سيرة ابن هشام ت السقا

بَدْءُ إسْلَامِ الْأَنْصَارِ

(رَسُولُ اللَّهِ وَرَهْطٌ مِنْ الْخَزْرَجِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إظْهَارَ دِينِهِ، وَإِعْزَازَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْجَازَ مَوْعِدِهِ لَهُ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْسِمِ الَّذِي لَقِيَهُ فِيهِ النَّفَرُ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ. فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ لَقِيَ رَهْطًا مِنْ الْخَزْرَجِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: لَمَّا لَقِيَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُمْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَفَرٌ مِنْ الْخَزْرَجِ، قَالَ: أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَفَلَا تَجْلِسُونَ أُكَلِّمُكُمْ؟
قَالُوا: بَلَى. فَجَلَسُوا مَعَهُ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ. قَالَ: وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ [1] فِي الْإِسْلَامِ، أَنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ، وَكَانُوا هُمْ أَهْلَ شِرْكٍ وَأَصْحَابَ أَوْثَانٍ، وَكَانُوا قَدْ غَزَوْهُمْ [2] بِبِلَادِهِمْ، فَكَانُوا إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ قَالُوا لَهُمْ: إنَّ
__________
[1] كَذَا فِي ط، فِي أ: «مِمَّا صنع الله بِهِ فِي الْإِسْلَام» ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مِمَّا صنع الله لَهُم بِهِ فِي الْإِسْلَام» .
[2] كَذَا فِي الْأُصُول ولعلها محرفة عَن «عزوهم» بتَشْديد الزاى أَي غلبوهم.

(1/428)


نَبِيًّا مَبْعُوثٌ الْآنَ، قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ، نَتَّبِعُهُ فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ. فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَرَ، وَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: يَا قَوْمِ، تَعْلَمُوا وَاَللَّهِ إنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي تَوَعَّدَكُمْ بِهِ يَهُودُ، فَلَا تَسْبِقُنَّكُمْ إلَيْهِ.
فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ، بِأَنْ صَدَّقُوهُ وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَقَالُوا: إنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا، وَلَا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ، فَعَسَى أَنْ يَجْمَعَهُمْ اللَّهُ بِكَ، فَسَنَقْدَمُ عَلَيْهِمْ، فَنَدْعُوهُمْ إلَى أَمْرِكَ، وَتَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَجَبْنَاكَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ، فَإِنْ يَجْمَعْهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَا رَجُلَ أَعَزُّ مِنْكَ.
ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ، وَقَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا.

(أَسَمَاءُ الرَّهْطِ الْخَزْرَجِيِّينَ الَّذِينَ الْتَقَوْا بِالرَّسُولِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهُمْ- فِيمَا ذُكِرَ لِي-: سِتَّةُ نَفَرٍ مِنْ الْخَزْرَجِ، مِنْهُمْ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ- وَهُوَ تَيْمُ اللَّهِ- ثُمَّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ: أَسْعَدُ [1] بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ، وَعَوْفُ [2] بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَعَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ [3] بْنِ غَنْمِ ابْن مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ ابْن غَضْبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ: رَافِعُ [4] بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ.
__________
[1] كَانَ أسعد نَقِيبًا، شهد الْعقبَة الأولى وَالثَّانيَِة، وَبَايع فيهمَا. وَيُقَال: إِنَّه أول من بَايع النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْعقبَة. وَمَات قبل بدر، أَخَذته الذبْحَة وَالْمَسْجِد يبْنى، فكواه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَات فِي تِلْكَ الْأَيَّام. (رَاجع الِاسْتِيعَاب)
[2] شهد عَوْف بَدْرًا مَعَ أَخَوَيْهِ معَاذ ومعوذ. وَقتل هُوَ ومعوذ شهيدين يَوْم بدر (رَاجع الِاسْتِيعَاب)
[3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والاستيعاب وَفِي أ: «وعفراء ابْنة عبيد بن ثَعْلَبَة بن غنم»
[4] يكنى رَافع: أَبَا مَالك، وَقيل: أَبُو رِفَاعَة. وَهُوَ نقيب بَدْرِي، شهد الْعقبَة الأولى وَالثَّانيَِة،

(1/429)


قَالَ [1] ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَامِرُ بْنُ الْأَزْرَقِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ [2] بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ [3] ابْن جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: قُطْبَةُ [4] ابْن عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ، وَلَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ: غَنْمٌ [5] .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ:
عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ [6] بْنِ نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ.
وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: جَابِرُ [7] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْن رِئَابِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ.
فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ إلَى قَوْمِهِمْ ذَكَرُوا لَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى فَشَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلَّا وَفِيهَا ذِكْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
[ () ] وَشهد بَدْرًا. وَلم يذكرهُ ابْن إِسْحَاق فِي الْبَدْرِيِّينَ. وَذكر فيهم ولديه رِفَاعَة وخلادا. (رَاجع الِاسْتِيعَاب)
[1] مَكَان هَذِه الْعبارَة فِي أ، ط: بعد كلمة «الْخَزْرَج» وَقبل كلمة «رَافع»
[2] سَلمَة: بِكَسْر اللَّام، كَمَا ذكر السهيليّ. وَالنِّسْبَة إِلَيْهِم: سلمى (بِالْفَتْح)
[3] كَذَا فِي أ، وَالرَّوْض الْأنف، وَفِي جَمِيع الْأُصُول فِيمَا سَيَأْتِي وَلَا يعرف فِي الْعَرَب تزيد (بِالتَّاءِ) إِلَّا هَذَا. وتزيد بن الحاف بن قضاعة، وهم الَّذين تنْسب إِلَيْهِم الثِّيَاب التزيدية. وَفِي سَائِر الْأُصُول:
«يزِيد» بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة، وَهُوَ تَصْحِيف
[4] وَيُقَال: قُطْبَة بن عَمْرو. ويكنى أَبَا زيد. شهد الْعقبَة الأولى وَالثَّانيَِة وبدرا وأحدا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَت مَعَه راية بنى سَلمَة يَوْم الْفَتْح. وجرح يَوْم أحد تسع جراحات.
وَتوفى زمن عُثْمَان رضى الله عَنهُ. (رَاجع الِاسْتِيعَاب)
[5] تقدم عَن ابْن إِسْحَاق فِي سِيَاق قبيل «قُطْبَة» مَا يُؤَيّد مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن هِشَام
[6] شهد «عقبَة» بَدْرًا بعد شُهُوده الْعقبَة الأولى، ثمَّ شهد أحدا فَأعْلم بعصابة خضراء فِي مغْفرَة. وَلَقَد شهد الخَنْدَق وَسَائِر الْمشَاهد. وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا. (رَاجع الِاسْتِيعَاب)
[7] شهد جَابر بَدْرًا وأحدا وَالْخَنْدَق وَسَائِر الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَهُوَ أول من أسلم من الْأَنْصَار قبل الْعقبَة الأولى بعام. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) وَجَابِر هَذَا غير جَابر بن عبد الله بن عَمْرو بن حرَام الْأنْصَارِيّ الصَّحَابِيّ ابْن الصَّحَابِيّ (الزرقانى على الْمَوَاهِب)

(1/430)