سيرة ابن
هشام ت السقا غَزْوَةُ بُوَاطٍ
(يَوْمُهَا) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يُرِيدُ قُرَيْشًا.
(ابْنُ مَظْعُونٍ عَلَى الْمَدِينَةِ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ السَّائِبَ بْنَ
عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ.
(الْعَوْدَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتَّى بَلَغَ بُوَاطٍ [2] ، مِنْ نَاحِيَةِ
رَضْوَى، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَلَبِثَ
بِهَا بَقِيَّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى الْأُولَى.
غَزْوَةُ الْعَشِيرَةِ
(أَبُو سَلَمَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ) :
ثُمَّ غَزَا قُرَيْشًا، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ
بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.
(الطَّرِيقُ إلَى الْعَشِيرَةِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ، ثُمَّ عَلَى
فَيْفَاءِ الْخَبَارِ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ بِبَطْحَاءِ ابْنِ
أَزْهَرَ، يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ السَّاقِ، فَصَلَّى عِنْدَهَا. فَثَمَّ
__________
[1] قلصت: تقلصت وَلم تمض.
[2] بواط (بِفَتْح الْمُوَحدَة وَضمّهَا) : جبل من جبال جُهَيْنَة، بِقرب
يَنْبع، على أَرْبَعَة برد من الْمَدِينَة. وَقَالَ السهيليّ «وبواط: جبلان
فرعان لأصل وَاحِد، أَحدهمَا: جلسى، وَالْآخر غورى وَفِي الجلسى بَنو
دِينَار، ينسبون إِلَى دِينَار مولى عبد الْملك بن مَرْوَان» .
(1/598)
مَسْجِدُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَصُنِعَ لَهُ عِنْدَهَا طَعَامٌ، فَأَكَلَ مِنْهُ، وَأَكَلَ
النَّاسُ مَعَهُ، فَمَوْضِعُ أَثَافِيِّ الْبُرْمَةِ مَعْلُومٌ هُنَالِكَ،
وَاسْتُقِيَ لَهُ مِنْ مَاءٍ بِهِ، يُقَالُ لَهُ:
الْمُشْتَرِبُ، ثُمَّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَتَرَكَ الْخَلَائِقَ [1] بِيَسَارِ، وَسَلَكَ شُعْبَةً يُقَالُ
لَهَا: شُعْبَةُ عَبْدِ اللَّهِ، وَذَلِكَ اسْمُهَا الْيَوْمُ، ثُمَّ صَبَّ
لِلْيَسَارِ [2] حَتَّى هَبَطَ يَلَيْلَ [3] ، فَنَزَلَ بِمُجْتَمَعِهِ
وَمُجْتَمَعِ الضَّبُوعَةِ، وَاسْتَقَى مِنْ بِئْرٍ بِالضَّبُوعَةِ، ثُمَّ
سَلَكَ الْفَرْشَ: فَرْشَ مَلَلٍ، حَتَّى لَقِيَ الطَّرِيقَ بِصُحَيْرَاتِ
الْيَمَامِ، ثُمَّ اعْتَدَلَ بِهِ الطَّرِيقُ، حَتَّى نَزَلَ الْعُشَيْرَةَ
مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ. فَأَقَامَ بِهَا جُمَادَى الْأُولَى وَلَيَالِيَ
مِنْ جُمَادَى الْآخِرَة، وادع فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ
بَنِي ضَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا.
(تَكْنِيَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بِأَبِي
تُرَابٍ) :
وَفِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ قَالَ لِعَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ
السَّلَامُ مَا قَالَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْثَمٍ
الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ خَيْثَمٍ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: كُنْتُ
أَنَا وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ
الْعُشَيْرَةِ، فَلَمَّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَقَامَ بِهَا، رَأَيْنَا أُنَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجَ
يَعْمَلُونَ فِي عَيْنٍ لَهُمْ وَفِي نَخْلٍ، فَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، هَلْ لَكَ فِي أَنْ تَأْتِيَ
هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَنَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: إنْ
شِئْتَ، قَالَ: فَجِئْنَاهُمْ، فَنَظَرْنَا إلَى عَمَلِهِمْ سَاعَةً، ثُمَّ
غَشِيَنَا النَّوْمُ. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَعَلِيٌّ حَتَّى اضْطَجَعْنَا
فِي صُورٍ [4] مِنْ النَّخْلِ، وَفِي دَقْعَاءَ [5] مِنْ التُّرَاب فنمنا،
فو الله مَا أَهَبَّنَا [6] إلَّا رَسُولُ اللَّهِ،
__________
[1] قَالَ ياقوت: « ... وَكَانَ لعبد الله بن أَحْمد بن جحش أَرض يُقَال
لَهَا الْخَلَائق بنواحي الْمَدِينَة» .
[2] فِي أ: «للساد» . وَهُوَ تَحْرِيف. رَاجع شرح السِّيرَة.
[3] يليل (بتكرير الْيَاء مفتوحتين ولامين) : قَرْيَة قرب وَادي
الصَّفْرَاء من أَعمال الْمَدِينَة، وَفِيه عين كَبِيرَة تسمى: الْبحيرَة.
[4] صور النّخل: صغاره.
[5] الدقعاء: التُّرَاب اللين.
[6] أهبنا: أيقظنا.
(1/599)
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُنَا بِرِجْلِهِ. وَقَدْ
تَتَرَّبْنَا مِنْ تِلْكَ الدَّقْعَاءِ الَّتِي نِمْنَا فِيهَا،
فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مَا لَكَ يَا أَبَا تُرَابٍ [1] ؟
لِمَا يَرَى عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمَا
بِأَشْقَى النَّاسِ رَجُلَيْنِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ،
قَالَ: أُحَيْمِرُ ثَمُودٍ [2] الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ، وَاَلَّذِي
يَضْرِبُكَ يَا عَلِيُّ عَلَى هَذِهِ- وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَرْنِهِ-
حَتَّى يَبُلَّ مِنْهَا هَذِهِ. وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا سَمَّى عَلِيًّا
أَبَا تُرَابٍ، أَنَّهُ كَانَ إذَا عَتَبَ عَلَى فَاطِمَةَ فِي شَيْءٍ لَمْ
يُكَلِّمْهَا، وَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا تَكْرَهُهُ، إلَّا أَنَّهُ
يَأْخُذُ تُرَابًا فَيَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهِ. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَى عَلَيْهِ التُّرَابَ
عَرَفَ أَنَّهُ عَاتِبٌ عَلَى فَاطِمَةَ، فَيَقُولُ: مَا لَكَ يَا أَبَا
تُرَابٍ؟ فاللَّه أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ. |