
أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ هُمَيْسِعِ. وَيُقَالُ أَشْعَرُ: ابْنُ [6] سَبَأِ
بْنِ يَشْجُبَ.
وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ،
لِعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَحَدِ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ
عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ
نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، يَفْخَرُ بِعَكِّ:
__________
[1] بعد مَا سَاق ابْن قُتَيْبَة فِي كِتَابه «المعارف» هَذِه السلسلة،
مُتَّفقا فِيهَا مَعَ مَا هُنَا إِلَّا فِي الْقَلِيل، سَاق رَأيا آخر فِي
نسب عدنان يخْتَلف عَن هَذَا، وينتهى إِلَى قيدار بن إِسْمَاعِيل بَدَلا من
نابت، وَهَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ الجواني فِي كِتَابه «أصُول الأحساب» ،
وَالْإِمَام مُحَمَّد الزيدي فِي كِتَابه «رَوْضَة الْأَلْبَاب» .
[2] وَيُقَال فِيهِ: زند (بالنُّون) كَمَا يُقَال إِنَّه هُوَ الهميسع.
(رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[3] كَذَا فِي أ، وَهِي الرِّوَايَة الَّتِي اتّفقت عَلَيْهَا المراجع
الَّتِي بَين أَيْدِينَا، وَفِي م: مهسع، وَلم نجد مرجعا يُؤَيّد هَذِه
الرِّوَايَة. والهميسع بِفَتْح الْهَاء على وزن السميدع، وَبَعض النسابين
يرويهِ بِالضَّمِّ، وَالصَّوَاب الْفَتْح. (رَاجع أصُول الأحساب) .
[4] الّذي فِي أصُول الأحساب: «يشجب بن عريب» .
[5] كَذَا فِي أ. وَهَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ الجواني فِي كِتَابه أصُول
الأحساب، وَقد ذكر أَن أَوْلَاد أدد هم:
مَالك (مذْحج) وأشعر (نبت) وطين (جلهمة) وَمرَّة. وَفِي م، ر: أشعر بن نبت،
وَالظَّاهِر أَن كلمة «بن» مقحمة.
[6] فِي أصُول الأحساب: أَن هَذَا رأى الصِّحَاح، وَأَنه رأى خاطئ.
(1/8)
وَعَكُّ بْنُ عَدْنَانَ الَّذِينَ
تَلَقَّبُوا [1] ... بِغَسَّانِ حَتَّى طُرِّدُوا كُلَّ مَطْرِدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَغَسَّانُ: مَاءٌ بِسَدِّ مَأْرِبَ
[2] بِالْيَمَنِ، كَانَ شِرْبًا لِوَلَدِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ
الْغَوْثِ فَسُمُّوا بِهِ، وَيُقَالُ: غَسَّانُ: مَاءٌ بِالْمُشَلَّلِ [3]
قَرِيبٌ مِنْ الْجُحْفَةِ [4] ، وَاَلَّذِينَ شَرِبُوا مِنْهُ [5]
فَسُمُّوا بِهِ قَبَائِلُ مِنْ وَلَدِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ [6] ابْن
الْغَوْثِ بْنِ نَبْتِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ
سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ ابْن قَحْطَانَ. قَالَ حَسَّانُ بْنُ
ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ- وَالْأَنْصَارُ بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ،
ابْنَيْ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ
حَارِثَة بن أَمْرِي الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ
الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ:
__________
[1] كَذَا فِي أصُول الأحساب. وَفِي الأَصْل: «تلعبوا» .
[2] قَالَ المرحوم أَمِين بك واصف فِي كِتَابه فهرست المعجم الجغرافى:
«سبأ» أَو مأرب، أَو مارب من غير همز، (وَهُوَ الصَّحِيح فِيهِ) : مَدِينَة
كَانَت بِقرب موقع صنعاء الْيمن، بناها عبد شمس بن يشجب من مُلُوك حمير،
وَهُوَ الّذي بنى أَيْضا السد الْكَبِير لتخزين مياه الأمطار. وانفجر
يَوْمًا فَكَانَ الْغَرق الشهير الْمَعْرُوف بسيل العرم، وَتَفَرَّقَتْ على
أَثَره قبائل بنى قحطان، فَكَانَ مِنْهُم أهل الْحيرَة على الْفُرَات،
وَأهل غَسَّان ببادية الشَّام، وَلَا تزَال آثَار السد بَاقِيَة.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر:
«لما تفرق بَنو قحطان بعد سيل العرم رَحل آل جَفْنَة من الْيمن، والأزد من
بنى كهلان، إِلَى الشَّام، ونزلوا بِمَاء يُقَال لَهُ غَسَّان، فسموا بِهِ،
وَأَقَامُوا ببادية الشَّام، وتزاحموا مَعَ سليح، فغلبوهم على أَمرهم،
وأخرجوهم من دِيَارهمْ، وَبَقِي الغساسنة ملوكا بِالشَّام أَكثر من
أَرْبَعمِائَة سنة، وأولهم جَفْنَة بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة، وَآخرهمْ جبلة
السَّادِس ابْن الْأَيْهَم، وَصَاحب الحَدِيث الْمَشْهُور مَعَ عمر بن
الْخطاب فِي إِسْلَامه وتنصره وفراره إِلَى الرّوم، وَقد سقنا الرأيين
هُنَا لما بَينهمَا من خلاف.
[3] المشلل (بِالضَّمِّ ثمَّ الْفَتْح وَفتح اللَّام أَيْضا) : جبل وَرَاء
عزور (وَاد قريب من الْمَدِينَة) يهْبط مِنْهُ إِلَى قديد من نَاحيَة
الْبَحْر. قَالَ العرجى:
أَلا قل لمن أَمْسَى بِمَكَّة قاطنا ... وَمن جَاءَ من عمق ونقب المشلل
دعوا الْحَج لَا تستهلكوا نفقاتكم ... فَمَا حج هَذَا الْعَام بالمتقبل
(رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ لياقوت، ومعجم مَا استعجم للبكرى) .
[4] الْجحْفَة (بِالضَّمِّ ثمَّ السّكُون وَالْفَاء) : قَرْيَة كَانَت
كَبِيرَة ذَات مِنْبَر على طَرِيق الْمَدِينَة من مَكَّة على أَربع مراحل،
وَهِي مِيقَات أهل مصر وَالشَّام إِن لم يمروا على الْمَدِينَة، فَإِن مروا
بِالْمَدِينَةِ فميقاتهم ذُو الحليفة، وَكَانَ اسْمهَا مهيعة، وَإِنَّمَا
سميت الْجحْفَة لِأَن السَّيْل اجتحفها وَحمل أَهلهَا فِي بعض الأعوام،
وَهِي الْآن خراب. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) .
[5] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: « ... شربوا مِنْهُ تحزبوا فسموا بِهِ ...
إِلَخ» وَالظَّاهِر أَن كلمة تحزبوا مقحمة.
[6] وَيُقَال فِيهِ الأزد أَيْضا.
(1/9)
إمَّا سَأَلْتِ فَإِنَّا مَعْشَرٌ نُجُبٌ
... الْأَسْدُ نِسْبَتُنَا وَالْمَاءُ غَسَّانُ
[1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
فَقَالَتْ الْيَمَنُ: وَبَعْضُ عَكٍّ، وَهُمْ الَّذِينَ بِخُرَاسَانَ
مِنْهُمْ، عَكُّ بْنُ عَدْنَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ
الْغَوْثِ [2] ، وَيُقَالُ: عُدْثَانَ [3] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [4] بْنِ
الْأَسْدِ ابْن الْغَوْثِ.
(أَوْلَادُ مَعَدٍّ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مَعَدُّ بْنُ عَدْنَانَ [5] أَرْبَعَةَ
نَفَرٍ: نِزَارَ بْنَ مَعَدٍّ، وَقُضَاعَةَ ابْن مَعَدٍّ، وَكَانَ
قُضَاعَةُ بِكْرَ [6] مَعَدٍّ الَّذِي بِهِ يُكَنَّى فِيمَا يَزْعُمُونَ،
وقُنُصُ بْنَ مَعَدٍّ، وَإِيَادَ بْنَ مَعَدٍّ.
فَأَمَّا قُضَاعَةُ فَتَيَامَنَتْ إلَى حِمْيَرِ بْنِ سَبَأٍ- وَكَانَ
اسْمُ سَبَأٍ عَبْدَ شَمْسٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ سَبَأً، لِأَنَّهُ أَوَّلُ
مَنْ سَبَى فِي الْعَرَبِ- ابْنِ يَشْجُبَ [7] بْنِ يَعْرُبَ بْنِ
قَحْطَانَ.
(قُضَاعَةُ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَقَالَتْ الْيَمَنُ وَقُضَاعَةُ: قُضَاعَةُ بْنُ
مَالِكِ بْنِ حِمْيَرَ [8] . وَقَالَ
__________
[1] وَقبل هَذَا الْبَيْت:
يَا أُخْت آل فراس إِنَّنِي رجل ... من معشر لَهُم فِي الْمجد بُنيان
[2] وَبِهَذَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كِتَابه المعارف، وَابْن دُرَيْد:
فِي الِاشْتِقَاق، والجواني: فِي أصُول الأحساب.
[3] كَذَا فِي أ. وَقد نَقله الجواني أَيْضا فِي أصُول الأحساب عَن
الْأَفْطَس الطرابلسي النسابة بعد مَا سَاق الرأى الأول، وَفِي م، ر
«عدنان» بالنُّون.
[4] فِي الأَصْل: «عدثان (عدنان) بن الديث بن عبد الله ... إِلَخ» .
وَالظَّاهِر أَن كلمة «بن الديث» مقحمة، فَكل الَّذين عرضوا لعك بن عدنان
الَّذين فِي الأزد من النسابة لم يذكرُوا فِي نسبهم غير الرأيين
السَّابِقين.
[5] لَا خلاف بَين النسابين فِي أَن نزار هُوَ ابْن معد، وَأما سَائِر ولد
معد فمختلف فيهم، وَفِي عَددهمْ.
[6] الْبكر: أول ولد الرجل، وَأَبوهُ بكر، والثني: وَلَده الثَّانِي،
وَأَبوهُ ثنى، وَالثَّالِث: وَلَده الثَّالِث، وَلَا يُقَال للْأَب ثلث،
كَمَا لَا يُقَال بعد الثَّالِث شَيْء من هَذَا.
[7] فِي الأَصْل: «ابْن يعرب بن يشجب» . والتصويب عَن شرح السِّيرَة.
[8] يخْتَلف النسابون- كَمَا رَأَيْت- فِي نسب قضاعة، فَمنهمْ من جعله فِي
معد، وَمِنْهُم من نسبه إِلَى مَالك بن حمير، وَقد سَاق الْمُؤلف قَول ابْن
مرّة سندا للرأى الثَّانِي، وَمِمَّا يحْتَج بِهِ أَصْحَاب الرأى الأول،
قَول زُهَيْر:
(1/10)
عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ [1] الْجُهَنِيُّ،
وَجُهَيْنَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ
الْحَافِ [2] ابْن قُضَاعَةَ:
نَحْنُ بَنُو الشَّيْخِ الْهِجَانِ الْأَزْهَرَ [3] ... قُضَاعَةَ بْنَ
مَالِكِ بْنِ حِمْيَرِ [4]
النَّسَبِ الْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ ... فِي الْحَجَرِ الْمَنْقُوشِ
تَحْتَ الْمِنْبَرِ
[5]
(قُنُصُ بْنُ مَعَدٍّ، وَنَسَبُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا قُنُصُ بْنُ مَعَدٍّ فَهَلَكَتْ
بَقِيَّتُهُمْ- فِيمَا يَزْعُمُ نُسَّابُ مَعَدٍّ- وَكَانَ مِنْهُمْ
النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ مَلِكُ الْحِيرَةِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ
كَانَ مِنْ وَلَدِ قُنُصِ بْنِ مَعَدٍّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ:
قَنَصَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي
زُرَيْقٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ:
__________
[ () ]
قضاعية أَو أُخْتهَا مضرية ... يحرق فِي حافاتها الْحَطب الجزل
فَفِيهِ أَن قضاعة وَمُضر أَخَوان، كَمَا يحتجون بأشعار كَثِيرَة للبيد
وَغَيره. وللكميت يُعَاتب قضاعة على انتسابهم إِلَى الْيمن:
علام نزلتم من غير فقر ... وَلَا ضراء منزلَة الْحميل
(والحميل: المسبى، لِأَنَّهُ يحمل من بلد إِلَى بلد) .
وَإِذا عرفنَا أَن امْرَأَة مَالك بن حمير- وَاسْمهَا عكبرة- آمت مِنْهُ
وَهِي ترْضع قضاعة، فَتَزَوجهَا معد، فَتَبَنَّاهُ وتكنى بِهِ، وَهَذَا
كثير فِي الْعَرَب- فقد نسب بَنو عبد مَنَاة بن كنَانَة إِلَى على بن
مَسْعُود بن مَازِن بن الذِّئْب الْأَسدي، لِأَنَّهُ كَانَ حاضن أَبِيهِم
وَزوج أمّهم- إِذا عرفنَا هَذَا استطعنا أَن نَعْرِف السِّرّ فِي اخْتِلَاف
النسابين، وَأَن للرأيين نَصِيبا من الصِّحَّة.
[1] ويكنى أَبَا مرّة، وَهُوَ من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَله عَنهُ حديثان أَحدهمَا فِي أَعْلَام النُّبُوَّة،
وَالْآخر: «من ولى أَمر النَّاس فسد بَابه دون ذوى الْحَاجة والخلة
والمسكنة، سد الله بَابه دون حَاجته وَخلته ومسكنته يَوْم الْقِيَامَة» .
[2] يجوز فِي «الحاف» قطع الْهمزَة وَكسرهَا، كَأَنَّهُ سمى بمصدر ألحف،
وَيجوز أَن يكون اسْم الْفَاعِل من حفى يحفى.
[3] الهجان: الْكَرِيم، والأزهر: الْمَشْهُور.
[4] أول هَذَا الرجز:
يَا أَيهَا الدَّاعِي ادعنا وَابْشَرْ ... وَكن قضاعيا وَلَا تنزر
[5] هَذَا الشّطْر الْأَخير سَاقِط فِي أ. وَيُقَال إِن هَذَا الشّعْر
لأفلح بن اليعبوب. (رَاجع الرَّوْض الْأنف للسهيلى) .
(1/11)
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ حِينَ أُتِيَ بِسَيْفِ النُّعْمَانِ [1] بْنِ الْمُنْذِرِ،
دَعَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ- وَكَانَ جُبَيْرُ مِنْ أَنْسَبِ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشِ
وَلِلْعَرَبِ قَاطِبَةً، وَكَانَ يَقُولُ: إنَّمَا أَخَذْتُ النَّسَبَ مِنْ
أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ أَنْسَبَ الْعَرَبِ- فَسَلَّحَهُ [2] إيَّاهُ، ثُمَّ قَالَ:
مِمَّنْ كَانَ يَا جُبَيْرُ، النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ؟ فَقَالَ:
كَانَ مِنْ أَشْلَاءِ [3] قُنُصِ بْنِ مَعَدٍّ [4] .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمَّا سَائِرُ الْعَرَبِ فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ
كَانَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ، مِنْ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، فاللَّه
أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
(نَسَبُ لَخْمِ بْنِ عَدِيٍّ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَخْمُ: ابْنُ عَدِيِّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُرَّةَ
بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ هُمَيْسِعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ
يَشْجُبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ:
لَخْمُ: ابْنُ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: رَبِيعَةُ
بْنُ نَصْرِ [5] بْنِ أَبِي حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَكَانَ
تَخَلَّفَ بِالْيَمَنِ بَعْدَ خُرُوجِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ
الْيَمَنِ.
__________
[1] وَكَانَ ذَلِك حِين افتتحت الْمَدَائِن، وَكَانَت بهَا حرائب كسْرَى
وذخائره فَأخذت، وَكَانَ فِيهَا خَمْسَة أسياف لم ير مثلهَا، أَحدهَا هَذَا
السَّيْف. (رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[2] سلحه إِيَّاه: قَلّدهُ إِيَّاه، وَجعله سِلَاحا لَهُ.
[3] الأشلاء: البقايا. وَكَانَ السَّبَب فِي هَلَاك أَوْلَاد قنص أَنهم لما
كَثُرُوا وانتشروا بالحجاز وَقعت بَينهم وَبَين أَبِيهِم حَرْب، وتضايقوا
فِي الْبِلَاد، وأجدبت بهم الأَرْض، فَسَارُوا نَحْو سَواد الْعرَاق،
وَذَلِكَ أَيَّام مُلُوك الطوائف، فَقَاتلهُمْ الأردانيون وَبَعض مُلُوك
الطوائف، وأجلوهم عَن السوَاد، وقتلوهم إِلَّا أشلاء لحقت بقبائل الْعَرَب،
ودخلوا فيهم، وانتسبوا إِلَيْهِم.
[4] وَقيل إِن النُّعْمَان بن الْمُنْذر كَانَ من ولد عجم بن قنص، إِلَّا
أَن النَّاس لم يدروا مَا عجم، فَجعلُوا مَكَانَهُ لخما، فَقَالُوا: هُوَ
من لخم. (رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[5] وَيُقَال: هُوَ نصر بن مَالك بن شعوذ بن مَالك بن عجم بن عَمْرو بن
نمارة من لخم (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
(1/12)
أَمْرُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ فِي خُرُوجِهِ
مِنْ الْيَمَنِ وَقِصَّةُ سَدِّ مَأْرِبٍ
وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ الْيَمَنِ- فِيمَا
حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ- أَنَّهُ رَأَى جُرَذًا [1]
يَحْفِرُ فِي سَدِّ مَأْرِبٍ، الَّذِي كَانَ يَحْبِسُ عَلَيْهِمْ الْمَاءَ،
فَيُصَرِّفُونَهُ حَيْثُ شَاءُوا مِنْ أَرْضِهِمْ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا
بَقَاءَ لِلسَّدِّ عَلَى ذَلِكَ، فَاعْتَزَمَ عَلَى النُّقْلَةِ مِنْ
الْيَمَنِ، فَكَادَ قَوْمَهُ، فَأَمَرَ أَصْغَرَ وَلَدِهِ إذَا أَغْلَظَ
لَهُ وَلَطَمَهُ أَنْ يَقُومَ إلَيْهِ فَيَلْطِمَهُ، فَفَعَلَ ابْنُهُ مَا
أَمَرَهُ بِهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: لَا أُقِيمُ بِبَلَدِ لَطَمَ وَجْهِي
فِيهِ أَصْغَرُ وَلَدِي، وَعَرَضَ أَمْوَالَهُ. فَقَالَ أَشْرَافٌ مِنْ
أَشْرَافِ الْيَمَنِ: اغْتَنِمُوا غَضْبَةَ عَمْرٍو، فَاشْتَرَوْا مِنْهُ
أَمْوَالَهُ. وَانْتَقَلَ فِي وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ. وَقَالَتْ
الْأَزْدُ: لَا نَتَخَلَّفُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، فَبَاعُوا
أَمْوَالَهُمْ، وَخَرَجُوا مَعَهُ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا بِلَادَ
عَكٍّ مُجْتَازِينَ يَرْتَادُونَ الْبُلْدَانَ، فَحَارَبَتْهُمْ عَكٌّ،
فَكَانَتْ حَرْبُهُمْ سِجَالًا [2] . فَفِي ذَلِكَ قَالَ عَبَّاسُ بْنُ
مِرْدَاسٍ الْبَيْتَ الَّذِي كَتَبْنَا [3] . ثُمَّ ارْتَحَلُوا عَنْهُمْ
فَتَفَرَّقُوا فِي الْبُلْدَانِ، فَنَزَلَ آلُ جَفْنَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَامِرٍ الشَّامَ، وَنَزَلَتْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ يَثْرِبَ،
وَنَزَلَتْ خُزَاعَةُ مَرَّا [4] ، وَنَزَلَتْ أَزْد السّراة السَّرَاةَ
[5] ، وَنَزَلَتْ أَزْدُ عَمَّانَ عُمَانَ، ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ
تَعَالَى عَلَى السَّدِّ السَّيْلَ فَهَدَمَهُ، فَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ، جَنَّتانِ عَنْ
يَمِينٍ وَشِمالٍ، كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ
طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ، فَأَعْرَضُوا، فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ
الْعَرِمِ 34: 15- 16.
__________
[1] الجرذ: الذّكر من الفئران.
[2] السجال: أَن يغلب هَؤُلَاءِ مرّة وَهَؤُلَاء مرّة. وَأَصله من المساجلة
فِي الاستقاء، وَهُوَ أَن يخرج المستقى من المَاء مثل مَا يخرج صَاحبه.
[3] رَاجع هَذَا الْبَيْت وَالتَّعْلِيق عَلَيْهِ (فِي أول ص 9 من هَذَا
الْجُزْء) .
[4] مر: هُوَ الّذي يُقَال لَهُ مر الظهْرَان، وَمر ظهران، وَهُوَ مَوضِع
على مرحلة من مَكَّة.
[5] قَالَ الْأَصْمَعِي: الطود: جبل مشرف على عَرَفَة ينقاد إِلَى صنعاء
يُقَال لَهُ السراة، وَإِنَّمَا سمى بذلك لعلوه، يُقَال لَهُ سراة ثَقِيف،
ثمَّ سراة فهم وعدوان، ثمَّ سراة الأزد. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
(1/13)
وَالْعَرِمُ: السَّدُّ، وَاحِدَتُهُ:
عَرِمَةٌ، فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ.
قَالَ الْأَعْشَى: أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ
بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هِنْبِ بْنِ
أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ
مَعَدٍّ.
- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَفْصَى بْنِ دُعْمِيِّ بْنِ [1]
جَدِيلَةَ، وَاسْمُ الْأَعْشَى، مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلِ بْنِ
شَرَاحِيلَ بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ قَيْسِ ابْن
ثَعْلَبَةَ:
وَفِي ذَاكَ لِلْمُؤْتَسِي أُسْوَةٌ [2] ... ومارِبُ عَفَّى [3] عَلَيْهَا
العَرِمْ
رُخَامٌ بَنَتْهُ لَهُمْ حِمْيرٌ ... إذَا جَاءَ [4] مَوَّارُهُ لَمْ
يَرِمْ
فَأَرْوَى الزُّرُوعَ وَأَعْنَابَهَا ... عَلَى سَعَةٍ مَاؤُهُمْ إذْ
قُسِمْ
فَصَارُوا أيادي [5] مَا يقدرُونَ ... مِنْهُ عَلَى شُرْبِ [6] طِفْلٍ
فُطِمْ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ- وَاسْمُ ثَقِيفٍ
قَسِيُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ
عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ
نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ بْنِ عَدْنَانَ:
مِنْ سَبَأِ الْحَاضِرِينَ مَأْرِبَ إذْ ... يَبْنُونَ مِنْ دُونِ سَيْلِهِ
الْعَرِمَا
[7] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَتُرْوَى لِلنَّابِغَةِ
الْجَعْدِيِّ، وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَحَدُ بَنِي جَعْدَةَ
بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ
بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ.
وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ، مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْتُ مِنْ
الِاخْتِصَارِ.
__________
[1] وعَلى هَذَا الرأى ابْن دُرَيْد فِي كِتَابه «الِاشْتِقَاق» .
[2] المؤتسى: المقتدى. والإسوة (بِالْكَسْرِ وَالضَّم) : الِاقْتِدَاء.
[3] ويروى: «نفى» وَمَعْنَاهَا: نحى.
[4] مواره (بِضَم الْمِيم وَفتحهَا) : تلاطم مَائه وتموجه.
[5] أيادي: مُتَفَرّقين.
[6] الشّرْب (بِالضَّمِّ) : الْمصدر. و (بِالْكَسْرِ) : الْحَظ والنصيب من
المَاء.
[7] فِي هَذَا الْبَيْت شَاهد على أَن العرم هُوَ السد.
(1/14)
أَمْرُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرِ مَلِكِ
الْيَمَنِ وَقِصَّةُ شِقٍّ وَسَطِيحٍ الْكَاهِنَيْنِ مَعَهُ
(رُؤْيَا رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ مَلِكُ الْيَمَنِ
بَيْنَ أَضْعَافِ مُلُوكِ التَّبَابِعَةِ، فَرَأَى رُؤْيَا هَالَتْهُ،
وَفَظِعَ [1] بِهَا فَلَمْ يَدَعْ كَاهِنًا، وَلَا سَاحِرًا، وَلَا
عَائِفًا [2] وَلَا مُنَجِّمًا مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ إلَّا جَمَعَهُ
إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي،
وَفَظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرُونِي بِهَا وَبِتَأْوِيلِهَا، قَالُوا لَهُ:
اُقْصُصْهَا عَلَيْنَا نُخْبِرْكَ بِتَأْوِيلِهَا، قَالَ: إنِّي إنْ
أَخْبَرْتُكُمْ بِهَا لَمْ أَطْمَئِنَّ إلَى خَبَرِكُمْ عَنْ تَأْوِيلِهَا،
فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ تَأْوِيلَهَا إلَّا مَنْ عَرَفَهَا قَبْلَ أَنْ
أُخْبِرَهُ بِهَا. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: فَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ
يُرِيدُ هَذَا فَلْيَبْعَثْ إلَى سَطِيحٍ [3] وَشِقٍّ [4] ، فَإِنَّهُ
لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُمَا، فَهُمَا يُخْبِرَانِهِ بِمَا سَأَلَ
عَنْهُ.
(نَسَبُ سَطِيحٍ وَشِقٍّ) :
وَاسْمُ سَطِيحٍ رَبِيعُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَازِنِ بْنِ
ذِئْبِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَازِنِ غَسَّانَ.
وَشِقٌّ: ابْنُ صَعْبِ بْنُ يَشْكُرَ بْنِ رُهْمِ بْنِ أَفْرَكَ بْنِ
قَسْرِ [5] بْنِ عَبْقَرَ بْنِ أَنْمَارِ بْنِ نِزَارٍ [6] ، وَأَنْمَارُ
أَبُو بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ.
(نَسَبُ بَجِيلَةَ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَتْ: الْيَمَنُ وَبَجِيلَةُ: (بَنُو) [7]
أَنْمَارِ: بْنِ إرَاشِ
__________
[1] يُقَال: فظع بِالْأَمر (كعلم) : إِذا اشْتَدَّ عَلَيْهِ.
[2] العائف: الّذي يزْجر الطير.
[3] يُقَال: إِنَّمَا سمى سطيحا لِأَنَّهُ كَانَ كالبضعة الملقاة على
الأَرْض، فَكَأَنَّهُ سطح عَلَيْهَا، ويروى عَن وهب بن مُنَبّه أَنه قَالَ:
قيل لسطيح: أَنى لَك هَذَا الْعلم؟ فَقَالَ: لي صَاحب من الْجِنّ اسْتمع
أَخْبَار السَّمَاء من طور سيناء حِين كلم الله تَعَالَى مِنْهُ مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَام، فَهُوَ يُؤدى إِلَى من ذَلِك مَا يُؤَدِّيه، وَقد ولد
هُوَ وشق فِي الْيَوْم الّذي مَاتَت فِيهِ طريفة الكاهنة امْرَأَة عَمْرو
بن عَامر.
[4] يُقَال إِنَّه سمى كَذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ كشق إِنْسَان، كَمَا يُقَال
إِن خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي كَانَ من وَلَده.
[5] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: «قيس» .
[6] كَذَا فِي م، ر: وَهِي إِحْدَى رِوَايَات المعارف لِابْنِ قُتَيْبَة.
وَفِي أ: «أَنْمَار بن أراش» .
[7] زِيَادَة يقتضيها السِّيَاق.
(1/15)
ابْن لِحْيَانَ [1] بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْغَوْثِ بْنِ نَبْتِ [2] بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ
سَبَأٍ، وَيُقَالُ: إرَاشُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لِحْيَانَ بْنِ الْغَوْثِ [3]
. وَدَارُ بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ يَمَانِيَّةٌ.
(رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ وَسَطِيحٌ) .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَعَثَ إلَيْهِمَا، فَقَدِمَ عَلَيْهِ سَطِيحٌ
قَبْلَ شِقٍّ، فَقَالَ لَهُ: إنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي وَفَظِعْتُ
بِهَا، فَأَخْبِرْنِي بِهَا، فَإِنَّكَ إنْ أَصَبْتَهَا أَصَبْتَ
تَأْوِيلَهَا.
قَالَ: أَفْعَلُ، رَأَيْتُ حُمَمَهُ [4] خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمِهِ [5] ،
فَوَقَعَتْ بِأَرْضِ تُهَمِهِ [6] ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ [7]
جُمْجُمَهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أَخْطَأْتَ مِنْهَا شَيْئًا يَا
سَطِيحٌ، فَمَا عِنْدَكَ فِي تَأْوِيلِهَا؟ فَقَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ
الْحَرَّتَيْنِ [8] مِنْ حَنَشٍ، لَتَهْبِطَنَّ أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ [9] ،
فَلَتَمْلِكَنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ [10] إلَى جُرَشَ [11] ، فَقَالَ لَهُ
الْمَلِكُ:
__________
[1] سَاق ابْن دُرَيْد هَذَا الرأى إِلَّا أَنه لم يذكر فِيهِ «لحيان» .
[2] كَذَا فِي أوالاشتقاق لِابْنِ دُرَيْد. وَفِي م، ر: «نايت» .
[3] وَيُقَال أَيْضا فِي نسب بجيلة وخثعم إنَّهُمَا ليسَا لأنمار،
وَإِنَّمَا هما حليفان لوَلَده. (رَاجع المعارف لِابْنِ قُتَيْبَة) .
[4] الحممة: الفحمة، وَإِنَّمَا أَرَادَ فَحْمَة فِيهَا نَار.
[5] من ظلمَة: أَي من ظلام، يعْنى من جِهَة الْبَحْر، يُرِيد خُرُوج
عَسْكَر الْحَبَشَة من أَرض السودَان.
[6] التُّهْمَة: الأَرْض المتصوبة نَحْو الْبَحْر.
[7] قَالَ «كل ذَات» لِأَن الْقَصْد إِلَى النَّفس والنسمة، وَيدخل فِيهِ
جَمِيع ذَوَات الْأَرْوَاح. (عَن الرَّوْض الْأنف) .
[8] الْحرَّة: أَرض فِيهَا حِجَارَة سود متشيطة.
[9] يُقَال إِنَّهُم بَنو حبش بن كوش بن حام بن نوح، وَبِه سميت
الْحَبَشَة.
[10] أبين (بِفَتْح أَوله وبكسر، وَيُقَال: يبين، وَذكره سِيبَوَيْهٍ فِي
الْأَمْثِلَة بِكَسْر الْهمزَة وَلَا يعرف أهل الْيمن غير الْفَتْح، وَحكى
أَبُو حَاتِم قَالَ: سَأَلنَا أَبَا عُبَيْدَة: كَيفَ تَقول: عدن أبين أَو
إبين؟ فَقَالَ:
أبين وإبين جَمِيعًا) : مخلاف بِالْيمن مِنْهُ عدن، يُقَال إِنَّه سمى
بأبين بن زُهَيْر بن أَيمن. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: عدن وَأبين ابْنا عدنان
بن أدد، وَأنْشد الْفراء:
مَا من أنَاس بَين مصر وعالج ... وَأبين إِلَّا قد تركنَا لَهُم وترا
وَنحن قتلنَا الأزد أَزْد شنُوءَة ... فَمَا شربوا بعدا على لَذَّة خمرًا
وَقَالَ عمَارَة بن الْحسن الْيُمْنَى الشَّاعِر: أبين: مَوضِع فِي جبل
عدن. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) .
[11] جرش (بِالضَّمِّ ثمَّ الْفَتْح وشين مُعْجمَة) : من مخاليف الْيمن من
جِهَة مَكَّة، وَقيل: هِيَ مَدِينَة عَظِيمَة بِالْيمن، وَولَايَة
وَاسِعَة. وَذكر بعض أهل السّير: أَن تبعا أسعد بن كلى كرب خرج من الْيمن
غازيا
(1/16)
وَأَبِيكَ يَا سَطِيحُ، إنَّ هَذَا لَنَا
لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟ أَفِي زَمَانِي هَذَا، أَمْ
بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَعْدَهُ بِحِينِ، أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ أَوْ
سَبْعِينَ، يَمْضِينَ مِنْ السِّنِينَ قَالَ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ
مُلْكِهِمْ أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ يَنْقَطِعُ لِبِضْعِ
وَسَبْعِينَ مِنْ السِّنِينَ، ثُمَّ يُقْتَلُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا
هَارِبِينَ، قَالَ: وَمَنْ يَلِي مِنْ ذَلِكَ مِنْ قَتْلِهِمْ
وَإِخْرَاجِهِمْ؟ قَالَ: يَلِيهِ إرَمُ (بْنُ) [1] ذِي يَزَنَ [2] ،
يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنَ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ
بِالْيَمَنِ، قَالَ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ سُلْطَانِهِ، أَمْ
يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ يَنْقَطِعُ، قَالَ: وَمَنْ يَقْطَعُهُ؟
قَالَ: نَبِيٌّ [3] زَكِيٌّ، يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيِّ،
قَالَ: وَمِمَّنْ هَذَا النَّبِيُّ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ غَالِبِ
بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ
إلَى آخِرِ الدَّهْرِ، قَالَ: وَهَلْ لِلدَّهْرِ مِنْ آخِرٍ؟ قَالَ:
نَعَمْ، يَوْمٌ يُجْمَعُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، يَسْعَدُ
فِيهِ الْمُحْسِنُونَ، وَيَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونَ قَالَ: أَحَقٌّ مَا
تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالشَّفَقُ وَالْغَسَقُ، وَالْفَلَقُ إذَا
اتَّسَقَ، إنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ بِهِ لَحَقٌّ.
(رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ وَشِقٌّ) :
ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ شِقٌّ، فَقَالَ لَهُ كَقَوْلِهِ لِسَطِيحِ،
وَكَتَمَهُ مَا قَالَ سَطِيحٌ، لِيَنْظُرَ أَيَتَّفِقَانِ أَمْ
يَخْتَلِفَانِ، فَقَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ حُمَمَهُ، خَرَجَتْ مِنْ
ظُلُمِهِ، فَوَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا
كُلَّ ذَاتِ نَسَمَهْ.
__________
[ () ] (حَتَّى إِذا كَانَ بجرش، وَهِي إِذْ ذَاك خربة ومعد حَالَة
حواليها، خلف جمعا مِمَّن كَانَ صَحبه رأى فيهم ضعفا، وَقَالَ: اجرشوا
هَاهُنَا، أَي أثيروا، فسميت جرش بذلك، وَلم أجد فِي اللغويين من قَالَ:
إِن الجرش الْمقَام وَقَالَ أَبُو الْمُنْذر هِشَام: جرش: أَرض سكنها بَنو
مُنَبّه بن أسلم، فَغلبَتْ على اسمهم، وَهُوَ جرش، واسْمه مُنَبّه بن أسلم
بن زيد، وَإِلَى هَذِه الْقَبِيلَة ينْسب الْغَاز بن ربيعَة. وَفتحت جرش
فِي حَيَاة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سنة عشر
لِلْهِجْرَةِ.
[1] زِيَادَة يقتضيها السِّيَاق.
[2] الْمَعْرُوف: سيف بن ذِي يزن، وَلكنه جعله إرما، إِمَّا لِأَن الإرم
هُوَ الْعلم فمدحه بذلك، وَإِمَّا أَن يكون أَرَادَ تشبيهه بعاد إرم فِي
عظم الْخلق وَالْقُوَّة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[3] قد عمر سطيح زَمَانا طَويلا بعد هَذَا الحَدِيث، حَتَّى أدْرك مولد
النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَتَّى رأى كسْرَى أنوشروان
مَا رأى من ارتجاس الإيوان، وخمود النيرَان، فَأرْسل كسْرَى عبد الْمَسِيح
بن عَمْرو- وَكَانَ سطيح من أخوال عبد الْمَسِيح- فَقدم عبد الْمَسِيح على
سطيح، وَقد أشفى على الْمَوْت، وَله مَعَه حَدِيث ترَاهُ مَبْسُوطا فِي كتب
التَّارِيخ.
2- سيرة ابْن هِشَام- 1
(1/17)
قَالَ: فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ،
وَعَرَفَ أَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا وَأَنَّ قَوْلَهُمَا وَاحِدٌ إلَّا
أَنَّ سَطِيحًا قَالَ: «وَقَعَتْ بِأَرْضِ تَهَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا
كُلَّ ذَاتِ جُمْجُمَهُ» . وَقَالَ شِقٌّ:
«وَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ
نَسَمَهْ» .
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أَخْطَأْتَ يَا شِقُّ مِنْهَا شَيْئًا، فَمَا
عِنْدَكَ فِي تَأْوِيلِهَا؟ قَالَ:
أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ مِنْ إنْسَانٍ، لَيَنْزِلَنَّ
أَرْضَكُمْ السُّودَانُ، فَلَيَغْلِبُنَّ عَلَى كُلِّ طَفْلَةِ [1]
الْبَنَانِ، وَلَيَمْلِكُنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى نَجْرَانَ.
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَأَبِيكَ يَا شِقُّ، إنَّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ
مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟
أَفِي زَمَانِي، أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَعْدَهُ بِزَمَانِ،
ثُمَّ يَسْتَنْقِذُكُمْ مِنْهُمْ عَظِيمٌ ذُو شَأْنٍ، وَيُذِيقُهُمْ
أَشَدَّ الْهَوَانِ، قَالَ: وَمَنْ هَذَا الْعَظِيمُ الشَّانِ؟ قَالَ:
غُلَامٌ لَيْسَ بِدَنِيِّ، وَلَا مُدَنٍّ [2] ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ
بَيْتِ ذِي يَزَنَ، (فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ) [3] ،
قَالَ: أَفَيَدُومُ سُلْطَانُهُ، أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ
بِرَسُولِ مُرْسَلٍ يَأْتِي بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، بَيْنَ أَهْلِ
الدِّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى يَوْمِ
الْفَصْلِ، قَالَ: وَمَا يَوْمُ الْفَصْلِ؟ قَالَ: يَوْمٌ تُجْزَى فِيهِ
الْوُلَاةُ، وَيُدْعَى فِيهِ مِنْ السَّمَاءِ بِدَعَوَاتِ، يَسْمَعُ
مِنْهَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، وَيُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ
لِلْمِيقَاتِ، يَكُونُ فِيهِ لِمَنْ اتَّقَى الْفَوْزُ وَالْخَيْرَاتُ،
قَالَ: أَحَقٌّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إِي وَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ،
وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ رَفْعٍ وَخَفْضٍ، إنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ بِهِ
لَحَقٌّ مَا فِيهِ أَمْضِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَمْضِ: يَعْنِي شَكَّا، هَذَا بِلُغَةِ حِمْيَرَ،
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: أَمْضِ أَيْ بَاطِلٌ.
(هِجْرَةُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ إلَى الْعِرَاقِ) :
فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ مَا قَالَا. فَجَهَّزَ بَنِيهِ
وَأَهْلَ بَيْتِهِ إلَى الْعِرَاقِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَكَتَبَ لَهُمْ
إلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ يُقَالُ لَهُ سَابُورُ بْنُ خُرَّزاذَ،
فَأَسْكَنَهُمْ الْحِيرَةَ.
__________
[1] الطفلة: الناعمة الرُّخْصَة.
[2] الْمدنِي: «بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل» المقصر فِي الْأُمُور أَو الّذي
يتبع خسيسها. وَفِي ابْن الْأَثِير:
«مزن» من أزننته بِكَذَا: أَي اتهمته بِهِ.
[3] زِيَادَة عَن أ.
(1/18)
(نَسَبُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ) :
فَمِنْ بَقِيَّةِ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ النُّعْمَانُ بْنُ
الْمُنْذِرِ، فَهُوَ فِي نَسَبِ الْيَمَنِ وَعِلْمِهِمْ [1] النُّعْمَانُ
بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، ذَلِكَ الْمَلِكُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُنْذِرِ،
فِيمَا أَخْبَرَنِي خَلَفٌ الْأَحْمَرُ.
اسْتِيلَاءُ أَبِي كَرِبٍ تُبَّانَ أَسْعَدَ عَلَى مَلِكِ الْيَمَنِ
وَغَزْوِهِ إلَى يَثْرِبَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا هَلَكَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ رَجَعَ
مُلْكُ الْيَمَنِ كُلُّهُ إلَى حَسَّانِ بْنِ تُبَّانَ أَسْعَدَ [2] أَبِي
كَرِبٍ- وَتُبَّانُ أَسْعَدُ هُوَ تُبَّعٌ الْآخِرُ- ابْنُ كُلِي كَرِبِ
[3] بْنِ زَيْدٍ، وَزَيْدٌ هُوَ تُبَّعٌ الْأَوَّلُ بْنُ عَمْرِو ذِي [4]
الْأَذْعَارِ [5] بْنِ أَبْرَهَةَ ذِي الْمَنَارِ [6] بْنِ الرِّيشِ- قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الرَّائِشُ- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ابْنَ عَدِيِّ
[7] بْنِ صَيْفِيِّ ابْن سَبَأٍ الْأَصْغَرِ بْنِ كَعْبٍ، كَهْفِ الظُّلْمِ
[8] ، بْنِ زَيْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عَمْرِو
__________
[1] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر، ط: «غلبهم» وَلَا معنى لَهَا.
[2] تبان أسعد: اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا، كَمَا هِيَ الْحَال فِي
معديكرب. وتبان من التبانة، وَهِي الذكاء والفطنة.
[3] كَذَا فِي جَمِيع المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا، وَفِي الأَصْل
«كليككرب» وَهُوَ تَحْرِيف.
[4] اتّفق أَبُو الْفِدَاء وَابْن جرير مَعَ ابْن إِسْحَاق على أَن ذَا
الأذعار هُوَ عَمْرو، وَخَالَفَهُمَا المَسْعُودِيّ فِي «مروج الذَّهَب»
فَقَالَ إِن فَقَالَ إِن اسْمه العَبْد بن أَبْرَهَة، كَمَا ذهب ابْن
دُرَيْد فِي كِتَابه «الِاشْتِقَاق» إِلَى أَن ذَا الأذعار هُوَ تبع، وَلم
يقف الْخلاف فِي المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا عِنْد هَذَا فِي مُلُوك
الْيمن، بل تجاوزه إِلَى كثير غَيره رَأينَا عدم إثْبَاته، إِذْ لَا طائل
تَحْتَهُ.
[5] سمى ذَا الأذعار لِأَنَّهُ- كَمَا زعم ابْن الْكَلْبِيّ- جلب النسناس
إِلَى الْيمن فذعر النَّاس، وَهُوَ قَول يحْتَاج إِلَى تمحيص. (رَاجع
الِاشْتِقَاق، وَشرح السِّيرَة لأبى ذَر) .
[6] قيل سمى ذَا الْمنَار لِأَنَّهُ غزا غزوا بَعيدا، وَكَانَ بيني على
طَرِيقه الْمنَار ليستدل بِهِ إِذا رَجَعَ. (عَن شرح السِّيرَة) .
[7] فِي الطَّبَرِيّ «قيس» .
[8] يُرِيد أَن الظَّالِم كَانَ يلجأ إِلَيْهِ، ويعتمد عَلَيْهِ، فينصره.
(1/19)
ابْن قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ
بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ وَائِلِ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ قَطَنِ بْنِ عَرِيبِ
بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَيْمَنَ بْنِ الهُمَيْسِعِ بْنِ العَرَنجَج
والعَرَنْجَجُ [1] : حِمْيَرُ بْنُ سَبَأٍ الْأَكْبَرِ ابْن يَعْرُبَ بْنِ
يَشْجُبَ بْنِ قَحْطَانَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَشْجُبُ: ابْنُ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ [2] .
(شَيْءٌ مِنْ سِيرَةِ تُبَّانَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتُبَّانُ أَسْعَدُ أَبُو كَرِبٍ الَّذِي قَدِمَ
الْمَدِينَةَ، وَسَاقَ الْحِبْرَيْنِ مِنْ يَهُودِ (الْمَدِينَةِ) [3] إلَى
الْيَمَنِ، وَعَمَّرَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَكَسَاهُ، وَكَانَ مُلْكُهُ
قَبْلَ مُلْكِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ [4] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ:
لَيْتَ حَظِّي مِنْ أَبِي كَرِبٍ ... أَنْ يَسُدَّ خَيْرُهُ خَبَلَهُ
[5]
(غَضَبُ تُبَّانَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ قَدْ جَعَلَ طَرِيقَهُ- حِينَ أَقْبَلَ مِنْ
الْمَشْرِقِ- عَلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ قَدْ مَرَّ بِهَا فِي بَدْأَتِهِ
فَلَمْ يَهِجْ أَهْلَهَا، وَخَلَّفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ابْنًا لَهُ،
فَقُتِلَ غِيلَةً، فَقَدِمَهَا وَهُوَ مُجْمِعٌ لِإِخْرَابِهَا،
وَاسْتِئْصَالِ أَهْلِهَا، وَقَطْعِ نَخْلِهَا [6] ، فَجُمِعَ لَهُ هَذَا
الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَرَئِيسُهُمْ عَمْرُو بْنُ طَلَّةَ أَخُو
بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ. وَاسْمُ
مَبْذُولٍ: عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَاسْمُ النَّجَّارِ:
__________
[1] لَيست النُّون فِي العرنجج زَائِدَة، بل هُوَ من قَوْلهم: اعرنجج الرجل
فِي أمره: إِذا جد فِيهِ (عَن الِاشْتِقَاق) .
[2] وعَلى هَذَا الرأى جَمِيع المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا.
[3] زِيَادَة عَن أ.
[4] الّذي فِي مروج الذَّهَب: أَن تبع بن حسان بن كل كرب هُوَ صَاحب هَذِه
الْحَادِثَة.
[5] الخبل: الْفساد، وَقد نسب هَذَا الْبَيْت إِلَى الْأَعْشَى خطأ،
وَإِنَّمَا هُوَ لعجوز من بنى سَالم يُقَال إِن اسْمهَا جميلَة، قالته حِين
جَاءَ ملك بن العجلان بِخَبَر تبع.
[6] وَقيل: إِن تبعا لم يقْصد غزوها، وَإِنَّمَا قصد قتل الْيَهُود الَّذين
كَانُوا فِيهَا، وَذَلِكَ أَن الْأَوْس والخزرج كَانُوا نزلوها مَعَهم حِين
خَرجُوا من الْيمن على شُرُوط وعهود كَانَت بَينهم فَلم يَفِ لَهُم بذلك
الْيَهُود واستضاموهم، فاستغاثوا بتبع، فَعِنْدَ ذَلِك قدمهَا. كَمَا قيل:
إِن هَذَا الْخَبَر كَانَ لأبى جبلة الغساني. (رَاجع شرح السِّيرَة لأبى
ذَر) .
(1/20)
تَيْمُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ
عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو
بْنِ عَامِرٍ.
(نَسَبُ عَمْرِو بْنِ طَلَّةَ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ طَلَّةَ: عَمْرُو بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ ابْن النَّجَّارِ، وَطَلَّةُ أُمُّهُ،
وَهِيَ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ [1] بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ
مَالِكِ ابْن غَضْبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ.
(سَبَبُ قِتَالِ تُبَّانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ
النَّجَّارِ، يُقَالُ لَهُ أَحْمَرُ، عَدَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ
تُبَّعٍ حِينَ نَزَلَ بِهِمْ فَقَتَلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي
عَذْقٍ [2] لَهُ يَجُدُّهُ [3] فَضَرَبَهُ بِمِنْجَلِهِ فَقَتَلَهُ،
وَقَالَ: إنَّمَا التَّمْرُ لِمَنْ أَبَّرَهُ [4] . فَزَادَ ذَلِكَ
تُبَّعًا حَنَقًا عَلَيْهِمْ، فَاقْتَتَلُوا. فَتَزْعُمُ الْأَنْصَارُ
أَنَّهُمْ كَانُوا يُقَاتِلُونَهُ بِالنَّهَارِ، وَيَقْرُونَهُ [5]
بِاللَّيْلِ، فَيُعْجِبُهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَيَقُولُ: وَاَللَّهِ إنَّ
قَوْمَنَا لَكِرَامٌ.
(انْصِرَافُ تُبَّانَ عَنْ إهْلَاكِ الْمَدِينَةِ، وَشِعْرُ خَالِدٍ فِي
ذَلِكَ) :
فَبَيْنَا تُبَّعٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِتَالِهِمْ، إذْ جَاءَهُ حَبْرَانِ
مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ- وَقُرَيْظَةُ
وَالنَّضِيرُ وَالنَّجَّامُ [6] وَعَمْرٌو، وَهُوَ هَدَلُ [7] ، بَنُو
الْخَزْرَجِ بْنِ الصَّرِيح بن التّوأمان [8] بْنِ السِّبْطِ بْنِ
الْيَسَعَ بْنِ سَعْدِ بْنِ لَاوِيِّ بْنِ خَيْرِ بْنِ النَّجَّامِ بْنِ
تَنْحُومَ بْنِ عَازَرِ بْنِ عُزْرَى بْنِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ
يَصْهَرَ بْنِ قَاهِثِ [9] ابْنِ لَاوَى بْنِ يَعْقُوبَ، وَهُوَ
إسْرَائِيلُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، صَلَّى
اللَّهُ
__________
[1] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر، ط: «زُرَيْق بن عَامر بن زُرَيْق بن عبد
حَارِثَة» .
[2] العذق (بِفَتْح الْعين) : النَّخْلَة. (وبكسرها) : الكباسة بِمَا
عَلَيْهَا من التَّمْر.
[3] يجده: يقطعهُ.
[4] أبره: أصلحه.
[5] يقرونه: يضيفونه، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ نازلا بهم.
[6] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «النحام» بِالْحَاء الْمُهْملَة.
[7] هُوَ بِفَتْح الْهَاء وَالدَّال، كَأَنَّهُ مصدر هدل، إِذا استرخت
شفته. وَعَن ابْن مَاكُولَا عَن أَبى عَبدة النسابة أَنه بِسُكُون الدَّال.
(عَن الرَّوْض الْأنف) .
[8] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «التومان» .
[9] وَفِي رِوَايَة: «قاهت» بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة.
(1/21)
عَلَيْهِمْ- عَالِمَانِ رَاسِخَانِ فِي
الْعِلْمِ، حِينَ سَمِعَا بِمَا يُرِيدُ مِنْ إهْلَاكِ الْمَدِينَةِ
وَأَهْلِهَا، فَقَالَا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّكَ
إنْ أَبَيْتَ إلَّا مَا تُرِيدُ حِيلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، وَلَمْ
نَأْمَنْ عَلَيْكَ عَاجِلَ الْعُقُوبَةِ، فَقَالَ لَهما: وَلم ذَاك؟
فَقَالَا: هِيَ مُهَاجَرُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحَرَمِ مِنْ
قُرَيْشٍ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، تَكُونُ دَارَهُ وَقَرَارَهُ، فَتَنَاهَى
عَنْ ذَلِكَ، وَرَأَى أَنَّ لَهُمَا عِلْمًا، وَأَعْجَبَهُ مَا سَمِعَ
مِنْهُمَا، فَانْصَرَفَ عَنْ الْمَدِينَةِ، وَاتَّبَعَهُمَا عَلَى
دِينِهِمَا، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ غَزِيَّةَ بْنِ
عَمْرِو (ابْنِ عَبْدِ) [1] بْنِ عَوْفِ بْنِ غُنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
النَّجَّارِ يَفْخَرُ بِعَمْرِو بْنِ طَلَّةَ:
أَصَحَّا أَمْ قَدْ نَهَى ذُكَرَهْ [2] ... أَمْ قَضَى مِنْ لَذَّةٍ
وَطَرَهْ
أَمْ تَذَكَّرْتَ الشَّبَابَ وَمَا ... ذِكْرُكَ الشَّبَابَ أَوْ عُصُرَهْ
[3]
إنَّهَا حَرْبٌ رَبَاعِيَةٌ [4] ... مِثْلُهَا أَتَى الْفَتَى عِبَرَهْ
فَاسْأَلَا عِمْرَانَ أَوْ أَسَدًا ... إذْ أَتَتْ عَدْوًا [5] مَعَ
الزُّهَرَهْ [6]
فَيْلَقٌ فِيهَا أَبُو كَرِبٍ ... سُبَّغٌ أَبْدَانُهَا ذَفِرَهْ [7]
ثُمَّ قَالُوا: مَنْ نَؤُمُّ بِهَا ... أَبَنِي عَوْف أَن النَّجَرَهْ [8]
__________
[1] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
[2] الذّكر: جمع ذكرة (كغرفة) ، وَهِي بِمَعْنى الذكرى نقيض النسْيَان
وَرِوَايَة هَذَا الشّطْر فِي الطَّبَرِيّ: أَصْحَاب أم انْتهى ذكره.
[3] أَرَادَ: «أَو عصره» (بِالضَّمِّ) . وَالْعصر (بِفَتْح الْعين
وَضمّهَا) بِمَعْنى، وحرك الصَّاد بِالضَّمِّ.
قَالَ ابْن جنى: وَلَيْسَ شَيْء على وزن فعل (بِسُكُون الْعين) يمْتَنع
فِيهِ فعل.
[4] يُرِيد: أَي لَيست بصغيرة وَلَا جَذَعَة، بل هِيَ فَوق ذَلِك، وَضرب من
الرّبَاعِيّة مثلا، كَمَا يُقَال حَرْب عوان، لِأَن الْعوَان أقوى من
الْفتية وأدرب.
[5] ويروى: «غدوا» (بالغين الْمُعْجَمَة) ، وَهُوَ الغدوة.
[6] أَي صبحهمْ بِغَلَس قبل مغيب الزهرة، والزهرة: الْكَوْكَب الْمَعْلُوم.
وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الطَّبَرِيّ
فسلا عمرَان أَو فسلا ... أسدا إِذْ يَغْدُو مَعَ الزهرة
[7] سبغ: كَامِلَة. والأبدان هُنَا: الدروع. وذفره: من الذفر، وَهُوَ سطوع
الرَّائِحَة طيبَة كَانَت أَو كريهة، وَأما الدفر (بِالدَّال الْمُهْملَة)
فَهُوَ فِيمَا كره من الروائح.
[8] يُرِيد بنى النجار، وَهَذَا كَمَا قيل المناذرة فِي بنى الْمُنْذر.
والنجرة: جمع ناجر، والناجر والنجار بِمَعْنى وَاحِد، وَبَنُو النجار: هم
تيم الله بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج وسمى النجار لِأَنَّهُ-
فِيمَا ذكر- نجر وَجه رجل بقدوم.
(1/22)
بَلْ بَنِي النَّجَّارِ إنَّ لَنَا ...
فِيهِمْ قَتْلَى وَإِنَّ تِرَهْ [1]
فَتَلَقَّتْهُمْ مُسَايِفَةٌ ... مُدُّهَا كَالغَبْيَةِ النَّثِرَهْ [2]
فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ طَلَّةَ مَلَّى ... الْإِلَهُ [3] قَوْمَهُ عُمُرَهْ
سَيْدٌ سَامِي [4] الْمُلُوكِ وَمَنْ ... رَامَ عَمْرًا لَا يَكُنْ
قَدَرَهْ
وَهَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ
حَنَقُ تُبَّعٍ عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا
بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ هَلَاكَهُمْ فَمَنَعُوهُمْ
مِنْهُ، حَتَّى انْصَرَفَ عَنْهُمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي شِعْرِهِ:
حَنَقًا عَلَى سَبْطَيْنِ حَلَّا يَثْرِبَا ... أَوْلَى لَهُمْ بِعِقَابِ
يَوْمٍ مُفْسِدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الشِّعْرُ الَّذِي فِي هَذَا الْبَيْتِ مَصْنُوعٌ،
فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَنَا مِنْ إثْبَاتِهِ.
(اعْتِنَاقُ تُبَّانَ النصرانيَّةَ، وَكِسْوَتُهُ الْبَيْتَ وَتَعْظِيمَهُ
وَشِعْرُ سُبَيعَةَ فِي ذَلِكَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ تُبَّعٌ وَقَوْمُهُ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ
يَعْبُدُونَهَا، فَتَوَجَّهَ إلَى مَكَّةَ، وَهِيَ طَرِيقُهُ إلَى
الْيَمَنِ، حَتَّى إذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفانَ، وَأَمَجٍ [5] ، أَتَاهُ
نَفَرٌ مِنْ
__________
[1] الترة: طلب الثأر. أَرَادَ: إِن لنا قَتْلَى وترة، فأظهر الْمُضمر،
وَهَذَا الْبَيْت شَاهد على حُرُوف الْعَطف يضمر بعْدهَا الْعَامِل
الْمُتَقَدّم، نَحْو قَوْلك: إِن زيدا وعمرا فِي الدَّار. فالتقدير: إِن
زيدا، وَإِن عمرا فِي الدَّار، فقد دلّت الْوَاو على مَا أردْت، وَإِن
احتجت إِلَى الْإِظْهَار أظهرت، كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت، إِلَّا أَن تكون
الْوَاو الجامعة، نَحْو اخْتصم زيد وَعَمْرو، فَلَيْسَ ثمَّ إِضْمَار،
لقِيَام الْوَاو مقَام صفة التَّثْنِيَة.
وعَلى هَذَا تَقول: طلع الشَّمْس وَالْقَمَر، فتغلب الْمُذكر، كَأَنَّك
قلت: طلع هَذَانِ النيرَان، فَإِن جعلت الْوَاو هِيَ الَّتِي تضمر بعْدهَا
الْفِعْل. قلت طلعت الشَّمْس وَالْقَمَر، وَتقول فِي نفى الْمَسْأَلَة
الأولى: مَا طلع الشَّمْس وَالْقَمَر، وَفِي نفى الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة:
مَا طلعت الشَّمْس وَلَا الْقَمَر، تعيد حرف النَّفْي لينتفى بِهِ الْفِعْل
الْمُضمر (عَن الرَّوْض الْأنف) .
[2] الغبية: الدفعة من الْمَطَر. والنثرة: المنتثرة، وَهِي الَّتِي لَا
تمسك مَاء.
[3] ملي الْإِلَه قومه: أمتعهم بِهِ.
[4] سامى: سَاوَى. ويروى: «سَام» ، أَي كلفهم أَن يَكُونُوا مثله، فَلم
يقدروا على ذَلِك.
[5] عسفان (بِضَم أَوله وَسُكُون ثَانِيَة ثمَّ فَاء وَآخره نون) : فعلان
من عسفت الْمَفَازَة، وَهُوَ يعسفها، وَهُوَ قطعهَا بِلَا هِدَايَة وَلَا
قصد، وَكَذَلِكَ كل أَمر يركب بِغَيْر روية. قيل: سميت عسفان لتعسف
اللَّيْل فِيهَا، كَمَا سميت الْأَبْوَاء لتبوّئ السَّيْل بهَا. قَالَ
أَبُو مَنْصُور: عسفان: منهلة من مناهل الطَّرِيق بَين الْجحْفَة وَمَكَّة.
وَقَالَ غَيره: عسفان: بَين المسجدين، وَهِي من مَكَّة على مرحلَتَيْنِ،
وَقيل: عسفان: قَرْيَة جَامِعَة.
(1/23)
هُذَيلِ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ
بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ، فَقَالُوا لَهُ: أَيُّهَا
الْمَلِكُ، أَلَا نَدُلُّكَ عَلَى بَيْتِ مَالٍ دَاثِرٍ أَغَفَلَتْهُ
الْمُلُوكُ قَبْلَكَ، فِيهِ اللُّؤْلُؤُ وَالزَّبَرْجَدُ وَالْيَاقُوتُ
وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ؟ قَالَ: بَلَى، قَالُوا: بَيْتٌ بِمَكَّةَ
يَعْبُدُهُ أَهْلُهُ، وَيُصَلُّونَ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ
الْهُذَلِيُّونَ هَلَاكَهُ بِذَلِكَ، لِمَا عَرَفُوا مِنْ هَلَاكِ مَنْ
أَرَادَهُ مِنْ الْمُلُوكِ وَبَغَى عِنْدَهُ. فَلَمَّا أَجْمَعَ لِمَا
قَالُوا أَرْسَلَ إلَى الْحَبْرَيْنِ، فَسَأَلَهُمَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَا
لَهُ:
مَا أَرَادَ الْقَوْمُ إلَّا هَلَاكَكَ وَهَلَاكَ جُنْدِكَ، مَا نَعْلَمُ
بَيْتًا للَّه اتَّخَذَهُ فِي الْأَرْضِ لِنَفْسِهِ غَيْرَهُ، وَلَئِنْ
فَعَلْتَ مَا دَعَوْكَ إلَيْهِ لَتَهْلَكَنَّ وَلَيَهْلَكَنَّ مَنْ مَعَكَ
جَمِيعًا، قَالَ: فَمَاذَا تَأْمُرَانِنِي أَنْ أَصْنَعَ إذَا أَنَا
قَدِمْتُ عَلَيْهِ؟ قَالَا: تَصْنَعُ عِنْدَهُ مَا يَصْنَعُ أَهْلُهُ:
تَطُوفُ بِهِ وَتُعَظِّمُهُ وَتُكْرِمُهُ، وَتَحْلِقُ رَأْسَكَ عِنْدَهُ،
وَتَذِلُّ لَهُ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمَا
أَنْتُمَا مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ إنَّهُ لَبَيْتُ أَبِينَا
إبْرَاهِيمَ، وَإِنَّهُ لَكَمَا أَخْبَرْنَاكَ، وَلَكِنَّ أَهْلَهُ حَالُوا
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالْأَوْثَانِ الَّتِي نَصَبُوهَا حَوْلَهُ،
وَبِالدِّمَاءِ الَّتِي يُهْرِقُونَ عِنْدَهُ، وَهُمْ نَجَسٌ أَهْلُ
شِرْكٍ- أَوْ كَمَا قَالَا لَهُ- فَعَرَفَ نُصْحَهُمَا وَصِدْقَ
حَدِيثِهِمَا فَقَرَّبَ النَّفَرَ مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ
وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ،
وَنَحَرَ عِنْدَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ سِتَّةَ
أَيَّامٍ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- يَنْحَرُ بِهَا لِلنَّاسِ، وَيُطْعِمُ
أَهْلَهَا وَيَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ، وَأُرَى فِي الْمَنَامِ أَنْ يَكْسُوَ
الْبَيْتَ، فَكَسَاهُ الْخَصَفَ [1] ، ثُمَّ أُرَى أَنْ يَكْسُوَهُ
أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَسَاهُ الْمَعَافِرَ [2] ، ثُمَّ أُرَى أَنْ
يَكْسُوَهُ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَسَاهُ الْمُلَاءَ وَالْوَصَائِلَ [3]
، فَكَانَ تُبَّعٌ- فِيمَا يَزْعُمُونَ-
__________
[ () ] (بهَا مِنْبَر ونخيل ومزارع على سِتَّة وَثَلَاثِينَ ميلًا من
مَكَّة، وَهِي حد تهَامَة، وَمن عسفان إِلَى ملل يُقَال لَهُ السَّاحِل،
وملل على لَيْلَة من الْمَدِينَة. وَقَالَ السكرى: عسفان: على مرحلَتَيْنِ
من مَكَّة على طَرِيق الْمَدِينَة، والجحفة على ثَلَاث مراحل وَقد غزا-
النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنى لحيان بعسفان، وَقد مضى
لهجرته خمس سِنِين وشهران وَأحد عشر يَوْمًا وأمج (بِالْجِيم وَفتح أَوله
وثانيه، والأمج فِي اللُّغَة: الْعَطش) : بلد من أَعْرَاض الْمَدِينَة.
وَقَالَ أَبُو الْمُنْذر هِشَام بن مُحَمَّد: أمج وغران: واديان يأخذان من
حرَّة بنى سليم ويفرغان فِي الْبَحْر.
[1] الخصف: حصر تنسج من خوص النّخل وَمن الليف. فيسوى مِنْهَا شقق تلبس
بيُوت الْأَعْرَاب.
[2] المعافر: ثِيَاب تنْسب إِلَى قَبيلَة من الْيمن. وَأَصله الْمعَافِرِي،
ثمَّ صَار اسْما لَهَا بِغَيْر نِسْبَة.
[3] الملاء: جمع ملاءة، وَهِي الملحفة. والوصائل: ثِيَاب مخططة يمنية،
يُوصل بَعْضهَا إِلَى بعض.
(1/24)
أَوَّلَ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ [1] ،
وَأَوْصَى بِهِ وُلَاتَهُ مِنْ جُرْهُمٍ، وَأَمَرَهُمْ بِتَطْهِيرِهِ
وَأَلَّا يُقَرِّبُوهُ دَمًا وَلَا مِيتَةً وَلَا مِئْلَاةً [2] ، وَهِيَ
الْمَحَايِضُ [3] ، وَجَعَلَ لَهُ بَابًا وَمِفْتَاحًا [4] وَقَالَتْ
سُبَيعَةُ بِنْتُ الْأَحَبِّ [5] بْنِ زَبِينةَ [6] بْنِ جَذِيمَةَ بْنِ
عَوْفِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ ابْن هَوَازِنَ بْنِ
مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ،
وَكَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ
مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ ابْن مَالِكِ
بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لِابْنِ لَهَا مِنْهُ يُقَالُ لَهُ
خَالِدٌ، تُعَظِّمُ عَلَيْهِ حُرْمَةَ مَكَّةَ، وَتَنْهَاهُ عَنْ الْبَغْيِ
فِيهَا، وَتَذْكُرُ تُبَّعًا وَتَذَلُّلَهُ لَهَا، وَمَا صَنَعَ بِهَا [7]
:
أَبُنَيَّ لَا تَظْلِمْ بِمَكَّةَ ... لَا الصَّغِيرَ وَلَا الْكَبِيرْ
واحفظ محارمها بنىّ ... وَلَا يَغُرَّنكَ الغَرورْ
أَبُنَيَّ مَنْ يَظْلِمْ بِمَكَّةَ ... يَلْقَ أَطْرَافَ الشُّرورْ
__________
[1] كَانَت قُرَيْش فِي زمن الْجَاهِلِيَّة تشترك فِي كسْوَة الْكَعْبَة،
حَتَّى نَشأ أَبُو ربيعَة بن الْمُغيرَة، فَقَالَ:
أَنا أكسو الْكَعْبَة سنة وحدي، وَجَمِيع قُرَيْش سنة، وَاسْتمرّ يفعل
ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ. ثمَّ كساها النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الثِّيَاب اليمانية، وَكَسَاهَا أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان
وعَلى. وكسيت فِي زمن الْمَأْمُون والمتوكل وَالْعَبَّاس، ثمَّ فِي زمن
النَّاصِر العباسي كُسِيت السوَاد من الْحَرِير، ثمَّ هِيَ تُكْسَى إِلَى
الْآن فِي كل سنة، وَيُقَال: إِن أول من كسا الْكَعْبَة الديباج الْحجَّاج،
وَقيل: بل عبد الله بن الزبير.
[2] كَذَا فِي ط، والطبري، والمئلاة: خرقَة الْحيض، وَجَمعهَا: المآلى،
وَفِي سَائِر الْأُصُول «مثلاثا» بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَلَا معنى لَهَا.
[3] لَعَلَّه يُرِيد: المحيضة (وَاحِدَة المحايض) ، وَهِي خرقَة الْحيض،
إِذْ السِّيَاق يَقْتَضِي الْإِفْرَاد.
[4] ويروون لتبع هَذَا شعرًا حِين كسا الْبَيْت، وَهُوَ:
كسونا الْبَيْت الّذي حرم الله ... ملاء منضدا وبرودا
فَأَقَمْنَا بِهِ من الشَّهْر عشرا ... وَجَعَلنَا لبَابَة إقليدا
ونحرنا بِالشعبِ سِتَّة ألف ... فترى النَّاس نحوهن ورودا
ثمَّ سرنا عَنهُ نَؤُم مهيلا ... فرفعنا لواءنا معقودا
[5] وتروى الْكَلِمَة بِالْجِيم بدل الْحَاء.
[6] زبينة (بالزاي وَالْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ الْيَاء وَالنُّون) : فعيلة
من الزَّبْن، وَالنّسب إِلَيْهَا زبانى على غير قِيَاس. وَلَو سمى بِهِ رجل
لقيل فِي النّسَب إِلَيْهِ زبني على الْقيَاس.
[7] وَقيل: إِنَّمَا قَالَت بنت الأحب هَذَا الشّعْر فِي حَرْب كَانَت بَين
بنى السباق بن عبد الدَّار وَبَين بنى على بن سعد بن تيم حِين تفانوا،
وَلَحِقت طَائِفَة من بنى السباق بعك فهم فيهم، وَيُقَال إِنَّه أول بغى
كَانَ فِي قُرَيْش. (عَن الرَّوْض الْأنف) .
(1/25)
أَبُنَيَّ يُضْرَبْ وَجْهُهُ ... وَيَلُحْ
بِخَدَّيْهِ السَّعيرْ
أَبُنَيَّ قَدْ جَرَّبْتهَا ... فَوَجَدْتُ ظَالِمهَا يَبُورْ [1]
اللَّهُ أَمَّنَهَا وَمَا ... بُنِيَتْ بِعَرْصَتِهَا قُصورْ
وَاَللَّهُ أَمَّنَ طَيْرَهَا ... وَالْعُصْمُ [2] تَأْمَنُ فِي ثَبيرْ [3]
وَلَقَدْ غَزَاهَا تُبَّعٌ ... فَكَسَا بَنِيَّتَهَا الْحَبِيرْ [4]
وَأَذَلَّ رَبِّي مُلْكَهُ ... فِيهَا فَأَوْفَى بالنُّذُورْ
يَمْشِي إلَيْهَا حَافِيًا ... بِفِنَائِهَا أَلْفَا بَعِيرْ
وَيَظَلُّ يُطْعِمُ أَهْلَهَا ... لَحْمَ الْمَهَارَى [5] والجَزورْ
يَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ الْمُصَفَّى ... وَالرَّحِيضَ [6] مِنْ الشعيرْ
وَالْفِيلُ أُهْلِكَ جَيْشُهُ ... يُرْمَوْنَ فِيهَا بِالصُّخُورْ
وَالْمُلْكَ فِي أقْصَى الْبِلَاد ... وَفِي الْأَعَاجِمِ وَالْخَزِيرْ [7]
فَاسْمَعْ إذَا حُدِّثْتَ وَافْهَمْ ... كَيْفَ عَاقِبَةُ الأمورْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُوقَفُ عَلَى قَوَافِيهَا لَا تُعْرَبُ [8] .
(دَعْوَةُ تُبَّانَ قَوْمَهُ إلَى النصرانيَّة، وَتَحْكِيمُهُمْ النَّارَ
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ) .
ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مُتَوَجِّهًا إلَى الْيَمَنِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ
جُنُودِهِ وَبِالْحَبْرَيْنِ، حَتَّى إذَا دَخَلَ
__________
[1] يبور: يهْلك.
[2] العصم: الوعول، لِأَنَّهَا تعتصم بالجبال.
[3] ثبير: جبل بِمَكَّة.
[4] بنيتها: يعْنى الْكَعْبَة. والحبير: ضرب من ثِيَاب الْيمن موشى.
[5] المهارى: الْإِبِل العراب النجيبة.
[6] الرحيض: المنقى، والمصفى.
[7] كَذَا فِي شرح السِّيرَة. والخزير: أمة من الْعَجم، وَيُقَال لَهَا
الخزر أَيْضا. وَفِي أ: «الجزير» قَالَ أَبُو ذَر: «وَيحْتَمل أَن يكون جمع
جَزِيرَة بِبِلَاد الْعَرَب» . وَفِي م، ر: «الخذير» وَلَا معنى لَهَا.
[8] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «قَالَ ابْن هِشَام: وَهَذَا
الشّعْر مُقَيّد، والمقيد: الّذي لَا يرفع وَلَا ينصب وَلَا يخْفض» .
(1/26)
الْيَمَنَ دَعَا قَوْمَهُ إلَى الدُّخُولِ
فِيمَا دَخَلَ فِيهِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، حَتَّى يُحَاكِمُوهُ إلَى
النَّارِ الَّتِي كَانَتْ بِالْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
أَبِي مَالِكِ القُرَظيُّ، قَالَ سَمِعْتُ إبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ
طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ:
أَنَّ تُبَّعًا لَمَّا دَنَا مِنْ الْيَمَنِ لِيَدْخُلَهَا حَالَتْ
حِمْيَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ: وَقَالُوا: لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْنَا،
وَقَدْ فَارَقْتَ دِينَنَا، فَدَعَاهُمْ إلَى دِينِهِ وَقَالَ: إنَّهُ
خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ، فَقَالُوا:
فَحَاكِمْنَا إلَى النَّارِ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَكَانَتْ بِالْيَمَنِ-
فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ- نَارٌ تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا
يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، تَأْكُلُ الظَّالِمَ وَلَا تَضُرُّ الْمَظْلُومَ،
فَخَرَجَ قَوْمُهُ بِأَوْثَانِهِمْ وَمَا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ فِي
دِينِهِمْ، وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا
مُتَقَلِّدَيْهَا، حَتَّى قَعَدُوا لِلنَّارِ عِنْدَ مَخْرَجِهَا الَّذِي
تَخْرُجُ مِنْهُ، فَخَرَجَتْ النَّارُ إلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَقْبَلَتْ
نَحْوَهُمْ حَادُوا عَنْهَا وَهَابُوهَا، فَذَمَرَهُمْ [1] مَنْ حَضَرَهُمْ
مِنْ النَّاسِ، وَأَمَرُوهُمْ بِالصَّبْرِ لَهَا، فَصَبَرُوا حَتَّى
غَشِيَتْهُمْ، فَأَكَلَتْ الْأَوْثَانَ وَمَا قَرَّبُوا مَعَهَا، وَمَنْ
حَمَلَ ذَلِكَ مِنْ رِجَالِ حِمْيَرَ، وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ
بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا تَعْرَقُ جِبَاهُهُمَا لَمْ
تَضُرَّهُمَا فَأُصْفِقَتْ [2] عِنْدَ ذَلِكَ حِمْيَرُ عَلَى دِينِهِ،
فَمِنْ هُنَالِكَ وَعَنْ ذَلِكَ كَانَ أَصْلُ الْيَهُودِيَّةِ بِالْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ أَنَّ الْحَبْرَيْنِ،
وَمَنْ خَرَجَ مِنْ حِمْيَرَ، إنَّمَا اتَّبَعُوا النَّارَ لِيَرُدُّوهَا،
وَقَالُوا: مَنْ رَدَّهَا فَهُوَ أَوْلَى بِالْحَقِّ، فَدَنَا مِنْهَا
رِجَالٌ مِنْ حِمْيَرَ بِأَوْثَانِهِمْ لِيَرُدُّوهَا فَدَنَتْ مِنْهُمْ
لِتَأْكُلَهُمْ، فَحَادُوا عَنْهَا وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا رَدَّهَا، وَدَنَا
مِنْهَا الْحَبْرَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَجَعَلَا يَتْلُوَانِ التَّوْرَاةَ
وَتَنْكُصُ عَنْهُمَا، حَتَّى رَدَّاهَا إلَى مَخْرَجِهَا الَّذِي خَرَجَتْ
مِنْهُ، فَأُصْفِقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ حِمْيَرُ عَلَى دِينِهِمَا، وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
(رئَامٌ وَمَا صَارَ إلَيْهِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رِئَامٌ [3] بَيْتًا لَهُمْ يُعَظِّمُونَهُ،
وَيَنْحَرُونَ عِنْدَهُ، وَيَكَلَّمُونَ
__________
[1] ذمرهم: حضهم وشجعهم.
[2] يُقَال: أصفقوا على الْأَمر، إِذا اجْتَمعُوا عَلَيْهِ.
[3] بَيت رئام: اسْم لموْضِع الرَّحْمَة الَّتِي كَانُوا يلتمسونها مِنْهُ.
مَأْخُوذ من رأم الْأُنْثَى وَلَدهَا، وَذَلِكَ إِذا عطفت عَلَيْهِ
وَرَحمته.
(1/27)
(مِنْهُ) [1] إذْ كَانُوا عَلَى
شِرْكِهِمْ؟ فَقَالَ الْحَبْرَانِ لِتُبَّعِ: إنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ
يَفْتِنُهُمْ بِذَلِكَ فَخَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَشَأْنُكُمَا
بِهِ، فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ- فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ- كَلْبًا
أَسْوَدَ فَذَبَحَاهُ، ثُمَّ هَدَمَا ذَلِكَ الْبَيْتَ، فَبَقَايَاهُ
الْيَوْمَ- كَمَا ذُكِرَ لِي- بِهَا آثَارُ الدِّمَاءِ الَّتِي كَانَتْ
تُهْرَاقُ عَلَيْهِ.
مُلْكُ ابْنِهِ حَسَّانَ بْنِ تُبَّانَ وَقَتْلُ عَمْرٍو أَخِيهِ (لَهُ)
[2]
(سَبَبُ قَتْلِهِ) :
فَلَمَّا مَلَكَ ابْنُهُ حَسَّانُ بْنُ تُبَّانَ أَسْعَدَ أَبِي كَرِبٍ
سَارَ بِأَهْلِ الْيَمَنِ يُرِيدُ أَنْ يَطَأَ بِهِمْ أَرْضَ الْعَرَبِ
وَأَرْضَ الْأَعَاجِمِ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ أَرْضِ الْعِرَاقِ-
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بالَبحريْنِ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ
الْعِلْمِ- كَرِهَتْ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ الْمَسِيرَ مَعَهُ،
وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ وَأَهْلِهِمْ، فَكَلَّمُوا أَخًا
لَهُ يُقَالُ لَهُ عَمْرٌو، وَكَانَ مَعَهُ فِي جَيْشِهِ، فَقَالُوا لَهُ:
اُقْتُلْ أَخَاكَ حَسَّانَ وَنُمَلِّكُكَ عَلَيْنَا، وَتَرْجِعُ بِنَا إلَى
بِلَادِنَا، فَأَجَابَهُمْ. فَاجْتَمَعَتْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا ذَا رُعَيْنٍ
[3] الْحِمْيَرِيُّ، فَإِنَّهُ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلْ
مِنْهُ، فَقَالَ ذُو رُعَيْنٍ:
أَلَا مَنْ يَشْتَرِي سَهْرًا بِنَوْمِ ... سَعِيدٌ مَنْ يَبِيتُ قَرِيرَ
عَيْنِ [4]
فَأَمَّا حِمْيَرُ غَدَرَتْ وَخَانَتْ ... فَمَعْذِرَةُ الْإِلَهِ لَذِي
رُعَيْنِ
ثُمَّ كَتَبَهُمَا فِي رُقْعَةٍ، وَخَتَمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا
عَمْرًا، فَقَالَ لَهُ: ضَعْ لِي هَذَا الْكِتَابَ عنْدك، فَفعل، ثمَّ
قَتَلَ عَمْرٌو أَخَاهُ حَسَّانَ، وَرَجَعَ بِمَنْ مَعَهُ إلَى الْيَمَنِ،
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ:
__________
[1] زِيَادَة عَن أ.
[2] زِيَادَة يقتضيها السِّيَاق.
[3] رعين: تَصْغِير رعن. والرعن: أنف الْجَبَل. وَقيل: رعين: جبل بِالْيمن،
وَإِلَيْهِ ينْسب ذُو رعين هَذَا.
[4] فِي الْبَيْت حذف تَقْدِيره: من يشترى سهرا بنوم غير سعيد، بل من يبيت
قرير الْعين هُوَ السعيد، فَحذف الْخَبَر لدلَالَة أول الْكَلَام عَلَيْهِ.
(1/28)
لَاهِ [1] عَيْنَا الَّذِي رأى مثل حسّان
... قَتِيلًا فِي سَالِفِ الْأَحْقَابِ
قَتَلَتْهُ مَقاوِلٌ [2] خَشْيَةَ الْحَبْسِ ... غَدَاةً قَالُوا: لَبَابِ
لَبَابِ
مَيْتُكُمْ خَيْرُنَا وَحَيُّكُمْ ... رَبٌّ عَلَيْنَا وَكُلُّكُمْ
أَرْبَابِي
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَوْلُهُ لَبَابِ لَبَابِ: لَا بَأْسَ لَا بَأْسَ،
بِلُغَةِ حِمْيَرَ [3] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: لِبَابِ لِبَابِ.
(نَدَمُ عَمْرٍو وَهَلَاكُهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا نَزَلَ عَمْرُو بْنُ تُبَّانَ الْيَمَنَ
مُنِعَ مِنْهُ النَّوْمُ، وَسُلِّطَ عَلَيْهِ السَّهَرُ، فَلَمَّا جَهَدَهُ
ذَلِكَ سَأَلَ الْأَطِبَّاءَ والْحُزَاةَ [4] مِنْ الْكُهَّانِ
وَالْعَرَّافِينَ [5] عَمَّا بِهِ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إنَّهُ
وَاَللَّهِ مَا قَتَلَ رَجُلٌ قَطُّ أَخَاهُ، أَوْ ذَا رَحِمِهِ بَغْيًا
عَلَى مِثْلِ مَا قَتَلْتَ أَخَاكَ عَلَيْهِ، إلَّا ذَهَبَ نَوْمُهُ،
وَسُلِّطَ عَلَيْهِ السَّهَرُ. فَلَمَّا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ جَعَلَ يَقْتُلُ
كُلَّ مَنْ أَمَرَهُ بِقَتْلِ أَخِيهِ حَسَّانَ مِنْ أَشْرَافِ الْيَمَنِ،
حَتَّى خَلَصَ إلَى ذِي رُعَيْنٍ، فَقَالَ لَهُ ذُو رُعَيْنٍ: إنَّ لِي
عِنْدَكَ بَرَاءَةً، فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: الْكِتَابُ الَّذِي
دَفَعْتُ إلَيْكَ، فَأَخْرَجَهُ فَإِذَا فِيهِ الْبَيْتَانِ، فَتَرَكَهُ
وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ نَصَحَهُ. وَهَلَكَ عَمْرٌو، فَمَرَجَ [6] أَمْرُ
حِمْيَرَ عِنْدَ ذَلِكَ وتفرّقوا.
وثوب لخنيعة ذِي شَنَاتِرَ عَلَى مُلْكِ الْيَمَنِ
(تَوَلِّيهِ الْمُلْكَ، وَشَيْءٌ مِنْ سِيرَتِهِ، ثُمَّ قَتْلُهُ) :
فَوَثَبَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ لَمْ يَكُنْ مِنْ بُيُوتِ
الْمَمْلَكَةِ، يُقَالُ لهَ لِخُنَيْعَةَ [7] يَنُوفَ.
__________
[1] أَرَادَ: للَّه، وَحذف لَام الْجَرّ وَاللَّام الْأُخْرَى مَعَ ألف
الْوَصْل، وَهَذَا حذف كثير، وَلكنه جَار فِي هَذَا الِاسْم خَاصَّة
لِكَثْرَة وُرُوده على الْأَلْسِنَة.
[2] يُرِيد الْأَقْيَال، وهم الَّذين دون التبابعة، واحدهم قيل (مثل سيد،
ثمَّ خفف) . وَقَالَ أَبُو ذَر:
المقاول: الَّذين يخلفون الْمُلُوك إِذا غَابُوا.
[3] وَقيل: هِيَ كلمة فارسية مَعْنَاهَا: القفل، والقفل: الرُّجُوع.
[4] الحزاة: الَّذين ينظرُونَ فِي النُّجُوم ويقضون بهَا، واحدهم حَاز.
[5] العرافون: ضرب من الْكُهَّان يَزْعمُونَ أَنهم يعْرفُونَ من الْغَيْب
مَا لَا يعرف النَّاس.
[6] مرج: اخْتَلَط والتبس، وَفِي أ: «هرج» ، وَفِي م، ر: «مرج» .
[7] قَالَ ابْن دُرَيْد: الْمَعْرُوف فِيهِ: لخيعة (بِغَيْر نون) .
مَأْخُوذ من اللخع، وَهُوَ استرخاء اللَّحْم.
(1/29)
ذُو شَنِاتَرَ [1] ، فَقَتَلَ خِيَارَهُمْ،
وَعَبِثَ بِبُيُوتِ أَهْلِ الْمَمْلَكَةِ مِنْهُمْ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ
حِمْيَرَ لِلْخَنِيعَةِ:
تُقَتِّلُ أَبْنَاهَا وَتَنْفِي سَرَاتَهَا ... وَتَبْنِي بِأَيْدِيهَا
لَهَا الذُّلَّ حِمْيَرُ
تُدَمِّرُ دُنْيَاهَا بِطَيْشِ حُلُومِهَا ... وَمَا ضَيَّعَتْ مِنْ
دِينِهَا فَهُوَ أَكْثَرُ
كَذَاك الْقُرُون قبل ذَاكَ بِظُلْمِهَا ... وَإِسْرَافِهَا تَأْتِي
الشُّرُورَ فَتُخْسَرُ
وَكَانَ لَخَنِيعَةَ امْرِأً فَاسِقًا يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ،
فَكَانَ يُرْسِلُ إلَى الْغُلَامِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، فَيَقَعُ
عَلَيْهِ فِي مَشْرَبَةٍ [2] لَهُ قَدْ صَنَعَهَا لِذَلِكَ، لِئَلَّا
يَمْلِكُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ يَطْلُعُ مِنْ مَشْرَبَتِهِ تِلْكَ إلَى
حَرَسِهِ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ جُنْدِهِ، قَدْ أَخَذَ مِسْوَاكًا فَجَعَلَهُ
فِي فِيهِ، أَيْ لِيُعْلَمَهُمْ أَنَّهُ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ. حَتَّى بَعَثَ
إلَى زُرْعَةَ ذِي [3] نُوَاسِ بْنِ تُبَّانَ أَسْعَدَ أَخِي حَسَّانَ،
وَكَانَ صَبِيَّا صَغِيرًا حِينَ قُتِلَ حَسَّانُ، ثُمَّ شَبَّ غُلَامًا
جَمِيلًا وَسِيمًا [4] ، ذَا هَيْئَةٍ وَعَقْلٍ، فَلَمَّا أَتَاهُ
رَسُولُهُ عَرَفَ مَا يُرِيدُ مِنْهُ، فَأَخَذَ سِكِّينًا حَدِيدًا
لَطِيفًا، فَخَبَّأَهُ بَيْنَ قَدَمِهِ وَنَعْلِهِ، ثُمَّ أَتَاهُ،
فَلَمَّا خَلَا مَعَهُ وَثَبَ إلَيْهِ، فَوَاثَبَهُ ذُو نُوَاسٍ فَوَجَأَهُ
[5] حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ حَزَّ رَأْسَهُ، فَوَضَعَهُ فِي الْكُوَّةِ
الَّتِي كَانَ يُشْرِفُ مِنْهَا، وَوَضَعَ مِسْوَاكَهُ فِي فِيهِ، ثُمَّ
خَرَجَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا لَهُ: ذَا نُوَاسٍ، أَرَطْبٌ أَمْ
يَبَاسٌ [6] فَقَالَ: سَلْ نَخْمَاسَ [7] اسْتِرْطُبَانَ [8] ذُو نواس.
استرطبان لَا باس [9]- قَالَ
__________
[1] الشناتر: الْأَصَابِع، بلغَة حمير.
[2] الْمشْربَة بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا: الغرفة المرتفعة.
[3] زرْعَة: هُوَ من قَوْلهم: زرعك الله: أَي أنبتك، وَسموا بزارع كَمَا
سموا بنابت، وسمى ذَا نواس لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ غديرتان من شعر كَانَتَا
تنوسان: أَي تتحركان وتضطربان.
[4] وسيما: حسنا.
[5] وجأه: ضربه.
[6] يباس: يبيس.
[7] كَذَا فِي أوشرح السِّيرَة، وَقد نبه السهيليّ: فِي كِتَابه: «الرَّوْض
الْأنف» على أَن هَذَا هُوَ الصَّحِيح ويروى بالنُّون (أَو بِالتَّاءِ)
مَعَ حاء مُهْملَة، وبهذه الرِّوَايَة الْأَخِيرَة ورد فِي م، ر.
[8] يُقَال: إِن هَذِه كلمة فارسية، وَمَعْنَاهَا: أَخَذته النَّار.
[9] كَذَا وَردت هَذِه الْعبارَة بِالْأَصْلِ، وَهِي غير وَاضِحَة. وسياقها
فِي الأغاني: «كَانَ الْغُلَام إِذا خرج من عِنْد لخنيعة، وَقد لَاطَ بِهِ
قطعُوا مشافر نَاقَته وذنبها، وصاحوا بِهِ: أرطب أم يباس، فَلَمَّا خرج.
(1/30)
ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا كَلَامُ حِمْيَرَ.
وَنَخْمَاسُ: الرَّأْسُ [1]- فَنَظَرُوا إلَى الْكُوَّةِ فَإِذَا رَأْسُ
لَخَنِيعَةَ مَقْطُوعٌ، فَخَرَجُوا فِي إثْرِ ذِي نُوَاسٍ حَتَّى
أَدْرَكُوهُ، فَقَالُوا: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَنَا غَيْرُكَ: إذْ
أَرَحْتنَا مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ.
مُلْكُ ذِي نُوَاسٍ
فَمَلَّكُوهُ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ،
فَكَانَ آخِرَ مُلُوكِ حِمْيَرَ، وَهُوَ صَاحِبُ الْأُخْدُودِ [2] ،
وَتَسَمَّى يُوسُفَ، فَأَقَامَ فِي مُلْكِهِ زَمَانًا.
(النَّصْرَانِيَّةُ بِنَجْرَانَ) :
وَبِنَجْرَانَ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ دِينِ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ عَلَى الْإِنْجِيلِ، أَهْلِ فَضْلٍ، وَاسْتِقَامَةٍ مِنْ أَهْلِ
دِينِهِمْ، لَهُمْ رَأْسٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الثَّامِرِ،
وَكَانَ مَوْقِعُ أَصْلِ ذَلِكَ الدِّينِ بِنَجْرَانَ، وَهِيَ بِأَوْسَطِ
أَرْضِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَأَهْلُهَا وَسَائِرُ الْعَرَبِ
كُلِّهَا أَهْلُ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ
بَقَايَا أَهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ يُقَالُ لَهُ فَيْمِيُونُ [3]- وَقَعَ
بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ، فَدَانُوا بِهِ.
ابْتِدَاءُ وُقُوعِ النَّصْرَانِيَّةِ بِنَجْرَانَ
(فَيْمِيُونُ وَصَالِحٌ وَنَشْرُ النَّصْرَانِيَّةِ بِنَجْرَانَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي لَبِيَدٍ
مَوْلَى الْأَخْنَسِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ أَنَّهُ
حَدَّثَهُمْ:
__________
[ () ] (ذُو نواس من عِنْده، وَركب نَاقَة لَهُ يُقَال لَهَا السراب،
قَالُوا: ذُو نواس: أرطب أم يباس؟ فَقَالَ:
ستعلم الأحراس، است ذِي نواس، است رطبان أم يباس» . فَلَعَلَّ مَا فِي
الأَصْل هُنَا محرف عَن هَذَا.
[1] وَقيل: نخماس: رجل كَانَ مِنْهُم ثمَّ تَابَ، يعْنى أَنه كَانَ يعْمل
عمل لخنيعة.
[2] وَيُقَال: إِن الَّذين خددوا الْأُخْدُود ثَلَاثَة: تبع صَاحب الْيمن،
وقسطنطين بن هلانى (وهلانى أمه) حِين صرف النَّصَارَى عَن التَّوْحِيد
إِلَى عبَادَة الصَّلِيب، وبخت نصّر من أهل بابل، حِين أَمر النَّاس أَن
يسجدوا لَهُ، فَامْتنعَ دانيال وَأَصْحَابه، فألقاهم فِي النَّار.
[3] فِي الرَّوْض الْأنف: «فيمؤن» ، وَفِي الطَّبَرِيّ: «قيمؤن»
بِالْقَافِ، وَقيل إِن اسْمه يحيى، وَكَانَ أَبوهُ ملكا فتوفى، وَأَرَادَ
قومه أَن يملكوه بعد أَبِيه، ففر من الْملك وَلزِمَ السياحة.
(1/31)
أَنَّ مَوْقِعَ ذَلِكَ الدِّينِ
بِنَجْرَانَ كَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ دِينِ عِيسَى بن
مَرْيَمَ يُقَالُ لَهُ فَيْمِيُونُ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مُجْتَهِدًا
زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا، مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَكَانَ سَائِحًا يَنْزِلُ
بَيْنَ الْقُرَى، لَا يُعْرَفُ بِقَرْيَةِ إلَّا خَرَجَ مِنْهَا إلَى
قَرْيَةٍ لَا يُعْرَفُ بِهَا، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ كَسْبِ
يَدَيْهِ، وَكَانَ بَنَّاءً يَعْمَلُ الطِّينَ وَكَانَ يُعَظِّمُ
الْأَحَدَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ شَيْئًا،
وَخَرَجَ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ يُصَلِّي بِهَا حَتَّى يُمْسِيَ.
قَالَ: وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ يَعْمَلُ عَمَلَهُ ذَلِكَ
مُسْتَخْفِيًا، فَفَطِنَ لِشَأْنِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا يُقَالُ لَهُ
صَالِحٌ، فَأَحَبَّهُ صَالِحٌ حُبًّا لَمْ يُحِبَّهُ شَيْئًا كَانَ
قَبْلَهُ، فَكَانَ يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ، وَلَا يَفْطِنُ لَهُ
فَيْمِيُونُ: حَتَّى خَرَجَ مَرَّةً فِي يَوْمِ الْأَحَدِ إلَى فَلَاةٍ
مِنْ الْأَرْضِ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، وَقَدْ اتَّبَعَهُ صَالِحٌ
وفَيْمِيونُ لَا يَدْرِي، فَجَلَسَ صَالِحٌ مِنْهُ مَنْظَرَ الْعَيْنِ
مُسْتَخْفِيًا مِنْهُ، لَا يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ بِمَكَانِهِ. وَقَامَ
فَيْمِيُونُ يُصَلِّي، فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إذْ أَقْبَلَ نَحْوَهُ
التِّنِّينُ- الْحَيَّةُ ذَاتُ الرُّءُوسِ السَّبْعَةِ [1]- فَلَمَّا
رَآهَا فَيْمِيُونُ دَعَا عَلَيْهَا فَمَاتَتْ، وَرَآهَا صَالِحٌ وَلَمْ
يَدْرِ مَا أَصَابَهَا، فَخَافَهَا عَلَيْهِ، فَعِيلَ عَوْلُهُ [2] ،
فَصَرَخَ: يَا فَيْمِيُونُ، التِّنِّينُ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَكَ، فَلَمْ
يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا،
وَأَمْسَى فَانْصَرَفَ. وَعَرَفَ أَنَّهُ قَدْ عُرِفَ، وَعَرَفَ صَالِحٌ
أَنَّهُ قَدْ رَأَى مَكَانَهُ، فَقَالَ (لَهُ: يَا) [3] فَيْمِيُونُ،
تَعْلَمُ وَاَللَّهِ أَنِّي مَا أَحْبَبْتُ شَيْئًا قَطُّ حُبَّكَ، وَقَدْ
أَرَدْتُ صُحْبَتَكَ، وَالْكَيْنُونَةَ مَعَكَ حَيْثُ كُنْتَ، فَقَالَ: مَا
شِئْتَ، أَمْرِي كَمَا تَرَى، فَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّكَ تَقْوَى عَلَيْهِ
فَنَعَمْ، فَلَزِمَهُ صَالِحٌ. وَقَدْ كَادَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ
يَفْطِنُونَ لِشَأْنِهِ، وَكَانَ إذَا فَاجَأَهُ [4] الْعَبْدُ بِهِ
الضُّرُّ دَعَا لَهُ فَشُفِيَ، وَإِذَا دُعِي إلَى أَحَدٍ بِهِ ضُرٌّ لَمْ
يَأْتِهِ، وَكَانَ لِرَجُلِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ ابْنٌ ضَرِيرٌ،
فَسَأَلَ عَنْ شَأْنِ فَيْمِيُونَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَا يَأْتِي
أَحَدًا دَعَاهُ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ يَعْمَلُ لِلنَّاسِ الْبُنْيَانَ
بِالْأَجْرِ.
فَعَمَدَ الرَّجُلُ إلَى ابْنِهِ ذَلِكَ فَوَضَعَهُ فِي حُجْرَتِهِ
وَأَلْقَى عَلَيْهِ ثوبا، ثمَّ جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ:
__________
[1] يعْنى بالرءوس هُنَا: الْقُرُون. (عَن شرح السِّيرَة) .
[2] عيل عوله: أَي غلب على صبره، يُقَال: عاله الْأَمر، إِذا غَلبه.
[3] زِيَادَة عَن أ.
[4] كَذَا فِي م، ر، ط، والطبري. وَفِي أ، ومعجم الْبلدَانِ لياقوت (ج 4 ص
752 طبع أوروبا) «فَاء جَاءَهُ» .
(1/32)
يَا فَيْمِيُونُ، إنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ
أَعْمَلَ فِي بَيْتِي عَمَلًا، فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ حَتَّى تَنْظُرَ
إلَيْهِ، فَأُشَارِطُكَ عَلَيْهِ. فَانْطَلَقَ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ
حُجْرَتَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا تُرِيدُ أَنْ تَعْمَلَ فِي [1] بَيْتِكَ
هَذَا؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ انْتَشَطَ [2] الرَّجُلُ الثَّوْبَ
عَنْ الصَّبِيِّ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا فَيْمِيُونُ، عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ
اللَّهِ أَصَابَهُ مَا تَرَى، فَادْعُ اللَّهَ لَهُ. فَدَعَا لَهُ
فَيْمِيُونُ، فَقَامَ الصَّبِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَعَرَفَ فَيْمِيُونُ
أَنَّهُ قَدْ عُرِفَ، فَخَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ وَاتَّبَعَهُ صَالِحٌ،
فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي فِي بَعْضِ الشَّامِ إذْ مَرَّ بِشَجَرَةِ
عَظِيمَةٍ. فَنَادَاهُ مِنْهَا رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا فَيْمِيُونُ، قَالَ:
نَعَمْ، قَالَ: مَا زِلْتُ أَنْظُرُكَ [3] وَأَقُولُ مَتَى هُوَ جَاءٍ،
حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَكَ، فَعَرَفْتُ أَنَّكَ هُوَ، لَا تَبْرَحْ حَتَّى
تَقُومَ عَلَيَّ، فَإِنِّي مَيِّتٌ الْآنَ، قَالَ:
فَمَاتَ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَتَبِعَهُ
صَالِحٌ، حَتَّى وَطِئَا بَعْضَ أَرْضِ الْعَرَبِ، فَعَدَوْا عَلَيْهِمَا.
فَاخْتَطَفَتْهُمَا سَيَّارَةٌ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ، فَخَرَجُوا بِهِمَا
حَتَّى بَاعُوهُمَا بِنَجْرَانَ، وَأَهْلُ نَجْرَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى
دِينِ الْعَرَبِ، يَعْبُدُونَ نَخْلَةً طَوِيلَةً بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ،
لَهَا عِيدٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ، إذَا كَانَ ذَلِكَ الْعِيدُ عَلَّقُوا
عَلَيْهَا كُلَّ ثَوْبٍ حَسَنٍ وَجَدُوهُ، وَحُلِيَّ النِّسَاءِ، ثُمَّ
خَرَجُوا إلَيْهَا فَعَكَفُوا عَلَيْهَا يَوْمًا. فَابْتَاعَ فَيْمِيُونُ
رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَابْتَاعَ صَالِحًا آخَرُ. فَكَانَ
فَيْمِيُونُ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ فِي بَيْتٍ لَهُ-
أَسْكَنَهُ إيَّاهُ سَيِّدُهُ- يُصَلِّي، اُسْتُسْرِجَ لَهُ الْبَيْتُ
نُورًا حَتَّى يُصْبِحَ مِنْ غَيْرِ مِصْبَاحٍ، فَرَأَى ذَلِكَ سَيِّدُهُ،
فَأَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَخْبَرَهُ
بِهِ، وَقَالَ لَهُ فَيْمِيُونُ: إنَّمَا أَنْتُمْ فِي بَاطِلٍ، إنَّ
هَذِهِ النَّخْلَةَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْ دَعَوْتُ عَلَيْهَا
إلَهِي الَّذِي أَعْبُدُهُ لَأَهْلَكَهَا، وَهُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ:
فَافْعَلْ، فَإِنَّكَ إنْ فَعَلْتَ دَخَلْنَا فِي دِينِكَ، وَتَرَكْنَا مَا
نَحْنُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَقَامَ فَيْمِيُونُ، فَتَطَهَّرَ وَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَلَيْهَا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ
عَلَيْهَا رِيحًا فَجَعَفَتْهَا [4] مِنْ أَصْلِهَا فَأَلْقَتْهَا،
فَاتَّبَعَهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِهِ، فَحَمَلَهُمْ
عَلَى الشَّرِيعَةِ مِنْ دِينِ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
ثُمَّ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ الْأَحْدَاثُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَى أَهْلِ
__________
[1] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ. وَفِي جَمِيع الْأُصُول: «من» .
[2] انتشط الثَّوْب: كشفه بِسُرْعَة.
[3] فِي الطَّبَرِيّ: أنتظرك. وَالنَّظَر والانتظار بِمَعْنى.
[4] جعفتها: قلعتها وأسقطتها.
3- سيرة ابْن هِشَام- 1
(1/33)
دِينِهِمْ بِكُلِّ أَرْضٍ، فَمِنْ
هُنَالِكَ كَانَتْ النَّصْرَانِيَّةُ بِنَجْرَانَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا حَدِيثُ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَهْلِ
نَجْرَانَ.
أَمْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الثَّامِرِ، وَقِصَّةُ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ
(فَيْمِيُونُ وَابْنُ الثَّامِرِ وَاسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَحَدَّثَنِي أَيْضًا بَعْضُ أَهْلِ نَجْرَانَ
عَنْ أَهْلِهَا:
أَنَّ أَهْلَ نَجْرَانَ كَانُوا أَهْلَ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ،
وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهَا قَرِيبًا مِنْ نَجْرَانَ- وَنَجْرَانُ:
الْقَرْيَةُ الْعُظْمَى الَّتِي إلَيْهَا جِمَاعُ أَهْلِ تِلْكَ
الْبِلَادِ- سَاحِرٌ يُعَلِّمُ غِلْمَانَ أَهْلِ نَجْرَانَ السِّحْرَ،
فَلَمَّا نَزَلَهَا فَيْمِيُونُ- وَلَمْ يُسَمُّوهُ لِي بِاسْمِهِ الَّذِي
سَمَّاهُ بِهِ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، قَالُوا: رَجُلٌ نَزَلَهَا- ابْتَنَى
خَيْمَةً بَيْنَ نَجْرَانَ وَبَيْنَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ الَّتِي بِهَا
السَّاحِرُ، فَجَعَلَ أَهْلُ نَجْرَانَ يُرْسِلُونَ غِلْمَانَهُمْ إلَى
ذَلِكَ السَّاحِرِ يُعَلِّمُهُمْ السِّحْرَ فَبَعَثَ إلَيْهِ الثَّامِرُ
ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الثَّامِرِ، مَعَ غِلْمَانِ أَهْلِ نَجْرَانَ
فَكَانَ إذَا مَرَّ بِصَاحِبِ الْخَيْمَةِ أَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ
مِنْ صَلَاتِهِ وَعِبَادَتِهِ، فَجَعَلَ يَجْلِسُ إلَيْهِ، وَيَسْمَعُ
مِنْهُ، حَتَّى أَسْلَمَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَعَبَدَهُ، وَجَعَلَ
يَسْأَلُهُ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، حَتَّى إذَا فَقِهَ فِيهِ جَعَلَ
يَسْأَلُهُ عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ، وَكَانَ يَعْلَمُهُ، فَكَتَمَهُ
إيَّاهُ، وَقَالَ (لَهُ) [1] :
يَا بن أَخِي، إنَّكَ لَنْ تَحْمِلَهُ، أَخْشَى عَلَيْكَ ضَعْفَكَ عَنْهُ.
وَالثَّامِرُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَظُنُّ إلَّا أَنَّ ابْنَهُ
يَخْتَلِفُ إلَى السَّاحِرِ كَمَا يَخْتَلِفُ الْغِلْمَانُ، فَلَمَّا رَأَى
عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ ضَنَّ بِهِ عَنْهُ. وَتَخَوَّفَ
ضَعْفَهُ فِيهِ، عَمَدَ إلَى أَقْدَاحٍ فَجَمَعَهَا، ثُمَّ لَمْ يُبْقِ
للَّه اسْمًا يَعْلَمُهُ إلَّا كَتَبَهُ فِي قِدْحٍ [2] ، وَلِكُلِّ اسْمٍ
قِدْحٌ، حَتَّى إذَا أَحْصَاهَا أَوْقَدَ لَهَا نَارًا، ثُمَّ جَعَلَ
يَقْذِفُهَا فِيهَا قِدْحًا قِدْحًا، حَتَّى إذَا مَرَّ بِالِاسْمِ
الْأَعْظَمِ قَذَفَ فِيهَا بِقِدْحِهِ، فَوَثَبَ الْقِدْحُ حَتَّى خَرَجَ
مِنْهَا لَمْ تَضُرَّهُ شَيْئًا، فَأَخَذَهُ ثُمَّ أَتَى صَاحِبَهُ
فَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ الِاسْمَ الَّذِي كَتَمَهُ، فَقَالَ:
وَمَا هُوَ؟ قَالَ: هُوَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَكَيْفَ
__________
[1] زِيَادَة عَن أوالطبري.
[2] الْقدح: السهْم.
(1/34)
عَلِمْتَهُ؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ،
قَالَ: أَيْ ابْنَ أَخِي، قَدْ أَصَبْتَهُ فَأَمْسِكْ عَلَى نَفْسِكَ،
وَمَا أَظُنُّ أَنْ تَفْعَلَ.
(ابْنُ الثَّامِرِ وَدَعْوَتُهُ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ بِنَجْرَانَ) :
فَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الثَّامِرِ إذَا دَخَلَ نَجْرَانَ لَمْ
يَلْقَ أَحَدًا بِهِ ضُرٌّ إلَّا قَالَ (لَهُ) [1] يَا عَبْدَ اللَّهِ،
أَتُوَحِّدُ اللَّهَ وَتَدْخُلُ فِي دِينِي وَأَدْعُو اللَّهَ فَيُعَافِيكَ
مِمَّا أَنْتَ فِيهِ مِنْ الْبَلَاءِ؟
فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُوَحِّدُ اللَّهَ وَيُسْلِمُ، وَيَدْعُو لَهُ
فَيُشْفَى. حَتَّى لَمْ يَبْقَ بِنَجْرَانَ أَحَدٌ بِهِ ضُرٌّ إلَّا
أَتَاهُ فَاتَّبَعَهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَدَعَا لَهُ فَعُوفِيَ حَتَّى
رُفِعَ شَأْنُهُ إلَى مَلِكِ نَجْرَانَ، فَدَعَاهُ فَقَالَ (لَهُ) [1] :
أَفْسَدْتَ عَلَيَّ أَهْلَ قَرْيَتِي، وَخَالَفْتَ دِينِي وَدِينَ آبَائِي،
لَأُمَثِّلَنَّ بِكَ، قَالَ: لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: فَجَعَلَ
يُرْسِلُ بِهِ إلَى الْجَبَلِ الطَّوِيلِ فَيُطْرَحُ عَلَى رَأْسِهِ
فَيَقَعُ إلَى الْأَرْضِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَجَعَلَ يَبْعَثُ بِهِ إلَى
مِيَاهٍ بِنَجْرَانَ، بُحُورٍ لَا يَقَعُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا هَلَكَ،
فَيُلْقَى فِيهَا فَيَخْرُجُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. فَلَمَّا غَلَبَهُ قَالَ
لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الثَّامِرِ: إنَّكَ وَاَللَّهِ لَنْ تَقْدِرَ
عَلَى قَتْلِي حَتَّى تُوَحِّدَ اللَّهَ فَتُؤْمِنَ بِمَا آمَنْتُ بِهِ،
فَإِنَّكَ إنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ سُلِّطْتَ عَلَيَّ فَقَتَلْتنِي. قَالَ:
فَوَحَّدَ اللَّهَ تَعَالَى ذَلِكَ الْمَلِكُ، وَشَهِدَ شَهَادَةَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الثَّامِرِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِعَصَا فِي يَدِهِ فَشَجَّهُ
شَجَّةً غَيْرَ كَبِيرَةٍ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَلِكُ مَكَانَهُ،
وَاسْتَجْمَعَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الثَّامِرِ، وَكَانَ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى بن مَرْيَمَ مِنْ
الْإِنْجِيلِ وَحُكْمِهِ، ثُمَّ أَصَابَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ أَهْلَ
دِينِهِمْ مِنْ الْأَحْدَاثِ، فَمِنْ هُنَالِكَ كَانَ أَصْلُ
النَّصْرَانِيَّةِ بِنَجْرَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ
الْقُرَظِيِّ، وَبَعْضِ أَهْلِ نَجْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الثَّامِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
(ذُو نُوَاسٍ وَخَدُّ الْأُخْدُودِ) :
فَسَارَ إلَيْهِمْ ذُو نُوَاسٍ بِجُنُودِهِ، فَدَعَاهُمْ إلَى
الْيَهُودِيَّةِ، وَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْقَتْلِ، فَاخْتَارُوا
الْقَتْلَ، فَخَدَّ لَهُمْ الْأُخْدُودَ، فَحَرَقَ مَنْ حَرَقَ بِالنَّارِ،
وَقَتَلَ بِالسَّيْفِ وَمَثَّلَ بِهِ حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ
عشْرين ألفا، فِي ذِي نُوَاسٍ وَجُنْدِهِ تِلْكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
عَلَى رَسُولِهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قُتِلَ أَصْحابُ 85: 4
__________
[1] زِيَادَة عَن الطبرى.
(1/35)
الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ،
إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ، وَهُمْ عَلى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ
شُهُودٌ، وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 85: 4- 8.
(الْأُخْدُودُ لُغَةً) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأُخْدُودُ: الْحَفْرُ الْمُسْتَطِيلُ فِي
الْأَرْضِ، كَالْخَنْدَقِ وَالْجَدْوَلِ وَنَحْوِهِ، وَجَمْعُهُ
أَخَادِيدُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ، وَاسْمُهُ غَيْلَانُ بْنُ عُقْبَةَ،
أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ ابْن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ أدّ بن طابخة بْنِ إلْيَاسَ
بْنِ مُضَرَ:
مِنْ الْعِرَاقِيَّةِ اللَّاتِي يُحِيلُ لَهَا [1] ... بَيْنَ الْفَلَاةِ
وَبَيْنَ النَّخْلِ أُخْدُودُ
يَعْنِي جَدْوَلًا. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ:
وَيُقَالُ لِأَثَرِ السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ فِي الْجِلْدِ وَأَثَرِ
السَّوْطِ وَنَحْوِهِ: أُخْدُودٌ، وَجَمْعُهُ أَخَادِيدُ.
(مَقْتَلُ ابْنِ الثَّامِرِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيُقَالُ: كَانَ فِيمَنْ قَتَلَ ذُو نُوَاسٍ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الثَّامِرِ، رَأْسُهُمْ وَإِمَامُهُمْ [2] .
(مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ الثَّامِرِ فِي قَبْرِهِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ [3] أَنَّهُ حُدِّثَ:
أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَفَرَ خَرِبَةً مِنْ خَرِبِ نَجْرَانَ
لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَوَجَدُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الثَّامِرِ تَحْتَ
دَفْنٍ مِنْهَا قَاعِدًا، وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى ضَرْبَةٍ فِي رَأْسِهِ،
مُمْسِكًا بِيَدِهِ عَلَيْهَا، فَإِذَا أُخِّرَتْ يَدُهُ عَنْهَا
تَنْبَعِثُ [4] دَمًا، وَإِذَا أُرْسِلَتْ يَدُهُ رَدَّهَا عَلَيْهَا،
فَأَمْسَكَتْ دَمُهَا، وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ
__________
[1] يحِيل لَهَا: يصب لَهَا، يُقَال: أحَال المَاء فِي الْحَوْض، إِذا صبه.
[2] وَيُقَال: إِنَّمَا قتل عبد الله بن الثَّامِر قبل ذَلِك، قَتله ملك
كَانَ قبل ذِي نواس، هُوَ أصل ذَلِك الدَّين، وَإِنَّمَا قتل ذُو نواس من
كَانَ بعده من أهل دينه. (رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[3] قَالَ ابْن سعد: كَانَ ثِقَة كثير الْعلم عَالما، توفى سنة 135 هـ،
وَقيل سنة 133 هـ. وَكَانَ عمره سبعين سنة.
[4] فِي أ: «تثعبت» . وتثعبت: سَالَتْ.
(1/36)
مَكْتُوبٌ فِيهِ: «رَبِّي اللَّهُ»
فَكُتِبَ فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُخْبَرُ بِأَمْرِهِ،
فَكَتَبَ إلَيْهِمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنْ أَقِرُّوهُ عَلَى
حَالِهِ، وَرُدُّوا عَلَيْهِ الدَّفْنَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا
[1] .
أَمْرُ دَوْسِ ذِي ثَعْلَبَانَ، وَابْتِدَاءُ مُلْكِ الْحَبَشَة وَذكر
أرباط الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْيَمَنِ
(فِرَارُ دَوْسٍ وَاسْتِنْصَارُهُ بِقَيْصَرَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَفْلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ سَبَأٍ، يُقَالُ
لَهُ: دَوْسُ ذُو ثَعْلَبَانَ [2] ، عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَسَلَكَ الرَّمْلَ
فَأَعْجَزَهُمْ، فَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ، حَتَّى أَتَى قَيْصَرَ
مَلِكَ الرُّومِ، فَاسْتَنْصَرَهُ عَلَى ذِي نُوَاسٍ وَجُنُودِهِ،
وَأَخْبَرَهُ بِمَا بَلَغَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ:
بَعُدَتْ بِلَادُكَ مِنَّا، وَلَكِنِّي سَأَكْتُبُ لَكَ إلَى مَلِكِ
الْحَبَشَةِ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا الدِّينِ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى
بِلَادِكَ، وَكَتَبَ إلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِنَصْرِهِ وَالطَّلَبِ
بِثَأْرِهِ.
(انْتِصَارُ أَرْيَاطَ وَهَزِيمَةُ ذِي نُوَاسٍ وَمَوْتُهُ) :
فَقَدِمَ دَوْسٌ عَلَى النَّجَاشِيِّ بِكِتَابِ قَيْصَرَ، فَبَعَثَ مَعَهُ
سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ الْحَبَشَةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا
مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أَرْيَاطُ، وَمَعَهُ فِي جُنْدِهِ أَبْرَهَةُ
الْأَشْرَمُ، فَرَكِبَ أَرْيَاطُ الْبَحْرَ حَتَّى نَزَلَ بِسَاحِلِ
الْيَمَنِ، وَمَعَهُ دَوْسٌ ذُو ثَعْلَبَانَ، وَسَارَ إلَيْهِ ذُو نُوَاسٍ
فِي حِمْيَرَ، وَمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ، فَلَمَّا
الْتَقَوْا انْهَزَمَ ذُو نُوَاسٍ وَأَصْحَابُهُ. فَلَمَّا رَأَى ذُو
نُوَاسٍ مَا نَزَلَ بِهِ وَبِقَوْمِهِ وَجَّهَ فَرَسَهُ فِي الْبَحْرِ،
ثُمَّ ضَرَبَهُ فَدَخَلَ بِهِ، فَخَاضَ بِهِ ضَحْضَاحَ [3] الْبَحْرِ،
حَتَّى أَفْضَى بِهِ إلَى غَمْرِهِ، فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، وَكَانَ آخِرَ
الْعَهْدِ بِهِ.
وَدَخَلَ أَرْيَاطُ الْيَمَنَ، فَمَلَكَهَا [4]
__________
[1] وَمن ذَلِك مَا يرْوى من أَن حَمْزَة بن عبد الْمطلب رضى الله عَنهُ
وجده مُعَاوِيَة حِين حفر الْعين صَحِيحا لم يتَغَيَّر، وَأَن الفأس
أَصَابَت إصبعه فدميت، وَكَذَلِكَ مَا يرْوى عَن أَبى جَابر عبد الله بن
حرَام، وَعَمْرو ابْن الجموح، وَطَلْحَة بن عبيد الله رضى الله عَنْهُم،
وَقد أَفَاضَ الْمُفَسِّرُونَ فِي ذَلِك عِنْد الْكَلَام على تَفْسِير
قَوْله تَعَالَى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله
أَمْواتاً 3: 169 ... الْآيَة.
[2] وَيُقَال: إِن الّذي أفلت هُوَ جَبَّار بن فيض، من أهل نَجْرَان،
وَالأَصَح مَا رَوَاهُ ابْن إِسْحَاق.
(رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[3] الضحضاح من المَاء: الّذي يظْهر مِنْهُ القعر.
[4] هَذِه رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فِي مقتل ذِي نواس، وَدخُول الْحَبَشَة
الْيمن، سَاقهَا عَنهُ ابْن هِشَام. وَأما غير
(1/37)
(شِعْرٌ فِي دَوْسٍ وَمَا كَانَ مِنْهُ) :
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ- وَهُوَ يَذْكُرُ مَا سَاقَ
إلَيْهِمْ دَوْسٌ مِنْ أَمْرِ الْحَبَشَةِ:
«لَا كَدَوْسٍ وَلَا كَأَعْلَاقِ رَحْلِهِ
» [1] فَهِيَ مَثَلٌ بِالْيَمَنِ إلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَقَالَ ذُو جَدَنٍ
الْحِمْيَرِيُّ:
هَوْنكِ [2] لَيْسَ يَرُدُّ الدَّمْعُ مَا فَاتَا ... لَا تَهْلِكِي
أَسَفًا فِي إثْرِ مَنْ مَاتَا
أَبَعْدَ بَيْنُونَ لَا عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ ... وَبَعْدَ سِلْحِينَ
يَبْنِي النَّاسُ أَبْيَاتَا
بَيْنُونُ وَسِلْحِينُ وَغُمْدَانُ [3] : مِنْ حُصُونِ الْيَمَنِ الَّتِي
هَدَمَهَا أَرْيَاطُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي النَّاسِ مِثْلُهَا. وَقَالَ ذُو
جَدَنٍ أَيْضًا:
دَعِينِي لَا أَبَا لَكَ لَنْ تُطِيقِي [4] ... لِحَاكِ اللَّهِ قَدْ
أَنْزَفْتِ رِيقِي [5]
لَدَيَّ عَزْفُ القيان إِذْ انتشبنا ... وَإِذ نُسْقَى مِنْ الْخَمْرِ
الرَّحِيقِ [6]
وَشُرْبُ الْخَمْرِ لَيْسَ عَلَيَّ عَارًا ... إذَا لَمْ يَشْكُنِي فِيهَا
[7] رَفِيقِي
فَإِنَّ الْمَوْتَ لَا يَنْهَاهُ نَاهٍ ... وَلَوْ شَرِبَ الشِّفَاءَ مَعَ
النُّشُوقِ [8]
__________
[ () ] ابْن إِسْحَاق فَيَقُولُونَ: إِن ذَا نواس أَدخل الْحَبَشَة صنعاء
الْيمن حِين رأى أَن لَا قبل لَهُ بهم، بعد أَن اسْتنْفرَ جَمِيع المقاول
ليكونوا مَعَه يدا وَاحِدَة عَلَيْهِم، فَأَبَوا إِلَّا أَن يحمى كل وَاحِد
مِنْهُم حوزته على حِدته، فَخرج إِلَيْهِم، وَمَعَهُ مَفَاتِيح خزائنه
وأمواله، على أَن يسالموه وَمن مَعَه، وَلَا يقتلُوا أحدا، فَكَتَبُوا
إِلَى النَّجَاشِيّ بذلك، فَأَمرهمْ أَن يقبلُوا ذَلِك مِنْهُ، فَدَخَلُوا
صنعاء وَدفع إِلَيْهِم المفاتيح، وَأمرهمْ أَن يقبضوا مَا فِي بِلَاده من
خَزَائِن أَمْوَاله، ثمَّ كتب ذُو نواس إِلَى كل مَوضِع من أرضه أَن
اقْتُلُوا كل ثَوْر أسود، فَقتل أَكثر الْحَبَشَة، فَلَمَّا بلغ ذَلِك
النَّجَاشِيّ وَجه إِلَيْهِم جَيْشًا، وَعَلِيهِ أرياط، وَأمره أَن يقتل
ذَا نواس، وَيخرب ثلث بِلَاده، وَيقتل ثلث النِّسَاء، ويسبى ثلث الرِّجَال
والذرية، فَفَعَلُوا ذَلِك، ثمَّ كَانَ مَا كَانَ من اقتحام ذِي نواس
الْبَحْر، وَقيام ذِي جدن بعده. (رَاجع الطَّبَرِيّ وَالرَّوْض الْأنف) .
[1] الأعلاق: جمع علق، وَهُوَ النفيس من كل شَيْء: يُرِيد مَا حمله دوس
إِلَى الْحَبَشَة من النجدة.
[2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والطبري. يُرِيد: ترفقى وليهن عَلَيْك هَذَا
الْأَمر. وَفِي أ، وتواريخ مَكَّة للأزرقى: «هُوَ نكما لن ... إِلَخ» .
وَهُوَ من بَاب قَول الْعَرَب للْوَاحِد افعلا، وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن
وَالْكَلَام
[3] ستذكر فِيمَا يَلِي من شعر ذِي جدن وسلحين: بِفَتْح السِّين فِي ياقوت،
وبكسرها فِي الْبكْرِيّ.
[4] أَي لن تطيقى صرفى بالعذل عَن شأنى.
[5] أَي أكثرت على من العذل حَتَّى أيبست ريقي بفمي. وَقلة الرِّيق من
الْحصْر، وكثرته من قُوَّة النَّفس وثبات الجأش.
[6] الرَّحِيق: الْمُصَفّى الْخَالِص.
[7] فِي أ: «فِيهِ» .
[8] كَذَا فِي أوالطبري. والشفاء بِالْكَسْرِ) : مَا يتداوى بِهِ فيشفى،
تَسْمِيَة للسبب باسم الْمُسَبّب
(1/38)
وَلَا مُتَرَهِّبٍ فِي أُسْطُوَانٍ [1] ...
يُنَاطِحُ جُدْرَهُ بَيْضُ الْأَنُوقِ [2]
وغُمْدَانُ [3] الَّذِي حُدِّثْتِ عَنْهُ ... بَنَوْهُ مُسَمَّكا فِي
رَأْسِ نِيقِ [4]
بِمَنْهَمَةِ [5] وَأَسْفَلُهُ جُرُونٌ [6] ... وَحُرُّ [7] الْمَوْحَلِ
[8] اللَّثَقِ الزَّلِيقِ [9]
مصابيح السّليط [10] تاوح فِيهِ ... إذَا يُمْسِي كَتَوْمَاضِ الْبُرُوقِ
وَنَخْلَتُهُ الَّتِي غُرِسَتْ إلَيْهِ ... يَكَادُ الْيُسْرُ يَهْصِرُ
[11] بِالْعُذُوقِ
فَأَصْبَحَ بَعْدَ جِدَّتِهِ رَمَادًا ... وَغَيَّرَ حُسْنَهُ لَهَبُ
الْحَرِيقِ
وَأَسْلَمَ ذُو نُوَاسٍ مُسْتَكِينًا [12] ... وَحَذَّرَ قَوْمَهُ ضَنْكَ
الْمَضِيقِ
وَقَالَ ابْنُ الذِّئْبَةِ الثَّقَفِيُّ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
الذِّئْبَةُ أُمُّهُ، وَاسْمُهُ رَبِيعَةُ ابْن عبد يَا ليل بْنُ سَالِمِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ حُطَيْطِ بْنِ جُشَمَ بْنِ قَسِيِّ:
لَعَمْرُكَ مَا لِلْفَتَى مِنْ مَفَرٍّ ... مَعَ الْمَوْتِ يَلْحَقُهُ
والكِبَرْ
__________
[ () ] والنشوق: مَا يشم من الدَّوَاء وَيجْعَل فِي الْأنف. يُرِيد: وَلَو
شرب مَعَ كل دَوَاء يستشفى بِهِ، ونشق كل نشوق مَا نهى ذَلِك الْمَوْت
عَنهُ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الشِّفَاء مَعَ السويق» .
[1] الأسطوان: جمع أسطوانة، وَهِي السارية. وَأَرَادَ بهَا هَاهُنَا مَوضِع
الراهب الْمُرْتَفع.
[2] الأنوق: الرخم، وَهِي لَا تبيض إِلَّا فِي الْجبَال الْعَالِيَة.
[3] غمدان: حصن كَانَ لهوذة بن على ملك الْيَمَامَة.
[4] مسمكا: مرتفعا. والنيق: أَعلَى الْجَبَل.
[5] المنهمة: مَوضِع الرهبان. وَيُقَال للراهب: نهامى، كَمَا يُقَال للنجار
أَيْضا نهامى، فَتكون المنهمة على هَذَا مَوضِع النجر أَيْضا.
[6] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والجرون: جمع جرن، وَهُوَ النقير. وَفِي أ،
والطبري: «جروب» .
والجروب: الْحِجَارَة السود.
[7] الْحر: الْخَالِص من كل شَيْء.
[8] الموحل: من الوحل، وَهُوَ المَاء والطين. ويروى: «الموجل» بِالْجِيم
الْمَفْتُوحَة. وَهِي الْحِجَارَة الملس السود، أَي وَهِي وَاحِدَة
المواجل، وَهِي مناهل المَاء.
[9] اللثق: الّذي فِيهِ بَلل. والزليق: الّذي يزلق فِيهِ. وَقد زَادَت أبعد
هَذَا الْبَيْت:
بمرمرة وَأَعلاهُ رُخَام ... تحام لَا يغيب فِي الشقوق
[10] السليط: الدّهن.
[11] يهصر: يمِيل. والعذوق: جمع عذق. والعذق (بِكَسْر الْعين) : الكباسة،
(وَبِفَتْحِهَا) :
النَّخْلَة، وَالْمعْنَى الثَّانِي أبلغ هُنَا.
[12] مستكينا: خاضعا ذليلا.
(1/39)
لَعُمْرُكَ مَا لِلْفَتَى صُحْرَةٌ [1] ...
لَعُمْرُكَ مَا إنْ لَهُ مِنْ وَزَرْ [2]
أَبَعْدَ قَبَائِلَ مِنْ حِمْيَرَ ... أُبِيدُوا صَبَاحًا بِذَاتِ
الْعَبَرْ [3]
بِأَلْفِ أُلُوفٍ وحُرَّابَةٌ [4] ... كَمِثْلِ السَّمَاءِ قُبَيْلَ
الْمَطَرْ
يُصِمُّ صِيَاحُهُمْ الْمُقْرَبَاتِ [5] ... وَيَنْفُونَ مَنْ قَاتَلُوا
بِالذَّفَرْ [6]
سَعَالِيَ [7] مثل عديد التُّرَاب ... تَيْبَسُ مِنْهُمْ رِطَابُ الشَّجَرْ
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبٍ [8] الزُّبَيْدِيُّ فِي شَيْءٍ كَانَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَيْسِ بْنِ مَكْشوُحٍ الْمُرَادِيَّ [9] ، فَبَلَغَهُ
أَنَّهُ يَتَوَعَّدُهُ، فَقَالَ يَذْكُرُ حِمْيَرَ وَعِزَّهَا، وَمَا زَالَ
مِنْ مُلْكِهَا عَنْهَا:
أَتُوعِدُنِي كَأَنَّكَ ذُو رُعَيْنٍ ... بِأَفْضَلِ عِيشَةٍ، أَوْ ذُو
نُوَاسِ
وكائنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنْ نَعِيمٍ ... وَمُلْكٍ ثَابِتٍ فِي النَّاسِ
رَاسِي
قَدِيمٍ عَهْدُهُ مِنْ عَهْدِ عَادٍ ... عَظِيمٍ قَاهِرِ الْجَبَرُوتِ
قَاسِي
فَأَمْسَى أَهْلُهُ بَادُوا وَأَمْسَى ... يُحَوَّلُ مِنْ أُنَاسٍ فِي
أُنَاسِ
__________
[1] الصحرة: المتسع، أَخذ من لفظ الصَّحرَاء.
[2] الْوزر: الملجأ. وَمِنْه اشتق الْوَزير لِأَن الْملك يلجأ إِلَى
رَأْيه.
[3] ذَات العبر: ذَات الْحزن، وَيُقَال: عبر الرجل (من بَاب علم) ، إِذا
حزن، وَيُقَال: لأمه العبر، كَمَا يُقَال لأمه الثكل، وَذَات العبر: اسْم
من أَسمَاء الداهية.
[4] الْحِرَابَة: أَصْحَاب الحراب.
[5] المقربات: الْخَيل الْعتاق الَّتِي لَا تسرح فِي الرَّعْي، وَلَكِن
تحبس قرب الْبيُوت معدة لِلْعَدو.
[6] كَذَا فِي الْأُصُول، وتواريخ مَكَّة للأزرقى. والذفر: الرَّائِحَة
الشَّدِيدَة. يُرِيد أَنهم. بريحهم وأنفاسهم يَتَّقُونَ من قَاتلُوا،
وَهَذَا إفراط فِي وَصفهم بِالْكَثْرَةِ، بل بنتن آباطهم وخبيث رائحتهم،
لِأَن السودَان أنتن النَّاس آباطا وأعراقا. وَفِي الطَّبَرِيّ: «بالزمر»
وَالزمر: جمع زمرة، وَهِي الْجَمَاعَة من النَّاس
[7] سعالى: جمع سعلاة، وَهِي من الْجِنّ، أَو هِيَ الساحرة مِنْهَا.
[8] معديكرب: مَعْنَاهُ بالحميرية: وَجه الْفَلاح. ومعدى: وَجه. وَالْكرب:
الْفَلاح.
[9] إِنَّمَا هُوَ حَلِيف لمراد، وَاسم مُرَاد: يحابر بن سعد الْعَشِيرَة
بن مذْحج، وَنسبه فِي بجيلة، ثمَّ فِي بنى أحمس، وَأَبوهُ مكشوح اسْمه:
هُبَيْرَة بن هِلَال، وَيُقَال: عبد يَغُوث بن هُبَيْرَة بن الْحَارِث بن
عَمْرو ابْن عَامر بن على بن أسلم بن أحمس بن الْغَوْث بن أَنْمَار،
وأنمار: هُوَ وَالِد بجيلة وخثعم، وسمى أَبوهُ مكشوحا لِأَنَّهُ ضرب بِسيف
على كشحة، ويكنى قيس أَبَا شَدَّاد، وَهُوَ قَاتل الْأسود العنسيّ
الْكذَّاب. وَكَانَ قيس بطلا بئيسا، قَتله على- كرم الله وَجهه- يَوْم
صفّين.
(1/40)
(نَسَبُ زُبَيْدٍ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زُبَيْدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ مُنَبِّهِ
بْنِ صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ ابْن مَذْحِجَ، وَيُقَالُ زُبَيْدُ
بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ، وَيُقَالُ زُبَيْدُ
ابْن صَعْبٍ. وَمُرَادُ: يُحَابِرُ بْنُ مَذْحِجَ.
(سَبَبُ قَوْلِ عَمْرو بن معديكرب هَذَا الشِّعْرَ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ:
كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى سَلْمَانَ بْنِ
رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ، وَبَاهِلَةَ ابْن يَعْصُرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ
قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، وَهُوَ بِأَرْمِينِيَّةِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُفَضِّلَ
أَصْحَابَ الْخَيْلِ الْعِرَابِ عَلَى أَصْحَابِ الْخَيْلِ الْمَقَارِفِ
[1] فِي الْعَطَاءِ، فَعَرَضَ الْخَيْلَ، فَمَرَّ بِهِ فَرَسُ عَمْرو بن
معديكرب، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: فَرَسُكَ هَذَا مُقْرِفٌ، فَغَضِبَ
عَمْرٌو، وَقَالَ: هَجِينٌ عَرَفَ هَجِينًا مِثْلَهُ، فَوَثَبَ إلَيْهِ
قَيْسٌ فَتَوَعَّدَهُ، فَقَالَ عَمْرُو هَذِهِ الْأَبْيَاتِ [2] .
(صِدْقُ كَهَانَةِ سَطِيحٍ وَشِقٍّ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَهَذَا الَّذِي عَنَى سَطِيحٌ الْكَاهِنُ
بِقَوْلِهِ: «لَيَهْبِطَنَّ أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ، فَلَيَمْلِكُنَّ مَا
بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى جُرَشَ» . وَاَلَّذِي عَنَى شِقٌّ الْكَاهِنُ
بِقَوْلِهِ:
«لَيَنْزِلَنَّ أَرْضَكُمْ السُّودَانُ، فَلَيَغْلِبُنَّ عَلَى كُلِّ
طِفْلَةٍ الْبَنَانَ، وَلَيَمْلِكُنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى نَجْرَانَ»
.
غَلَبَ أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ عَلَى أَمْرِ الْيَمَنِ، وَقَتَلَ أَرْيَاطَ
(مَا كَانَ بَيْنَ أَرْيَاطَ وَأَبْرَهَةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [3] : فَأَقَامَ أَرْيَاطُ بِأَرْضِ الْيَمَنِ
سِنِينَ فِي سُلْطَانِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ نَازَعَهُ
__________
[1] المقارف: جمع مقرف، وَهُوَ من الْخَيل الّذي أَبوهُ هجين وَأمه عتيقة.
[2] وَيُقَال: بل إِن عمرا قَالَ هَذَا الشّعْر لعمر بن الْخطاب حِين
أَرَادَ ضربه بِالدرةِ فِي حَدِيث طَوِيل سَاقه المَسْعُودِيّ فِي كِتَابه
مروج الذَّهَب (ج 1 ص 329- 330) .
[3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والطبري، وَفِي أ «ابْن هِشَام» ،
وَالصَّوَاب مَا أَثْبَتْنَاهُ.
(1/41)
فِي أَمْرِ الْحَبَشَةِ بِالْيَمَنِ
أَبْرَهَةُ الْحَبَشِيُّ- (وَكَانَ فِي جُنْدِهِ) -[1] حَتَّى تَفَرَّقَتْ
الْحَبَشَةُ عَلَيْهِمَا. فَانْحَازَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَارَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ، فَلَمَّا
تَقَارَبَ النَّاسُ أَرْسَلَ أَبْرَهَةُ إلَى أَرْيَاطَ: إنَّكَ لَا
تَصْنَعُ بِأَنْ تَلْقَى الْحَبَشَةُ بَعْضُهَا بِبَعْضِ حَتَّى تَفِنِيهَا
شَيْئًا فَابْرُزْ إلَيَّ وَأَبْرُزُ إلَيْكَ، فَأَيُّنَا أَصَابَ
صَاحِبَهُ انْصَرَفَ إلَيْهِ جُنْدُهُ.
فَأرْسل إِلَيْهِ أرباط: أَنْصَفْتَ فَخَرَجَ إلَيْهِ أَبْرَهَةُ، وَكَانَ
رَجُلًا قَصِيرًا (لَحِيمًا [2] حَادِرًا) [3] وَكَانَ ذَا دِينٍ فِي
النَّصْرَانِيَّةِ، وَخَرَجَ إلَيْهِ أَرْيَاطُ، وَكَانَ رَجُلًا جَمِيلًا
عَظِيمًا طَوِيلًا، وَفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ لَهُ. وَخَلَفَ أَبْرَهَةَ
غُلَامٌ لَهُ، يُقَالُ لَهُ عَتَوْدَةُ [4] ، يَمْنَعُ ظَهْرَهُ. فَرَفَعَ
أَرْيَاطُ الْحَرْبَةَ فَضَرَبَ أَبْرَهَةَ، يُرِيدُ يَافُوخَهُ [5] ،
فَوَقَعَتْ الْحَرْبَةُ عَلَى جَبْهَةِ أَبْرَهَةَ فَشَرَمَتْ حَاجِبَهُ
وَأَنْفَهُ وَعَيْنَهُ وَشَفَتَهُ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَ أَبْرَهَةَ
الْأَشْرَمَ، وَحَمَلَ عَتَوْدَةُ عَلَى أَرْيَاطَ مِنْ خَلْفِ أَبْرَهَةَ
فَقَتَلَهُ، وَانْصَرَفَ جُنْدُ أَرْيَاطَ إلَى أَبْرَهَةَ، فَاجْتَمَعَتْ
عَلَيْهِ الْحَبَشَةُ بِالْيَمَنِ، وَوَدَى [6] أَبْرَهَةُ أَرْيَاطَ.
(غَضَبُ النَّجَاشِيِّ عَلَى أَبْرَهَةَ لِقَتْلِهِ أَرْيَاطَ ثُمَّ
رِضَاؤُهُ عَنْهُ) :
فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّجَاشِيَّ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ:
عَدَا عَلَى أَمِيرِي فَقَتَلَهُ بِغَيْر أمرى، ثمَّ حَلَفَ لَا يَدَعُ
أَبْرَهَةَ حَتَّى يَطَأَ بِلَادَهُ، وَيَجُزَّ نَاصِيَتَهُ. فَحَلَقَ
أَبْرَهَةُ رَأْسَهُ وَمَلَأَ جِرَابًا مِنْ تُرَابِ الْيَمَنِ، ثُمَّ
بَعَثَ بِهِ إلَى النَّجَاشِيِّ، ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ:
أَيُّهَا الْمَلِكُ: إنَّمَا كَانَ أَرْيَاطُ عَبْدَكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ،
فَاخْتَلَفْنَا فِي أَمْرِكَ، وَكُلٌّ طَاعَتُهُ لَكَ، إلَّا أَنِّي كُنْتُ
أَقْوَى عَلَى أَمْرِ الْحَبَشَةِ وَأَضْبَطَ لَهَا وَأَسْوَسَ مِنْهُ،
وَقَدْ حَلَقْتُ رَأْسِي كُلَّهُ حِينَ بَلَغَنِي قَسَمُ الْمَلِكِ،
وَبَعَثْتُ إلَيْهِ بِجِرَابِ تُرَابٍ مِنْ أَرْضِي، لِيَضَعَهُ تَحْتَ
قَدَمَيْهِ، فَيَبَرُّ قَسَمُهُ فِيَّ.
فَلَمَّا انْتَهَى ذَلِكَ إلَى النَّجَاشِيِّ رَضِيَ عَنْهُ، وَكَتَبَ
إلَيْهِ: أَنْ اُثْبُتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي.
فَأَقَامَ أَبْرَهَةُ بِالْيَمَنِ.
__________
[1] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
[2] اللحيم: الْكثير لحم الْجَسَد.
[3] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ. والحادر: السمين الغليظ.
[4] مَأْخُوذ من العتودة، وَهِي الشدَّة فِي الْحَرْب.
[5] اليافوخ: وسط الرَّأْس.
[6] وداه: دفع دِيَته.
(1/42)
أَمْرُ الْفِيلِ، وَقِصَّةُ النَّسَأَةِ
(بِنَاءُ الْقُلَّيْسِ) :
ثُمَّ إنَّ أَبْرَهَةَ بَنَى الْقُلَّيْسَ [1] بِصَنْعَاءَ، فَبَنَى
كَنِيسَةً لَمْ يُرَ مِثْلُهَا فِي زَمَانِهَا بِشَيْءِ مِنْ الْأَرْضِ،
ثُمَّ كَتَبَ إلَى النَّجَاشِيِّ: إنِّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ أَيُّهَا
الْمَلِكُ كَنِيسَةً لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا لِمَلِكِ كَانَ قَبْلَكَ،
وَلَسْتُ بِمُنْتَهٍ حَتَّى أَصْرِفَ إلَيْهَا حَجَّ الْعَرَبِ، فَلَمَّا
تَحَدَّثَتْ الْعَرَبُ بِكِتَابِ أَبْرَهَةَ ذَلِكَ إلَى النَّجَاشِيِّ،
غَضِبَ رَجُلٌ مِنْ النَّسَأَةِ، أَحَدُ بَنِي فُقَيْمِ ابْن عَدِيِّ بْنِ
عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ
خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ مِنْ مُضَرَ.
(مَعْنَى النَّسَأَةِ) :
وَالنَّسَأَةُ: الَّذِينَ كَانُوا يَنْسَئُونَ الشُّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ
فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَيُحِلُّونَ الشَّهْرَ مِنْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ،
وَيُحَرِّمُونَ مَكَانَهُ الشَّهْرَ مِنْ أَشْهُرِ الْحِلِّ،
وَيُؤَخِّرُونَ ذَلِكَ الشَّهْرَ فَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ
الَّذِينَ كَفَرُوا، يُحِلُّونَهُ عَامًا، وَيُحَرِّمُونَهُ عَاما،
لِيُواطِؤُا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ 9: 37
(الْمُوَاطَأَةُ لُغَةً) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لِيُوَاطِئُوا: لِيُوَافِقُوا. وَالْمُوَاطَأَةُ:
الْمُوَافَقَةُ، تَقُولُ الْعَرَبُ:
وَاطَأْتُكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، أَيْ وَافَقْتُكَ عَلَيْهِ.
وَالْإِيطَاءُ فِي الشِّعْرِ الْمُوَافَقَةُ، وَهُوَ اتِّفَاقُ
الْقَافِيَتَيْنِ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَجِنْسٍ وَاحِدٍ، نَحْوَ قَوْلِ
الْعَجَّاجِ- وَاسْمُ الْعَجَّاجِ [2] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُؤْبَةَ أَحَدُ
بَنِي سَعْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمِ بْنِ مُرِّ بْنِ أدّ
بن طابخة بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارٍ.
__________
[1] الْقليس (بِضَم الْقَاف وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة وَسُكُون
الْيَاء) هِيَ الْكَنِيسَة الَّتِي أَرَادَ أَبْرَهَة أَن يصرف إِلَيْهَا
حج الْعَرَب، وَسميت الْقليس لارْتِفَاع بنائها وعلوها، وَمِنْه القلانس،
لِأَنَّهَا فِي أَعلَى الرُّءُوس، وَقد استذل أَبْرَهَة أهل الْيمن فِي
بُنيان هَذِه الْكَنِيسَة، وجشمهم فِيهَا ألوانا من السخر، وَكَانَ ينْقل
إِلَيْهَا الْعدَد من الرخام المجزع وَالْحِجَارَة المنقوشة بِالذَّهَب من
قصر بلقيس، صَاحِبَة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ مَوضِع من
هَذِه الْكَنِيسَة على فراسخ، وَمن شدته على الْعمَّال كَانَ الْعَامِل
إِذا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس قبل أَن يَأْخُذ فِي عمله قطعت يَده.
[2] ويكنى أَبُو الشعْثَاء، وسمى العجاج لقَوْله: «حَتَّى يعج عِنْدهَا من
عججا» كَذَا فِي الرَّوْض الْأنف.
(1/43)
فِي أُثْعبُانَ المَنْجَنُونِ الْمُرْسَلِ
[1] ثُمَّ قَالَ:
مُدُّ الْخَلِيجِ [2] فِي الْخَلِيجِ الْمُرْسَلِ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ.
(تَارِيخُ النَّسْءِ عِنْدَ الْعَرَبِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ نَسَأَ الشُّهُورَ عَلَى
الْعَرَبِ، فَأَحَلَّتْ مِنْهَا مَا أُحِلَّ، وَحَرَّمَتْ مِنْهَا مَا
حَرَّمَ القَلَمَّسُ [3] ، وَهُوَ حُذَيْفَةُ بْنُ عَبْدِ بْنِ فُقَيْمِ
بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ. ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ عَلَى ذَلِكَ
ابْنُهُ (عَبَّادُ) [4] بْنُ حُذَيْفَةَ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَ عَبَّادٍ:
قَلَعُ بْنُ عَبَّادٍ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَ قَلَعٍ: أُمَيَّةُ ابْن قَلَعٍ،
ثُمَّ قَامَ بَعْدَ أُمَيَّةَ: عَوْفُ بْنُ أُمَيَّةَ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَ
عَوْفٍ أَبُو ثُمَامَةَ جُنَادَةُ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ آخِرَهُمْ،
وَعَلَيْهِ قَامَ الْإِسْلَامُ [5] ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ إذَا فَرَغَتْ
مِنْ حَجِّهَا اجْتَمَعَتْ إلَيْهِ، فَحَرَّمَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ
الْأَرْبَعَةَ: رَجَبًا، وَذَا الْقَعْدَةِ، وَذَا الْحِجَّةِ،
وَالْمُحَرَّمَ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحِلَّ مِنْهَا شَيْئًا أَحَلَّ
الْمُحَرَّمَ فَأَحَلُّوهُ، وَحَرَّمَ مَكَانَهُ صَفَرَ فَحَرَّمُوهُ،
لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. فَإِذَا
أَرَادُوا الصَّدَرَ [6] قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ:
اللَّهمّ إنِّي قَدْ أَحْلَلْتُ لَكَ أَحَدَ الصَّفَرَيْنِ، الصَّفَرَ
الْأَوَّلَ، وَنَسَّأَتْ الْآخَرَ لِلْعَامِ الْمُقْبِلِ [7]
__________
[1] (ديوَان طبع ليبسك ص 46) أثعبان المنجنون: مَا ينْدَفع من المَاء من
شعبه. والمنجنون:
أَدَاة السانية.
[2] (ديوَان ص 47) الخليج: الْجَبَل، وَهُوَ أَيْضا خليج المَاء.
[3] وسمى القلمس لجوده، إِذْ القلمس من أَسمَاء الْبَحْر.
[4] زِيَادَة عَن أ.
[5] يخْتَلف أهل الْخَبَر فِي هَل أسلم جُنَادَة هَذَا أم لم يسلم، غير أَن
هُنَاكَ خَبرا يدل على إِسْلَامه، وَذَلِكَ أَنه حضر الْحَج فِي زمن عمر،
فَرَأى النَّاس يزدحمون على الْحَج، فَنَادَى: أَيهَا النَّاس، إِنِّي قد
أجرته مِنْكُم.
فخفقه عمر بِالدرةِ، وَقَالَ: وَيحك! إِن الله قد أبطل أَمر
الْجَاهِلِيَّة.
[6] الصَّدْر: الرُّجُوع من مَكَّة.
[7] كَانَ النسء عِنْدهم على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا مَا ذكر ابْن إِسْحَاق
من تَأْخِير شهر الْمحرم إِلَى صفر لحاجتهم إِلَى شن الغارات وَطلب
الثارات. وَالثَّانِي: تأخيرهم الْحَج عَن وقته تحريا مِنْهُم للسّنة
الشمسية، فَكَانُوا يؤخرونه فِي كل عَام أحد عشر يَوْمًا أَو أَكثر قَلِيلا
حَتَّى يَدُور الدّور إِلَى ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة، فَيَعُود إِلَى وقته،
وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي حجَّة الْوَدَاع: «إِن الزَّمَان قد
اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات
(1/44)
فَقَالَ فِي ذَلِكَ عُمَيْرُ بْنُ قَيْسٍ
«جِذْلُ [1] الطَّعَّانِ» أَحَدُ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غُنْمِ (بْنِ
ثَعْلَبَةَ) بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، يَفْخَرُ بِالنَّسَأَةِ عَلَى
الْعَرَبِ:
لَقَدْ عَلِمَتْ مَعَدُّ أَنَّ قَوْمِي ... كِرَامُ النَّاسِ أَنَّ لَهُمْ
كِرَامَا [2]
فَأَيُّ النَّاسِ فَاتُونَا بِوِتْرٍ [3] ... وَأَيُّ النَّاسِ لَمْ
نُعْلِكْ لِجَامَا [4]
أَلَسْنَا النَّاسِئِينَ عَلَى مَعَدٍّ ... شُهُورَ الْحِلِّ نَجْعَلُهَا
حَرَامَا؟
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوَّلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ [5] الْمُحَرَّمُ.
(إحْدَاثُ الْكِنَانِيِّ فِي الْقُلَّيْسِ، وَحَمْلَةُ أَبْرَهَةَ عَلَى
الْكَعْبَةِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ الْكِنَانِيُّ حَتَّى أَتَى الْقُلَّيْسَ
فَقَعَدَ [6] فِيهَا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ يَعْنِي أَحْدَثَ فِيهَا- قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ فَلَحِقَ بِأَرْضِهِ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ
أَبْرَهَةُ فَقَالَ: مَنْ صَنَعَ هَذَا؟ فَقِيلَ لَهُ: صَنَعَ هَذَا رَجُلٌ
مِنْ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي تَحُجُّ الْعَرَبُ
إلَيْهِ بِمَكَّةَ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَكَ: «أَصْرِفُ إلَيْهَا حَجَّ
الْعَرَبِ» غَضِبَ فَجَاءَ فَقَعَدَ فِيهَا، أَيْ أَنَّهَا لَيْسَتْ
لِذَلِكَ بِأَهْلِ. فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ وَحَلَفَ
لَيَسِيرَنَّ إلَى الْبَيْتِ حَتَّى يَهْدِمَهُ، ثُمَّ أَمَرَ الْحَبَشَةَ
فَتَهَيَّأَتْ وَتَجَهَّزَتْ، ثُمَّ سَارَ وَخَرَجَ مَعَهُ بِالْفِيلِ،
وَسَمِعَتْ بِذَلِكَ الْعَرَبُ، فَأَعْظَمُوهُ وَفَظِعُوا بِهِ، وَرَأَوْا
جِهَادَهُ حَقًّا عَلَيْهِمْ، حِينَ سَمِعُوا بِأَنَّهُ يُرِيدُ هَدْمَ
الْكَعْبَةِ، بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ.
__________
[ () ] «وَالْأَرْض» . وَكَانَت حجَّة الْوَدَاع فِي السّنة الَّتِي عَاد
فِيهَا الْحَج إِلَى وقته، وَلم يحجّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة غير تِلْكَ الْحجَّة، وَذَلِكَ
لإِخْرَاج الْكفَّار الْحَج عَن وقته، ولطوافهم بِالْبَيْتِ عُرَاة.
(عَن الرَّوْض الْأنف) .
[1] سمى عُمَيْر كَذَلِك لثباته فِي الْحَرْب كَأَنَّهُ جذل شَجَرَة وَاقِف
وَقيل لِأَنَّهُ كَانَ يستشفى بِرَأْيهِ.
ويستراح إِلَيْهِ كَمَا تستريح الْبَهِيمَة الجرباء إِلَى الجذل تَحْتك
بِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: جذل الطعان: هُوَ عَلْقَمَة بن فراس بن غنم
بن ثَعْلَبَة بن مَالك بن كنَانَة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف وَشرح
السِّيرَة) .
[2] أَي: آبَاء كراما وأخلاقا كراما.
[3] الْوتر: طلب الثأر.
[4] لم نعلك لجاما: يُرِيد لم نقدعهم ونكفهم كَمَا يُقْدَع الْفرس باللجام،
تَقول: أعلكت الْفرس لجامه، إِذا رَددته عَن تنزعه، فمضغ اللجام كالعلك من
نشاطه.
[5] وَقد قيل: إِن أول الْأَشْهر الْحرم ذُو الْقعدَة، لِأَن رَسُول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِهِ حِين ذكر الْأَشْهر الْحرم،
وَحجَّة من قَالَ إِنَّه الْمحرم، هِيَ أَنه (أَي الْمحرم) أول السّنة.
[6] فِي الْقعُود بِمَعْنى الاحداث شَاهد لقَوْل مَالك وَغَيره من
الْفُقَهَاء فِي تَفْسِير الْقعُود على الْمَقَابِر الْمنْهِي عَنهُ
(1/45)
(هَزِيمَةُ ذِي نَفْرٍ أَمَامَ أَبْرَهَةَ)
:
فَخَرَجَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمُلُوكِهِمْ
يُقَالُ لَهُ: ذُو نَفْرٍ، فَدَعَا قَوْمَهُ، وَمَنْ أَجَابَهُ مِنْ
سَائِرِ الْعَرَبِ إلَى حَرْبِ أَبْرَهَةَ، وَجِهَادِهِ عَنْ بَيْتِ
اللَّهِ الْحَرَامِ، وَمَا يُرِيدُ مِنْ هَدْمِهِ وَإِخْرَابِهِ،
فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ مَنْ أَجَابَهُ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ فَقَاتَلَهُ،
فَهُزِمَ ذُو نَفْرٍ وَأَصْحَابُهُ، وَأُخِذَ لَهُ ذُو نَفْرٍ فَأُتِيَ
بِهِ أَسِيرًا، فَلَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُ قَالَ لَهُ ذُو نَفْرٍ: أَيُّهَا
الْمَلِكُ، لَا تَقْتُلْنِي فَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَائِي مَعَكَ
خَيْرًا لَكَ مِنْ قَتْلِي، فَتَرَكَهُ مِنْ الْقَتْلِ وَحَبَسَهُ عِنْدَهُ
فِي وَثَاقٍ، وَكَانَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا حَلِيمًا.
(مَا وَقَعَ بَيْنَ نُفَيْلٍ وَأَبْرَهَةَ) :
ثُمَّ مَضَى أَبْرَهَةُ عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ يُرِيدُ مَا خَرَجَ لَهُ،
حَتَّى إذَا كَانَ بِأَرْضِ خَثْعَمَ [1] عَرَضَ لَهُ نُفَيْلُ بْنُ
حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيُّ فِي قَبيلَيْ خَثْعَمَ: شَهْرَانِ وَنَاهِسُ [2] ،
وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ
أَبْرَهَةُ، وَأُخِذَ لَهُ نُفَيْلٌ أَسِيرًا، فَأُتِيَ بِهِ فَلَمَّا
هَمَّ بِقَتْلِهِ قَالَ لَهُ نُفَيْلٌ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا
تَقْتُلْنِي فَإِنِّي دَلِيلُكَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، وَهَاتَانِ يَدَايَ
لَكَ عَلَى قبيلَيْ خَثْعَمَ: شَهْرَانِ وَنَاهِسُ بِالسَّمْعِ
وَالطَّاعَةِ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ.
(ابْنُ مُعَتِّبٍ وَأَبْرَهَةُ) :
وَخَرَجَ بِهِ مَعَهُ يَدُلُّهُ، حَتَّى إذَا مَرَّ بِالطَّائِفِ خَرَجَ
إلَيْهِ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتِّبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَرْوِ
بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ فِي رِجَالِ ثَقِيفٍ.
(نَسَبُ ثَقِيفٍ وَشِعْرُ ابْنِ أَبِي الصَّلْتِ فِي ذَلِكَ) :
وَاسْمُ ثَقِيفٍ: قَسِيُّ بْنُ النَّبِيتِ بْنِ مُنَبِّهِ بْنِ مَنْصُورِ
بْنِ يَقْدُمَ بْنِ أَفْصَى بْنِ دُعْمّى بْنِ إيَادِ [3] (بْنِ نِزَارِ)
[4] بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.
__________
[1] خثعم: اسْم جبل سمى بِهِ بَنو عفرس بن خلف بن أفتل بن أَنْمَار، لأَنهم
نزلُوا عِنْده، وَقيل بل لأَنهم تخثعموا (تلطخوا) بِالدَّمِ عِنْد حلف
عقدوه بَينهم. (رَاجع الِاشْتِقَاق لِابْنِ دُرَيْد وَالرَّوْض الْأنف) .
[2] شَهْرَان وناهس: هما بَنو عفرس من خثعم. وَيُقَال: بل خثعم ثَلَاث:
شَهْرَان، وناهس، وأكلب غير أَن أكلب- عِنْد أهل النّسَب- هُوَ ابْن ربيعَة
بن نزار، وَلَكنهُمْ دخلُوا فِي خثعم وانتسبوا إِلَيْهِم.
[3] بَين النسابين خلاف فِي نسب ثَقِيف، فبعضهم ينسبهم إِلَى إياد- كَمَا
هُنَا- وَبَعْضهمْ ينسبهم إِلَى قيس. كَمَا ينسبهم الْبَعْض الآخر إِلَى
ثَمُود. وَالْكَلَام على هَذَا مَبْسُوط فِي كثير من المراجع الَّتِي بَين
أَيْدِينَا، وَقد اكتفينا مِنْهُ هُنَا بِمَا أثبتنا.
[4] زِيَادَة عَن أ. وَالْمَعْرُوف أَن إيادا هَذَا هُوَ بن نزار بن سعد،
وَلَيْسَ ابْنا لمعد لصلبه، غير أَن هُنَاكَ
(1/46)
قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ [1]
الثَّقَفِيُّ:
قَوْمِي إيَادٌ لَوْ أَنهم أُمَم ... أولو أَقَامُوا فَتُهْزَلَ النِّعَمُ
[2]
قَوْمٌ لَهُمْ سَاحَةُ الْعِرَاقِ إذَا ... سَارُوا جَمِيعًا وَالْقِطُّ
وَالْقَلَمُ
[3] وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَيْضًا:
فَإِمَّا تَسْأَلِي عَنِّي لُبَيْنَى ... وَعَنْ نَسَبِي أُخَبِّرْكَ
اليَقينَا
فَإِنَّا للنَّبيتِ أَبِي قَسِيٍّ ... لَمَنْصُورُ بْنُ يَقْدُمَ
الْأَقْدَمِينَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثَقِيفٌ: قَسِىُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ
هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ
عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.
وَالْبَيْتَانِ الْأَوَّلَانِ وَالْآخِرَانِ فِي قَصِيدَتَيْنِ
لِأُمَيَّةِ.
(اسْتِسْلَامُ أَهْلِ الطَّائِفِ لِأَبْرَهَةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالُوا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إنَّمَا نَحْنُ
عَبِيدُكَ سَامِعُونَ لَكَ مُطِيعُونَ، لَيْسَ عِنْدَنَا لَكَ خِلَافٌ،
وَلَيْسَ بَيْتُنَا هَذَا الْبَيْتَ الَّذِي تُرِيدُ- يَعْنُونَ اللَّاتَ-
إنَّمَا تُرِيدُ الْبَيْتَ الَّذِي بِمَكَّةَ، وَنَحْنُ نَبْعَثُ مَعَكَ
مَنْ يَدُلُّكَ عَلَيْهِ، فَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ.
(اللَّاتُ) :
وَاَللَّاتُ: بَيْتٌ لَهُمْ بِالطَّائِفِ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ نَحْوَ
تَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّحْوِيُّ لِضِرَارِ بْنِ الْخَطَّابِ
الْفِهْرِيِّ:
وَفَرَّتْ ثَقِيفٌ إلَى لَاتِهَا ... بِمُنْقَلَبِ الْخَائِبِ الْخَاسِرِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
(مَعُونَةُ أَبِي رِغَالٍ لِأَبْرَهَةَ وَمَوْتُهُ وَقَبْرُهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فبعثوا مَعَه أبار غال يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ
إلَى مَكَّةَ، فَخَرَجَ أَبْرَهَةُ
__________
[ () ] ابْنا لمعد اسْمه إياد، وَهُوَ عَم إياد هَذَا وَلَيْسَ هُوَ.
(رَاجع الِاشْتِقَاق والمعارف وَالرَّوْض الْأنف) .
[1] وَاسم أَبى الصَّلْت: ربيعَة بن وهب.
[2] الْأُمَم: الْقَرِيب. وَالنعَم: الْإِبِل، وَقيل: النعم: كل مَاشِيَة
أَكْثَرهَا إبل. يُرِيد أَي لَو أَقَامُوا بالحجاز، وَإِن هزلت نعمهم،
لأَنهم انتقلوا عَنْهَا لِأَنَّهَا ضَاقَتْ عَن مسارحهم فصاروا إِلَى ريف
الْعرَاق.
[3] القط: مَا قطّ من الكاغد وَالرّق وَنَحْوه. وَقد كَانَت الْكِتَابَة
فِي هَذِه الْبِلَاد الَّتِي سَارُوا إِلَيْهَا، فقد قيل لقريش: مِمَّن
تعلمتم القط؟ فَقَالُوا: تعلمناه من أهل الْحيرَة وتعلمه أهل الْحيرَة من
أهل الأنبار.
(1/47)
وَمَعَهُ أَبُو رِغَالٍ حَتَّى أَنْزَلَهُ
الْمُغَمِّسَ [1] ، فَلَمَّا أَنْزَلَهُ بِهِ مَاتَ أَبُو رِغَالٍ
هُنَالِكَ، فَرَجَمَتْ قَبْرَهُ الْعَرَبُ، فَهُوَ الْقَبْرُ الَّذِي
يَرْجُمُ النَّاسُ بِالْمُغَمِّسِ.
(الْأَسْوَدُ وَاعْتِدَاؤُهُ عَلَى مَكَّةَ) :
فَلَمَّا نَزَلَ أَبْرَهَةُ الْمُغَمِّسَ، بَعَثَ رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَةِ
يُقَالُ لَهُ: الْأَسْوَدُ بْنُ مَقْصُودٍ [2] عَلَى خَيْلٍ لَهُ، حَتَّى
انْتَهَى إلَى مَكَّةَ، فَسَاقَ إلَيْهِ أَمْوَالَ (أَهْلِ) [3] تِهَامَةَ
مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، وَأَصَابَ فِيهَا مِائَتَيْ بَعِيرٍ لِعَبْدِ
الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ كَبِيرُ قُرَيْشٍ
وَسَيِّدُهَا، فَهَمَّتْ قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ وَهُذَيْلٌ، وَمَنْ كَانَ
بِذَلِكَ الْحَرَمِ (مِنْ سَائِرِ النَّاسِ) [4] بِقِتَالِهِ. ثُمَّ
عَرَفُوا أَنَّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ، فَتَرَكُوا ذَلِكَ.
(حُنَاطَةُ وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ) :
وَبَعَثَ أَبْرَهَةُ حُنَاطَةَ الْحِمْيَرِيَّ إلَى مَكَّةَ، وَقَالَ لَهُ:
سَلْ عَنْ سَيِّدِ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ وَشَرِيفِهَا، ثُمَّ قُلْ (لَهُ)
[5] : إنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ لَكَ: إنِّي لَمْ آتِ لِحَرْبِكُمْ، إنَّمَا
جِئْتُ لِهَدْمِ هَذَا الْبَيْتِ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِضُوا دُونَهُ
بِحَرْبِ، فَلَا حَاجَةَ لِي بِدِمَائِكُمْ، فَإِنْ هُوَ لَمْ يُرِدْ
حَرْبِي فَأْتِنِي بِهِ. فَلَمَّا دَخَلَ حُنَاطَةُ مَكَّةَ، سَأَلَ عَنْ
سَيِّدِ قُرَيْشٍ وَشَرِيفِهَا، فَقِيلَ لَهُ: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ
هَاشِمِ (بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ) [6] ، فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ
مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبْرَهَةُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:
وَاَللَّهِ مَا نُرِيدُ حَرْبَهُ، وَمَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْ [7] طَاقَةٍ،
هَذَا بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ، وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ- أَوْ كَمَا قَالَ- فَإِنْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ فَهُوَ بَيْتُهُ
وَحَرَمُهُ [8] ، وَإِنْ يُخَلِّ بَينه وَبَينه، فو الله مَا عِنْدَنَا
دَفْعٌ
__________
[1] المغمس (بِالْكَسْرِ على صِيغَة اسْم الْفَاعِل، وروى بِالْفَتْح على
زنة اسْم الْمَفْعُول) : مَوضِع بطرِيق الطَّائِف على ثُلثي فَرسَخ من
مَكَّة.
[2] كَذَا فِي أهنا وَفِيمَا سَيَأْتِي، والطبري. وَفِي سَائِر الْأُصُول:
مفصود (بِالْفَاءِ) . وَهُوَ الْأسود بن مَقْصُود بن الْحَارِث بن مُنَبّه
بن مَالك بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن عَمْرو بن عله (على وزن عمر)
ابْن خَالِد بن مذْحج، وَكَانَ النَّجَاشِيّ قد بَعثه مَعَ الفيلة والجيش.
وَكَانَت عدَّة الفيلة ثَلَاثَة عشر فيلا، فَهَلَكت كلهَا إِلَّا فيل
النَّجَاشِيّ، وَكَانَ يُسمى مَحْمُودًا.
[3] زِيَادَة عَن أوالطبري.
[4] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
[5] زِيَادَة عَن أوالطبري.
[6] زِيَادَة عَن أوالطبري.
[7] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ. وَفِي الْأُصُول: «مِنْهُ» .
[8] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ، وَفِي الْأُصُول «حرمته» .
(1/48)
عَنْهُ، فَقَالَ (لَهُ) [1] حُنَاطَةُ:
فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِكَ.
(ذُو نَفْرٍ وَأُنَيْسٌ وَتَوَسُّطُهُمَا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَدَى
أَبْرَهَةَ) :
فَانْطَلَقَ مَعَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَمَعَهُ بَعْضُ بَنِيهِ حَتَّى
أَتَى الْعَسْكَرَ، فَسَأَلَ عَنْ ذِي نَفْرٍ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا،
حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَحْبِسِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا ذَا
نَفْرٍ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ غَنَاءٍ فِيمَا نَزَلَ بِنَا؟ فَقَالَ لَهُ ذُو
نَفْرٍ: وَمَا غَنَاءُ رَجُلٍ أَسِيرٍ بِيَدَيْ مَلِكٍ يَنْتَظِرُ أَنْ
يَقْتُلَهُ غُدُوًّا أَوْ عَشِيًّا مَا عِنْدَنَا غَنَاءٌ فِي شَيْءٍ
مِمَّا نَزَلَ بِكَ إلَّا أَنَّ أُنَيْسًا سَائِسَ الْفِيلِ صَدِيقٌ لِي،
وَسَأُرْسِلُ إلَيْهِ فَأُوصِيهِ بِكَ، وَأُعْظِمُ عَلَيْهِ حَقَّكَ،
وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ لَكَ عَلَى الْمَلِكِ، فَتُكَلِّمُهُ بِمَا
بَدَا لَكَ. وَيَشْفَعُ لَكَ عِنْدَهُ بِخَيْرِ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ،
فَقَالَ: حَسْبِي. فَبَعَثَ ذُو نَفْرٍ إلَى أُنَيْسٍ، فَقَالَ لَهُ: إنَّ
عَبْدَ الْمُطَّلِبِ سَيِّدُ قُرَيْشٍ، وَصَاحِبُ عِيرِ [2] مَكَّةَ،
يُطْعِمُ النَّاسَ بِالسَّهْلِ، وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ،
وَقَدْ أَصَابَ لَهُ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ، فَاسْتَأْذِنْ لَهُ
عَلَيْهِ، وَانْفَعْهُ عِنْدَهُ بِمَا اسْتَطَعْتَ، فَقَالَ: أَفْعَلُ.
فَكَلَّمَ أُنَيْسٌ أَبْرَهَةَ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، هَذَا
سَيِّدُ قُرَيْشٍ بِبَابِكَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ، وَهُوَ صَاحِبُ عِيرِ
مَكَّةَ، وَهُوَ يُطْعِمُ النَّاسَ فِي السَّهْلِ، وَالْوُحُوشَ فِي
رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَأْذَنْ لَهُ عَلَيْكَ، فَيُكَلِّمْكَ [3] فِي
حَاجَتِهِ، (وَأَحْسِنْ إلَيْهِ) [4] قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ أَبْرَهَةُ.
(عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَحُنَاطَةُ وَخُوَيْلِدُ بَيْنَ يَدَيْ أَبْرَهَةَ)
:
قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَوْسَمَ النَّاسِ وَأَجْمَلَهُمْ
وَأَعْظَمَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَجَلَّهُ وَأَعْظَمَهُ
وَأَكْرَمَهُ عَنْ أَنْ يُجْلِسَهُ تَحْتَهُ، وَكَرِهَ أَنْ تَرَاهُ
الْحَبَشَةُ يَجْلِسُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ، فَنَزَلَ أَبْرَهَةُ
عَنْ سَرِيرِهِ، فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطِهِ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ
إلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: حَاجَتُكَ؟
فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ التُّرْجُمَانُ، فَقَالَ: حَاجَتِي أَنْ يَرُدَّ
عَلَيَّ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي، فَلَمَّا قَالَ لَهُ
ذَلِكَ، قَالَ أَبْرَهَةُ لِتَرْجُمَانِهِ:
__________
[1] زِيَادَة عَن أوالطبري.
[2] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي. وَفِي الأَصْل: «عين»
.
[3] كَذَا فِي أوالطبري. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فليكلمك» .
[4] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
4- سيرة ابْن هِشَام- 1
(1/49)
قُلْ لَهُ: قَدْ كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي
حِينَ رَأَيْتُكَ، ثُمَّ قَدْ زَهِدْتُ فِيكَ حِينَ كَلَّمْتنِي،
أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَبْتُهَا لَكَ، وَتَتْرُكُ
بَيْتًا هُوَ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ قد جِئْت لهدمه، لَا تُكَلِّمْنِي
فِيهِ! قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إنِّي أَنَا رَبُّ الْإِبِلِ،
وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ، قَالَ: مَا كَانَ لِيَمْتَنِعَ
مِنِّي، قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ.
وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَدْ ذَهَبَ مَعَ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ إلَى أَبْرَهَةَ، حِينَ بَعَثَ إلَيْهِ حُنَاطَةَ، يَعْمُرُ
بْنُ نُفَاثَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الدُّئْلِ [1] بْنِ بَكْرِ بْنِ مَنَاةَ
بْنِ كِنَانَةَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ بَنِي بَكْرٍ، وَخُوَيْلِدُ
بْنُ وَاثِلَةَ [2] الْهُذَلِيُّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ هُذَيْلٍ،
فَعَرَضُوا عَلَى أَبْرَهَةَ ثُلُثَ أَمْوَالِ تِهَامَةَ، عَلَى أَنْ
يَرْجِعَ عَنْهُمْ وَلَا يَهْدِمَ الْبَيْتَ فَأَبَى عَلَيْهِمْ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَكَانَ ذَلِكَ أَمْ لَا. فَرَدَّ أَبْرَهَةُ عَلَى
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْإِبِلَ الَّتِي أَصَابَ لَهُ.
(عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي الْكَعْبَةَ يَسْتَنْصِرُ باللَّه عَلَى رَدِّ
أَبْرَهَةَ) :
فَلَمَّا انْصَرَفُوا عَنْهُ، انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إلَى
قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ
مَكَّةَ، وَالتَّحَرُّزِ [3] فِي شَعَفِ [4] الْجِبَالِ وَالشِّعَابِ [5] :
تَخَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرَّةِ [6] الْجَيْشِ، ثُمَّ قَامَ عَبْدُ
الْمُطَّلِبِ، فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَقَامَ مَعَهُ
نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَدْعُونَ اللَّهَ، وَيَسْتَنْصِرُونَهُ عَلَى
أَبْرَهَةَ وَجُنْدِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ آخِذٌ
بِحَلْقَةِ بَاب الْكَعْبَة:
__________
[1] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ. وَهُوَ بِضَم الدَّال وَكسر الْهمزَة، وَفِي
الْأُصُول: «الديل» . وَمَا أَثْبَتْنَاهُ هُوَ الّذي عَلَيْهِ جُمْهُور
الْعلمَاء. إِلَّا أَن جمَاعَة من النَّحْوِيين، وَمِنْهُم الْكسَائي،
يَقُولُونَ فِيهِ «الديل» . من غير همز، ويكسرون الدَّال. وَالْمَعْرُوف
أَن الدئل (بِالْهَمْز) هم الَّذين فِي كنَانَة، وَكَذَلِكَ هم فِي الْهون
بن خُزَيْمَة أَيْضا.
وَأما الديل (من غير همز) فهم فِي الأزد، وَفِي إياد، وَفِي عبد الْقَيْس،
وَفِي تغلب. وَهُنَاكَ غير هذَيْن «الدول» أَيْضا (بِضَم الدَّال
وَإِسْكَان الْوَاو) . وَهَؤُلَاء فِي ربيعَة بن نزار، وَفِي عنزة، وَفِي
ثَعْلَبَة، وَفِي الربَاب (رَاجع لِسَان الْعَرَب مَادَّة دأل) .
[2] كَذَا فِي أوالطبري. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «وائلة» بِالْهَمْز.
[3] التَّحَرُّز: التمنع، ويروى: «التحوز» ، وَهُوَ أَن ينحاز إِلَى جِهَة
ويتمنع.
[4] شعف الْجبَال: رءوسها.
[5] الشعاب: الْمَوَاضِع الْخفية بَين الْجبَال.
[6] معرة الْجَيْش: شدته.
(1/50)
لاهمّ [1] إنَّ الْعَبْدَ يَمْنَعُ ...
رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلَالَكْ [2]
لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ ... وَمِحَالُهُمْ غَدْوًا [3] مِحَالَكْ
[4] (زَادَ الْوَاقِدِيُّ [5] ) :
إنْ كنت تاركهم و ... قبلتنا فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ
[6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا صَحَّ لَهُ مِنْهَا.
(شِعْرٌ لِعِكْرِمَةَ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الْأَسْوَدِ بْنِ مَقْصُودٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ
عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ابْن قصىّ:
لاهمّ أَخْزِ الْأَسْوَدَ بْنَ مَقْصُودِ ... الْآخِذَ الْهَجْمَةَ [7]
فِيهَا التَّقليدْ [8]
بَيْنَ حِرَاءَ وثَبِيرٍ [9] فَالْبِيدْ ... يَحْبِسُهَا وَهِيَ أُولَاتُ
التَّطْرِيدْ
فَضَمَّهَا إلَى طَمَاطِمٍ سُودْ ... أَخْفِرْهُ [10] يَا رَبِّ وَأَنْتَ
مَحْمُودْ
__________
[1] لاهم: أَصْلهَا اللَّهمّ، وَالْعرب تحذف الْألف وَاللَّام مِنْهَا
وتكتفى بِمَا بَقِي، كَمَا تَقول: لاه أَبوك، وَهِي تُرِيدُ للَّه أَبوك،
وكما قَالُوا أَيْضا: أجنك تفعل كَذَا وَكَذَا: أَي من أجل أَنَّك تفعل
كَذَا وَكَذَا.
[2] الْحَلَال (بِالْكَسْرِ) : جمع حلَّة، وَهِي جمَاعَة الْبيُوت،
وَيُرِيد هُنَا: الْقَوْم الْحُلُول. والحلال أَيْضا: مَتَاع الْبَيْت،
وَجَائِز أَن يكون هَذَا الْمَعْنى الثَّانِي مرَادا هُنَا.
[3] غدوا: غَدا، وَهُوَ الْيَوْم الّذي يأتى بعد يَوْمك، فحذفت لامه، وَلم
يسْتَعْمل تَاما إِلَّا فِي الشّعْر.
[4] الْمحَال: الْقُوَّة والشدة.
[5] زِيَادَة عَن أ.
[6] وَزَاد السهيليّ فِي الرَّوْض الْأنف:
وانصر على آل الصَّلِيب ... وعابديه الْيَوْم آلك
وَذكرت بقيتها فِي الطَّبَرِيّ، واجتزأنا مِنْهَا بِمَا ذكر هُنَا،
فَارْجِع إِلَيْهَا فِي الْقسم الأول من الطَّبَرِيّ (ص 940- 941 طبع
أوربا) . وَقد ذكر لعبد الْمطلب فِي الطَّبَرِيّ قصيدة أُخْرَى غير هَذِه
القصيدة.
[7] الهجمة: الْقطعَة من الْإِبِل مَا بَين التسعين إِلَى الْمِائَة.
وَيُقَال للمائة مِنْهَا: هنيدة، وللمائتين: هِنْد، والثلاثمائة: أُمَامَة،
وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
تبين رويدا مَا أُمَامَة من هِنْد
[8] التَّقْلِيد: يُرِيد فِي أعناقها القلائد.
[9] حراء وثبير: جبلان.
[10] أخفره: أَي انقض عَهده، ويروى بِالْحَاء الْمُهْملَة، أَي اجْعَلْهُ
منحفرا، أَي خَائفًا وجلا.
(1/51)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا صَحَّ لَهُ
مِنْهَا، وَالطَّمَاطِمُ: الْأَعْلَاجُ [1] .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَرْسَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حَلْقَةَ بَابِ
الْكَعْبَةِ، وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى شَعَفِ
الْجِبَالِ فَتَحَرَّزُوا فِيهَا يَنْتَظِرُونَ مَا أَبْرَهَةُ فَاعِلٌ
بِمَكَّةَ إذَا دَخَلَهَا.
(دُخُولُ أَبْرَهَةَ مَكَّةَ، وَمَا وَقَعَ لَهُ وَلِفِيلِهِ، وَشِعْرُ
نُفَيْلٍ فِي ذَلِكَ) :
فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبْرَهَةُ تَهَيَّأَ لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَهَيَّأَ
فِيلَهُ وَعَبَّى [2] جَيْشَهُ، وَكَانَ اسْمُ الْفِيلِ مَحْمُودًا،
وَأَبْرَهَةُ مُجْمِعٌ لِهَدْمِ الْبَيْتِ، ثُمَّ الِانْصِرَافِ إلَى
الْيَمَنِ. فَلَمَّا وَجَّهُوا الْفِيلَ إلَى مَكَّةَ، أَقْبَلَ نُفَيْلُ
[3] بْنُ حَبِيبٍ (الْخَثْعَمِيُّ [4] ) حَتَّى قَامَ إلَى جَنْبِ
الْفِيلِ، ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ، فَقَالَ: اُبْرُكْ مَحْمُودُ، أَوْ
ارْجِعْ رَاشِدًا مِنْ حَيْثُ جِئْتَ، فَإِنَّكَ فِي بَلَدِ اللَّهِ
الْحَرَامِ، ثُمَّ أَرْسَلَ أُذُنَهُ. فَبَرَكَ [5] الْفِيلُ، وَخَرَجَ
نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ يَشْتَدُّ حَتَّى أَصْعَدَ [6] فِي الْجَبَلِ،
وَضَرَبُوا الْفِيلَ لِيَقُومَ فَأَبَى، فَضَرَبُوا (فِي) [7] رَأْسِهِ
بالطَّبَرْزِينَ [8] لِيَقُومَ فَأَبَى، فَأَدْخَلُوا مَحَاجِنَ [9] لَهُمْ
فِي مَرَاقِّهِ [10] فَبَزَغُوهُ بِهَا [11] لِيَقُومَ فَأَبَى،
فَوَجَّهُوهُ رَاجِعًا إلَى الْيَمَنِ، فَقَامَ يُهَرْوِلُ، وَوَجَّهُوهُ
إلَى الشَّامِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَوَجَّهُوهُ إلَى الْمَشْرِقِ
فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَوَجَّهُوهُ إلَى مَكَّةَ فَبَرَكَ، فَأَرْسَلَ
__________
[1] الأعلاج: كفار الْعَجم.
[2] يُقَال عبى الْجَيْش (بِغَيْر همز) وعبأت الْمَتَاع (بِالْهَمْز) .
وَقد حكى: عبأت الْجَيْش (بِالْهَمْز) وَهُوَ قَلِيل.
[3] وَقيل هُوَ نفَيْل بن عبد الله بن جُزْء بن عَامر بن مَالك بن واهب بن
جليحة بن أكلب بن ربيعَة بن عفرس بن جلف بن أفتل، وَهُوَ خثعم (رَاجع
الرَّوْض الْأنف) .
[4] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
[5] لَعَلَّه يُرِيد فعل فعل البارك، لِأَن الْمَعْرُوف عَن الْفِيل أَنه
لَا يبرك.
[6] أصعد: علا وَالْأَكْثَر صعد فِي الْجَبَل بتَشْديد الْعين.
[7] زِيَادَة عَن أوالطبري.
[8] الطبرزين: آلَة معقفة من حَدِيد، وطبر بِالْفَارِسِيَّةِ: مَعْنَاهَا
الفأس.
[9] المحاجن: جمع محجن، وَهِي عَصا معوجة، وَقد يَجْعَل فِي طرفها حَدِيد.
[10] مراقة: يعْنى أَسْفَل بَطْنه.
[11] بزغوه: أدموه. وَمِنْه المبزغ، وَهُوَ المشرط للحجام وَنَحْوه.
(1/52)
اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ طَيْرًا مِنْ
الْبَحْرِ أَمْثَالَ الْخَطَاطِيفِ وَالْبَلَسَانِ [1] ، مَعَ كُلِّ
طَائِرٍ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ يَحْمِلُهَا: حَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ،
وَحَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ، أَمْثَالُ الْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ، لَا
تُصِيبُ مِنْهُمْ أَحَدًا إلَّا هَلَكَ، وَلَيْسَ كُلُّهُمْ أَصَابَتْ.
وَخَرَجُوا هَارِبِينَ يَبْتَدِرُونَ الطَّرِيقَ الَّذِي مِنْهُ جَاءُوا،
وَيَسْأَلُونَ عَنْ نُفَيْلِ بْنِ حَبِيبٍ لِيَدُلّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ
إلَى الْيَمَنِ [2] ، فَقَالَ نُفَيْلٌ حِينَ رَأَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
بِهِمْ مِنْ نِقْمَتِهِ:
أَيْنَ الْمَفَرُّ وَالْإِلَهُ الطَّالِبُ ... وَالْأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ
لَيْسَ الْغَالِبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: «لَيْسَ الْغَالِبُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ
إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ نُفَيْلٌ أَيْضًا:
أَلَا حُيِّيتَ عَنَّا يَا رُدَيْنَا [3] ... نَعِمْنَاكُمْ [4] مَعَ
الْإِصْبَاحِ عَيْنَا
(أَتَانَا قَابِسٌ مِنْكُمْ عِشَاءً ... فَلَمْ يُقْدَرْ لِقَابِسِكُمْ
لَدَيْنَا) [5]
رُدَيْنَةُ لَوْ رَأَيْتِ- وَلَا تَرَيْهِ [6] ... لَدَى جَنْبِ
الْمُحَصَّبِ [7] مَا رَأَيْنَا
إِذا لَعَذَرْتِنِي وَحَمِدْتِ أَمْرِي [8] ... وَلَمْ تَأْسَيْ عَلَى مَا
فَاتَ بَيْنَا [9]
حَمِدْتُ اللَّهَ إذْ أَبْصَرْتُ طَيْرًا ... وَخِفْتُ حِجَارَةً تُلْقَى
عَلَيْنَا
وَكُلُّ الْقَوْمِ يَسْأَلُ عَنْ نُفَيْلٍ ... كَأَنَّ عَلَيَّ
لِلْحُبْشَانِ دَيْنَا
__________
[1] الخطاطيف: جمع خطَّاف (كرمان) . وَهُوَ طَائِر أسود يُقَال لَهُ «زوار
الْهِنْد» ، وَهُوَ الّذي تَدعُوهُ الْعَامَّة عُصْفُور الْجنَّة.
والبلسان كَذَا فِي الأَصْل. وَفِي النِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير (مَادَّة
بلس) فِي التَّعْلِيق على حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ عباد بن مُوسَى:
«وأظنها الزرازير» وَقَالَ أَبُو ذَر الخشنيّ فِي شَرحه. والخطاطيف
والبلشون ضَرْبَان من الطير.
[2] وَكَانَت قصَّة الْفِيل هَذِه أول الْمحرم من سنة ثِنْتَيْنِ
وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة من تَارِيخ ذِي القرنين (رَاجع الرَّوْض
الْأنف) .
[3] ردين: مرخم ردينة، وَهُوَ اسْم امْرَأَة.
[4] هَذَا دُعَاء، يُرِيد: أَي نعمنا بكم، فَعدى الْفِعْل لما صرف الْجَار.
[5] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
[6] فِي الطَّبَرِيّ: «وَلم تريه» ، وَفِي مُعْجم الْبلدَانِ فِي الْكَلَام
على المغمس: «وَلنْ تريه» .
[7] المحصب (بِالضَّمِّ ثمَّ الْفَتْح وصاد مُهْملَة مُشَدّدَة على وزن
اسْم الْمَفْعُول) : مَوضِع فِيمَا بَين مَكَّة وَمنى، وَهُوَ إِلَى منى
أقرب، وَهُوَ بطحاء مَكَّة (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[8] فِي الطَّبَرِيّ: (رَأْيِي) .
[9] بَينا: مصدر بَان يبين، وَهُوَ مُؤَكد لفات.
(1/53)
فَخَرَجُوا يَتَسَاقَطُونَ بِكُلِّ
طَرِيقٍ، وَيَهْلِكُونَ بِكُلِّ مَهْلِكٍ عَلَى كُلِّ مَنْهَلٍ، وَأُصِيبَ
أَبْرَهَةُ فِي جَسَدِهِ، وَخَرَجُوا بِهِ مَعَهُمْ تَسْقُطُ (أَنَامِلُهُ)
[1] أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً، [2] كُلَّمَا سَقَطَتْ أُنْمُلَةٌ
أَتْبَعَتْهَا مِنْهُ مِدَّةٌ تَمُثُّ [3] قَيْحًا وَدَمًا، حَتَّى
قَدِمُوا بِهِ صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ فَرْخِ الطَّائِرِ، فَمَا مَاتَ
حَتَّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ، فِيمَا يَزْعُمُونَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ [4] بْنُ عُتْبَةَ أَنَّهُ
حُدِّثَ:
أَنَّ أَوَّلَ مَا رُئِيَتْ الْحَصْبَةُ وَالْجُدَرِيُّ بِأَرْضِ الْعَرَبِ
ذَلِكَ الْعَامَ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ مَا رُئِيَ بِهَا مَرَائِرُ [5]
الشَّجَرِ الْحَرْمَلِ [6] وَالْحَنْظَلِ وَالْعُشَرِ [7] ذَلِكَ الْعَامَ.
(مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ عَنْ قِصَّةِ الْفِيلِ، وَشَرْحُ ابْنِ هِشَامٍ
لِمُفْرَدَاتِهِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ مِمَّا يَعُدُّ اللَّهُ عَلَى قُرَيْشٍ
مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِ، مَا رَدَّ عَنْهُمْ مِنْ أَمْرِ
الْحَبَشَةِ لِبَقَاءِ أَمْرِهِمْ وَمُدَّتِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ
الْفِيلِ.
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً
أَبابِيلَ [8] .
تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ. فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ
105: 1- 5. وَقَالَ:
__________
[1] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
[2] أَي ينتثر جِسْمه. والأنملة: طرف الْأصْبع، وَتطلق على غَيره، كالجزء
الصَّغِير من الشَّيْء.
[3] مث يمث: رشح.
[4] هُوَ يَعْقُوب بن عتبَة بن الْمُغيرَة بن الْأَخْنَس بن شريق
الثَّقَفِيّ الْمدنِي، حَلِيف بنى زهرَة، رأى السَّائِب بن يزِيد، وروى عَن
أبان بن عُثْمَان وَجَمَاعَة، وَعنهُ، غير ابْن إِسْحَاق، عبد الْعَزِيز بن
الْمَاجشون وَجَمَاعَة. وَكَانَ فَقِيها لَهُ أَحَادِيث كَثِيرَة وَعلم
بالسيرة. وَكَانَ ورعا مُسلما يسْتَعْمل على الصَّدقَات ويستعين بِهِ
الْوُلَاة. وَتوفى سنة 128 هـ. (عَن تراجم رجال روى عَنْهُم ابْن إِسْحَاق)
.
[5] يُقَال: شَجَرَة مرّة، وَيجمع على مرائر على غير قِيَاس، كَمَا جمعُوا
حرَّة على حرائر.
[6] الحرمل: نَوْعَانِ، نوع ورقه كورق الْخلاف، ونوره كنور الياسمين.
وَنَوع سنفته طوال مُدَوَّرَة. (السنفة: أوعية الثَّمر) . والحرمل: لَا
يَأْكُلهُ شَيْء إِلَّا المعزى، وَقد تطبخ عروقه فيسقاها المحموم إِذا
ماطلته الْحمى، وَفِي امْتنَاع الحرمل عَن الْأكلَة قَالَ طرفَة وذم قوما:
هم حرمل أعيا على كل آكل ... مبيتا وَلَو أَمْسَى سوامهم دثرا
(رَاجع اللِّسَان والمفردات) .
[7] الْعشْر (كصرد) : شجر مر لَهُ صمغ وَلبن، وتعالج بلبنه الْجُلُود قبل
الدباغة.
[8] الأبابيل: الْجَمَاعَات.
(1/54)
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ. إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ
الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ. الَّذِي
أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ 106: 1- 4. أَيْ لِئَلَّا
يُغَيِّرَ شَيْئًا مِنْ حَالِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، لِمَا
أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ الْخَيْرِ لَوْ قَبِلُوهُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَبَابِيلُ: الْجَمَاعَاتُ، وَلَمْ تَتَكَلَّمْ
لَهَا الْعَرَبُ بِوَاحِدِ [1] عَلِمْنَاهُ.
وَأَمَّا السِّجِّيلُ، فَأَخْبَرَنِي يُونُسُ النَّحْوِيُّ وَأَبُو
عُبَيْدَةَ أَنَّهُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الشَّدِيدُ الصُّلْبُ قَالَ رُؤْبَةُ
بْنُ الْعَجَّاجِ:
وَمَسَّهُمْ مَا مَسَّ أَصْحَابَ الْفِيلْ ... تَرْمِيهِمْ حِجَارَةٌ مِنْ
سِجِّيلْ
وَلَعِبَتْ طَيْرٌ بِهِمْ أَبَابِيلْ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. ذَكَرَ بَعْضُ
الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ بِالْفَارِسِيَّةِ، جَعَلَتْهُمَا
الْعَرَبُ كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا هُوَ سَنْجٌ وَجَلٌّ، يَعْنِي
بِالسَّنْجِ: الْحَجَرَ، وَالْجَلُّ: الطِّينَ. يَعْنِي [2] : الْحِجَارَةُ
مِنْ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ: الْحَجَرِ وَالطِّينِ. وَالْعَصْفُ:
وَرَقُ الزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُقَصَّبْ، وَوَاحِدَتُهُ عَصْفَةٌ. قَالَ
[3] : وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّحْوِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ:
الْعُصَافَةُ وَالْعَصِيفَةُ. وَأَنْشَدَنِي لِعَلْقَمَةَ بْنِ عَبَدَةَ
أَحَدِ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ
تَمِيمٍ:
تَسْقَى مَذَانِبَ [4] قَدْ مَالَتْ عَصِيفَتُهَا ... حَدُورُهَا [5] مَنْ
أَتَّى [6] الْمَاءَ مَطْمُومُ
[7] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ الرَّاجِزُ:
فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفِ مَأْكُولِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلِهَذَا الْبَيْتِ تَفْسِيرٌ فِي النَّحْوِ [8] .
__________
[1] وَقيل: إِن وَاحِدهَا أبيل وأبول وإبالة.
[2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يَقُول» .
[3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حَدثنَا ابْن هِشَام قَالَ
وأخبرنى ... إِلَخ» ،
[4] المذانب: جمع مذنب، وَهُوَ مسيل المَاء إِلَى الرَّوْضَة.
[5] حدورها (بِالْحَاء الْمُهْملَة) ، أَي مَا انحدر مِنْهَا. ويروى
جدروها: جمع جدر، وَهِي الحواجز الَّتِي تحبس المَاء، وَفِي الحَدِيث:
«وَأمْسك المَاء حَتَّى يبلغ الْجدر ثمَّ أرْسلهُ» .
[6] الأتى: السَّيْل يأتى من بلد بعيد.
[7] مطموم: مُرْتَفع، مَأْخُوذ من قَوْلهم: طم المَاء: إِذا ارْتَفع وَعلا.
[8] الْكَلَام فِيهِ على وُرُود الْكَاف حرف جر واسما بِمَعْنى مثل، وَهِي
هُنَا حرف وَلكنهَا مقحمة لتأكيد
(1/55)
وَإِيلَافُ قُرَيْشٍ: إيلَافُهُمْ
الْخُرُوجَ إلَى الشَّامِ فِي تِجَارَتِهِمْ، وَكَانَتْ لَهُمْ
خَرْجَتَانِ:
خَرْجَةٌ فِي الشِّتَاءِ، وَخَرْجَةٌ فِي الصَّيْفِ. أَخْبَرَنِي [1] أَبُو
زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: أَلِفْتُ الشَّيْءَ
إلْفًا، وَآلَفْتُهُ إيلَافًا، فِي مَعْنًى وَاحِدٍ. وَأَنْشَدَنِي لِذِي
الرُّمَّةِ:
مِنْ الْمُؤْلِفَاتِ الرُّمْلَ أَدْمَاءُ حرَّة [2] ... شُعَاع الضُّحَى
فِي لَوْنِهَا يَتَوَضَّحُ
[3] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ
الْخُزَاعِيُّ:
الْمُنْعِمِينَ إذَا النُّجُومُ تَغَيَّرَتْ [4] ... وَالظَّاعِنِينَ
لِرِحْلَةِ الْإِيلَافِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعهَا إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا:
أَنْ يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ أَلْفٌ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ الْبَقَرِ، أَوْ
الْغَنَمِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. يُقَالُ: آلَفَ فُلَانٌ إيلَافًا. قَالَ
الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ، أَحَدُ بَنِي أَسْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ
مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ ابْن مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ:
بِعَامٍ يَقُولُ لَهُ الْمُؤْلِفُونَ ... هَذَا الْمُعِيمُ لَنَا
الْمُرْجِلُ
[5] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ
يَصِيرَ الْقَوْمُ أَلْفًا، يُقَالُ آلَفَ الْقَوْمُ إيلَافًا. قَالَ
الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ:
وَآلُ مُزَيقياء غَدَاةَ لَاقَوْا ... بَنِي سَعْدِ بْنِ ضَبَّةَ
مُؤْلِفِينَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ
تُؤَلِّفَ الشَّيْءَ إلَى الشَّيْءِ فَيَأْلَفُهُ وَيَلْزَمُهُ، يُقَالُ:
آلَفْتُهُ إيَّاهُ إيلَافًا. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ تَصِيرَ مَا
دُونَ الْأَلْفِ أَلْفًا، يُقَالُ: آلَفْتُهُ إيلَافًا.
__________
[ () ] التَّشْبِيه، كَمَا أقحموا اللَّام من قَوْلهم: يَا بؤس للحرب،
وَلَا يجوز أَن يقحم حرف من حُرُوف الْجَرّ سوى اللَّام وَالْكَاف. أما
اللَّام فَلِأَنَّهَا تُعْطى بِنَفسِهَا معنى الْإِضَافَة، فَلم تغير
مَعْنَاهَا، وَكَذَلِكَ الْكَاف تُعْطى معنى التَّشْبِيه، فأقحمت لتأكيد
معنى الْمُمَاثلَة.
[1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: أخبرنَا ابْن هِشَام قَالَ
أخبرنى ... إِلَخ.
[2] الأدماء من الظباء: السمراء الظّهْر الْبَيْضَاء الْبَطن.
[3] شُعَاع الضُّحَى: بريق لَونه. ويتوضح: يتَبَيَّن.
[4] تَغَيَّرت: استحالت عَن عَادَتهَا من الْمَطَر، على مَذْهَب الْعَرَب
فِي النُّجُوم. ويروى: «تغبرت» بِالْبَاء الْمُوَحدَة: أَي قل مطرها، من
الغبر، وَهُوَ الْبَقِيَّة.
[5] المعيم: من العيمة، وَهِي الشوق إِلَى اللَّبن. والمرجل: الّذي تذْهب
إبِله فَيَمْشِي على أرجله. يُرِيد تِلْكَ السّنة تجْعَل صَاحب الْألف من
اللَّبن يعام إِلَى اللَّبن، وَيسْعَى مَاشِيا. ويروى: «المرحل» بِالْحَاء
الْمُهْملَة:
أَي الّذي يرحلهم عَن بِلَادهمْ لطلب الخصب.
(1/56)
(مَا أَصَابَ قَائِدَ الْفِيلِ
وَسَائِسَهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَن
عمْرَة [1] بنت عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بْنِ سَعْدِ [2] بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ:
لَقَدْ رَأَيْتُ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِسَهُ بِمَكَّةَ أَعْمَيَيْنِ
مُقْعَدَيْنِ يَسْتَطْعِمَانِ النَّاسَ.
مَا قِيلَ فِي صِفَةِ الْفِيلِ مِنْ الشِّعْرِ
(إعْظَامُ الْعَرَبِ قُرَيْشًا بَعْدَ حَادِثَةِ الْفِيلِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ الْحَبَشَةَ عَنْ مَكَّةَ،
وَأَصَابَهُمْ بِمَا أَصَابَهُمْ بِهِ مِنْ النِّقْمَةِ، أَعْظَمَتْ
الْعَرَبُ قُرَيْشًا، وَقَالُوا: هُمْ أَهْلُ اللَّهِ، قَاتَلَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَكَفَاهُمْ مَئُونَةَ عَدُوِّهِمْ. فَقَالُوا فِي ذَلِكَ
أَشْعَارًا يَذْكُرُونَ فِيهَا مَا صَنَعَ اللَّهُ بِالْحَبَشَةِ، وَمَا
رَدَّ عَنْ قُرَيْشٍ مِنْ كَيْدِهِمْ.
(شِعْرُ ابْنِ الزِّبَعْرَى فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ) :
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى بْنِ عَدِيِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ
عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ [3] بْنِ سَهْمِ ابْن عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ:
تَنَّكَّلُوا [4] عَنْ بَطْنِ مَكَّةَ إنَّهَا ... كَانَتْ قَدِيمًا لَا
يُرَامُ حَرِيمُهَا
لَمْ تَخْلُقْ الشِّعْرَى لَيَالِيَ حُرِّمَتْ ... إذْ لَا عَزِيزَ مِنْ
الْأَنَامِ يَرُومُهَا [5]
سَائِلْ أَمِيرَ الْجَيْشِ عَنْهَا مَا رَأَى ... وَلَسَوْفَ يُنْبِي
الْجَاهِلِينَ عَلِيمُهَا
__________
[1] هِيَ عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة الْأَنْصَارِيَّة
المدنية الفقيهة. كَانَت فِي حجر عَائِشَة فَحفِظت عَنْهَا الْكثير، وَقد
رَوَت عَن غير عَائِشَة، وروى عَنْهَا حفيداها حَارِثَة وَمَالك ابْنا أَبى
الرِّجَال وَغَيرهمَا.
وَكَانَت حجَّة. توفيت سنة 98 هـ، وَقيل سنة 106 عَن سبع وَسبعين سنة.
[2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، وتراجم رجال طبع أوربا. وَفِي أ، وَإِحْدَى
الرِّوَايَات فِي الطَّبَرِيّ: «أسعد»
[3] فِي م، ر: «عدي بن سعيد بن سهم» ، وَفِي أ: «عدي بن سعد بن سعيد بن
سهم» وَكِلَاهُمَا محرف عَمَّا أَثْبَتْنَاهُ (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[4] ويروى: «تنكبوا» . وعَلى الرِّوَايَتَيْنِ فَفِي الْبَيْت وقص.
[5] الشعرى: اسْم النَّجْم، وهما شعريان، إِحْدَاهمَا الغميصاء، وَهِي
الَّتِي فِي ذِرَاع الْأسد، وَالْأُخْرَى الَّتِي تتبع الجوزاء، وَهِي
أَضْوَأ من الضياء.
(1/57)
سِتُّونَ ألفا لم يثوبوا أَرْضَهُمْ [1]
... وَلَمْ [2] يَعِشْ بَعْدَ الْإِيَابِ سَقِيمُهَا
كَانَتْ [3] بِهَا عَادٌ وَجُرْهُمُ قَبْلَهُمْ ... وَاَللَّهُ مِنْ فَوْقِ
الْعِبَادِ يُقِيمُهَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: يَعْنِي ابْنُ الزِّبَعْرَى بِقَوْلِهِ:
... بَعْدَ الْإِيَابِ سَقِيمُهَا
أَبْرَهَةَ، إذْ حَمَلُوهُ مَعَهُمْ حِينَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ، حَتَّى
مَاتَ بِصَنْعَاءَ.
(شِعْرُ ابْنِ الْأَسْلَتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ) :
وَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ
الْخَطْمِيُّ، وَاسْمُهُ صَيْفِيٌّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَبُو قَيْسٍ: صَيْفِيُّ بْنُ الْأَسْلَتِ بْنِ جُشَمَ
بْنِ وَائِلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ ابْن عَامِرَةَ [4] ابْن مُرَّةَ
بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ:
وَمِنْ صُنْعِهِ يَوْم فيل الحبوش ... إذْ كُلَّمَا بَعَثُوهُ رَزَمْ [5]
مَحَاجِنُهُمْ تَحْتَ أَقْرَابِهِ ... وَقَدْ شَرَّمُوا أَنْفَهُ
فَانْخَرَمْ [6]
وَقَدْ جَعَلُوا سَوْطَهُ مِغْوَلًا ... إذَا يَمَّمُوهُ قَفَاهُ كُلِمْ
[7]
فَوَلَّى وَأَدْبَرَ أَدْرَاجَهُ ... وَقَدْ بَاءَ بِالظُّلْمِ مَنْ كَانَ
ثَمَّ
فَأَرْسَلَ مِنْ فَوْقِهِمْ حَاصِبًا ... فَلَفَّهُمْ مِثْلَ لَفِّ
الْقُزُمْ [8]
تَحُضُّ عَلَى الصَّبْرِ أَحْبَارُهُمْ ... وَقَدْ ثَأَجُوا كَثُؤَاجِ
الغَنَمْ
[9] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
__________
[1] لم يئوبوا: لم يرجِعوا، وَكَانَ الْوَجْه أَن يَقُول: «إِلَى أَرضهم»
فَحذف حرف الْجَرّ وَوصل الْفِعْل.
[2] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر «بل لم ... إِلَخ» ، وَقد نبه السهيليّ على
أَن «بل» زِيَادَة زَادهَا بَعضهم مِمَّن ظن خطأ أَن الْبَيْت مكسور.
وَالْوَاقِع أَن فِي هَذَا الشّطْر وقصا كَمَا مر فِي الْبَيْت الأول.
[3] ويروى: «دَانَتْ» .
[4] كَذَا فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر، وَفِي الْأُصُول: «عَامر» وَهُوَ
تَحْرِيف.
[5] رزم: ثَبت بمكانه فَلم يبرحه، وَأكْثر مَا يكون ذَلِك من الإعياء.
[6] المحاجن: جمع محجن، وَهِي عَصا معوجة. والأقراب: جمع قرب، وَهُوَ
الخصر، وشرموا: شَقوا
[7] المغول: سكين كَبِيرَة دون المشمل (سيف صَغِير) . ويروى: معولا
(بِالْعينِ الْمُهْملَة) : وَهِي الفأس. وكلم: جرح.
[8] القزم: جمع قزم، وَهُوَ الصَّغِير الجثة.
[9] ثأج: صَاح.
(1/58)
وَالْقَصِيدَةُ أَيْضًا تُرْوَى
لِأُمَيَّةِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ:
فَقُومُوا فَصَلُّوا رَبَّكُمْ وَتَمَسَّحُوا ... بِأَرْكَانِ هَذَا
الْبَيْتِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ [1]
فَعِنْدَكُمْ مِنْهُ بَلَاءٌ مُصَدَّقٌ ... غَدَاةَ أَبِي يَكسومَ هَادِي
الْكَتَائِبِ
كَتِيبَتُهُ بِالسَّهْلِ تُمْسِي [2] وَرَجْلُهُ ... عَلَى الْقَاذِفَاتِ
فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ [3]
فَلَمَّا أَتَاكُمْ نَصْرُ ذِي الْعَرْشِ رَدَّهُمْ ... جُنُودُ الْمَلِيكِ
بَيْنَ سَافٍ وَحَاصِبِ [4]
فَوَلَّوْا سِرَاعًا هَارِبِينَ وَلَمْ يَؤُبْ ... إلَى أَهْلِهِ
مِلْحَبْشِ [5] غَيْرُ عَصَائِبِ
[6] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ
قَوْلَهُ:
عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي قَيْسٍ، سَأَذْكُرُهَا فِي
مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَوْلُهُ:
«غَدَاةَ أَبِي يَكْسُومَ-: يَعْنِي أَبْرَهَةَ، كَانَ يُكَنَّى أَبَا
يَكْسُومَ.
(شِعْرُ طَالِبٍ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبِ [7] بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ:
أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ [8] ... وَجَيْشِ أَبِي
يَكْسُومَ إذْ مَلَئُوا الشِّعْبَا [9]
فَلَوْلَا دِفَاعُ اللَّهِ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَأَصْبَحْتُمْ لَا
تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبَا
[10]
__________
[1] صلوا ربكُم: أَي ادعوا ربكُم. والأخاشب: جبال مَكَّة وجبال منى.
[2] كَذَا فِي أ. وَفِي م، ر: «تمشى» .
[3] القاذفات: أعالى الْجبَال الْبَعِيدَة. والمناقب: جمع منقبة، وَهِي
الطَّرِيق فِي رَأس الْجَبَل.
[4] السافي (هُنَا) : الّذي غطاه التُّرَاب. والحاصب: الّذي أَصَابَته
الْحِجَارَة، وهما على معنى النّسَب، وَقد يكون المُرَاد مِنْهُمَا اسْم
الْفَاعِل الْجَارِي على الْفِعْل حَقِيقَة.
[5] كَذَا فِي م، ر. يُرِيد من الْحَبَش. وَفِي أ: «ملجيش» .
[6] العصائب: الْجَمَاعَات.
[7] ويذكرون أَن طَالبا هَذَا كَانَ أسن من جَعْفَر بِعشْرَة أَعْوَام،
كَمَا كَانَ جَعْفَر أسن من على رضى الله عَنهُ بِمثل ذَلِك، وَيُقَال إِن
الْجِنّ اختطفت طَالبا، وَلم يعرف عَنهُ أَنه أسلم.
[8] داحس: اسْم فرس مَشْهُور، وَكَانَت حَرْب بِسَبَبِهِ.
[9] الشّعب: الطَّرِيق فِي الْجَبَل.
[10] السرب (بِفَتْح السِّين) : المَال الرَّاعِي، والسرب (بِكَسْر
السِّين) : النَّفس، أَو يُقَال الْقَوْم، وَمِنْه: أصبح آمنا فِي سربه،
أَي فِي نَفسه، أَو فِي قومه.
(1/59)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ
الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، سَأَذْكُرُهَا فِي
مَوْضِعهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(شِعْرُ أَبِي الصَّلْتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو الصَّلْتِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ
الثَّقَفِيُّ فِي شَأْنِ الْفِيلِ، وَيَذْكُرُ الْحَنِيفِيَّةَ دِينَ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تُرْوَى
لِأُمَيَّةِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الثَّقَفِيِّ:
إنَّ آيَاتِ رَبِّنَا ثَاقِبَاتُ [1] ... لَا يُمَارِي فِيهِنَّ إلَّا
الْكَفُورُ
خُلِقَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَكُلٌّ ... مُسْتَبِينٌ حِسَابُهُ
مَقْدُورُ
ثُمَّ يَجْلُو النَّهَارَ رَبٌّ رَحِيمٌ ... بِمَهَاةِ شَعَاعُهَا
مَبْشُورُ [2]
حُبِسَ الْفِيلُ بِالْمُغَمِّسِ حَتَّى ... ظَلَّ يَحْبُو كَأَنَّهُ
مَعْقُورُ
لَازِمًا حَلْقَةَ الْجِرَانِ كَمَا قُطِّرَ ... مِنْ صَخْرٍ كَبْكَبٍ
مَحْدُورُ [3]
حَوْلَهُ مِنْ مُلُوكِ كِنْدَةَ أَبْطَالٌ ... مَلَاوِيثُ [4] فِي
الْحُرُوبِ صُقُورُ
خَلَّفُوهُ ثُمَّ ابذعَرُّوا [5] جَمِيعًا ... كُلُّهُمْ عَظْمُ سَاقُهُ
مَكسْورُ
كُلُّ دِينٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ... إلَّا دِينَ [6]
الْحَنِيفَةِ بُورُ
[7]
(شِعْرُ الْفَرَزْدَقِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ- وَاسْمُهُ هَمَّامُ بْنُ
غَالِبٍ أَحَدُ بَنِي مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ
بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ- يَمْدَحُ سُلَيْمَانَ بْنَ
عَبْدِ الْمَلِكِ ابْن مَرْوَانَ، وَيَهْجُو الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ،
وَيَذْكُرُ الْفِيلَ وَجَيْشَهُ:
__________
[1] فِي أ: «باقيات» .
[2] المهاة: الشَّمْس، سميت بذلك لصفائها، والمها من الْأَجْسَام: الّذي
يرى بَاطِنه من ظَاهره.
[3] كَذَا فِي أ. والجران: الصَّدْر. وقطر، أَي رمى بِهِ على جَانِبه.
والقطر: الْجَانِب. وكبكب:
اسْم جبل. والمحدور: الْحجر الّذي حدر حَتَّى بلغ الأَرْض. يشبه الْفِيل
ببروكه ووقوعه إِلَى الأَرْض بِهَذَا الْحجر الّذي يتحدر من جبل كبكب،
وَفِي ... : « ... ... مجدور» بِالْجِيم.
[4] ملاويث: أشداء.
[5] ابذعروا: تفَرقُوا.
[6] يُرِيد بالحنيفة: الْأمة الحنيفة: أَي الْمسلمَة الَّتِي على دين
إِبْرَاهِيم الحنيف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنه حنف
عَمَّا كَانَ يبعد آباؤه وَقَومه: أَي عدل.
[7] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ: «زور» .
(1/60)
فَلَمَّا طَغَى الْحَجَّاجُ حِينَ طَغَى
بِهِ ... غِنَى [1] قَالَ إنِّي مُرْتَقٍ فِي السَّلَالِمِ
فَكَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ نُوحٍ سَأَرْتَقِي ... إلَى جَبَلٍ مِنْ
خَشْيَةِ الْمَاءِ عَاصِمِ
رَمَى اللَّهُ فِي جُثْمَانِهِ مِثْلَ مَا رَمَى ... عَنْ الْقِبْلَةِ
الْبَيْضَاءِ [2] ذَاتِ الْمَحَارِمِ
جُنُودًا تَسُوقُ الْفِيلَ حَتَّى أَعَادَهُمْ ... هَبَاءً وَكَانُوا
مُطْرَخِمي الطَّرَاخِمِ [3]
نُصِرْتَ كَنَصْرِ الْبَيْتِ إذْ سَاقَ فِيلَهُ ... إلَيْهِ عَظِيمُ
الْمُشْرِكِينَ الْأَعَاجِمِ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ
: (شِعْرُ ابْنِ الرُّقَيَّاتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الرُّقَيَّاتُ:
أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَذْكُرُ أَبْرَهَةَ-
وَهُوَ الْأَشْرَمُ- وَالْفِيلَ:
كَادَهُ الْأَشْرَمُ الَّذِي جَاءَ بِالْفِيلِ ... فَوَلَّى وَجَيْشُهُ
مَهْزُومُ
وَاسْتَهَلَّتْ عَلَيْهِمْ الطَّيْرُ بِالْجَنْدَلِ ... حَتَّى كأنّه مرجوم
[4]
ذَاكَ مَنْ يَغْزُهُ مِنْ النَّاسِ يَرْجِعْ ... وَهُوَ فَلٌّ [5] مِنْ
الْجُيُوشِ ذَمِيمُ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
(مُلْكُ يَكْسُومَ ثُمَّ مَسْرُوقٍ عَلَى الْيَمَنِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا هَلَكَ أَبْرَهَةُ، مَلَّكَ الْحَبَشَةَ
ابْنَهُ يَكْسُومَ بْنَ أَبْرَهَةَ، وَبِهِ
__________
[1] كَذَا فِي أ، وَهُوَ من الْغناء، بِمَعْنى الِاسْتِغْنَاء، وَفِي
سَائِر الْأُصُول: «عَنَّا» . بِالْعينِ الْمُهْملَة.
وَهُوَ تَصْحِيف.
[2] الْقبْلَة الْبَيْضَاء: يُرِيد الْكَعْبَة.
[3] الهباء: مَا يظْهر فِي شُعَاع الشَّمْس إِذا دخلت من مَوضِع ضيق.
والمطرخم: الممتلئ كبرا وغضبا.
والطراخم: جمع مطرخم، وَهُوَ المتكبر.
[4] قَالَ السهيليّ فِي التَّعْلِيق على هَذَا الْبَيْت: «وَقَوله: حَتَّى
كَأَنَّهُ مرجوم» وَهُوَ قد رجم، فَكيف شبهه بالمرجوم، وَهُوَ مرجوم
بِالْحِجَارَةِ، وَهل يجوز أَن يُقَال فِي مقتول كَأَنَّهُ مقتول؟
فَنَقُول: لما ذكر استهلال الطير، وَجعلهَا كالسحاب يستهل بالمطر، والمطر
لَيْسَ برجم، وَإِنَّمَا الرَّجْم بالأكف وَنَحْوهَا.
شبهه بالمرجوم الّذي يَرْجُمهُ الآدميون أَو من يعقل ويتعمد الرَّجْم من
عَدو وَنَحْوه، فَعِنْدَ ذَلِك يكون الْمَقْتُول بِالْحِجَارَةِ مرجوما على
الْحَقِيقَة، وَلما لم يكن جَيش الْحَبَشَة كَذَلِك، وَإِنَّمَا أمطروا
حِجَارَة، فَمن ثمَّ قَالَ:
«كَأَنَّهُ مرجوم» .
[5] الفل: الْجَيْش المنهزم.
(1/61)
كَانَ يُكَنَّى، فَلَمَّا هَلَكَ يَكْسُومُ
بْنُ أَبْرَهَةَ، مَلَكَ الْيَمَنَ فِي الْحَبَشَةِ أَخُوهُ مَسْرُوقُ ابْن
أَبْرَهَةَ.
خُرُوجُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ وَمُلْكُ وَهْرِزَ عَلَى الْيَمَنِ
(ابْنُ ذِي يَزَنَ عِنْدَ قَيْصَرَ) :
فَلَمَّا طَالَ الْبَلَاءُ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، خَرَجَ سَيْفُ بْنُ ذِي
يَزَنَ الْحِمْيَرِيُّ، وَكَانَ يُكَنَّى بِأَبِي مُرَّةَ، حَتَّى قَدِمَ
عَلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، فَشَكَا إلَيْهِ مَا هُمْ فِيهِ،
وَسَأَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ عَنْهُ وَيَلِيَهُمْ هُوَ، وَيَبْعَثَ
إلَيْهِمْ مَنْ شَاءَ مِنْ الرُّومِ، فَيَكُونُ لَهُ مُلْكُ الْيَمَنِ
فَلَمْ يُشْكِهِ (وَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ شَيْئًا مِمَّا يُرِيدُ) [1] .
(تَوَسُّطُ النُّعْمَانِ لِابْنِ ذِي يَزَنَ لَدَى كِسْرَى) :
فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ عَامِلُ
كِسْرَى [2] عَلَى الْحِيرَةِ، وَمَا يَلِيهَا مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ،
فَشَكَا إلَيْهِ أَمْرَ الْحَبَشَةِ، فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ: إنَّ لِي
عَلَى كِسْرَى وِفَادَةً فِي كُلِّ عَامٍ، فَأَقِمْ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ.
فَفَعَلَ، ثُمَّ خَرَجَ مَعَهُ، فَأَدْخَلَهُ عَلَى كِسْرَى. وَكَانَ
كِسْرَى يَجْلِسُ فِي إيوَانِ مَجْلِسِهِ الَّذِي فِيهِ تَاجُهُ، وَكَانَ
تَاجُهُ مِثْلَ القَنْقَلِ [3] الْعَظِيمِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- يُضْرَبُ
فِيهِ الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ وَالزَّبَرْجَدُ بِالذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ، مُعَلَّقًا بِسَلْسَلَةِ مِنْ ذَهَبٍ فِي رَأْسِ طَاقَةٍ فِي
مَجْلِسِهِ ذَلِكَ، وَكَانَتْ عُنُقُهُ لَا تَحْمِلُ تَاجَهُ، إنَّمَا
يُسْتَرُ بِالثِّيَابِ حَتَّى يَجْلِسَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ
يُدْخِلُ رَأْسَهُ فِي تَاجِهِ، فَإِذَا اسْتَوَى فِي مَجْلِسِهِ كُشِفَتْ
عَنْهُ الثِّيَابُ، فَلَا يَرَاهُ رَجُلٌ لَمْ يَرَهُ قَبْلَ
__________
[1] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
[2] هُوَ أنوشروان. وَمَعْنَاهُ مُجَدد الْملك، لِأَنَّهُ جمع ملك فَارس
الْكَبِير بعد شتات.
[3] القنقل: الْمِكْيَال، وَقيل هُوَ مكيال يسع ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ منا.
(الْمَنّ: وزان رطلين تَقْرِيبًا) . وَهَذَا التَّاج قد أَتَى بِهِ عمر بن
الْخطاب رضى الله عَنهُ حِين اسْتَلَبَ من يزدجرد بن شهريار- وَقد صَار
إِلَيْهِ من قبل جده أنوشروان الْمَذْكُور- فَلَمَّا أَتَى بِهِ عمر رضى
الله عَنهُ دَعَا سراقَة بن مَالك المدلجي، فحلاه بأسورة كسْرَى، وَجعل
التَّاج على رَأسه، وَقَالَ لَهُ: قل الْحَمد للَّه نزع تَاج كسْرَى من ملك
الْأَمْلَاك رَأسه، وَوَضعه على رَأس أعرابى من بنى مُدْلِج، وَذَلِكَ بعز
الْإِسْلَام وبركته لَا بقوتنا، وَإِنَّمَا خص عمر سراقَة بِهَذَا لِأَن
رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَالَ لَهُ: يَا
سراقَة، كَيفَ بك إِذا وضع تَاج كسْرَى على رَأسك وسواره فِي يَديك؟
(1/62)
ذَلِكَ، إلَّا بَرَكَ هَيْبَةً لَهُ،
فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ بَرَكَ.
(ابْنُ ذِي يَزَنَ بَيْنَ يَدَيْ كِسْرَى، وَمُعَاوَنَةُ كِسْرَى لَهُ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ:
أَنَّ سَيْفًا لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَقَالَ
الْمَلِكُ: إنَّ هَذَا الْأَحْمَقَ يَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْ هَذَا الْبَابِ
الطَّوِيلِ، ثُمَّ يُطَأْطِئُ رَأسه؟ فَقَالَ ذَلِكَ لِسَيْفِ، فَقَالَ:
إنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِهَمِّي، لِأَنَّهُ يَضِيقُ عَنْهُ كُلُّ شَيْءٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، غَلَبَتْنَا
عَلَى بِلَادِنَا الْأَغْرِبَةُ، فَقَالَ لَهُ كِسْرَى: أَيُّ
الْأَغْرِبَةِ: الْحَبَشَةُ أَمْ السِّنْدُ فَقَالَ: بَلْ الْحَبَشَةُ،
فَجِئْتُكَ لِتَنْصُرَنِي، وَيَكُونُ مُلْكُ بِلَادِي لَكَ، قَالَ:
بَعُدَتْ بِلَادُكَ مَعَ قِلَّةِ خَيْرِهَا، فَلَمْ أَكُنْ لِأُوَرِّطَ [1]
جَيْشًا مِنْ فَارِسَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ، ثُمَّ
أَجَازَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ [2] وَافٍ، وَكَسَاهُ كُسْوَةً
حَسَنَةً. فَلَمَّا قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ سَيْفٌ خَرَجَ، فَجَعَلَ يَنْثُرُ
ذَلِكَ الْوَرِقَ لِلنَّاسِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَلِكَ، فَقَالَ: إنَّ
لِهَذَا لَشَأْنًا، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِ، فَقَالَ: عَمَدْتَ إلَى حِبَاءِ
الْمَلِكِ تَنْثُرُهُ لِلنَّاسِ، فَقَالَ: وَمَا أَصْنَعُ بِهَذَا مَا
جِبَالُ أَرْضِي الَّتِي جِئْتُ مِنْهَا [3] إلَّا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ:
يُرَغِّبُهُ فِيهَا. فَجَمَعَ كِسْرَى مَرَازِبَتَهُ [4] ، فَقَالَ لَهُمْ:
مَاذَا تَرَوْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ، وَمَا جَاءَ لَهُ؟ فَقَالَ
قَائِلٌ:
أَيُّهَا الْمَلِكُ، إنَّ فِي سُجُونِكَ رِجَالًا قَدْ حَبَسْتَهُمْ
لِلْقَتْلِ، فَلَوْ أَنَّكَ بَعَثْتَهُمْ مَعَهُ، فَإِنْ يَهْلِكُوا كَانَ
ذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتَ بِهِمْ، وَإِنْ ظَفِرُوا كَانَ مُلْكًا
ازْدَدْتَهُ [5] . فَبَعَثَ مَعَهُ كِسْرَى مَنْ كَانَ فِي سجونه،
وَكَانُوا ثَمَان مائَة رَجُلٍ.
(وَهْرِزَ وَسَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ وَانْتِصَارُهُمَا عَلَى مَسْرُوقٍ
وَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الشِّعْرِ) :
وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ وَهْرِزُ، وَكَانَ ذَا
سِنٍّ فِيهِمْ، وَأَفْضَلَهُمْ حَسَبًا وَبَيْتًا. فَخَرَجُوا فِي ثَمَانِ
سَفَائِنَ، فَغَرِقَتْ سَفِينَتَانِ، وَوَصَلَ إلَى سَاحِلِ عَدَنَ
__________
[1] لأورط: أَي لأنتشب فِي شَرّ. والورطة: الانتشاب فِي الشَّرّ.
[2] يُقَال: وَفِي الدِّرْهَم المثقال، وَذَلِكَ إِذا عدله.
[3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بهَا» .
[4] المرازبة: وزراء الْفرس، واحدهم مرزبان.
[5] كَذَا فِي أوالطبري، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أردته» .
(1/63)
سِتُّ سَفَائِنَ [1] . فَجَمَعَ سَيْفٌ
إلَى وَهْرِزَ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْ قَوْمِهِ، وَقَالَ لَهُ: رِجْلِي مَعَ
رِجْلِكَ حَتَّى نَمُوتَ جَمِيعًا أَوْ نَظْفَرَ جَمِيعًا. قَالَ لَهُ
وَهْرِزُ: أَنْصَفْتَ، وَخَرَجَ إلَيْهِ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ مَلِكُ
الْيَمَنِ، وَجَمَعَ إلَيْهِ جُنْدَهُ. فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ وَهْرِزُ
ابْنًا [2] لَهُ، لِيُقَاتِلَهُمْ فَيَخْتَبِرَ قِتَالَهُمْ: فَقُتِلَ
ابْنُ وَهْرِزَ، فَزَادَهُ ذَلِكَ حَنَقًا عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا تَوَاقَفَ
النَّاسُ عَلَى مَصَافِّهِمْ، قَالَ وَهْرِزُ: أَرُونِي مَلِكَهُمْ،
فَقَالُوا لَهُ: أَتَرَى رَجُلًا عَلَى الْفِيلِ عَاقِدًا تَاجَهُ عَلَى
رَأْسِهِ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ؟ قَالَ: نَعَمْ،
قَالُوا:
ذَاكَ مَلِكُهُمْ، فَقَالَ: اُتْرُكُوهُ. فَوَقَفُوا طَوِيلًا، ثُمَّ
قَالَ: عَلَامَ هُوَ؟ قَالُوا:
قَدْ تَحَوَّلَ عَلَى الْفَرَسِ، قَالَ: اُتْرُكُوهُ. فَوَقَفُوا طَوِيلًا،
ثُمَّ قَالَ: عَلَامَ هُوَ؟
قَالُوا: قَدْ تَحَوَّلَ عَلَى الْبَغْلَةِ. قَالَ وَهْرِزُ: بِنْتُ
الْحِمَارِ ذَلَّ وَذَلَّ مُلْكُهُ، إنِّي سَأَرْمِيهِ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ
أَصْحَابَهُ لَمْ يَتَحَرَّكُوا فَاثْبُتُوا حَتَّى أُوذِنَكُمْ، فَإِنِّي
قَدْ أَخْطَأْتُ الرَّجُلَ، وَإِنْ رَأَيْتُمْ الْقَوْمَ قَدْ اسْتَدَارُوا
وَلَاثُوا [3] بِهِ، فَقَدْ أَصَبْتُ الرَّجُلَ، فَاحْمِلُوا عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ وَتَرَ قَوْسَهُ، وَكَانَتْ فِيمَا يَزْعُمُونَ لَا يُوتِرُهَا
غَيْرُهُ مِنْ شِدَّتِهَا، وَأَمَرَ بِحَاجِبَيْهِ فَعُصِّبَا لَهُ، ثُمَّ
رَمَاهُ، فَصَكَّ الْيَاقُوتَةَ الَّتِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَتَغَلْغَلَتْ
[4] النُّشَّابَةُ فِي رَأْسِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ قَفَاهُ، وَنُكِسْ
عَنْ دَابَّتِهِ، وَاسْتَدَارَتْ الْحَبَشَةُ وَلَاثَتْ بِهِ، وَحَمَلَتْ
عَلَيْهِمْ الْفُرْسُ، وَانْهَزَمُوا، فَقُتِلُوا وَهَرَبُوا فِي كُلِّ
وَجْهٍ، وَأَقْبَلَ وَهْرِزُ لِيَدْخُلَ صَنْعَاءَ [5] ، حَتَّى إذَا أَتَى
بَابَهَا، قَالَ: لَا تَدْخُلُ رَايَتِي مُنَكَّسَةً أَبَدًا، اهْدِمُوا
الْبَابَ، فَهُدِمَ، ثُمَّ دَخَلَهَا نَاصِبًا رَايَتَهُ. فَقَالَ سَيْفُ
بْنُ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيُّ:
__________
[1] وَيُقَال إِن الْجَيْش بلغ سَبْعَة آلَاف وَخمْس مائَة، وانضافت
إِلَيْهِم قبائل من الْعَرَب (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[2] وَكَانَ يُقَال لَهُ نوزاد. (رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[3] لاثوا بِهِ: اجْتَمعُوا حوله.
[4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فتغلغلت» . وَهُوَ تَحْرِيف.
[5] وَيُقَال: إِن صنعاء كَانَ اسْمهَا، قبل أَن يدخلهَا وهرز ويهدم
بَابهَا، أوال (بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا) وَأَنَّهَا سميت كَذَلِك لقَوْل
وهرز حِين دَخلهَا: «صَنْعَة صَنْعَة» . يُرِيد أَن الْحَبَشَة أحكمت
صنعها. وَيُقَال إِنَّهَا سميت باسم الّذي بناها، وَهُوَ صنعاء بن وَال بن
عيبر بن عَابِر بن شالخ، فَكَانَت تعرف مرّة بِصَنْعَاء، وَأُخْرَى بأوال.
(1/64)
يَظُنُّ النَّاسُ بِالْمَلْكَيْنِ ...
أَنَّهُمَا قَدْ الْتَأَمَا [1]
وَمَنْ يَسْمَعْ بِلَأْمِهِمَا ... فَإِنَّ الْخَطْبَ قَدْ فَقُمَا [2]
قَتَلْنَا الْقَيْلَ مَسْرُوقًا ... وَرَوَّيْنَا الْكَثِيبَ دَمَا [3]
وَإِنَّ الْقَيْلَ قَيْلُ النَّاسِ ... وَهْرِزُ مُقْسِمٌ قَسَمَا
يَذُوقُ مُشَعْشَعًا حَتَّى ... يُفِيءَ السَّبْيَ وَالنَّعما
[4] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
وَأَنْشَدَنِي خَلَّادُ بْنُ قُرَّةَ السَّدُوسِيُّ آخِرَهَا بَيْتًا
لِأَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَغَيْرُهُ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو الصَّلْتِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ
الثَّقَفِيُّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِأُمَيَّةِ بْنِ أَبِي
الصَّلْتِ:
لِيَطْلُبَ الْوِتْرَ أَمْثَالُ ابْنِ ذِي يَزَنَ ... رَيَّمَ [5] فِي
الْبَحْرِ لِلْأَعْدَاءِ أَحْوَالَا
يَمَّمَ قَيْصَرَ لَمَّا حَانَ رِحْلَتُهُ ... فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ
بَعْضَ الَّذِي سَالَا [6]
ثُمَّ انْثَنَى [7] نَحْوَ كِسْرَى بَعْدَ عَاشِرَةٍ [8] ... مِنْ
السِّنِينَ يُهِينُ النَّفْسَ وَالْمَالَا
حَتَّى أَتَى بِبَنِي الْأَحْرَارِ يَحْمِلُهُمْ ... إنَّكَ عَمْرِي لَقَدْ
أَسْرَعَتْ قِلْقَالَا [9]
للَّه دَرَّهُمْ مِنْ عُصْبَةٍ خَرَجُوا ... مَا إنْ رَأَى لَهُمْ فِي
النَّاسِ أَمْثَالًا
__________
[1] التأما: يُرِيد: قد اصطلحا واتفقا.
[2] فَقُمْ: عظم.
[3] القيل: الْملك.
[4] المشعشع: الشَّرَاب الممزوج بِالْمَاءِ. ويفيء: يغنم.
[5] ريم: أَقَامَ. أَو هُوَ مَأْخُوذ من رام يريم، إِذا برح، كَأَنَّهُ
يُرِيد: أَنه غَابَ زَمَانا وأحوالا، ثمَّ رَجَعَ للأعداء، ويروى: «لجج» .
[6] رِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الطَّبَرِيّ، وَالشعر وَالشعرَاء (طبع
ليدن) .
أَتَى هِرقل وَقد شالت نعامتهم ... فَلم يجد عِنْده بعض الّذي قَالَا
[7] فِي أ: «انتحى» .
[8] فِي الشّعْر وَالشعرَاء: «بعد تاسعة» .
[9] بَنو الْأَحْرَار: الْفرس. والقلقال: (بِالْكَسْرِ وبالفتح) : شدَّة
الْحَرَكَة.
5- سيرة ابْن هِشَام- 1
(1/65)
بيضًا مرازبة غُلْبًا أَسَاوِرَةً ...
أُسْدًا تُرَبِّبُ فِي الْغَيْضَاتِ أَشْبَالَا [1]
يَرْمُونَ عَنْ شُدُفٍ كَأَنَّهَا غُبُطٌ [2] ... بزَمْخرٍ [3] يُعَجِّلُ
الْمَرْمِيَّ إعْجَالَا
أَرْسَلْتَ أُسْدًا عَلَى سُودِ الْكِلَابِ فَقَدْ ... أَضْحَى شَرِيدُهُمْ
فِي الْأَرْضِ فُلَّالَا [4]
فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْكَ التَّاجُ مُرْتَفِقًا ... فِي رَأْسِ غُمْدانَ
[5] دَارًا مِنْكَ مِحْلَالَا
وَاشْرَبْ هَنِيئًا فَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ [6] ... وَأَسْبِلْ
الْيَوْمَ فِي بُرْدَيْكَ إسْبَالَا [7]
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانَ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءٍ
فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا [8]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا صَحَّ لَهُ مِمَّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ
مِنْهَا، إلَّا آخِرَهَا بَيْتًا قَوْلُهُ:
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانَ مِنْ لَبَنٍ
[9]
__________
[1] الغلب: الشداد. والأساورة: رُمَاة الْفرس. وتربب: من التربية.
والغيضات: جمع غيضة، وَهِي الشّجر الْكثير الملتف.
[2] شدف: عِظَام الْأَشْخَاص، يعْنى بهَا القسي. وغبط: جمع غبيط، وَهِي
عيدَان الهودج وأدواته.
[3] كَذَا فِي أ. والزمخر: الْقصب الْيَابِس، يعْنى قصب النشاب. وَفِي
سَائِر الْأُصُول: «بزمجر» وَهُوَ تَصْحِيف.
[4] الفلال: المنهزمون.
[5] غمدان (بِضَم أَوله وَسُكُون ثَانِيه وَآخره نون) : قصر بناه يشْرَح بن
يحصب على أَرْبَعَة أوجه:
وَجه أَبيض، وَوجه أَحْمَر، وَوجه أصفر، وَوجه أَخْضَر. وَبنى فِي دَاخله
قصرا على سَبْعَة سقوف، بَين كل سقفين مِنْهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعا، وَجعل
فِي أَعْلَاهُ مَجْلِسا بناه بالرخام الملون، وَجعل سقفه رخامة وَاحِدَة
وصير على كل ركن من أَرْكَانه تِمْثَال أَسد من شبه كأعظم مَا يكون من
الْأسد، فَكَانَت الرّيح إِذا هبت إِلَى نَاحيَة تِمْثَال من تِلْكَ
التماثيل دخلت من دبره، وَخرجت من فِيهِ، فَيسمع لَهُ زئير كزئير السبَاع.
وَقيل:
إِن الّذي بناه سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام. وللشعراء شعر
كثير فِي غمدان. وَقد هدم فِي عهد عُثْمَان رضى الله عَنهُ. وَمعنى قَوْله
مرتفقا: أَي مُتكئا، كَمَا فِي لِسَان الْعَرَب.
[6] شالت نعامتهم: أهلكوا. والنعامة: بَاطِن الْقدَم. وشالت: ارْتَفَعت،
وَمن هلك ارْتَفَعت رِجْلَاهُ، وانتكس رَأسه، فظهرت نعَامَة قدمه. وَالْعرب
تَقول: تنعمت: إِذا مشيت حافيا.
[7] الإسبال: إرخاء الثَّوْب، وَيُرِيد بِهِ هُنَا الْخُيَلَاء والإعجاب.
[8] القعبان: تَثْنِيَة قَعْب، وَهُوَ قدح يحلب فِيهِ، وشيبا: مزجا.
[9] وَمن روى هَذَا الْبَيْت للنابغة جعله من قصيدته إِلَى مطْلعهَا:
إِمَّا ترى ظلل الْأَيَّام قد حسرت ... عَنى وشمرت ذيلا كَانَ ذيالا
وَلَقَد هجا بِهَذِهِ القصيدة رجلا من قُشَيْر يُقَال لَهُ: ابْن الحيا
(الحيا أمه) . ويعنى بِهَذَا الْبَيْت (تِلْكَ المكارم ... إِلَخ) أَن ابْن
الحيا فَخر عَلَيْهِ بِأَنَّهُم سقوا رجلا من جعدة أدركوه فِي سفر، وَقد
جهد عطشا، لَبَنًا وَمَاء فَعَاشَ. (رَاجع الأغاني ج 5 ص 13- 15 طبع دَار
الْكتب) .
(1/66)
فَإِنَّهُ لِلنَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ.
وَاسْمُهُ (حِبَّانُ بْنُ) [1] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، أَحَدُ بَنِي
جَعْدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ الحِيريُّ، وَكَانَ
أَحَدَ بَنِي تَمِيمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمَّ أَحَدُ بَنِي امْرِئِ
الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَيُقَالُ: عَدِيٌّ مِنْ
الْعِبَادِ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ [2] :
مَا بَعْدَ صَنْعَاءَ كَانَ يَعْمُرُهَا ... وُلَاةُ مُلْكٍ جَزْلٍ
مَوَاهِبُهَا [3]
رَفَّعَهَا مَنْ بَنَى لَدَى قَزَعٍ ... الْمُزْنِ وَتَنْدَى مِسْكًا
مَحَارِبُهَا [4]
مَحْفُوفَةٌ بِالْجِبَالِ دُونَ عُرَى ... الْكَائِدِ مَا تُرْتَقَى
غُوَارِبُهَا [5]
يَأْنَسُ فِيهَا صَوْتُ النُّهَامِ إذَا ... جَاوَبَهَا بِالْعَشِيِّ
قَاصِبُهَا [6]
سَاقَتْ إلَيْهَا [7] الْأَسْبَابُ جُنْدُ بَنِي ... الْأَحْرَارِ
فُرْسَانُهَا مَوَاكِبُهَا
وفُوِّزَتْ بِالْبِغَالِ تُوسَقُ بِالْحَتْفِ ... وَتَسْعَى بِهَا
تَوَالِبُهَا [8]
حَتَّى رَآهَا الْأَقْوَالُ مِنْ طَرَفِ ... الْمَنْقَلِ مُخْضَرَّةٌ
كَتَائِبُهَا [9]
__________
[1] زِيَادَة عَن أَسد الغابة (ج 5 ص 2) وخزانة الْأَدَب (ج 1 ص 512)
والإصابة (ج 6 ص 218) والاستيعاب (ج 1 ص 320) والأغاني (ج 5 ص 1 طبع دَار
الْكتب) .
[2] الْعباد: هم من عبد الْقَيْس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أَسد بن
ربيعَة، قيل إِنَّهُم انتسلوا من أَرْبَعَة: عبد الْمَسِيح، وَعبد كلال،
وَعبد الله، وَعبد يَا ليل. وَكَانُوا قدمُوا على ملك فتسموا لَهُ،
فَقَالَ:
أَنْتُم الْعباد، فسموا بذلك. وَذكر الطَّبَرِيّ فِي نسب عدي: أَنه ابْن
زيد بن حَمَّاد بن أَيُّوب بن مجروف ابْن عَامر بن عصية بن امْرِئ الْقَيْس
بن زيد مَنَاة بن تَمِيم، وَقد دخل بَنو امْرِئ الْقَيْس بن زيد مَنَاة فِي
الْعباد، فَلذَلِك ينْسب عدي إِلَيْهِم.
[3] وُلَاة ملك: يُرِيد: الَّذين يدبرون أَمر النَّاس ويصلحونه. وجزل:
كثير.
[4] القزع: السَّحَاب المتفرق، والمزن: السَّحَاب. والمحارب: الغرف
المرتفعة.
[5] يُرِيد: دون عرى السَّمَاء وأسبابها. والكائد: هُوَ الّذي كادهم،
وَهُوَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
والغوارب: الأعالي.
[6] النهام: الذّكر من البوم. والقاصب: صَاحب الزمارة.
[7] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «إِلَيْهِ» .
[8] فوزت الْمَفَازَة: قطعت. وَقَوله: توسق بالحتف، أَي أَن وسق البغال
الحتوف. والتوالب:
جمع تولب، وَهُوَ ولد الْحمار.
[9] الْأَقْوَال: الْمُلُوك. والمنقل: الطَّرِيق الْمُخْتَصر، وَهُوَ
أَيْضا: الأَرْض الَّتِي يكثر فِيهَا النَّقْل: أَي الْحِجَارَة، وَقَوله:
من طرف المنقل، أَي من أعالى حصونها. والمنقال: الخرج ينْقل إِلَى
الْمُلُوك من قَرْيَة إِلَى قَرْيَة، فَكَأَن المنقل من هَذَا. ومخضرة
كتائبها: يعْنى من الْحَدِيد، وَمِنْه الكتيبة الخضراء.
(1/67)
يَوْمَ يُنَادُونَ آل بربر [1] و ...
اليكسوم لَا يُفْلِحُنَّ هَارِبُهَا [2]
وَكَانَ يَوْمُ بَاقِي الْحَدِيثِ وَزَالَتْ ... إِمَّةً ثَابِتٌ
مَرَاتِبُهَا [3]
وَبُدِّلَ الْفَيْجُ [4] بِالزَّرَافَةِ [5] وَالْأَيَّامُ ... جُونٌ [6]
جَمٌّ عَجَائِبُهَا
بَعْدَ بَنِي تُبَّعٍ نَخَاوِرَةٌ [7] ... قَدْ اطْمَأَنَّتْ بِهَا
مَرَازِبُهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ (الْأَنْصَارِيُّ) [8] وَرَوَاهُ لِي عَنْ
الْمُفَضَّلِ الضَّبِّيِّ، قَوْلَهُ:
يَوْمَ يُنَادُونَ آل بربر و ... اليكسوم.............
إلَخْ
(هَزِيمَةُ الْأَحْبَاشِ، وَنُبُوءَةُ سَطِيحٍ وَشِقٍّ) :
وَهَذَا الَّذِي عَنَى سَطِيحٌ بِقَوْلِهِ: «يَلِيهِ إرَمُ ذِي يَزَنَ،
يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنَ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ
بِالْيَمَنِ» . وَاَلَّذِي عَنَى شِقٌّ بِقَوْلِهِ: «غُلَامٌ لَيْسَ
بِدَنِيِّ وَلَا مُدَنٍّ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَنَ» .
ذِكْرُ مَا انْتَهَى إلَيْهِ أَمْرُ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ
(مُلْكُ الْحَبَشَةِ فِي الْيَمَنِ وَمُلُوكُهُمْ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ وَهْرِزُ وَالْفُرْسُ بِالْيَمَنِ، فَمِنْ
بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْجَيْشِ مِنْ الْفُرْسِ الْأَبْنَاءُ الَّذِينَ
بِالْيَمَنِ الْيَوْمَ. وَكَانَ مُلْكُ الْحَبَشَةِ بِالْيَمَنِ، فِيمَا
بَيْنَ أَنْ دَخَلَهَا أَرْيَاطُ إلَى أَنْ قَتَلَتْ الْفُرْسُ مَسْرُوقَ
بْنَ أَبْرَهَةَ وَأُخْرِجَتْ الْحَبَشَةُ، اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ
سَنَةً، تَوَارَثَ
__________
[1] آل بربر: يُرِيد الْحَبَشَة.
[2] فِي شعراء النَّصْرَانِيَّة: «لَا يَفْلِتَنَّ» .
[3] الإمة (بِكَسْر الْهمزَة) : النِّعْمَة.
[4] كَذَا فِي شرح السِّيرَة. والفيج: الْمُنْفَرد، أَو هُوَ الّذي يسير
للسُّلْطَان بالكتب على رجلَيْهِ.
وَفِي جَمِيع الْأُصُول: «الفيح» بِالْحَاء الْمُهْملَة. وَهُوَ تَصْحِيف.
[5] الزرافة: الْجَمَاعَة من النَّاس.
[6] فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر: «خون» . وَهِي جمع خَائِنَة.
[7] بَنو تبع: الْيمن. والنخاورة: الْكِرَام. واحدهم: نخوار.
[8] زِيَادَة عَن أ.
(1/68)
ذَلِكَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ: أَرْيَاطُ،
ثُمَّ أَبْرَهَةُ، ثُمَّ يَكْسُومُ بْنُ أَبْرَهَةَ، ثُمَّ مَسْرُوقُ بْنُ
أَبْرَهَةَ.
مُلُوكُ الْفُرْسِ عَلَى الْيَمَنِ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمَّ مَاتَ وَهْرِزُ، فَأَمَّرَ كِسْرَى ابْنَهُ
الْمَرْزُبَانَ بْنِ وَهْرِزَ عَلَى الْيَمَنِ، ثُمَّ مَاتَ
الْمَرْزُبَانُ، فَأَمَّرَ كِسْرَى ابْنَهُ التَّيْنُجَانَ بْنَ
الْمَرْزُبَانِ عَلَى الْيَمَنِ، ثُمَّ مَاتَ التَّيْنُجَانُ، فَأَمَّرَ
كِسْرَى ابْنَ التَّيْنُجَانِ عَلَى الْيَمَنِ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَأَمَّرَ
بَاذَانَ، فَلَمْ يَزَلْ بَاذَانُ عَلَيْهَا حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ
مُحَمَّدًا النَّبِيَّ) [1] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(كِسْرَى وَبَعْثَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
فَبَلَغَنِي عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
كَتَبَ كِسْرَى إلَى بَاذَانَ: أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ
قُرَيْشٍ خَرَجَ بِمَكَّةَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فسر إِلَيْهِ
فاستنبه، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا فَابْعَثْ إلَيَّ بِرَأْسِهِ. فَبَعَثَ
بَاذَانُ بِكِتَابِ كِسْرَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ
اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي أَنْ يُقْتَلَ كِسْرَى فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ
شَهْرِ كَذَا. فَلَمَّا أَتَى بَاذَانَ الْكِتَابُ تَوَقَّفَ لِيَنْظُرَ،
وَقَالَ: إنْ كَانَ نَبِيًّا فَسَيَكُونُ مَا قَالَ. فَقَتَلَ اللَّهُ
كِسْرَى فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قُتِلَ عَلَى يَدَيْ ابْنِهِ
شِيرَوَيْهِ، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ حِقٍّ الشَّيْبَانِيُّ:
وَكِسْرَى إذْ تَقَسَّمْهُ بَنُوهُ ... بِأَسْيَافٍ كَمَا اُقْتُسِمَ
اللَّحَّامُ [2]
تَمَخَّضَتْ الْمَنُونُ لَهُ بِيَوْمٍ ... أَنَّى وَلِكُلِّ حَامِلَةٍ
تِمَامُ
[3]
(إسْلَامُ بَاذَانَ) :
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ بَاذَانَ بَعَثَ بِإِسْلَامِهِ
[4] وَإِسْلَامِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْفُرْسِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ الرُّسُلُ مِنْ الْفُرْسِ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إلَى مَنْ نَحْنُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ مِنَّا وَإِلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ.
__________
[1] زِيَاد عَن أ.
[2] اللحام: جمع لحم.
[3] أَنى: حَان.
[4] كَانَ إِسْلَام باذان بِالْيمن فِي سنة عشر، وفيهَا بعث رَسُول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْأَبْنَاء يَدعُوهُم إِلَى
الْإِسْلَام.
(1/69)
(سَلْمَانُ مِنَّا) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
فَمِنْ ثَمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ.
(بَعْثَةُ النَّبِيِّ، وَنُبُوءَةُ سَطِيحٍ وَشِقٍّ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَهُوَ الَّذِي عَنَى سَطِيحٌ بِقَوْلِهِ: «نَبِيٌّ
زَكِيٌّ، يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيِّ» . وَاَلَّذِي عَنَى
شِقٌّ بِقَوْلِهِ: «بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولِ مُرْسَلٍ، يَأْتِي
بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، مِنْ [1] أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ
الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ» .
(الْحَجَرُ الَّذِي وُجِدَ بِالْيَمَنِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِي حَجَرٍ بِالْيَمَنِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ
كِتَابٌ- بِالزَّبُورِ كُتِبَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ: «لِمِنْ مُلْكُ
ذِمَارٍ؟ لِحِمْيَرَ الْأَخْيَارِ [2] ، لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟
لِلْحَبَشَةِ الْأَشْرَارِ [3] ، لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِفَارِسَ
الْأَحْرَارِ [4] ، لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِقُرَيْشِ التُّجَّارِ» .
وَذِمَارٌ: الْيَمَنُ أَوْ صَنْعَاءُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذَمَارُ:
بِالْفَتْحِ، فِيمَا أَخْبَرَنِي [5] يُونُسُ
(شِعْرٌ الْأَعْشَى فِي نُبُوءَةِ سَطِيحٍ وَشِقٍّ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْأَعْشَى أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ فِي وُقُوعِ مَا قَالَ سَطِيحٌ وَصَاحِبُهُ:
مَا نَظَرَتْ ذَاتُ أَشْفَارٍ كَنَظْرَتِهَا ... حَقَّا كَمَا صَدَقَ
الذِّئْبِيُّ إذَا سَجَعَا
[6] وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ لِسَطِيحِ: الذِّئْبِيَّ، لِأَنَّهُ
سَطِيحُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَازِنِ بْنِ ذِئْبٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
__________
[1] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: بِدُونِ «من» .
[2] سموا بالأخيار: لأَنهم كَانُوا أهل دين، كَمَا تقدم فِي حَدِيث فيميون،
وَابْن الثَّامِر.
[3] سموا بالأشرار: لما أَحْدَثُوا فِي الْيمن من العيث وَالْفساد وإخراب
الْبِلَاد، حَتَّى هموا بهدم بَيت الله الْحَرَام.
[4] سموا بالأحرار: لِأَن الْملك فيهم متوارث من عهد جيومرت إِلَى أَن
جَاءَ الْإِسْلَام، لم يدينوا لملك، وَلَا أَدّوا الإتاوة لذِي سُلْطَان من
سواهُم، فَكَانُوا أحرارا لذَلِك.
[5] وَحكى الْكسر عَن ابْن إِسْحَاق. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[6] ذَات أشفار: زرقاء الْيَمَامَة، وَكَانَت الْعَرَب تزْعم أَنَّهَا ترى
الْأَشْخَاص على مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فِي الصَّحرَاء، وخبرها مَشْهُور.
(1/70)
قِصَّةُ مَلِكِ الْحَضْرِ
(نَسَبُ النُّعْمَانِ، وَشَيْءٌ عَنْ الْحَضْرِ، وَشِعْرُ عَدِيٍّ فِيهِ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي خَلَّادُ بْنُ قُرَّةَ بْنِ خَالِدِ
السَّدُوسِيُّ عَنْ جَنَّادٍ، أَوْ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ أَهْلِ
الْكُوفَةِ بِالنَّسَبِ: أَنَّهُ يُقَالُ:
إنَّ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ مِنْ وَلَدِ سَاطِرُونَ [1] مَلِكِ
الْحَضْرِ. وَالْحَضْرُ: حِصْنٌ عَظِيمٌ كَالْمَدِينَةِ، كَانَ عَلَى
شَاطِئِ الْفُرَاتِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ فِي
قَوْلِهِ:
وَأَخُو الْحَضْرِ إذْ بَنَاهُ وَإِذْ ... دِجْلَةُ تُجْبَى إلَيْهِ
وَالْخَابُورُ [2]
شَادَهُ مَرْمَرَا وَجَلَّلَهُ كِلْسًا ... فَلِلطَّيْرِ فِي ذُرَاهُ
وُكُورُ [3]
لَمْ يَهَبْهُ رَيْبُ الْمَنُونِ فَبَانَ [4] ... الْمُلْكُ عَنْهُ
فَبَابُهُ مَهْجُورُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَاَلَّذِي ذكره أَبُو دَاوُد الْإِيَادِيُّ [5] فِي قَوْلِهِ:
وَأَرَى الْمَوْتَ قَدْ تَدَلَّى مِنْ الْحَضْرِ ... عَلَى رَبِّ أَهْلِهِ
السَّاطِرُونَ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَيُقَالُ: إنَّهَا لِخَلَفِ
الْأَحْمَرِ، وَيُقَالُ: لِحَمَّادِ الرَّاوِيَةِ.
(دُخُولُ سَابُورَ الْحَضْرَ، وَزَوَاجُهُ بِنْتِ سَاطِرُونَ، وَمَا وَقَعَ
بَيْنَهُمَا) :
وَكَانَ كِسْرَى سَابُورُ ذُو الْأَكْتَافِ غَزَا سَاطِرُونَ مَلِكِ
الْحَضَر، فحصره سِتِّينَ، فَأَشْرَفَتْ بِنْتُ [6] سَاطِرُونَ يَوْمًا،
فَنَظَرَتْ إلَى سَابُورَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُ دِيبَاجٍ،
__________
[1] الساطرون: مَعْنَاهُ بالسُّرْيَانيَّة الْملك، وَاسم الساطرون: الضيزن
بن مُعَاوِيَة، جرمقاني، وَقيل:
قضاعى، من الْعَرَب الَّذين تنخوا بِالسَّوَادِ (أَقَامُوا بِهِ) فسموا
تنوخ، وهم قبائل شَتَّى. وَأمه جبهلة، وَبهَا كَانَ يعرف، وَهِي أَيْضا:
قضاعية من بنى تزيد الَّذين تنْسب إِلَيْهِم الثِّيَاب التزيدية.
[2] دجلة والخابور: نهران مشهوران.
[3] المرمر: الرخام. والكلس: مَا طلى بِهِ الْحَائِط من جص وجيار. وجلله:
كَسَاه. ويروى:
خلله (بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة) : أَي جعل الجص بَين حجر وَحجر. وذراه:
أعاليه. ووكور: جمع وكر، وَهُوَ عش الطَّائِر.
[4] فِي أ: «فباد» .
[5] واسْمه جَارِيَة بن حجاج، وَقيل: حَنْظَلَة بن شرقى.
[6] يُقَال إِن اسْمهَا النضيرة.
(1/71)
وَعَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ ذَهَبٍ
مُكَلَّلٌ بِالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ، وَكَانَ جَمِيلًا،
فَدَسَّتْ إلَيْهِ: أَتَتَزَوَّجُنِي إنْ فَتَحْتُ لَكَ بَابَ الْحَضْرِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا أَمْسَى سَاطِرُونَ شَرِبَ حَتَّى سَكِرَ،
وَكَانَ لَا يَبِيتُ إلَّا سَكْرَانَ. فَأَخَذَتْ مَفَاتِيحَ بَابِ
الْحَضْرِ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، فَبَعَثَتْ بِهَا مَعَ مَوْلًى لَهَا،
فَفَتَحَ الْبَابَ [1] ، فَدَخَلَ سَابُورُ، فَقَتَلَ سَاطِرُونَ،
وَاسْتَبَاحَ الْحَضْرَ وَخَرَّبَهُ، وَسَارَ بِهَا مَعَهُ فَتَزَوَّجَهَا.
فَبَيْنَا هِيَ نَائِمَةٌ عَلَى فِرَاشِهَا لَيْلًا إذْ جَعَلَتْ
تَتَمَلْمَلُ لَا تَنَامُ، فَدَعَا لَهَا بِشَمْعِ، فَفُتِّشَ فِرَاشُهَا،
فَوُجِدَ عَلَيْهِ وَرَقَةُ آسٍ [2] ، فَقَالَ لَهَا سَابُورُ: أَهَذَا
الَّذِي أَسْهَرَكَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا كَانَ أَبُوكَ يَصْنَعُ
بِكِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَفْرِشُ لِي الدِّيبَاجَ، وَيُلْبِسُنِي الْحَرِيرَ،
وَيُطْعِمُنِي الْمُخَّ، وَيَسْقِينِي الْخَمْرَ، قَالَ: أَفَكَانَ جَزَاءُ
أَبِيكَ مَا صَنَعْتِ بِهِ؟ أَنْتَ إلَيَّ بِذَلِكَ أَسْرَعُ، ثُمَّ أَمَرَ
بِهَا فَرُبِطَتْ قُرُونُ [3] رَأْسِهَا بِذَنَبِ فَرَسٍ، ثُمَّ رَكَضَ
الْفَرَسُ حَتَّى قَتَلَهَا [4] ، فَفِيهِ يَقُولُ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ:
أَلَمْ تَرَ [5] لِلْحَضْرِ إذْ أَهْلُهُ ... بِنُعْمَى وَهَلْ خَالِدٌ
مِنْ نِعَمْ
أَقَامَ بِهِ شاهَبُورُ [6] الْجُنُودَ ... حَوْلَيْنِ تَضْرِبُ فِيهِ
الْقُدُمْ [7]
فَلَمَّا دَعَا رَبَّهُ دَعْوَةً ... أَنَابَ إلَيْهِ فَلَمْ يَنْتَقِمْ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ
__________
[1] وَيُقَال: إِنَّهَا دلته على نهر وَاسع كَانَ يدْخل مِنْهُ المَاء
إِلَى الْحَضَر، فَقطع لَهُم المَاء، ودخلوا مِنْهُ. وَقيل: بل دلته على
طلسم كَانَ فِي الْحَضَر، وعَلى طَريقَة التغلب عَلَيْهِ. (رَاجع
المَسْعُودِيّ وَالرَّوْض الْأنف) .
[2] الآس: الريحان.
[3] قُرُون رَأسهَا: يعْنى ذوائب شعرهَا.
[4] وَيُقَال إِن صَاحب هَذِه الْقِصَّة هُوَ سَابُور بن أردشير بن بابك:
لِأَن أردشير هُوَ أول من جمع ملك فَارس، وأذل مُلُوك الطوائف، حَتَّى دَان
الْملك لَهُ، والضيزن كَانَ من مُلُوك الطوائف، فيبعد أَن تكون هَذِه
الْقِصَّة لسابور ذِي الأكتاف، وَهُوَ سَابُور بن هُرْمُز، لِأَنَّهُ كَانَ
بعد سَابُور الْأَكْبَر بدهر طَوِيل، وَبينهمْ مُلُوك عدَّة، وهم هُرْمُز
بن سَابُور، وبهرام بن بهْرَام، وبهرام الثَّالِث: ونرس بن بهْرَام، وَبعده
كَانَ ابْنه سَابُور ذُو الأكتاف.
[5] فِي أ: «ألم ترى الْحَضَر ... إِلَخ» .
[6] شاهبور: مَعْنَاهُ: ابْن الْملك. وشاه: ملك، وبور: ابْن.
[7] الْقدَم: جمع قدوم، وَهُوَ الفأس وَنَحْوهَا.
(1/72)
وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ:
وَالْحَضْرُ صَابَتْ عَلَيْهِ دَاهِيَةٌ ... مِنْ فَوْقِهِ أَيِّدٌ
مَنَاكِبُهَا [1]
رَبِيَّةَ [2] لَمْ تُوَقَّ وَالِدَهَا ... لِحَيْنِهَا [3] إذْ أَضَاعَ
رَاقِبُهَا [4]
إذْ غَبَقَتْهُ [5] صَهْبَاءَ صَافِيَةً ... وَالْخَمْرُ وَهَلْ [6]
يَهِيمُ [7] شَارِبُهَا
فَأَسْلَمَتْ أَهْلَهَا بِلَيْلَتِهَا ... تَظُنُّ أَنَّ الرَّئِيسَ
خَاطِبُهَا
فَكَانَ حَظُّ الْعَرُوسِ إذْ جَشَرَ [8] ... الصُّبْحُ دِمَاءً تَجْرِي
سَبَائِبُهَا [9]
وَخُرِّبَ الْحَضْرُ وَاسْتُبِيحَ وَقَدْ ... أُحْرِقَ فِي خِدْرِهَا
مَشَاجِبُهَا
[10] وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
ذِكْرُ وَلَدِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ
(أَوْلَادُهُ فِي رَأْيِ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ نِزَارُ بْنُ مَعَدٍّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ:
مُضَرَ [11] بْنَ نِزَارٍ، وَرَبِيعَةَ ابْن نِزَارٍ، وأَنْمَارَ بْنَ
نِزَارٍ.
__________
[1] صابت: سَقَطت وَنزلت. وأيد: شَدِيدَة.
[2] ربية: فعيلة بِمَعْنى مفعول من ربى، وَقد تكون بِمَعْنى الربو، وَهُوَ
النَّمَاء وَالزِّيَادَة، لِأَنَّهَا ربت فِي نعْمَة، فَتكون بِمَعْنى
فاعلة. وَقيل: بل أَرَادَ: ربيئة، بِالْهَمْز، وَسَهل الْهمزَة فَصَارَت
يَاء، وَجعلهَا ربيئة، لِأَنَّهَا كَانَت طَلِيعَة حَيْثُ اطَّلَعت حَتَّى
رَأَتْ سَابُور وَجُنُوده، وَيُقَال للطليعة، ذكرا أَو أُنْثَى: ربيئة.
[3] ويروى: «لخبها» : أَي لمكرها.
[4] أَي أضاع المربأ الّذي يرقبها ويحرسها، وَيحْتَمل أَن تكون الْهَاء
عَائِدَة على الْجَارِيَة: أَي أضاعها حافظها.
[5] غبقته: سقته بالْعَشي.
[6] يُقَال: وَهل الرجل، إِذا أَرَادَ شَيْئا فَذهب وهمه إِلَى غَيره.
[7] يهيم: يتحير.
[8] جشر: أَضَاء وَتبين.
[9] سبائبها: طرائقها.
[10] كَذَا فِي الأَصْل. والمشاجب: جمع مشجب، وَهُوَ عود تعلق عَلَيْهِ
الثِّيَاب. ويروى: «مساحبها» والمساحب: القلائد فِي الْعُنُق من قرنفل
وَغَيره.
[11] وَيُقَال: إِن مُضر أول من سنّ حداء الْإِبِل، وَكَانَ ذَلِك فِيمَا
يَزْعمُونَ أَنه سقط عَن بعير فوثئت
(1/73)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِيَادَ بْنَ
نِزَارٍ. قَالَ الْحَارِسُ بْنُ دَوْسٍ الْإِيَادِيُّ، وَيُرْوَى لِأَبِي
دُوَادَ الْإِيَادِيِّ، واسْمُهُ جَارِيَةُ [1] بْنُ الْحَجَّاجِ:
وَفُتُوٌّ [2] حَسَنٌ أَوْجُهُهُمْ ... مِنْ إيَادِ بْنِ نِزَارِ بْنِ
مَعَدٍّ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
فَأُمُّ مُضَرَ وَإِيَادٍ: سَوْدَةُ بِنْتُ عَكِّ بْنِ عَدْنَانَ. وَأُمُّ
رَبِيعَةَ وأَنْمَارٍ: شُفَيْقَةُ بِنْتُ عَكِّ بْنِ عَدْنَانَ، وَيُقَالُ
جُمُعَةُ بِنْتُ عَكِّ بْنِ عَدْنَانَ.
(أَوْلَادُ أَنْمَارٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَنْمَارُ: أَبُو خَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ [3] .
قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ وَكَانَ سَيِّدَ
بَجِيلَةَ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ لَهُ الْقَائِلُ:
لَوْلَا جَرِيرٌ هَلَكَتْ بَجِيلَهُ ... نِعْمَ الْفَتَى وَبِئْسَتِ
الْقِبِيلَهْ
وَهُوَ يُنَافِرُ [4] الْفُرَافِصَةَ [5] الْكَلْبِيَّ إلَى الْأَقْرَعِ
بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ (بْنِ عِقَالِ بْنِ مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ) [6] :
يَا أَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ ... إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ
[7] تُصْرَعُ
وَقَالَ:
__________
[ () ] يَده، وَكَانَ أحسن النَّاس صَوتا، فَكَانَ يمشى خلف الْإِبِل،
وَيَقُول: وَا يدياه وَا يدياه. يترنم بذلك، فأعنقت الْإِبِل وَذهب كلالها،
فَكَانَ ذَلِك أصل الحداء عِنْد الْعَرَب.
[1] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حَارِثَة» وَهُوَ تَحْرِيف.
(رَاجع الْحَاشِيَة رقم 2 ص 71 من هَذَا الْجُزْء) .
[2] فتو: جمع فَتى، وَهُوَ الشَّاب الْحَدث.
[3] وَأم أَوْلَاد أَنْمَار: بجيلة بنت صَعب بن سعد الْعَشِيرَة، ولد لَهُ
من غَيرهَا أفتل، وَهُوَ خثعم فَلم ينْسب إِلَيْهَا. وَيُقَال: إِن بجيلة
حبشية حضنت أَوْلَاد أَنْمَار، وَلم تحضن أفتل. فَلم ينْسب إِلَيْهَا.
(رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[4] ينافر: يحاكم.
[5] الفرافصة (بِالضَّمِّ) : الْأسد. (وبالفتح) : اسْم الرجل، وَقد قيل: كل
فرافصة فِي الْعَرَب بِالضَّمِّ إِلَّا الفرافصة أَبَا نائلة صهر عُثْمَان
بن عَفَّان، فَإِنَّهُ بِالْفَتْح.
[6] زِيَادَة عَن أ.
[7] كَذَا فِي أ. وَهُوَ الْأَشْهر. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أَخَاك» .
(1/74)
ابْنَيْ نِزَارٍ اُنْصُرَا أَخَاكُمَا ...
إنَّ أَبِي وَجَدْتَهُ أَبَاكُمَا
لَنْ يُغْلَبَ الْيَوْمَ أَخٌ وَالَاكُمَا
وَقَدْ تَيَامَنَتْ فَلَحِقَتْ بِالْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَتْ الْيَمَنُ: وَبَجِيلَةُ: أَنْمَارُ بْنُ
إرَاشِ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْغَوْثِ بْنِ نَبْتِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: إرَاشُ بْنُ
عَمْرِو ابْن لِحْيَانَ بْنِ الْغَوْثِ. وَدَارُ بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ:
يَمَانِيَّةٌ.
(أَوْلَادُ مُضَرَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مُضَرُ بْنُ نِزَارٍ رَجُلَيْنِ: إلْيَاسَ
بْنَ مُضَرَ، وَعَيْلَانَ [1] ابْن مُضَرَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
وَأُمُّهُمَا جُرْهُمِيَّةٌ
[2] .
(أَوْلَادُ إلْيَاسَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ إلْيَاسُ بْنُ مُضَرَ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ:
مُدْرِكَةَ بْنَ إلْيَاسَ، وَطَابِخَةَ ابْن إلْيَاسَ، وَقَمْعَةَ بْنَ
إلْيَاسَ، وَأُمُّهُمْ خِنْدِفُ، امْرَأَة عَن الْيَمَنِ.
(شَيْءٌ عَنْ خِنْدِفَ وَأَوْلَادِهَا) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خِنْدِفُ [3] بِنْتُ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ
قُضَاعَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ اسْمُ مُدْرِكَةَ عَامِرًا، وَاسْمُ
طَابِخَةَ عَمْرًا، وَزَعَمُوا أَنَّهُمَا كَانَا فِي إبِلٍ لَهُمَا
يَرْعَيَانِهَا، فَاقْتَنَصَا صَيْدًا فَقَعَدَا عَلَيْهِ يَطْبُخَانِهِ،
وَعَدَتْ عَادِيَةٌ عَلَى إبِلِهِمَا، فَقَالَ عَامِرٌ لِعَمْرٍو:
أَتُدْرِكُ الْإِبِلَ أَمْ تَطْبُخُ هَذَا الصَّيْدَ؟ فَقَالَ عَمْرٌو:
بَلْ أَطْبُخُ فَلَحِقَ عَامِرٌ بِالْإِبِلِ فَجَاءَ بِهَا، فَلَمَّا
رَاحَا عَلَى أَبِيهِمَا حَدَّثَاهُ بِشَأْنِهِمَا،
__________
[1] وَيُقَال إِن عيلان هَذَا، هُوَ قيس نَفسه لَا أَبوهُ، وسمى بفرس لَهُ
اسْمه عيلان، وَقيل: عيلان اسْم كَلْبه.
[2] وَيُقَال: إِنَّهَا لَيست من جرهم، وَإِنَّمَا هِيَ الربَاب بنت حيدة
بن معد بن عدنان. (رَاجع الطَّبَرِيّ وَالرَّوْض الْأنف) .
[3] وَاسْمهَا ليلى: وَأمّهَا ضرية بنت ربيعَة بن نزار الَّتِي ينْسب
إِلَيْهَا حمى ضرية، وخندف هَذِه هِيَ الَّتِي ضربت الْأَمْثَال بحزنها على
إلْيَاس، وَذَلِكَ أَنَّهَا تركت بنيها وساحت فِي الأَرْض تبكيه حَتَّى
مَاتَت، وَإِنَّمَا نسب أَوْلَادهَا إِلَيْهَا لِأَنَّهَا حِين تَركتهم
شغلا لحزنها على أَبِيهِم وَكَانُوا صغَارًا رَحِمهم النَّاس، فَقَالُوا:
هَؤُلَاءِ أَوْلَاد خندف الَّتِي تَركتهم، وهم صغَار أَيْتَام.
(1/75)
فَقَالَ لِعَامِرِ: أَنْتَ مُدْرِكَةٌ،
وَقَالَ لِعَمْرِو: وَأَنْتَ طَابِخَةُ (وَخَرَجَتْ أُمُّهُمْ لَمَّا
بَلَغَهَا الْخَبَرُ، وَهِيَ مُسْرِعَةٌ، فَقَالَ لَهَا: تُخَنْدِفِينَ
فَسُمِّيَتْ: خِنْدِفُ) [1] .
وَأَمَّا قَمَعَةُ [2] فَيَزْعُمُ نُسَّابُ مُضَرَ: أَنَّ خُزَاعَةَ مِنْ
وَلَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ إلْيَاسَ.
قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وَذِكْرُ أَصْنَامِ الْعَرَبِ
(رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي
النَّارِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قُصْبَهُ [3] فِي النَّارِ،
فَسَأَلْتُهُ عَمَّنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنْ النَّاسِ، فَقَالَ:
هَلَكُوا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ
بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ حَدَّثَهُ
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي
هُرَيْرَةَ: عَبْدُ اللَّهِ ابْن عَامِرٍ، وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ- يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
لِأَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ الْخُزَاعِيِّ: يَا أَكْثَمُ، رَأَيْتُ عَمْرَو
بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ،
فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ، وَلَا بِكَ مِنْهُ:
فَقَالَ أَكْثَمُ: عَسَى أَنْ يَضُرَّنِي شَبَهُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: لَا، إنَّكَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ، إنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ
غَيَّرَ دِينَ إسْمَاعِيلَ، فَنَصَبَ الْأَوْثَانَ، وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ
[4] ، وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ، وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ، وَحَمَى الْحَامِي
__________
[1] زِيَادَة عَن أ.
[2] وَاسم قمعة: عُمَيْر، وسمى قمعة لِأَنَّهُ انقمع وَقعد.
[3] الْقصب: الأمعاء.
[4] وَيُقَال: إِن أول من بَحر الْبحيرَة رجل من بنى مُدْلِج، كَانَت لَهُ
ناقتان، فجدع آذانهما، وَحرم ألبانهما. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
(1/76)
(جَلَبُ الْأَصْنَامِ مِنْ الشَّامِ إلَى
مَكَّةَ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ:
أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الشَّامِ فِي بَعْضِ
أُمُورِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، وَبِهَا
يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ- وَهُمْ وَلَدُ عِمْلَاقٍ. وَيُقَالُ عِمْلِيقُ
بْنُ لَاوِذْ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ- رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ،
فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الَّتِي أَرَاكُمْ تَعْبُدُونَ؟
قَالُوا لَهُ: هَذِهِ أَصْنَامٌ نَعْبُدُهَا، فَنَسْتَمْطِرُهَا
فَتُمْطِرُنَا، ونَسْتَنْصِرُهَا فَتَنْصُرُنَا، فَقَالَ لَهُمْ: أَفَلَا
تُعْطُونَنِي مِنْهَا صَنَمًا، فَأَسِيرَ بِهِ إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ،
فَيَعْبُدُوهُ؟ [1] فَأَعْطَوْهُ صَنَمًا يُقَالُ لَهُ هُبَلُ، فَقَدِمَ
بِهِ مَكَّةَ، فَنَصَبَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِعِبَادَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ
[2] .
(أَوَّلُ عِبَادَةِ الْحِجَارَةِ كَانَتْ فِي بَنِي إسْمَاعِيلَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيَزْعُمُونَ أَنَّ أَوَّلَ مَا كَانَتْ عِبَادَةُ
الْحِجَارَةِ فِي بَنِي إسْمَاعِيلَ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَظْعَنُ مِنْ
مَكَّةَ ظَاعِنٌ مِنْهُمْ، حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ، وَالْتَمَسُوا
الفَسَحَ فِي الْبِلَادِ، إلَّا حَمَلَ مَعَهُ حَجَرًا مِنْ حِجَارَةِ
الْحَرَمِ تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ، فَحَيْثُمَا نَزَلُوا وَضَعُوهُ
فَطَافُوا بِهِ كَطَوَافِهِمْ بِالْكَعْبَةِ، حَتَّى سَلَخَ ذَلِكَ بِهِمْ
[3] إلَى أَنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ مَا اسْتَحْسَنُوا مِنْ الْحِجَارَةِ،
وَأَعْجَبَهُمْ، حَتَّى خَلَفَ الْخُلُوفُ [4] ، وَنَسُوا مَا كَانُوا
عَلَيْهِ، وَاسْتَبْدَلُوا بِدِينِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ غَيْرَهُ،
فَعَبَدُوا الْأَوْثَانَ، وَصَارُوا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ
قَبْلَهُمْ مِنْ الضَّلَالَاتِ، وَفِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَقَايَا مِنْ
عَهْدِ إبْرَاهِيمَ يَتَمَسَّكُونَ بِهَا، مِنْ تَعْظِيمِ الْبَيْتِ،
وَالطَّوَافِ بِهِ، وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَالْوُقُوفِ عَلَى عَرَفَةَ
__________
[1] فِي الْأُصُول: «فيعبدونه» .
[2] وَيُقَال: إِنَّه أول مَا كَانَ من أَمر عَمْرو هَذَا فِي عبَادَة
الْأَصْنَام: أَنه كَانَ حِين غلبت خُزَاعَة على الْبَيْت، ونفت جرهم عَن
مَكَّة، جعلته الْعَرَب رَبًّا لَا يبتدع لَهُم بِدعَة إِلَّا اتَّخَذُوهَا
شرعة، لِأَنَّهُ كَانَ يطعم النَّاس ويكسوهم فِي الْمَوْسِم، فَرُبمَا نحر
فِي الْمَوْسِم عشرَة آلَاف بَدَنَة، وكسا عشرَة آلَاف حلَّة، وَكَانَت
هُنَاكَ صَخْرَة يلت عَلَيْهَا السويق للحجاج رجل من ثَقِيف، وَكَانَت تسمى
صَخْرَة اللات (أَي الّذي يلت الْعَجِين) فَلَمَّا مَاتَ هَذَا الرجل،
قَالَ لَهُم عَمْرو: إِنَّه لم يمت، وَلَكِن دخل فِي الصَّخْرَة، وَأمرهمْ
بعبادتها، وَأَن يبنوا عَلَيْهَا بَيْتا يُسمى اللات. (رَاجع الرَّوْض
الْأنف) .
[3] سلخ بهم: خرج بهم.
[4] الخلوف: جمع خلف (بِالْفَتْح) ، وَهُوَ الْقرن بعد الْقرن.
(1/77)
وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَهَدْيِ الْبُدْنِ،
وَالْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، مَعَ إدْخَالِهِمْ فِيهِ مَا
لَيْسَ مِنْهُ. فَكَانَتْ كِنَانَةُ وَقُرَيْشٌ إذَا أَهَلُّوا قَالُوا:
«لَبَّيْكَ اللَّهمّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إلَّا شَرِيكٌ
هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ» . فَيُوَحِّدُونَهُ بِالتَّلْبِيَةِ،
ثُمَّ يُدْخِلُونَ مَعَهُ أَصْنَامَهُمْ، وَيَجْعَلُونَ مِلْكَهَا
بِيَدِهِ. يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمُحَمَّدِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ باللَّه إِلَّا وَهُمْ
مُشْرِكُونَ» .
أَيْ مَا يُوَحِّدُونَنِي لِمَعْرِفَةِ حَقِّي إلَّا جَعَلُوا مَعِي
شَرِيكًا مِنْ خَلْقِي.
(الْأَصْنَامُ عِنْدَ قَوْمِ نُوحٍ) :
وَقَدْ كَانَتْ لِقَوْمِ نُوحٍ أَصْنَامٌ قَدْ عَكَفُوا عَلَيْهَا، قَصَّ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَبَرَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «وَقالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ،
وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً،
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً 71: 23- 24» .
(الْقَبَائِلُ وَأَصْنَامُهَا، وَشَيْءٌ عَنْهَا) :
فَكَانَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا تَلِكَ الْأَصْنَامَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ
وَغَيْرِهِمْ وَسَمَّوْا بِأَسْمَائِهِمْ حِينَ فَارَقُوا دِينَ
إسْمَاعِيلَ: هُذَيْلَ بْنَ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ،
اتَّخَذُوا سُوَاعًا، فَكَانَ لَهُمْ بُرْهَاطُ [1] . وَكَلْبُ بْنُ
وَبْرَةَ مِنْ قُضَاعَةَ، اتَّخَذُوا وَدًّا بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ [2] .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ:
وَنَنْسَى اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَوَدَّا ... وَنَسْلُبُهَا الْقَلَائِدَ
وَالشُّنُوفَا
[3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ
سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.
(رَأْيُ ابْنِ هِشَامٍ فِي نَسَبِ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَلْبُ بْنُ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ
بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ ابْن قُضَاعَةَ.
__________
[1] رهاط: من أَرض يَنْبع.
[2] دومة الجندل (بِضَم أَوله وفتحه، وَقد أنكر ابْن دُرَيْد الْفَتْح وعده
من أغلاط الْمُحدثين) : من أَعمال الْمَدِينَة، سميت بدوم بن إِسْمَاعِيل
بن إِبْرَاهِيم. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[3] الشنوف: جمع شنف، وَهُوَ القرط الّذي يَجْعَل فِي الْأذن.
(1/78)
(يَغُوثُ وَعَبَدَتُهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنْعُمُ مِنْ طيِّئ، وَأَهْلُ جُرَشَ [1] مِنْ
مَذْحِجَ اتَّخَذُوا يَغُوثَ بِجُرَشَ [2] .
(رَأْيُ ابْنِ هِشَامٍ فِي أَنْعُمَ، وَفِي نَسَبِ طيِّئ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَنْعُمُ. وطيِّئ ابْنُ أُدَدَ بْنِ
مَالِكٍ، وَمَالِكٌ:
مَذْحِجُ بْنُ أُدَدَ، وَيُقَالُ: طيِّئ ابْن أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ
كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ.
(يَعُوقُ وَعَبَدَتُهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَيْوَانُ [3] بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ، اتَّخَذُوا
يَعُوقَ بِأَرْضِ هَمْدَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ [4] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ [5] مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ الْهَمْدَانِيُّ [6]
:
__________
[1] الْمَعْرُوف أَن جرش فِي حمير، وَأَن مذْحج من كهلان بن سبإ. وَذكر
الدارقطنيّ أَن جرش وحرش (بِالْحَاء الْمُهْملَة) أَخَوان، وأنهما ابْنا
عليم بن جناب الْكَلْبِيّ، فهما قبيلان من كلب. (رَاجع الرَّوْض الْأنف ص
63، وَشرح السِّيرَة ص 29) . وَعبارَة ابْن الْكَلْبِيّ فِي الْأَصْنَام:
«واتخذت مذْحج وَأهل جرش» فَلم يَجْعَل هُوَ الآخر جرش من مذْحج.
[2] جرش (بِالضَّمِّ ثمَّ الْفَتْح وشين مُعْجمَة) : من مخاليف الْيمن من
جِهَة مَكَّة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[3] وخيوان أَيْضا: قَرْيَة لَهُم من صنعاء على لَيْلَتَيْنِ مِمَّا يَلِي
مَكَّة، وَكَانَ بهَا يعوق هَذَا.
[4] قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ فِي كِتَابه الْأَصْنَام: «وَلم أسمع هَمدَان
وَلَا غَيرهَا من الْعَرَب سمت بِهِ، وَلم أسمع لَهَا وَلَا لغَيْرهَا
فِيهِ شعرًا، وأظن ذَلِك لأَنهم قربوا من صنعاء، وَاخْتلفُوا بحمير، فدانوا
مَعَهم باليهودية، أَيَّام تهود ذِي نواس، فتهودوا مَعَه. وَيرد عَلَيْهِ
مَا أوردهُ هُنَا ابْن هِشَام لمَالِك بن نمط الهمدانيّ فِي يعوق من
الشّعْر، فَلَعَلَّ ابْن الْكَلْبِيّ لم يَقع عَلَيْهِ، أَو لَعَلَّه
يُرِيد أَن يعوق كَانَ أقل خطرا وأركد ذكرا» .
[5] مَكَان هَذِه الْعبارَة وَالْبَيْت وَمَا يتَعَلَّق بِهِ، فِيمَا
سَيَأْتِي بعد: « ... بن الْخِيَار» . وَقيل: «وَيُقَال هَمدَان ... إِلَخ»
. وَقد رَأينَا تَقْدِيمهَا عَن موضعهَا ليتصل سِيَاق الحَدِيث عَن هَمدَان
من غير فصل، وَقد يكون هَذَا مَكَانهَا الأول.
[6] هُوَ أَبُو ثَوْر: ويلقب ذَا المعشار، وَهُوَ من بنى خارف، وَقيل
إِنَّه من يام بن أصى، وَكِلَاهُمَا من هَمدَان. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
(1/79)
يَرِيشُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَيَبْرِي
... وَلَا يَبْرِي يَعُوقُ وَلَا يَرِيشُ
[1] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
(هَمْدَانُ وَنَسَبُهُ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اسْمُ هَمْدَانَ: أَوْسَلَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَوْسَلَةَ بْنِ الْخِيَارِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: أَوْسَلَةُ بْنُ زَيْدِ
بْنِ أَوْسَلَةَ ابْن الْخِيَارِ. وَيُقَالُ: هَمْدَانُ بْنُ أَوْسَلَةَ
بْنِ رَبِيعَةَ [2] بْنِ مَالِكِ بْنِ الْخِيَارِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ
بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ [3] .
(نَسْرٌ وَعَبَدَتُهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذُو الْكُلَاعِ [4] مِنْ حِمْيَرَ، اتَّخَذُوا
نَسْرًا بِأَرْضِ حِمْيَرَ [5] .
(عُمْيَانِسُ وَعَبَدَتُهُ) :
وَكَانَ لِخَوْلَانَ صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ عُمْيَانِسُ [6] بِأَرْضِ
خَوْلَانَ، يَقْسِمُونَ لَهُ مِنْ أنعامهم وحروثهم قسم بَيْنَهُ وَبَيْنَ
اللَّهِ بِزَعَمِهِمْ، فَمَا دَخَلَ فِي حَقِّ عُمْيَانِسَ مِنْ حَقِّ
اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي سَمَّوْهُ لَهُ تَرَكُوهُ لَهُ، وَمَا دَخَلَ فِي
حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَقِّ عُمْيَانِسَ رَدُّوهُ عَلَيْهِ. وَهُمْ
بَطْنٌ مِنْ خَوْلَانَ، يُقَالُ لَهُمْ الْأَدِيمُ، وَفِيهِمْ أَنَزَلَ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا يَذْكُرُونَ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ
مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً، فَقالُوا هَذَا
لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ، وَهذا لِشُرَكائِنا، فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا
يَصِلُ 6: 136
__________
[1] يريش ويبري: من رَشَّتْ السهْم وبريته، ثمَّ استعير فِي النَّفْع
والضر.
[2] فِي أ: «ربيعَة بن الْخِيَار بن مَالك ... إِلَخ» .
[3] والّذي فِي الِاشْتِقَاق لِابْنِ دُرَيْد: أَنه أوسلة بن الْخِيَار بن
مَالك بن زيد بن كهلان.
[4] الّذي فِي الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ: أَن عَمْرو بن لحي دفع
نسرا هَذَا إِلَى رجل من ذِي رعين من حمير يُقَال لَهُ معديكرب.
[5] كَانَ هَذَا الصَّنَم بِأَرْض يُقَال لَهَا: بلخع، مَوضِع من أَرض سبإ،
وَلم تزل تعبده حمير وَمن والاها حَتَّى هودهم ذُو نواس. (رَاجع
الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ، ومعجم الْبلدَانِ لياقوت ج 4 ص 780 طبع
أوربا) .
[6] كَذَا فِي الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ. وَفِي أَكثر الْأُصُول:
«غم أنس» . وَفِي أوعمود النّسَب للشَّيْخ أَحْمد البدوي الشنقيطى: «عَم
أنس» ، وَقد نبه المرحوم أَحْمد زكى باشا أَنه لم يعثر على اسْم كَهَذا
الّذي ورد فِي السِّيرَة فِي كتب اللُّغَة.
(1/80)
إِلَى اللَّهِ، وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ
يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ، ساءَ مَا يَحْكُمُونَ 6: 136.
(نَسَبُ خَوْلَانَ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَوْلَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَافِ بْنِ
قُضَاعَةَ، وَيُقَالُ: خَوْلَانُ ابْن عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ [1] بْنِ
أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مِهْسَعَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ
بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: خَوْلَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجَ.
(سَعْدٌ وَعَبَدَتُهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ لِبَنِي [2] مِلْكَانَ [3] بْنِ كِنَانَةَ
بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ صَنَمٌ،
يُقَالُ لَهُ سَعْدٌ، صَخْرَةٌ بِفَلَاةِ [4] مِنْ أَرْضِهِمْ طَوِيلَةٌ.
فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مِلْكَانَ بِإِبِلِ لَهُ مُؤَبَّلَةٌ [5]
لِيَقِفَهَا عَلَيْهِ، الْتِمَاسَ بَرَكَتِهِ، فِيمَا يَزْعُمُ، فَلَمَّا
رَأَتْهُ الْإِبِلُ، وَكَانَتْ مَرْعِيَّةً لَا تُرْكَبُ، وَكَانَ
يُهْرَاقُ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ، نَفَرَتْ مِنْهُ، فَذَهَبَتْ فِي كُلِّ
وَجْهٍ، وَغَضِبَ رَبُّهَا الْمِلْكَانِيُّ، فَأَخَذَ حَجَرًا فَرَمَاهُ
بِهِ، ثُمَّ قَالَ:
لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، نَفَّرْتَ عَلَيَّ إبِلِي، ثُمَّ خَرَجَ فِي
طَلَبِهَا حَتَّى جَمَعَهَا، فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ لَهُ قَالَ:
أَتَيْنَا إلَى سَعْدٍ لِيَجْمَعَ شَمْلَنَا ... فَشَتَّتَنَا سَعْدٌ فَلَا
نَحْنُ مِنْ سَعْدِ
وَهَلْ سَعْدُ إلَّا صَخْرَةٌ بِتَنُوفَةٍ [6] ... مِنْ الْأَرْضِ لَا
تَدْعُو [7] لِغَيٍّ وَلَا رُشْدٍ
(صَنَمُ دَوْسٍ) :
وَكَانَ فِي دَوْسٍ صَنَمٌ [8] لِعَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ الدَّوْسِيِّ.
__________
[1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «برة» .
[2] عبارَة الْأَصْنَام: «وَكَانَ لمَالِك وملكان ابْني كنَانَة» .
[3] كل ملكان فِي الْعَرَب: فَهُوَ بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون اللَّام، غير
ملكان فِي قضاعة، وملكان فِي السّكُون، فإنّهما بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام.
[4] وَكَانَت تِلْكَ الفلاة بساحل جدة: (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ ج 3 ص 92
طبع أوربا، والأصنام لِابْنِ الْكَلْبِيّ) .
[5] إبل مؤبلة: تتَّخذ للْقنية.
[6] التنوفة: القفر من الأَرْض الّذي لَا ينْبت شَيْئا.
[7] كَذَا فِي الْأُصُول والأصنام، وَفِي مُعْجم الْبلدَانِ لياقوت: «لَا
يدعى» .
[8] وَكَانَ يُقَال لهَذَا الصَّنَم: «ذُو الْكَفَّيْنِ» . وَكَانَ لبني
منْهب بن دوس بعد دوس، وَلما أَسْلمُوا بعث النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسيّ فحرقه (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ
الْكَلْبِيّ) .
6- سيرة ابْن هِشَام- 1
(1/81)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَأَذْكُرُ حَدِيثَهُ
فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
(نَسَبُ دَوْسٍ) :
دوس ابْن عُدْثَانَ [1] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ كَعْبِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ
بْنِ الْأَسَدِ بْنِ الْغَوْثِ. وَيُقَالُ: دَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ زَهْرَانَ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ.
(هُبَلُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اتَّخَذَتْ صَنَمًا عَلَى
بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يُقَالُ لَهُ: هُبَلُ [2] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَأَذْكُرُ حَدِيثه إِن سَاءَ اللَّهُ فِي
مَوْضِعِهِ.
(إسَافٌ وَنَائِلَةٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْهُمَا) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاتَّخذُوا إسَافًا [3] وَنَائِلَةً، عَلَى
مَوْضِعِ زَمْزَمَ [4] يَنْحَرُونَ عِنْدَهُمَا.
وَكَانَ إسَافٌ وَنَائِلَةٌ رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ- هُوَ
إسَافُ بْنُ بَغْيٍ [5] ، وَنَائِلَةُ بِنْتُ [6] دِيكٍ- فَوَقَعَ إسَافٌ
عَلَى نَائِلَةٍ فِي الْكَعْبَةِ، فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ حَجَرَيْنِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:
__________
[1] كَذَا فِي أوالاشتقاق لِابْنِ دُرَيْد. وَفِي سَائِر الْأُصُول:
«عدنان» .
[2] وَكَانَ هُبل أعظم أصنام الْعَرَب الَّتِي فِي جَوف الْكَعْبَة وحولها،
وَكَانَ من عقيق أَحْمَر على صُورَة إِنْسَان، مكسور الْيَد الْيُمْنَى،
أَدْرَكته قُرَيْش كَذَلِك، فَجعلُوا لَهُ يدا من ذهب، وَكَانَ أول من
نَصبه خُزَيْمَة ابْن مدركة بن الْيَأْس بن مُضر، وَكَانَ يُقَال لَهُ:
هُبل خُزَيْمَة، وَكَانَت تضرب عِنْده القداح: (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ
الْكَلْبِيّ) .
[3] هُوَ بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا. (رَاجع شرح الْقَامُوس مَادَّة أَسف)
.
[4] وَكَانَ أحد هذَيْن الصنمين أَولا بلصق الْكَعْبَة، وَالْآخر فِي
مَوضِع زَمْزَم، فنقلت قُرَيْش الّذي كَانَ بلصق الْكَعْبَة إِلَى الآخر،
فَكَانَا فِي موضعهما هَذَا. (رَاجع الآلوسي وَابْن الْكَلْبِيّ) .
[5] وَقيل: هُوَ إساف بن يعلى، كَمَا قيل إِنَّه إساف بن عَمْرو، وَقيل:
ابْن بغاة. (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ. ومعجم الْبلدَانِ،
وَشرح الْقَامُوس مادتي أَسف ونال، وبلوغ الأرب ج 2 ص 217) .
[6] وَيُقَال: هِيَ نائلة بنت زيد من جرهم، كَمَا قيل: إِنَّهَا نائلة بنت
سهل: كَمَا يُقَال إِنَّهَا بنت ذِئْب أَو بنت زفيل. (رَاجع ابْن
الْكَلْبِيّ وبلوغ الأرب ومعجم الْبلدَانِ وَشرح الْقَامُوس) .
(1/82)
سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
تَقُولُ: مَا زِلْنَا نَسْمَعُ أَنَّ إسَافًا وَنَائِلَةً كَانَا رَجُلًا
وَامْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ، أَحْدَثَا [1] فِي الْكَعْبَةِ، فَمَسَخَهُمَا
اللَّهُ تَعَالَى حَجَرَيْنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ [2] :
وَحَيْثُ يُنِيخُ الْأَشْعَرُونَ رِكَابَهُمْ ... بِمُفْضَى السُّيُولِ
مِنْ إسَافٍ وَنَائِلِ
[3] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ
سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(مَا كَانَ يَفْعَلُهُ الْعَرَبُ مَعَ الْأَصْنَامِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاِتَّخَذَ أَهْلُ كُلِّ دَارٍ فِي دَارِهِمْ
صَنَمًا يَعْبُدُونَهُ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ سَفَرًا
تَمَسَّحَ بِهِ حِينَ يَرْكَبُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ مَا يَصْنَعُ حِينَ
يَتَوَجَّهُ إلَى سَفَرِهِ، وَإِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ تَمَسَّحَ بِهِ
فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى
أَهْلِهِ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ، قَالَتْ قُرَيْشٌ: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ
إِلَهًا وَاحِدًا، إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ. وَكَانَتْ الْعَرَبُ قَدْ
اتَّخَذَتْ مَعَ الْكَعْبَةِ طَوَاغِيتَ وَهِيَ بُيُوتٌ تُعَظِّمُهَا
كَتَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ، لَهَا سَدَنَةٌ وَحُجَّابٌ، وَتُهْدِي لَهَا
كَمَا تُهْدِي لِلْكَعْبَةِ، وَتَطوف بهَا كَطَوَافِهَا بِهَا، وَتَنْحَرُ
عِنْدَهَا. وَهَى تَعْرِفُ فَضْلَ الْكَعْبَةِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا
كَانَتْ قَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا بَيْتُ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ
وَمَسْجِدُهُ.
(الْعُزَّى وَسَدَنَتُهَا) :
فَكَانَتْ لِقُرَيْشِ وَبَنِيَّ كِنَانَةَ الْعُزَّى [4]
__________
[1] يُرِيد الْحَدث الّذي هُوَ الْفُجُور. وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام: «من أحدث حَدثا أَو آوى مُحدثا فَعَلَيهِ لعنة
الله» .
[2] وَقَالَ أَبُو طَالب هَذَا الشّعْر يحلف باساف ونائلة حِين تحالفت
قُرَيْش على بنى هَاشم فِي أَمر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ) .
[3] وَقبل هَذَا الْبَيْت:
أحضرت عِنْد الْبَيْت رهطي ومعشرى ... وَأَمْسَكت من أثوابه بالوصائل
(الوصائل: ثِيَاب يَمَانِية بيض، أَو مخططة بخطوط بيض وحمر) .
[4] والعزى: أحدث من اللات وَمَنَاة، فقد سمت الْعَرَب بهما قبل الْعُزَّى،
فقد سمى تَمِيم بن مرابنه بزيد مَنَاة، كَمَا سمى ثَعْلَبَة بن عكابة ابْنه
بتيم اللات، وَكَانَ عبد الْعُزَّى بن كَعْب من أقدم مَا سمت بِهِ
الْعَرَب، وَكَانَ الّذي اتخذ الْعُزَّى ظَالِم بن أسعد، وَكَانَت أعظم
الْأَصْنَام عِنْد قُرَيْش، وَكَانُوا يزورونها، ويهدون لَهَا، ويتقربون
عِنْدهَا بِالذبْحِ. وَقد قيل: إِن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذكرهَا يَوْمًا، فَقَالَ: «لقد
(1/83)
بِنَخْلَةٍ [1] ، وَكَانَ سَدَنَتَهَا
وَحُجَّابَهَا بَنُو شَيْبَانَ [2] ، مِنْ سُلَيْمٍ، حُلَفَاءِ بَنِي
هَاشِمٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حُلَفَاءُ (بَنِي) [3] أَبِي طَالِبٍ خَاصَّةً،
وَسُلَيْمٌ: سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورِ ابْن عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ
قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ:
لَقَدْ أُنْكِحَتْ أَسْمَاءُ رَأْسَ [4] بُقَيْرَةٍ ... مِنْ الْأُدْمِ
أَهْدَاهَا امْرُؤٌ مِنْ بَنِي غَنْمِ [5]
رَأَى قَدَعَا [6] فِي عَيْنِهَا إذْ يَسُوقُهَا ... إلَى غَبْغَبِ
الْعُزَّى فَوَسَّعَ [7] فِي الْقَسْمِ
وَكَذَلِكَ كَانُوا يَصْنَعُونَ إذَا نَحَرُوا هَدْيًا قَسَّمُوهُ فِي مَنْ
حَضَرَهُمْ. وَالْغَبْغَبُ:
الْمَنْحَرُ وَمِهْرَاقُ الدِّمَاءِ.
__________
[ () ] أهديت للعزى شَاة عفراء، وَأَنا على دين قومِي» . وَلَقَد بلغ من
حرص قُرَيْش على عبادتها أَنه لما مرض أَبُو أحيحة مَرضه الّذي مَاتَ فِيهِ
دخل عَلَيْهِ أَبُو لَهب يعودهُ، فَوَجَدَهُ يبكى، فَقَالَ: مَا يبكيك يَا
أَبَا أحيحة! أَمن الْمَوْت تبكى، وَلَا بُد مِنْهُ؟ قَالَ: لَا وَالله،
وَلَكِن أَخَاف أَن لَا تعبد الْعُزَّى بعدِي، قَالَ أَبُو لَهب:
وَالله مَا عبدت حياتك لِأَجلِك، وَلَا تتْرك عبادتها بعْدك لموتك، فَقَالَ
أَبُو أحيحة: الْآن علمت أَن لي للَّه خَليفَة. وَأَعْجَبهُ من أَبى لَهب
شدَّة نَصبه فِي عبادتها: (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ، ومعجم
الْبلدَانِ لياقوت) .
[1] هِيَ نَخْلَة الشامية، وَكَانَت الْعُزَّى بواد مِنْهَا، يُقَال لَهُ
الحراض، بِإِزَاءِ الغمير عَن يَمِين المصعد إِلَى الْعرَاق من مَكَّة،
وَذَلِكَ فَوق ذَات عرق إِلَى الْبُسْتَان بِتِسْعَة أَمْيَال، وَقد حمت
قُرَيْش للعزى شعبًا من وَادي الحراض، يُقَال لَهُ: سقام. يضاهون بِهِ حرم
الْكَعْبَة. (رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ، ومعجم الْبلدَانِ
لياقوت) .
[2] وشيبان: ابْن جَابر بن مرّة بن عبس بن رِفَاعَة بن الْحَارِث بن عتبَة
بن سليم بن مَنْصُور. وَكَانَ آخر من سدنها من بنى شَيبَان دبية بن حرمي
السّلمِيّ، وَله يَقُول أَبُو خرَاش الْهُذلِيّ- وَكَانَ قد قدم عَلَيْهِ
فحذاه نَعْلَيْنِ- أبياتا، مِنْهَا:
حذانى بعد مَا خدمت نعالى ... دبية، إِنَّه نعم الْخَلِيل
(رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ ج 3 ص 665 طبع أوربا، والأصنام لِابْنِ
الْكَلْبِيّ) .
[3] زِيَادَة عَن أ.
[4] فِي الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ: «لحي» . واللحى: عظم الحنك،
وَهُوَ الّذي عَلَيْهِ الْأَسْنَان.
[5] هُوَ غنم بن فراس بن كنَانَة.
[6] كَذَا فِي الْأُصُول، والقدع: السدر فِي الْعين، وَفِي الْفَائِق
للزمخشري: القدع: انسلاق الْعين من كَثْرَة الْبكاء. وَفِي الْأَصْنَام
لِابْنِ الْكَلْبِيّ: «قذعا» بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. والقذع: الْبيَاض.
[7] كَذَا فِي الْأُصُول. وَفِي الْأَصْنَام: «فَوضع» . وَفِي الْفَائِق
للزمخشري: «فَنصف» . يُرِيد أَن يشبه هَذَا الممدوح بِرَأْس بقرة قد قاربت
أَن يذهب بصرها، فَلَا تصلح إِلَّا للذبح والتقسيم.
(1/84)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ
الْبَيْتَانِ لِأَبِي خِرَاشٍ: الْهُذَلِيِّ [1] ، وَاسْمُهُ خُوَيْلِدُ
بْنُ مُرَّةَ، فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
(مَعْنَى السَّدَنَةِ) :
وَالسَّدَنَةُ: الَّذِينَ يَقُومُونَ بِأَمْرِ الْكَعْبَةِ. قَالَ رُؤْبَةُ
بْنُ الْعَجَّاجِ:
فَلَا وَرَبِّ الْآمِنَاتِ الْقُطَّنِ [2] ... بِمَحْبَسِ الْهَدْى
وَبَيْتِ الْمَسْدَنِ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ [3] فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ، وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهَا
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ.
(اللَّاتُ وَسَدَنَتُهَا) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ اللَّاتُ [4] لِثَقِيفِ بِالطَّائِفِ،
وَكَانَ سَدَنَتَهَا وَحُجَّابَهَا بَنُو مُعَتِّبٍ [5] مِنْ ثَقِيفٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
فِي مَوْضِعِهِ.
(مَنَاةُ وَسَدَنَتُهَا وَهَدْمُهَا) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ مَنَاةُ [6] لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ،
وَمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ، عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ
مِنْ نَاحِيَةِ الْمُشَلَّلِ بِقُدَيْدٍ [7] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ أَحَدُ بَنِي أَسْدِ
بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ:
وَقَدْ آلَتْ قَبَائِلُ لَا تُوَلَّى ... مَنَاةَ ظُهُورَهَا
مُتَحَرَّفِينَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ:
__________
[1] قَالَ أَبُو خرَاش هَذَا الشّعْر يهجو بِهِ رجلا تزوج امْرَأَة جميلَة
يُقَال لَهَا أَسمَاء.
[2] يُرِيد حمام مَكَّة، لِأَنَّهُ آمن فِي حرمه والأرجوزة فِي ديوانه، طبع
ليبسج (160- 165) .
[3] هَذَا على أَنه من مشطور الرجز.
[4] وَهِي أحدث من مَنَاة، وَكَانَت صَخْرَة مربعة.
[5] فِي الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ: «وَكَانَ سدنتها من ثَقِيف بَنو
عتاب بن مَالك» .
[6] وَكَانَت مَنَاة أقدمها كلهَا، وَلم يكن أحد أَشد إعظاما لَهَا من
الْأَوْس والخزرج.
(رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ) .
[7] قديد: مَوضِع قرب مَكَّة. والمشلل: جبل يهْبط مِنْهُ إِلَى قديد من
نَاحيَة الْبَحْر. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
(1/85)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَعَثَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ
حَرْبٍ فَهَدَمَهَا. وَيُقَالُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ [1] .
(ذُو الْخَلَصَةِ وَسَدَنَتُهُ وَهَدْمُهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ [2] لِدَوْسٍ وَخَثْعَمَ
وَبَجِيلَةَ، وَمَنْ كَانَ بِبِلَادِهِمْ مِنْ الْعَرَبِ بِتَبَالَةَ [3] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ذُو الْخُلُصَةِ. قَالَ: رَجُلٌ مِنْ
الْعَرَبِ:
لَوْ كُنْتَ يَا ذَا الْخُلُصِ الْمَوْتُورَا ... مِثْلِي وَكَانَ شَيْخُكَ
الْمَقْبُورَا
لَمْ تَنْهَ عَنْ قَتْلِ الْعُدَاةِ زُورَا
قَالَ: وَكَانَ أَبُوهُ قُتِلَ، فَأَرَادَ الطَّلَبَ بِثَأْرِهِ، فَأَتَى
ذَا الْخَلَصَةِ، فَاسْتَقْسَمَ عِنْدَهُ بِالْأَزْلَامِ، فَخَرَجَ
السَّهْمُ بِنَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ. وَمِنْ
النَّاسِ مَنْ يُنْحِلُهَا امْرَأَ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيَّ [4]
. فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جَرِيرَ ابْن عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ فَهَدَمَهُ.
__________
[1] وعَلى هَذَا الرأى ابْن الْكَلْبِيّ فِي كِتَابه الْأَصْنَام، وَيُقَال
إِن عليا لما هدمها أَخذ مَا كَانَ لَهَا، فَأقبل بِهِ إِلَى النَّبِي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ فِيمَا أَخذ سيفان كَانَ
الْحَارِث بن أَبى شمر الغساني ملك غَسَّان أهداهما لَهَا، أَحدهمَا يُسمى
«مخذما» ، وَالْآخر «رسوبا» ، وهما سَيْفا الْحَارِث اللَّذَان ذكرهمَا
عَلْقَمَة فِي شعره:
فَقَالَ:
مظَاهر سربالى حَدِيد عَلَيْهِمَا ... عقيلا سيوف: مخذم ورسوب
فوهبهما النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلى. كَمَا يُقَال إِن
عليا وجد هذَيْن السيفين فِي الْفلس، صنم للْعَرَب. وَإِلَى هَذَا الرأى
الْأَخير ذهب ابْن إِسْحَاق عِنْد الْكَلَام على فلس. (رَاجع الْأَصْنَام
لِابْنِ الْكَلْبِيّ وبلوغ الأرب ج 2 ص 218) .
[2] وَكَانَ ذُو الخلصة مروة بَيْضَاء منقوشة عَلَيْهَا كَهَيئَةِ التَّاج،
وَكَانَ سدنتها بَنو أُمَامَة، من باهلة ابْن أعصر.
[3] تبَالَة: قرب مَكَّة على مسيرَة سبع لَيَال مِنْهَا، وَذُو الْخصْلَة
الْيَوْم عتبَة بَاب مَسْجِد تبَالَة (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ، والأصنام،
وخزانة الْأَدَب للبغدادى ج 1 ص 92. والآلوسي ج 2 ص 223) .
[4] وَمن ينْحل هَذَا الرجز امْرأ الْقَيْس يَقُول إِنَّه هُوَ الّذي
استقسم بالأزلام عِنْد ذِي الخلصة لما وترته بَنو أَسد بقتل أَبِيه، وَأَنه
استقسم بِثَلَاثَة أزلام وَهِي الزاجر، والآمر، والمربض، فَخرج لَهُ
الزاجر، فسب الصَّنَم ورماه بِالْحِجَارَةِ، وَقَالَ لَهُ: اعضض بظر أمك.
وَأَنه لم يستقسم أحد عِنْد ذِي الخلصة بعده حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام.
(رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
(1/86)
(فِلْسٌ وَسَدَنَتُهُ وَهَدْمُهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ فِلْسُ [1] لِطَيِّئٍ وَمَنْ يَلِيهَا
بِجَبَلَيْ طيِّئ، يَعْنِي سَلْمَى وَأَجَأَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَيْهَا عَلِيَّ بْنَ
أَبِي طَالِبٍ فَهَدَمَهَا، فَوَجَدَ فِيهَا سَيْفَيْنِ، يُقَالُ
لِأَحَدِهِمَا:
الرَّسُوبُ، وَلِلْآخِرِ: الْمِخْذَمُ. فَأَتَى بِهِمَا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَهَبَهُمَا لَهُ، فَهُمَا سَيْفَا
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(رِئَامٌ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ لِحِمْيَرَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ بَيْتٌ
بِصَنْعَاءَ يُقَالُ لَهُ: رِئَامٌ [2] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَدْ ذَكَرْتُ حَدِيثَهُ فِيمَا مَضَى
[3] .
(رُضَاءٌ وَسَدَنَتُهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ رُضَاءٌ [4] بَيْتًا لِبَنِي رَبِيعَةَ
بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَلَهَا
يَقُولُ المُسْتَوْغِرُ [5] بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ حِينَ
هَدَمَهَا فِي الْإِسْلَامِ:
وَلَقَدْ شَدَدْتُ عَلَى رُضَاءٍ شَدَّةً ... فَتَرَكْتُهَا قَفْرًا
بِقَاعِ أَسْحَمَا
[6]
__________
[1] كَذَا فِي الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ، وَكَانَ أنفًا أَحْمَر فِي
وسط جبلهم الّذي يُقَال لَهُ أجأ، كَأَنَّهُ تِمْثَال إِنْسَان، وَكَانُوا
يعبدونه ويهدون إِلَيْهِ، وَلَا يَأْتِيهِ خَائِف إِلَّا أَمن عِنْده،
وَكَانَت سدنته بَنو بولان.
وبولان هُوَ الّذي بَدَأَ بِعِبَادَتِهِ. وَفِي الأَصْل: قلس (بِالْقَافِ)
، وَهُوَ تَصْحِيف.
[2] كَذَا فِي الْأُصُول، وَهُوَ يتَّفق وَمَا ذهب إِلَيْهِ
الْبَغْدَادِيّ. وَفِي صفة جَزِيرَة الْعَرَب للهمدانى «ريام»
بِالْمُثَنَّاةِ.
[3] رَاجع الْكَلَام عَلَيْهِ (ص 28 من هَذَا الْجُزْء) .
[4] وَيذكر بعض الروَاة أَنه «رضى» بِالْقصرِ، وَأوردهُ الْبَغْدَادِيّ
ممدودا، وَورد ممدودا فِي بَيت المستوغر الْمَذْكُور بعد.
[5] واسْمه كَعْب، وَقيل عَمْرو، وسمى مستوغرا لقَوْله:
ينش المَاء فِي الربلات مِنْهُ ... نشيش الرضف فِي اللَّبن الوغير
(رَاجع الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ، وَالرَّوْض الْأنف، وَكتاب
المعمرين لأبى حَاتِم السجسْتانِي، ومعجم الْبلدَانِ) .
[6] القاع: المنخفض من الأَرْض. وَرِوَايَة هَذَا الشّطْر فِي الْأَصْنَام:
فتركتها تَلا تنَازع أسحما
(1/87)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ:
فَتَرَكْتهَا قَفْرًا بِقَاعِ أَسْحَمَا
عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَعْدٍ.
(المُسْتَوْغِرُ وَعُمْرُهُ) :
وَيُقَالُ: إنَّ الْمُسْتَوْغِرَ عُمِّرَ ثَلَاثَ ماِئَةِ سَنَةٍ
وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ أَطْوَلَ مُضَرَ [1] كُلِّهَا عُمْرًا،
وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ:
وَلَقَدْ سَئِمْتُ مِنْ الْحَيَاةِ وَطُولِهَا ... وَعَمَرْتُ مِنْ عَدَدِ
السنين مئينا
مائَة حَدَتْهَا بَعْدَهَا مِائَتَانِ لِي ... وَازْدَدْتُ مِنْ عَدَدِ
الشُّهُورِ سِنِينَا
هَلْ مَا بَقِيَ إلَّا كَمَا قَدْ فَاتَنَا ... يَوْمٌ يَمُرُّ وَلَيْلَةٌ
تَحْدُونَا
وَبَعْضُ النَّاسِ يَرْوِي هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ
الْكَلْبِيِّ
[2] .
(ذُو الْكَعَبَاتِ وَسَدَنَتُهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ ذُو الْكَعَبَاتِ لِبَكْرِ وَتَغْلِبَ
ابْنَيْ وَائِلٍ وَإِيَادٍ بِسَنْدَادٍ [3] وَلَهُ يَقُولُ أَعْشَى بَنِي
قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:
بَيْنَ الْخَوَرْنَقِ [4] وَالسَّدِيرِ وَبَارِقٍ ... وَالْبَيْتِ ذِي
الْكَعَبَاتِ [5] مِنْ سَنْدَادِ
__________
[1] ذكر بَعضهم أَن المستوغر حضر سوق عكاظ، وَمَعَهُ ابْن ابْنه وَقد هرم
وَالْجد يَقُودهُ. فَقَالَ لَهُ رجل: ارْفُقْ بِهَذَا الشَّيْخ فقد طَال
مَا رفق بك، فَقَالَ: وَمن ترَاهُ؟ قَالَ: هُوَ أَبوك أَو جدك، فَقَالَ:
مَا هُوَ إِلَّا ابْن ابْني، فَقَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ، وَلَا
المستوغر بن ربيعَة، فَقَالَ: أَنا المستوغر، وَذكر هَذِه الأبيات، وَقد
سَاق عَنهُ السجسْتانِي فِي المعمرين حَدِيثا طَويلا.
[2] هُوَ من المعمرين أَيْضا: كالمستوغر بن ربيعَة، وَيُقَال إِنَّه عَاشَ
420 سنة، وأوقع مِائَتي وقْعَة، وَمن شعره لِبَنِيهِ:
أبنى إِن أهلك فَإِنِّي ... قد بنيت لكم بنيه
وتركتكم أَبنَاء سَادَات ... زنادهم وريه
من كل مَا نَالَ الْفَتى ... قد نلته إِلَّا التَّحِيَّة
(رَاجع كتاب المعمرين) .
[3] سنداد (بِكَسْر السِّين وَفتحهَا) : منَازِل لاياد أَسْفَل سَواد
الْكُوفَة، وَرَاء نَجْرَان الْكُوفَة. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) .
[4] الخورنق: قصر بناه النُّعْمَان الْأَكْبَر ملك الْحيرَة لسابور ليَكُون
وَلَده فِيهِ عِنْده، وبناه بنيانا عجيبا لم تَرَ الْعَرَب مثله، بناه لَهُ
سنمار، وَله مَعَه حَدِيث مَشْهُور، وَمعنى السدير (بِالْفَارِسِيَّةِ) :
بَيت الْملك
[5] الكعبات: يُرِيد التربيع، وكل بِنَاء يبْنى مربعًا، فَهُوَ كعبة.
(1/88)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ
لِلْأَسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ النَّهْشَلِيِّ. نَهْشَلُ بْنُ دَارِمِ بْنِ
مَالِكِ ابْن حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ،
فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَأَنْشَدَنِيهِ أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ:
أَهْلُ الْخَوَرْنَقِ وَالسَّدِيرِ وَبَارِقٍ ... وَالْبَيْتِ ذِي
الشُّرُفَاتِ مِنْ سِنْدَادِ
أَمْرُ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي
(رَأْيُ ابْنِ إِسْحَاقَ فِيهَا) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمَّا الْبَحِيرَةُ فَهِيَ بِنْتُ السَّائِبَةِ،
وَالسَّائِبَةُ: النَّاقَةُ إذَا تَابَعَتْ بَيْنَ عَشْرِ إنَاثٍ لَيْسَ
بَيْنَهُنَّ ذَكَرٌ، سُيِّبَتْ فَلَمْ يُرْكَبْ ظَهْرُهَا، وَلَمْ يُجَزَّ
وَبَرُهَا وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إلَّا ضَيْفٌ، فَمَا نُتِجَتْ بَعْدَ
ذَلِكَ مِنْ أُنْثَى شُقَّتْ أُذُنُهَا، ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهَا مَعَ
أُمِّهَا فَلَمْ يُرْكَبْ ظَهْرُهَا، وَلَمْ يُجَزَّ وَبَرُهَا، وَلَمْ
يَشْرَبْ لَبَنَهَا إلَّا ضَيْفٌ كَمَا فُعِلَ بِأُمِّهَا، فَهِيَ
الْبَحِيرَةُ بِنْتُ السَّائِبَةِ. وَالْوَصِيلَةُ: الشَّاةُ إذَا
أَتْأَمَتْ [1] عَشْرَ إنَاثٍ مُتَتَابِعَاتٍ فِي خَمْسَةِ أَبْطُنٍ،
لَيْسَ بَيْنَهُنَّ ذَكَرٌ، جُعِلَتْ وَصِيلَةً.
قَالُوا: قَدْ وَصَلَتْ، فَكَانَ مَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِلذُّكُورِ
مِنْهُمْ دُونَ إنَاثِهِمْ، إلَّا أَنْ يَمُوتَ مِنْهَا شَيْءٌ
فَيَشْتَرِكُوا فِي أَكْلِهِ، ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيَرْوِي: فَكَانَ مَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ
لِذُكُورِ بَنِيهِمْ دُونَ بَنَاتِهِمْ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَامِي: الْفَحْلُ إذَا نُتِجَ لَهُ عَشْرُ
إنَاثٍ مُتَتَابِعَاتٍ لَيْسَ بَيْنَهُنَّ ذَكَرٌ، حُمِيَ ظَهْرُهُ فَلَمْ
يُرْكَبْ، وَلَمْ يُجَزَّ وَبَرُهُ، وَخُلِّيَ فِي إبِلِهِ يَضْرِبُ
فِيهَا، لَا يُنْتَفَعُ مِنْهُ بِغَيْر ذَلِك.
(رأى ابْن هِشَام فِيهَا) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا (كُلُّهُ) [2] عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِ
هَذَا إلَّا الْحَامِي، فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ. فَالْبَحِيرَةُ عِنْدَهُمْ: النَّاقَةُ تُشَقُّ أُذُنُهَا فَلَا
يُرْكَبُ ظَهْرُهَا، وَلَا يُجَزَّ وَبَرُهَا، وَلَا يَشْرَبُ لَبَنَهَا
إلَّا ضَيْفٌ. أَوْ يُتَصَدَّقُ بِهِ،
__________
[1] أتأمت: جَاءَت بِاثْنَيْنِ فِي بطن وَاحِد.
[2] زِيَادَة عَن أ.
(1/89)
وَتُهْمَلُ لِآلِهَتِهِمْ. وَالسَّائِبَةُ:
الَّتِي يَنْذِرُ الرَّجُلُ أَنْ يسيبها إِن بَرِيء مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ
إنْ أَصَابَ أَمْرًا يَطْلُبُهُ. فَإِذَا كَانَ أَسَابَ نَاقَةً مِنْ
إبِلِهِ أَوْ جَمَلًا لِبَعْضِ آلِهَتهمْ، فَسَابَتْ فَرَعَتْ لَا
يُنْتَفَعُ بِهَا. وَالْوَصِيلَةُ: الَّتِي تَلِدُ أُمُّهَا اثْنَيْنِ فِي
كُلِّ بَطْنٍ، فَيَجْعَلُ صَاحِبُهَا لِآلِهَتِهِ الْإِنَاثَ (مِنْهَا) [1]
وَلِنَفْسِهِ الذُّكُورُ مِنْهَا، فَتَلِدُهَا أُمُّهَا وَمَعَهَا ذَكَرٌ
فِي بَطْنٍ، فَيَقُولُونَ: وَصَلَتْ أَخَاهَا. فَيُسَيَّبُ أَخُوهَا
مَعَهَا فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ [2] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ النَّحْوِيُّ
وَغَيْرُهُ، رَوَى بَعْضٌ مَا لَمْ يَرْوِ بَعْضٌ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَزَلَ عَلَيْهِ:
مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا
حامٍ، وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ،
وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ 5: 103 وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَقالُوا مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا،
وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا، وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ
شُرَكاءُ، سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ، إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ 6: 139.
وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ
رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا، قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ
أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ 10: 59. وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: مِنَ
الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمن الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ
أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ
الْأُنْثَيَيْنِ 6: 143 أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ
بِهذا، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ
النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ 6: 144.
(الْبَحِيرَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامِي لُغَةً) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ الشَّاعِرُ:
__________
[1] زِيَادَة عَن أ.
[2] وَالْكَلَام فِي الْبحيرَة وَأَخَوَاتهَا كثير مُخْتَلف فِيهِ، وَقد
ذكر الآلوسي معظمه. (رَاجع بُلُوغ الأرب ج 3 ص 34- 39) .
(1/90)
حَوْلُ الْوَصَائِلِ [1] فِي شُرَيْفٍ [2]
حِقَّةٌ ... وَالْحَامِيَاتُ ظُهُورَهَا وَالسُّيَّبُ
وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ أُبَيِّ (بْنِ) [3] مُقْبِلٍ أَحَدِ بَنِي عَامِرِ
بْنِ صَعْصَعَةَ:
فِيهِ مِنْ الْأَخْرَجِ [4] الْمِرْبَاعِ [5] قَرْقَرَةٌ [6] ... هَدْرَ
الدِّيَافِي [7] وَسْطَ الْهَجْمَةِ الْبُحُرِ
[8] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَجَمْعُ بَحِيرَةٍ: بَحَائِرُ
وَبُحُرٌ. وَجَمْعُ وَصِيلَةٍ: وَصَائِلُ وَوُصَلٌ. وَجَمْعُ سَائِبَةٍ
(الْأَكْثَرُ) : سَوَائِبُ وَسُيَّبُ. وَجَمْعُ حَامٍ (الْأَكْثَرُ) :
حُوَّمٌ.
عُدْنَا إلَى سِيَاقَةِ النَّسَبِ
(نَسَبُ خُزَاعَةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخُزَاعَةُ تَقُولُ: نَحْنُ بَنُو عَمْرِو بْنِ
عَامِرٍ، مِنْ الْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتَقُولُ خُزَاعَةُ: نَحْنُ بَنُو عَمْرِو بْنِ
رَبِيعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو ابْن عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ
الْغَوْثِ، وَخِنْدِفُ أُمُّهَا [9] ، فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ
وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَيُقَالُ خُزَاعَةُ:
بَنُو حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ
خُزَاعَةَ لِأَنَّهُمْ تَخَزَّعُوا [10] مِنْ وَلَدِ عَمْرِو
__________
[1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الفصائل» .
[2] الشريف (مُصَغرًا) : مَاء لبني نمير، وَيُقَال إِنَّه سرة بِنَجْد،
وَهُوَ أَمر نجد موضعا.
قَالَ أَبُو زِيَاد: وَأَرْض بنى نمير: الشريف، دارها كلهَا بالشريف إِلَّا
بَطنا وَاحِدًا بِالْيَمَامَةِ. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[3] زِيَادَة عَن أومعجم الْبلدَانِ، والإصابة.
[4] الأخرج: الظليم الّذي فِيهِ بَيَاض وَسَوَاد، يُرِيد حمَار الْوَحْش.
[5] كَذَا فِي الْأُصُول. والمرباع: الْفَحْل الّذي يبكر بالإلقاح،
وَيُقَال للناقة أَيْضا: مرباع إِذا بكرت بالنتاج، وَقيل: المرباع: الّذي
رعى فِي الرّبيع، ويروى: «المرياع» بِالْيَاءِ المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من
أَسْفَل، على أَنه مفعال من رَاع يريع: أَي رَجَعَ.
[6] القرقرة: هدير الْفَحْل.
[7] دياف: (بِكَسْر أَوله) بلد بِالشَّام. وَقيل من قرى الجزيرة.
[8] الهجمة: الْقطعَة من الْإِبِل. وَالْبَحْر: جمع بحيرة، وَهِي المشقوقة
الآذان، وَجعلهَا بحرا لِأَنَّهَا تأمن من الغارات، يصفها بالمنعة والحماية
كَمَا تأمن الْبحيرَة من أَن تذبح أَو تنحر.
[9] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أمنا» .
[10] تخزع: تَأَخّر وَانْقطع.
(1/91)
ابْن عَامِرٍ، حِينَ أَقْبَلُوا مِنْ
الْيَمَنِ يُرِيدُونَ الشَّامَ، فَنَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ
فَأَقَامُوا بِهَا.
قَالَ عَوْنُ [1] بْنُ أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ
سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ الْخَزْرَجِ فِي
الْإِسْلَامِ:
فَلَمَّا هَبَطْنَا بَطْنَ مُرٍّ تَخَزَّعَتْ ... خُزَاعَةُ مِنَّا فِي
خُيُولٍ [2] كَرَاكِرِ [3]
حَمَتْ كُلَّ وَادٍ مِنْ تِهَامَةَ وَاحْتَمَّتْ ... بِصُمِّ الْقَنَا
وَالْمُرْهِفَاتِ الْبَوَاتِرِ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو الْمُطَهَّرِ إسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيُّ،
أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ ابْن الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ.
فَلَمَّا هَبَطْنَا بَطْنَ مَكَّةَ أَحْمَدَتْ ... خُزَاعَةُ دَارَ
الْآكِلِ الْمُتَحَامِلِ
فَحَلَّتْ أَكَارِيسَا [4] وَشَتَّتْ [5] قَنَابِلًا [6] ... عَلَى كُلِّ
حَيٍّ بَيْنَ نَجْدٍ وَسَاحِلِ
نَفَوْا جُرْهُمًا عَنْ بَطْنِ مَكَّةَ وَاحْتَبَوْا ... بِعِزِّ
خُزَاعِيٍّ شَدِيدِ الْكَوَاهِلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ
أَذْكُرُ نَفْيَهَا جُرْهُمًا فِي مَوْضِعِهِ.
(أَوْلَادُ مُدْرِكَةَ وَخُزَيْمَةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مُدْرِكَةُ بْنُ إلْيَاسَ رَجُلَيْنِ:
خُزَيْمَةَ بْنَ مُدْرِكَةَ، وَهُذَيْلَ بْنَ مُدْرِكَةَ، وَأُمُّهُمَا
امْرَأَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ. فَوَلَدَ خُزَيْمَةُ بْنُ مُدْرِكَةَ أَرْبَعَةَ
نَفَرٍ: كِنَانَةَ بْنَ خُزَيْمَةَ، وَأَسَدَ بْنَ خُزَيْمَةَ، وَأَسَدَةَ
بْنَ [7] خُزَيْمَةَ،
__________
[1] كَذَا فِي أ، ومعجم الْبلدَانِ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَوْف» .
وَهُوَ تَحْرِيف.
[2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ. وَالرَّوْض الْأنف، وَشرح
السِّيرَة: «حُلُول» . والحلول:
الْبيُوت الْكَثِيرَة.
[3] كراكر: جماعات، وَقيل هُوَ خَاص بجماعات الْخَيل.
[4] كَذَا فِي أوشرح السِّيرَة. والأكاريس: الْجَمَاعَات من النَّاس. وَقد
وَردت هَذِه الْكَلِمَة فِي سَائِر الْأُصُول محرفة.
[5] كَذَا فِي شرح السِّيرَة. وشتت: فرقت. وَفِي أ: «سنت» ، وَفِي سَائِر
الْأُصُول: «شنت» ، وَالظَّاهِر أَن كليهمَا مصحف عَمَّا أَثْبَتْنَاهُ.
[6] القنابل: جمع قنبلة، وَهِي الْقطعَة من الْخَيل.
[7] لم يذكر ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف «أسدة» ولدا لخزيمة، وَاقْتصر على
إخْوَته الثَّلَاثَة.
(1/92)
وَالْهُونَ بْنَ خُزَيْمَةَ، فَأُمُّ
كِنَانَةَ عُوَانَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ
مُضَرَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الْهَوْنُ بْنُ خُزَيْمَةَ.
(أَوْلَادُ كِنَانَةَ وَأُمَّهَاتُهُمْ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ كِنَانَةُ بْنُ خُزَيْمَةَ أَرْبَعَةَ
نَفَرٍ: النَّضَرَ بْنَ كِنَانَةَ، وَمَالِكَ بْنَ كِنَانَةَ، وَعَبْدَ
مَنَاةَ بْنَ كِنَانَةَ، وَمِلْكَانَ بْنَ كِنَانَةَ [1] . فَأُمُّ
النَّضْرِ بَرَّةُ بِنْتُ مُرِّ بْنِ أَدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ
بْنِ مُضَرَ، وَسَائِرُ بَنِيهِ لِامْرَأَةِ أُخْرَى.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُمُّ النَّضر وَمَالك زملكان: بَرَّةُ بِنْتُ مُرٍّ،
وَأُمُّ عَبْدِ مَنَاةَ:
هَالَةُ بِنْتُ سُوَيْدِ بْنِ الْغِطْرِيفِ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ.
وَشَنُوءَةُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَإِنَّمَا سُمُّوا شَنُوءَةَ،
لِشَنَآنِ كَانَ بَيْنَهُمْ. والشَّنَآنُ: الْبُغْضُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النَّضْرُ: قُرَيْشٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ
فَهُوَ قُرَشِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ.
قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ أَحَدُ بَنِي كُلَيْبِ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ
حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ تَمِيمِ بْنِ يَمْدَحُ
هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ:
فَمَا الْأُمُّ الَّتِي وَلَدَتْ قُرَيْشًا ... بِمُقْرِفَةِ النَّجَّارِ
وَلَا عَقِيمِ [2]
وَمَا قَرْمٌ [3] بِأَنْجَبَ مِنْ أَبِيكُمْ ... وَمَا خَالٌ بِأَكْرَمَ
مِنْ تَمِيمِ
يَعْنِي بَرَّةَ بِنْتَ مُرٍّ أُخْتَ تَمِيمِ بْنِ مُرٍّ، أُمُّ النَّضْرِ.
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَيُقَالُ: فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ: قُرَيْشٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ
فَهُوَ قُرَشِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ،
وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا مِنْ التَّقَرُّشِ،
وَالتَّقَرُّشُ:
التِّجَارَةُ وَالِاكْتِسَابُ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ:
قَدْ كَانَ يُغْنِيهِمْ عَنْ الشُّغُوشِ ... وَالْخَشْلِ مِنْ تَسَاقُطِ
الْقُرُوشِ
شَحْمٌ وَمَحْضٌ لَيْسَ بِالْمَغْشُوشِ
[4]
__________
[1] وَزَاد الطَّبَرِيّ فِي ولد كنَانَة: عَامِرًا، والْحَارث، وَالنضير،
وَغنما، وسعدا، وعوفا، وجرولا، وَالرِّجَال، وغزوان.
[2] المقرفة: اللئيمة. والنجار: الأَصْل. والعقيم: الَّتِي لَا تحمل.
[3] القرم: الْفَحْل من الْإِبِل، واستعاره هُنَا للرجل السَّيِّد.
[4] من أرجوزة لَهُ يمدح الْحَارِث بن سليم الهُجَيْمِي (ديوَان طبع ليبسج
77- 79) .
(1/93)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالشُّغُوشُ:
قَمْحٌ، يُسَمَّى الشُّغُوشَ. وَالْخَشْلُ: رُءُوسُ الْخَلَاخِيلِ
وَالْأَسْوِرَةِ [1] وَنَحْوِهِ. وَالْقُرُوشُ: التِّجَارَةُ
وَالِاكْتِسَابُ. يَقُولُ: قَدْ كَانَ يُغْنِيهِمْ عَنْ هَذَا شَحْمٌ
وَمَحْضٌ. وَالْمَحْضُ: اللَّبَنُ الْحَلِيبُ الْخَالِصُ.
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَقَالَ أَبُو جِلْدَةَ [2]
الْيَشْكُرِيُّ، وَيَشْكُرُ بْنُ بَكْرِ ابْن وَائِلٍ:
إخْوَةٌ قَرَشُوا الذُّنُوبَ عَلَيْنَا ... فِي حَدِيثٍ مِنْ عُمْرِنَا
وَقَدِيمِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيُقَالُ: إنَّمَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا
لِتَجَمُّعِهَا مِنْ بَعْدِ تَفَرُّقِهَا، وَيُقَالُ لِلتَّجَمُّعِ:
التَّقَرُّشُ.
(أَوْلَادُ النَّضْرِ وَأُمَّهَاتُهُمْ) :
فَوَلَدَ النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ رَجُلَيْنِ: مَالِكَ بْنَ النَّضْرِ،
وَيَخْلُدَ بْنَ النَّضْرِ، فَأُمُّ مَالِكٍ: عَاتِكَةُ بِنْتُ عَدْوَانَ
بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، وَلَا أَدْرِي أَهِيَ أُمُّ
يَخْلُدَ أَمْ لَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالصَّلْتُ بْنُ النَّضْرِ- فِيمَا قَالَ أَبُو
عَمْرٍو الْمَدَنِيُّ- وَأُمُّهُمْ جَمِيعًا بِنْتُ سَعْدِ بْنِ ظَرِبٍ
الْعَدْوَانِيِّ. وَعَدْوَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ.
قَالَ كُثَيِّرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ أَحَدُ
بَنِي مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ خُزَاعَةَ:
أَلَيْسَ أَبِي بِالصَّلْتِ أَمْ لَيْسَ إخْوَتِي ... لِكُلِّ هِجَانٍ مِنْ
بَنِي النَّضْرِ أَزْهَرَا [3]
رَأَيْتُ ثِيَابَ الْعَصْبِ مُخْتَلِطَ السَّدَى [4] ... بِنَّا وَبِهِمْ
وَالْحَضْرَمِيَّ الْمُخَصَّرَا [5]
__________
[1] وَيُقَال: الخشل (هُنَا) : الْمقل (هُوَ ثَمَر الدوم) . والقروش: مَا
تساقط من حتاته، وتقشر مِنْهُ.
[2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «أَبُو خلدَة» بخاء مُعْجمَة
مَفْتُوحَة وَلَام سَاكِنة، كَمَا يرْوى:
(حلزة) أَيْضا.
[3] الهجان: الْكَرِيم، مَأْخُوذ من الهجنة، وَهِي الْبيَاض. والأزهر:
الْمَشْهُور.
[4] ثِيَاب العصب: ثِيَاب يمنية، لِأَنَّهَا تصبغ بالعصب. وَلَا ينْبت
العصب وَلَا الورس إِلَّا بِالْيمن.
يُرِيد أَن قدورنا من قدورهم، فسدى أثوابنا مختلط بسدى أثوابهم.
[5] الحضرميّ: النِّعَال. والمخصرة: الَّتِي تضيق من جانبيها، كَأَنَّهَا
نَاقِصَة الخصرين.
(1/94)
فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا مِنْ بَنِي
النَّضْرِ فَاتْرُكُوا ... أَرَاكًا بِأَذْنَابِ الْفَوَائِجِ [1]
أَخْضَرَا
وَهَذِهِ [2] الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَاَلَّذِينَ يُعْزَوْنَ إلَى الصَّلْتِ بْنِ النَّضْرِ مِنْ خُزَاعَةَ،
بَنُو مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو، رَهْطُ كُثَيِّرِ عَزَّةَ.
(وَلَدُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ وَأُمُّهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مَالِكُ بْنُ النَّضْرِ فِهْرَ بْنَ
مَالِكٍ، وَأُمُّهُ جَنْدَلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ
الْجُرْهُمِيِّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَيْسَ بِابْنِ مُضَاضٍ الْأَكْبَرِ.
(أَوْلَادُ فِهْرٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ:
غَالِبَ بْنَ فِهْرٍ، وَمُحَارِبَ ابْن فِهْرٍ، وَالْحَارِثَ بْنَ فِهْرٍ،
وَأَسَدَ بْنَ فِهْرٍ، وَأُمُّهُمْ لَيْلَى بِنْتُ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلِ
ابْن مُدْرِكَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَجَنْدَلَةُ بِنْتُ فِهْرٍ، وَهِيَ أُمُّ يَرْبُوعِ
بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ يَدِ [3] مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ،
وَأُمُّهَا لَيْلَى بِنْتُ سَعْدٍ. قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ بْنِ
الْخَطَفِيِّ- وَاسْمُ الْخَطَفِيِّ حُذَيْفَةُ بْنُ بَدْرِ بْنِ سَلَمَةَ
بْنِ عَوْفِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ
وَإِذَا غَضِبْتُ رَمَى وَرَائِي بِالْحَصَى ... أَبْنَاءُ جَنْدَلَةٍ
كَخَيْرِ الْجَنْدَلِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
(أَوْلَادُ غَالِبٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ غَالِبُ بْنُ فِهْرٍ رَجُلَيْنِ: لُؤَيَّ
بْنَ غَالِبٍ، وَتَيْمَ بْنَ غَالِبٍ، وَأُمُّهُمَا سَلْمَى [4] بِنْتُ
عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ. وَتَيْمُ بْنُ غَالِبٍ: الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ
بَنُو الْأَدْرَمِ [5] .
__________
[1] الفوائج: رُءُوس الأودية، وَقيل هِيَ عُيُون بِعَينهَا.
[2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ: وَهَذِه ... إِلَخ» .
[3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «زيد بن مَنَاة» .
[4] وَيُقَال إِن أم لؤيّ عَاتِكَة بنت يخلد بن النَّضر بن كنَانَة، وَهِي
أول العواتك اللَّاتِي ولدن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
من قُرَيْش. (رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[5] الأدرم: المدفون الْكَعْبَيْنِ من اللَّحْم. وَهُوَ أَيْضا المتقوس
الذقن، وَيُقَال إِن تيم بن غَالب كَانَ
(1/95)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَيْسُ بْنُ
غَالِبٍ، وَأُمُّهُ سَلْمَى بِنْتُ كَعْبِ [1] بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ،
وَهِيَ أُمُّ لُؤَيٍّ وَتَيْمٍ ابْنَيْ غَالِبٍ.
(أَوْلَادُ لُؤَيٍّ وَأُمَّهَاتُهُمْ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ لُؤَيُّ بْنُ غَالِبٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ:
كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَعَامِرَ ابْن لُؤَيٍّ، وَسَامَةَ بْنَ لُؤَيٍّ،
وَعَوْفَ [2] بْنَ لُؤَيٍّ، فَأُمُّ كَعْبٍ وَعَامِرٍ وَسَامَةَ:
مَاوِيَّةُ [3] بِنْتُ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ، مِنْ قُضَاعَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: وَالْحَارِثُ بْنُ [4] لُؤَيٍّ، وَهُمْ
جُشَمُ بْنُ الْحَارِثِ، فِي هِزَّانَ مِنْ رَبِيعَةَ. قَالَ جَرِيرٌ:
بَنِي جُشَمٍ لَسْتُمْ لِهِزَّانَ فَانْتَمُوا ... لِأَعْلَى الرَّوَابِي
[5] مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ [6]
وَلَا تُنْكِحُوا فِي آلِ ضَوْرٍ نِسَاءَكُمْ ... وَلَا فِي شُكَيْسٍ
بِئْسَ مَثْوَى الْغَرَائِبِ
[7] وَسَعْدُ بْنُ لُؤَيٍّ، وَهُمْ بُنَانَةُ: فِي شَيْبَانَ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ ابْن بَكْرِ بْنِ
وَائِلٍ، مِنْ رَبِيعَةَ.
__________
[ () ] كَذَلِك. وَبَنُو الأدرم هَؤُلَاءِ هم أَعْرَاب مَكَّة، وهم من
قُرَيْش الظَّوَاهِر لَا من قُرَيْش البطاح، وَكَذَلِكَ بَنو محَارب ابْن
فهر، وَبَنُو معيص بن فهر.
[1] كَذَا فِي الْأُصُول. وَقد انْفَرد ابْن هِشَام بِزِيَادَة: «كَعْب»
فِي نسب سلمى، والّذي ذكره ابْن إِسْحَاق أَو لَا مُجَردا من «كَعْب»
يتَّفق مَعَ مَا أوردهُ الطَّبَرِيّ عِنْد الْكَلَام على أم لؤيّ
وَإِخْوَته.
[2] وَأم عَوْف بن لؤيّ: الْبَارِدَة بنت عَوْف بن غنم بن عبد الله بن
غطفان، وَيُقَال إِن الْبَارِدَة لما مَاتَ لؤيّ خرجت بابنها عَوْف إِلَى
قَومهَا، فَتَزَوجهَا سعد بن ذبيان بن بغيض، فتبني عوفا.
[3] كَأَنَّهَا نسبت إِلَى المَاء لصفائها بعد قلب همزَة المَاء واوا،
وَكَانَ الْقيَاس قَلبهَا هَاء. وَكَانَت ماوية هَذِه تحب سامة أَكثر من
إخْوَته.
[4] اتّفق ابْن قُتَيْبَة فِي كِتَابه المعارف مَعَ السِّيرَة فِي ذكر
الْحَارِث ولدا للؤى، وَخَالَفَهُمَا فِي ذَلِك الطَّبَرِيّ وَابْن دُرَيْد
فَلم يذكرَا ولدا الِاسْم، بِهَذَا الِاسْم، وَقد ذكر أَبُو الْفرج فِي
الْجُزْء التَّاسِع من الأغاني (ص 104- 105) الْحَارِث ولدا لسامة بن لؤيّ،
وَذكر أَن من النسابين من يَدْفَعهُ عَن قُرَيْش، ويدعى أَنه ابْن لناجية
امْرَأَة سامة، وَلَيْسَ ابْنا لسامة.
[5] الروابي: جمع رابية، وَهِي الكدية المرتفعة، وَيُرِيد بهَا هُنَا
الْأَشْرَاف من النَّاس والقبائل.
[6] وَيُقَال: إِنَّهُم أعْطوا جَرِيرًا على هَذَا الشّعْر ألف بعير،
وَكَانُوا ينتسبون إِلَى ربيعَة فَمَا انتسبوا بعد إِلَّا لقريش.
[7] ضور وشكيس: بطْنَان من عنزة. 0
(1/96)
وَبُنَانَةُ: حَاضِنَةٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي
الْقَيْنِ بْنِ جَسْرِ بْنِ شَيْعِ اللَّهِ، وَيُقَالُ سَيْعُ اللَّهِ،
ابْن الْأَسْدِ بْنِ وَبْرَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ [1] بْنِ حُلْوَانَ بْنِ
عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ. وَيُقَالُ:
بِنْتُ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، مِنْ رَبِيعَةَ. وَيُقَالُ: بِنْتُ جَرْمِ
بْنِ رَبَّانَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ
قُضَاعَةَ.
وَخُزَيْمَةُ بْنُ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، وَهُمْ عَائِذَةُ فِي شَيْبَانَ
بْنِ ثَعْلَبَةَ. وَعَائِذَةُ:
امْرَأَةٌ مِنْ الْيَمَنِ، وَهِيَ أُمُّ بَنِي [2] عُبَيْدِ بْنِ
خُزَيْمَةَ بْنِ لُؤَيٍّ.
وَأُمُّ بَنِي لُؤَيٍّ كُلَّهُمْ إلَّا عَامِرَ [3] بْنَ لُؤَيٍّ:
مَاوِيَّةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ، وَأُمُّ عَامِرِ
بْنِ لُؤَيٍّ مَخْشِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ،
وَيُقَالُ:
لَيْلَى بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ.
أَمْرُ سَامَةَ
(رِحْلَتُهُ إِلَى عَمَّانَ وَمَوْتُهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمَّا سَامَةُ بْنُ لُؤَيٍّ فَخَرَجَ إلَى
عُمَانَ، وَكَانَ بِهَا. وَيَزْعُمُونَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ
أَخْرَجَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ فَفَقَأَ سَامَةُ
عَيْنَ عَامِرٍ، فَأَخَافَهُ عَامِرٌ، فَخَرَجَ إلَى عُمَانَ.
فَيَزْعُمُونَ أَنَّ سَامَةَ بْنَ لُؤَيٍّ بَيْنَا هُوَ يَسِيرُ عَلَى
نَاقَتِهِ، إذْ وَضَعَتْ رَأْسَهَا تَرْتَعُ، فَأَخَذَتْ حَيَّةٌ
بِمِشْفَرِهَا فَهَصَرَتْهَا حَتَّى وَقَعَتْ النَّاقَةُ لِشِقِّهَا ثُمَّ
نَهَشَتْ سَامَةَ فَقَتَلَتْهُ. فَقَالَ سَامَةُ حِينَ أَحَسَّ بِالْمَوْتِ
فِيمَا [4] يَزْعُمُونَ:
__________
[1] فِي الطَّبَرِيّ: « ... بن تغلب» .
[2] هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن هِشَام. وَأما ابْن جرير الطَّبَرِيّ، فقد
جعل عائذة أما لخزيمة، وَهِي عِنْده عَائِدَة بنت الْخمس بن قُحَافَة، من
خثعم.
[3] يذهب ابْن جرير الطَّبَرِيّ إِلَى غير مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن هِشَام،
وَهُوَ يتَّفق مَعَ ابْن إِسْحَاق فِي أَن كَعْبًا، وعامرا، وسامة إخْوَة
أشقاء، وأمهم ماوية. وَقد قدمنَا عَن ابْن جرير قَوْله فِي أم عَوْف،
وَأَنَّهَا الْبَارِدَة، وَأَن عوفا أَخُو هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة لأبيهم،
وَكَذَلِكَ خُزَيْمَة، وَأمه العائذة، وَسعد، وَأمه بنانة، وَقد ذكر ابْن
هِشَام أَن بنانة حاضنتهم.
[4] روى أَبُو الْفرج فِي الأغاني (ج 9 ص 104) قصَّة سامة هَذِه إِلَّا
أَنه لم يتَّفق مَعَ ابْن إِسْحَاق فِي أَن خُرُوج سامة كَانَ بِسَبَب
أَخِيه عَامر: بل جعل ذَلِك لخلاف كَانَ بَين سامة، وأخيه كَعْب، وَأَن
هَذَا الشّعْر هُوَ لكعب يرثى بِهِ أَخَاهُ سامة.
7- سيرة ابْن هِشَام- 1
(1/97)
عَيْنِ فَابْكِي لِسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ
... عَلَّقَتْ سَاقَ [1] سَامَةَ الْعَلَّاقَهْ [2]
لَا أَرَى مِثْلَ سَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ ... يَوْمَ حَلُّوا بِهِ قَتِيلًا
لِنَاقَهْ
بَلِّغَا عَامِرًا وَكَعْبًا رَسُولًا ... أَنَّ نَفْسِي إلَيْهِمَا
مُشْتَاقَهْ
إنْ تَكُنْ فِي عُمَانَ دَارِي فَإِنِّي ... غَالِبِيٌّ، خَرَجْتُ مِنْ
غَيْرِ نَاقَهْ
رُبَّ كَأْسٍ هَرَقْتَ يَا بْنَ لُؤَيٍّ ... حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ
مُهْرَاقَهْ
رُمْتَ دَفْعَ الْحُتُوفِ يَا بْنَ لُؤَيٍّ ... مَا لِمَنْ رَامَ ذَاكَ
بِالْحَتْفِ طَاقَهْ
وَخَرُوسَ السَّرَى [3] تَرَكْتَ رَدِيَّا [4] ... بَعْدَ جَدٍّ وَجَدَّةٍ
وَرَشَاقَهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ وَلَدِهِ أُتِيَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَسَبَ إلَى سَامَةَ بْنِ
لُؤَيٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
آلشَّاعِرُ؟ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: كَأَنَّكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَرَدْتَ قَوْلَهُ:
رُبَّ كَأْسٍ هَرَقْتَ يَا بْنَ لُؤَيٍّ ... حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ
مُهْرَاقَهْ
قَالَ: أَجَلْ.
أَمْرُ عَوْفِ بْنِ لُؤَيٍّ وَنَقَلَتِهِ
(سَبَبُ انْتِمَائِهِ إلَى بَنِي ذُبْيَانَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا عَوْفُ بْنُ لُؤَيٍّ فَإِنَّهُ خَرَجَ-
فِيمَا يُزْعِمُونَ- فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، حَتَّى إذَا كَانَ بِأَرْضِ
غَطَفَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، أُبْطِئَ بِهِ،
فَانْطَلَقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَتَاهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ
سَعْدٍ، وَهُوَ أَخُوهُ فِي نَسَبِ بَنِي ذُبْيَانَ [5]- ثَعْلَبَةُ بْنُ
سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ.
__________
[1] كَذَا فِي الأغاني. وَفِي الْأُصُول:
علقت مَا بسامة ...
إِلَخ.
[2] العلاقة (هُنَا) : الْحَيَّة الَّتِي تعلّقت بالناقة.
[3] خروس السّري: يُرِيد نَاقَة صموتا صبورا على السّري لَا تضجر مِنْهُ،
فسراها كالأخرس.
[4] الردى: الَّتِي سَقَطت من الإعياء وَمثله الرذيلة: بِالذَّالِ
الْمُعْجَمَة.
[5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: « ... ذبيان بن ثَعْلَبَة»
بِزِيَادَة «بن» ، وَظَاهر أَنَّهَا مقحمة.
(1/98)
وَعَوْفُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ
بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ- فَحَبَسَهُ وَزَوْجَهُ وَالْتَاطَهُ
[1] وَآخَاهُ. فَشَاعَ نَسَبُهُ فِي بَنِي ذُبْيَانَ. وَثَعْلَبَةُ- فِيمَا
يَزْعُمُونَ- الَّذِي يَقُولُ لِعَوْفٍ حِينَ أُبْطِئَ بِهِ فَتَرَكَهُ
قَوْمُهُ:
احْبِسْ [2] عَلَيَّ ابْنِ لُؤَيٍّ جَمَلَكْ ... تَرَكَكَ الْقَوْمُ وَلَا
مَنْزِلَ [3] لَكَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ [4] بْنِ
الزُّبَيْرِ، أَوْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ حُصَيْنٍ.
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُدَّعِيًا حَيًّا مِنْ
الْعَرَبِ، أَوْ مُلْحِقَهُمْ بِنَا لَادَّعَيْتُ بَنِي مُرَّةَ بْنِ
عَوْفٍ، إنَّا لَنَعْرِفُ فِيهِمْ الْأَشْبَاهَ مَعَ مَا نَعْرِفُ مِنْ
مَوْقِعِ ذَلِكَ الرَّجُلِ حَيْثُ وَقَعَ، يَعْنِي عَوْفَ بْنَ لُؤَيٍّ.
(نَسَبُ مُرَّةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهُوَ فِي نَسَبِ غَطَفَانَ: مُرَّةُ بْنُ عَوْفِ
بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ.
وَهُمْ يَقُولُونَ إذَا ذُكِرَ لَهُمْ هَذَا النَّسَبُ: مَا نُنْكِرُهُ
وَمَا نَجْحَدُهُ، وَإِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّسَبِ إلَيْنَا.
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمِ بْنِ جُذَيْمَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ- قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ: أَحَدُ بَنِي مُرَّةَ ابْن عَوْفِ- حِينَ هَرَبَ مِنْ
النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ فَلَحِقَ بِقُرَيْشٍ:
فَمَا قَوْمِي بِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدِ ... وَلَا بِفَزَارَةِ الشُّعُرِ
[5] الرِّقَابَا
وَقَوْمِي، إنْ سَأَلْتَ، بَنُو [6] لُؤَيٍّ ... بِمَكَّةَ عَلَّمُوا
مُضَرَ الضِّرَابَا
سَفِهْنَا بِاتِّبَاعِ بَنِي بَغِيضِ ... وَتَرْكِ الْأَقْرَبِينَ لَنَا
انْتِسَابَا
__________
[1] التاطه: ألصقه بِهِ، وضمه إِلَيْهِ، وألحقه بنسبه. وَمِنْه: كَانَ يليط
أَوْلَاد الْجَاهِلِيَّة بآبائهم:
أَي يلصقهم.
[2] فِي الطَّبَرِيّ: «عرج» .
[3] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ. وَفِي الْأُصُول: «مترك» .
[4] هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير بن الْعَوام بن خويلد الْأَسدي
الْمدنِي، حدث عَن عَمه عُرْوَة وَابْن عَمه عباد بن عبيد الله،
وَغَيرهمَا. وَحدث عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، وَعبيد الله بن أَبى
جَعْفَر، وَغَيرهمَا.
وَكَانَ فَقِيها عَالما، وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ.
[5] الشّعْر: جمع أشعر، وَهُوَ الْكثير الشّعْر الطَّوِيلَة.
[6] كَذَا فِي الأغاني (ج 10 ص 28) . وَفِي الْأُصُول: «بنى» وَهُوَ
تَحْرِيف.
(1/99)
سَفَاهَةَ مُخْلِفٍ [1] لِمَا تُرَوَّى ...
هَرَاقَ الْمَاءَ وَاتَّبَعَ السَّرَابَا
فَلَوْ طُووِعْتَ، عَمْرَكَ، كُنْتَ فِيهِمْ ... وَمَا أُلْفِيتُ
أَنْتَجِعُ السَّحَابَا [2]
وَخَشَّ [3] رَوَاحَةُ الْقُرَشِيِّ رِحَلِي ... بِنَاجِيَةٍ وَلَمْ
يَطْلُبْ ثَوَابَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُمَامِ الْمُرِّيُّ،
ثُمَّ أَحَدُ بَنِي سَهْمِ بن مرّة، يردّ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمٍ،
وَيَنْتَمِي إلَى غَطَفَانَ:
أَلَا لَسْتُمْ مِنَّا وَلَسْنَا إلَيْكُمْ ... بَرِئْنَا إلَيْكُمْ مِنْ
لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ
أَقَمْنَا عَلَى عِزِّ الْحِجَازِ وَأَنْتُمْ ... بِمُعْتَلَجِ
الْبَطْحَاءِ [4] بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
[5] يَعْنِي قُرَيْشًا. ثُمَّ نَدِمَ الْحُصَيْنُ عَلَى مَا قَالَ،
وَعَرَفَ مَا قَالَ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ، فَانْتَمَى إلَى قُرَيْشٍ
وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ، فَقَالَ:
نَدِمْتُ عَلَى قَوْلٍ مَضَى كُنْتُ قُلْتُهُ ... تَبَيَّنْتُ فِيهِ
أَنَّهُ قَوْلُ كَاذِبٍ
فَلَيْتَ لِسَانِي كَانَ نِصْفَيْنِ مِنْهُمَا ... بَكِيمٌ [6] وَنِصْفٌ
عِنْدَ مَجْرَى الْكَوَاكِبِ
أَبُونَا كِنَانِيٌّ بِمَكَّةَ قَبْرُهُ ... بِمُعْتَلَجِ الْبَطْحَاءِ
بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
لَنَا الرُّبُعُ مِنْ بَيْتِ الْحَرَامِ وِرَاثَةً ... وَرُبُعُ الْبِطَاحِ
عِنْدَ دَارِ ابْنِ حَاطِبِ
أَيْ أَنَّ بَنِي لُؤَيٍّ كَانُوا أَرْبَعَةً: كَعْبًا، وَعَامِرًا،
وَسَامَةَ، وَعَوْفًا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [7] : وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِرِجَالِ مِنْ
بَنِي مُرَّةَ: إنْ شِئْتُمْ أَنْ تَرْجِعُوا إلَى نَسَبِكُمْ فَارْجِعُوا
إلَيْهِ.
__________
[1] المخلف (هُنَا) : المستقى للْمَاء، يُقَال: ذهب يخلف لِقَوْمِهِ: أَي
يستقى لَهُم.
[2] أنتجع السحابا: أَي أطلب مَوضِع الْغَيْث والمطر كَمَا تفعل
الْقَبَائِل الَّذين يرحلون من مَوضِع إِلَى مَوضِع. يُرِيد أَنه لَو انتسب
إِلَى قُرَيْش لَكَانَ مَعَهم بِمَكَّة مُقيما وَلم يكن بدويا يطْلب
الْمَطَر من مَوضِع إِلَى مَوضِع.
[3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وخش: أصلح. والناجية: النَّاقة السريعة.
وَفِي أ: «وحس ... إِلَخ» وحس (بِالْحَاء الْمُهْملَة) : قوى وَأعَاد.
وَفِي الأغاني: «
... وهش رَوَاحَة الجمحيّ
» .
[4] المعتلج: الْموضع السهل الّذي يعتلج فِيهِ الْقَوْم، أَي يتصارعون.
والبطحاء (هُنَا) : بطحاء مَكَّة.
[5] الأخاشب يُرِيد الأخشبين: جبلان بِمَكَّة، فجمعهما مَعَ مَا حولهما.
[6] بكيم: أبكم.
[7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ ابْن هِشَام» .
(1/100)
(سَادَاتُ مُرَّةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْقَوْمُ أَشْرَافًا فِي غَطَفَانَ، وهم
سَادَتُهُمْ وَقَادَتْهُمْ. مِنْهُمْ:
هَرِمُ بْنِ سِنَانِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ [بْنِ مُرَّةَ بْنِ نُشْبَةَ]
[1] ، وَخَارِجَةُ بْنُ سِنَانِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ
عَوْفٍ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحُمَامِ، وَهَاشِمُ بْنُ حَرْمَلَةَ الَّذِي
يَقُولُ لَهُ الْقَائِلُ:
أَحْيَا أَبَاهُ هَاشِمَ [2] بْنُ حَرْمَلَهُ [3] ... يَوْمَ الْهَبَاآتِ
[4] وَيَوْمَ الْيَعْمَلَهْ [5]
تَرَى الْمُلُوكَ عِنْدَهُ مُغَرْبَلَهُ [6] ... يَقْتُلُ ذَا الذَّنْبِ
وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ
[7]
(هَاشِمُ بْنُ حَرْمَلَةَ، وَعَامِرٌ الْخَصَفِيُّ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ
لِعَامِرِ الْخَصَفِيِّ، خَصَفَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ:
أَحْيَا أَبَاهُ هَاشِمُ بْنُ حَرْمَلَهُ ... يَوْمَ الْهَبَاآتِ وَيَوْمَ
الْيَعْمَلَهْ
تَرَى الْمُلُوكَ عِنْدَهُ مُغَرْبَلَهُ ... يَقْتُلُ ذَا الذَّنْبِ وَمَنْ
لَا ذَنْبَ لَهْ
وَرمحه للوالدات مثكله
وَحَدَّثَنِي [8] أَنَّ هَاشِمًا قَالَ لِعَامِرِ: قُلْ فِيَّ بَيْتًا
جَيِّدًا أُثِبْكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَامِرٌ الْبَيْتَ الْأَوَّلَ، فَلَمْ
يُعْجِبْ هَاشِمًا: ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ، ثُمَّ
قَالَ الثَّالِثَ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ، فَلَمَّا قَالَ الرَّابِعَ:
__________
[1] زِيَادَة عَن أ. وَالظَّاهِر أَنَّهَا: «بن نشبة بن مرّة» كَمَا فِي
اللِّسَان (مَادَّة نشب) .
[2] هَاشم بن حَرْمَلَة: هُوَ جد مَنْظُور بن زبان بن يسَار الّذي كَانَت
بنته زجلة عِنْد ابْن الزبير، فَهُوَ جد مَنْظُور لأمه، وَاسْمهَا قهطم بنت
هَاشم، وَكَانَت قهطم قد حملت بمنظور أَربع سِنِين- فِيمَا يَزْعمُونَ-
فَسمى منظورا لطول انتظارهم إِيَّاه: (عَن الرَّوْض الْأنف) .
[3] يُرِيد أَنه أَخذ بثأره، فَكَأَنَّهُ أَحْيَاهُ.
[4] يَوْم الهباآت: يَوْم مَشْهُور من أَيَّام الْعَرَب. وهباءة: مَوضِع،
فَجَمعه مَعَ مَا يَلِيهِ. (رَاجع الْحَاشِيَة رقم 1 ص 102) .
[5] يَوْم اليعملة: من أَيَّام الْعَرَب. واليعملة: اسْم مَوضِع.
[6] مغربلة: مقتولة، يُقَال: غربل، إِذا قتل أَشْرَاف النَّاس وخيارهم.
وَيُقَال: إِنَّمَا أَرَادَ بالغربلة استقصاءهم وتتبعهم، كَأَنَّهُ من
غربلت الطَّعَام، إِذا تتبعته بالاستخراج حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُ إِلَّا
الحثالة.
[7] يصفه بِالْعِزَّةِ والامتناع، وَأَنه لَا يخَاف حَاكما يعدى عَلَيْهِ،
وَلَا ترة من طالبي ثأر.
[8] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ ابْن هِشَام وحَدثني ...
إِلَخ» .
(1/101)
يَقْتُلُ ذَا الذَّنْبِ وَمَنْ لَا ذَنْبَ
لَهُ.
أَعْجَبَهُ، فَأَثَابَهُ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَلِكَ الَّذِي أَرَادَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ
فِي قَوْلِهِ:
وَهَاشِمَ مُرَّةَ الْمُفْنِي مُلُوكًا ... بِلَا ذَنْبٍ إلَيْهِ
وَمُذْنِبِينَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَوْلُ عَامِرٍ: «يَوْمَ
الْهَبَاآتِ [1] » عَنْ غَيْرِ أَبِي عُبَيْدَةَ.
(مُرَّةُ وَالْبَسْلُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَوْمٌ لَهُمْ صِيتٌ وَذِكْرٌ فِي غَطَفَانَ
وَقَيْسٍ كُلِّهَا، فَأَقَامُوا عَلَى نَسَبِهِمْ [2] ، وَفِيهِمْ كَانَ
الْبَسْلُ [3] .
أَمْرُ الْبَسْلِ
(تَعْرِيفُ الْبَسْلِ، وَنَسَبُ زُهَيْرٍ الشَّاعِرِ) :
وَالْبَسْلُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- ثَمَانِيَةُ [4] أَشْهُرٍ حُرُمٍ، لَهُمْ
مِنْ كُلِّ سَنَةٍ مِنْ بَيْنِ الْعَرَبِ قَدْ عَرَفَتْ ذَلِكَ لَهُمْ
الْعَرَبُ لَا يُنْكِرُونَهُ وَلَا يَدْفَعُونَهُ، يَسِيرُونَ بِهِ إلَى
أَيِّ بِلَادِ الْعَرَبِ شَاءُوا، لَا يَخَافُونَ مِنْهُمْ شَيْئًا. قَالَ
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى، يَعْنِي بَنِي مُرَّةَ.
- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زُهَيْرُ أَحَدُ بَنِي مُزَيْنَةَ بْنِ أُدِّ بْنِ
طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ [5] بْنِ مُضَرَ، وَيُقَالُ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي
سُلْمَى مِنْ غَطَفَانَ، وَيُقَالُ حَلِيفٌ فِي غَطَفَانَ-
__________
[1] ويروى: «يَوْم الهباتين» فقصر للضَّرُورَة، وَإِنَّمَا أَرَادَ
الهباءتين. وَكَثِيرًا مَا يرد الْمَكَان مثنى أَو مجموعا فِي الشّعْر
العربيّ، وَيُرَاد بِهِ الْمُفْرد، وَيَوْم الهباءة كَانَ لعبس على ذبيان.
والهباءة: مَوضِع بِبِلَاد غطفان: (رَاجع العقد الفريد ج 3 ص 69) .
[2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «سُنَنهمْ» .
[3] البسل: الْحَرَام والحلال، فَهُوَ من الأضداد.
[4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «نسيئهم ثَمَانِيَة ... إِلَخ» .
وَلَا يَسْتَقِيم الْكَلَام بِهَذِهِ الزِّيَادَة.
[5] يحمل بَعضهم إلْيَاس بن مُضر على إلْيَاس النَّبِي فِي همز أَوله،
وَالصَّوَاب فِي إلْيَاس بن مُضر أَن تعْتَبر فِيهِ الْألف وَاللَّام
زائدتين، كزيادتهما فِي الْفضل وَالْعَبَّاس، وأنهما داخلتان على الْمصدر
الّذي هُوَ الْيَأْس، وَقد تسهل همزته الثَّانِيَة، فَيُقَال فِيهِ
إلْيَاس. أما إلْيَاس النَّبِي فَهُوَ بِقطع الْهمزَة الأولى مَفْتُوحَة
أَو مَكْسُورَة (رَاجع شرح الْقَامُوس مَادَّة ألس) .
(1/102)
تَأَمَّلْ [1] فَإِنْ تُقْوِ الْمَرُورَاةَ
[2] مِنْهُمْ ... وَدَارَاتِهَا لَا تُقْوِ مِنْهُمْ إِذا نَخْلُ [3]
بِلَادٌ بِهَا نَادِمَتُهُمْ وَأَلِفْتُهُمْ ... فَإِنْ تُقْوِيَا مِنْهُمْ
فَإِنَّهُمْ بَسْلُ
يَقُولُ: سَارُوا فِي حَرَمِهِمْ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أعشى بن قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:
أَجَارَتُكُمْ بَسْلٌ عَلَيْنَا مُحَرَّمٌ ... وَجَارَتُنَا حِلٌّ لَكُمْ
وَحَلِيلُهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
(أَوْلَادُ كَعْبٍ وَأُمُّهُمْ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ:
مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، وَعَدِيَّ ابْن كَعْبٍ، وَهُصَيْصَ بْنَ كَعْبٍ.
وَأُمُّهُمْ وَحْشِيَّةُ [4] بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ.
(أَوْلَادُ مُرَّةَ وَأُمَّهَاتُهُمْ) :
فَوَلَدَ مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ: كِلَابَ بْنَ مُرَّةَ،
وَتَيْمَ بْنَ مُرَّةَ، وَيَقَظَةَ [5] بْنَ مُرَّةَ.
فَأُمُّ كِلَابٍ: هِنْدُ بِنْتُ سُرَيْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ (فِهْرِ بْنِ [6] مَالِكِ)
__________
[1] فِي مُعْجم الْبلدَانِ (ج 4 ص 506) : «تربص» .
[2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «المرورات» . بتاء مَفْتُوحَة،
كَأَنَّهُ جمع مرورى، وَلَيْسَ فِي الْكَلَام مثل هَذَا الْبناء،
وَإِنَّمَا هُوَ المروراة بهاء مِمَّا ضوعفت فِيهِ الْعين وَاللَّام،
فَهُوَ فعلعلة، وَالْألف فِيهِ منقلبة عَن وَاو أَصْلِيَّة. والمروراة:
مَوضِع كَانَ فِيهِ يَوْم المروراة.
[3] نخل: مَوضِع بِنَجْد من أَرض غطفان، وَقيل: هُوَ مَوضِع لبني مرّة بن
عَوْف على لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة:
(رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[4] وَيُقَال: إِن أم هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة: مخشية. كَمَا يُقَال: إِن أم
مرّة وهصيص: مخشية بنت شَيبَان بن محَارب بن فهر، وَأم عدي: رقاش بنت ركبة
بن نائلة بن كَعْب بن حَرْب بن تيم بن سعد بن فهم بن عَمْرو بن قيس بن
عيلان. (رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[5] هُوَ بِفَتْح الْقَاف، وَقد جَاءَ فِي شعر مدح بِهِ خَالِد بن
الْوَلِيد، ساكنها، وَهُوَ:
وَأَنت لمخزوم بن يقظة جنَّة ... كلا أسميك فِيهِ ماجد وَابْن ماجد
[6] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
(1/103)
ابْن (النَّضْرِ بْنِ) [1] كِنَانَةَ بْنِ
خُزَيْمَةَ. وَأُمُّ يَقَظَةَ: الْبَارِقِيَّةُ [2] ، امْرَأَةٌ مِنْ
بَارِقٍ، مِنْ الْأَسْدِ مِنْ الْيَمَنِ. وَيُقَالُ: هِيَ أُمُّ تَيْمٍ.
وَيُقَالُ: تَيْمٌ لِهِنْدِ بِنْتِ سُرَيْرٍ أُمِّ كِلَابٍ.
(نَسَبُ بَارِقٍ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَارِقٌ: بَنُو عَدِيِّ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو
بْنِ عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَهُمْ فِي شَنُوءَةَ. قَالَ
الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ:
وَأَزْدُ شَنُوءَةَ انْدَرَءُوا [3] عَلَيْنَا ... بِجُمٍّ يَحْسِبُونَ
لَهَا قُرُونَا [4]
فَمَا قُلْنَا لِبَارِقَ قَدْ أَسَأْتُمْ ... وَمَا قُلْنَا لِبَارِقَ
أَعْتِبُونَا
[5] قَالَ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَإِنَّمَا سُمُّوا
بِبَارِقَ، لِأَنَّهُمْ تَبِعُوا الْبَرْقَ.
(وَلَدَا كِلَابٍ وَأُمُّهُمَا) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ كِلَابُ بْنُ مُرَّةَ رَجُلَيْنِ: قُصَيَّ
[6] بْنَ كِلَابٍ، وَزُهْرَةَ [7] بْنَ كِلَابٍ. وَأُمُّهُمَا فَاطِمَةُ
بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ [8] أَحَدِ (بَنِي) [9] الْجَدَرَةِ، مِنْ
جُعْثُمَةَ [10] الْأَزْدِ، مِنْ الْيَمَنِ، حُلَفَاءُ فِي بَنِي الدَّيْلِ
[11] بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن كِنَانَةَ.
__________
[1] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
[2] وَيُقَال إِن أم تيم، ويقظة: أَسمَاء بنت عدي بن حَارِثَة بن عَمْرو بن
عَامر بن بارق، وَيُقَال:
هِنْد بنت حَارِثَة البارقية. كَمَا يُقَال: بل يقظة لهِنْد بنت سَرِير أم
كلاب. (رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[3] اندرءوا: خَرجُوا.
[4] الجم: الكباش لَا قُرُون لَهَا. وَاحِدهَا: أجم. يُرِيدُونَ أَنهم
يناطحون بِلَا عدَّة، وَلَا منَّة، كالكباش الجم الَّتِي لَا قُرُون لَهَا،
وَيَحْسبُونَ أَن لَهُم قُوَّة.
[5] وَقيل: سموا بارقا بجبل نزلُوا عِنْده اسْمه بارق.
[6] وَاسم قصي: زيد، وسمى قصيا، لِأَن أَبَاهُ مَاتَ عَنهُ، وَعَن أَخِيه
زهرَة، وَكَانَ زهرَة كَبِيرا وقصي فطيما، وتركهما لِأُمِّهِمَا فَاطِمَة،
فَتزوّجت ربيعَة بن حزَام، ورحلت مَعَه، وَأخذت مَعهَا زيدا لصغره، فَسمى
قصيا لبعده عَن دَار قومه (رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[7] وزهرة: امْرَأَة نسب وَلَدهَا إِلَيْهَا دون الْأَب، وهم أخوال رَسُول
الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[8] وَاسم سيل: خير بن حمالَة بن عَوْف بن غنم بن عَامر الجادر بن عَمْرو
بن جعثمة.
[9] زِيَادَة عَن أ.
[10] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ، والاشتقاق لِابْنِ دُرَيْد، ولسان الْعَرَب
(مَادَّة جعثم) . وَفِي الْأُصُول:
«خثعمة» وَهُوَ تَحْرِيف.
[11] رَاجع الْحَاشِيَة (رقم 1 ص 50 من هَذَا الْجُزْء) .
(1/104)
(نَسَبُ جُعْثُمَةَ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: جُعْثُمَةُ الْأَسْدِ، وَجُعْثُمَةُ
الْأَزْدِ، وَهُوَ جُعْثُمَةُ ابْن يَشْكُرَ بْنِ مُبَشِّرِ بْنِ صَعْبِ
بْنِ دُهْمَانَ بْنِ نَصْرِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ
الْغَوْثِ، وَيُقَالُ: جُعْثُمَةُ ابْن يَشْكُرَ بْنِ مُبَشِّرِ بْنِ
صَعْبِ بْنِ نَصْرِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ.
وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجَدَرَةَ، لِأَنَّ عَامِرَ بْنَ عَمْرِو [1] بْنِ
جُعْثُمَةَ تَزَوَّجَ بِنْتَ الْحَارِثِ ابْن مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيِّ،
وَكَانَتْ جُرْهُمُ أَصْحَابَ الْكَعْبَةِ. فَبَنَى لِلْكَعْبَةِ جدارا،
فسمّى عَامر بِذَلِكَ الْجَادِرِ، فَقِيلَ لِوَلَدِهِ: الْجَدَرَةُ
لِذَلِكَ [2] .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلِسَعْدِ بْنِ سَيَلٍ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
مَا نَرَى فِي النَّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا ... مَنْ عَلِمْنَاهُ كَسَعْدِ
بْنِ سَيَلْ
فَارِسًا أَضْبَطَ فِيهِ عُسْرَةٌ ... وَإِذَا مَا وَاقَفَ الْقِرْنَ
نَزَلْ [3]
فَارِسًا يَسْتَدْرِجُ الْخَيْلَ كَمَا ... اسْتَدْرَجَ الْحُرُّ
الْقَطَامِيُّ [4] الْحَجَلْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: «كَمَا اسْتَدْرَجَ الْحُرُّ» عَنْ بَعْضِ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ.
(بَقِيَّةُ أَوْلَادِ كِلَابٍ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنُعْمُ بِنْتُ كِلَابٍ، وَهِيَ أُمُّ أَسْعَدَ
وَسُعَيْدٍ ابْنَيْ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
لُؤَيٍّ، وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ.
(أَوْلَادُ قُصَيٍّ وَأُمُّهُمْ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ قُصَيُّ [5] بْنُ كِلَابٍ أَرْبَعَةَ
نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ: عَبْدَ مَنَافِ
__________
[1] فِي الأَصْل: «عَامر بن عَمْرو بن خُزَيْمَة بن خثعمة. وَالصَّوَاب مَا
أَثْبَتْنَاهُ. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[2] وَذَلِكَ أَن السَّيْل دخل الْكَعْبَة ذَات مرّة وصدع بنيانها،
فَفَزِعت لذَلِك قُرَيْش، وخافوا انهدادها إِن جَاءَ سيل آخر، وَأَن يذهب
شرفهم وَدينهمْ، فَبنى عَامر لَهَا جدارا، فَسمى الجادر لذَلِك.
[3] الأضبط: الّذي يعْمل بكلتا يَدَيْهِ، يعْمل باليسرى كَمَا يعْمل
باليمنى. والعسرة: الشدَّة. والقرن:
الّذي يُقَاوم فِي الْحَرْب.
[4] الْحر الْقطَامِي: يُرِيد الصَّقْر.
[5] وَكَانَ قصي يَقُول فِيمَا زَعَمُوا: ولد لي أَرْبَعَة، فسميت
اثْنَيْنِ بصنمى، وواحدا بداري، وواحدا بنفسي.
(1/105)
ابْن قُصَيٍّ، وَعَبْدَ الدَّارِ بْنَ
قُصَيٍّ، وَعَبْدَ الْعُزَّى بْنَ قُصَيٍّ، وَعَبْدَ (قُصَيِّ) [1] بْنَ
قُصَيٍّ، وَتَخْمُرَ [2] بِنْتَ قُصَيٍّ، وَبَرَّةَ بِنْتَ قُصَيٍّ.
وَأُمُّهُمْ حُبَيُّ بِنْتُ حُلَيْلِ بْنِ حَبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولَ ابْن
كَعْبِ بْنِ عَمْرِو الْخُزَاعِيِّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: حُبْشِيَّةُ [3] بْنُ سَلُولَ.
(أَوْلَادُ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ عَبْدُ مَنَافٍ- وَاسْمُهُ الْمُغِيرَةُ
بْنُ قُصَيٍّ- أَرْبَعَةَ نَفَرٍ:
هَاشِمَ [4] بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَعَبْدَ شَمْسِ [5] بْنَ عَبْدِ
مَنَافٍ، وَالْمُطَلِّبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ [6]
بِنْتُ مُرَّةَ بْنِ هِلَالِ [7] بْنِ فَالِجِ [8] بْنِ ذَكْوَانَ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ،
وَنَوْفَلَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهُ وَاقِدَةُ بِنْتُ عَمْرٍو
الْمَازِنِيَّةُ.
مَازِنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ.
__________
[1] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
[2] لم يذكر الطَّبَرِيّ تخمر فِي أَوْلَاد قصي، وَاقْتصر على الذُّكُور
الْأَرْبَعَة، وَذكرهَا الزبيدِيّ فِي كِتَابه إِيضَاح المدارك، وَقَالَ:
تخمر كتنصر.
[3] ضبطت فِي الأولى بِفتْحَتَيْنِ، وَفِي الثَّانِيَة بِالضَّمِّ، وعَلى
هَذَا الرأى الْأَخير الزبيدِيّ فِي كِتَابه إِيضَاح المدارك عَن العواتك،
فقد ضبطت فِيهِ الْعبارَة بِالضَّمِّ.
[4] واسْمه عَمْرو، وَيُقَال لَهُ: هَاشم لِأَنَّهُ أول من هشم الثَّرِيد
لِقَوْمِهِ، وَله يَقُول مطرود بن كَعْب الْخُزَاعِيّ، وَقيل ابْن الزبعري:
عَمْرو الّذي هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ ... وَرِجَال مَكَّة مسنتون عجاف
(رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[5] وَكَانَ عبد شمس تلوا لهاشم، وَقيل: بل كَانَا توأمين، فولد هَاشم،
وَرجله فِي جبهة عبد شمس ملتصقة، فَلم يقدر على نَزعهَا إِلَّا بِدَم،
فَكَانُوا يَقُولُونَ: سَيكون بَين ولديهما دِمَاء، فَكَانَت تِلْكَ
الدِّمَاء مَا وَقع بَين بنى هَاشم وَبنى أُميَّة بن عبد شمس
[6] وَيُقَال: إِن لعاتكة من غير عبد منَاف: الْحَارِث بن حبش السّلمِيّ،
فَهُوَ أَخُو هَاشم، وَعبد شمس وَالْمطلب، لأمهم، وَأَنه رثى هاشما لهَذِهِ
الْأُخوة.
[7] وَأم عبد منَاف عَاتِكَة بنت هِلَال بن فالج بن ذكْوَان، وعَلى هَذَا
تكون أم عبد منَاف عمَّة عَاتِكَة
[8] كَذَا فِي أ، وإيضاح المدارك عَن العواتك للزبيدى. وَفِي سَائِر
الْأُصُول: «فألح» بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ تَصْحِيف.
(1/106)
(نَسَبُ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبِهَذَا النَّسَبِ خَالَفَهُمْ عُتْبَةَ بْنُ
غَزْوَانَ بْنِ جَابِرِ بْنِ وهب بن تسيب [1] بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ مَازِنِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ.
(عَوْدٌ إلَى أَوْلَادِ عَبْدِ مَنَافٍ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَبُو عَمْرٍو، وَتُمَاضِرُ، وَقِلَابَةُ،
وَحَيَّةُ، وَرَيْطَةُ، وَأُمُّ الْأَخْثَمِ، وَأُمُّ سُفْيَانَ: بَنُو
عَبْدِ مَنَافٍ.
فَأُمُّ أَبِي عَمْرٍو: رَيْطَةُ، امْرَأَةٌ مِنْ ثَقِيفٍ، وَأُمُّ سَائِرِ
النِّسَاءِ: عَاتِكَةُ بِنْتُ مرّة ابْن هلام، أُمُّ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ، وَأُمُّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حَوْزَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَلُولَ
بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، وَأُمُّ
صَفِيَّةَ: بِنْتُ عَائِذِ اللَّهِ [2] ابْن سَعْدِ [3] الْعَشِيرَةِ بْنِ
مَذْحِجٍ.
(أَوْلَادُ هَاشِمٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [4] : فَوَلَدَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ
أَرْبَعَةَ نَفَرٍ، وَخَمْسَ نِسْوَةٍ:
عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ، وَأَسَدَ بْنَ هَاشِمٍ، وَأَبَا
صَيْفِيِّ بْنَ هَاشِمٍ، وَنَضْلَةَ بْنَ هَاشِمٍ، وَالشِّفَاءَ،
وَخَالِدَةَ، وَضَعِيفَةَ، وَرُقَيَّةَ، وَحَيَّةَ. فَأُمُّ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ وَرُقَيَّةَ: سَلْمَى [5] بِنْتُ عَمْرِو [6] بْنِ زَيْدِ
بْنِ لَبِيدِ (بْنِ حَرَامِ) [7] بْنِ خِدَاشِ بْنِ عَامِرِ [8] بْنِ
غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ
__________
[1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «سيب» .
[2] ويروى: عبد الله.
[3] كَذَا: فِي الأَصْل. وَالظَّاهِر أَن صَوَاب الْعبارَة: « ... من سعد
... إِلَخ» . لِأَن سعد الْعَشِيرَة ابْن مذْحج هُوَ أَبُو الْقَبَائِل
المنسوبة إِلَى مذْحج إِلَّا أقلهَا، وَلَا يكون فِي عصر هَاشم من هُوَ
ابْن لَهُ لصلبه.
[4] كَذَا فِي الْأُصُول. وَلَقَد عودنا ابْن هِشَام فِيمَا مضى من
الْكَلَام على النّسَب أَن ينْقل عَن ابْن إِسْحَاق ويقفى هُوَ بِرَأْيهِ،
وَلكنه عرض هُنَا للْكَلَام على أَوْلَاد هَاشم غير ناقل عَن ابْن
إِسْحَاق، وَكَذَلِكَ كَانَ شَأْنه عِنْد الْكَلَام على أَوْلَاد عبد
الْمطلب.
[5] وَأمّهَا عمْرَة بنت صَخْر المازنية، وَابْنهَا عَمْرو بن أحيحة بن
الجلاح، وَأَخُوهُ معبد، ولدتهما لأحيحة بعد هَاشم.
[6] وَيُقَال: هِيَ سلمى بنت زيد بن عَمْرو. (رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[7] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
[8] اتّفق الطَّبَرِيّ مَعَ السِّيرَة فِي نسب سلمى إِلَى خِدَاش، ثمَّ
خالفها فِيمَا بعد هَذَا، فَقَالَ: «خِدَاش ابْن جُنْدُب بن عدي بن النجار»
.
(1/107)
ابْن النَّجَّارِ. وَاسْمُ النَّجَّارِ:
تَيْمُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ
حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ.
وَأُمُّهَا: عَمِيرَةُ بِنْتُ صَخْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ. وَأُمُّ عَمِيرَةَ سَلْمَى بِنْتُ عَبْدِ
الْأَشْهَلِ النَّجَّارِيَّةُ.
وَأُمُّ أَسَدٍ: قَيْلَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ الْخُزَاعِيِّ.
وَأُمُّ أَبِي صَيْفِيٍّ وَحَيَّةَ: هِنْدُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ
الْخَزْرَجِيَّةُ [1] .
وَأُمُّ نَضْلَةَ وَالشِّفَاءِ: امْرَأَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ.
وَأُمُّ خَالِدَةَ وَضَعِيفَةَ: وَاقِدَةُ بِنْتُ أَبِي عَدِيٍّ
الْمَازِنِيَّةُ.
أَوْلَادُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ
(عَدَدُهُمْ وَأُمَّهَاتُهُمْ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَوَلَدَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ عَشَرَةَ
نَفَرٍ وَسِتَّ نِسْوَةٍ: الْعَبَّاسَ وَحَمْزَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ،
وَأَبَا طَالِبٍ- وَاسْمُهُ عَبْدُ مَنَافٍ- وَالزُّبَيْرَ [2] ،
وَالْحَارِثَ، وَحَجْلًا [3] ، وَالْمُقَوِّمَ، وَضِرَارًا، وَأَبَا لَهَبٍ
[4]- وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى- وَصَفِيَّةَ، وَأُمَّ حَكِيمٍ
الْبَيْضَاءَ، وَعَاتِكَةَ، وَأُمَيْمَةَ، وَأَرَوَى، وبَرَّةَ.
__________
[1] هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن إِسْحَاق وَالْمَعْرُوف عِنْد أهل النّسَب
أَن أم حَيَّة: جحل بنت حبيب بن الْحَارِث ابْن مَالك بن خطيط الثقفية،
وَأَن حَيَّة هَذِه كَانَت تَحت الأحجم بن دندنة الْخُزَاعِيّ، ولدت لَهُ
أسيدا وَفَاطِمَة.
[2] الزبير هُوَ أكبر أعمام النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَهُوَ الّذي كَانَ يرقص النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
طِفْل، وَيَقُول:
مُحَمَّد بن عبدم ... عِشْت بعيش أنعم
فِي دولة ومغنم ... دَامَ سجيس الأزلم
وبنته ضباعة كَانَت تَحت الْمِقْدَاد، وَابْنه عبد الله من الصَّحَابَة رضى
الله عَنْهُم. وَكَانَ الزبير يكنى أَبَا طَاهِر، بِابْنِهِ الطَّاهِر،
وَكَانَ من أظرف فتيَان قُرَيْش، وَبِه سمى رَسُول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنه الطَّاهِر، وَيُقَال إِن الزبير كَانَ مِمَّن
يقرونَ بِالْبَعْثِ.
[3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، وَالرَّوْض الْأنف، والمعارف، والقاموس
مَادَّة «حجل» . وَفِي أ:
«جحل» بِتَقْدِيم الْجِيم على الْحَاء، وَهُوَ تَصْحِيف.
[4] وَاسم أَبى لَهب عبد الْعُزَّى، وكنى أَبَا لَهب لإشراق وَجهه.
(1/108)
فَأُمُّ الْعَبَّاسِ وَضِرَارٍ: نُكَيْلَةُ
[1] بِنْتُ جَنَابِ بْنِ كُلَيْبِ [2] بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو ابْن
عَامِرِ [3] بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَامِرٍ- وَهُوَ الضَّحْيَانُ- بْنُ
سَعْدِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ تَيْمِ اللَّاتِ بْنِ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطِ
بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ
نِزَارٍ.
وَيُقَالُ: أَفْصَى ابْنُ دُعْمِيِّ بْنِ جَدِيلَةَ.
وَأُمُّ حَمْزَةَ وَالْمُقَوَّمِ وَحَجْلٍ، وَكَانَ يُلَقَّبُ
بِالْغَيْدَاقِ لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ، وَسَعَةِ مَالِهِ، وَصَفِيَّةَ:
هَالَةُ [4] بِنْتُ [5] وُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ [6] بْنِ زُهْرَةَ
بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ.
وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرِ، وَجَمِيعِ
النِّسَاءِ غَيْرَ صَفِيَّةَ: فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ
عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ
لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ [7] النَّضْرِ.
وَأُمُّهَا: صَخْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ
يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ.
وَأُمُّ صَخْرَةَ: تَخْمُرُ بِنْتُ عَبْدِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ
مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ النَّضْرِ.
وَأُمُّ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: سَمْرَاءُ بِنْتُ جُنْدُبِ
بْنِ جُحَيْرِ بْنِ رِئَابِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ سُوَاءَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ
صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ
ابْن عِكْرِمَةَ.
__________
[1] وَأم نتيلة: أم حجر، أَو أم كرز بنت الأزب من بنى بكيل من هَمدَان.
[2] فِي المعارف: «نتيلة بنت كُلَيْب بن مَالك بن جناب» .
[3] وعامر هَذَا هُوَ الّذي يعرف بالضحيان، وَكَانَ من مُلُوك ربيعَة.
[4] وَيُقَال: إِن أم الغيداق: مَنْعَة بنت عَمْرو الْخُزَاعِيَّة. (رَاجع
الرَّوْض الْأنف، والمعارف) .
[5] كَذَا فِي المعارف لِابْنِ قُتَيْبَة. وَفِي الْأُصُول: «أهيب بن عبد
منَاف» .
[6] وَيُقَال: إِن أَوْلَاد فَاطِمَة فِي عبد الْمطلب هم: عبد الله، وَعبد
منَاف (أَبُو طَالب) وَالزُّبَيْر، وَعبد الْكَعْبَة، وعاتكة، وبرة،
وَأُمَيْمَة. (رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[7] فِي المعارف: صَفِيَّة بنت جُنْدُب، وَفِيه أَن ولديها اثْنَان:
الْحَارِث وأروى.
(1/109)
وَأُمُّ أَبِي لَهَبٍ: لُبْنَى بِنْتُ
هَاجَرَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ ضَاطِرَ بْنِ حُبْشِيَّةَ بْنِ سَلُولَ
بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ.
(رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّهَاتُهُ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَوَلَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ،
مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، صَلَوَاتُ
اللَّهِ وَسَلَامُهُ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ.
وَأُمِّهِ: آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ [1]
بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ
فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ.
وَأُمُّهَا: بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ
الدَّارِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ
بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ. وَأُمُّ بَرَّةَ:
أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ
كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ. وَأُمُّ أُمِّ حَبِيبٍ: بَرَّةُ [2] بِنْتُ
عَوْفِ ابْن عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ
بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَشْرَفُ وَلَدِ آدَمَ حَسَبًا، وَأَفْضَلُهُمْ نَسَبًا مِنْ قِبَلِ أَبِيه
وَأمه صلى [3] الله عَلَيْهِ وَسلم.
إشَارَةٌ إلَى ذِكْرِ احْتِفَارِ زَمْزَمَ
(شَيْءٌ عَنْ زَمْزَمَ) :
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيُّ [4] : بَيْنَمَا عَبْدُ
الْمُطَلِّبِ بْنُ هَاشِمٍ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ، إذْ
__________
[1] فِي المعارف لِابْنِ قُتَيْبَة: أَن زهرَة اسْم امْرَأَة عرف بهَا بَنو
زهرَة؟ وَهَذَا مُنكر غير مَعْرُوف، وَإِنَّمَا هُوَ اسْم جدهم، كَمَا
قَالَ ابْن إِسْحَاق
[2] الْمَعْرُوف: أَن جَمِيع أمهاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من
آمِنَة إِلَى برة بنت عَوْف قرشيات، وَأما مَا بعد ذَلِك من أمهاته فلسن من
قُرَيْش. فَأم برة بنت عَوْف: قلَابَة بنت الْحَارِث، وَأم قلَابَة:
أُمَيْمَة بنت مَالك، وَأم أُمَيْمَة: دبة بنت الْحَارِث، وَأمّهَا: بنت
كَهْف الظُّلم، من ثَقِيف
[3] ورد عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ: «مَا ولدتني بغى
قطّ مُنْذُ كنت فِي صلب آدم، فَلم تزل تنازعني الْأُمَم كَابِرًا عَن كَابر
حَتَّى خرجت فِي أفضل حيين فِي الْعَرَب: هَاشم وزهرة»
[4] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد
عبد الْملك بن هِشَام. قَالَ: وَكَانَ من حَدِيث رَسُول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَدثنَا بِهِ زِيَاد بن عبد الله البكائي عَن
مُحَمَّد بن إِسْحَاق المطلبي قَالَ ... إِلَخ» .
(1/110)
أُتِيَ فَأُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ، وَهِيَ
دَفْنٌ بَيْنَ صَنَمَيْ قُرَيْشٍ: إسَافٍ وَنَائِلَةٍ، عِنْدَ مَنْحَرِ
قُرَيْشٍ. وَكَانَتْ جُرْهُمُ دَفَنَتْهَا حِينَ ظَعَنُوا مِنْ مَكَّةَ،
وَهِيَ بِئْرُ إسْمَاعِيلَ ابْن إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ،
الَّتِي سَقَاهُ اللَّهُ حِينَ ظَمِئَ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَالْتَمَسَتْ لَهُ
أُمُّهُ مَاءً فَلَمْ تَجِدْهُ، فَقَامَتْ إلَى الصَّفَا تَدْعُو اللَّهَ
وَتَسْتَغِيثُهُ لِإِسْمَاعِيلَ، ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَتْ
مِثْلَ ذَلِكَ. وَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
فَهَمَزَ لَهُ [1] بِعَقِبِهِ فِي الْأَرْضِ، فَظَهَرَ الْمَاءُ،
وَسَمِعَتْ أُمُّهُ أَصْوَاتَ السِّبَاعِ فَخَافَتْهَا عَلَيْهِ، فَجَاءَتْ
تَشْتَدُّ نَحْوَهُ، فَوَجَدَتْهُ يَفْحَصُ [2] بِيَدِهِ عَنْ الْمَاءِ
مِنْ تَحْتِ خَدِّهِ وَيَشْرَبُ، فَجَعَلَتْهُ حِسْيًا [3] .
أَمْرُ جُرْهُمٍ وَدَفْنِ زَمْزَمَ
(وُلَاةُ الْبَيْتِ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ جُرْهُمٍ، وَدَفْنُهَا
زَمْزَمَ، وَخُرُوجُهَا مِنْ مَكَّةَ وَمَنْ وَلِيَ أَمْرَ مَكَّةَ
بَعْدَهَا إلَى أَنْ حَفَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ زَمْزَمَ، مَا حَدَّثَنَا
بِهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيُّ، قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ
ابْنُهُ نَابِتُ بْنُ إسْمَاعِيلَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلِيَهُ، ثُمَّ
وَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيُّ.
(جُرْهُمٌ وَقَطُورَاءُ، وَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيُّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَنُو إسْمَاعِيلَ وَبَنُو نَابِتٍ مَعَ جَدِّهِمْ
مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو
__________
[1] وَمن هُنَا سميت زَمْزَم أَيْضا: همزَة جِبْرِيل، وهزمة جِبْرِيل.
وَقَالَ المَسْعُودِيّ: سميت زَمْزَم لِأَن الْفرس كَانَت تحج إِلَيْهَا
فِي الزَّمن الأول فزمزمت عَلَيْهَا، والزمزمة: صَوت تخرجه الْفرس من
خياشيمها عِنْد شرب المَاء، وَقد كتب عمر رضى الله عَنهُ إِلَى عماله: أَن
انهوا الْفرس عَن الزمزمة. وَقيل: بل سميت زَمْزَم لِأَنَّهَا زمت
بِالتُّرَابِ لِئَلَّا يَأْخُذ المَاء يَمِينا وَشمَالًا.
[2] يفحص: يكْشف.
[3] الْحسي: الحفيرة الصَّغِيرَة، وَقيل: أصل الْحسي مَا يغور فِي الرمل،
فَإِذا بحث عَنهُ ظهر.
(1/111)
وَأَخْوَالِهِمْ مِنْ جُرْهُمٍ [1] .
وَجُرْهُمٌ وَقَطُورَاءُ [2] يَوْمَئِذٍ أَهْلُ مَكَّةَ، وَهُمَا ابْنَا
عَمٍّ وَكَانَا ظَعَنَا مِنْ الْيَمَنِ، فَأَقْبَلَا سَيَّارَةً، وَعَلَى
جُرْهُمٍ مُضَاضُ بْنُ عَمْرِو، وَعَلَى قَطُورَاءَ السَّمَيْدَعُ [3] ،
رَجُلٌ مِنْهُمْ. وَكَانُوا إذَا خَرَجُوا مِنْ الْيَمَنِ لَمْ يَخْرُجُوا
إلَّا وَلَهُمْ مَلِكٌ يُقِيمُ أَمْرَهُمْ. فَلَمَّا نَزَلَا مَكَّةَ
رَأَيَا بَلَدًا ذَا مَاءٍ وَشَجَرٍ، فَأَعْجَبَهُمَا فَنَزَلَا بِهِ.
فَنَزَلَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ بِأَعْلَى
مَكَّةَ بِقُعَيْقِعَانَ [4] فَمَا حَازَ. وَنَزَلَ السَّمَيْدَعُ
بِقَطُورَاءَ، أَسْفَلَ مَكَّةَ بِأَجْيَادِ [5] فَمَا حَازَ. فَكَانَ مضاض
يعثر [6] مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ أَعْلَاهَا، وَكَانَ السَّمَيْدَعُ
يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَكُلٌّ فِي قَوْمِهِ لَا
يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. ثُمَّ إنَّ جُرْهُمَ
وَقَطُورَاءَ، بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَتَنَافَسُوا الْمُلْكَ
بِهَا، وَمَعَ مُضَاضٍ يَوْمَئِذٍ بَنُو إسْمَاعِيلَ وَبَنُو نَابِتٍ،
وَإِلَيْهِ وِلَايَةُ الْبَيْتِ دُونَ السَّمَيْدَعِ، فَسَارَ بَعْضُهُمْ
إلَى بَعْضٍ، فَخَرَجَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ قُعَيْقِعَانَ فِي
كَتِيبَتِهِ سَائِرًا إلَى السَّمَيْدَعِ، وَمَعَ كَتِيبَتِهِ عُدَّتُهَا
مِنْ الرِّمَاحِ وَالدَّرَقِ وَالسُّيُوفِ وَالْجِعَابِ، يُقَعْقِعُ
بِذَلِكَ مَعَهُ، فَيُقَالُ: مَا سُمِّيَ قُعَيْقِعَانُ بِقُعَيْقِعَانَ
إلَّا لِذَلِكَ. وَخَرَجَ السَّمَيْدَعُ مِنْ أَجْيَادٍ وَمَعَهُ الْخَيْلُ
وَالرِّجَالُ، فَيُقَالُ: مَا سُمِّيَ أَجْيَادٌ أَجِيَادًا إلَّا
لِخُرُوجِ الْجِيَادِ [7] مِنْ الْخَيْلِ مَعَ السَّمَيْدَعِ مِنْهُ.
فَالْتَقَوْا بِفَاضِحٍ [8] ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ
السَّمَيْدَعُ، وَفُضِحَتْ قَطُورَاءُ. فَيُقَالُ: مَا سُمِّيَ فَاضِحٌ
فَاضِحًا إلَّا لِذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ الْقَوْمَ تَدَاعَوْا
__________
[1] جرهم: هُوَ قحطان بن عَابِر بن شالخ.
[2] قطوراء: هُوَ قطوراء بن كركر.
[3] السميدع: هُوَ السميدع بن هوثر بن لأى بن قطوراء بن كركر بن عملاق،
وَيُقَال: إِن الزباء من ذُريَّته، وَهِي بنت عَمْرو بن أذينة بن ظرب بن
حسان، وَبَين حسان والسميدع آبَاء كَثِيرَة.
[4] قعيقعان: جبل بِمَكَّة يَلِي الصَّفّ. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[5] أجياد: مَوضِع بِمَكَّة يَلِي الصَّفّ (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[6] يُقَال: عشر فلَان الْقَوْم عشرا وعشورا: إِذا أَخذ عشر أَمْوَالهم.
[7] هَذَا بعيد: لِأَن جِيَاد الْخَيل لَا يُقَال فِيهَا أجياد، وَأما
أجياد فَجمع جيد. وَقد ذكر أَن مضاضا ضرب فِي ذَلِك الْموضع أجياد مائَة
رجل من العمالقة، فَسمى الْموضع أجيادا لهَذَا.
[8] فاضح: مَوضِع قرب مَكَّة عِنْد أَبى قبيس، كَانَ النَّاس يخرجُون
إِلَيْهِ لحاجاتهم. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
(1/112)
إلَى الصُّلْحِ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا
الْمَطَابِخَ: شِعْبًا بِأَعْلَى مَكَّةَ [1] ، وَاصْطَلَحُوا بِهِ،
وَأَسْلَمُوا الْأَمْرَ إلَى مُضَاضٍ. فَلَمَّا جُمِعَ إلَيْهِ أَمْرُ
مَكَّةَ فَصَارَ مُلْكُهَا لَهُ، نَحَرَ لِلنَّاسِ فَأَطْعَمَهُمْ، فاطّبخ
[2] النَّاس ويأكلوا، فَيُقَالُ: مَا سُمِّيَتْ الْمَطَابِخُ الْمَطَابِخَ
إلَّا لِذَلِكَ. وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَزْعُمُ أَنَّهَا إنَّمَا
سُمِّيَتْ الْمَطَابِخَ، لَمَّا كَانَ تُبَّعٌ نَحَرَ بِهَا وَأَطْعَمَ،
وَكَانَتْ مَنْزِلَهُ. فَكَانَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ مُضَاضٍ
وَالسَّمَيْدَعِ أَوَّلَ بَغْيٍ كَانَ بِمَكَّةَ فِيمَا يَزْعُمُونَ.
(أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ وَجُرْهُمٍ بِمَكَّةَ) :
ثُمَّ نَشَرَ اللَّهُ وَلَدَ إسْمَاعِيلَ بِمَكَّةَ، وَأَخْوَالُهُمْ مِنْ
جُرْهُمٍ، وُلَاةُ الْبَيْتِ وَالْحُكَّامُ بِمَكَّةَ، لَا يُنَازِعُهُمْ
وَلَدُ إسْمَاعِيلَ فِي ذَلِك لخؤولتهم وَقَرَابَتِهِمْ، وَإِعْظَامًا
لِلْحُرْمَةِ أَنْ يَكُونَ بِهَا بَغْيٌ أَوْ قِتَالٌ. فَلَمَّا ضَاقَتْ
مَكَّةُ عَلَى وَلَدِ إسْمَاعِيلَ انْتَشَرُوا فِي الْبِلَادِ، فَلَا
يُنَاوِئُونَ قَوْمًا إلَّا أَظْهَرَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِدِينِهِمْ
فَوَطِئُوهُمْ.
اسْتِيلَاءُ قَوْمِ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ على الْبَيْت وَفِي جُرْهُمٍ
(بَغْيُ جُرْهُمٍ بِمَكَّةَ وَطَرْدُ بَنِي بَكْرٍ لَهُمْ) :
ثُمَّ إنَّ جُرْهُمًا بَغَوْا بِمَكَّةَ، وَاسْتَحَلُّوا خِلَالًا [3] مِنْ
الْحُرْمَةِ، فَظَلَمُوا مَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَأَكَلُوا
مَالَ الْكَعْبَةِ الَّذِي يُهْدَى [4] لَهَا، فَرَقَّ أَمْرَهُمْ.
فَلَمَّا رَأَتْ بَنُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ،
وَغُبْشَانُ مِنْ خُزَاعَةَ ذَلِكَ، أَجَمَعُوا
__________
[1] وَفِي المطابخ يَقُول الشَّاعِر:
أَطُوف بالمطابخ كل يَوْم ... مَخَافَة أَن يشردنى حَكِيم
يُرِيد حَكِيم بن أُميَّة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[2] اطبخ الرجل: طبخ لنَفسِهِ خَاصَّة، أَو اتخذ طبيخا، وَيُقَال: اطبخ
الرجل اللَّحْم، وَذَلِكَ إِذا طبخه.
[3] الْخلال: الْخِصَال.
[4] كَانَ كل مَا يهدى إِلَى الْكَعْبَة يلقى فِي بِئْر قريبَة القعر،
كَانَ احتفرها إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد بَاب الْكَعْبَة.
وَيُقَال: إِنَّه لما فسد أَمر جرهم، وسرقوا مَال الْكَعْبَة مرّة بعد
مرّة، دخل رجل مِنْهُم الْبِئْر ليَسْرِق مَال الْكَعْبَة، فَسقط عَلَيْهِ
حجر من شَفير الْبِئْر فحبسه فِيهَا. كَمَا يذكرُونَ أَنه أرْسلت على
الْبِئْر حَيَّة، فَكَانَت تهيب من يدنو مِنْهَا.
8- سيرة ابْن هِشَام- 1
(1/113)
لِحَرْبِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ
مَكَّةَ. فَآذَنُوهُمْ بِالْحَرْبِ فَاقْتَتَلُوا، فَغَلَبَتْهُمْ بَنُو
بَكْرٍ وَغُبْشَانُ فَنَفَوْهُمْ مِنْ مَكَّةَ. وَكَانَتْ مَكَّةُ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ لَا تُقِرُّ فِيهَا ظُلْمًا وَلَا بَغْيًا، وَلَا يَبْغِي
فِيهَا أَحَدٌ إلَّا أَخَرَجَتْهُ، فَكَانَتْ تُسَمَّى النَّاسَّةَ [1] ،
وَلَا يُرِيدُهَا مَلِكٌ يَسْتَحِلُّ حُرْمَتَهَا إلَّا هَلَكَ مَكَانَهُ،
فَيُقَالُ: إنَّهَا مَا سُمِّيَتْ بِبَكَّةِ إلَّا أَنَّهَا كَانَتْ
تَبُكُّ [2] أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ إذَا أَحْدَثُوا فِيهَا شَيْئًا.
(بَكَّةُ لُغَةً) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ:
أَنَّ بَكَّةَ اسْمٌ لِبَطْنِ مَكَّةَ، لِأَنَّهُمْ يَتَبَاكَوْنَ فِيهَا،
أَيْ يَزْدَحِمُونَ. وَأَنْشَدَنِي:
إذَا الشَّرِيبُ [3] أَخَذَتْهُ أَكَّهُ ... [4] ، فَخَلِّهِ حَتَّى
يَبُكَّ بَكَّهُ
أَيْ فَدَعْهُ حَتَّى يَبُكَّ إبِلَهُ، أَيْ يُخَلِّيهَا إلَى الْمَاءِ
فَتَزْدَحِمُ عَلَيْهِ. وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ.
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِعَامَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ
بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ
الْجُرْهُمِيُّ بِغَزَالِيِّ الْكَعْبَةِ وَبِحَجَرِ الرُّكْنِ،
فَدَفَنَهَا فِي زَمْزَمَ، وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ
إلَى الْيَمَنِ، فَحَزِنُوا عَلَى مَا فَارَقُوا مِنْ أَمْرِ مَكَّةَ
وَمُلْكِهَا حُزْنًا شَدِيدًا. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ (بْنِ
عَمْرِو) [5] بْنِ مُضَاضٍ فِي ذَلِكَ [6] ، وَلَيْسَ بِمُضَاضٍ
الْأَكْبَرِ:
وَقَائِلَةٍ وَالدَّمْعُ سَكْبٌ مُبَادِرُ ... وَقَدْ شَرِقَتْ بِالدَّمْعِ
مِنْهَا الْمَحَاجِرُ
__________
[1] كَمَا كَانَت تسمى النساسة، وهما من «نس» بِمَعْنى يبس وأجدب، كَمَا
يُقَال لَهَا: الباسة» أَيْضا، وَهُوَ من البس بِمَعْنى التفتيت.
[2] تبك: تكسر.
[3] كَذَا فِي أولسان الْعَرَب (مادتي أك وَبِك) . والشريب: الّذي يسقى
إبِله مَعَ إبلك. وَفِي الأَصْل:
«الشريت» ، وَهُوَ تَصْحِيف.
[4] الأكة: شدَّة الْحر، وَقيل شدَّة الْأَلَم.
[5] زِيَادَة عَن مُعْجم الْبلدَانِ.
[6] وَالسَّبَب فِي قَول هَذَا الشّعْر: أَن عَمْرو بن الْحَارِث كَانَ قد
نزل بقنونى من أَرض الْحجاز، فضلت لَهُ إبل، فبغاها حَتَّى أَتَى الْحرم،
فَأَرَادَ دُخُوله ليَأْخُذ إبِله، فَنَادَى عَمْرو بن لحي: من وجد جرهميا
فَلم يقْتله قطعت يَده. فَسمع بذلك عَمْرو بن الْحَارِث، وأشرف على جبل من
جبال مَكَّة، فَرَأى إبِله تنحر ويتوزع لَحمهَا، فَانْصَرف بائسا خَائفًا
ذليلا، وَأبْعد فِي الأَرْض: وبغربته يضْرب الْمثل، ثمَّ قَالَ هَذَا
الشّعْر
(1/114)
كَأَنَّ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ [1]
إلَى الصَّفَا ... أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سَامِرُ
فَقُلْتُ لَهَا وَالْقَلْبُ مِنِّي كَأَنَّمَا ... يُلَجْلِجُهُ [2] بَيْنَ
الْجَنَاحَيْنِ طَائِرُ
بَلَى نَحْنُ كُنَّا أَهْلَهَا فَأَزَالَنَا ... صُرُوفُ اللَّيَالِي
وَالْجُدُودِ [3] الْعَوَاثِرِ
وَكُنَّا وُلَاةَ الْبَيْتِ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... نَطُوفُ بِذَاكَ
الْبَيْتِ وَالْخَيْرُ ظَاهِرُ [4]
وَنَحْنُ وَلِينَا الْبَيْتَ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... بِعَزٍّ فَمَا
يَحْظَى لَدَيْنَا الْمُكَاثِرُ
مَلَكْنَا فَعَزَّزْنَا فَأَعْظِمْ بِمُلْكِنَا ... فَلَيْسَ لِحَيِّ
غَيْرِنَا ثَمَّ فَاخِرُ
أَلَمْ تُنْكِحُوا مِنْ خَيْرِ شخص [5] عَلمته [6] ... فأبناوه مِنَّا
وَنَحْنُ الْأَصَاهِرُ
فَإِنْ تَنْثَنِ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بِحَالِهَا ... فَإِنَّ لَهَا حَالًا
وَفِيهَا التَّشَاجُرُ
فَأَخْرَجَنَا مِنْهَا الْمَلِيكُ بِقُدْرَةٍ ... كَذَلِكَ يَا لِلنَّاسِ
تَجْرِي الْمَقَادِرُ
أَقُولُ إذَا نَامَ الْخَلِيُّ وَلَمْ أَنَمْ ... أَذَا الْعَرْشِ: لَا
يَبْعُدُ سُهَيْلٌ وَعَامِرٌ
وَبُدِّلْتُ مِنْهَا أَوْجُهًا لَا أُحِبُّهَا ... قَبَائِلُ مِنْهَا
حِمْيَرُ وَيُحَابِرُ [7]
وَصِرْنَا أَحَادِيثَا وَكُنَّا بِغِبْطَةٍ ... بِذَلِكَ عَضَّتْنَا
السِّنُونَ الْغَوَابِرُ
فَسَحَّتَ دُمُوعُ الْعَيْنِ تَبْكِي لِبَلْدَةٍ ... بِهَا حَرَمٌ أَمْنٌ
وَفِيهَا الْمَشَاعِرُ [8]
وَتَبْكِي لِبَيْتٍ لَيْسَ يُوذَى حَمَامُهُ ... يَظَلُّ بِهِ أَمْنًا
وَفِيهِ الْعَصَافِرُ [9]
__________
[1] الْحجُون: جبل بِأَعْلَى مَكَّة، عَلَيْهِ مدافن أَهلهَا، وَقيل:
مَكَان من الْبَيْت على ميل وَنصف، وَقيل على فَرسَخ وَثلث، عَلَيْهِ
سَقِيفَة آل زِيَاد بن عبد الله الْحَارِثِيّ، وَكَانَ عَاملا على مَكَّة
فِي أَيَّام السفاح وَبَعض أَيَّام الْمَنْصُور. وَقَالَ الْأَصْمَعِي:
الْحجُون: هُوَ الْجَبَل المشرف الّذي بحذاء مَسْجِد الْبيعَة على شعب
الجزارين. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[2] يلجلجه: يديره.
[3] الجدود: جمع جد، وَهُوَ الْحَظ.
[4] يُشِير بِهَذَا الْبَيْت إِلَى أَنه بعد موت نابت، وَأمه جرهمية، وَلم
يكثر ولد إِسْمَاعِيل، غلبت جرهم على ولَايَة الْبَيْت.
[5] يعْنى: إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَذَلِكَ أَنه نكح امْرَأَة من
جرهم.
[6] وَرِوَايَة هَذَا الشّطْر فِي الطَّبَرِيّ:
وصاهرنا من أكْرم النَّاس والدا
[7] حمير ويحابر: من قبائل الْيمن، وَيُقَال: إِن يحابر هِيَ مُرَاد.
[8] المشاعر: الْمَوَاضِع الْمَشْهُورَة فِي الْحَج الَّتِي يتعبد بهَا.
[9] أَرَادَ: العصافير، وَحذف الْيَاء للضَّرُورَة.
(1/115)
وَفِيهِ وُحُوشٌ لَا تُرَامُ أَنِيسَةٌ ...
إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ فَلَيْسَتْ تُغَادِرُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «فَأَبْنَاؤُهُ منا» ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ
إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا يَذْكُرُ
بَكْرًا وَغُبْشَانُ، وَسَاكِنِي مَكَّةَ الَّذِينَ خَلَفُوا فِيهَا
بَعْدَهُمْ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ سِيرُوا إنَّ قَصْرَكُمْ [1] ... أَنْ تُصْبِحُوا
ذَاتَ يَوْمٍ لَا تَسِيرُونَا
حُثُّوا الْمَطِيَّ وَأَرْخُوا مِنْ أَزِمَّتِهَا ... قَبْلَ الْمَمَاتِ
وَقَضُّوا مَا تُقِضُّونَا
كُنَّا أُنَاسًا كَمَا كُنْتُمْ فَغَيَّرَنَا ... دَهْرٌ فَأَنْتُمْ كَمَا
كُنَّا تَكُونُونَا
[2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا صَحَّ لَهُ مِنْهَا. وَحَدَّثَنِي
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ: أَنَّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ أَوَّلُ
شِعْرٍ قِيلَ فِي الْعَرَبِ، وَأَنَّهَا وُجِدَتْ مَكْتُوبَةً فِي حَجَرٍ
بِالْيَمَنِ، وَلَمْ يُسَمِّ لِي قَائِلَهَا [3] .
__________
[1] قصركم: نهايتكم وغايتكم.
[2] وَزَاد بَعضهم على هَذِه الأبيات:
إِن التفكر لَا يجدي لصَاحبه ... عِنْد البديهة فِي علم لَهُ دونا
فاستخبروا فِي صَنِيع النَّاس قبلكُمْ ... كَمَا استبان طَرِيق عِنْده
الهونا
كُنَّا زَمَانا مُلُوك النَّاس قبلكُمْ ... بمسكن فِي حرَام الله مسكونا
[3] ويروى: أَنه وجد فِي بِئْر بِالْيَمَامَةِ ثَلَاثَة أَحْجَار. فوجدوا
فِي حجر من الثَّلَاثَة مَكْتُوبًا هَذِه الأبيات، ووجدوا فِي حجر آخر
مَكْتُوبًا:
يَا أَيهَا الْملك الّذي ... بِالْملكِ ساعده زَمَانه
مَا أَنْت أول من علا ... وَعلا شئون النَّاس شانه
أقصر عَلَيْك مراقبا ... فالدهر مخذول أَمَانه
كم من أَشمّ معصب ... بالتاج مرهوب مَكَانَهُ
قد كَانَ ساعده الزَّمَان ... وَكَانَ ذَا خفض جنانه
تجرى الجداول حوله ... للجند مترعة جفانه
قد فاجأته منية ... لم ينجه مِنْهَا اكتنانه
وَتَفَرَّقَتْ أجناده ... عَنهُ وناح بِهِ قيانه
والدهر من يعلق بِهِ ... يطحنه مفترسا جرانه
وَالنَّاس شَتَّى فِي الْهوى ... كالمرء مُخْتَلف بنانه
والصدق أفضل شِيمَة ... والمرء يقْتله لِسَانه
والصمت أسعد للفتى ... وَلَقَد يشرفه بَيَانه
وَوجد بِالْحجرِ الثَّالِث قصيدة على هَذَا النمط كلهَا حكم ومواعظ،
ومطلعها:
(1/116)
اسْتِبْدَادُ قَوْمٍ مِنْ خُزَاعَةَ
بِوِلَايَةِ الْبَيْتِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ غُبْشَانَ مِنْ خُزَاعَةَ وَلِيَتْ
الْبَيْتَ دُونَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ، وَكَانَ الَّذِي
يَلِيهِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْغُبْشَانِيُّ، وَقُرَيْشٌ إذْ
ذَاكَ حُلُولٌ وَصِرَمٌ، [1] وَبُيُوتَاتٌ مُتَفَرِّقُونَ فِي قَوْمِهِمْ
مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَوَلِيَتْ خُزَاعَةُ الْبَيْتَ يَتَوَارَثُونَ
ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، حَتَّى كَانَ آخِرُهُمْ حُلَيْلُ بْنُ
حَبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيَّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ حُبْشِيَّةُ بْنُ سَلُولَ.
تَزَوُّجُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ حُبَّى بِنْتَ حُلَيْلٍ
(أَوْلَادُ قُصَيٍّ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ قُصَيَّ بْنَ كِلَابٍ خَطَبَ إلَى
حُلَيْلِ بْنِ حُبْشِيَّةَ ابْنَتَهُ حُبَّى، فَرَغِبَ فِيهِ حُلَيْلٌ
فَزَوَّجَهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الدَّارِ، وَعَبْدَ مَنَافٍ، وَعَبْدَ
الْعُزَّى، وَعَبْدًا. فَلَمَّا انْتَشَرَ وَلَدُ قُصَيٍّ، وَكَثُرَ
مَالُهُ، وَعَظُمَ شَرَفُهُ، هَلَكَ حُلَيْلٌ.
(تَوَلِّي قُصَيٍّ أَمْرَ الْبَيْتِ وَنُصْرَةَ رُزَاحٍ لَهُ) :
فَرَأَى قُصَيٌّ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ، وَبِأَمْرِ مَكَّةَ مِنْ
خُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ، وَأَنَّ قُرَيْشًا قُرْعَةُ [2] إسْمَاعِيلَ
بْنِ إبْرَاهِيمَ وَصَرِيحُ وَلَدِهِ. فَكَلَّمَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ،
وَبَنِيَّ كِنَانَةَ،
__________
[ () ]
كل عَيْش تعله ... لَيْسَ للدهر خله
يَوْم بؤس ونعمه ... واجتماع وقله
حبنا الْعَيْش وَالتَّكَاثُر ... جهل وضله
وَمِنْهَا:
آفَة الْعَيْش وَالنَّعِيم ... كرور الْأَهِلّة
وصل يَوْم وَلَيْلَة ... وَاعْتِرَاض بعلة
[1] الصرم: الْجَمَاعَات المتقطعة.
[2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والقرعة: نخبة الشَّيْء وخياره. وَفِي
الطَّبَرِيّ وأ: «فرعة» بِالْفَاءِ.
وفرعة الْجَبَل: أَعْلَاهُ. يُرِيد أَن قُريْشًا أَعلَى ولد إِسْمَاعِيل.
(1/117)
وَدَعَاهُمْ إلَى إخْرَاجِ خُزَاعَةَ
وَبَنِيَّ بَكْرٍ مِنْ مَكَّةَ، فَأَجَابُوهُ. وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ
حَرَامٍ مِنْ [1] عُذْرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ قَدْ قَدِمَ مَكَّةَ
بَعْدَ هُلْكِ كِلَابٍ، فَتَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ،
وَزُهْرَةَ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ، وَقُصَيٌّ فَطِيمٌ، فَاحْتَمَلَهَا إلَى
بِلَادِهِ، فَحَمَلَتْ قُصَيًّا مَعَهَا، وَأَقَامَ زُهْرَةَ، فَوَلَدَتْ
لِرَبِيعَةَ رِزَاحًا. فَلَمَّا بَلَغَ قُصَيٌّ وَصَارَ رَجُلًا أَتَى
مَكَّةَ، فَأَقَامَ [2] بِهَا، فَلَمَّا أَجَابَهُ قَوْمُهُ إلَى مَا
دَعَاهُمْ إلَيْهِ، كَتَبَ إلَى أَخِيهِ مِنْ أُمِّهِ، رِزَاحِ بْنِ
رَبِيعَةَ، يَدْعُوهُ إلَى نُصْرَتِهِ، وَالْقِيَامِ مَعَهُ. فَخَرَجَ
رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ وَمَعَهُ إخْوَتُهُ: حُنُّ بْنُ رَبِيعَةَ،
وَمَحْمُودُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَجُلْهُمَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَهُمْ لِغَيْرِ
فَاطِمَةَ، فِيمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ فِي حَاجِّ الْعَرَبِ،
وَهُمْ مُجْمِعُونَ لِنُصْرَةِ قُصَيٍّ. وَخُزَاعَةُ تَزْعُمُ أَنَّ
حُلَيْلَ بْنَ حُبْشِيَّةَ أَوْصَى بِذَلِكَ قُصَيًّا وَأَمَرَهُ بِهِ
حِينَ انْتَشَرَ لَهُ مِنْ ابْنَتِهِ مِنْ الْوَلَدِ مَا انْتَشَرَ.
وَقَالَ: أَنْتِ أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ، وَبِالْقِيَامِ عَلَيْهَا،
وَبِأَمْرِ مَكَّةَ مِنْ خُزَاعَةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ طَلَبَ قُصَيٌّ مَا
طَلَبَ. وَلَمْ نَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ [3] ، فاللَّه أَعْلَمُ
أَيَّ ذَلِكَ كَانَ.
__________
[1] فِي أ: «بن» .
[2] وَالسَّبَب فِي رُجُوعه إِلَى مَكَّة، هُوَ أَنه لما كَانَ غُلَاما-
وَكَانَ يدعى إِلَى ربيعَة لِأَنَّهُ لَا يعلم لَهُ أَب إِلَّا إِيَّاه-
تساب هُوَ وَرجل من قضاعة، فَعَيَّرَهُ بالدعوة وَقَالَ لَهُ: لست منا،
وَإِنَّمَا أَنْت فِينَا ملصق. فَدخل على أمه، وَقد وجم لذَلِك، فَقَالَت
لَهُ: يَا بنى، صدق، إِنَّك لست مِنْهُم، وَلَكِن رهطك خير من رهطه، وآباءك
أشرف من آبَائِهِ، وَإِنَّمَا أَنْت قرشي، وأخوك وَبَنُو عمك بِمَكَّة، وهم
جيران بَيت الله الْحَرَام، فَدخل فِي سيارة حَتَّى أَتَى مَكَّة.
[3] وَيُقَال أَيْضا فِي انْتِقَال ولَايَة الْبَيْت إِلَى قصي: أَن حليلا
كَانَ يعْطى مَفَاتِيح الْبَيْت إِلَى ابْنَته حبي حِين كبر وَضعف،
فَكَانَت بِيَدِهَا، وَكَانَ قصي رُبمَا أَخذهَا فِي بعض الأحيان فَفتح
الْبَيْت للنَّاس وأغلقه، وَلما هلك حليل أوصى بِولَايَة الْبَيْت إِلَى
قصي، فَأَبت خُزَاعَة أَن تمضى ذَلِك لقصي، فَعِنْدَ ذَلِك هَاجَتْ
الْحَرْب بَينه وَبَين خُزَاعَة.
كَمَا يذكر أَيْضا: أَن حليلا لما كبر وَلم يقدر على فتح الْبَاب وإغلاقه،
عهد بالمفاتيح إِلَى أَبى غبشان- وَهُوَ من خُزَاعَة، واسْمه سليم بن
عَمْرو- فابتاعها مِنْهُ قصي بزق خمر، فَقيل: أخسر صَفْقَة من أَبى غبشان.
وَكَانَ الأَصْل فِي الِانْتِقَال ولَايَة الْبَيْت من ولد مُضر إِلَى
خُزَاعَة: أَن الْحرم حِين ضَاقَ عَن ولد نزار وبغت فِيهِ إياد، أخرجتهم
بَنو مُضر بن نزار، وأجلوهم عَن مَكَّة، فعمدوا فِي اللَّيْل إِلَى الْحجر
الْأسود، فاقتلعوه وَاحْتَمَلُوهُ على بعير، فرزح الْبَعِير بِهِ وَسقط
إِلَى الأَرْض، وجعلوه على آخر، فرزح أَيْضا.
وعَلى الثَّالِث، فَفعل مثل ذَلِك. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك دفنوه وذهبوا،
فَلَمَّا أصبح أهل مَكَّة وَلم يروه، وَقَعُوا فِي كرب عَظِيم. وَكَانَت
امْرَأَة من خُزَاعَة قد بصرت بِهِ حِين دفن، فأعلمت قَومهَا بذلك،
فَحِينَئِذٍ أخذت
(1/118)
مَا كَانَ يَلِيهِ الْغَوْثُ بْنُ مُرَّ
مِنْ الْإِجَازَةِ لِلنَّاسِ بِالْحَجِّ
وَكَانَ الْغَوْثُ بْنُ مُرَّ بْنِ أَدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ
بْنِ مُضَرَ يَلِي الْإِجَازَةَ [1] لِلنَّاسِ بِالْحَجِّ مِنْ [2]
عَرَفَةَ، وَوَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ولِوَلَدِهِ
صُوفَةُ [3] . وَإِنَّمَا وَلِيَ ذَلِكَ الْغَوْثُ بْنُ مُرَّ، لِأَنَّ
أُمَّهُ كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ، وَكَانَتْ لَا تَلِدُ،
فَنَذَرَتْ للَّه إنْ هِيَ وَلَدَتْ رَجُلًا أَنْ تَصَّدَّقَ بِهِ عَلَى
الْكَعْبَةِ عَبْدًا لَهَا يَخْدُمُهَا، وَيَقُومُ عَلَيْهَا. فَوَلَدَتْ
الْغَوْثَ، فَكَانَ يَقُومُ عَلَى الْكَعْبَةِ فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ
مَعَ أَخْوَالِهِ مِنْ جُرْهُمٍ، فَوَلِيَ الْإِجَازَةَ بِالنَّاسِ مِنْ
عَرَفَةَ، لِمَكَانِهِ الَّذِي كَانَ بِهِ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَوَلَدُهُ
مِنْ بَعْدِهِ حَتَّى انْقَرَضُوا [4] . فَقَالَ مُرُّ بْنُ أَدٍّ
لِوَفَاءِ نَذْرِ أُمِّهِ:
إنِّي جَعَلْتُ رَبَّ مَنْ بَييَّهْ ... رَبِيطَةً بِمَكَّةَ الْعَلِيَّهْ
فَبَارِكْنَ لِي بِهَا أليَّهْ [5] ... وَاجْعَلْهُ لِي مِنْ صَالِحِ
الْبَرِيَّهْ
وَكَانَ الْغَوْثُ بْنُ مُرٍّ- فِيمَا زَعَمُوا- إذَا دَفَعَ بِالنَّاسِ
قَالَ:
لَا همّ إنِّي تَابِعٌ تَبَاعَهُ [6] ... إنْ كَانَ إثْمٌ فَعَلَى
قُضَاعَهُ
[7]
__________
[ () ] خُزَاعَة على وُلَاة الْبَيْت أَن يتخلوا لَهُم عَن ولَايَته
ويدلوهم على الْحجر، فَفَعَلُوا ذَلِك، فَمن هُنَالك صَارَت ولَايَة
الْبَيْت لخزاعة إِلَى أَن صَارَت إِلَى بنى عبد منَاف. (رَاجع الرَّوْض
الْأنف وَكتاب الْأَوَائِل لأبى هِلَال العسكري) .
[1] الْإِجَازَة: الْإِفَاضَة.
[2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «من بعد عَرَفَة» .
[3] وَإِنَّمَا قيل للغوث وَولده: صوفة، لِأَن أمه حِين جعلته ربيطا للكعبة
علقت بِرَأْسِهِ صوفة، وَقيل ألبسته ثوبا من صوف، وَقيل: إِنَّمَا سمى
كَذَلِك، لِأَن أمه لما ربطته عِنْد الْبَيْت أَصَابَهُ الْحر فمرت بِهِ
وَقد سقط وذوى واستعرض، فَقَالَت: مَا صَارا بنى إِلَّا صوفة، فَسمى صوفة.
وَقيل: إِنَّمَا سمى كَذَلِك لِأَن كل من ولى الْبَيْت شَيْئا من غير
أَهله، أَو قَامَ بِشَيْء من خدمَة الْبَيْت، أَو بِشَيْء من أَمر
الْمَنَاسِك، يُقَال لَهُم صوفة وصوفان.
[4] وَقيل: إِن ولَايَة الْغَوْث بن مر كَانَت من قبل مُلُوك كِنْدَة.
(رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[5] الألية: فِي الأَصْل الْيَمين، وَهِي هُنَا: النّذر الّذي نذرته أمه.
[6] التباعة: مَا يتبعهُ الْإِنْسَان ويقتدى بِهِ.
[7] إِنَّمَا خص قضاعة بِهَذَا، لِأَن مِنْهُم مخلين يسْتَحلُّونَ
الْأَشْهر الْحرم، كَمَا كَانَت خثعم وطيِّئ تفعل
(1/119)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى
[1] بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ
(عَبَّادٍ) [2] . قَالَ:
(صُوفَةُ وَرَمْيُ الْجِمَارِ) :
كَانَتْ صُوفَةُ تَدْفَعُ بِالنَّاسِ مِنْ عَرَفَةَ، وَتُجِيزُ بِهِمْ إذَا
نَفَرُوا مِنْ مِنًى، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّفْرِ أَتَوْا لِرَمْيِ
الْجِمَارِ، وَرَجُلٌ مِنْ صُوفَةَ يَرْمِي لِلنَّاسِ، لَا يَرْمُونَ
حَتَّى يَرْمِي [3] . فَكَانَ ذَوُو الْحَاجَاتِ الْمُتَعَجِّلُونَ
يَأْتُونَهُ، فَيَقُولُونَ لَهُ: قُمْ فَارْمِ حَتَّى نَرْمِيَ مَعَكَ،
فَيَقُولُ: لَا وَاَللَّهِ، حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ. فَيَظَلُّ ذَوُو
الْحَاجَاتِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ التَّعَجُّلَ يَرْمُونَهُ
بِالْحِجَارَةِ، وَيَسْتَعْجِلُونَهُ بِذَلِكَ، وَيَقُولُونَ لَهُ:
وَيْلَكَ! قُمْ فَارْمِ، فَيَأْبَى عَلَيْهِمْ. حَتَّى إذَا مَالَتْ
الشَّمْسُ قَامَ فَرَمَى وَرَمَى النَّاسُ مَعَهُ.
(تَوَلِّي بَنِي سَعْدٍ أَمْرَ الْبَيْتِ بَعْدَ صُوفَةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ
وَأَرَادُوا النَّفْرَ مِنْ مِنًى، أَخَذَتْ صُوفَةُ بِجَانِبَيْ
الْعَقَبَةِ، فَحَبَسُوا النَّاس وَقَالُوا: أجيرى صُوفَةَ، فَلَمْ يَجُزْ
أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَمُرُّوا، فَإِذَا نَفَرَتْ صُوفَةُ وَمَضَتْ
خُلِّيَ سَبِيلُ النَّاسِ فَانْطَلَقُوا بَعْدَهُمْ فَكَانُوا كَذَلِكَ
حَتَّى انْقَرَضُوا، فَوَرِثَهُمْ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِهِمْ بِالْقُعْدُدِ
[4] بَنُو سعد بن زِيَاد مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ [5] ، وَكَانَتْ مِنْ بَنِي
سَعْدٍ فِي آلِ صَفْوَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شِجْنَةَ.
(نَسَبُ صَفْوَانَ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: صَفْوَانُ بْنُ جُنَابِ بْنِ شِجْنَةَ بْنِ عُطَارِدَ
بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ.
__________
[1] روى عَن جده، وَأَبِيهِ، وَعَمه حَمْزَة. وَعنهُ هِشَام بن عُرْوَة،
ومُوسَى بن عقبَة، وَابْن إِسْحَاق وَجَمَاعَة، وَلَقَد مَاتَ شَابًّا عَن
سبع وَثَلَاثِينَ سنة. (رَاجع تراجم رجال لِابْنِ إِسْحَاق) .
[2] زِيَادَة عَن أ.
[3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يرومى» ، وَهُوَ تَحْرِيف.
[4] يُرِيد قرب النّسَب. يُقَال: رجل قعدد، إِذا كَانَ قريب الْآبَاء إِلَى
الْجد الْأَكْبَر. وَمن أغرب مَا يذكر أَن يزِيد بن مُعَاوِيَة حج
بِالنَّاسِ سنة خمسين، وَأَن عبد الصَّمد بن على حج بِالنَّاسِ سنة مائَة
وَخمسين وآباؤهما فِي القعدد إِلَى عبد منَاف وَاحِد، وَبَينهمَا مائَة
سنة.
[5] وَذَلِكَ لِأَن سَعْدا هُوَ ابْن زيد مَنَاة بن تَمِيم بن مر، وَكَانَ
سعد أقعد بالغوث بن مر من غَيره من الْعَرَب.
(1/120)
(صَفْوَانُ وَكَرِبٌ وَالْإِجَازَةُ فِي
الْحَجِّ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ صَفْوَانُ هُوَ الَّذِي يُجِيزُ لِلنَّاسِ
بِالْحَجِّ مِنْ عَرَفَةَ، ثُمَّ بَنَوْهُ مِنْ بَعْدِهِ، حَتَّى كَانَ
آخِرَهُمْ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، كَرِبُ بْنُ صَفْوَانَ،
وَقَالَ أَوْسُ بْنُ تَمِيمِ بْنِ مَغْرَاءَ السَّعْدِيُّ:
لَا يَبْرَحُ النَّاسُ مَا حَجُّوا مُعَرَّفَهُمْ ... حَتَّى يُقَالَ
أَجِيزُوا آلَ صَفْوَانَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لِأَوْسِ بْنِ
مَغْرَاءَ.
مَا كَانَت عَلَيْهِ عدوان من إفَاضَة الْمزْدَلِفَة
(شِعْرُ ذِي الْإِصْبَعِ فِي إفَاضَتِهِمْ بِالنَّاسِ) :
وَأَمَّا قَوْلُ ذِي الْإِصْبَعِ الْعَدْوَانِيِّ، وَاسْمُهُ حُرْثَانُ
(مِنْ عَدْوَانَ) [1] بْنِ عَمْرٍو، وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْإِصْبَعِ
لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ إصْبَعٌ فَقَطَعَهَا:
عَذِيرَ [2] الْحَيِّ مِنْ عَدْوَانَ ... كَانُوا حَيَّةَ الْأَرْضِ [3]
بَغَى بَعْضُهُمْ ظُلْمًا ... فَلَمْ يُرْعِ [4] عَلَى بَعْضِ
وَمِنْهُم كَانَت السّادات ... وَالْمُوفُونَ بِالْقَرْضِ [5]
وَمِنْهُمْ من يُجِيز النّاس ... بِالسُّنَّةِ وَالْفَرْضِ
وَمِنْهُمْ حَكَمٌ يَقْضِي ... فَلَا يُنْقَضُ مَا يَقْضِي
__________
[1] زِيَادَة عَن الشّعْر وَالشعرَاء، وَهِي زِيَادَة يقتضيها السِّيَاق،
إِذْ لم نجد مرجعا من المراجع الَّتِي بَين أَيْدِينَا اتّفق مَعَ
الْأُصُول فِي اسْم ذِي الإصبع، وَهُوَ كَمَا نصت عَلَيْهِ: حرثان بن
الْحَارِث بن محرث بن ثَعْلَبَة ابْن سيار (شباة، شَبابَة) بن ربيعَة بن
هُبَيْرَة بن ثَعْلَبَة بن ظرب بن عَمْرو (عياذ) بن يشْكر بن عدوان ابْن
عَمْرو بن سعد بن قيس بن عيلان بن مُضر بن نزار. وَقيل: حرثان بن موت بن
الْحَارِث بن شباة بن ذهب بن ثَعْلَبَة ... إِلَخ (رَاجع خزانَة الْأَدَب ج
2، ص 408، والمفضليات ص 312 طبع بيروت، والأغاني ج 3 ص 89 طبع دَار الْكتب،
وَالشعر وَالشعرَاء، وَشرح الْقَامُوس) .
[2] العذير: من يعْذر. يُرِيد: أَي هاتوا من يعْذر.
[3] يُقَال: فلَان حَيَّة الأَرْض، وحية الْوَادي: إِذا كَانَ مهيبا يذعر
مِنْهُ، وَقيل: حَيَّة الأَرْض:
أَي حَيَاتهَا، لأَنهم كَانُوا يقومُونَ بِالنَّاسِ لجودهم وكرمهم، فكأنهم
كَانُوا حَيَاة للْأَرْض وَأَهْلهَا.
[4] لم يرع: لم يبْق، يُقَال: مَا أرعى فلَان على فلَان: أَي مَا أبقى
عَلَيْهِ.
[5] الْقَرْض هُنَا: الْجَزَاء، أَي من فعل شَيْئا جازوه بِهِ.
(1/121)
(أَبُو سَيَّارَةَ وَإِفَاضَتُهُ
بِالنَّاسِ) :
- وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ- فَلِأَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ
الْمُزْدَلِفَةِ كَانَتْ فِي عَدْوَانَ- فِيمَا حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ-
يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. حَتَّى كَانَ آخِرَهُمْ
الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ أَبُو سَيَّارَةَ، عُمَيْلَةُ بْنُ
الْأَعْزَلِ [1] .
فَفِيهِ يَقُولُ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ:
نَحْنُ دَفَعْنَا عَنْ أَبِي سَيَّارَهْ ... وَعَنْ مَوَالِيهِ بَنِي
فَزَارَهْ [2]
حَتَّى أَجَازَ سَالِمًا حِمَارَهْ ... مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو
جَارَهُ
[3] قَالَ: وَكَانَ أَبُو سَيَّارَةَ يَدْفَعُ بِالنَّاسِ عَلَى أَتَانٍ
[4] لَهُ، فَلِذَلِكَ يَقُولُ: «سَالِمًا حِمَارَهُ» .
أَمْرُ عَامِرِ بْنِ ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ
عَدْوَانَ
(قَضَاؤُهُ فِي خُنْثَى وَمَشْوَرَةُ جَارِيَتِهِ سُخَيْلَةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَوْلُهُ «حَكَمٌ يَقْضِي» ، يَعْنِي عَامِرَ بْنَ
ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوَانَ
الْعَدْوَانِيَّ. وَكَانَتْ الْعَرَبُ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا نَائِرَةٌ [5]
وَلَا عُضْلَةٌ [6] فِي قَضَاءٍ إلَّا أَسْنَدُوا ذَلِكَ إلَيْهِ ثُمَّ
رَضُوا بِمَا قَضَى فِيهِ. فَاخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي بَعْضِ مَا كَانُوا
يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فِي رَجُلٍ خُنْثَى، لَهُ مَا لِلرَّجُلِ وَلَهُ مَا
لِلْمَرْأَةِ، فَقَالُوا:
أَتَجْعَلُهُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً؟ وَلَمْ يَأْتُوهُ بِأَمْرِ كَانَ
أَعْضَلَ مِنْهُ. فَقَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمركُم، فو الله مَا
نَزَلَ بِي مِثْلُ هَذِهِ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ!
فَاسْتَأْخَرُوا عَنْهُ. فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا، يُقَلِّبُ أَمْرَهُ،
وَيَنْظُرُ فِي شَأْنِهِ، لَا يَتَوَجَّهُ لَهُ مِنْهُ وَجْهٌ. وَكَانَتْ
لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا سُخَيْلَةُ تَرْعَى عَلَيْهِ غَنَمَهُ،
وَكَانَ يُعَاتِبُهَا إذَا سَرَحَتْ فَيَقُولُ: صَبَّحْتِ وَاَللَّهِ
__________
[1] وَقيل اسْمه العَاصِي، وَاسم الأعزل خَالِد.
[2] يعْنى بمواليه: بنى عَمه، لِأَنَّهُ من عدوان، وعدوان وفزارة من قيس
عيلان.
[3] يَدْعُو جَاره: أَي يَدْعُو الله عز وَجل يَقُول: اللَّهمّ كن لي جارا
مِمَّن أخافه، أَي مجيرا.
[4] وَكَانَت تِلْكَ الأتان سَوْدَاء. وَلذَلِك يَقُول:
لاهم مَا لي فِي الْحمار الْأسود ... أَصبَحت بَين الْعَالمين أحسد
[5] النائرة: الكائنة الشنيعة تكون بَين الْقَوْم.
[6] العضلة: الْأَمر الشَّديد الّذي لَا يعلم لَهُ وَجه.
(1/122)
يَا سُخَيْلُ! وَإِذَا أَرَاحَتْ عَلَيْهِ
قَالَ: مَسَّيْتِ وَاَللَّهِ يَا سُخَيْلُ! وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ
تُؤَخِّرُ السَّرْحَ حَتَّى يَسْبِقَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَتُؤَخِّرُ
الْإِرَاحَةَ حَتَّى يَسْبِقَهَا بَعْضٌ. فَلَمَّا رَأَتْ سَهَرَهُ
وَقِلَّةَ قَرَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ قَالَتْ: مَا لَكَ لَا أَبَا لَكَ!
مَا عَرَاكَ فِي لَيْلَتِكَ هَذِهِ؟
قَالَ: وَيْلَكَ! دَعِينِي، أَمْرٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِكَ، ثُمَّ عَادَتْ
لَهُ بِمِثْلِ قَوْلِهَا. فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: عَسَى أَنْ تَأْتِيَ
مِمَّا أَنَا فِيهِ بِفَرَجٍ، فَقَالَ: وَيْحَكَ! اُخْتُصِمَ إلَيَّ فِي
مِيرَاثِ خُنْثَى، أَأَجْعَلُهُ رَجُلًا أَو امْرَأَة؟ فو الله مَا أَدْرِي
مَا أَصْنَعُ، وَمَا يَتَوَجَّهُ لِي فِيهِ وَجْهٌ.
قَالَ: فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ! لَا أَبَا لَكَ! أَتْبِعْ الْقَضَاءَ
الْمَبَالَ [1] ، أَقْعِدْهُ، فَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ
فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ، فَهِيَ
امْرَأَةٌ.
قَالَ: مَسِّي سُخَيْلُ بَعْدَهَا أَوْ صَبِّحِي، فَرَّجْتِهَا وَاَللَّهِ.
ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ حِينَ أَصْبَحَ، فَقَضَى بِاَلَّذِي أَشَارَتْ
عَلَيْهِ بِهِ.
غَلَبُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ عَلَى أَمْرِ مَكَّةَ وَجَمْعُهُ أَمْرَ
قُرَيْشٍ وَمَعُونَةُ قُضَاعَةَ لَهُ
(هَزِيمَةُ صُوفَةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ فَعَلَتْ صُوفَةُ
كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ، وَقَدْ عَرَفَتْ ذَلِكَ لَهَا الْعَرَبُ، وَهُوَ
دِينٌ فِي أَنْفُسِهِمْ فِي عَهْدِ جُرْهُمٍ وَخُزَاعَةَ وَوِلَايَتِهِمْ.
فَأَتَاهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ
قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، فَقَالَ: لَنَحْنُ
أَوْلَى بِهَذَا مِنْكُمْ، فَقَاتِلُوهُ، فَاقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالًا
شَدِيدًا، ثُمَّ انْهَزَمَتْ صُوفَةُ، وَغَلَبَهُمْ قُصَيٌّ عَلَى مَا
كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ.
(مُحَارَبَةُ قُصَيٍّ لِخُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ وَتَحْكِيمُ يَعْمُرَ
بْنِ عَوْفٍ) :
وَانْحَازَتْ عِنْدَ ذَلِكَ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ عَنْ قُصَيٍّ،
وَعَرَفُوا أَنَّهُ سَيَمْنَعُهُمْ كَمَا مَنَعَ صُوفَةَ، وَأَنَّهُ
سَيَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكَّةَ. فَلَمَّا
انْحَازُوا عَنْهُ بَادَاهُمْ [2]
__________
[1] أَي اجْعَلْهُ تَابعا لَهُ، وَهَذَا من الِاسْتِدْلَال بالأمارات، وَله
نَظَائِر كَثِيرَة فِي الشَّرِيعَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: وَجاؤُ عَلى
قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ 12: 18. لِأَن الْقَمِيص المدمى لم يكن فِيهِ خرق،
وَلَا أثر لأنياب الذِّئْب.
[2] باداهم: كاشفهم.
(1/123)
وَأَجْمَعَ لِحَرْبِهِمْ (وَثَبَتَ مَعَهُ
أَخُوهُ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ
قُضَاعَةَ) [1] .
وَخَرَجَتْ لَهُ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ فَالْتَقَوْا، فَاقْتَتَلُوا
قِتَالًا شَدِيدًا (بِالْأَبْطَحِ) [2] ، حَتَّى كَثُرَتْ الْقَتْلَى فِي
الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ إنَّهُمْ تَدَاعَوْا إلَى الصُّلْحِ
وَإِلَى أَنْ يُحَكِّمُوا بَيْنَهُمْ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ، فَحَكَّمُوا
يَعْمُرَ بْنَ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ [3] بْنِ لَيْثِ بْنِ
بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِأَنَّ
قُصَيًّا أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكَّةَ مِنْ خُزَاعَةَ، وَأَنَّ
كُلَّ دَمٍ أَصَابَهُ قُصَيٌّ مِنْ خُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ، مَوْضُوعٌ
يَشْدَخُهُ [4] تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَأَنَّ مَا أَصَابَتْ خُزَاعَةُ
وَبَنُو بَكْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ فَفِيهِ الدِّيَةُ
مُؤَدَّاةٌ، وَأَنْ يُخَلَّى بَيْنَ قُصَيٍّ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ
وَمَكَّةَ.
(سَبَبُ تَسْمِيَةِ يَعْمُرَ بِالشَّدَّاخِ) :
فَسُمِّيَ يَعْمُرُ [5] بْنُ عَوْفٍ يَوْمَئِذٍ: الشَّدَّاخَ، لِمَا شَدَخَ
مِنْ الدِّمَاءِ وَوَضَعَ مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الشُّدَاخُ.
(قُصَيٌّ أَمِيرًا عَلَى مَكَّةَ وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِ مُجَمِّعًا) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلِيَ قُصَيٌّ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكَّةَ،
وَجَمَعَ قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إلَى مَكَّةَ، وَتَمَلَّكَ عَلَى
قَوْمِهِ وَأَهْلِ مَكَّةَ فَمَلَّكُوهُ. إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ
لِلْعَرَبِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَرَاهُ دِينًا
فِي نَفْسِهِ لَا يَنْبَغِي تَغْيِيرُهُ. فَأَقَرَّ آلَ صَفْوَانَ
وَعَدْوَانَ وَالنِّسْأَةَ وَمُرَّةَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى مَا كَانُوا
عَلَيْهِ، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَهَدَمَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ
كُلَّهُ.
فَكَانَ قُصَيٌّ أَوَّلَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَصَابَ مُلْكًا
أَطَاعَ لَهُ بِهِ قَوْمُهُ، فَكَانَتْ
__________
[1] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
[2] زِيَادَة عَن أ.
[3] فِي الطَّبَرِيّ: « ... بن كَعْب بن لَيْث» .
[4] يشدخه: يكسرهُ، وَيُرِيد أَنه أبطل تِلْكَ الدِّمَاء، وَلم يَجْعَل
لَهَا حظا، وَلذَلِك قيل: تَحت قَدَمَيْهِ.
[5] يعمر الشداخ: هُوَ جد بنى دأب الَّذين أَخذ عَنْهُم كثير من علم
الْأَخْبَار والأنساب. وهم عِيسَى ابْن يزِيد بن دأب، وَأَبوهُ يزِيد،
وَحُذَيْفَة بن دأب، ودأب: هُوَ ابْن كرز بن أَحْمَر، من بنى يعمر ابْن
عَوْف.
(1/124)
إلَيْهِ الْحِجَابَةُ [1] ، وَالسِّقَايَةُ
[2] ، وَالرِّفَادَةُ [3] ، وَالنَّدْوَةُ [4] ، وَاللِّوَاءُ [5] ،
فَحَازَ شَرَفَ مَكَّةَ كُلَّهُ. وَقَطَعَ مَكَّةَ رِبَاعًا بَيْنَ
قَوْمِهِ، فَأَنْزَلَ كُلَّ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَنَازِلَهُمْ مِنْ
مَكَّةَ الَّتِي أَصْبَحُوا عَلَيْهَا، وَيَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ
قُرَيْشًا هَابُوا قَطْعَ شَجَرِ الْحَرَمِ فِي مَنَازِلِهِمْ فَقَطَعَهَا
قُصَيٌّ بِيَدِهِ وَأَعْوَانِهِ [6] ، فَسَمَّتْهُ قُرَيْشٌ مُجَمِّعًا
لِمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِهَا، وَتَيَمَّنَتْ بِأَمْرِهِ، فَمَا تُنْكَحُ
امْرَأَةٌ، وَلَا يَتَزَوَّجُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَا يَتَشَاوَرُونَ
فِي أَمْرٍ نَزَلَ بِهِمْ، وَلَا يَعْقِدُونَ لِوَاءً لِحَرْبِ قَوْمٍ مِنْ
غَيْرِهِمْ إلَّا فِي دَارِهِ، يَعْقِدُهُ لَهُمْ بَعْضُ وَلَدِهِ، وَمَا
تَدَّرِعُ [7] جَارِيَةٌ إذَا بَلَغَتْ أَنْ تَدَّرِعَ مِنْ قُرَيْشٍ إلَّا
فِي دَارِهِ، يَشُقُّ عَلَيْهَا فِيهَا دِرْعَهَا ثُمَّ تَدَّرِعُهُ، ثُمَّ
يَنْطَلِقُ بِهَا إلَى أَهْلِهَا. فَكَانَ أَمْرُهُ فِي قَوْمِهِ مِنْ
قُرَيْشٍ فِي حَيَاتِهِ، وَمِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، كَالدِّينِ الْمُتَّبِعِ
لَا يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ. وَاِتَّخَذَ لِنَفْسِهِ دَارَ النَّدْوَةِ
وَجَعَلَ بَابَهَا إلَى مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، فَفِيهَا كَانَتْ قُرَيْشٌ
تَقْضِي أُمُورَهَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الشَّاعِرُ:
__________
[1] الحجابة: أَن تكون مَفَاتِيح الْبَيْت عِنْده فَلَا يدْخلهُ أحد إِلَّا
بِإِذْنِهِ.
[2] السِّقَايَة: يعْنى سِقَايَة زَمْزَم، وَكَانُوا يصنعون بهَا شرابًا
فِي الْمَوْسِم للْحَاج الّذي يوافي مَكَّة ويمزجونه تَارَة بِعَسَل،
وَتارَة بِلَبن، وَتارَة بنبيذ، يتطوعون بذلك من عِنْد أنفسهم.
[3] الرفادة: طَعَام كَانَت قُرَيْش تجمعه كل عَام لأهل الْمَوْسِم،
وَيَقُولُونَ: هم أضياف الله تَعَالَى.
وسيعرض لَهَا الْمُؤلف بالْكلَام بعد قَلِيل.
[4] الندوة: الِاجْتِمَاع للمشورة والرأى، وَكَانَت الدَّار الَّتِي اتخذها
قصي لذَلِك يُقَال لَهَا دَار الندوة، وَهَذِه الدَّار صَارَت بعد بنى عبد
الدَّار إِلَى حَكِيم بن حزَام بن خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي،
فَبَاعَهَا فِي الْإِسْلَام بِمِائَة ألف دِرْهَم. وَذَلِكَ فِي زمن
مُعَاوِيَة، فلامه مُعَاوِيَة فِي ذَلِك. وَقَالَ: أبعت مكرمَة آبَائِك
وشرفهم؟ فَقَالَ حَكِيم: ذهبت المكارم إِلَّا التَّقْوَى، وَالله لقد
اشْتَرَيْتهَا فِي الْجَاهِلِيَّة بزق خمر، وَقد بعتها بِمِائَة ألف
دِرْهَم، وأشهدكم أَن ثمنهَا فِي سَبِيل الله، فأينا المغبون؟
[5] اللِّوَاء: يعْنى فِي الْحَرْب، لِأَنَّهُ كَانَ لَا يحملهُ عِنْدهم
إِلَّا قوم مخصوصون.
[6] الْمَعْرُوف وَالأَصَح أَن قُريْشًا حِين أَرَادوا الْبُنيان قَالُوا
لقصي: كَيفَ نصْنَع فِي شجر الْحرم؟
فَحَذَّرَهُمْ قطعهَا وخوفهم الْعقُوبَة فِي ذَلِك، فَكَانَ أحدهم يحوف
بالبنيان حول الشَّجَرَة حَتَّى تكون فِي منزله، وَإِن أول من ترخص فِي قطع
شجر الْحرم للبنيان عبد الله بن الزبير حِين ابتنى دورا بقيقعان، وَلكنه
جعل دِيَة كل شَجَرَة بقرة، وَكَذَلِكَ يرْوى عَن عمر رضى الله عَنهُ أَنه
قطع دوحة كَانَت فِي دَار أَسد بن عبد الْعُزَّى وَكَانَت تنَال أطرافها
ثِيَاب الطائفين بِالْكَعْبَةِ، وَذَلِكَ قبل أَن يُوسع الْمَسْجِد، فقطعها
عمر رضى الله عَنهُ، ووداها بقرة.
[7] ادرعت الْجَارِيَة: لبست الدرْع.
(1/125)
قُصَيٌّ لَعَمْرِي كَانَ يُدَعَّى
مُجَمِّعًا ... بِهِ جَمَعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ
[1] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ [2] ابْن خَبَّابٍ صَاحِبَ
الْمَقْصُورَةِ يُحَدِّثُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ، حَدِيثَ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ، وَمَا
جَمَعَ مِنْ أَمْرِ قَوْمِهِ، وَإِخْرَاجِهِ خُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ
مِنْ مَكَّةَ، وَوِلَايَتِهِ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكَّةَ، فَلَمْ يَرُدَّ
ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ.
(شِعْرُ رِزَاحٍ فِي نُصْرَتِهِ قُصَيًّا وَرَدُّ قُصَيٍّ عَلَيْهِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا فَرَغَ قُصَيٌّ مِنْ حَرْبِهِ، انْصَرَفَ
أَخُوهُ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ إلَى بِلَادِهِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ
قَوْمِهِ، وَقَالَ رِزَاحٌ فِي إجَابَتِهِ قُصَيًّا:
لَمَّا أَتَى مِنْ قُصَيٍّ رَسُولُ ... فَقَالَ الرَّسُولُ أَجِيبُوا
الْخَلِيلَا
نَهَضْنَا إلَيْهِ نَقُودُ الْجِيَادَ ... وَنَطْرَحُ عَنَّا الْمَلُولَ
الثَّقِيلَا
نَسِيرُ بِهَا اللَّيْلَ حَتَّى الصَّبَاحِ ... وَنَكْمِي [3] النَّهَارَ
لِئَلَّا نَزُولَا
فَهُنَّ سِرَاعٌ كَوِرْدِ [4] الْقَطَا ... يُجِبْنَ بِنَا مِنْ قُصَيٍّ
رَسُولَا
جَمَعْنَا مِنْ السِّرِّ مِنْ أَشْمَذَيْنِ [5] ... وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ
جَمَعْنَا قَبِيلَا
فَيَا لَكَ حُلْبَةَ مَا لَيْلَةٌ ... تَزِيدُ على الْألف سَببا رَسِيلَا
[6]
فَلَمَّا مَرَرْنَ عَلَى عَسْجَدٍ [7] ... وَأَسْهَلْنَ مِنْ مُسْتَنَاخٍ
سَبِيلَا [8]
__________
[1] وَيذكر أَن هَذَا الشّعْر لحذافة بن جمح.
[2] هُوَ السَّائِب بن خباب الْمدنِي أَبُو مُسلم صَاحب الْمَقْصُورَة،
وَيُقَال هُوَ مولى فَاطِمَة بنت عتبَة، وَلم نجد فِيمَن رووا عَنهُ عبد
الْملك بن رَاشد، كَمَا لم نجده فِي شُيُوخ ابْن إِسْحَاق الَّذين روى
عَنْهُم. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب وتراجم رجال) .
[3] نكمى: نكمن ونستتر.
[4] الْورْد: الْوَارِدَة.
[5] أشمذان (بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَكسر النُّون، على لفظ
التَّثْنِيَة) : قبيلتان، وَيُقَال جبلان بَين الْمَدِينَة وخيبر تنزلهما
جُهَيْنَة وَأَشْجَع.
[6] الحلبة: جمَاعَة الْخَيل. والسيب: الْمَشْي السَّرِيع فِي رفق كَمَا
تنساب الْحَيَّة. والرسيل: الّذي فِيهِ تمهل.
[7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عسجر» وَكِلَاهُمَا اسْم على
مَوضِع بِعَيْنِه. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[8] أسهل: حل الْموضع السهل.
(1/126)
وَجَاوَزْنَ بِالرُّكْنِ مِنْ وَرِقَانٍ
[1] ... وَجَاوَزْنَ بِالْعَرْجِ [2] حَيَّا حُلُولَا
مَرَرْنَ عَلَى الْحِلِّ [3] مَا ذُقْنَهُ ... وَعَالَجْنَ مِنْ مَرٍّ
لَيْلًا طَوِيلَا
نُدْنِي مِنْ الْعُوذِ أَفْلَاءَهَا [4] ... إرَادَةَ أَنْ يَسْتَرِقْنَ
الصَّهِيلَا
فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إلَى مَكَّةَ ... أَبَحْنَا الرِّجَالَ قَبِيلًا
قَبِيلًا
نُعَاوِرُهُمْ ثُمَّ حَدَّ السُّيُوفِ ... وَفِي كُلِّ أَوْبٍ خَلَسْنَا
الْعَقُولَا [5]
نخبّزهم بصلاب النّسور ... خَبْزَ الْقَوِيِّ الْعَزِيزَ الذَّلِيلَا [6]
قَتَلْنَا خُزَاعَةَ فِي دَارِهَا ... وَبَكْرًا قَتَلْنَا وَجِيلًا
فَجِيلَا
__________
[1] ورقان (بِالْفَتْح ثمَّ الْكسر، ويروى بِسُكُون الرَّاء) : جبل أسود
بَين العرج والرويثة، على يَمِين المصعد من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة.
(رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ لياقوت) .
[2] العرج (بِفَتْح أَوله وَسُكُون ثَانِيه) : وَاد من نواحي الطَّائِف،
وَإِلَيْهِ ينْسب العرجى الشَّاعِر.
(رَاجع مُعْجم مَا استعجم، ومعجم الْبلدَانِ) .
[3] كَذَا فِي إِحْدَى رِوَايَات الرَّوْض الْأنف، وَشرح السِّيرَة. والحل
(بِالْكَسْرِ) : جمع حلَّة، وَهِي شَجَرَة شاكة، أَصْغَر من القتاد، يسميها
أهل الْبَادِيَة الشرق. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هِيَ شَجَرَة إِذا
أكلتها الْإِبِل سهل خُرُوج أَلْبَانهَا، وَقيل هِيَ شَجَرَة تنْبت بالحجاز
تظهر من الأَرْض غبراء ذَات شوك تأكلها الدَّوَابّ. وَهُوَ سريع النَّبَات
ينْبت بالجدد والآكام والحصباء، وَلَا ينْبت فِي سهل وَلَا جبل. وَقَالَ
أَبُو حنيفَة: الْحلَّة: شَجَرَة شاكة، تنْبت فِي غلظ الأَرْض، أَصْغَر من
العوسجة، وَرقهَا صغَار وَلَا ثَمَر لَهَا، وَهِي مرعى صدق.
وَفِي رِوَايَة ثَانِيَة: «الْحِيَل» . وَهُوَ المَاء المستنقع فِي بطن
وَاد.
وَفِي رِوَايَة ثَالِثَة، وَهِي الرِّوَايَة الَّتِي أَجمعت عَلَيْهَا
الْأُصُول: «الْحلِيّ» . وَقد ذهب السهيليّ فِي تَفْسِيره إِلَى أَنه نبت،
وَهُوَ ثَمَر القلقلان. وغلطه فِي ذَلِك أَبُو ذَر فِي شرح السِّيرَة،
وَقَالَ: « ... وَهَذَا غلط، لِأَن اسْم النَّبَات الْحلِيّ، بتَشْديد
الْيَاء وبكسر اللَّام» . وَهَذَا مَا عَلَيْهِ معاجم اللُّغَة، وَذهب
أَبُو ذَر إِلَى أَن «الْحلِيّ» اسْم مَوضِع، وَلم يتَعَرَّض للْكَلَام
عَنهُ بِشَيْء. والّذي فِي المعاجم الجغرافية: أَن حلى: مَوضِع بِالْيمن
على سَاحل الْبَحْر بَينه وَبَين السرين يَوْم وَاحِد، وَبَينه وَبَين
مَكَّة ثَمَانِيَة أَيَّام، وَقيل هِيَ لُغَة فِي حلية، وَهِي من أَرض
الْيمن، وَقيل بنواحي الطَّائِف. (رَاجع الرَّوْض الْأنف، وَشرح السِّيرَة،
ولسان الْعَرَب، ومعجم الْبلدَانِ) .
[4] العوذ: جمع عَائِذ، وَهِي النَّاقة أَو الْفرس الَّتِي لَهَا أَوْلَاد.
والأفلاء: جمع فَلَو، وَهُوَ الْمهْر الْعَظِيم أَو الْبَالِغ سنة.
[5] نعاورهم: نداولهم مرّة بعد مرّة. والأوب: الرُّجُوع.
[6] نخبزهم: نسوقهم سوقا شَدِيدا. وصلاب النسور: الْخَيل. والنسور: جمع
نسر، وَهُوَ اللَّحْم الْيَابِس الّذي فِي بَاطِن الْحَافِر.
(1/127)
نَفَيْنَاهُمْ مِنْ بِلَادِ الْمَلِيكِ ...
كَمَا لَا يَحِلُّونَ أَرْضًا سُهُولَا
فَأَصْبَحَ سَبْيُهُمْ فِي الْحَدِيدِ ... وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ شَفَيْنَا
الْغَلِيلَا
وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ سَعْدِ [1] هُذَيْمٍ الْقُضَاعِيُّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ قُصَيٍّ
حِينَ دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ:
جَلَبْنَا الْخَيْلَ مُضْمَرَةً تَغَالِي [2] ... مِنْ الْأَعْرَافِ [3]
أَعْرَافَ الْجِنَابِ [4]
إلَى غَوْرَى تِهَامَةَ فَالْتَقَيْنَا ... مِنْ الْفَيْفَاءِ فِي قَاعٍ
يَبَابِ [5]
فَأَمَّا صُوفَةُ الْخُنْثَى فَخَلَّوْا ... مَنَازِلَهُمْ مُحَاذَرَةَ
الضِّرَابِ
وَقَامَ بَنُو عَلِيٍّ إذْ رَأَوْنَا ... إلَى الْأَسْيَافِ كَالْإِبِلِ
الطِّرَابِ
[6] وَقَالَ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ:
أَنَا ابْنُ الْعَاصِمِينَ [7] بَنِي لُؤَيٍّ ... بِمَكَّةَ مَنْزِلِي
وَبِهَا رَبِيتُ
إلَى الْبَطْحَاءِ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ ... وَمَرْوَتُهَا رَضِيتُ بِهَا
رَضِيتُ
فَلَسْتُ لِغَالِبِ إنْ لَمْ تَأَثَّلْ [8] ... بِهَا أَوْلَادُ قَيْذَرَ
وَالنَّبِيتُ [9]
رِزَاحٌ نَاضِرِي وَبِهِ أُسَامِي ... فَلَسْتُ أَخَافُ ضَيْمًا مَا
حَيِيتُ
__________
[1] كَذَا فِي أوالاشتقاق والمعارف. وَكَانَ هذيم عبدا حَبَشِيًّا فنسب
إِلَيْهِ سعد، وَفِي سَائِر الْأُصُول:
«سعد بن هذيم» . وَهُوَ تَحْرِيف.
[2] تغالى: ترْتَفع فِي سَيرهَا، من المغالاة، وَهِي الِارْتفَاع والتزيد
فِي السّير.
[3] الْأَعْرَاف: جمع عرف، وَهُوَ الرمل الْمُرْتَفع المستطيل.
[4] الجناب (بِالْكَسْرِ) : مَوضِع بعراض خَيْبَر وَسلَاح ووادي الْقرى،
وَقيل: هُوَ من منَازِل بنى مَازِن، وَقيل: من ديار بنى فَزَارَة بَين
الْمَدِينَة وفهر. وَقَالَ السهيليّ: هُوَ مَوضِع من بِلَاد قضاعة.
وَهُنَاكَ جناب آخر، إِلَّا أَنه بِفَتْح الْجِيم، وَهُوَ مَوضِع فِي أَرض
كلب فِي السماوة بَين الْعرَاق وَالشَّام.
وَالظَّاهِر أَن الأول هُوَ المُرَاد هُنَا.
[5] الْغَوْر: المنخفض. والفيفاء: الصَّحرَاء. والقاع: المنخفض من الأَرْض.
واليباب: القفر.
[6] كَذَا فِي الأَصْل. والطراب: الْإِبِل الَّتِي حنت إِلَى مواطنها
واشتاقت. ويروى: «الظراب» .
(بالظاء الْمُعْجَمَة) : جمع ظرب، وَهُوَ الجبيل الصَّغِير، شبه الْإِبِل
بِهِ.
[7] يُرِيد أَنهم يعصمون النَّاس ويمنعونهم، لكَوْنهم أهل الْبَيْت
وَالْحرم.
[8] يُقَال: تأثل فلَان بِالْمَكَانِ: إِذا أَقَامَ بِهِ وَاسْتقر وَلم
يبرح.
[9] أَوْلَاد قيذر والنبيت: يعْنى أَوْلَاد إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ
السَّلَام.
(1/128)
(مَا كَانَ بَيْنَ رِزَاحٍ وَبَيْنَ نَهْدٍ
وَحَوْتَكَةَ، وَشِعْرُ قُصَيٍّ فِي ذَلِكَ
) : فَلَمَّا اسْتَقَرَّ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي بِلَادِهِ، نشره الله
ونشرحنا، فَهُمَا قَبِيلَا عُذْرَةَ [1] الْيَوْمِ. وَقَدْ كَانَ بَيْنَ
رِزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ، حِينَ قَدِمَ بِلَادَهُ، وَبَيْنَ نَهْدِ بْنِ
زَيْدِ وَحَوْتَكَةَ بْنِ أَسْلُمَ [2] ، وَهُمَا بَطْنَانِ مِنْ
قُضَاعَةَ، شَيْءٌ، فَأَخَافَهُمْ حَتَّى لَحِقُوا بِالْيَمَنِ وَأَجْلَوْا
مِنْ بِلَادِ قُضَاعَةَ، فَهُمْ الْيَوْمَ بِالْيَمَنِ. فَقَالَ قُصَيُّ
بْنُ كِلَابٍ، وَكَانَ يُحِبُّ قُضَاعَةَ وَنَمَاءَهَا وَاجْتِمَاعَهَا
بِبِلَادِهَا، لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِزَاحٍ مِنْ الرَّحِمِ،
وَلِبَلَائِهِمْ [3] عِنْدَهُ إذْ أَجَابُوهُ إذْ دَعَاهُمْ إلَى
نُصْرَتِهِ، وَكَرِهَ مَا صَنَعَ بِهِمْ رِزَاحٌ:
أَلَا مِنْ مُبْلِغٍ عَنِّي رِزَاحَا ... فَإِنِّي قَدْ لَحَيْتُكَ [4] فِي
اثْنَتَيْنِ
لَحَيْتُكَ فِي بَنِي نَهْدِ بْنِ زَيْدِ ... كَمَا فَرَّقْتَ بَيْنَهُمْ
وَبَيْنِي
وَحَوْتَكَةُ بْنُ أَسْلُمَ إنَّ قَوْمًا ... عَنَوْهُمْ بِالْمَسَاءَةِ
قَدْ عَنَوْنِي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِزُهَيْرِ بْنِ
جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ.
(مَا آثَرَ بِهِ قُصَيٌّ عَبْدَ الدَّارِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا كَبِرَ قُصَيٌّ وَرَقَّ عَظْمُهُ، وَكَانَ
عَبْدُ الدَّارِ بِكْرَهُ، وَكَانَ عَبْدُ مَنَافٍ قَدْ شَرُفَ فِي زَمَانِ
أَبِيهِ وَذَهَبَ كُلَّ مَذْهَبٍ، وَعَبْدُ الْعُزَّى وَعَبْدٌ. قَالَ
قُصَيٌّ لِعَبْدِ الدَّارِ: (أَمَا وَاَللَّهِ يَا بُنَيَّ) [5]
لِأُلْحِقَنَّكَ بِالْقَوْمِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَرُفُوا عَلَيْكَ: لَا
يَدْخُلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ الْكَعْبَةَ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ تَفْتَحُهَا
لَهُ، وَلَا يَعْقِدُ لِقُرَيْشٍ لِوَاءً لِحَرْبِهَا إلَّا أَنْتَ
بِيَدِكَ، وَلَا يَشْرَبُ أَحَدٌ بِمَكَّةَ إلَّا مِنْ سِقَايَتِكَ، وَلَا
يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَوْسِمِ طَعَامًا إلَّا مِنْ طَعَامِكَ،
وَلَا تَقْطَعُ قُرَيْشٌ
__________
[1] فِي قضاعة عذرتان، عذرة بن رفيدة، وهم من بنى كلب بن وبرة، وعذرة بن
سعد بن سود بن أسلم (بِضَم اللَّام) بن الحاف بن قضاعة. وَأسلم هَذَا من
ولد حن بن ربيعَة أخى رزاح بن ربيعَة (عَن الرَّوْض الْأنف) .
[2] هُوَ بِضَم اللَّام، وَلَيْسَ فِي الْعَرَب أسلم بِضَم اللَّام إِلَّا
ثَلَاثَة اثْنَان فِي قضاعة، وهما أسلم بن الحاف هَذَا، وَأسلم بن تدول بن
تيم اللات بن رفيدة بن ثَوْر بن كلب، وَالثَّالِث فِي عك، وَهُوَ أسلم بن
القياتة بن الشَّاهِد بن عك. (رَاجع مؤتلف الْقَبَائِل ومختلفها لِابْنِ
حبيب) .
[3] بلاؤهم: نعمتهم.
[4] لحاه: لامه.
[5] زِيَادَة عَن أ.
9- سيرة ابْن هِشَام- 2
(1/129)
أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلَّا فِي
دَارِكَ. فَأَعْطَاهُ دَارَهُ دَارَ النَّدْوَةِ، الَّتِي لَا تَقْضِي
قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلَّا فِيهَا، وَأَعْطَاهُ الْحِجَابَةَ
واللواء والسقاية والرّفاة.
(الرفادة) :
وَكَانَتْ الرِّفَادَةُ خَرْجًا تُخْرِجُهُ قُرَيْشٌ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ
مِنْ أَمْوَالِهَا إلَى قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ، فَيَصْنَعُ بِهِ طَعَامًا
لِلْحَاجِّ، فَيَأْكُلُهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةٌ وَلَا زَادٌ.
وَذَلِكَ أَنَّ قُصَيًّا فَرَضَهُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ
أَمَرَهُمْ بِهِ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّكُمْ جِيرَانُ اللَّهِ
وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَأَهْلُ الْحَرَمِ، وَإِنَّ الْحَاجَّ ضَيْفُ اللَّهِ
وَزُوَّارُ بَيْتِهِ، وَهُمْ أَحَقُّ الضَّيْفِ بِالْكَرَامَةِ،
فَاجْعَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا أَيَّامَ الْحَجِّ، حَتَّى
يَصْدُرُوا عَنْكُمْ فَفَعَلُوا. فَكَانُوا يُخْرِجُونَ لِذَلِكَ كُلَّ
عَامٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ خَرْجًا فَيَدْفَعُونَهُ إلَيْهِ، فَيَصْنَعُهُ
طَعَامًا لِلنَّاسِ أَيَّامَ مِنًى. فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ، ثُمَّ جَرَى
فِي الْإِسْلَامِ إلَى يَوْمِكَ هَذَا. فَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي
يَصْنَعُهُ السُّلْطَانُ كُلَّ عَامٍ بِمَنَى لِلنَّاسِ حَتَّى يَنْقَضِيَ
الْحَجُّ» .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بِهَذَا مِنْ أَمْرِ قُصَيِّ بْنِ
كِلَابٍ، وَمَا قَالَ لِعَبْدِ الدَّارِ فِيمَا دُفِعَ إلَيْهِ مِمَّا
كَانَ بِيَدِهِ، أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ:
سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ لِرَجُلِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، يُقَالُ
لَهُ: نُبَيْهُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَامِرِ
بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ.
قَالَ الْحَسَنُ: فَجَعَلَ إلَيْهِ قُصَيٌّ كُلَّ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ
أَمْرِ قَوْمِهِ، وَكَانَ قُصَيٌّ لَا يُخَالَفُ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ
شَيْءٌ صَنَعَهُ.
ذِكْرُ مَا جَرَى مِنْ اخْتِلَافِ قُرَيْشٍ بَعْدَ قُصَيٍّ وَحِلْفِ
الْمُطَيَّبِينَ
(الْخِلَافُ بَيْنَ بَنِي عَبْدِ الدِّارِ وَبَنِي أَعْمَامِهِمْ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ قُصَيَّ بْنَ كِلَابٍ هَلَكَ، فَأَقَامَ
أَمْرَهُ فِي قَوْمِهِ وَفِي غَيْرِهِمْ بَنُوهُ مِنْ بَعْدِهِ،
فَاخْتَطُّوا مَكَّةَ رِبَاعًا [1]- بَعْدَ الَّذِي كَانَ قَطَعَ
__________
[1] الرباع: الْمنَازل وَمَا حولهَا، وَاحِدهَا: ربع (بِالْفَتْح) .
(1/130)
لِقَوْمِهِ [1] بِهَا- فَكَانُوا
يَقْطَعُونَهَا [2] فِي قَوْمِهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ مِنْ حُلَفَائِهِمْ
وَيَبِيعُونَهَا، فَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ قُرَيْشٌ مَعَهُمْ لَيْسَ
بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ وَلَا تَنَازُعٌ، ثُمَّ إنَّ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ
ابْن قُصَيِّ [2] عَبْدَ شَمْسٍ وَهَاشِمًا وَالْمُطَّلِبَ وَنَوْفَلًا [3]
أَجَمَعُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا مَا بِأَيْدِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ
بْنِ قُصَيٍّ مِمَّا كَانَ قُصَيٌّ جَعَلَ إلَى عَبْدِ الدَّارِ، مِنْ
الْحِجَابَةِ وَاللِّوَاءِ وَالسِّقَايَةِ وَالرِّفَادَةِ، وَرَأَوْا
أَنَّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ لِشَرَفِهِمْ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِمْ
فِي قَوْمِهِمْ، فَتَفَرَّقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ قُرَيْشٌ، فَكَانَتْ
طَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى رَأْيِهِمْ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ
أَحَقُّ بِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ لِمَكَانِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ،
وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، يَرَوْنَ أَنْ لَا
يُنْزَعَ مِنْهُمْ مَا كَانَ قُصَيٌّ جَعَلَ إلَيْهِمْ.
(مَنْ نَاصَرُوا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَمَنْ نَاصَرُوا بَنِي
أَعْمَامِهِمْ.) :
فَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ
مَنَافٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَسَنَّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ
صَاحِبَ أَمْرِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ عَامِرُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ ابْن عَبْدِ الدَّارِ. فَكَانَ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى
بْنِ قُصَيٍّ، وَبَنُو زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ، وَبَنُو تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ
بْنِ كَعْبٍ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ،
مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ.
وَكَانَ بَنُو مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ، وَبَنُو سَهْمِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ، وَبَنُو جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ، وَبَنُو عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، مَعَ بَنِي عَبْدِ
الدَّارِ، وَخَرَجَتْ عَامِرُ بْنُ لُؤَيٍّ وَمُحَارِبُ بْنُ فِهْرٍ،
فَلَمْ يَكُونُوا مَعَ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ.
فَعَقَدَ كُلُّ قَوْمٍ عَلَى أَمْرِهِمْ حِلْفًا مُؤَكَّدًا عَلَى أَنْ لَا
يَتَخَاذَلُوا، وَلَا يُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا بَلَّ بَحْرَ
صُوفَةَ [4] .
__________
[1] تقدم أَن قصيا أنزل كل قوم من قُرَيْش مَنَازِلهمْ من مَكَّة الَّتِي
أَصْبحُوا عَلَيْهَا.
[2] فِي أ: «يعطونها» .
[3] وَقد كَانَ لعبد منَاف ولد خَامِس، وَهُوَ أَبُو عَمْرو، واسْمه عبيد،
أدرج وَلَا عقب لَهُ. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[4] يُرِيد إِلَى الْأَبَد. وصوف الْبَحْر: شَيْء على شكل الصُّوف
الحيواني، واحدته: صوفة. يُقَال:
لَا آتِيك مَا بل بَحر صوفة. أَو مَا بل الْبَحْر صوفة. يُرِيد لَا آتِيك
أبدا (لِسَان الْعَرَب مَادَّة صوف) .
(1/131)
(مَنْ دَخَلُوا فِي حِلْفِ
الْمُطَيَّبِينَ) :
فَأَخْرَجَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً طِيبًا.
فَيَزْعُمُونَ أَنَّ بَعْضَ نِسَاءِ [1] بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ،
أَخْرَجَتْهَا لَهُمْ، فَوَضَعُوهَا لِأَحْلَافِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ
عِنْدَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ غَمَسَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فِيهَا،
فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا هُمْ وَحَلْفَاؤُهُمْ، ثُمَّ مَسَحُوا
الْكَعْبَةَ بِأَيْدِيهِمْ تَوْكِيدًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَسُمُّوا
الْمُطَيَّبِينَ.
(مَنْ دَخَلُوا فِي حِلْفِ الْأَحْلَافِ) :
وَتَعَاقَدَ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ وَتَعَاهَدُوا هُمْ وَحُلَفَاؤُهُمْ
عِنْدَ الْكَعْبَةِ حِلْفًا مُؤَكَّدًا، عَلَى أَنْ لَا يَتَخَاذَلُوا
وَلَا يُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَسُمُّوا الْأَحْلَافَ [2] .
(تَوْزِيعُ الْقَبَائِلِ فِي الْحَرْبِ) :
ثُمَّ سُونِدَ [3] بَيْنَ الْقَبَائِلِ، وَلُزَّ [4] بَعْضُهَا بِبَعْضِ،
فَعُبِّيَتْ [5] بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ لِبَنِي سَهْمٍ، وَعُبِّيَتْ بَنُو
أَسَدٍ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَعُبِّيَتْ زُهْرَةُ لِبَنِي جُمَحَ،
وَعُبِّيَتْ بَنُو تَيْمٍ لِبَنِي مَخْزُومٍ، وَعُبِّيَتْ بَنُو الْحَارِثِ
بْنِ فِهْرِ لِبَنِي عَدِّي بْنِ كَعْبٍ. ثُمَّ قَالُوا: لِتُفْنَ كُلُّ
قَبِيلَةٍ مَنْ أُسْنِدَ إلَيْهَا.
(مَا تَصَالَحَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ) :
فَبَيْنَا النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ أَجَمَعُوا لِلْحَرْبِ إذْ
تَدَاعَوْا إلَى الصُّلْحِ، عَلَى أَنْ يُعْطُوا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ
السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ، وَأَنْ تَكُونَ الْحِجَابَةُ وَاللِّوَاءُ
وَالنَّدْوَةُ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ كَمَا كَانَتْ. فَفَعَلُوا وَرَضِيَ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِذَلِكَ، وَتَحَاجَزَ النَّاسُ عَنْ
الْحَرْبِ، وَثَبَتَ كُلُّ قَوْمٍ مَعَ مَنْ حَالَفُوا، فَلَمْ يَزَالُوا
عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى جَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ
فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَزِدْهُ إلَّا شِدَّةً»
[6] .
__________
[1] يُقَال: إِن الَّتِي أخرجت لَهُم الْجَفْنَة هِيَ أم حَكِيم
الْبَيْضَاء بنت عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وتوأمة أَبِيه. (رَاجع الرَّوْض الْأنف، وَشرح السِّيرَة) .
[2] وَيُقَال إِن عمر كَانَ من الأحلاف، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر من المطيبين.
[3] المساندة: الْمُقَابلَة والمعاونة.
[4] لز: أَي شدّ بَعْضهَا بِبَعْض.
[5] رَاجع الْحَاشِيَة (رقم 2 ص 52) .
[6] يُرِيد المعاقدة على الْخَيْر ونصرة الْحق. وبذا يجْتَمع هَذَا
الحَدِيث وَحَدِيث آخر لَهُ صلى الله عَلَيْهِ
(1/132)
حِلْفُ الْفُضُولِ
(سَبَب تَسْمِيَته كَذَلِك) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمَّا حِلْفُ الْفُضُولِ [1] فَحَدَّثَنِي زِيَادُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ قَالَ:
تَدَاعَتْ قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى حِلْفٍ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي
دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ ابْن عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ
بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، لِشَرَفِهِ وَسِنِّهِ،
فَكَانَ حِلْفُهُمْ عِنْدَهُ: بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ،
وَأَسَدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَزُهْرَةُ ابْن كِلَابٍ، وَتَيْمُ بْنُ
مُرَّةَ. فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِدُوا بِمَكَّةَ
مَظْلُومًا مِنْ
__________
[ () ] وَسلم، وَهُوَ: «لَا حلف فِي الْإِسْلَام» . على أَن يكون المُرَاد
من هَذَا الحَدِيث الثَّانِي: النهى عَمَّا كَانَت تَفْعَلهُ
الْجَاهِلِيَّة من المحالفة على الْفِتَن، والقتال بَين الْقَبَائِل
والغارات. وَقيل: إِن الحَدِيث الثَّانِي، وَهُوَ «لَا حلف فِي
الْإِسْلَام» حاء لاحقا، قَالَه الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: زمن الْفَتْح، فَهُوَ نَاسخ للْحَدِيث الأول.
(لِسَان الْعَرَب: حلف) .
[1] يذكرُونَ: فِي سَبَب تَسْمِيَة هَذَا الْحلف بِهَذَا الِاسْم، أَن
جرهما فِي الزَّمن الأول، قد سبقت قُريْشًا إِلَى مثل هَذَا الْحلف، فتحالف
مِنْهُم ثَلَاثَة هم وَمن تَبِعَهُمْ، أحدهم: الْفضل بن فضَالة،
وَالثَّانِي: الْفضل ابْن ودَاعَة، وَالثَّالِث: فُضَيْل بن الْحَارِث،
وَقيل: بل هم: الفضيل بن شراعة، وَالْفضل بن ودَاعَة، وَالْفضل بن قضاعة،
فَلَمَّا أشبه حلف قُرَيْش هَذَا حلف هَؤُلَاءِ الجرهميين سمى حلف الفضول.
وَقيل: بل سمى كَذَلِك لأَنهم تحالفوا أَن ترد الفضول على أَهلهَا، وَألا
يَغْزُو ظَالِم مَظْلُوما.
وَكَانَ حلف الفضول هَذَا قبل الْبَعْث
بِعشْرين سنة، وَكَانَ أكْرم حلف وأشرفه. وَأول من تكلم بِهِ ودعا إِلَيْهِ
الزبير بن عبد الْمطلب، وَكَانَ سَببه أَن رجلا من زبيد قدم مَكَّة ببضاعة،
فاشتراها مِنْهُ العَاصِي بن وَائِل، وَكَانَ ذَا قدر بِمَكَّة وَشرف، فحبس
عَنهُ حَقه، فاستعدى عَلَيْهِ الزبيدِيّ الأحلاف: عبد الدَّار، ومخزوما،
وجمح، وَسَهْما، وعدي بن كَعْب، فَأَبَوا أَن يعينوه على العَاصِي، وزبروه
(انتهروه) .
فَلَمَّا رأى الزبيدِيّ الشَّرّ، أَو فِي على أَبى قبيس عِنْد طُلُوع
الشَّمْس، وقريش فِي أَنْدِيَتهمْ حول الْكَعْبَة، فصاح بِأَعْلَى صَوته:
يَا آل فهر لمظلوم بضاعته ... بِبَطن مَكَّة نائى الدَّار والنفر
ومحرم أَشْعَث لم يقْض عمرته ... يَا للرِّجَال وَبَين الْحجر وَالْحجر
إِن الْحَرَام لمن تمت كرامته ... وَلَا حرَام لثوب الْفَاجِر الْغدر
فَقَامَ فِي ذَلِك الزبير بن عبد الْمطلب، وَقَالَ: مَا لهَذَا مترك.
فاجتمعت هَاشم، وزهرة، وتيم بن مرّة فِي دَار ابْن جدعَان، فَصنعَ لَهُم
طَعَاما وتعاقدوا، وَكَانَ حلف الفضول. وَكَانَ بعْدهَا أَن أنصفوا
الزبيدِيّ من العَاصِي. (عَن الرَّوْض الْأنف) .
(1/133)
أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ دَخَلَهَا
مِنْ سَائِرِ النَّاسِ إلَّا قَامُوا مَعَهُ، وَكَانُوا عَلَى مَنْ
ظَلَمَهُ حَتَّى تُرَدَّ عَلَيْهِ مَظْلِمَتُهُ، فَسَمَّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ
الْحِلْفَ حِلْفَ الْفُضُولِ.
(حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حِلْفِ
الْفُضُولِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ
الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ [1] التَّيْمِيُّ [2] أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفِ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ شَهِدْتُ
فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ [3] حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ
لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ [4] وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ
لَأَجَبْتُ.
(نَازَعَ الْحُسَيْنُ الْوَلِيدَ فِي حَقٍّ، وَهَدَّدَ بِالدَّعْوَةِ إلَى
حِلْفِ الْفُضُولِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [5] بْنِ
أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِي اللَّيْثِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ ابْن إبْرَاهِيمَ
بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيَّ حَدَّثَهُ:
أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبَيْنَ الْوَلِيدِ ابْن عُتْبَةَ بْنِ أَبِي
سُفْيَانَ. وَالْوَلِيدُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ أَمَّرَهُ
عَلَيْهَا عَمُّهُ مُعَاوِيَةُ
__________
[1] هُوَ مُحَمَّد بن زيد بن المُهَاجر بن قنفذ التَّيْمِيّ الجدعانى
الْمدنِي. روى عَن عبد الله بن عمر، وَعُمَيْر مولى آبى اللَّحْم، وأبى
سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَغَيرهم. وروى عَنهُ مَالك بن أنس، وَيَعْقُوب
بن عبد الرَّحْمَن الإسْكَنْدراني، وَبشر بن الْمفضل، وَحَفْص بن غياث،
وفضيل بن سُلَيْمَان النميري، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن
ماجة. (تراجم رجال) .
[2] زِيَادَة عَن أ، وتراجم رجال.
[3] هُوَ عبد الله بن جدعَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم، ويكنى
أَبَا زُهَيْر. وَهُوَ ابْن عَم عَائِشَة رضى الله عَنْهَا، وَلذَلِك
قَالَت لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِن ابْن جدعَان
كَانَ يطعم الطَّعَام، ويقرى الضَّيْف، فَهَل يَنْفَعهُ ذَلِك يَوْم
الْقِيَامَة؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّه لم يقل يَوْمًا: رب اغْفِر لي خطيئتي
يَوْم الدَّين. وَكَانَ ابْن جدعَان فِي بَدْء أمره صعلوكا ترب
الْيَدَيْنِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِك فاتكا لَا يزَال يجنى الْجِنَايَات، فيعقل
عَنهُ أَبوهُ وَقَومه، حَتَّى أبغضته عشيرته ونفاه أَبوهُ، وَحلف أَلا
يؤويه أبدا لما أثقله بِهِ من الْغرم وَحمله من الدِّيات، ثمَّ كَانَ أَن
أثرى ابْن جدعَان بعثوره على ثعبان من ذهب، وَعَيناهُ ياقوتتان، فأوسع فِي
الْكَرم حَتَّى كَانَ يضْرب بِعظم جفنته الْمثل، ومدحه أُميَّة بن أَبى
الصَّلْت لكرمه.
[4] أَي لَا أحب نقضه، وَإِن دفع لي حمر النعم فِي مُقَابلَة ذَلِك.
[5] هُوَ يزِيد بن عبد الله بن أُسَامَة بن الْهَادِي اللَّيْثِيّ الْمدنِي
أَبُو عبد الله. روى عَن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، وَمُحَمّد
بن كَعْب الْقرظِيّ وَغَيرهمَا. وروى عَنهُ يحيى بن أَيُّوب، وَاللَّيْث
وَآخَرُونَ. قَالَ ابْن سعد: كَانَ ثِقَة كثير الحَدِيث توفى
بِالْمَدِينَةِ سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة. (رَاجع تراجم رجال) .
(1/134)
ابْن أَبِي سُفْيَانَ- مُنَازَعَةً فِي
مَالٍ كَانَ بَيْنَهُمَا بِذِي الْمَرْوَةِ [1] . فَكَانَ الْوَلِيدُ
تَحَامَلَ عَلَى الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَقِّهِ
لِسُلْطَانِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: أَحْلِفُ باللَّه لَتُنْصِفَنِّي
مِنْ حَقِّي أَوْ لَآخُذَنَّ سَيْفِي، ثُمَّ لَأَقُومَنَّ فِي مَسْجِدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَأَدْعُوَنَّ
بِحِلْفِ الْفُضُولِ. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ،
وَهُوَ عِنْدَ الْوَلِيدِ حِينَ قَالَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
مَا قَالَ: وَأَنَا أَحْلِفُ باللَّه لَئِنْ دَعَا بِهِ لَآخُذَنَّ
سَيْفِي، ثُمَّ لَأَقُومَنَّ مَعَهُ حَتَّى يُنْصَفَ مِنْ حَقِّهِ أَوْ
نَمُوتَ جَمِيعًا. قَالَ: فَبَلَّغْتُ الْمِسْوَرَ ابْن مَخْرَمَةَ بْنَ
نَوْفَلٍ الزُّهْرِيَّ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَبَلَّغْتُ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيَّ فَقَالَ
مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ أَنْصَفَ
الْحُسَيْنَ مِنْ حَقِّهِ حَتَّى رَضِيَ.
(سَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ شَمْسٍ
وَبَنِي نَوْفَلٍ وَدُخُولِهِمَا فِي حِلْفِ الْفُضُولِ، فَأَخْبَرَهُ
بِخُرُوجِهِمَا مِنْهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِي اللَّيْثِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ
بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ قَالَ:
قَدِمَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ- وَكَانَ مُحَمَّدُ ابْن جُبَيْرٍ أَعْلَمَ قُرَيْشٍ-
عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ حِينَ قَتَلَ ابْنَ
الزُّبَيْرِ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَمَّا
دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَلَمْ نَكُنْ نَحْنُ
وَأَنْتُمْ، يَعْنِي بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَنِيَّ
نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي حِلْفِ الْفُضُولِ؟ قَالَ: أَنْتَ
أَعْلَمُ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لِتُخْبِرَنِّي يَا أَبَا سَعِيدٍ
بِالْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ، لَقَدْ خَرَجْنَا نَحْنُ
وَأَنْتُمْ مِنْهُ! قَالَ: صَدَقْتَ.
تَمَّ خَبَرُ حَلِفِ الْفُضُولِ.
(وِلَايَةُ هَاشِمٍ الرِّفَادَةَ وَالسِّقَايَةَ وَمَا كَانَ يَصْنَعُ إذَا
قَدِمَ الْحَاجُّ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلِيَ الرِّفَادَةَ وَالسِّقَايَةَ هَاشِمُ بْنُ
عَبْدِ مَنَافٍ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ شَمْسٍ كَانَ رَجُلًا سِفَارًا
قَلَّمَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ، وَكَانَ مُقِلًّا ذَا وَلَدٍ، وَكَانَ هَاشِمٌ
مُوسِرًا فَكَانَ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- إذَا حَضَرَ الْحَاجُّ قَامَ فِي
قُرَيْشٍ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ
__________
[1] ذُو الْمَرْوَة: قَرْيَة بوادي الْقرى، وَقيل بَين خشب ووادي الْقرى.
(رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
(1/135)
قُرَيْشٍ، إنَّكُمْ جِيرَانُ اللَّهِ
وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَإِنَّهُ يَأْتِيكُمْ فِي هَذَا الْمَوْسِمِ زُوَّارُ
اللَّهِ وَحُجَّاجُ بَيْتِهِ، وَهُمْ ضَيْفُ اللَّهِ، وَأَحَقُّ الضَّيْفِ
بِالْكَرَامَةِ ضَيْفُهُ، فَاجْمَعُوا لَهُمْ مَا تَصْنَعُونَ لَهُمْ بِهِ
طَعَامًا أَيَّامَهُمْ هَذِهِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ الْإِقَامَةِ
بِهَا، فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ لَوْ كَانَ مَالِي يَسَعُ لِذَلِكَ مَا
كَلَّفْتُكُمُوهُ» . فَيُخْرِجُونَ لِذَلِكَ خَرْجًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ،
كُلُّ امْرِئِ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ، فيصنع بِهِ للحجّاج طَعَامًا حَتَّى
يُصْدَرُوا مِنْهَا.
(شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ هَاشِمٍ) :
وَكَانَ هَاشِمٌ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرِّحْلَتَيْنِ
لِقُرَيْشِ: رِحْلَتَيْ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ.
وَأَوَّلَ مَنْ أَطْعَمَ الثَّرِيدَ بِمَكَّةَ، وَإِنَّمَا كَانَ اسْمُهُ
عَمْرًا، فَمَا سُمِّيَ هَاشِمًا إِلَّا بهشمه الْخَبَر بِمَكَّةَ [1]
لِقَوْمِهِ. فَقَالَ شَاعِرٌ [2] مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ مِنْ بَعْضِ
الْعَرَبِ:
عَمْرُو الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... قَوْمٌ بِمَكَّةَ
مُسْنِتِينَ عِجَافِ [3]
سُنَّتْ إلَيْهِ الرِّحْلَتَانِ كِلَاهُمَا ... سَفَرُ الشِّتَاءِ
وَرِحْلَةُ الْأَصْيَافِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ
مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ:
قَوْمٌ بِمَكَّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ
[4]
__________
[1] وَمِمَّا يذكر فِي هَذَا أَن هاشما- وَقد كَانَ يَسْتَعِين بِقُرَيْش
على إطْعَام الْحَاج- أَصَابَته وأصابت قومه أزمة شَدِيدَة، فكره أَن
يُكَلف قُريْشًا أَمر الرفادة، فَاحْتمل إِلَى الشَّام بِجَمِيعِ مَاله،
فَاشْترى بِهِ أجمع كعكا، ثمَّ أَتَى الْمَوْسِم فهشم ذَلِك الكعك كُله
هشما، ودقه وصنع مِنْهُ للْحَاج طَعَاما شبه الثَّرِيد. (رَاجع الرَّوْض
الْأنف) .
[2] هُوَ عبد الله بن الزبعري، وَكَانَ سَبَب مدحه لبني عبد منَاف، مَعَ
أَنه سهمي، أَنه كَانَ قد هجا قصيا بِشعر كتبه فِي أَسْتَار الْكَعْبَة،
فَاسْتَعدوا عَلَيْهِ بنى سهم، فأسلموه إِلَيْهِم، فضربوه وحلقوا شعره
وربطوه إِلَى صَخْرَة، فاستغاث قومه فَلم يغيثوه، فَجعل يمدح قصيا
ويسترضيهم، فَأَطْلقهُ بَنو عبد منَاف مِنْهُم وأكرموه، فمدحهم بِهَذَا
الشّعْر، وبأشعار كَثِيرَة. وَيُقَال: إِن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ من
أَبْيَات لمطرود بن كَعْب ستجيء فِيمَا بعد من هَذَا الْكتاب أَولهَا:
يَا أَيهَا الرجل المحول رَحْله ... هلا نزلت بآل عبد منَاف
[3] المسنتون: الَّذين أَصَابَتْهُم السّنة، وَهِي الْجُوع والقحط.
والعجاف: من العجف، وَهُوَ الهزال والضعف. وَذَلِكَ أَن قومه من قُرَيْش
كَانَت أَصَابَتْهُم لزبة وقحط، فَرَحل إِلَى فلسطين، فَاشْترى مِنْهَا
الدَّقِيق، فَقدم بِهِ مَكَّة، فَأمر بِهِ فخبز لَهُ، وَنحر جزورا، ثمَّ
اتخذ لِقَوْمِهِ مرقة ثريد بذلك الْخبز. (رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[4] ويروى:
وَرِجَال مَكَّة مسنتون عجاف
(1/136)
(ولَايَة الْمطلب الرفادة وَالسِّقَايَةِ)
:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ هَلَكَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بِغَزَّةَ
[1] مِنْ أَرْضِ الشَّامِ تَاجِرًا، فَوَلِيَ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ
مِنْ بَعْدِهِ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْ
عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمٍ، وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قَوْمِهِ وَفَضْلٍ،
وَكَانَتْ قُرَيْشٌ إنَّمَا تُسَمِّيهِ الْفَيْضَ لِسَمَاحَتِهِ
وَفَضْلِهِ.
(زَوَاجُ هَاشِمٍ) :
وَكَانَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَتَزَوَّجَ
سَلْمَى بِنْتَ عَمْرٍو أَحَدِ بَنِي عَدِيِّ ابْن النَّجَّارِ [2] ،
وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ بْنِ الْحَرِيشِ [3]
. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ: الْحَرِيسُ- ابْنُ جَحْجَبِي بْنِ
كُلْفَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ ابْن
الْأَوْسِ. فَوَلَدَتْ لَهُ عَمْرَو بْنَ أُحَيْحَةَ، وَكَانَتْ لَا
تَنْكِحُ الرِّجَالَ لِشَرَفِهَا فِي قَوْمِهَا حَتَّى يَشْتَرِطُوا لَهَا
أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، إذَا كَرِهَتْ رَجُلًا فَارَقَتْهُ.
(مِيلَادُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِ كَذَلِكَ) :
فَوَلَدَتْ لِهَاشِمِ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، فَسَمَّتْهُ شَيْبَةَ [4] .
فَتَرَكَهُ هَاشِمٌ عِنْدَهَا حَتَّى كَانَ وَصِيفًا [5] أَوْ فَوْقَ
ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْهِ عَمُّهُ الْمُطَّلِبُ لِيَقْبِضَهُ
فَيُلْحِقَهُ بِبَلَدِهِ وَقَوْمِهِ، فَقَالَتْ لَهُ سَلْمَى: لَسْتُ
بِمُرْسَلَتِهِ مَعَكَ، فَقَالَ لَهَا الْمُطَّلِبُ: إنِّي غَيْرُ
مُنْصَرَفٍ حَتَّى
__________
[ () ] وعَلى هَذِه الرِّوَايَة يكون فِي الشّعْر إقواء. وَلَعَلَّ هَذِه
الرِّوَايَة عَن غير أهل الْعلم بالشعر من أهل الْحجاز، الَّذين أَخذ
عَنْهُم ابْن هِشَام الرِّوَايَة الأولى، ورفض الثَّانِيَة: لِأَنَّهَا لم
تستقم فِي نظره، وأدلى بِعُذْرِهِ فِي أَنه أَخذهَا عَن أهل علم بالشعر،
وَلم يكن لَهُ بِهِ دراية تَامَّة، فيقيم نَفسه فِي هَذَا الميدان حكما.
[1] غَزَّة (بِفَتْح أَوله وَتَشْديد ثَانِيه وفتحه) : مَدِينَة فِي أقْصَى
الشَّام من نَاحيَة مصر، بَينهَا وَبَين عسقلان فرسخان أَو أقل. (رَاجع
مُعْجم الْبلدَانِ) .
[2] وَيُقَال: إِنَّه بِسَبَب هَذَا النّسَب، رحب سيف بن ذِي يزن، أَو
ابْنه معديكرب بن سيف ملك الْيمن، بِعَبْد الْمطلب بن هَاشم، حِين وَفد
عَلَيْهِ فِي ركب من قُرَيْش، وَقَالَ لَهُ: مرْحَبًا بِابْن أُخْتنَا:
لِأَن سلمى من الْخَزْرَج، وهم من الْيمن من سبإ، وَلِأَن سَيْفا من حمير
بن سبإ
[3] وَيُقَال: إِن كل من فِي الْأَنْصَار بِهَذَا الِاسْم، فَهُوَ حريس
(بِالسِّين الْمُهْملَة) إِلَّا هَذَا فَهُوَ بالشين الْمُعْجَمَة. (رَاجع
شرح السِّيرَة وَالرَّوْض الْأنف) .
[4] سمى شيبَة لشيبة كَانَت فِي رَأسه، ويكنى بِأبي الْحَارِث أكبر وَلَده.
(رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[5] الوصيف (كقتيل) : الْغُلَام دون المراهقة.
(1/137)
أَخْرُجَ بِهِ مَعِي، إنَّ ابْنَ أَخِي
قَدْ بَلَغَ، وَهُوَ غَرِيبٌ فِي غَيْرِ قَوْمِهِ، وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ
شَرَفٍ فِي قَوْمِنَا، نَلِي كَثِيرًا مِنْ أُمُورِهِمْ، وَقَوْمُهُ
وَبَلَدُهُ وَعَشِيرَتُهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِهِمْ،
أَوْ كَمَا قَالَ. وَقَالَ شَيْبَةُ لِعَمِّهِ الْمُطَّلِبِ- فِيمَا
يَزْعُمُونَ-: لَسْتُ بِمُفَارِقِهَا إلَّا أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَأَذِنَتْ
لَهُ، وَدَفَعَتْهُ إلَيْهِ، فَاحْتَمَلَهُ فَدَخَلَ بِهِ مَكَّةَ
مُرْدِفَهُ مَعَهُ عَلَى بَعِيرِهِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: عَبْدُ
الْمُطَّلِبِ ابْتَاعَهُ، فَبِهَا سُمِّيَ شَيْبَةُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ.
فَقَالَ الْمُطَّلِبُ: وَيْحَكُمْ! إنَّمَا هُوَ ابْنُ أَخِي هَاشِمٍ،
قَدِمْتُ بِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ.
(مَوْتُ الْمُطَّلِبِ وَمَا قِيلَ فِي رِثَائِهِ مِنْ الشِّعْرِ) :
ثُمَّ هَلَكَ الْمُطَّلِبُ بِرَدْمَانَ [1] مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ، فَقَالَ
رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ يَبْكِيهِ:
قَدْ ظَمِئَ الْحَجِيجُ بَعْدَ الْمُطَّلِبِ ... بَعْدَ الْجِفَانِ
وَالشَّرَابِ المُنْثَعِبْ [2]
لَيْتَ قُرَيْشًا بَعْدَهُ عَلَى نَصَبْ
[3] وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزَاعِيُّ، يَبْكِي الْمُطَّلِبَ
وَبَنِيَّ عَبْدِ مَنَافٍ جَمِيعًا حِينَ أَتَاهُ نَعْيُ نَوْفَلِ بْنِ
عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ نَوْفَلٌ آخِرَهُمْ هُلْكًا:
يَا لَيْلَةً هَيَّجَتْ لَيْلَاتِي ... إحْدَى لَيَالِيَ الْقَسِيَّاتِ [4]
وَمَا أُقَاسِي مِنْ هُمُومٍ وَمَا ... عَالَجْتُ مِنْ رُزْءِ
الْمَنِيَّاتِ
إذَا تَذَكَّرْتُ أَخِي نَوْفَلًا ... ذَكَّرَنِي بِالْأَوَّلِيَّاتِ
ذَكَّرَنِي بالأزر الْحمر و ... الأردية الصُّفْرِ الْقَشِيبَاتِ
أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ سَيِّدُ ... أَبْنَاءِ سَادَاتٍ لِسَادَاتِ
مَيْتٌ بِرَدْمَانَ وَمَيْتٌ بِسَلْمَانَ ... [5] وَمَيِّتٌ عِنْدَ
غَزَّاتِ [6]
__________
[1] ردمان (بِفَتْح أَوله) : مَوضِع بِالْيمن. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[2] المنثعب: الْكثير السَّيْل، يُقَال: انشعب المَاء: إِذا سَالَ من
مَوضِع حصر فِيهِ.
[3] النصب: التَّعَب وَالْعَذَاب.
[4] كَذَا فِي الأَصْل. والقسيات: الشدائد. ويروى: العشيات. والعشيات:
المظلمات.
[5] سلمَان: مَاء قديم جاهلى، وَبِه قبر نَوْفَل بن عبد منَاف، وَهُوَ
طَرِيق إِلَى تهَامَة من الْعرَاق فِي الْجَاهِلِيَّة (رَاجع مُعْجم
الْبلدَانِ) .
[6] هِيَ غَزَّة، وَلَكنهُمْ يجْعَلُونَ لكل نَاحيَة، أَو لكل ربض من
الْبَلدة اسْم الْبَلدة، فَيَقُولُونَ:
غزات فِي غَزَّة، كَمَا يَقُولُونَ فِي بغدان بغادين كَقَوْل بعض
الْمُحدثين:
(1/138)
وَمَيِّتٌ [1] أُسْكِنَ لَحْدًا لَدَى ...
الْمَحْجُوبِ شَرْقِيِّ الْبُنَيَّاتِ [2]
أَخْلَصُهُمْ عَبْدُ مَنَافٍ فَهُمْ ... مِنْ لَوْمِ مَنْ لَامَ
بِمَنْجَاةِ
إنَّ الْمُغِيرَاتِ وَأَبْنَاءَهَا ... مِنْ خَيْرِ أَحْيَاءٍ وَأَمْوَاتِ
[3] وَكَانَ اسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ الْمُغِيرَةَ، وَكَانَ أَوَّلَ بَنِي
عَبْدِ مَنَافٍ هُلْكًا هَاشِمٌ، بِغَزَّةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، ثُمَّ
عَبْدَ شَمْسٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ الْمُطَّلِبَ بِرَدْمَانَ مِنْ أَرْضِ
الْيَمَنِ ثُمَّ نَوْفَلًا بِسَلْمَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ.
فَقِيلَ لِمَطْرُودِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ-: لَقَدْ قُلْتَ فَأَحْسَنْتَ،
وَلَوْ كَانَ أَفْحَلَ مِمَّا قُلْتَ كَانَ أَحْسَنَ، فَقَالَ: أَنْظِرْنِي
لَيَالِيَ، فَمَكَثَ أَيَّامًا، ثُمَّ قَالَ:
يَا عَيْنُ جُوى وَأَذْرِي الدَّمْعَ وَانْهَمِرِي ... وَابْكِي عَلَى
السِّرِّ مِنْ كَعْبِ الْمُغِيرَاتِ [4]
يَا عَيْنُ وَاسْحَنْفِرِي بِالدَّمْعِ وَاحْتَفِلِي [5] ... وَابْكِي
خَبِيئَةَ نَفْسِي فِي الْمُلِمَّاتِ [6]
وَابْكِي عَلَى كُلِّ فَيَّاضٍ أَخِي ثِقَةٍ ... ضَخْمِ الدَّسِيعَةِ
وَهَّابِ الْجَزِيلَاتِ [7]
مَحْضِ الضَّرِيبَةِ عَالِي الْهَمِّ مُخْتَلِقٌ ... جَلْدِ النَّحِيزَةِ
نَاءٍ بِالْعَظِيمَاتِ [8]
صَعْبِ الْبَدِيهَةِ لَا نِكْسٍ وَلَا وَكِلٍ ... مَاضِي الْعَزِيمَةِ
مِتْلَافِ الْكَرِيمَاتِ [9]
__________
[ () ]
شربنا فِي بغادين ... على تِلْكَ الميادين
والّذي عِنْد غَزَّة هُوَ هَاشم بن عبد منَاف.
[1] وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي مُعْجم الْبلدَانِ فِي الْكَلَام على
ردمان:
وميت مَاتَ قَرِيبا من ... الْحجُون من شَرق البنيات
قَالَ ياقوت: « ... والّذي بِقرب الْحجُون عبد شمس بن عبد منَاف» .
والحجون: جبل بِأَعْلَى مَكَّة عِنْد مدافن أَهلهَا.
[2] البنيات: الْكَعْبَة.
[3] الْمُغيرَات: بَنو الْمُغيرَة.
[4] السِّرّ: الْخَالِص النّسَب.
[5] اسحنفرى: أديمى. واحتفلى: أَي اجمعيه، من احتفال الضَّرع، وَهُوَ
اجْتِمَاع اللَّبن فِيهِ.
[6] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والخبيئة: الشَّيْء المخبوء. يُرِيد أَنه
كَانَ ذخيرته عِنْد نزُول الشدائد.
وَفِي أ: «خبيئات» .
[7] الْفَيَّاض: الْكثير الْمَعْرُوف. وضخم الدسيعة: كثير الْعَطاء.
والجزيلات الكثيرات.
[8] الضريبة: الطبيعة. والمختلق: التَّام الْخلق. والنحيزة: الطبيعة
أَيْضا. وناء: ناهض.
[9] النكس: الدنىء من الرِّجَال. والوكل: الضَّعِيف الّذي يتكل على غَيره.
(1/139)
صَقْرٍ تَوَسَّطَ مِنْ كَعْبٍ إذَا
نُسِبُوا ... بُحْبُوحَةَ الْمَجْدِ وَالشُّمِّ الرَّفِيعَاتِ [1]
ثُمَّ اُنْدُبِي الْفَيْضَ وَالْفَيَّاضَ مُطَّلِبًا ... وَاسْتَخْرِطِي
بَعْدَ فَيْضَاتٍ بِجُمَّاتِ [2]
أَمْسَى بِرَدْمَانَ عَنَّا الْيَوْمَ مُغْتَرِبًا ... يَا لَهْفَ نَفْسِي
عَلَيْهِ بَيْنَ أَمْوَاتِ [3]
وَابْكِي، لَكَ الْوَيْلُ، إمَّا كُنْتِ بَاكِيَةً ... لِعَبْدِ شَمْسٍ
بِشَرْقِيِّ الْبُنَيَّاتِ
وَهَاشِمٍ فِي ضَرِيحٍ وَسْطَ بَلْقَعَةٍ ... تَسْفَى الرِّيَاحُ عَلَيْهِ
بَيْنَ غَزَّاتِ
وَنَوْفَلٌ كَانَ دُونَ الْقَوْمِ خَالِصَتِي ... أَمْسَى بِسَلْمَانَ فِي
رَمْسٍ بِمَوْمَاةِ [4]
لَمْ أَلْقَ مِثْلَهُمْ عُجْمًا وَلَا عَرَبًا ... إذَا اسْتَقَلَّتْ
بِهِمْ أُدْمُ الْمَطِيَّاتِ [5]
أَمْسَتْ دِيَارُهُمْ مِنْهُمْ مُعَطَّلَةً ... وَقَدْ يَكُونُونَ زَيْنًا
فِي السَّرِيَّاتِ [6]
أَفْنَاهُمْ الدَّهْرُ أَمْ كَلَّتْ سُيُوفُهُمْ ... أَمْ كُلُّ مَنْ عَاشٍ
أَزْوَادُ الْمَنِيَّاتِ [7]
أَصْبَحْتُ أَرْضَى مِنْ الْأَقْوَامِ بَعْدَهُمْ ... بَسْطَ الْوُجُوهِ
وَإِلْقَاءَ التَّحِيَّاتِ
يَا عَيْنُ فَابْكِي أَبَا الشُّعْثِ الشَّجِيَّاتِ [8] ... يَبْكِينَهُ
حُسَّرًا مِثْلَ الْبَلِيَّاتِ [9]
__________
[1] البحبوحة: وسط الشَّيْء. والشم: الْعَالِيَة.
[2] استخرطى: استكثرى. والجمات: الْمُجْتَمع من المَاء، فاستعاره هُنَا
الدمع.
[3] رَاجع الْحَاشِيَة (رقم 1 ص 138 من هَذَا الْجُزْء)
[4] الموماة: القفر.
[5] الْأدم من الْإِبِل: الْبيض الْكِرَام.
[6] السريات: جمع سَرِيَّة، وَهِي الْقطعَة من الْجَيْش أقصاها أَربع
مائَة، تبْعَث إِلَى الْعَدو. سموا بذلك لأَنهم يكونُونَ خُلَاصَة
الْعَسْكَر وخيارهم.
[7] ويروى: «أوراد» . يُرِيد الْقَوْم الَّذين يُرِيدُونَ الْمَوْت، شبههم
بالذين يردون المَاء.
[8] الشجيات: الحزينات. وينكر بعض أهل اللُّغَة تَشْدِيد يَاء الشجى
وَيَقُولُونَ بِأَن يَاء الشجى مُخَفّفَة وياء الخلي مُشَدّدَة، وَقد
اعْترض ابْن قُتَيْبَة على أَبى تَمام الطَّائِي فِي قَوْله:
أيا وَيْح الشجى من الخلي فَإِنَّهُ ... وويح الدمع من إِحْدَى بلَى
وَاحْتج بقول يَعْقُوب فِي ذَلِك. فَقَالَ لَهُ الطَّائِي: وَمن أفْصح
عنْدك: ابْن الجرمقانية يَعْقُوب، أم أَبُو الْأسود الدؤَلِي حَيْثُ
يَقُول:
ويل الشجى من الخلي فَإِنَّهُ ... وصب الْفُؤَاد بشجوه مغموم؟
وَالْقِيَاس لَا يمْنَع من أَن يكون هُنَاكَ شج وشجى، لِأَنَّهُ فِي معنى
حزن وحزين.
[9] البليات: جمع بلية، وَهِي النَّاقة الَّتِي كَانَت تعقل عِنْد قبر
صَاحبهَا إِذا مَاتَ حَتَّى تَمُوت جوعا وعطشا، وَيَقُولُونَ: إِن صَاحبهَا
يحْشر رَاكِبًا عَلَيْهَا، وَمن لم يفعل مَعَه هَذَا حشر رَاجِلا. وَهَذَا
على مَذْهَب من كَانَ يَقُول مِنْهُم بِالْبَعْثِ.
(1/140)
يَبْكِينَ أَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي عَلَى
قَدَمٍ ... يُعْوِلْنَهُ بِدُمُوعٍ بَعْدَ عَبَرَاتِ [1]
يَبْكِينَ شَخْصًا طَوِيلَ الْبَاعِ ذَا فَجَرٍ ... آبِي الْهَضِيمَةِ
فَرَّاجِ الْجَلِيلَاتِ [2]
يَبْكِينَ عَمْرَو الْعُلَا إذْ حَانَ مَصْرَعُهُ ... سَمْحَ السَّجِيَّةِ
بَسَّامَ الْعَشِيَّاتِ [3]
يَبْكِينَهُ مُسْتَكِينَاتٍ عَلَى حَزَنٍ ... يَا طُولَ ذَلِكَ مِنْ حُزْنٍ
وَعَوْلَاتٍ
يَبْكِينَ لَمَّا جَلَّاهُنَّ الزَّمَانُ لَهُ ... خُضْرُ الْخُدُودِ
كَأَمْثَالِ الْحَمِيَّاتِ [4]
مُحْتَزِمَاتٍ عَلَى أَوْسَاطِهِنَّ لِمَا ... جَرَّ الزَّمَانُ مِنْ
أَحْدَاثِ الْمُصِيبَاتِ
أَبِيتُ لَيْلِي أُرَاعِي النَّجْمَ مِنْ أَلَمٍ ... أَبْكِي وَتَبْكِي
مَعِي شَجْوِي بُنَيَّاتِي
مَا فِي الْقُرُومِ لَهُمْ عِدْلٌ وَلَا خَطَرٌ ... وَلَا لِمَنْ تركُوا
شروى بقبّات [5]
أَبْنَاؤُهُمْ خَيْرُ أَبْنَاءٍ وَأَنْفُسُهُمْ ... خَيْرُ النّفوس لَدَى
جِهَاد الْأَلِيَّاتِ [6]
كَمْ وَهَبُوا مِنْ طِمِرٍّ سَابِحٍ أَرِنٍ ... وَمِنْ طِمِرَّةٍ نَهْبٍ
فِي طِمِرَّاتِ [7]
وَمِنْ سُيُوفٍ مِنْ الْهِنْدِيِّ مُخْلَصَةٍ ... وَمِنْ رِمَاحٍ
كَأَشْطَانِ الرَّكِيَّاتِ [8]
وَمِنْ تَوَابِعِ مِمَّا يُفْضِلُونَ بِهَا ... عِنْدَ الْمَسَائِلِ مِنْ
بَذْلِ الْعَطِيَّاتِ
فَلَوْ حَسَبْتُ وَأَحْصَى الْحَاسِبُونَ مَعِي ... لَمْ أَقْضِ
أَفَعَالَهُمْ تَلِكَ الْهَنِيَّاتِ
هُمْ الْمُدِلُّونَ إمَّا مَعْشَرٌ فَخَرُّوا ... عِنْدَ الْفَخَّارِ
بِأَنْسَابٍ نَقِيَّاتٍ
زَيْنُ الْبُيُوتِ الَّتِي خَلَّوْا [9] مَسَاكِنَهَا ... فَأَصْبَحَتْ
مِنْهُمْ وَحْشًا خَلِيَّاتٍ
__________
[1] كَانَ الْوَجْه أَن يَقُول «عبرات» بِالتَّحْرِيكِ: إِلَّا أَنه أسكن
للتَّخْفِيف ضَرُورَة.
[2] الهضيمة: الذل وَالنَّقْص. والجليلات: الْأُمُور الْعِظَام.
[3] السجية: الطبيعة. وبسام العشيات: يُرِيد أَنه يتبسم عِنْد لِقَاء
الأضياف، لِأَن الأضياف أَكثر مَا يردون عَشِيَّة.
[4] الحميات: الْإِبِل الَّتِي حميت المَاء: أَي منعت.
[5] القروم سَادَات النَّاس، وَأَصله الفحول من الْإِبِل. وَالْعدْل:
الْمثل. والخطر: الْقدر والرفعة.
وشروى: مثل، يُقَال: هَذَا شروى هَذَا، أَي مثله.
[6] الأليات: الشدائد الَّتِي يقصر الْإِنْسَان بِسَبَبِهَا، وَهِي أَيْضا
جمع ألية، وَهِي الْيَمين.
[7] الطمر: الْفرس الْخَفِيف. وسابح: كَأَنَّهُ يسبح فِي جريه، أَي يعوم.
وأرن: نشط. والنهب:
مَا انتهب من الْغَنَائِم.
[8] الأشطان: جمع شطن، وَهُوَ الْحَبل. والركيات: جمع ركية، وَهِي
الْبِئْر.
[9] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حلوا» بِالْحَاء الْمُهْملَة.
(1/141)
أَقُولُ وَالْعين لَا ترقى مَدَامِعُهَا
[1] ... لَا يُبْعِدُ اللَّهُ أَصْحَابَ الرَّزِيَّاتِ
[2] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفَجْرُ: الْعَطَاءُ. قَالَ أَبُو خِرَاشٍ
الْهُذَلِيُّ [3] :
عَجَّفَ أَضْيَافِي جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ ... بِذِي فَجَرٍ تَأْوِي
إلَيْهِ الْأَرَامِلُ
[4] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَبُو الشُّعْثِ الشَّجِيَّاتِ: هَاشِمُ بْنُ
عَبْدِ مَنَافٍ.
(وِلَايَةُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ) :
قَالَ: ثُمَّ وَلِيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ السِّقَايَةَ
وَالرِّفَادَةَ بَعْدَ عَمِّهِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقَامَهَا لِلنَّاسِ،
وَأَقَامَ لِقَوْمِهِ مَا كَانَ آبَاؤُهُ يُقِيمُونَ قَبْلَهُ لِقَوْمِهِمْ
مِنْ أَمْرِهِمْ، وَشَرُفَ فِي قَوْمِهِ شَرَفًا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ
مِنْ آبَائِهِ، وَأَحَبَّهُ قَوْمُهُ وَعَظُمَ خَطَرُهُ فِيهِمْ.
ذِكْرُ حَفْرِ زَمْزَمَ وَمَا جَرَى مِنْ الْخُلْفِ فِيهَا
(الرُّؤْيَا الَّتِي أُرِيهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي حَفْرِ زَمْزَمَ) :
ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إذْ
أُتِيَ فَأُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلَ مَا اُبْتُدِئَ بِهِ عَبْدُ
الْمُطَّلِبِ مِنْ حَفْرِهَا، كَمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ [5] بْنُ أَبِي
حَبِيبٍ الْمِصْرِيِّ عَنْ مَرْثَدِ [6] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
__________
[1] لَا ترقا: لَا تَنْقَطِع، وَأَصله الْهَمْز فَخفف فِي الشّعْر.
[2] الرزيات: جمع رزية، لُغَة فِي الرزيئة، بِمَعْنى الْمُصِيبَة والإصابة
بالانتقاص. وَيُرِيد بأصحاب الرزيات: من أصيبوا وانتقصوا وَأصْبح شَأْنهمْ
كَمَا وصف.
[3] وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة لأبى خرَاش قَالَهَا فِي قتل زُهَيْر بن
الْعَجْوَة أخى بنى عَمْرو بن الْحَارِث، وَكَانَ قَتله جميل بن معمر بن
حبيب بن حذافة بن جمح بن عَمْرو بن هصيص، يَوْم حنين.
[4] كَذَا فِي الْأُصُول. وعجف: حبس عَن الطَّعَام. يُرِيد: أجاعهم. وَفِي
أشعار الهذليين المخطوط وَالْمَحْفُوظ بدار الْكتب المصرية برقم (6 أدب ش)
: «فجع» .
[5] هُوَ يزِيد بن أَبى حبيب سُوَيْد أَبُو رَجَاء الْأَسدي الْمصْرِيّ
عَالم أهل مصر، مولى شريك بن الطُّفَيْل الْأَزْدِيّ، وَقيل أَبوهُ مولى
بنى حسل، وَأمه مولاة لتجيب. روى عَن عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء
الزبيدِيّ، وَابْن الطُّفَيْل الْكِنَانِي، وأبى الْخَيْر مرْثَد الْيَزنِي
وَغَيرهم. (عَن تراجم الرِّجَال) .
[6] هُوَ مرْثَد بن عبد الله الْيَزنِي (بِفَتْح الْيَاء والزاى) أَبُو
الْخَيْر الْمصْرِيّ الْفَقِيه. روى عَن عقبَة بن عَامر الجهنيّ، وَكَانَ
لَا يُفَارِقهُ، وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَغَيرهمَا. وروى عَنهُ غير يزِيد
هَذَا ربيعَة بن جَعْفَر، وَكَعب بن عَلْقَمَة، وَعبد الرَّحْمَن بن شماسَة
وَغَيرهم. توفى سنة تسعين. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب) .
(1/142)
ابْن زُرَيْرٍ [1] الْغَافِقِيِّ: أَنَّهُ
سَمِعَ عَلَيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
يُحَدِّثُ حَدِيثَ زَمْزَمَ حِينَ أُمِرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِحَفْرِهَا،
قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إنِّي لَنَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إذْ
أَتَانِي آتٍ فَقَالَ: احْفِرْ طَيْبَةَ [2] .
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا طَيْبَةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي. فَلَمَّا
كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ، فَجَاءَنِي
فَقَالَ: احْفِرْ بَرَّةَ [3] . قَالَ: وَمَا بَرَّةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ
عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ،
فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ الْمَضْنُونَةَ [4] .
قَالَ: فَقُلْتُ: وَمَا الْمَضْنُونَةُ؟ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ،
فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ زَمْزَمَ. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا زَمْزَمُ؟
قَالَ: لَا تَنْزِفُ [5] أَبَدًا وَلَا تُذَمُّ [6] ، تَسْقِي الْحَجِيجَ
الْأَعْظَمَ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ، عِنْدَ نُقْرَةِ
الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ [7] ، عِنْدَ قَرْيَةِ [8] النَّمْلِ.
(عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَابْنُهُ الْحَارِثُ وَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا
وَبَيْنَ قُرَيْشٍ عِنْدَ حَفْرِهِمَا زَمْزَمَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا بُيِّنَ لَهُ شَأْنُهَا، وَدُلَّ عَلَى
مَوْضِعِهَا، وَعَرَفَ أَنَّهُ صُدِّقَ، غَدَا بِمِعْوَلِهِ وَمَعَهُ
ابْنُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ
وَلَدٌ
__________
[1] هُوَ عبد الله بن زرير (بِالتَّصْغِيرِ) الغافقي الْمصْرِيّ. روى عَن
على وَعمر. وَعنهُ أَبُو الْخَيْر مرْثَد الْيَزنِي وَأَبُو الْفَتْح
الهمدانيّ، وَغَيرهمَا. مَاتَ فِي خلَافَة عبد الْملك سنة إِحْدَى
وَثَمَانِينَ، وَقيل سنة ثَمَانِينَ.
(رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب) .
[2] قيل لزمزم طيبَة، لِأَنَّهَا للطيبين والطيبات من ولد إِبْرَاهِيم.
[3] قيل لَهَا برة، لِأَنَّهَا فاضت على الْأَبْرَار وغاضت عَن الْفجار.
[4] قيل لَهَا مضنونة، لِأَنَّهَا ضن بهَا على غير الْمُؤمنِينَ فَلَا
يتضلع مِنْهَا مُنَافِق.
[5] لَا تنزف: لَا يفرغ مَاؤُهَا وَلَا يلْحق قعرها.
[6] لَا تذم: أَي لَا تُوجد قَليلَة المَاء، تَقول: أذمت الْبِئْر: إِذا
وَجدتهَا قَليلَة المَاء.
[7] الأعصم من الْغرْبَان: الّذي فِي جناحيه بَيَاض، وَقيل غير ذَلِك.
[8] إِنَّمَا خصت بِهَذِهِ العلامات الثَّلَاث لِمَعْنى زَمْزَم ومائها.
فَأَما الفرث وَالدَّم، فان ماءها طَعَام طعم، وشفاء سقم، وَأما عَن
الْغُرَاب الأعصم، فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى مَا ورد عَن رَسُول الله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليخربن الْكَعْبَة ذُو السويقتين من
الْحَبَشَة» . وَأما قَرْيَة النَّمْل، فَفِيهَا من المشاكلة أَيْضا
والمناسبة أَن زَمْزَم هِيَ عين مَكَّة الَّتِي يردهَا الحجيج والعمار من
كل جَانب، فيحملون إِلَيْهَا الْبر وَالشعِير وَغير ذَلِك، وَهِي لَا تحرث
وَلَا تزرع، وقرية النَّمْل كَذَلِك لَا تحرث وَلَا تبذر وتجلب الْحُبُوب
إِلَى قريتها من كل جَانب.
(رَاجع الرَّوْض الْأنف وَمَا يعول عَلَيْهِ فِي قَرْيَة النَّمْل) .
(1/143)
غَيْرَهُ، فَحَفَرَ فِيهَا. فَلَمَّا بَدَا
لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ الطَّيَّ [1] كَبَّرَ، فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ
قَدْ أَدْرَكَ حَاجَتَهُ، فَقَامُوا إلَيْهِ فَقَالُوا: يَا عَبْدَ
الْمُطَّلِبِ، إنَّهَا بِئْرُ أَبِينَا إسْمَاعِيلَ، وَإِنَّ لَنَا فِيهَا
حَقًّا فَأَشْرِكْنَا مَعَكَ فِيهَا، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلِ، إنَّ
هَذَا الْأَمْرَ قَدْ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ، وَأُعْطِيتُهُ مِنْ
بَيْنِكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: فَأَنْصِفْنَا فَإِنَّا غَيْرُ تَارِكِيكَ
حَتَّى نُخَاصِمَكَ فِيهَا، قَالَ: فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ
شِئْتُمْ أُحَاكِمُكُمْ إلَيْهِ، قَالُوا:
كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدٍ هُذَيْمٌ [2] ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَكَانَتْ
بِأَشْرَافِ [3] الشَّامِ. فَرَكِبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ نَفَرٌ
مِنْ بَنِي أَبِيهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَرَكِبَ مِنْ كُلِّ
قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ نَفَرٌ. قَالَ: وَالْأَرْضُ إذْ ذَاكَ مَفَاوِزُ.
قَالَ: فَخَرَجُوا حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ تِلْكَ الْمَفَاوِزِ
بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ، فَنِيَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
وَأَصْحَابِهِ، فَظَمِئُوا حَتَّى أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ،
فَاسْتَسْقَوْا مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، فَأَبَوْا
عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: إنَّا بِمَفَازَةٍ، وَنَحْنُ نَخْشَى عَلَى
أَنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ. فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ
مَا صَنَعَ الْقَوْمُ وَمَا يَتَخَوَّفُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ،
قَالَ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: مَا رَأْيُنَا إلَّا تَبَعٌ لِرَأْيِكَ،
فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلُّ رَجُلٍ
مِنْكُمْ حُفْرَتَهُ لِنَفْسِهِ بِمَا بِكُمْ الْآنَ مِنْ الْقُوَّةِ،
فَكُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ ثُمَّ
وَارَوْهُ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا، فَضَيْعَةُ رَجُلٍ
وَاحِدٍ أَيْسَرُ مِنْ ضَيْعَةِ رَكْبٍ جَمِيعًا، قَالُوا: نِعْمَ مَا
أَمَرْتَ بِهِ.. فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَحَفَرَ حُفْرَتَهُ،
ثُمَّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ عَطَشًا، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ
الْمُطَّلِبِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: وَاَللَّهِ إنَّ إلْقَاءَنَا
بِأَيْدِينَا هَكَذَا لِلْمَوْتِ، لَا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ وَلَا
نَبْتَغِي لِأَنْفُسِنَا، لَعَجْزٌ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَنَا
مَاءً بِبَعْضِ الْبِلَادِ، ارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلُوا. حَتَّى إذَا
فَرَغُوا، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ
مَا هُمْ فَاعِلُونَ، تَقَدَّمَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إلَى رَاحِلَتِهِ
فَرَكِبَهَا. فَلَمَّا انْبَعَثَتْ بِهِ، انْفَجَرَتْ مِنْ تَحْتِ خُفِّهَا
عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ، فَكَبَّرَ
__________
[1] الطى: الْحِجَارَة الَّتِي طوى بهَا الْبِئْر.
[2] كَذَا فِي أ. والطبري. وَفِي سَائِر الْأُصُول: سعد بن هذيم وَهُوَ
تَحْرِيف «لِأَن هذيما لم يكن أَبَاهُ، وَإِنَّمَا كفله بعد أَبِيه فأضيف
إِلَيْهِ» . (رَاجع شرح السِّيرَة والمعارف) .
[3] أَشْرَاف الشَّام: مَا ارْتَفع من أرضه.
(1/144)
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَكَبَّرَ
أَصْحَابُهُ، ثُمَّ نَزَلَ فَشَرِبَ وَشَرِبَ أَصْحَابُهُ وَاسْتَقَوْا
حَتَّى مَلِئُوا أَسْقِيَتَهُمْ، ثُمَّ دَعَا الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ،
فَقَالَ: هَلُمَّ إلَى الْمَاءِ، فَقَدْ سَقَانَا اللَّهُ، فَاشْرَبُوا
وَاسْتَقَوْا، فَجَاءُوا فَشَرِبُوا وَاسْتَقَوْا. ثُمَّ قَالُوا: قَدْ
وَاَللَّهِ قُضِيَ لَكَ عَلَيْنَا يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، وَاَللَّهِ لَا
نُخَاصِمُكَ فِي زَمْزَمَ أَبَدًا، إنَّ الَّذِي سَقَاكَ هَذَا الْمَاءَ
بِهَذِهِ الْفَلَاةِ لَهُوَ الَّذِي سَقَاكَ زَمْزَمَ، فَارْجِعْ إلَى
سِقَايَتِكَ رَاشِدًا. فَرَجَعَ وَرَجَعُوا مَعَهُ، وَلَمْ يَصِلُوا إلَى
الْكَاهِنَةِ، وَخَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي زَمْزَمَ، وَقَدْ سَمِعْتُ
مَنْ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ حِينَ أُمِرَ
بِحَفْرِ زَمْزَمَ:
ثُمَّ اُدْعُ بِالْمَاءِ الرِّوَى [1] غَيْرِ الْكَدِرْ ... يَسْقِي
حَجِيجَ [2] اللَّهِ فِي كُلِّ مَبَرْ [3]
لَيْسَ يُخَافُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا عَمَرْ
[4] فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، إلَى
قُرَيْشٍ، فَقَالَ: تَعَلَّمُوا أَنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَحْفِرَ لَكُمْ
زَمْزَمَ، فَقَالُوا: فَهَلْ بُيِّنَ لَكَ أَيْنَ هِيَ؟ قَالَ: لَا،
قَالُوا:
فَارْجِعْ إلَى مَضْجَعِكَ الَّذِي رَأَيْتَ فِيهِ مَا رَأَيْتَ، فَإِنْ
يَكُ حَقًّا مِنْ اللَّهِ يُبَيَّنُ لَكَ، وَإِنْ يَكُ مِنْ الشَّيْطَانِ
فَلَنْ يَعُودَ إلَيْكَ. فَرَجَعَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إلَى مَضْجَعِهِ
فَنَامَ فِيهِ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ زَمْزَمَ، إنَّكَ إنْ
حَفَرْتهَا لَمْ تَنْدَمْ، وَهِيَ تُرَاثٌ مِنْ أَبِيكَ الْأَعْظَمِ، لَا
تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمُّ، تَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمَ، مِثْلَ
نَعَامٍ حَافِلٍ [5] لَمْ يُقْسَمْ، يَنْذِرُ فِيهَا نَاذِرٌ لِمُنْعِمٍ،
تَكُونُ مِيرَاثًا وَعَقْدًا مُحْكَمٍ، لَيْسَتْ كَبَعْضِ مَا قَدْ
تَعْلَمُ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْكَلَامُ وَالْكَلَامُ الَّذِي قَبْلَهُ،
مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ (رِضْوَانُ
__________
[1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «رواء» . وهما بِمَعْنى،
فَيُقَال: مَاء روى (بِالْكَسْرِ وَالْقصر) ورواء (بِالْفَتْح وَالْمدّ) :
أَي كثير.
[2] الحجيج: جمع حَاج.
[3] مبر: يُرِيد مَنَاسِك الْحَج ومواضع الطَّاعَة، وَهُوَ مفعل من الْبر.
[4] عمر: بَقِي، أَي مَا عمر هَذَا المَاء فَإِنَّهُ لَا يُؤْذى وَلَا
يخَاف مِنْهُ.
[5] الحافل: الْكثير.
10- سيرة ابْن هِشَام- 1
(1/145)
اللَّهِ عَلَيْهِ) [1] فِي حَفْرِ زَمْزَمَ
مِنْ قَوْلِهِ: «لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمُّ» إلَى قَوْلِهِ:
«عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ» عِنْدَنَا سَجْعٌ وَلَيْسَ شِعْرًا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنَّهُ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ:
وَأَيْنَ هِيَ؟ قِيلَ لَهُ:
عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ، حَيْثُ يُنْقَرُ الْغُرَابُ غَدًا. وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
فَعَدَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ، وَلَيْسَ لَهُ
يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرَهُ، فَوَجَدَ قَرْيَةَ النَّمْلِ، وَوَجَدَ
الْغُرَابَ يَنْقُرُ عِنْدَهَا بَيْنَ الْوَثَنَيْنِ: إسَافٍ وَنَائِلَةٍ،
اللَّذَيْنِ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْحَرُ عِنْدَهُمَا ذَبَائِحَهَا. فَجَاءَ
بِالْمِعْوَلِ وَقَامَ لِيَحْفِرَ حَيْثُ أُمِرَ، فَقَامَتْ إلَيْهِ
قُرَيْشٌ حِينَ رَأَوْا جِدَّهُ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ
تَحْفِرُ بَيْنَ وَثَنَيْنَا هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ نَنْحَرُ عِنْدَهُمَا،
فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِابْنِهِ الْحَارِثِ: ذُدْ عَنِّي حَتَّى
أحفر، فو الله لَأَمْضِيَنَّ لِمَا أُمِرْتُ بِهِ. فَلَمَّا عَرَفُوا
أَنَّهُ غَيْرُ نَازِعٍ [2] ، خَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَفْرِ،
وَكَفُّوا عَنْهُ، فَلَمْ يَحْفِرْ إلَّا يَسِيرًا، حَتَّى بَدَا لَهُ
الطَّيُّ، فَكَبَّرَ وَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ صُدِقَ.
فَلَمَّا تَمَادَى بِهِ الْحَفْرُ وَجَدَ فِيهَا غَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ،
وَهُمَا الْغَزَالَانِ اللَّذَانِ دَفَنَتْ جُرْهُمٌ فِيهَا حِينَ خَرَجَتْ
مِنْ مَكَّةَ، وَوَجَدَ فِيهَا أَسْيَافًا قَلْعِيَّةً [3] وَأَدْرَاعًا،
فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، لَنَا مَعَكَ فِي هَذَا
شِرْكٌ وَحَقٌّ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ هَلُمَّ إلَى أَمْرٍ نَصَفٍ [4] ،
بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ: نَضْرِبُ عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ [5] ، قَالُوا:
وَكَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ:
__________
[1] زِيَادَة عَن أ.
[2] يُقَال: نزع عَن الْأَمر نزوعا (وَرُبمَا قَالُوا: نزاعا) : إِذا كف
وانْتهى.
[3] قلعية: نِسْبَة إِلَى القلعة (بِالْفَتْح ثمَّ السّكُون) : قيل جبل
بِالشَّام. وَقَالَ مسعر بن مهلهل فِي خبر رحلته إِلَى الصين: « ... ثمَّ
رجعت من الصين إِلَى كلة، وَهِي أول بِلَاد الْهِنْد من جِهَة الصين،
وإليها تَنْتَهِي المراكب ثمَّ لَا تتجاوزها، وفيهَا قلعة عَظِيمَة فِيهَا
مَعْدن الرصاص القلعي، لَا يكون إِلَّا فِي قلعتها، وَفِي هَذِه القلعة
تضرب السيوف القلعية، وَهِي الْهِنْدِيَّة العتيقة. وَأهل هَذِه القلعة
يمتنعون على ملكهم إِذا أَرَادوا ويطيعونه إِذا أَرَادوا» . وَقَالَ:
«لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مَعْدن الرصاص القلعي إِلَّا فِي هَذِه القلعة» ،
وَبَينهَا وَبَين سندابل، مَدِينَة الصين، ثَلَاث مائَة فَرسَخ، وحولها مدن
ورساتيق وَاسِعَة. وَقَالَ أَبُو الريحان: «يجلب الرصاص القلعي من سرنديب،
جَزِيرَة فِي بَحر الْهِنْد» .
وبالأندلس إقليم القلعة من كورة قبرة، ويظن أَن الرصاص القلعي ينْسب
إِلَيْهَا. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ، وعجائب الْهِنْد) .
[4] النّصْف: اسْم من الْإِنْصَاف.
[5] القداح: جمع قدح (بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الدَّال) ، وَهُوَ السهْم
الّذي كَانُوا يستقسمون بِهِ،
(1/146)
أَجْعَلُ لِلْكَعْبَةِ قِدْحَيْنِ، وَلِي
قِدْحَيْنِ، وَلَكُمْ قِدْحَيْنِ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ قِدْحَاهُ عَلَى
شَيْءٍ كَانَ لَهُ، وَمَنْ تَخَلَّفَ قِدْحَاهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ،
قَالُوا: أَنْصَفْتَ. فَجَعَلَ قِدْحَيْنِ أَصْفَرَيْنِ لِلْكَعْبَةِ،
وَقِدْحَيْنِ أَسْوَدَيْنِ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَقِدْحَيْنِ
أَبْيَضَيْنِ لِقُرَيْشِ، ثُمَّ أَعْطَوْا (الْقِدَاحَ) [1] صَاحِبَ
الْقِدَاحِ الَّذِي يَضْرِبُ بِهَا عِنْدَ هُبَلَ (وَهُبَلُ:
صَنَمٌ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ أَعْظَمُ أَصْنَامِهِمْ، وَهُوَ
الَّذِي يَعْنِي أَبُو سُفْيَانَ ابْن حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ قَالَ:
أُعْلِ [2] هُبَلُ: أَيْ أَظْهِرْ دِينَكَ) وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ
يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ، فَخَرَجَ
الْأَصْفَرَانِ عَلَى الْغَزَالَيْنِ لِلْكَعْبَةِ، وَخَرَجَ
الْأَسْوَدَانِ عَلَى الْأَسْيَافِ، وَالْأَدْرَاعُ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ،
وَتَخَلَّفَ قِدْحَا قُرَيْشٍ. فَضَرَبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الْأَسْيَافَ
بَابًا لِلْكَعْبَةِ، وَضَرَبَ فِي الْبَابِ الْغَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ.
فَكَانَ أَوَّلَ ذَهَبٍ حَلِيَتْهُ الْكَعْبَةُ، فِيمَا يَزْعُمُونَ. ثُمَّ
إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَقَامَ سِقَايَةَ زَمْزَمَ لِلْحُجَّاجِ.
ذِكْرُ بِئَارِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ
(الطَّوِيُّ وَمَنْ حَفَرَهَا) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَبْلَ حَفْرِ زَمْزَمَ قَدْ
احْتَفَرَتْ [3] بِئَارًا بِمَكَّةَ، فِيمَا حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، قَالَ:
__________
[ () ] يُقَال للسهم أول مَا يقطع: قطع (بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الطَّاء)
، ثمَّ ينحت ويبري فيسمى: بريا، ثمَّ يقوم قدحا، ثمَّ يراش ويركب نصله
فيسمى سَهْما، وَهَذِه هِيَ الأزلام الْمَذْكُورَة فِي قَوْله عز وَجل:
وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ 5: 3.
[1] زِيَادَة عَن أ.
[2] كَمَا يَصح أَن يكون أمرا من الْفِعْل الثلاثي (علا يَعْلُو) : أَي
تبوأ منزلتك من الْعُلُوّ والسمو.
[3] يُقَال إِن قصيا كَانَ يسقى الحجيج فِي حِيَاض من أَدَم، وَكَانَ ينْقل
المَاء من آبار خَارِجَة من مَكَّة، مِنْهَا بِئْر مَيْمُون الحضرميّ، ثمَّ
احتفر قصي العجول فِي دَار أم هَانِئ بنت أَبى طَالب، وَهِي أول سِقَايَة
احتفرت بِمَكَّة، وَكَانَت الْعَرَب إِذا استقوا مِنْهَا ارتجزوا
فَقَالُوا:
نروى على العجول ثمَّ ننطلق ... إِن قصيا قد وفى وَقد صدق
فَلم تزل العجول قَائِمَة حَيَاة قصي وَبعد مَوته، حَتَّى كبر عبد منَاف بن
قصي، فَسقط فِيهَا رجل من بنى جعيل فعطلوا العجول واندفنت، واحتفرت كل
قَبيلَة بِئْرا. (عَن الرَّوْض الْأنف) .
(1/147)
حَفَرَ عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ
الطَّوِيَّ [1] ، وَهِي الْبِئْرُ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ
الْبَيْضَاءِ، دَارُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ (الثَّقَفِيُّ)
[2] .
(بَذَّرُ وَمَنْ حَفَرَهَا) :
وَحَفَرَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بَذَّرَ، وَهِيَ الْبِئْرُ الَّتِي
عِنْدَ الْمُسْتَنْذَرِ، خَطْمُ الْخَنْدَمَةِ [3] عَلَى فَمِ شِعْبِ أَبِي
طَالِبٍ. وَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ حِينَ حَفَرَهَا: لَأَجْعَلَنَّهَا
بَلَاغًا لِلنَّاسِ [4] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الشَّاعِرُ:
سَقَى اللَّهُ أَمْوَاهًا عَرَفْتُ مَكَانَهَا ... جُرَابًا [5]
وَمَلْكُومًا [6] وَبَذَّرَ وَالْغَمْرَا
[7]
(سَجْلَةُ وَمَنْ حَفَرَهَا) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَفَرَ سَجْلَةَ [8] ، وَهِيَ بِئْرُ الْمُطْعِمِ
بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الَّتِي يَسْقُونَ
عَلَيْهَا الْيَوْمَ. وَيَزْعُمُ بَنُو نَوْفَلٍ أَنَّ الْمُطْعِمَ
ابْتَاعَهَا مِنْ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ، وَيَزْعُمُ بَنُو هَاشِمٍ أَنَّهُ
وَهَبَهَا لَهُ حِينَ ظَهَرَتْ زَمْزَمُ، فَاسْتَغْنَوْا بِهَا عَنْ تِلْكَ
الْآبَارِ.
__________
[1] وَفِي الطوى تَقول سبيعة بنت عبد شمس:
إِن الطوى إِذا ذكرْتُمْ ماءها ... صوب السَّحَاب عذوبة وصفاء
(رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[2] زِيَادَة عَن أ.
[3] الخندمة: جبل بِمَكَّة.
[4] وَذكر ياقوت نقلا عَن أَبى عُبَيْدَة فِي كتاب الْآبَار: أَن هَاشم بن
عبد منَاف قَالَ حِين حفرهَا:
أنبطت بذرا بِمَاء قلاس ... جعلت ماءها بلاغا للنَّاس
[5] جراب (بِالضَّمِّ) : اسْم مَاء، وَقيل: بِئْر بِمَكَّة قديمَة (رَاجع
مُعْجم الْبلدَانِ) .
[6] ملكوم (على زنة اسْم الْمَفْعُول) : اسْم مَاء بِمَكَّة. (رَاجع مُعْجم
الْبلدَانِ) .
[7] الْغمر (بِفَتْح أَوله وَسُكُون ثَانِيه) : بِئْر قديمَة بِمَكَّة
حفرتها بَنو سهم، وَفِي ذَلِك يَقُول شَاعِرهمْ:
نَحن حفرنا الْغمر للحجيج ... تثج مَاء أَيّمَا ثجيج
(رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . وسيعرض لَهَا الْمُؤلف بعد قَلِيل.
[8] وَيُقَال إِن الّذي حفر سجلة لَيْسَ هاشما، وَإِنَّمَا هُوَ قصي،
ويروون عَنهُ أَنه قَالَ حِين حفرهَا:
أَنا قصي وحفرت سجلة ... تروى الحجيج زغلة فزغلة
ويروى هَذَا الْبَيْت لخالدة بنت هَاشم باخْتلَاف فِي صَدره، وَهُوَ:
نَحن وهبنا لعدي سجلة ... تروى الحجيج زغلة فزغلة
(الزغلة «بِالضَّمِّ» : الدفعة) . (رَاجع الرَّوْض الْأنف ومعجم
الْبلدَانِ) .
(1/148)
(الْحَفْرُ وَمَنْ حَفَرَهَا) :
وَحَفَرَ أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ الْحَفْرَ [1] لِنَفْسِهِ.
(سُقَيَّةُ وَمَنْ حَفَرَهَا) :
وَحَفَرَتْ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى سُقَيَّةَ [2] ، وَهِيَ
بِئْرُ بَنِي أَسَدٍ.
(أُمُّ أَحْرَادٍ وَمَنْ حَفَرَهَا) :
وَحَفَرَتْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ أُمَّ أَحْرَادٍ [3] .
(السُّنْبُلَةُ وَمَنْ حَفَرَهَا) :
وَحَفَرَتْ بَنُو جُمَحَ السُّنْبُلَةَ، وَهِيَ بِئْرُ خَلَفِ بْنِ وَهْبٍ.
(الْغِمْرُ وَمَنْ حَفَرَهَا) :
وَحَفَرَتْ بَنُو سَهْمٍ الْغِمْرَ، وَهِيَ بِئْرُ بَنِي سَهْمٍ
(رُمُّ وَخُمُّ وَالْحَفْرُ وَأَصْحَابُهَا) :
وَكَانَتْ آبَارُ حَفَائِرَ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ قَدِيمَةً مِنْ عَهْدِ
مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، وَكِلَابِ
__________
[1] ذكرهَا ياقوت عِنْد الْكَلَام على الْحفر (بِالْحَاء الْمُهْملَة) ،
فَقَالَ: « ... وحفر بِئْر لبني تيم بن مرّة بِمَكَّة، وَرَوَاهُ
الْحَازِمِي بِالْجِيم» .
ثمَّ ذكرهَا عِنْد الْكَلَام على الجفر (بِالْجِيم) نقلا عَن أَبى
عُبَيْدَة، فَقَالَ: « ... واحتفرت كل قَبيلَة من قُرَيْش فِي رباعهم
بِئْرا، فاحتفر بَنو تيم بن مرّة الجفر، وَهِي بِئْر مرّة بن كَعْب، وَقيل:
حفرهَا أُميَّة ابْن عبد شمس، وسماها جفر مرّة بن كَعْب» .
[2] كَذَا فِي مُعْجم الْبلدَانِ، وَفِي الْأُصُول: «شفية» قَالَ ياقوت:
«سقية» (بِلَفْظ تَصْغِير سقية، وَقد رَوَاهَا قوم «شفية» بالشين
الْمُعْجَمَة وَالْفَاء) : وَهِي بِئْر قديمَة كَانَت بِمَكَّة. قَالَ
أَبُو عُبَيْدَة: وحفرت بَنو أَسد شفية. فَقَالَ الْحُوَيْرِث بن أَسد:
مَاء شفية كصوب المزن ... وَلَيْسَ مَاؤُهَا بطرق أجن
قَالَ الزبير: وَخَالفهُ عمى فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ سقية (بِالسِّين
الْمُهْملَة وَالْقَاف) .
[3] ويروون عَن أُميَّة بنت عميلة بن السباق بن عبد الدَّار امْرَأَة
الْعَوام بن خويلد حِين حفرت بَنو عبد الدَّار أم أحراد:
نَحن حفرنا الْبَحْر أم أحراد ... لَيست كبذر البرور الجماد
فأجابتها ضَرَّتهَا صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب أم الزبير بن الْعَوام رضى
الله عَنهُ:
نَحن جفرنا بذر ... تسقى الحجيج الْأَكْبَر
من مقبل ومدبر ... وَأم أحراد بثر
بثر: أَي قَلِيل نزر (رَاجع الرَّوْض، ومعجم الْبلدَانِ) .
(1/149)
ابْن مُرَّةَ، وَكُبَرَاءِ قُرَيْشٍ
الْأَوَائِلِ مِنْهَا يَشْرَبُونَ، وَهِيَ رُمُّ، وَرُمُّ: بِئْرُ مُرَّةَ
ابْن كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ: وَخُمُّ، وَخُمُّ بِئْرُ بَنِي كِلَابِ بْنِ
مُرَّةَ، وَالْحَفْرُ [1] . قَالَ حُذَيْفَةُ [2] بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي
عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ أَبُو أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ:
وَقِدْمَا غنَينا قَبْلَ ذَلِكَ حِقْبَةً ... وَلَا نَسْتَقِي إلَّا
بِخُمَّ أَوْ الْحَفْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: سَأَذْكُرُهَا
إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَوْضِعِهَا.
(فَضْلُ زَمْزَمَ وَمَا قِيلَ فِيهَا مِنْ شِعْرٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَعَفَّتْ [3] زَمْزَمُ عَلَى الْبِئَارِ الَّتِي
كَانَتْ قَبْلَهَا يَسْقِي عَلَيْهَا الْحَاجُّ، وَانْصَرَفَ النَّاسُ
إلَيْهَا لِمَكَانِهَا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلِفَضْلِهَا عَلَى
مَا سِوَاهَا مِنْ الْمِيَاهِ، وَلِأَنَّهَا بِئْرُ إسْمَاعِيلَ بْنِ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَافْتَخَرَتْ بِهَا بَنُو عَبْدِ
مَنَافٍ عَلَى قُرَيْشٍ كُلِّهَا، وَعَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ، فَقَالَ
مُسَافِرُ [4] بْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ
عَبْدِ مَنَافٍ، وَهُوَ يَفْخَرُ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَا وُلُّوا عَلَيْهِمْ
مِنْ السِّقَايَةِ والرّفادة، وَمَا أَقَامُوا لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ،
وَبِزَمْزَمَ حِينَ ظَهَرَتْ لَهُمْ، وَإِنَّمَا كَانَ بَنُو عَبْدِ
مَنَافٍ أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ، شَرَفُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ شَرَفٌ،
وَفَضْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ فَضْلٌ:
__________
[1] لقد ذكر ابْن هِشَام «الْحفر» قبل هَذَا بِقَلِيل ونسبها إِلَى
أُميَّة، وأردفنا نَحن ثمَّ بِمَا ذكر عَنْهَا فِي المعاجم. وَلَعَلَّ فِي
ذكرهَا هُنَا مَعَ «رم» و «خم» إِشَارَة إِلَى الرأى الْقَائِل بِأَنَّهَا
من حُفْرَة مرّة بن كَعْب. (رَاجع الْحَاشِيَة رقم 1 ص 147) .
[2] كَذَا فِي الْأُصُول، ومعجم الْبلدَانِ لياقوت، والإصابة (ج 4 ص 541)
عِنْد الْكَلَام على ليلى بنت أَبى حثْمَة. وَفِي الطَّبَرِيّ: والاشتقاق
لِابْنِ دُرَيْد (ص 87 طبع أوروبا) والأغاني (ج 7 ص 229 طبع دَار الْكتب
المصرية) : «حذافة» .
[3] عفت على البئار: غطت عَلَيْهَا وأذهبتها.
[4] وَكَانَ مُسَافر سيدا جوادا، وَهُوَ أحد أزواد الركب، وَإِنَّمَا سموا
بذلك لأَنهم كَانُوا لَا يدعونَ غَرِيبا وَلَا مارا طَرِيقا وَلَا
مُحْتَاجا يجتاز بهم إِلَّا أنزلوه وتكفلوا بِهِ حَتَّى يظعن، وَهُوَ أحد
شعراء قُرَيْش، وَكَانَ يُنَاقض عمَارَة بن الْوَلِيد. وَله شعر فِي هِنْد
بنت عتبَة بن ربيعَة وَكَانَ يهواها، فراقها، فَخَطَبَهَا إِلَى أَبِيهَا
بعد ضَرَّتهَا الْفَاكِه بن الْمُغيرَة، فَلم ترض ثروته وَمَاله، وَكَانَ
أَن تزَوجهَا أَبُو سُفْيَان، فَحزن مُسَافر، وانْتهى بِهِ الْحزن إِلَى
أَن مَاتَ بهبالة وَدفن بهَا. (رَاجع الأغاني ج 8 ص 48- 51 طبع بلاق
وَالرَّوْض الْأنف) .
(1/150)
وَرِثْنَا الْمجد من آبَائِنَا ... فَنَمَى
بِنَا صُعُدَا
أَلَمْ نَسْقِ الْحَجِيجَ وَنَنْحَرُ ... الدَّلَّافَةَ الرُّفُدَا [1]
وَنُلْقَى عِنْدَ تَصْرِيفِ ... الْمَنَايَا شُدَّدًا رُفُدَا [2]
فَإِنْ نَهْلِكْ فَلَمْ نُمْلَكْ [3] ... وَمَنْ ذَا خَالِدٌ أَبَدَا [4]
وَزَمْزَمُ فِي [5] أَرُومَتِنَا [6] ... وَنَفْقَأُ عَيْنَ مَنْ حَسَدَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي
عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ:
وَسَاقِي الْحَجِيجِ ثُمَّ لِلْخَيْرِ هَاشِمُ ... وَعَبْدُ مَنَافٍ ذَلِكَ
السَّيِّدُ الفِهري [7]
طوى زمزما عِنْدَ الْمَقَامِ فَأَصْبَحَتْ ... سِقَايَتُهُ فَخْرًا عَلَى
كُلِّ ذِي فَخْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ. وَهَذَانِ
الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِحُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ سَأَذْكُرُهَا فِي
مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذَبْحَ وَلَدِهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ- فِيمَا
يَزْعُمُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- قَدْ نَذَرَ حِينَ لَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ
مَا لَقِيَ عِنْدَ حَفْرِ زَمْزَمَ، لَئِنْ وُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ نَفَرٍ،
ثُمَّ بَلَغُوا مَعَهُ حَتَّى يَمْنَعُوهُ، لَيَنْحَرَنَّ أَحَدَهُمْ للَّه
عِنْدَ الْكَعْبَةِ. فَلَمَّا تَوَافَى بَنُوهُ عَشَرَةً، وَعَرَفَ
أَنَّهُمْ سَيَمْنَعُونَهُ، جَمَعَهُمْ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ،
وَدَعَاهُمْ إلَى الْوَفَاء للَّه بِذَلِكَ، فَأَطَاعُوهُ وَقَالُوا:
كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ قِدْحًا
__________
[1] الدلافة: يُرِيد بهَا هُنَا الْإِبِل الَّتِي تمشى متمهلة لِكَثْرَة
سمنها، يُقَال: دلف الشَّيْخ، إِذا مَشى مشيا ضَعِيفا، وَهُوَ فَوق الدبيب.
والرفد: جمع رفود. وَهِي الَّتِي تملأ الرفد، وَهُوَ قدح يحلب فِيهِ.
[2] رفد: من الرفد، وَهُوَ الْإِعْطَاء.
[3] لم نملك (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول) : أَي لم يكن علينا وَال وَلَا
ملك.
[4] فِي أ: «خلدا» .
[5] فِي الأغاني: «من» .
[6] الأرومة: الأَصْل.
[7] ويروى: «الْغمر» : أَي الْكثير الْعَطاء. كَمَا يرْوى: «الْقَهْر» :
أَي القاهر، وَيكون صفة بِالْمَصْدَرِ.
(1/151)
ثُمَّ يَكْتُبُ فِيهِ اسْمَهُ، ثُمَّ
ائْتُونِي. فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَتَوْهُ، فَدَخَلَ بِهِمْ عَلَى هُبَلَ فِي
جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ هُبَلُ عَلَى بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ،
وَكَانَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ هِيَ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا مَا يُهْدَى
لِلْكَعْبَةِ.
(الضَّرْبُ بِالْقِدَاحِ عِنْدَ الْعَرَبِ) :
وَكَانَ عِنْدَ هُبَلَ قِدَاحٌ سَبْعَةٌ، كُلُّ قِدْحٍ مِنْهَا فِيهِ
(كِتَابٌ. قِدْحٌ فِيهِ) [1] (الْعَقْلُ) [2] إذَا اخْتَلَفُوا فِي
الْعَقْلِ مَنْ يَحْمِلُهُ مِنْهُمْ، ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ السَّبْعَةِ
[3] ، فَإِنْ خَرَجَ الْعَقْلُ فَعَلَى مَنْ خَرَجَ حَمْلُهُ، وَقِدْحٌ
فِيهِ «نَعَمْ» لِلْأَمْرِ إذَا أَرَادُوهُ يُضْرَبُ بِهِ فِي الْقِدَاحِ،
فَإِنْ خَرَجَ قِدْحُ «نَعَمْ» عَمِلُوا بِهِ، وَقِدْحٌ فِيهِ «لَا» إذَا
أَرَادُوا أَمْرًا ضَرَبُوا بِهِ فِي الْقِدَاحِ، فَإِنْ خَرَجَ ذَلِكَ
الْقِدْحُ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ، وَقِدْحٌ فِيهِ «مِنْكُمْ» ،
وَقِدْحٌ فِيهِ «مُلْصَقٌ» ، وَقِدْحٌ فِيهِ «مِنْ غَيْرِكُمْ» ، وَقِدْحٌ
فِيهِ «الْمِيَاهُ» إذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِلْمَاءِ ضَرَبُوا
بِالْقِدَاحِ، وَفِيهَا ذَلِكَ الْقِدْحُ، فَحَيْثُمَا خَرَجَ عَمِلُوا
بِهِ. وَكَانُوا إذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْتِنُوا غُلَامًا، أَوْ يُنْكِحُوا
مُنْكَحًا، أَوْ يَدْفِنُوا مَيتا، أَو شكوا فِي نَسَبِ أَحَدِهِمْ،
ذَهَبُوا بِهِ إِلَى هُبل وبمائة دِرْهَمٍ وَجَزُورٍ، فَأَعْطَوْهَا
صَاحِبَ الْقِدَاحِ الَّذِي يَضْرِبُ بِهَا، ثُمَّ قَرَّبُوا صَاحِبَهُمْ
الَّذِي يُرِيدُونَ بِهِ مَا يُرِيدُونَ، ثُمَّ قَالُوا: يَا إلَهَنَا،
هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَدْ أَرَدْنَا بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَخْرِجْ
الْحَقَّ فِيهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ: اضْرِبْ فَإِنْ
خَرَجَ عَلَيْهِ «مِنْكُمْ» كَانَ مِنْهُمْ وَسِيطًا [4] ، وَإِنْ خَرَجَ
عَلَيْهِ «مِنْ غَيْرِكُمْ» كَانَ حَلِيفًا، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ
«مُلْصَقٌ» كَانَ عَلَى مَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ، لَا نَسَبَ لَهُ وَلَا
حِلْفَ، وَإِنْ خَرَجَ فِيهِ شَيْءٌ، مِمَّا سِوَى هَذَا مِمَّا
يَعْمَلُونَ بِهِ «نَعَمْ» عَمِلُوا بِهِ،
__________
[1] زِيَادَة عَن أ
[2] الْعقل: الدِّيَة.
[3] ويروى أَنهم كَانُوا إِذا قصدُوا فعلا ضربوا ثَلَاثَة أقداح، مَكْتُوب
على أَحدهَا: أمرنى ربى.
وعَلى الآخر: نهاني ربى. وَالثَّالِث غفل. فان خرج الْآمِر مضوا على ذَلِك،
وَإِن خرج الناهي تجنبوا عَنهُ.
وَإِن خرج الغفل أجالوها ثَانِيَة. ولعلهم كَانُوا يستعملون الطريقتين.
[4] وَسِيطًا: خَالص النّسَب فيهم، وَيُقَال: إِن الْوَسِيط هُوَ الشريف
فِي قومه، لِأَن النّسَب الْكَرِيم دَار بِهِ من كل جِهَة، وَهُوَ وسط.
(1/152)
وَإِنْ خَرَجَ «لَا» أَخَّرُوهُ عَامَهُ
ذَلِكَ حَتَّى يَأْتُوهُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى، يَنْتَهُونَ فِي
أُمُورِهِمْ إلَى ذَلِكَ مِمَّا خَرَجَتْ بِهِ الْقِدَاحُ
[1] .
(عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَأَوْلَادُهُ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ الْقِدَاحِ) :
فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ: اضْرِبْ عَلَى بَنِيَّ
هَؤُلَاءِ بِقِدَاحِهِمْ هَذِهِ وَأَخْبَرَهُ بِنَذْرِهِ الَّذِي نَذَرَ،
فَأَعْطَاهُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قِدْحَهُ الَّذِي فِيهِ اسْمُهُ،
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَصْغَرَ بَنِي [2]
أَبِيهِ، كَانَ هُوَ وَالزُّبَيْرُ وَأَبُو طَالِبٍ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ
عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ
يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَائِذُ بْنُ عِمْرَانَ بْنُ مَخْزُومٍ [3] .
(خُرُوجُ الْقَدَحِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَشُرُوعُ أَبِيهِ فِي ذَبْحِهِ،
وَمَنْعُ قُرَيْشٍ لَهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ-
أَحَبَّ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلَيْهِ، فَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ
يَرَى أَنَّ السَّهْمَ إذَا أَخَطَأَهُ فَقَدْ أَشْوَى [4] ، وَهُوَ أَبُو
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا أَخَذَ صَاحِبُ
الْقِدَاحِ الْقِدَاحَ لِيَضْرِبَ بِهَا، قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ
هُبَلَ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ، فَخَرَجَ
الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِيَدِهِ
وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ إلَى إسَافٍ وَنَائِلَةٍ
لِيَذْبَحَهُ، فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ أَنْدِيَتِهَا، فَقَالُوا:
مَاذَا تُرِيدُ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ: أَذْبَحُهُ، فَقَالَتْ
لَهُ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ: وَاَللَّهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا حَتَّى
تُعْذِرَ فِيهِ. لَئِنْ فَعَلْتَ هَذَا لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَأْتِي
بِابْنِهِ حَتَّى يَذْبَحَهُ، فَمَا بَقَاءُ النَّاسِ عَلَى هَذَا! وَقَالَ
لَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
__________
[1] وَقد عرض الآلوسي فِي كِتَابه بُلُوغ الأرب فِي أَحْوَال الْعَرَب (ج 3
ص 70- 75) للْكَلَام على القداح بإسهاب وتفصيل فَارْجِع إِلَيْهِ.
[2] الظَّاهِر أَنه يُرِيد أَن عبد الله كَانَ أَصْغَر ولد أَبِيه حِين
أَرَادَ نَحره، أَو لَعَلَّ الرِّوَايَة «أَصْغَر بنى أمه» . وَإِلَّا
فالمعروف أَن حَمْزَة كَانَ أَصْغَر من عبد الله، وَالْعَبَّاس كَانَ
أَصْغَر من حَمْزَة، وَقد ذكر عَن الْعَبَّاس رضى الله عَنهُ أَنه قَالَ:
أذكر مولد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنا ابْن
ثَلَاثَة أَعْوَام أَو نَحْوهَا، فجيء بى حَتَّى نظرت إِلَيْهِ، وَجعل
النسْوَة يقلن لي: قبل أَخَاك، قبل أَخَاك، فقبلته. وَفِي هَذَا دَلِيل على
أَن عبد الله لَيْسَ أَصْغَر أَوْلَاد عبد الْمطلب. (رَاجع الرَّوْض
الْأنف) .
[3] وَهَذَا الرأى- رأى ابْن هِشَام- هُوَ الْأَصَح، فقد ذكر الزبيريون أَن
«عبدا» . هُوَ أَخُو عَائِذ ابْن عمرَان، وَأَن بنت عبد هِيَ صَخْرَة
امْرَأَة عَمْرو بن عَائِذ، على قَول ابْن إِسْحَاق، إِن عَائِذ: هُوَ ابْن
عبد، تكون صَخْرَة عمَّة لعائذ، وعَلى قَول ابْن هِشَام بنت عَمه. (رَاجع
الرَّوْض الْأنف) .
[4] أشوى: أبقى، يُقَال: أشويت من الطَّعَام: إِذا أبقيت.
(1/153)
ابْن عَمْرِو [1] بْنِ مَخْزُومِ بْنِ
يَقَظَةَ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ: وَاَللَّهِ لَا
تَذْبَحُهُ أَبَدًا حَتَّى تُعْذِرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فِدَاؤُهُ
بِأَمْوَالِنَا فَدَيْنَاهُ. وَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ:
لَا تَفْعَلْ، وَانْطَلِقْ بِهِ إلَى الْحِجَازِ، فَإِنَّ بِهِ عَرَّافَةً
[2] لَهَا تَابِعٌ، فَسَلْهَا، ثُمَّ أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ، إنْ
أَمَرَتْكَ بِذَبْحِهِ ذَبَحْتَهُ، وإنْ أَمَرَتْكَ بِأَمْرٍ لَكَ وَلَهُ
فِيهِ فَرَجٌ قَبِلْتُهُ.
(عَرَّافَةُ الْحِجَازِ وَمَا أشارت بِهِ أم عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) :
فَانْطَلَقُوا حَتَّى قدمُوا الْمَدِينَة، فوجودها- فِيمَا يَزْعُمُونَ-
بِخَيْبَرِ. فَرَكِبُوا حَتَّى جَاءُوهَا، فَسَأَلُوهَا، وَقَصَّ عَلَيْهَا
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ خَبَرَهُ وَخَبَرَ ابْنِهِ، وَمَا أَرَادَ بِهِ
وَنَذْرَهُ فِيهِ، فَقَالَتْ لَهُمْ: ارْجِعُوا عَنِّي الْيَوْمَ حَتَّى
يَأْتِيَنِي تَابِعِي فَأَسْأَلُهُ. فَرَجَعُوا مِنْ عِنْدِهَا، فَلَمَّا
خَرَجُوا عَنْهَا، قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ
غَدَوْا عَلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ: قَدْ جَاءَنِي الْخَبَرُ، كَمْ
الدِّيَةُ فِيكُمْ؟ قَالُوا: عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَكَانَتْ كَذَلِكَ
[3] .
قَالَتْ: فَارْجِعُوا إلَى بِلَادِكُمْ، ثُمَّ قَرِّبُوا صَاحِبَكُمْ،
وَقَرِّبُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، ثُمَّ اضْرِبُوا عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ
بِالْقِدَاحِ [4] ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى صَاحِبِكُمْ فَزِيدُوا مِنْ
الْإِبِلِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّكُمْ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الْإِبِلِ
فَانْحَرُوهَا عَنْهُ، فَقَدْ رَضِيَ رَبُّكُمْ، وَنَجَا صَاحِبُكُمْ.
(نَجَاةُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الذَّبْحِ) :
فَخَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا مَكَّةَ، فَلَمَّا أَجَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ
مِنْ الْأَمْرِ، قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ
قَرَّبُوا عَبْدَ اللَّهِ وَعَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ
قَائِمٌ عِنْدَ هُبَلَ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ ضَرَبُوا
فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ
الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ عِشْرِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ
يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ ضَرَبُوا
__________
[1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول وَابْن الْأَثِير ووفى أوالطبري: «عمر»
[2] يُقَال إِن اسْم هَذِه العرافة: قُطْبَة. وَقيل: بل اسْمهَا: سجَاح.
[3] من هُنَا ترى أَن الدِّيَة كَانَت عِنْدهم عشرَة من الْإِبِل، وَيكون
عبد الله- على هَذَا- هُوَ أول من جعلهَا مائَة من الْإِبِل.
وَالْمَعْرُوف أَن أول من ودى بِالْإِبِلِ من الْعَرَب زيد بن بكر بن
هوَازن حِين قَتله أَخُوهُ مُعَاوِيَة جد بنى عَامر بن صعصعة. (عَن
الرَّوْض الْأنف، وَكتاب الْأَوَائِل لأبى هِلَال العسكري) .
[4] فِي ر: «الْقدح» .
(1/154)
فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ،
فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ ثَلَاثِينَ،
وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ
الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ،
فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ أَرْبَعِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو
اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ،
فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ خَمْسِينَ،
وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ
الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ؛ فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ،
فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ سِتِّينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو
اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ،
فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ سَبْعِينَ،
وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ
الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ،
فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ ثَمَانِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو
اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ،
فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ تِسْعِينَ،
وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ
الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فبلغت
الْإِبِل مائَة، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ
ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ
حَضَرَ: قَدْ انْتَهَى رِضَا رَبِّكَ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ فَزَعَمُوا
أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ حَتَّى أَضْرِبَ
عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَضَرَبُوا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَعَلَى
الْإِبِلِ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، فَخَرَجَ
الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ، ثُمَّ عَادُوا الثَّانِيَةَ، وَعَبْدُ
الْمُطَّلِبِ قَائِمٌ يَدْعُو اللَّهَ، فَضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ
عَلَى الْإِبِلِ، ثُمَّ عَادُوا الثَّالِثَةَ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ
قَائِمٌ يَدْعُو اللَّهَ، فَضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ،
فَنُحِرَتْ، ثُمَّ تُرِكَتْ لَا يُصَدُّ عَنْهَا إنْسَانٌ وَلَا يُمْنَعُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: إنْسَانٌ وَلَا سَبُعٌ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَيْنَ أَضْعَافِ هَذَا الْحَدِيثِ رَجَزٌ لَمْ
يَصِحَّ عِنْدَنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ.
ذِكْرُ الْمَرْأَةِ الْمُتَعَرِّضَةِ لِنِكَاحِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ
(رَفْضُ عَبْدِ اللَّهِ طَلَبَ الْمَرْأَةِ الَّتِي عَرَضَتْ نَفْسَهَا
عَلَيْهِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ آخِذًا بِيَدِ
عَبْدِ اللَّهِ، فَمَرَّ بِهِ- فِيمَا
(1/155)
يَزْعُمُونَ- عَلَى امْرَأَةٍ [1] مِنْ
بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ
مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ، وَهِيَ أُخْتُ
وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَهِيَ عِنْدَ
الْكَعْبَةِ، فَقَالَتْ لَهُ حِينَ نَظَرَتْ إلَى وَجْهِهِ: أَيْنَ
تَذْهَبُ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَعَ أَبِي، قَالَتْ: لَكَ مِثْلُ
الْإِبِلِ الَّتِي نُحِرَتْ عَنْكَ، وَقَعْ عَلَيَّ الْآنَ، قَالَ: أَنَا
مَعَ أَبِي، وَلَا أَسْتَطِيعُ خِلَافَهُ، وَلَا فِرَاقَهُ.
(زَوَاجُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ) :
فَخَرَجَ بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَتَى بِهِ وَهْبَ بْنَ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ ابْن مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ
بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ بَنِي زُهْرَةَ
نَسَبًا وَشَرَفًا، فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، وَهِيَ
يَوْمَئِذٍ أَفَضْلُ امْرَأَةٍ فِي قُرَيْشٍ نَسَبًا وَمَوْضِعًا.
(أُمَّهَاتُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ) :
وَهِيَ لِبَرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ
الدَّارِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ ابْن كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ
بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَبَرَّةَ: لِأُمِّ حَبِيبِ بِنْتِ أَسَدِ بْنِ
عَبْدِ الْعُزَّى ابْن قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ
لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَأُمُّ حَبِيبٍ لِبَرَّةَ بِنْتِ
عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ
بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ.
(مَا جَرَى بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمَرْأَةِ الْمُتَعَرِّضَةِ لَهُ
بَعْدَ بِنَائِهِ بِآمِنَةَ) :
فَزَعَمُوا أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا حِينَ أُمْلِكَهَا [2] مَكَانَهُ،
فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا، فَأَتَى الْمَرْأَةَ الَّتِي
عَرَضَتْ عَلَيْهِ مَا عَرَضَتْ
__________
[1] وَاسم هَذِه الْمَرْأَة: رقية بنت نَوْفَل، وتكنى: أم قتال. وَيُقَال
إِن عبد الله قَالَ حِين ذَاك:
أما الْحَرَام فالحمام دونه ... والحل لَا حل فأستبينه
فَكيف بِالْأَمر الّذي تبغينه ... يحمى الْكَرِيم عرضه وَدينه
كَمَا يُقَال: إِن الْمَرْأَة الَّتِي مر عَلَيْهَا عبد الله مَعَ أَبِيه
اسْمهَا فَاطِمَة بنت مر، وَكَانَت من أجمل النِّسَاء وأعفهن، وَكَانَت
قَرَأت نور النُّبُوَّة فِي وَجهه، فدعته إِلَى نِكَاحهَا فَأبى. فَلَمَّا
أَبى قَالَت أبياتا مِنْهَا:
إِنِّي رَأَيْت مخيلة نشأت ... فتلألأت بحناتم الْقطر
للَّه مَا زهرية سلبت ... مِنْك الّذي استلبت وَمَا تَدْرِي
وَيُقَال: إِن الَّتِي عرضت نَفسهَا عَلَيْهِ هِيَ ليلى العدوية. (رَاجع
الرَّوْض الْأنف، وَشرح السِّيرَة) .
[2] أملك الْمَرْأَة (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول) : تزَوجهَا.
(1/156)
فَقَالَ لَهَا: مَا لَكَ لَا تَعْرِضِينَ
عَلَيَّ الْيَوْمَ مَا كُنْتِ عَرَضْتِ عَلَيَّ بِالْأَمْسِ؟ قَالَتْ لَهُ:
فَارَقَكَ النُّورُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ بِالْأَمْسِ، فَلَيْسَ (لِي) [1]
بِكَ الْيَوْمَ حَاجَةٌ. وَقَدْ كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا وَرَقَةَ
بْنِ نَوْفَلٍ- وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ وَاتَّبَعَ الْكُتُبَ: أَنَّهُ
سَيَكُونُ [2] فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيٌّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ [3]
أَنَّهُ حُدِّثَ:
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهُ مَعَ
آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، وَقَدْ عَمِلَ فِي طِينٍ لَهُ، وَبَهْ آثَارٌ مِنْ
الطِّينِ، فَدَعَاهَا إلَى نَفْسِهِ، فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ لِمَا رَأَتْ
بِهِ مِنْ أَثَرِ الطِّينِ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا فَتَوَضَّأَ وَغَسَلَ
مَا كَانَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الطِّينِ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى آمِنَةَ،
فَمَرَّ بِهَا، فَدَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا، فَأَبَى عَلَيْهَا، وَعَمَدَ
إلَى آمِنَةَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَصَابَهَا، فَحَمَلَتْ بِمُحَمِّدِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ مَرَّ بِامْرَأَتِهِ تِلْكَ،
فَقَالَ لَهَا: هَلْ لَكَ؟ قَالَتْ: لَا، مَرَرْتَ بِي وَبَيْنَ عَيْنَيْكَ
غُرَّةٌ بَيْضَاءُ، فَدَعَوْتُكَ فَأَبَيْتَ عَلَيَّ، وَدَخَلْتَ عَلَى
آمِنَةَ فَذَهَبَتْ بِهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنَّ امْرَأَتَهُ تِلْكَ كَانَتْ
تُحَدِّثُ: أَنَّهُ مَرَّ بِهَا وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ غُرَّةٌ مِثْلُ
غُرَّةِ الْفَرَسِ، قَالَتْ: فَدَعَوْتُهُ رَجَاءَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ
بِي، فَأَبَى عَلَيَّ، وَدَخَلَ عَلَى آمِنَةَ، فَأَصَابَهَا، فَحَمَلَتْ
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَطَ قَوْمِهِ نَسَبًا،
وَأَعْظَمَهُمْ شَرَفًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَا قِيلَ لِآمِنَةَ عِنْدَ حَمْلِهَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَيَزْعُمُونَ- فِيمَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ
آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَتْ تُحَدِّثُ:
__________
[1] زِيَادَة عَن أ.
[2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «كَائِن» .
[3] رأى مُعَاوِيَة، وروى عَن عُرْوَة ومقسم وَغَيرهمَا، وَعنهُ- غير
وَلَده مُحَمَّد- يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن طحلاء. وَثَّقَهُ ابْن معِين،
وَقَالَ أَبُو زرْعَة: هُوَ أوثق من ابْنه. (عَن تراجم رجال) .
(1/157)
أَنَّهَا أُتِيَتْ، حِينَ حَمَلَتْ
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهَا: إنَّكَ
قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِذَا وَقَعَ إلَى الْأَرْضِ
فَقُولِي: أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدِ، مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ، ثُمَّ
سَمِّيهِ [1] مُحَمَّدًا. وَرَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ أَنَّهُ خَرَجَ
مِنْهَا نُورٌ رَأَتْ بِهِ قُصُورَ بُصْرَى، مِنْ أَرْضِ الشَّامِ.
(مَوْتُ عَبْدِ اللَّهِ) :
ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [2] ، أَبُو
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ هَلَكَ، وَأُمُّ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَامِلٌ بِهِ [3] .
وِلَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضَاعَتُهُ
(رَأَى ابْنُ إسْحَاقَ مَوْلِدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وُلِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ
شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، عَامَ الْفِيلِ [4]
__________
[1] لَا يعرف فِي الْعَرَب من تسمى بِهَذَا الِاسْم قبله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا ثَلَاثَة، طمع آباؤهم حِين سمعُوا بِذكر
مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبقرب زَمَانه وَأَنه يبْعَث فِي
الْحجاز، أَن يكون ولدا لَهُم. وهم: مُحَمَّد ابْن سُفْيَان بن مجاشع، جد
جد الفرزدق الشَّاعِر، وَالْآخر: مُحَمَّد بن أحيحة بن الجلاح بن الْحَرِيش
بن جحجبى بن كلفة بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف بن مَالك بن الْأَوْس،
وَالْآخر مُحَمَّد بن حمْرَان بن ربيعَة. وَكَانَ آبَاء هَؤُلَاءِ
الثَّلَاثَة قد وفدوا على بعض الْمُلُوك، وَكَانَ عِنْده علم من الْكتاب
الأول فَأخْبرهُم بمبعث النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وباسمه،
وَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُم قد خلف امْرَأَته حَامِلا. فَنَذر كل وَاحِد
مِنْهُم إِن ولد لَهُ ولد ذكر أَن يُسَمِّيه مُحَمَّدًا، فَفَعَلُوا ذَلِك.
(رَاجع الْفُصُول لِابْنِ فورك، وَالرَّوْض الْأنف) .
[2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد
بن عبد الْملك بن هِشَام. قَالَ حَدثنَا زِيَاد بن عبد الله البكائي عَن
مُحَمَّد بن إِسْحَاق المطلبي قَالَ ... إِلَخ» .
[3] أَكثر الْعلمَاء على أَن عبد الله مَاتَ وَرَسُول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المهد، ابْن شَهْرَيْن أَو أَكثر من ذَلِك. وَقيل:
بل مَاتَ عبد الله عِنْد أَخْوَاله بنى النجار وَرَسُول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْن ثَمَان وَعشْرين شهرا. وَيُقَال إِنَّه دفن فِي
دَار النَّابِغَة فِي الدَّار الصُّغْرَى، إِذا دخلت الدَّار على يسارك فِي
الْبَيْت. (رَاجع الطَّبَرِيّ وَالرَّوْض الْأنف) .
[4] اخْتلف فِي مولده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذكر أَنه كَانَ
فِي ربيع الأول، وَهُوَ الْمَعْرُوف. وَقَالَ الزبير: كَانَ مولده فِي
رَمَضَان. وَهَذَا القَوْل مُوَافق لقَوْل من قَالَ: إِن أمه حملت بِهِ فِي
أَيَّام التَّشْرِيق.
ويذكرون أَن الْفِيل جَاءَ مَكَّة فِي الْمحرم، وَأَنه صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد بعد مَجِيء الْفِيل بِخَمْسِينَ يَوْمًا. وَكَانَت
وِلَادَته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشعبِ، وَقيل بِالدَّار
الَّتِي عِنْد الصَّفَا، وَكَانَت بعد لمُحَمد بن يُوسُف أخى الْحجَّاج
(1/158)
(رِوَايَةُ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ
مَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ،
قَالَ:
وَلَدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ
الْفِيلِ، فَنَحْنُ لِدَانِ [1] .
(رِوَايَةُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ مَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ [2] إبْرَاهِيمَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيِّ. قَالَ:
حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ،
قَالَ:
وَاَللَّهِ إنِّي لَغُلَامٌ [3] يَفَعَةٌ، ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ
ثَمَانٍ، أَعْقِلُ كُلَّ مَا سَمِعْتُ، إذْ سَمِعْتُ يَهُودِيًّا يَصْرُخُ
بِأَعْلَى صَوْتِهِ عَلَى أَطَمَةٍ [4] بِيَثْرِبَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودِ،
حَتَّى إذَا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ، قَالُوا لَهُ: وَيلك مَالك؟ قَالَ:
طَلَعَ اللَّيْلَةَ نَجْمُ أَحْمَدِ الَّذِي وُلِدَ بِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ: فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَقُلْتُ:
ابْنُ كَمْ كَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ؟
فَقَالَ: ابْنُ سِتِّينَ (سَنَةً) [5] ، وَقَدِمَهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ
سَنَةً، فَسَمِعَ حَسَّانُ مَا سَمِعَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ.
(إعْلَامُ أُمِّهِ جَدَّهُ بِوِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا وَضَعَتْهُ أُمُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أَرْسَلَتْ إلَى جَدِّهِ
__________
[ () ] ثمَّ بنتهَا زبيدة مَسْجِدا حِين حجت. (رَاجع الرَّوْض الْأنف
والطبقات الْكُبْرَى لِابْنِ سعد والطبري) .
[1] كَذَا فِي أ. ولدان: مثنى لِدَة. واللدة: الترب، وَالْهَاء فِيهِ عوض
عَن الْوَاو الذاهبة من أَوله، لِأَنَّهُ من الْولادَة. وَفِي سَائِر
الْأُصُول: «لدتان» . وَلم تذكره كتب اللُّغَة بِدُونِ تَاء.
[2] هُوَ صَالح بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بن عمرَان
الزُّهْرِيّ الْمدنِي، روى عَن أَبِيه وَأنس ومحمود بن لبيد والأعرج
وَغَيرهم. وَعنهُ- غير ابْن إِسْحَاق- ابْنه سَالم وَالزهْرِيّ وَيُونُس بن
يَعْقُوب الْمَاجشون وَجَمَاعَة. مَاتَ بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة هِشَام
بن عبد الْملك. (عَن تراجم رجال) .
[3] غُلَام يفعة: قوى قد طَال قده، مَأْخُوذ من اليفاع، وَهُوَ العالي من
الأَرْض.
[4] الأطمة (بِفتْحَتَيْنِ) : الْحصن.
[5] زِيَادَة عَن أ.
(1/159)
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَنَّهُ قَدْ وُلِدَ
لَكَ غُلَامٌ، فَأْتِهِ فَانْظُرْ إلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ،
وَحَدَّثَتْهُ بِمَا رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ، وَمَا قِيلَ لَهَا فِيهِ،
وَمَا أُمِرَتْ بِهِ أَنْ تُسَمِّيَهُ.
(فَرَحُ جَدِّهِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْتِمَاسُهُ
لَهُ الْمَرَاضِعَ) :
فَيَزْعُمُونَ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَخَذَهُ، فَدَخَلَ بِهِ
الْكَعْبَةَ، فَقَامَ يَدْعُو اللَّهَ، وَيَشْكُرُ لَهُ مَا أَعْطَاهُ،
ثُمَّ خَرَجَ بِهِ إلَى أُمِّهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهَا [1] . وَالْتَمَسَ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّضَعَاءَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَرَاضِعُ. وَفَى كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ
الْمَراضِعَ 28: 12 [2] .
(نَسَبُ حَلِيمَةَ، وَنَسَبُ أَبِيهَا) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَاسْتَرْضَعَ لَهُ [3] امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَعْدِ
بْنِ بَكْرٍ، يُقَالُ لَهَا: حَلِيمَةُ ابْنَةُ أَبِي ذُؤَيْبٍ.
وَأَبُو ذُؤَيْبٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ شِجْنَةَ بْنِ
جَابِرِ بْنِ رِزَامِ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ فُصَيَّةَ [4] بْنِ نَصْرِ [5]
بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ
بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيَلَانَ.
__________
[1] وَفِي رِوَايَة أُخْرَى أَن عبد الْمطلب عوذة بِشعر مِنْهُ:
الْحَمد للَّه الّذي أعطانى ... هَذَا الْغُلَام الطّيب الأردان
قد سَاد فِي المهد على الغلمان ... أُعِيذهُ بِالْبَيْتِ ذِي الْأَركان
(رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[2] الْمَعْرُوف أَن المراضع: جمع مرضع. وعَلى هَذَا تخرج رِوَايَة ابْن
إِسْحَاق على أحد وَجْهَيْن، أَحدهمَا:
حذف الْمُضَاف، كَأَنَّهُ قَالَ: ذَوَات الرضعاء. وَالثَّانِي: أَن يكون
أَرَادَ بالرضعاء: الْأَطْفَال على حَقِيقَة اللَّفْظ، لأَنهم إِذا وجدوا
لَهُ مُرْضِعَة ترْضِعه، فقد وجدوا لَهُ رضيعا يرضع مَعَه. فَلَا يبعد أَن
يُقَال: التمسوا لَهُ رضيعا، علما بِأَن الرَّضِيع لَا بُد لَهُ من مرضع.
(رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[3] كَذَا فِي أ. واسترضعت الْمَرْأَة ولدى: طلبت مِنْهَا أَن ترْضِعه.
وَفِي سَائِر الْأُصُول: «واسترضع لَهُ من امْرَأَة» .
[4] فِي الْأُصُول: «قصية» بِالْقَافِ. وَهُوَ تَصْحِيف. (رَاجع الرَّوْض
الْأنف، وَشرح السِّيرَة، والطبقات) .
[5] فِي الطَّبَرِيّ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي فِي نسب الْحَارِث: «قصية بن
سعد» . بِإِسْقَاط «نصر» .
(1/160)
(نَسَبُ أَبِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الرَّضَاعِ) :
وَاسْمُ أَبِيهِ الَّذِي أَرْضَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِفَاعَةَ ابْن مَلَّانَ بْنِ
نَاصِرَةَ بْنِ فُصَيَّةَ [1] بْنِ نَصْرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ
هَوَازِنَ [2] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: هِلَالُ بْنُ نَاصِرَةَ.
(إخْوَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرَّضَاعِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِخْوَتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ: عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الْحَارِثِ، وَأُنَيْسَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَحُذَافَةُ [3] بِنْتُ
الْحَارِثِ، وَهِيَ الشَّيْمَاءُ [4] ، غَلَبَ ذَلِكَ عَلَى اسْمِهَا فَلَا
تُعْرَفُ فِي قَوْمِهَا إلَّا بِهِ. وَهُمْ لِحَلِيمَةِ بِنْتِ أَبِي
ذُؤَيْبٍ، عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، أُمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَيَذْكُرُونَ أَنَّ الشَّيْمَاءَ كَانَتْ تَحْضُنُهُ مَعَ أُمِّهَا [5]
إذَا كَانَ عِنْدَهُمْ [6] .
__________
[1] كَذَا فِي م هُنَا. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قصية» بِالْقَافِ. وَهُوَ
تَصْحِيف.
[2] وَيُقَال إِن الْحَارِث قدم على رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِمَكَّة حِين أنزل عَلَيْهِ الْقُرْآن، فَقَالَت لَهُ قُرَيْش:
أَلا تسمع يَا حَار مَا يَقُول ابْنك هَذَا؟ فَقَالَ: وَمَا يَقُول؟
قَالُوا: يزْعم أَن الله يبْعَث النَّاس بعد الْمَوْت وَأَن للَّه دارين
يعذب فيهمَا من عَصَاهُ، وَيكرم من أطاعه، فقد شتت أمرنَا وَفرق جماعتنا،
فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَي بنى، مَالك ولقومك يشكونك، ويزعمون أَنَّك تَقول:
إِن النَّاس يبعثون بعد الْمَوْت، ثمَّ يصيرون إِلَى جنَّة ونار، فَقَالَ
رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنا أزعم ذَلِك، وَلَو قد
كَانَ ذَلِك الْيَوْم يَا أَبَت لقد أخذت بِيَدِك حَتَّى أعرفك حَدِيثك
الْيَوْم. فَأسلم الْحَارِث بعد ذَلِك وَحسن إِسْلَامه، وَكَانَ يَقُول
حِين أسلم:
لَو قد أَخذ ابْني بيَدي فعرفني مَا قَالَ لم يُرْسِلنِي إِن شَاءَ الله
حَتَّى يدخلني الْجنَّة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف، وَشرح الْمَوَاهِب،
والإصابة) .
[3] فِي الْإِصَابَة: «خذامة» ، وَهِي بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة، كَمَا
نبه على ذَلِك السهيليّ وَأَبُو ذَر، وَقد ذكر السهيليّ وَأَبُو ذَر وَابْن
حجر مَا أَثْبَتْنَاهُ رِوَايَة أُخْرَى، وَانْفَرَدَ أَبُو ذَر بالتنبيه
على أَنه هُوَ الصَّوَاب.
وَفِي أوالطبري: والطبقات «جدامة» ، وَبهَا جزم ابْن سعد فِي الطَّبَقَات
على أَنَّهَا «جدامة» بِالْجِيم وَالدَّال الْمُهْملَة.
[4] وَيُقَال إِنَّهَا: «الشماء» بلاياء (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) .
[5] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ. وَفِي الْأُصُول: «أمه» .
[6] وَيُقَال: إِن أول من أَرْضَعَتْه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ثويبة، أَرْضَعَتْه بِلَبن ابْن لَهَا يُقَال لَهُ:
ممزوج، أَيَّامًا، قبل أَن تقدم حليمة. وَكَانَت قد أرضعت قبله حَمْزَة بن
عبد الْمطلب المَخْزُومِي. كَمَا أرضعت عبد الله بن جحش، وَكَانَ رَسُول
الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرف ذَلِك لثويبة، ويصلها من
الْمَدِينَة. فَلَمَّا افْتتح مَكَّة سَأَلَ عَنْهَا وَعَن ابْنهَا مسروح،
فَأخْبر أَنَّهُمَا مَاتَا، وَسَأَلَ عَن قرابتهما، فَلم يجد أحدا مِنْهُم
حَيا وَكَانَت 11- سيرة ابْن هِشَام- 1
(1/161)
(حَدِيثُ حَلِيمَةَ عَمَّا رَأَتْهُ مِنْ
الْخَيْرِ بَعْدَ تَسَلُّمِهَا لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي جَهْمُ بْنُ أَبِي جَهْمٍ مَوْلَى
الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبِ الْجُمَحِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ. أَوْ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْهُ قَالَ:
كَانَتْ حَلِيمَةُ بِنْتُ أَبِي ذُؤَيْبٍ السَّعْدِيَّةُ. أُمَّ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ، تُحَدِّثُ:
أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ بَلَدِهَا مَعَ زَوْجِهَا، وَابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ
[1] تُرْضِعُهُ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، تَلْتَمِسُ
الرُّضَعَاءَ، قَالَتْ: وَذَلِكَ فِي سَنَةٍ [2] شَهْبَاءَ، لَمْ تُبْقِ
لَنَا شَيْئًا. قَالَتْ: فَخَرَجَتْ عَلَى أَتَانٍ لِي قَمْرَاءَ [3] ،
مَعَنَا شَارِفٌ [4] لَنَا، وَالله مَا نبض [5] بِقَطْرَةٍ، وَمَا نَنَامُ
لَيْلَنَا أَجْمَعَ مِنْ صَبِيِّنَا الَّذِي مَعَنَا، مِنْ بُكَائِهِ مِنْ
الْجَوْعِ، مَا فِي ثَدْيَيَّ مَا يُغْنِيهِ، وَمَا فِي شَارِفِنَا مَا
يُغَدِّيهِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: يُغَذِّيهِ [6]- وَلَكِنَّا
كُنَّا نَرْجُو الْغَيْثَ وَالْفَرَجَ فَخَرَجْتُ عَلَى أَتَانِي تِلْكَ
فَلَقَدْ أَدَمْتُ [7] بِالرَّكْبِ حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ضَعْفًا
وَعَجَفًا [8] ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ نَلْتَمِسُ [9] الرُّضَعَاءَ،
فَمَا مِنَّا امْرَأَةٌ إلَّا وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ
__________
[ () ] ثويبة جَارِيَة لأبى لَهب. كَمَا يُقَال: إِنَّه صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضع أَيْضا من غير هَاتين. (رَاجع الطَّبَرِيّ
وَالرَّوْض الْأنف، والاستيعاب، وَشرح الْمَوَاهِب) .
[1] يُقَال: إِن اسْمه عبد الله بن الْحَارِث. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب
والمعارف والطبقات) .
[2] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ. وَفِي أ: «وَفِي سنة ... إِلَخ» . وَفِي سَائِر
الْأُصُول: «وَهِي فِي سنة ... إِلَخ»
[3] القمرة (بِالضَّمِّ) : لون إِلَى الخضرة، أَو بَيَاض فِيهِ كدرة.
يُقَال: حمَار أقمر، وأتان قَمْرَاء.
[4] الشارف: النَّاقة المسنة.
[5] مَا تبض: مَا ترشح بِشَيْء.
[6] وَمَا ذكره ابْن هِشَام أتم فِي الْمَعْنى من الِاقْتِصَار على ذكر
الْغَدَاء دون الْعشَاء. ويروى: «مَا يعذبه» أَي مَا يقنعه حَتَّى يرفع
رَأسه وَيَنْقَطِع عَن الرَّضَاع.
[7] كَذَا فِي أ. وَلَقَد شرحها أَبُو ذَر فَقَالَ: فَلَقَد أدمت بالركب،
أَي أطلت عَلَيْهِم الْمسَافَة لتمهلهم عَلَيْهَا، مَأْخُوذ من الشَّيْء
الدَّائِم. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أذمت» . وأذمت الركاب: أعيت
وَتَخَلَّفت عَن جمَاعَة الْإِبِل، وَلم تلْحق بهَا. يُرِيد أَنَّهَا
تَأَخَّرت بالركب، أَي تَأَخّر الركب بِسَبَبِهَا.
[8] العجف: الهزال.
[9] يذكرُونَ فِي دفع قُرَيْش وَغَيرهم من أَشْرَاف الْعَرَب أَوْلَادهم
إِلَى المراضع أسبابا، أَحدهَا: تَفْرِيغ النِّسَاء إِلَى الْأزْوَاج،
كَمَا قَالَ عمار بن يَاسر لأم سَلمَة رضى الله عَنْهَا، وَكَانَ أخاها من
الرضَاعَة، حِين انتزع من حجرها زَيْنَب بنت أَبى سَلمَة، فَقَالَ: دعِي
هَذِه المقبوحة المشقوحة الَّتِي آذيت بهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(1/162)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأْبَاهُ، إذَا
قِيلَ لَهَا إنَّهُ يَتِيمٌ، وَذَلِكَ أَنَّا إنَّمَا كُنَّا نَرْجُو
الْمَعْرُوفَ مِنْ أَبِي الصَّبِيِّ، فَكُنَّا نَقُولُ: يَتِيمٌ! وَمَا
عَسَى أَنْ تَصْنَعَ أُمُّهُ وَجَدُّهُ! فَكُنَّا نَكْرَهُهُ لِذَلِكَ،
فَمَا بَقِيَتْ امْرَأَةٌ قَدِمَتْ مَعِي إلَّا أَخَذَتْ رَضِيعًا غَيْرِي،
فَلَمَّا أَجْمَعْنَا الِانْطِلَاقَ قُلْتُ لِصَاحِبِي: وَاَللَّهِ إنِّي
لَأَكْرَهُ أَنْ أَرْجِعَ مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِي وَلَمْ آخُذْ رَضِيعًا،
وَاَللَّهِ لَأَذْهَبَنَّ إلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ، قَالَ:
لَا عَلَيْكِ أَنْ تَفْعَلِي، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا فِيهِ
بَرَكَةً. قَالَتْ [1] : فَذَهَبْتُ إلَيْهِ فَأَخَذْتُهُ، وَمَا حَمَلَنِي
عَلَى أَخْذِهِ إلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ. قَالَتْ: فَلَمَّا
أَخَذْتُهُ، رَجَعْتُ بِهِ إلَى رَحْلِي، فَلَمَّا وَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي
[2] أَقَبْلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حَتَّى
رَوِيَ، وَشَرِبَ مَعَهُ أَخُوهُ حَتَّى رَوِيَ [3] ، ثُمَّ نَامَا، وَمَا
كُنَّا نَنَامُ مَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَامَ زَوْجِي إلَى شَارِفِنَا
تِلْكَ، فَإِذَا إنَّهَا لَحَافِلٌ، فَحَلَبَ مِنْهَا مَا شَرِبَ،
وَشَرِبْتُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا رِيًّا وَشِبَعًا، فَبِتْنَا
بِخَيْرِ لَيْلَةٍ. قَالَتْ: يَقُولُ صَاحِبِي حِينَ أَصْبَحْنَا:
تَعَلَّمِي [4] وَاَللَّهِ يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ أَخَذْتُ نَسَمَةً
مُبَارَكَةً، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو ذَلِكَ.
قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْنَا وَرَكِبْتُ (أَنَا) [5] أَتَانِي، وَحَمَلْتُهُ
عَلَيْهَا معى، فو الله لَقَطَعَتْ بِالرَّكْبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا [6]
__________
[ () ] وَقد يكون ذَلِك مِنْهُم لينشأ الطِّفْل فِي الْأَعْرَاب، فَيكون
أفْصح لِسَانا، وَأجْلَد لجسمه وأجدر أَلا يُفَارق الْهَيْئَة المعدية،
كَمَا قَالَ عمر رضى الله عَنهُ: تمعددوا تمعززوا وَاخْشَوْشنُوا. وَلَقَد
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأبى بكر رضى الله عَنهُ حِين قَالَ
لَهُ: مَا رَأَيْت أفْصح مِنْك يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ: وَمَا يَمْنعنِي
وَأَنا من قُرَيْش وأرضعت فِي بنى سعد. فَهَذَا وَنَحْوه كَانَ يحملهم على
دفع الرضعاء إِلَى المرضعات الأعرابيات. وَقد ذكر أَن عبد الْملك بن
مَرْوَان كَانَ يَقُول: أضربنا حب الْوَلِيد. لِأَن الْوَلِيد كَانَ لحانا
وَكَانَ سُلَيْمَان فصيحا، لِأَن الْوَلِيد أَقَامَ مَعَ أمه، وَسليمَان
وَغَيره من إخْوَته سكنوا الْبَادِيَة فتعربوا، ثمَّ أدبوا فتأدبوا. (رَاجع
الرَّوْض الْأنف، وَشرح الْمَوَاهِب) .
[1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ» وَلَعَلَّ تذكير
الْفِعْل على معنى الشَّخْص.
[2] وَيُقَال: إِن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا
يقبل إِلَّا على ثدي وَاحِد، وَكَانَ يعرض عَلَيْهِ الثدي الآخر فيأباه،
كَأَنَّهُ قد أشعر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن مَعَه شَرِيكا فِي
أَلْبَانهَا. (رَاجع الرَّوْض الْأنف)
[3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والطبري. وَفِي أوالروض الْأنف: «رويا» .
[4] كَذَا فِي الْأُصُول. يُرِيد: اعلمي. وَفِي الطَّبَرِيّ: «أتعلمين ...
إِلَخ» .
[5] زِيَادَة عَن أ.
[6] فِي: أ «على» .
(1/163)
شَيْءٌ مِنْ حُمُرِهِمْ، حَتَّى إنَّ
صَوَاحِبِي لِيَقُلْنَ لي: يَا بنة أَبِي ذُؤَيْبٍ، وَيْحَكَ! ارْبَعِي [1]
عَلَيْنَا، أَلَيْسَتْ هَذِهِ أَتَانَكَ الَّتِي كُنْتُ خَرَجْتُ
عَلَيْهَا؟ فَأَقُولُ لَهُنَّ: بَلَى وَاَللَّهِ، إنَّهَا لَهِيَ هِيَ،
فَيَقُلْنَ: وَاَللَّهِ إنَّ لَهَا لَشَأْنًا. قَالَتْ: ثُمَّ قَدِمْنَا
مَنَازِلَنَا مِنْ بِلَادِ بَنِي سَعْدٍ وَمَا أَعْلَمُ أَرْضًا مِنْ
أَرْضِ اللَّهِ أَجْدَبَ مِنْهَا، فَكَانَتْ غَنَمِي تَرُوحُ عَلَيَّ حِينَ
قَدِمْنَا بِهِ مَعَنَا شِبَاعًا لُبَّنًا، فَنَحْلُبُ وَنَشْرَبُ، وَمَا
يَحْلُبُ إنْسَانٌ قَطْرَةَ لَبَنٍ، وَلَا يَجِدُهَا فِي ضَرْعٍ، حَتَّى
كَانَ الْحَاضِرُونَ مِنْ قَوْمِنَا يَقُولُونَ لِرُعْيَانِهِمْ:
وَيْلَكُمْ اسْرَحُوا حَيْثُ يَسْرَحُ رَاعِي بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ،
فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا تَبِضُّ بِقَطْرَةِ لَبَنٍ،
وَتَرُوحُ غَنَمِي شِبَاعًا لُبَّنًا. فَلَمْ نَزَلْ نَتَعَرَّفُ مِنْ
اللَّهِ الزِّيَادَةَ وَالْخَيْرَ [2] حَتَّى مَضَتْ سَنَتَاهُ [3]
وَفَصَلْتُهُ، وَكَانَ يَشِبُّ شَبَابًا لَا يَشِبُّهُ الْغِلْمَانُ،
فَلَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْهِ حَتَّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا [4] . قَالَتْ:
فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ وَنَحْنُ أَحْرَصُ شَيْءٍ عَلَى مُكْثِهِ
فِينَا، لِمَا كُنَّا نَرَى مِنْ بَرَكَتِهِ. فَكَلَّمْنَا أُمَّهُ
وَقُلْتُ لَهَا: لَوْ تَرَكْتُ بُنَيَّ عِنْدِي حَتَّى يَغْلُظَ، فَإِنِّي
أَخْشَى عَلَيْهِ وَبَأَ [5] مَكَّةَ، قَالَتْ: فَلَمْ نَزَلْ بِهَا حَتَّى
رَدَّتْهُ مَعَنَا.
(حَدِيثُ الْمَلَكَيْنِ اللَّذَيْنِ شَقَّا بَطْنَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) :
قَالَتْ: فرجعنا بِهِ، فو الله إنَّهُ بَعْدَ مَقْدِمِنَا (بِهِ)
بِأَشْهُرِ مَعَ أَخِيهِ لَفِي بَهْمٍ [6] لَنَا خَلْفَ بُيُوتِنَا، إذْ
أَتَانَا أَخُوهُ يَشْتَدُّ [7] ، فَقَالَ لِي وَلِأَبِيهِ: ذَاكَ أَخِي
الْقُرَشِيُّ قَدْ أَخَذَهُ رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ،
فَأَضْجَعَاهُ، فَشَقَّا بَطْنَهُ، فَهُمَا يَسُوطَانِهِ [8] .
__________
[1] اربعى: أقيمى وانتظري. يُقَال: ربع فلَان على فلَان إِذا أَقَامَ
عَلَيْهِ وانتظره. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
عودي علينا واربعى يَا فاطما
[2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «الزِّيَادَة والخيرة» . وَفِي
الطَّبَرِيّ: «زِيَادَة الْخَيْر» .
[3] فِي الطَّبَرِيّ: «سنتَانِ» .
[4] الجفر: الغليظ الشَّديد.
[5] الوبأ: يهمز وَيقصر (والوباء) بِالْمدِّ: الطَّاعُون.
[6] البهم: الصغار من الْغنم، واحدتها: بهمة.
[7] اشْتَدَّ فِي عدوه: أسْرع.
[8] يُقَال: سطت اللَّبن أَو الدَّم أَو غَيرهمَا أسوطه: إِذا ضربت بعضه
بِبَعْض. وَاسم الْعود الّذي يضْرب بِهِ: السَّوْط.
(1/164)
قَالَتْ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبوهُ نَحوه،
فَوَجَدنَا قَائِمًا مُنْتَقَعَا [1] وَجْهُهُ. قَالَتْ: فَالْتَزَمْتُهُ
وَالْتَزَمَهُ أَبُوهُ، فَقُلْنَا لَهُ: مَالك يَا بُنَيَّ، قَالَ:
جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، فَأَضْجَعَانِي وَشَقَّا
بَطْنِي، فَالْتَمِسَا (فِيهِ) شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ. قَالَتْ:
فَرَجَعْنَا (بِهِ) [2] إلَى خِبَائِنَا.
(رُجُوعُ حَلِيمَةَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُمِّهِ) :
قَالَتْ: وَقَالَ لِي أَبُوهُ يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ
هَذَا الْغُلَامُ قَدْ أُصِيبَ فَأَلْحِقِيهِ بِأَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ
يَظْهَرَ ذَلِكَ بِهِ، قَالَتْ: فَاحْتَمَلْنَاهُ، فَقَدِمْنَا بِهِ على
أمّه، فَقَالَت: مَا أَقْدَمَكَ بِهِ يَا ظِئْرُ [3] وَقَدْ كُنْتِ
حَرِيصَةً عَلَيْهِ، وَعَلَى مُكْثِهِ عِنْدَكَ؟
قَالَتْ: فَقُلْتُ [4] : قَدْ بَلَغَ اللَّهُ بِابْنِي وَقَضَيْتُ الَّذِي
عَلَيَّ، وَتَخَوَّفْتُ الْأَحْدَاثَ، عَلَيْهِ، فَأَدَّيْتُهُ إلَيْكَ [5]
كَمَا تُحِبِّينَ، قَالَتْ: مَا هَذَا شَأْنُكَ، فَاصْدُقِينِي خَبَرَكَ.
قَالَتْ: فَلَمْ تَدَعْنِي حَتَّى أَخْبَرْتُهَا. قَالَتْ: أَفَتَخَوَّفَتْ
عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ نَعَمْ، قَالَتْ: كَلَّا،
وَاَللَّهِ مَا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ مِنْ سَبِيلٍ، وَإِنَّ لِبُنَيَّ
لَشَأْنًا، أَفَلَا أُخْبِرُكِ خَبَرَهُ، قَالَتْ: (قُلْتُ) [2] بَلَى،
قَالَتْ: رَأَيْتُ حِينَ حَمَلْتُ بِهِ، أَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ
أَضَاءَ [6] لِي قُصُورَ بُصْرَى [7] مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، ثُمَّ حملت
بِهِ، فو الله مَا رَأَيْتُ مِنْ حَمْلٍ قَطُّ كَانَ أَخَفَّ (عَلَيَّ) [2]
وَلَا أَيْسَرَ مِنْهُ، وَوَقَعَ حِينَ وَلَدْتُهُ وَإِنَّهُ لَوَاضِعٌ
يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ، رَافِعٌ رَأَسَهُ إلَى السَّمَاءِ، دَعِيهِ عَنْكَ
وَانْطَلِقِي رَاشِدَةً.
__________
[1] منتقعا وَجهه: أَي متغيرا، يُقَال: انتقع وَجهه وامتقع (بِالْبِنَاءِ
للْمَجْهُول) : إِذا تغير.
[2] زِيَادَة عَن أوالطبري.
[3] الظِّئْر (بِالْكَسْرِ) : العاطفة على ولد غَيرهَا الْمُرضعَة لَهُ،
فِي النَّاس وَغَيرهم، فَهُوَ أَعم من الْمُرضعَة لِأَنَّهُ يُطلق على
الذّكر وَالْأُنْثَى.
[4] كَذَا فِي أوالطبري، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَقلت.. نعم قد بلغ ...
إِلَخ» .
[5] كَذَا فِي الطَّبَرِيّ وَفِي الْأُصُول «عَلَيْك» .
[6] كَذَا فِي أوالطبري. وَفِي سَائِر الْأُصُول «أَضَاء لي بِهِ قُصُور
... إِلَخ» .
[7] بصرى (بِالضَّمِّ وَالْقصر) : من أَعمال دمشق بِالشَّام، وَهِي قَصَبَة
كورة حوران، مَشْهُورَة عِنْد الْعَرَب قَدِيما وحديثا، وَلَهُم فِيهَا
أشعار كَثِيرَة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
(1/165)
(تَعْرِيفُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي ثَوْرُ [1] بْنُ يَزِيدَ، عَنْ بَعْضِ
أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا أَحْسَبُهُ إلَّا عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ [2]
الْكُلَاعِيِّ:
أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إبْرَاهِيمَ [3] ، وَبُشْرَى (أَخِي)
[4] عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا
نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ الشَّامِ [5] ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي
سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَخٍ لِي خَلْفَ بُيُوتِنَا
نَرْعَى بَهْمًا لَنَا، إذْ أَتَانِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ
بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ ثَلْجًا، ثُمَّ أَخَذَانِي فَشَقَّا
بَطْنِي، وَاسْتَخْرَجَا قلبِي فشقّاه، فاستخرجنا مِنْهُ عَلَقَةً
سَوْدَاءَ فَطَرَحَاهَا، ثُمَّ غَسَلَا قَلْبِي وَبَطْنِي بِذَلِكَ
الثَّلْجِ حَتَّى أَنْقَيَاهُ [6] ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ
زِنْهُ بِعَشَرَةِ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ، ثُمَّ
قَالَ: زنه بِمِائَة مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ،
ثُمَّ قَالَ: زَنِّهِ بِأَلْفِ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ
فَوَزَنْتهمْ، فَقَالَ: دَعه
__________
[1] هُوَ ثَوْر بن يزِيد الكلَاعِي، وَيُقَال الرحبيّ، أَبُو خَالِد
الْحِمصِي أحد الْحفاظ الْعلمَاء. روى عَن خَالِد هَذَا وحبِيب بن عبيد
وَصَالح بن يحيى وَغَيرهم، وروى عَنهُ ابْن الْمُبَارك وَيحيى الْقطَّان،
وَخلق كثير، وَكَانَ يرى الْقدر. وَمَات سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة،
وَهُوَ ابْن بضع وَسِتِّينَ سنة، وَقيل مَاتَ سنة خمس وَخمسين وَمِائَة.
(رَاجع تراجم رجال) .
[2] هُوَ خَالِد بن معدان بن أَبى كريب الكلَاعِي أَبُو عبد الله الشَّامي
الْحِمصِي. روى عَن ثَوْبَان وَابْن عَمْرو وَابْن عمر وَغَيرهم. وروى
عَنهُ بجير بن سعيد وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث وَغَيرهمَا.
توفى سنة 103، وَقيل سنة 104، وَقيل سنة 108. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب)
.
[3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والطبري. وَفِي أ: «دَعْوَة إِبْرَاهِيم» .
[4] زِيَادَة عَن الطَّبَرِيّ.
[5] وَتَأْويل هَذَا النُّور مَا فتح الله عَلَيْهِ من تِلْكَ الْبِلَاد
حَتَّى كَانَت الْخلَافَة فِيهَا مُدَّة بنى أُميَّة، واستضاءت تِلْكَ
الْبِلَاد وَغَيرهَا بنوره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويحكى أَن
خَالِد بن سعيد بن العَاصِي رأى قبل الْبَعْث بِيَسِير نورا يخرج من
زَمْزَم حَتَّى ظَهرت لَهُ الْبُسْر فِي نخيل يثرب، فَقَصَّهَا على أَخِيه
عَمْرو فَقَالَ لَهُ: إِنَّهَا حفيرة عبد الْمطلب وَإِن هَذَا النُّور
مِنْهُم. فَكَانَ ذَلِك سَبَب مبادرته إِلَى الْإِسْلَام. (رَاجع الرَّوْض
الْأنف) .
[6] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَالَ: ثمَّ قَالَ ... إِلَخ» .
(1/166)
عَنْك، فو الله لَوْ وَزَنْتَهُ
بِأُمَّتِهِ لَوَزَنَهَا [1] .
(هُوَ وَالْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ رَعَوْا الْغَنَمَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ،
قِيلَ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَأَنَا» [2] .
(اعْتِزَازُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرَشِيَّتِهِ،
وَاسْتِرْضَاعُهُ فِي بَنِي سَعْدٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: أَنَا أَعْرَبُكُمْ، أَنَا قُرَشِيٌّ،
وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ.
(افْتَقَدَتْهُ حَلِيمَةُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ
رُجُوعِهَا بِهِ، وَوَجَدَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ النَّاسُ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّ أُمَّهُ السَّعْدِيَّةَ لَمَّا قَدِمَتْ بِهِ
مَكَّةَ أَضَلَّهَا فِي النَّاسِ وَهِيَ مُقْبِلَةٌ بِهِ نَحْوَ أَهْلِهِ،
فَالْتَمَسَتْهُ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَأَتَتْ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَتْ
لَهُ: إنِّي قَدْ قَدِمْتُ بِمُحَمَّدٍ هَذِهِ اللَّيْلَةَ. فَلَمَّا
كُنْتُ بِأَعْلَى مكّة أضلّنى، فو الله مَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ، فَقَامَ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ يَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهُ،
فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ وَجَدَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ،
وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَتَيَا بِهِ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ،
فَقَالَا لَهُ: هَذَا ابْنُكَ وَجَدْنَاهُ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَأَخَذَهُ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَجَعَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ وَهُوَ يَطُوفُ
بِالْكَعْبَةِ يُعَوِّذُهُ وَيَدْعُو لَهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهِ إلَى
أُمِّهِ آمِنَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ:
أَنَّ مِمَّا هَاجَ أُمَّهُ السَّعْدِيَّةَ عَلَى رَدِّهِ إلَى أُمِّهِ،
مَعَ مَا ذَكَرَتْ لِأُمِّهِ مِمَّا أَخْبَرَتْهَا عَنْهُ، أَنَّ نَفَرًا
مِنْ الْحَبَشَةِ نَصَارَى، رَأَوْهُ مَعَهَا حِينَ رَجَعَتْ بِهِ بَعْدَ
فِطَامِهِ، فَنَظَرُوا إلَيْهِ وَسَأَلُوهَا عَنْهُ وَقَلَّبُوهُ، ثُمَّ
قَالُوا لَهَا: لَنَأْخُذَنَّ هَذَا الْغُلَامَ، فَلَنَذْهَبَنَّ بِهِ إلَى
مَلِكِنَا وَبَلَدِنَا، فَإِنَّ هَذَا غُلَامٌ كَائِنٌ لَهُ شَأْنٌ نَحْنُ
نَعْرِفُ أَمْرَهُ، فَزَعَمَ الَّذِي حَدَّثَنِي أَنَّهَا لَمْ تَكَدْ
تَنْفَلِتُ بِهِ مِنْهُمْ.
__________
[1] وَزَاد الطَّبَرِيّ بعد هَذَا: «قَالَ ثمَّ ضموني إِلَى صدرهم، وقبلوا
رَأْسِي وَمَا بَين عَيْني، ثمَّ قَالُوا:
يَا حبيب، لم ترع، إِنَّك لَو تَدْرِي مَا يُرَاد بك من الْخَيْر لقرت
عَيْنك» .
[2] الْمَعْرُوف أَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رعى
الْغنم فِي بنى سعد مَعَ أَخِيه من الرضَاعَة، وَأَنه رعاها بِمَكَّة
أَيْضا على قراريط لأهل مَكَّة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
(1/167)
|