سيرة ابن هشام ت السقا

ذِكْرُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ قَالَ:
ثُمَّ أُسْرِيَ [2] بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ مِنْ إيلِيَاء [3] ، وَقَدْ فَشَا الْإِسْلَامُ بِمَكَّةَ فِي قُرَيْشٍ، وَفِي الْقَبَائِلِ كُلِّهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَانَ مِنْ الْحَدِيثِ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ (الْبَصْرِيِّ) ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأُمِّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، مَا اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، كُلٌّ يُحَدِّثُ عَنْهُ بَعْضَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْرِهِ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِي مَسْرَاهُ، وَمَا ذُكِرَ عَنْهُ بَلَاءٌ وَتَمْحِيصٌ، وَأَمْرٌ مِنْ أَمْرِ
__________
[1] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَغَمَزُوهُ وهمزوه ... إِلَخ» .
[2] قَالَ السهيليّ: «اتّفقت الروَاة على تَسْمِيَته إسراء وَلم يسمه أحد مِنْهُم «سرى» وَإِن كَانَ أهل اللُّغَة قد قَالُوا: سرى وَأسرى، بِمَعْنى وَاحِد، فَدلَّ على أَن أهل اللُّغَة لم يحققوا الْعبارَة، وَذَلِكَ أَن الْقُرَّاء لم يَخْتَلِفُوا فِي التِّلَاوَة من قَوْله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ 17: 1. وَلم يقل: سرى، وَقَالَ: اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ 89: 4.
وَلم يقل: «يسرى» فَدلَّ على أَن «السّري» من «سريت» إِذا سرت لَيْلًا وَهِي مُؤَنّثَة تَقول: طَالَتْ سراك اللَّيْلَة والاسراء مُتَعَدٍّ فِي الْمَعْنى، وَلَكِن حذف مَفْعُوله كثيرا حَتَّى ظن أهل اللُّغَة أَنَّهُمَا بِمَعْنى وَاحِد لما رأوهما غير متعديين إِلَى مفعول فِي اللَّفْظ، وَإِنَّمَا «أَسْرى بِعَبْدِهِ 17: 1» : أَي جعل الْبراق يسرى كَمَا تَقول: أمضيته أَي جعلته يمضى. لَكِن كثر حذف الْمَفْعُول لقُوَّة الدّلَالَة عَلَيْهِ أَو للاستغناء عَن ذكره، إِذْ الْمَقْصُود بالْخبر ذكر مُحَمَّد لَا ذكر الدَّابَّة الَّتِي سَارَتْ بِهِ، وَجَاز فِي قصَّة لوط عَلَيْهِ السَّلَام أَن يُقَال لَهُ: «فَأسر بأهلك» أَي سر بهم، وَأَن يقْرَأ: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ 11: 81 بِالْقطعِ، أَي فَأسر بهم مَا يتحملون عَلَيْهِ من دَابَّة أَو نَحْوهَا، وَلم يتَصَوَّر ذَلِك فِي السّري بالنبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ لَا يجوز أَن يُقَال: «سرى بِعَبْدِهِ» بِوَجْه من الْوُجُوه، فَلذَلِك لم تأت التِّلَاوَة إِلَّا بِوَجْه وَاحِد فِي هَذِه الْقِصَّة» .
[3] إيلياء (بِكَسْر أَوله وَاللَّام وياء وَألف ممدودة) : مَدِينَة بَيت الْمُقَدّس.

(1/396)


اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) [1] فِي قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَهُدًى وَرَحْمَةٌ وَثَبَاتٌ لِمَنْ آمَنَ وَصَدَّقَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى يَقِينٍ، فَأَسْرَى بَهْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَيْفَ شَاءَ، لِيُرِيَهُ مِنْ آيَاتِهِ مَا أَرَادَ، حَتَّى عَايَنَ مَا عَايَنَ مِنْ أَمْرِهِ وَسُلْطَانِهِ الْعَظِيمِ، وَقُدْرَتِهِ الَّتِي يَصْنَعُ بِهَا مَا يُرِيدُ.

(رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ- فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ- يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُرَاقِ- وَهِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي كَانَتْ تُحْمَلُ عَلَيْهَا الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، تَضَعُ حَافِرَهَا فِي مُنْتَهَى طَرْفِهَا- فَحُمِلَ عَلَيْهَا، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ صَاحِبُهُ، يَرَى الْآيَاتِ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى انْتَهَى إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَوَجَدَ فِيهِ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ وَمُوسَى وَعِيسَى فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ جُمِعُوا لَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ. ثُمَّ أُتِيَ بِثَلَاثَةِ آنِيَةٍ، إنَاءٌ فِيهِ لَبَنٌ، وَإِنَاءٌ فِيهِ خَمْرٌ، وَإِنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ. (قَالَ) [1] .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ حِينَ عُرِضَتْ عَلَيَّ: إنْ أَخَذَ الْمَاءَ غَرِقَ وَغَرِقَتْ أُمَّتُهُ، وَإِنْ أَخَذَ الْخَمْرَ غَوَى وَغَوَتْ أُمَّتُهُ، وَإِنْ أَخَذَ اللَّبَنَ هُدِيَ وَهُدِيَتْ أُمَّتُهُ. قَالَ: فَأَخَذْتُ إنَاءَ اللَّبَنِ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هُدِيتَ وَهُدِيَتْ أُمَّتُكَ يَا مُحَمَّدُ.

(حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ، إذْ جَاءَنِي جِبْرِيلُ، فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَعُدْتُ إلَى مَضْجَعِي، فَجَاءَنِي الثَّانِيَةَ فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَعُدْتُ إلَى مَضْجَعِي، فَجَاءَنِي الثَّالِثَةَ فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ، فَأَخَذَ بِعَضُدِي، فَقُمْتُ مَعَهُ، فَخَرَجَ (بِي) [1] إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا دَابَّةٌ أَبْيَضُ، بَيْنَ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، فِي فَخِذَيْهِ جَنَاحَانِ يَحْفِزُ [2] بِهِمَا رِجْلَيْهِ، يَضَعُ يَدَهُ فِي مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَحَمَلَنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ مَعِي لَا يَفُوتُنِي وَلَا أَفُوتُهُ.
__________
[1] زِيَادَة عَن أ.
[2] يحفز: يدْفع.

(1/397)


(حَدِيثُ قَتَادَةَ عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ لِأَرْكَبَهُ شَمَسَ [1] ، فَوَضَعَ جِبْرِيلُ يَدَهُ عَلَى مَعْرَفَتِهِ [2] ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَسْتَحِي يَا بُرَاقُ [3] مِمَّا تصنع، فو الله مَا رَكِبَكَ عَبْدٌ للَّه قَبْلَ مُحَمَّدٍ أَكْرَمُ عَلَيْهِ [4] مِنْهُ. قَالَ: فَاسْتَحْيَا حَتَّى ارْفَضَّ [5] عَرَقًا، ثُمَّ قَرَّ حَتَّى رَكِبْتُهُ

(عَوْدٌ إلَى حَدِيثِ الْحَسَنِ، عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَبُ تَسْمِيَةِ أَبِي بَكْرٍ:
الصِّدِّيقَ) :
قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَضَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَهُ، حَتَّى انْتَهَى بِهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَوَجَدَ فِيهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، فَأَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ أُتِيَ بِإِنَاءَيْنِ، فِي أَحَدِهِمَا خَمْرٌ، وَفِي الْآخَرِ لَبَنٌ. قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَاءَ اللَّبَنِ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَتَرَكَ إنَاءَ الْخَمْرِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ:
هُدِيتَ لِلْفِطْرَةِ، وَهُدِيَتْ أُمَّتُكَ يَا مُحَمَّدُ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْخَمْرُ. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ. فَقَالَ أَكْثَرُ النَّاسِ: هَذَا وَاَللَّهِ الْإِمْرُ [6] الْبَيِّنُ، وَاَللَّهِ إنَّ الْعِيرَ لَتُطْرَدُ، شَهْرًا مِنْ مَكَّةَ إلَى الشَّامِ مُدْبِرَةً، وَشَهْرًا مُقْبِلَةً، أَفَيَذْهَبُ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَرْجِعُ إلَى مَكَّةَ! قَالَ: فَارْتَدَّ كَثِيرٌ مِمَّنْ كَانَ أَسْلَمَ، وَذَهَبَ النَّاسُ إلَى أَبِي بَكْرٍ،
__________
[1] يُقَال: شمس الْفرس: إِذا لم يُمكن أحدا من ظَهره وَلَا من الإسراج والإلجام، وَلَا يكَاد يسْتَقرّ.
[2] الْمعرفَة: اللَّحْم الّذي ينْبت عَلَيْهِ شعر الْعرف.
[3] قَالَ السهيليّ فِي التَّعْلِيق على شماس الْبراق وَقَول جِبْرِيل لَهُ: أما تَسْتَحي ... إِلَخ «فقد قيل فِي نفرته مَا قَالَ ابْن بطال فِي شرح الْجَامِع الصَّحِيح، قَالَ: كَانَ ذَلِك لبعد عهد الْبراق بالأنبياء وَطول الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد عَلَيْهِمَا السَّلَام. وروى غَيره فِي ذَلِك سَببا آخر، قَالَ فِي رِوَايَته فِي حَدِيث الْإِسْرَاء: قَالَ جِبْرِيل لمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين شمس بِهِ الْبراق: لَعَلَّك يَا مُحَمَّد مسست الصَّفْرَاء الْيَوْم فَأخْبرهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه مَا مَسهَا إِلَّا أَنه مر بهَا، فَقَالَ: تَبًّا لمن يعبدك من دون الله، وَمَا مَسهَا إِلَّا لذَلِك» . والصفراء: صنم بعضه من ذهب، كسرهَا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْفَتْح.
[4] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «على الله» .
[5] ارْفض: سَالَ وترشش.
[6] الإمر (بِكَسْر الْهمزَة) : العجيب الْمُنكر.

(1/398)


فَقَالُوا لَهُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ فِي صَاحِبِكَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَصَلَّى فِيهِ وَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ: إنَّكُمْ تَكْذِبُونَ عَلَيْهِ، فَقَالُوا بَلَى، هَا هُوَ ذَاكَ فِي الْمَسْجِدِ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاَللَّهِ لَئِنْ كَانَ قَالَهُ لَقَدْ صَدَقَ، فَمَا يُعْجِبُكُمْ من ذَلِك! فو الله إنَّهُ لَيُخْبِرُنِي أَنَّ الْخَبَرَ لَيَأْتِيهِ (مِنْ اللَّهِ) [1] مِنْ السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَأُصَدِّقُهُ، فَهَذَا أَبْعَدُ [2] مِمَّا تَعْجَبُونَ مِنْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَحَدَّثْتَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَنَّكَ جِئْتَ بَيْتَ [3] الْمَقْدِسِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَصِفْهُ لِي، فَإِنِّي قَدْ جِئْتُهُ- قَالَ الْحَسَنُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَرُفِعَ لِي حَتَّى نَظَرْتُ إلَيْهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِفُهُ لِأَبِي بَكْرٍ، وَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، كَلَمَّا وَصَفَ لَهُ مِنْهُ شَيْئًا، قَالَ: صَدَقْتَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، حَتَّى (إذَا) [1] انْتَهَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: وَأَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَيَوْمَئِذٍ سَمَّاهُ الصِّدِّيقَ. قَالَ الْحَسَنُ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ ارْتَدَّ عَنْ إسْلَامِهِ لِذَلِكَ: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، وَنُخَوِّفُهُمْ، فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً 17: 60.
فَهَذَا حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ.

(حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ: مَا فُقِدَ جَسَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَسْرَى بِرُوحِهِ.
__________
[1] زِيَادَة عَن أ، ط.
[2] فِي ط: «أعجب» .
[3] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أتيت الْمُقَدّس» .

(1/399)


(حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَتْ رُؤْيَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى صَادِقَةً.

(جَوَازُ أَنْ يَكُونَ الْإِسْرَاءُ رُؤْيَا) :
فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا، لِقَوْلِ الْحَسَنِ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ، قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ 17: 60، وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخَبَرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذْ قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ 37: 102 ثُمَّ مَضَى عَلَى ذَلِكَ. فَعَرَفْتُ أَنَّ الْوَحْيَ مِنْ اللَّهِ يَأْتِي الْأَنْبِيَاءَ أَيْقَاظًا وَنِيَامًا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- يَقُولُ: تَنَامُ عَيْنَايَ وَقَلْبِي يَقْظَانُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ قَدْ جَاءَهُ، وَعَايَنَ فِيهِ مَا عَايَنَ، مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، عَلَى أَيِّ حَالَيْهِ كَانَ: نَائِمًا، أَوْ يَقْظَانَ، كُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ وَصِدْقٌ.

(وَصْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ لِأَصْحَابِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى حِينَ رَآهُمْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَقَالَ:
أَمَّا إبْرَاهِيمُ، فَلَمْ أَرَ رَجُلًا أَشْبَهَ (قَطُّ) [1] بِصَاحِبِكُمْ، وَلَا صَاحِبُكُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنْهُ، وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ أَقْنَى [2] كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ [3] ، وَأَمَّا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، فَرَجُلٌ أَحْمَرُ، بَيْنَ الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ، سَبْطُ الشَّعَرِ، كَثِيرُ خِيلَانِ [4] الْوَجْهِ، كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ [5] ، تَخَالُ رَأْسَهُ يَقْطُرُ مَاءً، وَلَيْسَ بِهِ مَاءٌ، أَشْبَهُ رِجَالِكُمْ بِهِ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ.
__________
[1] زِيَادَة عَن ط.
[2] الضَّرْب من الرِّجَال: الْخَفِيف اللَّحْم. والجعد: المتكسر الشّعْر، والأقنى: الْمُرْتَفع قَصَبَة الْأنف.
[3] شنُوءَة، قَبيلَة من الأزد.
[4] الخيلان: جمع خَال، وَهُوَ الشامة السَّوْدَاء.
[5] الديماس (بِالْفَتْح وَيكسر) : الْحمام.

(1/400)


(وَصْفُ عَلِيٍّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَتْ صِفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا- ذَكَرَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إذَا نَعَتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ [1] ، وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ. وَكَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ [2] وَلَا السَّبِطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلًا [3] ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ [4] وَلَا الْمُكَلْثَمِ [5] ، وَكَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا، أَدْعَجَ [6] الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ [7] الْأَشْفَارِ، جَلِيلَ الْمُشَاشِ [8] وَالْكَتَدِ [9] ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ [10] ، أَجْرَدَ [11] شَثْنِ [12] الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إذَا مَشَى تَقَلَّعَ [13] ، كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ [14] ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [15] خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا، وَأَجْرَأُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً [16] ، وَأَوْفَى النَّاسِ ذِمَّةً [17] ، وَأَلْيَنُهُمْ
__________
[1] كَذَا فِي الْأُصُول، ويروى: «الممعط» بِالْعينِ الْمُهْملَة، والممغط والممعط: الممتد. وَقيل:
الممعط (بِالْعينِ الْمُهْملَة) : المضطرب الْخلق.
[2] القطط: الشَّديد جعودة الشّعْر.
[3] رجلا: مسرح الشّعْر.
[4] المطهم: الْعَظِيم الْجِسْم.
[5] المكلثم: المستدير الْوَجْه فِي صغر.
[6] الأدعج: الْأسود الْعَينَيْنِ.
[7] أهدب الأشفار: طويلها.
[8] المشاش: عِظَام رُءُوس المفاصل.
[9] الكتد (بِفتْحَتَيْنِ وبفتح فَكسر) : مَا بَين الْكَتِفَيْنِ.
[10] المسربة: الشّعْر الّذي يَمْتَد من الصَّدْر إِلَى السُّرَّة.
[11] الأجرد: الْقَلِيل شعر الْجِسْم.
[12] الشثن: الغليظ.
[13] تقلع: لم يثبت قَدَمَيْهِ.
[14] الصبب: مَا انحدر من الأَرْض.
[15] زِيَادَة عَن أ، ط.
[16] أصل اللهجة: طرف اللِّسَان، ويكنى بِصدق اللهجة عَن الصدْق.
[17] الذِّمَّة: الْعَهْد.
26- سيرة ابْن هِشَام- 1

(1/401)


عَرِيكَةً [1] ، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً [2] هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ عَنْ مَسْرَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ أُمِّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَاسْمُهَا هِنْدٌ، فِي مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ:
مَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا وَهُوَ فِي بَيْتِي، نَامَ [3] عِنْدِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي بَيْتِي، فَصَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ نَامَ وَنِمْنَا، فَلَمَّا كَانَ قُبَيْلَ الْفَجْرِ أَهَبَّنَا [4] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، قَالَ: يَا أُمَّ هَانِئٍ، لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَكُمْ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ كَمَا رَأَيْتِ بِهَذَا الْوَادِي، ثُمَّ جِئْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّيْتُ فِيهِ، ثُمَّ قَدْ صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْغَدَاةِ مَعَكُمْ الْآنَ كَمَا تَرَيْنَ، ثُمَّ قَامَ لِيَخْرُجَ، فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ، فَتَكَشَّفَ عَنْ بَطْنِهِ كَأَنَّهُ قُبْطِيَّةٌ [5] مَطْوِيَّةٌ، فَقُلْتُ لَهُ:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَا تُحَدِّثْ بِهَذَا النَّاسَ فَيُكَذِّبُوكَ وَيُؤْذُوكَ، قَالَ: وَاَللَّهِ لِأُحَدِّثَنَّهُمُوهُ.
قَالَتْ: فَقُلْتُ لِجَارِيَةٍ لِي حَبَشِيَّةٍ: وَيْحَكَ اتْبَعِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَسْمَعِي مَا يَقُولُ لِلنَّاسِ، وَمَا يَقُولُونَ لَهُ. فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النَّاسِ أَخْبَرَهُمْ، فَعَجِبُوا وَقَالُوا: مَا آيَةُ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَإِنَّا لَمْ نَسْمَعْ بِمِثْلِ هَذَا قَطُّ، قَالَ: آيَةُ ذَلِكَ أَنِّي مَرَرْتُ بِعِيرِ بَنِي فُلَانٍ بِوَادِي كَذَا وَكَذَا، فَأَنْفَرَهُمْ حسّ الدابّة، فندلّهم بَعِيرٌ، فَدَلَلْتُهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَا مُوَجَّهٌ إلَى الشَّامِ. ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إذَا كُنْتُ بِضَجَنَانَ [6] مَرَرْتُ بِعِيرِ بَنِي فُلَانٍ، فَوَجَدْتُ الْقَوْمَ نِيَامًا، وَلَهُمْ إنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ قَدْ غَطَّوْا عَلَيْهِ بِشَيْءِ، فَكَشَفْتُ غِطَاءَهُ وَشَرِبْتُ مَا فِيهِ،
__________
[1] العريكة (فِي الأَصْل) : لحم ظهر الْبَعِير، فَإِذا لانت سهل ركُوبه. يُرِيد أَنه أحْسنهم معاشرة.
[2] بديهة: ابْتِدَاء.
[3] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «نَائِم» .
[4] أهبنا: أيقظنا.
[5] الْقبْطِيَّة (بِالضَّمِّ وتكسر) : ثِيَاب من كتَّان تنسج بِمصْر منسوبة إِلَى القبط على غير قِيَاس.
[6] ضجنَان (بِالتَّحْرِيكِ) : جبل بِنَاحِيَة تهَامَة، وَيُقَال: هُوَ على بريد من مَكَّة. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ:
بَين ضجنَان وَمَكَّة خَمْسَة وَعِشْرُونَ ميلًا.

(1/402)


ثُمَّ غَطَّيْتُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ عِيرَهُمْ الْآنَ يَصُوبُ [1] مِنْ الْبَيْضَاءِ [2] ، ثَنِيَّةِ التَّنْعِيمِ [3] ، يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ [4] ، عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ، إحْدَاهُمَا سَوْدَاءُ، وَالْأُخْرَى بَرْقَاءُ [5] . قَالَتْ: فَابْتَدَرَ الْقَوْمُ الثَّنِيَّةَ فَلَمْ يَلْقَهُمْ أَوَّلُ مِنْ [6] الْجَمَلِ كَمَا وَصَفَ لَهُمْ، وَسَأَلُوهُمْ عَنْ الْإِنَاءِ، فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ وَضَعُوهُ مَمْلُوءًا مَاءً ثُمَّ غَطَّوْهُ، وَأَنَّهُمْ هَبُّوا فَوَجَدُوهُ مُغَطًّى كَمَا غَطَّوْهُ، وَلَمْ يَجِدُوا فِيهِ مَاءً. وَسَأَلُوا الْآخَرِينَ وَهُمْ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: صَدَقَ وَاَللَّهِ، لَقَدْ أُنْفِرْنَا فِي الْوَادِي الَّذِي ذَكَرَ، وَنَدَّ لَنَا بَعِيرٌ، فَسَمِعْنَا صَوْتَ رَجُلٍ يَدْعُونَا إلَيْهِ، حَتَّى أَخَذْنَاهُ.