سيرة ابن
هشام ت السقا وَفَاةُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَمَا رُثِيَ
بِهِ مِنْ الشِّعْرِ
(وَفَاةُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمَا قِيلَ فِيهِ مِنَ الشِّعْرِ) :
فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِي
سِنِينَ هَلَكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ. وَذَلِكَ بَعْدَ
الْفِيلِ بِثَمَانِي سِنِينَ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ [1] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَعْبَدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ:
أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ تُوُفِّيَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ ثَمَانِي سِنِينَ [2] .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ:
أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَعَرَفَ أَنَّهُ
مَيِّتٌ جَمَعَ بَنَاتِهِ، وَكُنَّ سِتَّ نِسْوَةٍ: صَفِيَّةَ، وَبَرَّةَ،
وَعَاتِكَةَ، وَأُمَّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءَ، وَأُمَيْمَةَ، وَأَرْوَى،
فَقَالَ لَهُنَّ: ابْكِينَ عَلَيَّ حَتَّى أَسْمَعَ مَا تَقُلْنَ قَبْلَ
أَنْ أَمُوتَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
بِالشِّعْرِ يَعْرِفُ هَذَا الشِّعْرَ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا [3] رَوَاهُ
عَنْ مُحَمِّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ كَتَبْنَاهُ.
(رِثَاءُ صَفِيَّةَ لِأَبِيهَا عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) :
فَقَالَت صفيّة بنت عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا.
أَرِقْتُ لِصَوْتِ نَائِحَةٍ بِلَيْلٍ ... عَلَى رَجُلٍ بِقَارِعَةِ
الصَّعِيدِ
فَفَاضَتْ عِنْدَ ذَلِكُمْ دُمُوعِي [4] ... عَلَى خَدِّي كَمُنْحَدِرِ
الْفَرِيدِ [5]
__________
[1] هُوَ الْعَبَّاس بن عبد الله بن معبد بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب
الْهَاشِمِي الْمدنِي. روى عَن أَخِيه إِبْرَاهِيم وَأَبِيهِ وَعِكْرِمَة
وَغَيرهم. وروى عَنهُ ابْن جريح وَابْن إِسْحَاق ووهيب وسُفْيَان بن
عُيَيْنَة والدراوَرْديّ.
(عَن تراجم رجال) .
[2] وَبَعْضهمْ يَقُول: توفى عبد الْمطلب وَرَسُول الله ابْن عشر سِنِين.
(رَاجع الطَّبَرِيّ) .
[3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «إِلَّا أَنه رَوَاهُ ... كَمَا
كتبناه» .
[4] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ:
فَفَاضَتْ عِنْد ذَاك دموع عَيْني
[5] الفريد: الدّرّ
(1/169)
عَلَى رَجُلٍ كَرِيمٍ غَيْرِ وَغْلٍ [1]
... لَهُ الْفَضْلُ الْمُبِينُ عَلَى الْعَبِيدِ
عَلَى الْفَيَّاضِ شَيْبَةَ ذِي الْمَعَالِي ... أَبِيكِ الْخَيْرِ وَارِثِ
كُلِّ جُودِ [2]
صَدُوقٍ فِي الْمَوَاطِنِ غَيْرِ نِكْسٍ ... وَلَا شَخْتِ الْمَقَامِ وَلَا
سَنِيدٍ [3]
طَوِيلِ الْبَاعِ أَرْوَعَ شَيْظَمِيٌّ [4] ... مُطَاعٍ فِي عَشِيرَتِهِ
حَمِيدٍ
رَفِيعِ الْبَيْتِ أَبْلَجَ ذِي فُضُولٍ ... وَغَيْثِ النَّاسِ فِي
الزَّمَنِ [5] الْحَرُودِ [6]
كَرِيمِ الْجَدِّ لَيْسَ بِذِي وُصُومِ [7] ... يَرُوقُ عَلَى الْمُسَوَّدِ
وَالْمَسُودِ
عَظِيمِ الْحِلْمِ مِنْ نَفَرٍ كِرَامٍ ... خَضَارِمَةٍ مَلَاوِثَةٍ
أُسُودٍ [8]
فَلَوْ خَلَدَ امْرُؤٌ لِقَدِيمِ مَجْدٍ ... وَلَكِنْ لَا سَبِيلَ إلَى
الْخُلُودِ
لَكَانَ مُخَلِّدًا أُخْرَى اللَّيَالِي ... لِفَضْلِ الْمَجْدِ
وَالْحَسَبِ التَّلِيدِ
(رِثَاءُ بَرَّةَ لِأَبِيهَا عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) :
وَقَالَتْ بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا:
أَعَيْنَيَّ جُودَا بِدَمْعٍ دِرَرْ ... على طيّب الخم وَالْمُعْتَصَرْ [9]
عَلَى مَاجِدِ الْجِدِّ وَارَى الزِّنَادَ ... جَمِيلِ الْمُحَيَّا عَظِيمِ
الخَطَرْ
عَلَى شَيْبَةِ الْحَمْدِ ذِي الْمَكْرُمَاتِ ... وَذِي الْمَجْدِ
وَالْعِزِّ والمُفْتَخَرْ
__________
[1] الوغل: الضَّعِيف النذل السَّاقِط المقصر فِي الْأَشْيَاء.
[2] أَرَادَت «الْخَيْر» بِالتَّشْدِيدِ فخففت، وَيجوز أَن يكون الْخَيْر
(هَاهُنَا) : ضد الشَّرّ، جعلته كُله خيرا على الْمُبَالغَة.
[3] النكس: الرجل الضَّعِيف الّذي لَا خير فِيهِ. والشخت (بِالْفَتْح
وبالتحريك) : الدَّقِيق الضامر من الأَصْل لَا هزالًا. والسنيد: الضَّعِيف
الّذي لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ حَتَّى يسند رَأْيه إِلَى غَيره.
[4] الشيظمى: الْفَتى الجسيم.
[5] فِي أ: «فِي الزَّمَان» . وَلَا يَسْتَقِيم بهَا الْوَزْن.
[6] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والحرود: النَّاقة القليلة الدّرّ، شبه
الزَّمن فِي جدبه بهَا. وَفِي أ:
«الجرود» . والجرود: جمع جرد، وَهُوَ الْمَكَان لَا نَبَات فِيهِ.
[7] الوصوم: جمع وصم، وَهُوَ الْعَار.
[8] الخضارمة: جمع خضرم (كزبرج) . وَهُوَ الْجواد المعطاء وَالسَّيِّد
الحمول. والملاوثة: جمع ملواث من اللوثة، وَهِي الْقُوَّة، وَمِنْه قَول
قريط بن أنيف:
عِنْد الحفيظة إِن ذُو لوثة لأَنا
[9] الخيم (بِالْكَسْرِ) : السجية والطبيعة. وَمعنى كَونه طيب المعتصر،
أَنه جواد عِنْد الْمَسْأَلَة.
(1/170)
وَذِي الْحِلْمِ وَالْفَصْلِ فِي
النَّائِبَاتِ ... كَثِيرِ الْمَكَارِمِ جَمِّ الْفَجَرْ [1]
لَهُ فَضْلُ مَجْدٍ عَلَى قَوْمِهِ ... مُنِيرٍ يَلُوحُ كَضَوْءِ القَمَرْ
أَتَتْهُ الْمَنَايَا فَلَمْ تُشْوِهِ [2] ... بِصَرْفِ اللَّيَالِي
وَرَيْبِ القَدَرْ
[3]
(رِثَاءُ عَاتِكَةَ لِأَبِيهَا عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) :
وَقَالَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا:
أَعَيْنِيَّ جُودَا وَلَا تَبْخَلَا ... بِدَمْعِكُمَا بَعْدَ نَوْمِ
النِّيَامِ
أَعَيْنِيَّ وَاسْحَنْفِرَا واسكبا ... وشوبا بكاء كَمَا بِالْتِدَامِ [4]
أَعَيْنِيَّ وَاسْتَخْرِطَا وَاسْجُمَا ... عَلَى رَجُلٍ غَيْرِ نِكْسٍ
كَهَامِ [5]
عَلَى الْجَحْفَلِ الْغَمْرِ فِي النَّائِبَاتِ ... كَرِيمِ الْمَسَاعِي
وَفِيِّ الذِّمَامِ [6]
عَلَى شَيْبَةِ الْحَمْدِ وَارَى الزِّنَادِ ... وَذِي مَصْدَقٍ بَعْدُ
ثَبْتِ الْمَقَامِ
وَسَيْفٍ لَدَى الْحَرْبِ صَمْصَامَةٍ ... وَمُرْدَى الْمُخَاصِمِ عِنْدَ
الْخِصَام
وَسَهل الْخَلِيفَة طَلْقِ الْيَدَيْنِ ... وَفِي [7] عَدْمَلِيٍّ صَمِيمٍ
لُهَامِ [8]
تَبَنَّكَ فِي بَاذِخٍ بَيْتُهُ ... رَفِيعُ الذُّؤَابَةِ صَعْبُ المَرَامِ
[9]
(رِثَاءُ أُمِّ حَكِيمٍ لِأَبِيهَا عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) :
وَقَالَتْ أُمُّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءِ بنتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَبْكِي
أَبَاهَا:
أَلَا يَا عَيْنُ جُودِي وَاسْتَهِلِّي ... وَبَكِّي ذَا النَّدَى
وَالْمَكْرُمَاتِ [10]
__________
[1] الْفجْر: الْعَطاء، وَالْكَرم، والجود، وَالْمَعْرُوف، وَالْمَال
وكثرته.
[2] لم تشوه: لم تصب الشوى بل أَصَابَت المقتل. والشوى: الْأَطْرَاف.
[3] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ويبث الْقَمَر» وَهُوَ
تَحْرِيف.
[4] اسحنفر الْمَطَر وَغَيره: كثر صبه. والالتدام: ضرب النِّسَاء وجوههن
فِي النِّيَاحَة.
[5] استخرط الرجل فِي الْبكاء: لج فِيهِ. والكهام: الرجل الكليل المسن.
تُرِيدُ أَنه لَيْسَ بنكس، أَي ضَعِيف وَلَا كليل.
[6] الجحفل: الرجل الْعَظِيم، وَالسَّيِّد الْكَرِيم.
[7] خففت الْيَاء من «وفى» ليستقيم الْوَزْن.
[8] العدملى: الضخم. واللهام (كغراب) : الْكثير الْخَيْر.
[9] تبنك: تأصل وَتمكن، مَأْخُوذ من البنك (بِضَم الْبَاء) ، وَهُوَ أصل
الشَّيْء وخالصة. تُرِيدُ أَن بَيته تأصل فِي باذخ من الشّرف.
[10] استهلى: أظهرى الْبكاء. وَبكى: أَمر من بكاء (بِالتَّشْدِيدِ) ،
بِمَعْنى بَكَى عَلَيْهِ ورثاه.
(1/171)
أَلَا يَا عَيْنُ وَيْحَكَ أَسْعِفِينِي
... بِدَمْعٍ مِنْ دُمُوعٍ هَاطِلَاتٍ [1]
وَبَكِّي خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا ... أَبَاكِ الْخَيْرُ تَيَّارَ
الْفُرَاتِ [2]
طَوِيلَ الْبَاعِ شَيْبَةَ ذَا الْمَعَالِي ... كَرِيمَ الْخِيمِ مَحْمُودَ
الْهِبَاتِ [3]
وَصُولًا لِلْقَرَابَةِ هِبْرَزِيّا ... وَغَيْثًا فِي السِّنِينَ
الْمُمْحِلَاتِ [4]
وَلَيْثًا حَيْنَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... تَرُوقُ لَهُ عُيُونُ
النَّاظِرَاتِ [5]
عَقِيلَ بَنِي كِنَانَةَ وَالْمُرَجَّى ... إذَا مَا الدَّهْرُ أَقْبَلَ
بِالْهَنَاتِ [6]
وَمَفْزَعَهَا إذَا مَا هَاجَ هَيْجٌ ... بِدَاهِيَةٍ وَخَصْمَ
الْمُعْضِلَاتِ [7]
فَبَكِّيهِ وَلَا تسمي بِحُزْنٍ ... وَبَكِّي، مَا بَقِيَتْ، الْبَاكِيَاتُ
[8]
(رِثَاءُ أُمَيْمَةَ لِأَبِيهَا عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) :
وَقَالَتْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا:
أَلَا هَلَكَ الرَّاعِي الْعَشِيرَةَ ذُو الْفَقْدِ ... وَسَاقِي
الْحَجِيجِ وَالْمُحَامِي عَنْ الْمَجْدِ [9]
وَمَنْ يُؤْلَفُ الضَّيْفَ الْغَرِيبَ بُيُوتَهُ ... إذَا مَا سَمَاءُ
النَّاسِ تَبْخَلُ بِالرَّعْدِ
كَسَبْتَ وَلَيَدًا خَيْرَ مَا يَكْسِبُ الْفَتى ... فَلم تنفك تَزْدَادُ
يَا شَيْبَةَ الْحَمْدِ
أَبُو الْحَارِثِ الْفَيَّاضُ خَلَّى مَكَانَهُ ... فَلَا تُبْعِدَنْ
فَكُلُّ حَيٍّ إلَى بُعْدٍ
فَإِنِّي لَبَاكٍ مَا بَقِيتُ وَمُوجَعٌ ... وَكَانَ لَهُ أَهْلًا لِمَا
كَانَ مِنْ وَجْدِي [10]
__________
[1] فِي أ: «أسعدينى» . وأسعده: أَعَانَهُ على الْبكاء.
[2] أَصله الْخَيْر (بِالتَّشْدِيدِ) فخففت الْيَاء. والتيار: مُعظم
المَاء. والفرات: المَاء العذب.
[3] الخيم: الطبيعة والسجية.
[4] الهبرزى: الْجَمِيل الوسيم. وَيُقَال: الحاذق فِي أُمُوره.
[5] تشتجر: تختلط وتشتبك. والعوالي: الرماح. تُرِيدُ حِين تَجِد الْحَرْب.
[6] الهنات: جمع هنة، وَهِي كِنَايَة عَن الْقَبِيح.
[7] مفزعها: ملجؤها. والهيج: الْحَرْب، وَهُوَ من التَّسْمِيَة
بِالْمَصْدَرِ.
[8] وَلَا تسمى: أَي لَا تسأمى، فسهل الْهمزَة بِالنَّقْلِ ثمَّ حذفهَا.
[9] الرَّاعِي الْعَشِيرَة: الْحَافِظ لعشيرته. وَفِي الْفَقْد: الّذي
يفقد، تُرِيدُ الْبَاذِل الْمُعْطى.
[10] أخْبرت بِهَذَا الشّطْر عَن نَفسهَا إِخْبَار الْمُذكر، على معنى
الشَّخْص، كَمَا قيل:
قَامَت تبكيه على قَبره ... من لي من بعْدك يَا عَامر
تَرَكتنِي فِي الدَّار ذَا غربَة ... قد ذل من لَيْسَ لَهُ نَاصِر
(تُرِيدُ: شخصا ذَا غربَة) .
(1/172)
سَقَاكَ وَلِيُّ النَّاسِ فِي القَبرُ
مُمْطِرًا ... فَسَوْفَ أُبَكِّيهِ وَإِنْ كَانَ فِي اللَّحْدِ
فَقَدْ كَانَ زَيْنًا لِلْعَشِيرَةِ كُلِّهَا ... وَكَانَ حَمِيدًا حَيْثُ
مَا كَانَ مِنْ حَمْدٍ
(رِثَاءُ أَرِوَى لِأَبِيهَا عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) :
وَقَالَتْ أَرْوَى بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا:
بَكَتْ عَيْنَيَّ وَحُقَّ لَهَا الْبُكَاءُ ... عَلَى سَمْحٍ سَجِيَّتُهُ
الْحَيَاءُ [1]
عَلَى سَهْلِ الْخَلِيقَةِ أبْطَحيٍّ ... كَرِيمِ الْخِيمِ نِيَّتُهُ
الْعَلَاءُ [2]
عَلَى الْفَيَّاضِ شَيْبَةَ ذِي الْمَعَالِي ... أَبِيكِ الْخَيْرِ لَيْسَ
لَهُ كِفَاءُ [3]
طَوِيلِ الْبَاعِ أَمْلَسَ شَيْظميٌّ ... أَغَرَّ كَأَنَّ غُرَّتَهُ
ضِيَاءُ [4]
أَقَبِّ الْكَشْحِ أَرُوعَ ذِي فُضُولٍ ... لَهُ الْمَجْدُ الْمُقَدَّمُ
وَالسَّنَاءُ [5]
أَبِيِّ الضَّيْمِ أَبْلَجَ هِبْرَزِيٌّ ... قَدِيمِ الْمَجْدِ لَيْسَ لَهُ
[6] خَفَا
وَمَعْقِلِ مَالِكٍ وَرَبِيعِ فِهْرٍ ... وَفَاصِلِهَا [7] إذَا اُلْتُمِسَ
الْقَضَاءُ
وَكَانَ هُوَ الْفَتَى كَرَمًا وَجُودًا ... وَبَأْسًا حَيْنَ تَنْسَكِبُ
الدِّمَاءُ
إذَا هَابَ الْكُمَاةُ الْمَوْتَ حَتَّى ... كَأَنَّ قُلُوبَ أَكْثَرِهِمْ
هَوَاءُ [8]
مَضَى قُدُمًا بِذِي رُبَدٍ خَشِيبٍ [9] ... عَلَيْهِ حَيْنَ تُبْصِرهُ
الْبَهَاءُ [10]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ أَشَارَ بِرَأْسِهِ وَقَدْ أَصْمَتَ [11] : أَنَّ
هَكَذَا فَابْكِينَنِي.
__________
[1] السجية: الطبيعة.
[2] أَي من قُرَيْش البطاح: وهم الَّذين ينزلون بَين أخشبى مَكَّة.
[3] الكفاء: الْمثل.
[4] الشيظمى: الْمَقُول الفصيح.
[5] الأقب: الضامر الْبَطن. والكشح: الخصر. والأروع: الّذي يُعْجِبك بحسنة،
ومنظره وشجاعته.
[6] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بِهِ» .
[7] كَذَا فِي أ. والفاصل: الّذي يفصل فِي الْخُصُومَات. وَفِي سَائِر
الْأُصُول: «وفاضلها» بالضاد الْمُعْجَمَة، وَمَا أَثْبَتْنَاهُ أولى
للسياق.
[8] الكماة: الشجعان، واحدهم: كمي.
[9] الربد (كصرد) الفرند. والخشيب: الصَّقِيل.
[10] ويروى: «الهباء» . يُرِيد بِهِ مَا يظْهر على السَّيْف المجوهر
تَشْبِيها بالغبار.
[11] أصمت العليل: اعتقل لِسَانه.
(1/173)
(نَسَبُ الْمُسَيِّبِ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: [وَ] [1] الْمُسَيِّبُ [2] بْنُ حَزْنِ [3] بْنِ
أَبِي وَهْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ.
(رِثَاءُ حُذَيْفَةَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ [4] حُذَيْفَةُ [5] بْنُ غَانِمٍ أَخُو
بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ يَبْكِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ
هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَيَذْكُرُ فَضْلَهُ وَفَضْلَ قُصَيٍّ عَلَى
قُرَيْشٍ، وَفَضْلَ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ
أُخِذَ بِغُرْمِ أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ بِمَكَّةَ، فَوَقَفَ بِهَا
فَمَرَّ بِهِ أَبُو لَهَبٍ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
فَافْتَكَّهُ:
أَعَيْنِيَّ جُودَا بِالدُّمُوعِ عَلَى الصَّدْرِ ... وَلَا تَسْأَمَا
أُسْقِيتُمَا سَبَلَ الْقَطْرِ [6]
وَجُودَا بِدَمْعٍ وَاسْفَحَا كُلَّ شَارِقٍ ... بُكَاءَ امْرِئٍ لَمْ
يُشْوِهِ نَائِبُ الدَّهْرِ [7]
(وَسُحَّا وَجُمَّا وَاسْجُمَا مَا بَقِيتُمَا [8] ... عَلَى ذِي حَيَاءٍ
مِنْ قُرَيْشٍ وَذِي سِتْرِ) [9]
عَلَى رَجُلٍ جَلْدِ الْقُوَى ذِي حَفِيظَةٍ ... جَمِيلِ الْمُحَيَّا
غَيْرِ نِكْسٍ وَلَا هَذْرِ [10]
__________
[1] زِيَادَة عَن أ.
[2] أهل الْعرَاق يفتحون الْيَاء من «الْمسيب» ، وَأهل الْمَدِينَة يكسرون،
وَنقل عَن سعيد ابْنه أَنه كَانَ يَقُول: سيب الله من سيب أَبى، وَحكى
الْكسر عِيَاض وَابْن الْمَدِينِيّ.
[3] روى سعيد بن الْمسيب، قَالَ: أَرَادَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَن يُغير اسْم جدي ويسميه سهلا، فَأبى، وَقَالَ: لَا أغير اسْما
سماني بِهِ أَبى. فَمَا زَالَت تِلْكَ الحزونة فِينَا. (رَاجع شرح
الْقَامُوس مَادَّة حزن) .
[4] وَيُقَال إِن الشّعْر لحذافة بن غَانِم، وَهُوَ أَخُو حُذَيْفَة، ووالد
خَارِجَة بن حذافة، وَله يَقُول فِي هَذِه القصيدة:
فخارج إِمَّا أهلكن فَلَا تزل
[5] وَهُوَ وَالِد أَبى جهم عبيد بن حُذَيْفَة، وَهُوَ الّذي أهْدى الخميصة
لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنظر إِلَى علمهَا
فَردهَا. وَأم أَبى جهم: يسير بنت عبد الله بن أذاة بن ريَاح. وَابْن أذاة
هُوَ خَال أَبى قُحَافَة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[6] السبل: الْمَطَر.
[7] كل شارق: أَي عِنْد طُلُوع الشَّمْس كل يَوْم، وَلم يشوه: لم يخطئه.
[8] سَحا: صبا. وجما: أجمعا وأكثرا. واسجما: أسيلا.
[9] زِيَادَة عَن أ.
[10] الحفيظة: الْغَضَب مَعَ عزة. والنكس من السِّهَام: الّذي نكس فِي
الكنانة ليميزه الرَّامِي فَلَا يَأْخُذهُ لرداءته، وَقيل: الّذي انْكَسَرَ
أَعْلَاهُ فَنَكس ورد أَعْلَاهُ أَسْفَله، وَهُوَ غير جيد للرمي. والهذر:
الْكثير الْكَلَام فِي غير فَائِدَة.
(1/174)
عَلَى الْمَاجِدِ الْبُهْلُولِ ذِي
الْبَاعِ وَالنَّدَى [1] ... رَبِيعِ لؤيّ فِي المحوط وَفِي الْعسر [2]
على خير حَافٍ مِنْ مُعَدٍّ وناعل ... كريم الْمُسَمّى طَيِّبَ الْخِيمِ
وَالنَّجْرِ [3]
وَخَيْرُهُمْ أَصْلًا وَفَرْعًا وَمَعْدِنًا ... وَأَحْظَاهُمْ
بِالْمُكْرَمَاتِ وَبِالذِّكْرِ
وَأَوْلَاهُمْ بِالْمَجْدِ وَالْحِلْمِ وَالنُّهَى ... وَبِالْفَضْلِ
عِنْدَ الْمُجْحِفَاتِ مِنْ الْغُبْرِ [4]
عَلَى شَيْبَةِ الْحَمْدِ الَّذِي كَانَ وَجْهُهُ ... يُضِيءُ سَوَادَ
اللَّيْلِ كَالْقَمَرِ الْبَدْرِ
وَسَاقِي الْحَجِيجِ ثُمَّ لِلْخَيْرِ هَاشِمٍ [5] ... وَعَبْدُ مَنَافٍ
ذَلِكَ السَّيِّدُ الفِهْري [6]
طَوَى زَمزَما عِنْدَ الْمَقَامِ فَأَصْبَحَتْ ... سِقَايَتُهُ فَخْرًا
عَلَى كُلِّ ذِي فَخْرٍ
لِيَبْكِ عَلَيْهِ كُلُّ عَانٍ بِكُرْبَةٍ ... وَآلُ قُصَيٍّ مِنْ مُقِلٍّ
وَذِي وَفْرٍ [7]
بَنُوهُ سَرَاةَ كَهْلُهُمْ وَشَبَابُهُمْ ... تَفَلَّقَ عَنْهُمْ بَيْضَةُ
الطَّائِرِ الصَّقْرِ [8]
قُصَيُّ الَّذِي عَادَى كِنَانَةَ كُلَّهَا ... وَرَابَطَ بَيْتَ اللَّهِ
فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ
فَإِنْ تَكُ غَالَتْهُ الْمَنَايَا وَصَرْفُهَا ... فَقَدْ عَاشَ مَيْمُونَ
النَّقِيبَةِ وَالْأَمْرِ [9]
وَأَبْقَى رِجَالًا سَادَةً غَيْرَ عُزَّلٍ ... مَصَالِيتُ أَمْثَالَ
الرُّدَيْنِيَّةِ السُّمْرِ [10]
أَبُو عُتْبَةَ الْمُلْقَى إلَيَّ حِبَاؤُهُ ... أَغَرُّ هِجَانُ اللَّوْنِ
مِنْ نَفَرِ غُرٍّ [11]
وَحَمْزَةُ مِثْلُ الْبَدْرِ يَهْتَزُّ لِلنَّدَى ... نَقِيُّ الثِّيَابِ
وَالذِّمَامِ مِنْ الْغَدْرِ
__________
[1] البهلول: السَّيِّد.
[2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. واللهى: العطايا. وَفِي أ: «والندا» .
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «والنهى» والنهى: جمع نهية، وَهِي الْعقل.
[3] النجر: الأَصْل.
[4] المجحفات: الَّتِي تذْهب بالأموال. والغبر: السنون المقحطات
[5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «للخبز» .
[6] كَذَا فِي الْأُصُول. وَفِي شرح السِّيرَة: «الْقَهْر» بِالْقَافِ. أَي
الّذي يقهر النَّاس، فوصفه بِالْمَصْدَرِ، كَمَا تَقول: رجل عدل، أَو رجل
صَوْم، أَو رجل فطر.
[7] العاني: الْأَسير.
[8] سراة: خِيَار.
[9] النقيبة: النَّفس. وَمَيْمُون النقيبة: منجح الفعال مظفر المطالب.
[10] عزل: جمع أعزل. وَلَا يجمع أفعل على فعل، وَلَكِن جَاءَ هَكَذَا،
لِأَن الأعزل فِي مُقَابلَة الرامح، وَقد يحملون الصّفة على ضدها. وَقد
يجوز أَن يكون أجراه مجْرى «حسر» جمع حاسر، لِأَنَّهُ قريب مِنْهُ فِي
الْمَعْنى. ومصاليت: شجعان. والردينية: الرماح.
[11] الحباء: الْعَطاء. وهجان اللَّوْن: ابيض.
(1/175)
وَعَبْدُ مَنَافٍ مَاجِدٌ ذُو حَفِيظَةٍ
... وَصُولٌ لِذِي الْقُرْبَى رَحِيمٌ بِذِي [1] الصِّهْرِ
كُهُولُهُمْ خَيْرُ الكهول ونسلهم ... كتسل الْمُلُوكِ لَا تَبُورُ وَلَا
تَحَرَّى [2]
مَتَى مَا تُلَاقِي مِنْهُمْ الدَّهْرَ نَاشِئًا ... تَجِدْهُ بِإِجْرِيَّا
أَوَائِلِهِ بَجْرَى [3]
هُمْ مَلَئُوا الْبَطْحَاءَ مَجْدًا وَعِزَّةً ... إذَا اُسْتُبِقَ
الْخَيْرَاتُ فِي سَالِفِ الْعَصْرِ
وَفِيهِمْ بُنَاةٌ لِلْعُلَا وَعِمَارَةٌ ... وَعَبْدُ مَنَافٍ جَدُّهُمْ
جَابِرُ الْكَسْرِ
بِإِنْكَاحِ عَوْفٍ بِنْتَهُ لِيُجِيرَنَا ... مِنْ أَعْدَائِنَا إذْ
أَسْلَمَتْنَا بَنُو فِهْرِ
فَسِرْنَا تهامي الْبِلَادِ وَنَجْدَهَا [4] ... بِأَمْنِهِ حَتَّى خَاضَتْ
الْعِيرُ فِي الْبَحْرِ [5]
وَهُمْ حَضَرُوا وَالنَّاسُ بَادٍ فَرِيقُهُمْ ... وَلَيْسَ بِهَا إلَّا
شُيُوخُ بَنِي [6] عَمْرِو [7]
بَنَوْهَا دِيَارًا جَمَّةً وَطَوَوْا بِهَا ... بِئَارًا تَسُحُّ الْمَاءَ
مِنْ ثَبَجِ بَحْرِ [8]
لَكَيْ يَشْرَبَ الْحُجَّاجُ مِنْهَا وَغَيْرُهُمْ ... إذَا ابْتَدَرُوهَا
صُبْحَ تَابِعَةِ النَّحْرِ
__________
[1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «لذِي» .
[2] لَا تبور: لَا تهْلك. وَلَا تحرى: لَا تنقص.
[3] الإجريا (بِالْقصرِ وَالْمدّ) : الْوَجْه الّذي تَأْخُذ فِيهِ وتجرى
عَلَيْهِ.
[4] يُرِيد مَا انخفض مِنْهَا وَمَا علا.
[5] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول «بأمنة» . وَهُوَ تَصْحِيف. وَقد
قَالَ السهيليّ فِي التَّعْلِيق على هَذِه الْكَلِمَة: « ... حذف الْيَاء
من هَاء الْكِنَايَة (الضَّمِير) ضَرُورَة كَمَا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ:
سأجعل عَيْنَيْهِ لنَفسِهِ مقنعا
فِي أَبْيَات كَثِيرَة أنشدها سِيبَوَيْهٍ، وَهَذَا مَعَ حذف الْيَاء
وَالْوَاو وَبَقَاء حَرَكَة الْهَاء، فَإِن سكنت الْهَاء بعد الْحَذف،
فَهُوَ أقل فِي الِاسْتِعْمَال من نَحْو هَذَا، وأنشدوا:
نضواى مشتاقان لَهُ أرقان
وَهَذَا الّذي ذَكرْنَاهُ هُوَ فِي الْقيَاس أقوى، لِأَنَّهُ من بَاب حمل
الْوَصْل على الْوَقْف، نَحْو قَول الراجز:
لما رأى أَن لَا دعة وَلَا شبع
وَمِنْه فِي التَّنْزِيل كثير، نَحْو إِثْبَات هَاء السكت فِي الأَصْل،
وَإِثْبَات الْألف من أَنا، وَإِثْبَات ألف الفواصل نَحْو: «وتظنون باللَّه
الظنونا» . وَهَذَا الّذي ذكره سِيبَوَيْهٍ من الضَّرُورَة فِي هَاء
الْإِضْمَار إِنَّمَا هُوَ إِذا تحرّك مَا قبلهَا نَحْو: بِهِ، وَلَا يكون
فِي هَاء الْمُؤَنَّث الْبَتَّةَ لخفة الْألف، فَإِن سكن مَا قبل الْهَاء
نَحْو: فِيهِ، كَانَ الْحَذف أحسن من الْإِثْبَات.
[6] شُيُوخ بنى عَمْرو: يُرِيد بنى هَاشم، لِأَن اسْمه عَمْرو.
[7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بَنو» وَهُوَ تَحْرِيف.
[8] كَذَا فِي أ. وثبج كل شَيْء: معظمه. وَفِي سَائِر الْأُصُول: « ... ثبج
الْبَحْر» .
(1/176)
ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ تَظَلُّ رِكَابُهُمْ
... مُخَيَّسَةً [1] بَيْنَ الْأَخَاشِبِ وَالْحِجْرِ [2]
وَقِدْمًا غَنِيّنَا قَبْلَ ذَلِكَ حِقْبَةً ... وَلَا نَسْتَقِي إلَّا
بِخُمَّ أَوْ الْحَفْرِ [3]
وَهُمْ يَغْفِرُونَ الذَّنْبَ يُنْقَمُ دُونَهُ ... وَيَعْفُونَ عَنْ
قَوْلِ السَّفَاهَةِ وَالْهُجْرِ [4]
وَهُمْ جَمَعُوا حِلْفَ الْأَحَابِيشِ كلِّها ... وَهُمْ نَكَّلُوا عَنَّا
غُوَاةَ بَنِي بَكْرِ [5]
فَخَارِجَ، إمَّا أَهْلكُنَّ فَلَا تَزَلْ ... لَهُمْ شَاكِرًا حَتَّى
تُغَيَّبَ فِي الْقَبْرِ
وَلَا تَنْسَ مَا أَسُدَى ابْنُ لُبْنَى فَإِنَّهُ ... قَدْ أَسْدَى يَدًا
مَحْقُوقَةً مِنْكَ بِالشُّكْرِ [6]
وَأَنْتَ ابْنُ لُبْنَى مِنْ قُصَيٍّ إذَا انْتَمَوْا ... بِحَيْثُ
انْتَهَى قَصْدُ الْفُؤَادِ مِنْ الصَّدْرِ
وَأَنْتَ تَنَاوَلْتَ الْعُلَا فَجَمَعْتَهَا ... إلَى مَحْتِدٍ لِلْمَجْدِ
ذِي ثَبَجِ جَسْرِ [7]
سَبَقْتَ وَفُتَّ الْقَوْمَ بَذْلًا وَنَائِلًا ... وَسُدْتُ وَلَيَدًا
كُلَّ ذِي سُوْدُدِ غَمْرِ
وَأُمُّكَ سِرٌّ مِنْ خُزَاعَةَ جَوْهَرِ ... إذَا حَصَّلَ الْأَنْسَابَ
يَوْمًا ذَوُو الْخُبْرِ [8]
إلَى سَبَأِ الْأَبْطَالِ تُنَمَّى وَتَنْتَمِي ... فَأَكْرِمْ بِهَا
مَنْسُوبَةً فِي ذُرَا الزُّهْرِ
أَبُو شَمَرٍ مِنْهُمْ وَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ ... وَذُو جَدَنٍ مِنْ
قَوْمِهَا وَأَبُو الْجَبْرِ [9]
وَأَسْعَدُ قَادَ النَّاسَ عِشْرِينَ حِجَّةً ... يُؤَيَّدُ فِي تِلْكَ
الْمَوَاطِنِ بِالنَّصْرِ [10]
__________
[1] كَذَا فِي الْأُصُول. ومخيسة: مذللة. ويروى: «محبسة» والمحبسة:
المحبوسة.
[2] الأخاشب: جبال بِمَكَّة، وهما جبلان، فجمعهما على مَا يليهما.
[3] خم والحفر: اسْما بئرين. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِمَا.
[4] الهجر: الْقَبِيح من الْكَلَام الْفَاحِش.
[5] الْأَحَابِيش: أَحيَاء الفارة، انضموا إِلَى بنى لَيْث فِي محاربتهم
قُريْشًا، وَقيل: حالفوا قُريْشًا تَحت جبل يُسمى حَبَشِيًّا، فسموا بذلك.
ونكلوا: صرفُوا وزجروا.
[6] محقوقة كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «محفوفة» . (بفاءين) .
[7] الجسر: الْمَاضِي فِي أُمُوره القوى عَلَيْهَا.
[8] سر: خَالِصَة النّسَب.
[9] أَبُو شمر: مَالك. وَيُقَال لَهُ: ملك الْأَمْلَاك. وَابْنه شمر هُوَ
الّذي بنى سَمَرْقَنْد، وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ أَبَا شمر الغساني
وَالِد الْحَارِث بن أَبى شمر. وَعَمْرو بن مَالك: قد يكون عمرا ذَا
الأذعار. وَأَبُو الْجَبْر: ملك من مُلُوك الْيمن، وَيُقَال: إِن سميَّة أم
زِيَاد كَانَت لأبى جبر هَذَا، وَدفعهَا إِلَى الْحَارِث بن كلدة المتطبب
فِي طب طبه.
[10] أسعد: هُوَ أسعد أَبُو حسان بن أسعد، وَهُوَ وَمن ذكرهم فِي الْبَيْت
السَّابِق، من التبابعة، وَإِنَّمَا جعلهم مفخرا لأبى لَهب، لِأَن أمه
خزاعية من سبإ، والتبابعة كلهم من حمير بن سبإ.
12- سيرة ابْن هِشَام- 1
(1/177)
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «أُمُّكَ سِرٌّ مِنْ
خُزَاعَةَ» ، يَعْنِي أَبَا لَهَبٍ، أُمُّهُ لُبْنَى بِنْتُ هَاجِرٍ
الْخُزاَعِيِّ. وَقَوْلُهُ: «بِإِجْرِيّا أَوَائِلُهُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ
إسْحَاقَ.
(رِثَاءُ مَطْرُودٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبني عَبْدِ مَنَافٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزاَعِيُّ
يَبْكِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وبَني عَبْدِ مَنَافٍ:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُحَوِّلُ رَحْلَهُ ... هَلَّا سَأَلْتَ عَنْ
آلِ عَبْدِ مَنَافِ
هَبَلَتْكَ أُمُّكَ لَوْ حَلَلْتَ بِدَارِهِمْ ... ضَمِنُوكَ مِنْ جُرْمٍ
وَمِنْ إقْرَافِ [1]
(الْخَالِطِينَ غَنِيَّهُمْ بِفَقِيرِهِمْ ... حَتَّى يَعُودَ فَقِيرُهُمْ
كَالْكَافِي) [2]
الْمُنْعِمِينَ إذَا النُّجُومُ تَغَيَّرَتْ ... وَالظَّاعِنِينَ
لِرِحْلَةِ الْإِيلَافِ
وَالْمُطْعِمِينَ إذَا الرِّيَاحُ تَنَاوَحَتْ ... حَتَّى تَغِيبَ
الشَّمْسُ فِي الرَّجَّافِ [3]
إمَّا هَلَكْتَ أَبَا الْفِعَالِ فَمَا جَرَى ... مِنْ فَوْقِ مِثْلِكَ
عَقْدُ ذَاتِ نِطَافِ [4]
إلَّا أَبِيكَ أَخِي الْمَكَارِمِ وَحْدَهُ ... وَالْفَيْضِ مُطَّلِبٍ
أَبِي الْأَضْيَافِ [5]
(وِلَايَةُ الْعَبَّاسِ عَلَى سِقَايَةِ زَمْزَمَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [6] : فَلَمَّا هَلَكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ
هَاشِمٍ وَلِيَ زَمْزَمَ وَالسِّقَايَةَ عَلَيْهَا [7] بَعْدَهُ
الْعَبَّاسُ ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ مِنْ أَحْدَثِ
إخْوَتِهِ سِنًّا، فَلَمْ
__________
[1] هبلتك: فقدتك. وَهُوَ على جِهَة الإغراء لَا على جِهَة الدُّعَاء،
كَمَا تَقول: تربت يداك، وَلَا أَبَا لَك، وأشباههما. والإقراف: مقاربة
الهجنة. أَي منعوك من أَن تنْكح بناتك وأخواتك من لئيم فَيكون الابْن مقرفا
للؤم أَبِيه وكرم أمه، فيلحقك وصم من ذَلِك. وَنَحْو مِنْهُ قَول مهلهل:
أنْكحهَا فقدها الأراقم فِي جنب ... وَكَانَ الحباء من آدم
(أَي أنكحت لغربتها من غير كُفْء، وَذَلِكَ أَن مهلهلا نزل فِي جنب، وَهُوَ
حَيّ وضيع من مذْحج، فَخطبت ابْنَته، فَلم يسْتَطع منعهَا فَزَوجهَا،
وَكَانَ مهرهَا من أَدَم) .
[2] زِيَادَة عَن أ.
[3] تناوحت: تقابلت. والرجاف (هُنَا) : الْبَحْر.
[4] النطاف: جمع نُطْفَة، وَهِي القرط الّذي يعلق من الْأذن. هَذَا على
رِوَايَة من روى «عقد» بِكَسْر الْعين، وَمن رَوَاهُ بِفَتْح الْعين جعل
النطاف جمعا لنطفة، وَهِي المَاء الْقَلِيل الصافي.
[5] يُرِيد أَنه كَانَ لأضيافه كَالْأَبِ. وَالْعرب تَقول لكل جواد: أَبُو
الأضياف، كَمَا قَالَ مرّة بن محكان
أدعى أباهم وَلم أقرف بأمهم ... وَقد عمرت وَلم أعرف لَهُم نسبا
[6] زِيَادَة عَن أ.
[7] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَلَيْهِمَا» . وَهُوَ
تَحْرِيف.
(1/178)
تَزَلْ إلَيْهِ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ وَهِيَ بِيَدِهِ. فَأَقَرَّهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ عَلَى مَا مَضَى
مِنْ وِلَايَتِهِ، فَهِيَ إلَى آلِ الْعَبَّاسِ، بِوِلَايَةِ الْعَبَّاسِ
إيَّاهَا، إلَى (هَذَا) [1] الْيَوْمِ. |