سيرة ابن
هشام ت السقا أَوَّلُ مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ
(عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَمَا نَالَهُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي سَبِيلِ
جَهْرِهِ بِالْقُرْآنِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ
بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: اجْتَمَعَ يَوْمًا
أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا:
وَاَللَّهِ مَا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ هَذَا الْقُرْآنَ يُجْهَرُ لَهَا بِهِ
قَطُّ، فَمَنْ رَجُلٌ يُسْمِعُهُمُوهُ؟
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ [1] : أَنَا، قَالُوا: إنَّا
نَخْشَاهُمْ عَلَيْكَ، إنَّمَا نُرِيدُ رَجُلًا لَهُ عَشِيرَةٌ
يَمْنَعُونَهُ مِنْ الْقَوْمِ إنْ أَرَادُوهُ، قَالَ: دَعُونِي فَإِنَّ
اللَّهَ سَيَمْنَعُنِي. قَالَ:
فَغَدَا ابْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَتَى الْمَقَامَ فِي الضُّحَى، وَقُرَيْشٌ
فِي أَنْدِيَتِهَا، حَتَّى قَامَ عِنْدَ الْمَقَامِ ثُمَّ قَرَأَ [2] :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ
الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ 55: 1- 2 قَالَ: ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا
يَقْرَؤُهَا. قَالَ: فَتَأَمَّلُوهُ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَاذَا قَالَ
__________
[1] هُوَ عبد الله بن مَسْعُود بن عَمْرو بن عُمَيْر، عَم جُبَير بن أَبى
جُبَير، أَخُو أَبى عبيد بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ، اسْتشْهد مَعَ أَخِيه
فِي الجسر.
[2] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَقَالَ» .
(1/314)
ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ؟ قَالَ: ثُمَّ قَالُوا: إنَّهُ لَيَتْلُو بَعْضَ مَا
جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَقَامُوا إلَيْهِ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ فِي
وَجْهِهِ، وَجَعَلَ يَقْرَأُ حَتَّى بَلَغَ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ
أَنَّ يَبْلُغَ. ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى أَصْحَابِهِ وَقَدْ أَثَّرُوا فِي
وَجْهِهِ [1] ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا الَّذِي خَشِينَا عَلَيْكَ، فَقَالَ:
مَا كَانَ أَعْدَاءُ اللَّهِ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْهُمْ الْآنَ، وَلَئِنْ
شِئْتُمْ لَأُغَادِيَنَّهُمْ بِمِثْلِهَا غَدًا، قَالُوا: لَا، حَسْبُكَ،
قَدْ أَسْمَعْتَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ. |