سيرة ابن هشام ت السقا

مَا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، وَتَرَادَّ بَهْ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ لِمَا كَانَ فِيهِ، قَوْلُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَرْحَمُهُ اللَّهُ:
- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا وَنَقِيضَتَهَا-:
أَلَمْ تَرَ أَمْرًا كَانَ مِنْ عَجْبِ الدَّهْرِ ... وَلِلْحَيْنِ أَسِبَابٌ مُبَيَّنَةُ الْأَمْرِ [2]
__________
[1] أسلم نسطاس بعد أحد، فِيمَا يُقَال.
[2] الْحِين: الْهَلَاك.

(2/8)


وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ قَوْمًا أَفَادَهُمْ ... فَحَانُوا تَوَاصٍ بِالْعُقُوقِ وَبِالْكُفْرِ [1]
عَشِيَّةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بِجَمْعِهِمْ ... فَكَانُوا رُهُونًا لِلرَّكِيَّةِ مِنْ بَدْرِ [2]
وَكُنَّا طَلَبْنَا الْعِيرَ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا ... فَسَارُوا إِلَيْنَا فالتقنا عَلَى قَدْرِ
فَلَمَّا الْتَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مَثْنَوِيَّةٌ ... لَنَا غَيْرَ طَعْنٍ بِالْمُثَقَّفَةِ السُّمْرِ [3]
وَضَرْبٍ بِبِيضٍ يَخْتَلِي الْهَامَ حَدُّهَا ... مُشْهِرَةُ الْأَلْوَانِ بَيِّنَةُ الْأُثُرِ [4]
وَنَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَةَ الْغَيَّ ثَاوِيًا ... وَشَيْبَةَ فِي الْقَتْلَى تَجْرَجَمُ فِي الْجَفْرِ [5]
وَعَمْرٌو ثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِنْ حُمَاتِهِمْ ... فَشُقَّتْ جُيُوبُ النَّائِحَاتِ عَلَى عَمْرِو
جُيُوبُ نِسَاءٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامٍ تَفَرَّعْنَ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرِ [6]
أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتِّلُوا فِي ضَلَالِهِمْ ... وَخَلَّوْا لِوَاءً غَيْرَ مُحْتَضَرِ النَّصْرُ
لِوَاءُ ضَلَالٍ قَادَ إبْلِيسُ أَهْلَهُ ... فَخَاسَ بِهِمْ، إنَّ الْخَبِيثَ إلَى غَدْرِ [7]
وَقَالَ لَهُمْ، إذْ عَايَنَ الْأَمْرَ وَاضِحًا ... بَرِئْتُ إلَيْكُمْ مَا بِي الْيَوْمَ مِنْ صَبْرِ
فَإِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَإِنَّنِي ... أَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ وَاَللَّهُ ذُو قَسْرِ [8]
فَقَدَّمَهُمْ لِلْحَيْنِ حَتَّى تَوَرَّطُوا ... وَكَانَ بِمَا لَمْ يَخْبُرْ الْقَوْمُ ذَا خُبْرِ [9]
فَكَانُوا غَدَاةَ الْبِئْرِ أَلْفًا وَجَمْعُنَا ... ثَلَاثُ مِئِينٍ كَالْمُسْدَمَةِ الزُّهْرِ [10]
وَفِينَا جُنُودُ اللَّهِ حَيْنَ يُمِدُّنَا ... بِهِمْ فِي مَقَامٍ ثُمَّ مُسْتَوْضَحِ الذِّكْرِ [11]
فَشَدَّ بِهِمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا ... لَدَى مَأْزِقٍ فِيهِ مَنَايَاهُمْ تَجْرِي [11]
__________
[1] أفادهم: أهلكهم، يُقَال: فاد الرجل: إِذا مَاتَ. وتواص، تفَاعل، من الْوَصِيَّة، وَهُوَ الْفَاعِل للْفِعْل (أفادهم) .
[2] الرهون، جمع رهن. والركية: الْبِئْر غير المطوية.
[3] مثنوية: أَي رُجُوع وانصراف. والمثقفة: الرماح المقومة.
[4] يخْتَلى: يقطع. والهام: الرُّءُوس. والأثر (بِضَم الْهمزَة) : وشي السَّيْف وفرنده.
[5] ثاويا: مُقيما. وتجرجم: تسْقط. والحفر: الْبِئْر المتسعة.
[6] تفرعن: علون. والذوائب: الأعالي.
[7] خاس: غدر.
[8] القسر: الْقَهْر وَالْغَلَبَة.
[9] تورطوا: وَقَعُوا فِي الهلكة.
[10] المسدمة: الفحول من الْإِبِل. والزهر: الْبيض.
[11] فِي أ: «منايا بهم تجرى» .

(2/9)


فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ:
أَلَا يَا لِقَوْمِي [1] لِلصَّبَابَةِ [2] وَالْهَجْرِ ... وَلِلْحُزْنِ مِنِّي وَالْحَرَارَةِ فِي الصَّدْرِ
وَلِلدَّمْعِ مِنْ عَيْنَيَّ جُودَا كَأَنَّهُ ... فَرِيدٌ هَوَى مِنْ سِلْكِ نَاظِمِهِ يَجْرِي [3]
عَلَى الْبَطَلِ الْحُلْوِ الشَّمَائِلِ إذْ ثَوَى ... رَهِينَ مَقَامٍ لِلرَّكِيَّةِ مِنْ بَدْرِ
فَلَا تَبْعُدْنَ يَا عَمْرُو مِنْ ذِي قُرَابَةٍ ... وَمِنْ ذِي نِدَامٍ كَانَ ذَا خُلُقٍ غَمْرِ [4]
فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ صَادَفُوا مِنْكَ دَوْلَةً ... فَلَا بُدَّ لِلْأَيَّامِ مِنْ دُوَلِ الدَّهْرِ
فَقَدْ كُنْتَ فِي صَرْفِ الزَّمَانِ الَّذِي مَضَى ... تُرِيهِمْ هَوَانًا مِنْكَ ذَا سُبُلٍ وَعْرِ
فَإِلَّا أَمُتْ يَا عَمْرو أتركك ثَائِرًا ... وَلَا أُبْقِ بُقْيَا فِي إخَاءٍ وَلَا صِهْرِ [5]
وَأَقْطَعُ ظَهْرًا مِنْ رِجَالٍ بِمَعْشَرٍ ... كِرَامٍ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا قَطَعُوا ظَهْرِي
أَغَرَّهُمْ مَا جَمَّعُوا مِنْ وَشِيظَةٍ ... وَنَحْنُ الصَّمِيمُ فِي الْقَبَائِلِ مِنْ فِهْرِ [6]
فِيَالَ لُؤَيٍّ ذَبِّبُوا عَنْ حَرِيمِكُمْ ... وَآلِهَةٍ لَا تَتْرُكُوهَا لِذِي الْفَخْرِ [7]
تَوَارَثَهَا آبَاؤُكُمْ وَوَرِثْتُمْ ... أَوَاسِيَّهَا وَالْبَيْتَ ذَا السَّقْفِ وَالسِّتْرِ [8]
فَمَا لِحَلِيمٍ قَدْ أَرَادَ هَلَاكَكُمْ ... فَلَا تَعْذِرُوهُ آلَ غَالِبٍ مِنْ عُذْرٍ [9]
وَجِدُّوا لِمِنْ عَادَيْتُمْ وَتَوَازَرُوا ... وَكُونُوا جَمِيعًا فِي التَّأَسِّي وَفِي الصَّبْرِ [10]
لَعَلَّكُمْ أَنْ تَثْأَرُوا بِأَخِيكُمْ ... وَلَا شَيْءَ إنَّ لَمْ تَثْأَرُوا بِذَوِي عَمْرِو [11]
__________
[1] فِي أ: «أَلا يَا لقوم» .
[2] الصبابة: رقة الشوق.
[3] الْجُود: الْكثير: يُقَال: جَادَتْ السَّمَاء تجود جودا (بِالْفَتْح) : إِذا كثر مطرها. والفريد:
الذَّهَب والدر.
[4] كَذَا فِي أ. والغمر: الْوَاسِع الْخلق، يُقَال: رجل غمر الْخلق: إِذا كَانَ واسعها حسنها.
وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَمْرو» وَهُوَ تَحْرِيف.
[5] ثَائِر: ذُو ثأر. وَفِي أ: «ثابرا» . والثابر: الخاسر.
[6] الوشيظة: الأتباع وَمن لَيْسَ من خَالص الْقَوْم. والصميم: الخالصون فِي أَوْلِيَائِهِمْ.
[7] ذببوا: ادفعوا وامنعوا.
[8] الأواسى: جمع آسِيَة، وَهِي مَا أسس عَلَيْهِ الْبناء.
[9] غَالب (هُنَا) : اسْم قَبيلَة، وَلذَلِك لم يصرفهُ.
[10] توازروا: تعاونوا.
[11] تثأروا بأخيكم، أَي تَأْخُذُوا بثأره.

(2/10)


بِمُطَّرِدَاتِ فِي الْأَكُفِّ كَأَنَّهَا ... وَمِيضٌ تُطِيرُ الْهَامَ بَيِّنَةَ الْأُثْرِ [1]
كَأَنَّ مُدِبَّ الذَّرِّ فَوْقَ مُتُونِهَا ... إذَا جُرِّدَتْ يَوْمًا لِأَعْدَائِهَا الْخُزْرِ [2]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبْدَلْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ كَلِمَتَيْنِ مِمَّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ، وَهُمَا «الْفَخْرُ» فِي آخر الْبَيْت، و «فَمَا لِحَلِيمِ» ، فِي أَوَّلِ الْبَيْتِ، لِأَنَّهُ نَالَ فِيهِمَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يَعْرِفُهَا وَلَا نَقِيضَتَهَا، وَإِنَّمَا كَتَبْنَاهُمَا لِأَنَّهُ يُقَالُ: إنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْقَتْلَى، وَذَكَرَهُ فِي هَذَا الشِّعْرِ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَبْلَى رَسُولَهُ ... بَلَاءَ عَزِيزٍ ذِي اقْتِدَارِ وَذِي فَضْلٍ [3]
بِمَا أَنْزَلَ الْكُفَّارَ دَارَ مَذَلَّةٍ ... فَلَاقَوْا هَوَانَا مِنْ إسَارٍ وَمِنْ قَتْلِ
فَأَمْسَى رَسُولُ اللَّهِ قَدْ عَزَّ نَصْرُهُ ... وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ أُرْسِلَ بِالْعَدْلِ
فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ مِنْ اللَّهِ مُنْزَلٍ ... مُبَيَّنَةٍ آيَاتُهُ لِذَوِي الْعَقْلِ
فَآمَنَ أَقْوَامٌ بِذَاكَ وَأَيْقَنُوا ... فَأَمْسَوْا بِحَمْدِ اللَّهِ مُجْتَمِعِي الشَّمْلِ
وَأَنْكَرَ أَقْوَامٌ فَزَاغَتْ قُلُوبُهُمْ ... فَزَادَهُمْ ذُو الْعَرْشِ خَبْلًا عَلَى خَبْلُ. [4]
وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رَسُولَهُ ... وَقَوْمًا غِضَابًا فِعْلُهُمْ أَحْسَنُ الْفِعْلِ
بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا ... وَقَدْ حَادَثُوهَا بِالْجِلَاءِ وَبِالصَّقْلِ [5]
فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ نَاشِئٍ ذِي حَمِيَّةٍ ... صَرِيعًا وَمِنْ ذِي نَجْدَةٍ مِنْهُمْ كَهْلِ
__________
[1] بمطردات، أَي بسيوف مهتزات. والوميض: ضوء الْبَرْق. والهام: الرموس.
[2] الذَّر: صغَار النَّمْل. والخزر: جمع أخزر، وَهُوَ الّذي ينظر بمؤخر عينه كبرا وعجبا.
[3] أبلى: أَي من عَلَيْهِ وأنعم، وصنع لَهُ صنعا حسنا. قَالَ زُهَيْر:
فأبلى هُنَا خير الْبلَاء الّذي يبلو
[4] زاغت: مَالَتْ عَن الْحق. والخبل: الْفساد.
[5] بيض خفاف، يعْنى السيوف. وعصوا بهَا: ضربوا، يُقَال: عصيت بِالسَّيْفِ، إِذا ضربت بِهِ. وحادثوها: تعهدوها.

(2/11)


تَبِيتُ عُيُونُ النَّائِحَاتِ عَلَيْهِمْ ... تَجُودُ بِأَسْبَالِ الرَّشَاشِ وَبِالْوَبْلِ [1]
نَوَائِحَ تَنْعَى عُتْبَةَ الْغَيَّ وَابْنَهُ ... وَشَيْبَةَ تَنْعَاهُ وَتَنْعَى أَبَا جَهْلٍ
وَذَا الرَّجُلِ تَنْعَى وَابْنَ جُدْعَانَ فِيهِمْ ... مُسَلِّبَةً حَرَّى مُبَيَّنَةَ الثُّكْلِ [2]
ثَوَى [3] مِنْهُمْ فِي بِئْرِ بَدْرٍ عِصَابَةٌ ... ذَوِي نَجَدَاتٍ فِي الْحُرُوبِ وَفِي الْمَحْلِ
دَعَا الْغَيُّ مِنْهُمْ مَنْ دَعَا فَأَجَابَهُ ... وَلِلْغَيِّ أَسِبَابٌ مُرَمَّقَةُ الْوَصْلِ [4]
فَأَضْحَوْا لَدَى دَارِ الْجَحِيمِ بِمَعْزِلٍ ... عَنْ الشَّغْبِ وَالْعُدْوَانِ فِي أَشْغَلْ الشُّغْلِ [5]
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ:
عَجِبْتُ لِأَقْوَامٍ تَغَنَّى سَفِيهُهُمْ ... بِأَمْرٍ سَفَاهٍ ذِي اعْتِرَاضٍ وَذِي بُطْلٍ
تَغَنَّى بِقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ تَتَابَعُوا ... كِرَامِ الْمَسَاعِي مِنْ غُلَامٍ وَمِنْ كَهْلٍ
مَصَالِيتَ [6] بِيضٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ [7] ... مَطَاعِينَ فِي الْهَيْجَا مَطَاعِيمَ فِي الْمَحْلِ [8]
أُصِيبُوا كِرَامًا لَمْ يَبِيعُوا عَشِيرَةً ... بِقَوْمِ سِوَاهُمْ نَازِحِي الدَّارِ وَالْأَصْلِ
كَمَا أَصْبَحَتْ غَسَّانُ فِيكُمْ بِطَانَةً [9] ... لَكُمْ بَدَلًا مِنَّا فِيَا لَكَ مِنْ فِعْلِ
عُقُوقًا وَإِثْمًا بَيِّنًا وَقَطِيعَةً ... يَرَى جوركم فِيهَا ذُو والرأى وَالْعَقْلِ
فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ قَدْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخَيْرُ الْمَنَايَا مَا يَكُونُ مِنْ الْقَتْلِ
فَلَا تَفْرَحُوا أَنْ تَقْتُلُوهُمْ فَقَتْلُهُمْ ... لَكُمْ كَائِنٌ خَبْلًا مُقِيمًا عَلَى خَبْلِ
فَإِنَّكُمْ لَنْ تَبْرَحُوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ ... شَتِيتًا [10] هَوَاكُمْ غَيْرُ مُجْتَمِعِي الشَّمْلِ
__________
[1] الإسبال: الْإِرْسَال، يُقَال: أسبل دمعه، وَذَلِكَ إِذا رسله. والرشاش: الْمَطَر الضَّعِيف.
والوبل: الْكثير، واستعارها هُنَا لقَلِيل الدمع وغزيره.
[2] يُرِيد «بِذِي الرجل» : الْأسود الّذي قطع حَمْزَة رجله عِنْد الْحَوْض. والمسلبة: الَّتِي لبست السلاب، وَهِي خرقَة سَوْدَاء تلبسها الثكلى. وحرى: محرقة الْجوف من الْحزن. والثكل: الْفَقْد.
[3] فِي أ: «ترى» .
[4] مرمقة: ضَعِيفَة، من الرمق، وَهُوَ الشَّيْء الْيَسِير الضَّعِيف.
[5] الشغب: التشغيب.
[6] المصاليت: الشجعان.
[7] فِي أ: «من ذؤابة غَالب» وذؤابة كل شَيْء: أَعْلَاهُ.
[8] مطاعين، جمع مطعان، وَهُوَ الّذي يكثر الطعْن فِي الْحَرْب. والهيجاء (بِالْمدِّ، وَقصر للشعر) :
الْحَرْب. والمطاعيم: جمع مطعام، وَهُوَ الّذي يكثر الْإِطْعَام. وَالْمحل: الْقَحْط والجدب.
[9] بطانة الرجل: خاصته.
[10] الشتيت: المتفرق.

(2/12)


بِفَقْدِ ابْنِ جُدْعَانَ الْحَمِيدِ فِعَالُهُ ... وَعُتْبَةُ وَالْمَدْعُوُّ فِيكُمْ أَبَا جَهْلِ
وَشَيْبَةَ فِيهِمْ وَالْوَلِيدَ وَفِيهِمْ ... أُمَيَّةَ مَأْوَى الْمُعْتَرِينَ وَذُو الرِّجْلِ [1]
أُولَئِكَ فَابْكِ ثُمَّ لَا تَبْكِ غَيْرَهُمْ ... نَوَائِحُ تَدْعُو بِالرَّزِيَّةِ وَالثُّكْلِ
وَقُولُوا لِأَهْلِ الْمَكَّتَيْنِ تَحَاشَدُوا ... وَسِيرُوا إلَى آطَامِ يَثْرِبَ ذِي النَّخْلِ [2]
جَمِيعًا وَحَامُوا آلَ كَعْبٍ وَذَبِّبُوا ... بِخَالِصَةِ الْأَلْوَانِ مُحْدَثَةِ الصَّقْلِ [3]
وَإِلَّا فَبُيِّتُوا خَائِفِينَ وَأَصْبِحُوا ... أَذَلَّ لِوَطْءِ الْوَاطِئِينَ مِنْ النَّعْلِ
عَلَى أَنَّنِي وَاللَّاتِ يَا قَوْمُ فَاعْلَمُوا ... بِكَمْ وَاثِقٌ أَنْ لَا تُقِيمُوا عَلَى تَبْلِ [4]
سِوَى جَمْعِكُمْ لِلسَّابِغَاتِ وَلِلْقَنَا ... وَلِلْبَيْضِ وَالْبِيضِ الْقَوَاطِعِ وَالنَّبْلِ [5]
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ [6] بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، فِي يَوْمِ بَدْرٍ:
عَجِبْتُ لِفَخْرِ الْأَوْسِ وَالْحَيْنُ دَائِرٌ ... عَلَيْهِمْ غَدًا وَالدَّهْرُ فِيهِ بَصَائِرُ
وَفَخْرُ بَنِي النَّجَّارِ إنْ كَانَ مَعْشَرٌ ... أُصِيبُوا بِبَدْرٍ كُلُّهُمْ ثَمَّ صَابِرُ
فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا ... فَإِنَّا رِجَالٌ [7] بَعْدَهُمْ سَنُغَادِرُ
وَتَرْدِي بِنَا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وَسَطكُمْ ... بَنِي الْأَوْسِ حَتَّى يَشْفِي النَّفْسَ ثَائِرٌ [8]
وَوَسْطَ بَنِي النَّجَّارِ سَوْفَ نَكُرُّهَا ... لَهَا بالقنا وَالدَّار عين زَوَافِرُ [9]
فَنَتْرُكُ صَرْعَى تَعْصِبُ الطَّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا الْأَمَانِيُّ نَاصِرُ [10]
__________
[1] المعترون: المحتاجون المتعرضون للمسألة. ويروى: «المقترون» والمقتر: الْفَقِير. وَذُو الرجل: الْأسود الّذي قطع حَمْزَة رجله عِنْد الْحَوْض.
[2] مكتين: أَي مَكَّة والطائف. والآطام: جمع أَطَم، وَهُوَ الْحصن.
[3] ذببوا، أَي امنعوا وادفعوا.
[4] التبل: الْعَدَاوَة وَطلب الثأر.
[5] السابغات: الدروع.
[6] فِي م: «الْخَطِيب» وَهُوَ تَحْرِيف.
[7] فِي م: «رجَالًا» وَهُوَ تَحْرِيف.
[8] تردى: تسرع. والجرد: الْخَيل الْعتاق القصيرات الشّعْر. والعناجيج: جمع عنجوج، وَهُوَ الطَّوِيل السَّرِيع. والثائر: الطَّالِب بثأره.
[9] الزوافر: جمع زافرة، وَهِي الْحَامِلَات للثقل.
[10] تعصب: تَجْتَمِع عصائب عصائب.

(2/13)


وَتَبْكِيهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ نِسْوَةٌ ... لَهُنَّ [1] بِهَا لَيْلٌ عَنْ النَّوْمِ سَاهِرُ
وَذَلِكَ أَنَّا لَا تَزَالُ سُيُوفُنَا ... بِهِنَّ دَمٌ مِمَّنْ [2] يُحَارَبْنَ مَائِرُ [3]
فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنَّمَا ... بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدُّكُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ
وَبِالنَّفَرِ الْأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ... يُحَامُونَ فِي الَّلأْوَاءِ وَالْمَوْتُ حَاضِرُ [4]
يُعَدُّ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهِمْ ... وَيُدْعَى عَلِيٌّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ ذَاكِرُ
وَيُدْعَى أَبُو حَفْصٍ وَعُثْمَانُ مِنْهُمْ ... وَسَعْدٌ إذَا مَا كَانَ فِي الْحَرْبِ حَاضِرُ
أُولَئِكَ لَا مَنْ نَتَّجَتْ فِي دِيَارِهَا ... بَنُو الْأَوْسِ وَالنَّجَّارِ حَيْنَ تُفَاخِرُ [5]
وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا عُدَّتْ الْأَنْسَابُ كَعْبٌ وَعَامِرُ
هُمْ الطَّاعِنُونَ الْخَيْلَ فِي كُلِّ مَعْرَكٍ ... غَدَاةَ الْهِيَاجِ الْأَطْيَبُونَ الْأَكَاثِرُ [6]
فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، فَقَالَ:
عَجِبْتُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَاَللَّهُ قَادِرٌ ... عَلَى مَا أَرَادَ، لَيْسَ للَّه قَاهِرُ
قَضَى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ نُلَاقِيَ مَعْشَرًا ... بَغَوْا وَسَبِيلُ الْبَغْي بِالنَّاسِ جَائِرُ
وَقَدْ حَشَدُوا وَاسْتَنْفَرُوا مِنْ يَلِيهِمْ ... مِنْ النَّاسِ حَتَّى جَمْعُهُمْ مُتَكَاثَرُ
وَسَارَتْ إلَيْنَا لَا تُحَاوِلُ غَيْرَنَا ... بِأَجْمَعِهَا كَعْبٌ جَمِيعًا وَعَامِرُ
وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ وَالْأَوْسُ حَوْلَهُ ... لَهُ مَعْقِلٌ مِنْهُمْ عَزِيزٌ وَنَاصِرُ [7]
وَجَمْعُ بَنِي النَّجَّارِ تَحْتَ لِوَائِهِ ... يُمَشَّوْنَ [8] فِي الْمَاذِيَّ وَالنَّقْعُ ثَائِرُ [9]
فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ وَكُلٌّ مُجَاهِدٌ ... لِأَصْحَابِهِ مُسْتَبْسِلُ النَّفْسِ صَابِرُ
شَهِدْنَا بِأَنَّ اللَّهَ لَا رَبَّ غَيْرُهُ ... وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بِالْحَقِّ ظَاهِرُ
__________
[1] فِي م: «لَهُم» وَهُوَ تَحْرِيف.
[2] فِي م: «مِمَّا» .
[3] مائر: سَائل.
[4] اللأواء: الشدَّة.
[5] نتجت: ولدت
[6] فِي م، ر: «الأكابر» .
[7] المعقل: الْموضع الْمُمْتَنع.
[8] ويروى: «يميسون» . والميس: التَّبَخْتُر والاختيال.
[9] الماذي: الدروع الْبيض اللينة. وَالنَّقْع: الْغُبَار.

(2/14)


وَقَدْ عُرِّيَتْ بِيضٌ خِفَافٌ كَأَنَّهَا ... مَقَابِيسُ يُزْهِيهَا [1] لِعَيْنَيْكَ شَاهِرُ
بِهِنَّ أَبَدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَدَّدُوا ... وَكَانَ يُلَاقِي الْحَيْنَ مَنْ هُوَ فَاجِرُ [2]
فَكُبَّ أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا لِوَجْهِهِ ... وَعُتْبَةُ قَدْ غَادَرْنَهُ وَهُوَ عَاثِرُ [3]
وَشَيْبَةُ وَالتَّيْمِيُّ غَادَرْنَ فِي الْوَغَى ... وَمَا مِنْهُمْ [4] إلَّا بِذِي الْعَرْشِ كَافِرُ
فَأَمْسَوْا وَقُودَ النَّارِ فِي مُسْتَقَرِّهَا ... وَكُلُّ كَفَوْرٍ فِي جَهَنَّمَ صَائِرُ
تَلَظَّى عَلَيْهِمْ وَهِيَ قَدْ شَبَّ حَمْيُهَا ... بِزُبَرِ الْحَدِيدِ وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ [5]
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ قَالَ أَقْبِلُوا ... فَوَلَّوْا وَقَالُوا: إِنَّمَا أَنْتَ سَاحِرُ
لِأَمْرِ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَهْلَكُوا بِهِ ... وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللهُ زَاجِرُ [6]
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبْعَرَى السَّهْمِيُّ يَبْكِي قَتْلَى بدر:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِلْأَعْشَى بْنِ زُرَارَةَ بْنِ النَّبَّاشِ، أَحَدُ بَنِي أُسَيْدِ ابْن عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ:
مَاذَا عَلَى بَدْرٍ وَمَاذَا حَوْلَهُ ... مِنْ فِتْيَةٍ بِيضِ الْوُجُوهِ كِرَامٍ
تَرَكُوا نُبَيْهًا خَلْفَهُمْ وَمُنَبِّهًا ... وَابْنَيْ رَبِيعَةَ خَيْرَ خَصْمٍ فِئَامِ [7]
وَالْحَارِثَ الْفَيَّاضَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ ... كَالْبَدْرِ جَلَّى لَيْلَةَ الْإِظْلَامِ [8]
وَالْعَاصِيَ بْنَ مُنَبِّهٍ ذَا مِرَّةٍ ... رُمْحًا تَمِيمًا غَيْرَ ذِي أَوْصَامِ [9]
__________
[1] يزهيها: يستخفها ويحركها.
[2] أبدنا: أهلكنا.
[3] كَذَا فِي الْأُصُول. والعاثر: السَّاقِط. ويروى: «عافر» بِالْفَاءِ، وَهُوَ الّذي لصق بالعفر، وَهُوَ التُّرَاب.
[4] فِي أ: «وَمَا مِنْهُمَا» .
[5] تلظى: تلهّب. وشب: أوقد. وزبر الْحَدِيد (بِفَتْح الْبَاء وَسكن للشعر) : قطعه. وساجر:
موقد، يُقَال: سجرت التَّنور: إِذا أوقدته نَارا.
[6] حمه الله: قدره.
[7] الفئام: الْجَمَاعَات من النَّاس.
[8] الْفَيَّاض: الْكثير الْإِعْطَاء.
[9] الْمرة: الْقُوَّة والشدة. والتميم (هُنَا) : الطَّوِيل. والأوصام: الْعُيُوب، الْوَاحِد: وصم.

(2/15)


تَنَمَّى بَهْ أَعْرَاقُهُ وَجُدُودُهُ ... وَمَآثِرُ الْأَخْوَالِ وَالْأَعْمَامِ [1]
وَإِذَا بَكَى بَاكٍ فَأَعْوَلَ شَجْوَهُ ... فَعَلَى الرَّئِيسِ الْمَاجِدِ ابْنِ هِشَامِ [2]
حَيَّا الْإِلَهُ أَبَا الْوَلِيدِ وَرَهْطَهُ ... رَبَّ الْأَنَامِ، وَخَصَّهُمْ [3] بِسَلَامِ
فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ:
ابْكِ بَكَتْ عَيْنَاكَ ثُمَّ تَبَادَرَتْ ... بِدَمِ تُعَلُّ غُرُوبُهَا سَجَّامِ [4]
مَاذَا بَكَيْتَ بِهِ الَّذِينَ تَتَايَعُوا [5] ... هَلَّا ذَكَرْتَ مَكَارِمَ الْأَقْوَامِ
وَذَكَرْتَ مِنَّا مَاجِدًا ذَا هِمَّةٍ ... سَمْحَ الْخَلَائِقِ صَادِقَ الْإِقْدَامِ
أَعْنِي النَّبِيَّ أَخَا الْمَكَارِمِ وَالنَّدَى ... وَأَبَرَّ مَنْ يُولَى عَلَى الْإِقْسَامِ [6]
فَلِمِثْلِهِ وَلِمِثْلِ مَا يَدْعُو لَهُ ... كَانَ الْمُمَدَّحَ ثَمُّ غَيْرُ كَهَامِ [7]

(شِعْرٌ لِحَسَّانَ فِي بَدْرٍ أَيْضًا) :
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ أَيْضًا:
تَبَلَتْ فُؤَادَكَ فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةً ... تَسْقِى [8] الضَّجِيعَ بِبَارِدِ بَسَّامِ [9]
كَالْمِسْكِ تَخْلِطُهُ بِمَاءِ سَحَابَةٍ ... أَوْ عَاتِقٍ كَدَمِ الذَّبِيحِ مُدَامِ [10]
نُفُجُ الْحَقِيبَةِ بُوصُهَا مُتَنَضِّدٌ ... بَلْهَاءُ غَيْرُ وَشِيكَةِ الْأَقْسَامِ [11]
__________
[1] المآثر: جمع مأثرة، وَهِي مَا يتحدث بِهِ عَن الرجل من خير وَفعل حسن.
[2] الإعوال: رفع الصَّوْت بالبكاء. والشجو: الْحزن.
[3] فِي م: «وَخَصه» .
[4] تعل: تكَرر. مَأْخُوذ من الْعِلَل، وَهُوَ الشّرْب بعد الشّرْب. والغروب: جمع غرب. وَهُوَ مجْرى الدمع. والسجام: السَّائِل.
[5] تتايعوا، أَي ألقوا بنفسهم فِي التَّهْلُكَة.
[6] يُولى: يحلف.
[7] الكهام: الضَّعِيف.
[8] كَذَا فِي الدِّيوَان. وَفِي الْأُصُول: «تشفى» .
[9] تبلت: أسقمت. والخريدة: الْجَارِيَة الْحَسَنَة الناعمة.
[10] العاتق: الْخمر الْقَدِيمَة. قَالَ أَبُو ذَر: «وَمن رَوَاهُ بِالْكَاف، فَهُوَ أَيْضا الْخمر الْقَدِيمَة الَّتِي حمرت. والقوس إِذا قدمت واحمرت قيل لَهَا: عَاتِكَة، وَبهَا سميت الْمَرْأَة» . والمدام: اسْم من أَسمَاء الْخمر.
[11] نفج (بِالْجِيم) : مُرْتَفعَة. ويروى بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَمَعْنَاهُ: متسعة، وَالْأول أحسن. والحقيبة:

(2/16)


بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمَّ كَأَنَّهُ ... فُضُلًا إذَا قَعَدَتْ مَدَاكُ رُخَامِ [1]
وَتَكَادُ تكسل أَن تَجِيء فِرَاشُهَا ... فِي جِسْمِ خَرْعَبَةٍ وَحُسْنِ قَوَامِ [2]
أَمَّا النَّهَارَ فَلَا أُفَتِّرُ ذِكْرَهَا ... وَاللَّيْلُ تُوزِعُنِي بِهَا أَحْلَامِي [3]
أَقْسَمْتَ أَنْسَاهَا وَأَتْرُكُ ذِكْرَهَا ... حَتَّى تُغَيَّبَ فِي الضَّرِيحِ عِظَامِي [4]
يَا مَنْ لِعَاذِلَةٍ تَلُومُ سَفَاهَةً ... وَلَقَدْ عَصَيْتُ عَلَى الْهَوَى لُوَّامِي
بَكَرَتْ عَلَيَّ بِسُحْرَةٍ بَعْدَ الْكَرَى ... وَتَقَارُبٍ مِنْ حَادِثِ الْأَيَّامِ
زَعَمَتْ بأنّ الْمَرْء معديكرب عُمْرَهُ ... عَدَمٌ لِمُعْتَكِرٍ مِنْ الْأَصْرَامِ [5]
إنَّ كُنْتِ كَاذِبَةَ الَّذِي حَدَّتْتِنِي ... فَنَجَوْتِ مَنْجَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ
تَرَكَ الْأَحِبَّةَ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُمْ ... وَنَجَا بِرَأْسِ طِمرَّةٍ وَلِجَامِ [6]
تَذَرُ الْعَنَاجِيجُ الْجِيَادُ بِقَفْرَةٍ ... مَرَّ الدَّمُوكِ بِمُحْصَدٍ وَرِجَامِ [7]
__________
[ () ] مَا يَجعله الرَّاكِب وَرَاءه، فاستعارها هُنَا لردف الْمَرْأَة. والبوص (بِالضَّمِّ وبالفتح) : الردف. ومتنضد، أَي علا بعضه بَعْضًا، من قَوْلك: نضدت الْمَتَاع، إِذا جعلت بعضه فَوق بعض. وبلهاء: غافلة. ووشيكة.
سريعة. والأقسام (بِالْفَتْح) : جمع قسم، وَهُوَ الْيَمين، (وبالكسر) الْمصدر من أقسم.
[1] الْقطن: مَا بَين الْوَرِكَيْنِ إِلَى بعض الظّهْر. وأجم: ممتلئ بِاللَّحْمِ غَائِب الْعِظَام. والمداك: الْحجر الّذي يسحق عَلَيْهِ الطّيب.
قَالَ السهيليّ: «نصب فضلا على الْحَال، أَي كَأَن قطنها إِذا كَانَت فضلا، فَهُوَ حَال من الْهَاء فِي كَأَنَّهُ، وَإِن كَانَ الْفضل من صفة الْمَرْأَة لَا من صفة الْقطن، وَلَكِن لما كَانَ الْقطن بَعْضهَا صَار كَأَنَّهُ حَال مِنْهَا، وَلَا يجوز أَن يكون حَالا من الضَّمِير فِي «قعدت» ، لِاسْتِحَالَة أَن يعْمل مَا بعد إِذا فِيمَا قبلهَا. وَالْفضل من النِّسَاء وَالرِّجَال: المتوشح فِي ثوب وَاحِد» .
[2] الخرعبة: اللينة الْحَسَنَة الْخلق. وأصل الخرعبة: الْغُصْن الناعم.
[3] توزعني: تغريني وتولعنى.
[4] وأنساها: لَا أَنْسَاهَا الضريح: شقّ الْقَبْر، يُقَال: ضرح الأَرْض: إِذا شقها.
[5] معديكرب: يحزن، من الكرب، وَهُوَ الْحزن. وعمره، أَي مُدَّة عمره. ويروى: «يَوْمه» ، كَمَا فِي ديوَان حسان. والمعتكر: الْإِبِل الَّتِي ترجع بَعْضهَا على بعض، فَلَا يُمكن عدهَا لكثرتها. والأصرام:
جمع صرم (بِكَسْر فَفتح) ، وصرم: جمع صرمة (بِالْكَسْرِ) . وَهِي الْقطعَة من الْإِبِل.
[6] الطمرة: الْفرس الْكَثِيرَة الجرى. وَزَاد الدِّيوَان بعد هَذَا الْبَيْت:
جرداء تمزع فِي الْغُبَار كَأَنَّهَا ... سرحان غَابَ فِي ظلال غمام
[7] العناجيج: جمع عنجوج، وَهُوَ الطَّوِيل السَّرِيع. والدموك: البكرة بآلتها. والمحصد: الْحَبل الشَّديد الفتل. والرجام: حجر يرْبط فِي الدَّلْو، ليَكُون أسْرع لَهَا عِنْد إرسالها فِي الْبِئْر.
قَالَ السهيليّ: «والرجام: وَاحِد الرجامين، وهما الخشبتان اللَّتَان تلقّى عَلَيْهِمَا البكرة» .
2- سيرة ابْن هِشَام- 2

(2/17)


مَلَأَتْ بِهِ الفرجين فار مدّت بِهِ ... وَثَوَى أَحِبَّتُهُ بِشَرِّ مَقَامِ [1]
وَبَنُو أَبِيهِ وَرَهْطُهُ فِي مَعْرَكٍ ... نَصَرَ الْإِلَهُ بِهِ ذَوِي الْإِسْلَامِ
طَحَنَتْهُمْ، وَاَللَّهُ يُنْفِذُ أَمْرَهُ، ... حَرْبٌ يُشَبُّ [2] سَعِيرُهَا بِضِرَامِ [3]
لَوْلَا الْإِلَهُ وَجَرْيُهَا لَتَرَكْنَهُ ... جَزَرَ السِّبَاعِ وَدُسْنَهُ بحَوَامِي [4]
مِنْ بَيْنَ مَأْسُورٍ يُشَدُّ وَثَاقُهُ ... صَقْرٍ إذَا لَاقَى الْأَسِنَّةَ حَامِي [5]
وَمُجَدَّلٍ لَا يَسْتَجِيبُ لِدَعْوَةٍ ... حَتَّى تَزُولَ شَوَامِخُ الْأَعْلَامِ [6]
بِالْعَارِ وَالذُّلِّ الْمُبَيَّنِ إذْ [7] رَأَى ... بِيضَ السُّيُوفِ تَسُوقُ كُلَّ هُمَامِ [8]
بِيَدَيْ أَغَرَّ إذَا انْتَمَى لَمْ يُخْزِهِ ... نَسَبُ الْقِصَارِ سَمَيْدَعٍ مِقْدَامِ [9]
بِيضٌ إذَا لَاقَتْ حَدِيدًا صَمَّمَتْ ... كَالْبَرْقِ تَحْتَ ظِلَالِ كُلِّ غَمَامِ

(شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرِّدِّ عَلَى حَسَّانَ) :
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ:
اللَّهُ أَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ قِتَالَهُمْ ... حَتَّى حَبَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ مُزْبِدِ [10]
وَعَرَفْتُ أَنِّي إنْ أُقَاتِلْ وَاحِدًا ... أُقْتَلْ وَلَا يَنْكِي [11] عَدُوِّي مَشْهَدِي
فَصَدَدْتُ عَنْهُمْ وَالْأَحِبَّةُ فِيهِمْ ... طَمَعًا لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدٍ [12]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَهَا الْحَارِثُ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ يَوْمَ بَدْرٍ.
__________
[1] الفرجان (هُنَا) : مَا بَين يَديهَا وَمَا بَين رِجْلَيْهَا. وارمدت: أسرعت. وثوى: أَقَامَ
[2] كَذَا فِي أ. ويشب: يُوقد. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يشيب» .
[3] الضرام: مَا توقد بِهِ النَّار.
[4] دسنه: وطئنه، والحوامي: جمع حامية، وَهِي مَا عَن يَمِين سنبك الْفرس وشماله.
[5] رِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان:
من كل مأسور يشد صفاده ... صقر إِذا لَاقَى الكتيبة حامي
[6] المجدل: الصريع على الأَرْض. والأعلام: جمع علم، هُوَ الْجَبَل العالي.
[7] فِي م، ر: «إِذا» .
[8] الْهمام: السَّيِّد الّذي إِذا هم بِأَمْر فعله.
[9] الْقصار: الَّذين قصر سَعْيهمْ عَن طلب المكارم، وَلم يرد بهم قصار القامات. والسميدع: السَّيِّد.
[10] يُرِيد «بالأشقر» : الدَّم. والمزبد: الّذي قد علاهُ الزّبد.
[11] ينكى: يؤلم ويوجع.
[12] يُرِيد «بالأحبة» من قتل أَو أسر من رهطه وَإِخْوَته.

(2/18)


قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْ قَصِيدَةِ حَسَّانَ ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا، لِأَنَّهُ أَقْذَعَ فِيهَا [1] .

(شِعْرٌ لِحَسَّانَ فِيهَا أَيْضًا) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ ... غَدَاةَ الْأَسْرِ وَالْقَتْلِ الشَّدِيدِ
بِأَنَّا حَيْنَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... حُمَاةُ الْحَرْبِ يَوْمَ أَبِي الْوَلِيدِ [2]
قَتَلْنَا ابْنَيْ رَبِيعَةَ يَوْمَ سَارا ... إلَيْنَا فِي مُضَاعَفَةِ الْحَدِيدِ [3]
وَفَرَّ بِهَا حَكِيمٌ يَوْمَ جَالَتْ ... بَنُو النَّجَّارِ تَخْطِرُ كَالْأُسُودِ [4]
وَوَلَّتْ عِنْدَ ذَاكَ جَمُوعُ فِهْرٍ ... وَأَسْلَمَهَا الْحُوَيْرِثُ مِنْ بِعِيدِ
لَقَدْ لَاقَيْتُمْ ذُلًّا وَقَتْلًا ... جَهِيزًا نَافِذًا تَحْتَ الْوَرِيدِ [5]
وَكُلُّ الْقَوْمِ قَدْ وَلَّوْا جَمِيعًا ... وَلَمْ يَلْوُوا عَلَى الْحَسَبِ التَّلِيدِ [6]
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
يَا حَارِ قَدْ عَوَّلْتَ غَيْرَ مُعَوَّلٍ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ وَسَاعَةَ الْأَحْسَابِ [7]
إذْ تَمْتَطِي سُرُحَ الْيَدَيْنِ نَجِيبَةً ... مَرْطَى الْجِرَاءِ طَوِيلَةَ الْأَقْرَابِ [8]
وَالْقَوْمُ خَلْفَكَ قَدْ تَرَكْتَ قِتَالَهُمْ ... تَرْجُو النَّجَاءَ وَلَيْسَ حَيْنَ ذَهَابِ
__________
[1] فِي الدِّيوَان بعد هَذَا الْبَيْت خَمْسَة أَبْيَات لَا ثَلَاثَة.
[2] تشتجر: تختلط وتسشتبك. والعوالي: أعالى الرماح. وَقد ورد هَذَا الشّعْر بَين أَبْيَات سَبْعَة لِلْحَارِثِ فِي شرح الحماسة بِبَعْض اخْتِلَاف.
[3] يُرِيد «بمضاعفة الْحَدِيد» : الدروع الَّتِي ضوعف نسجها.
[4] فر، قَالَ أَبُو ذَر: من رَوَاهُ بِالْقَافِ، فَهُوَ من بَاب التَّقْرِيب، وَهُوَ فَوق الْمَشْي، وَدون الجرى. وَمن رَوَاهُ بِالْفَاءِ، فَهُوَ من الْفِرَار، وَهُوَ مَعْلُوم. وتخطر: تهتز وتتجرد فِي الْمَشْي إِلَى لِقَاء أعدائها.
[5] جهيزا: سَرِيعا، يُقَال: أجهز على الجريح، وَذَلِكَ إِذا أسْرع قَتله. والوريد: عرق فِي صفحة الْعُنُق.
[6] التليد: الْقَدِيم.
[7] عولت: عزمت. والهياج: الْحَرْب.
[8] تمتطى: تركب. وسرح الْيَدَيْنِ، أَي سريعة الْيَدَيْنِ، وَيُرِيد بهَا فرسا. والنجيبة: العتيقة.
ومرطى: سريعة: يُقَال: هُوَ يعدو المرطى: إِذا أسْرع. والجراء: الجرى. والأقراب: جمع قرب، وَهِي الخاصرة وَمَا يَليهَا.

(2/19)


أَلَّا عَطَفْتُ عَلَى ابْنِ أُمِّكَ إذْ ثَوَى [1] ... قَعْصَ الْأَسِنَّةِ ضَائِعَ الْأَسْلَابِ [2]
عَجَّلَ الْمَلِيكُ لَهُ فَأَهْلَكَ جَمْعَهُ ... بِشَنَارِ مُخْزِيَةٍ وَسُوءِ عَذَابِ [3]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا أَقْذَعَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: بَلْ قَالَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ السَّهْمِيُّ [4] :
مُسْتَشْعِرِي حَلَقِ الْمَاذِيِّ يَقْدُمُهُمْ ... جَلْدُ النَّحِيزَةِ مَاضٍ غَيْرُ رِعْدِيدِ [5]
أَعْنِي رَسُولَ إلَهِ الْخَلْقِ [6] فَضَّلَهُ ... عَلَى الْبَرِّيَّةِ بِالتَّقْوَى وَبِالْجُودِ
وَقَدْ زَعَمْتُمْ بِأَنْ تَحْمُوا ذِمَارَكُمْ ... وَمَاءُ بَدْرٍ زَعَمْتُمْ غَيْرُ مَوْرُودِ
ثُمَّ وَرَدْنَا وَلَمْ نَسْمَعْ لِقَوْلِكُمْ ... حَتَّى شَرِبْنَا رَوَاءً غَيْرَ تَصْرِيدِ [7]
مُسْتَعْصِمِينَ [8] بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ [9] ... مُسْتَحْكَمٍ مِنْ حِبَالِ اللَّهِ مَمْدُودِ
فِينَا الرَّسُولُ وَفِينَا الْحَقُّ نَتْبَعُهُ ... حَتَّى الْمَمَاتِ وَنَصْرٌ غَيْرُ مَحْدُودِ [10]
وَافٍ وَمَاضٍ شِهَابٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... بَدْرٌ أَنَارَ عَلَى كُلِّ الْأَمَاجِيدِ [11]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَيْتُهُ: «
مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ
» عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
__________
[1] فِي م، ر: «توى» « (بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة) . وتوى: هلك.
[2] القعص: الْقَتْل بِسُرْعَة. والأسلاب: جمع سلب، وَهُوَ مَا سلب من سلَاح أَو ثوب أَو غير ذَلِك.
[3] الشنار: الْعَيْب والعار.
[4] جَاءَت هَذِه القصيدة فِي ديوَان حسان منسوبة إِلَيْهِ من غير اخْتِلَاف فِي ذَلِك.
[5] يُقَال: استشعرت الثَّوْب، وَذَلِكَ إِذا لبسته على جسمك من غير حاجز، وَمِنْه: الشعار، وَهُوَ مَا ولى الْجِسْم من الثِّيَاب. والماذي: الدروع الْبيض اللينة. والنحيزة: الطبيعة والرعديد: الجبان.
[6] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الْحق» .
[7] الرواء (بِفَتْح الرَّاء) ، التملؤ من المَاء. (وبكسر الرَّاء) : جمع راو. والتصريد: تقليل الشّرْب.
[8] هَذَا الشّطْر والشطر الْأَخير من الْبَيْت السَّابِق ساقطان فِي أ.
[9] منجذم: مُنْقَطع.
[10] غير مَحْدُود، أَي غير مَمْنُوع.
[11] الأماجيد: الْأَشْرَاف.

(2/20)


خَابَتْ [1] بَنُو أَسَدٍ وَآبَ غُزِيِّهُمْ ... يَوْم القليب بسوأة وَفُضُوحِ [2]
مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِي تَجَدَّلَ مُقْعَصًا ... عَنْ ظَهْرِ صَادِقَةِ النَّجَاءِ سَبُوحِ [3]
حَيْنًا لَهُ مِنْ مَانِعٍ بِسِلَاحِهِ ... لَمَّا ثَوَى بِمَقَامِهِ الْمَذْبُوحِ
وَالْمَرْءُ زَمْعَةُ قَدْ تَرَكْنَ وَنَحْرُهُ ... يَدْمَى بِعَانِدٍ مُعْبَطٍ مَسْفُوحِ [4]
مُتَوَسِّدًا حُرَّ الْجَبِينِ مُعَفَّرًا ... قَدْ عُرَّ مَارِنُ أَنْفِهِ بِقُبُوحِ [5]
وَنَجَا ابْنُ قَيْسٍ فِي بَقِيَّةَ رَهْطِهِ ... بِشَفَا الرِّمَاقِ مُوَلِّيًا بِجُرُوحِ [6]
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَتَى أَهْلَ مَكَّةَ ... إبَارَتُنَا الْكُفَّارَ فِي سَاعَةِ الْعُسْرِ [7]
قَتَلْنَا سَرَاةَ الْقَوْمِ عِنْدَ مَجَالِنَا ... فَلَمْ يَرْجِعُوا إلَّا بِقَاصِمَةِ الظَّهْرِ [8]
قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَةَ قَبْلَهُ ... وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ وَلِلنَّحْرِ [9]
قَتَلْنَا سُوَيْدًا ثُمَّ عُتْبَةَ بَعْدَهُ ... وَطُعْمَةَ أَيْضًا عِنْدَ [10] ثَائِرَةِ الْقَتْرِ [11]
فَكَمْ قَدْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ مُرَزَّإٍ ... لَهُ حَسَبٌ فِي قَوْمِهِ نَابَهُ الذِّكْرُ
تَرَكْنَاهُمْ لِلْعَاوِيَاتِ يَنُبْنَهُمْ ... وَيَصْلَوْنَ نَارًا بَعْدُ حَامِيَةَ الْقَعْرِ [12]
__________
[1] قَالَ أَبُو ذَر: «خابت» ، من رَوَاهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، فَهُوَ من الخيبة، وَمن رَوَاهُ (حانت) بِالْحَاء الْمُهْملَة، فَهُوَ من الْحِين، وَهُوَ الْهَلَاك.
[2] الغزى: جمَاعَة الْقَوْم الَّذين يغزون.
[3] تجدل: صرع على الأَرْض. وَاسم الأَرْض: الجدالة. ومقصعا: أَي مقتولا قتلا سَرِيعا. وَيُرِيد «بصادقة النَّجَاء» » : فرسا سريعة. والنجاء: السرعة. والسبوح: الَّتِي تسبح فِي جريها كَأَنَّهَا تعوم.
[4] العاند: الّذي يجرى وَلَا يَنْقَطِع، والمعبط: الدَّم الطري. والمسفوح: السَّائِل المنصب.
[5] معفرا، أَي لاصقا بالعفر، وَهُوَ التُّرَاب. وعر: لطخ. ومارن الْأنف: مَا لَان مِنْهُ.
[6] شفا كل شَيْء: حَده وطرفه. والرماق: بَقِيَّة الْحَيَاة.
[7] إبارتنا، أَي إهلاكنا، تَقول: أبرنا الْقَوْم: أَي أهلكناهم.
[8] سراة الْقَوْم: سادتهم وخيارهم. وَيُرِيد «بقاصمة الظّهْر» : الداهية الَّتِي تقصم الظُّهُور، أَي تكسرها فتبينها. يُقَال: قَصم الشَّيْء إِذا كَسره فأبانه، فَإِذا لم يبنه قيل: فصمه (بِالْفَاءِ) .
[9] يكبو: يسْقط.
[10] فِي م، ر: «عبد» .
[11] يُرِيد «بثائرة القتر» : مَا ثار من الْغُبَار وارتفع. والقتر: الْغُبَار.
[12] العاويات: الذئاب وَالسِّبَاع. وينبنهم، أَي يأتونهم مرّة بعد مرّة. ويروى: ينشنهم، أَي يتناولنهم.

(2/21)


لَعَمْرُكَ مَا حَامَتْ فَوَارِسُ مَالِكٍ ... وَأَشْيَاعُهُمْ يَوْمَ الْتَقَيْنَا عَلَى بَدْرٍ [1]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ بَيْتَهُ:
قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَةَ قَبْلَهُ ... وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ وَلِلنَّحْرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:
نَجَّى حَكِيمًا يَوْمَ بَدْرٍ شَدُّهُ ... كَنَجَاءِ مُهْرٍ مِنْ بَنَاتِ الْأَعْوَجِ [2]
لَمَّا رَأَى بَدْرًا تَسِيلُ جِلَاهُهُ ... بِكَتِيبَةٍ خَضْرَاءَ مِنْ بَلْخَزْرَجِ [3]
لَا ينكلون إِذا لقرا [4] أَعْدَاءَهُمْ ... يَمْشُونَ عَائِدَةَ الطَّرِيقِ الْمَنْهَجِ [5]
كَمْ فِيهِمْ مِنْ مَاجِدٍ ذِي مَنْعَةٍ [6] ... بَطَلٌ بِمَهْلَكَةِ الْجَبَانِ الْمُحْرَجِ [7]
وَمُسَوَّدٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ بِكَفِّهِ ... حَمَّالَ أَثْقَالِ الدِّيَاتِ مُتَوَّجٍ
زَيْنِ النَّدِيِّ مُعَاوِدٍ يَوْمَ الْوَغَى ... ضَرْبَ الْكُمَاةِ بِكُلِّ أَبْيَضَ سَلْجَجِ [8]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ سَلْجَجُ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ أَيْضًا:
فَمَا نَخْشَى بِحَوْلِ [9] اللَّهِ قَوْمًا ... وَإِنْ كَثُرُوا وَأُجْمِعَتْ الزُّحُوفُ [10]
__________
[1] قَالَ أَبُو ذَر: «مَا حامت، من رَوَاهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، فَمَعْنَاه: جبنت. وَمن رَوَاهُ بِالْحَاء الْمُهْملَة، فَهُوَ من الحماية، أَي الِامْتِنَاع» . وَقد ورد هَذَا الشّعْر فِي ديوَان حسان طبع أوربة باخْتلَاف كثير فِي أَلْفَاظه وَبَعض أبياته عَمَّا هَاهُنَا.
[2] الشد (هُنَا) : الجرى. والأعوج: اسْم فرس مَشْهُور فِي الْجَاهِلِيَّة.
[3] الجلاه: مَا استقبلك من حُرُوف الْوَادي، الْوَاحِدَة: جلهة (بِالْفَتْح) ، وخضراء، أَي سَوْدَاء لما يعلوها من الْحَدِيد. وَالْعرب تجْعَل الْأسود أَخْضَر، فَتَقول: ليل أَخْضَر.
[4] فِي م، ر: «بقوا» بِالْبَاء الْمُوَحدَة.
[5] عَائِدَة الطَّرِيق: حَاشِيَته. والمنهج: المتسع.
[6] المنعة: الشدَّة والامتناع، ويروى: «ميعة» بِالْيَاءِ، وَهِي النشاط.
[7] المحرج: الْمضيق عَلَيْهِ.
[8] الندى: الْمجْلس، والوغى: الْحَرْب. والأبيض: السَّيْف. والسلجج: الْمَاضِي الّذي يقطع الضريبة بسهولة.
[9] فِي أ: «بِحَمْد» .
[10] الزحوف: جمع زحف، وَهِي الْجَمَاعَة تزحف إِلَى مثلهَا، أَي تسرع وتسبق.

(2/22)


إذَا مَا أَلَّبُوا جَمْعًا عَلَيْنَا ... كَفَانَا حَدَّهُمْ رَبٌّ رَءُوفٌ [1]
سَمَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالْعَوَالِي ... سِرَاعًا مَا تُضَعْضِعُنَا الْحُتُوفُ [2]
فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِي النَّاسِ أَنْكَى ... لِمَنْ عَادَوْا إذَا لَقِحَتْ كُشُوفٌ [3]
وَلَكِنَّا تَوَكَّلْنَا وَقُلْنَا ... مَآثِرُنَا وَمَعْقِلُنَا السُّيُوفُ [4]
لَقِينَاهُمْ بِهَا لَمَّا سَمَوْنَا ... وَنَحْنُ عِصَابَةٌ وَهُمْ أُلُوفٌ
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، يَهْجُو بَنِي جُمَحَ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْهُمْ:
جَمَحَتْ بَنُو جُمَحٍ لِشِقْوَةِ جَدِّهِمْ ... إنَّ الذَّلِيلَ مُوَكَّلٍ بِذَلِيلٍ [5]
قُتِلَتْ بَنُو جُمَحٍ بِبَدْرٍ عَنْوَةً ... وَتَخَاذَلُوا سَعْيًا بِكُلِّ سَبِيلٍ [6]
جَحَدُوا الْكِتَابَ وَكَذَّبُوا بِمُحَمَّدٍ ... وَاَللَّهُ يُظْهِرُ دِينَ كُلِّ رَسُولٍ
لَعَنَ الْإِلَهُ أَبَا خُزَيْمَةَ وَابْنَهُ ... وَالْخَالِدَيْنِ، وَصَاعِدَ بْنَ عَقِيلٍ

(شِعْرُ عَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي قَطْعِ رِجْلِهِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، وَفِي قَطْعِ رِجْلِهِ حَيْنَ أُصِيبَتْ، فِي مُبَارَزَتِهِ هُوَ وَحَمْزَةُ وَعَلِيٌّ حِينَ بَارَزُوا عَدُوَّهُمْ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِعُبَيْدَةَ:
سَتَبْلُغُ عَنَّا أَهْلَ مَكَّةَ وَقْعَةٌ ... يَهُبُّ لَهَا مَنْ كَانَ عَنْ ذَاكَ نَائِيًا [7]
بِعُتْبَةَ إذْ وَلَّى وَشَيْبَةُ بَعْدَهُ ... وَمَا كَانَ فِيهَا بِكْرُ عُتْبَةَ رَاضِيًا [8]
__________
[1] ألبوا: جمعُوا.
[2] مَا تضعضعنا، أَي مَا تذلنا وَلَا تنقص من شجاعتنا. والحتوف: جمع حتف، وَهُوَ الْمَوْت.
[3] لقحت: حملت. والكشوف (بِفَتْح الْكَاف) : النَّاقة الَّتِي يضْربهَا الْفَحْل فِي الْوَقْت الّذي لَا تشْتَهي فِيهِ الضراب، فاستعارها (هُنَا) للحرب. ولقحت الْحَرْب: إِذا هَاجَتْ بعد سُكُون.
[4] المآثر: جمع مأثرة، وَهِي مَا يتحدث بِهِ عَن الْإِنْسَان من خير أَو فعل حسن. والمعقل:
الْمُمْتَنع الّذي يلجأ إِلَيْهِ.
[5] جمحت، أَي ذهبت على وَجههَا فَلم ترجع. وَالْجد: الْحَظ وَالْبخْت.
[6] عنْوَة، أَي قهرا وَغَلَبَة، وَقد تكون العنوة: الطَّاعَة، فِي لُغَة هُذَيْل. قَالَ كثير:
فَمَا أسلموها عنْوَة عَن مَوَدَّة ... وَلَكِن بِحَدّ المشرفي استقالها
[7] يهب: يَسْتَيْقِظ. والنائى: الْبعيد.
[8] يُرِيد «ببكر عتبَة» : وَلَده الأول.

(2/23)


فَإِنْ تَقْطَعُوا رِجْلِي فَإِنَّى مُسْلِمٌ ... أُرَجِّي بِهَا عَيْشًا مِنْ اللَّهِ دَانِيًا
مَعَ الْحُورِ أَمْثَالَ التَّمَاثِيلِ أُخْلِصَتْ ... مَعَ الْجَنَّةِ الْعُلْيَا لِمَنْ [1] كَانَ عَالِيًا [2]
وَبِعْتُ بِهَا عَيْشًا تَعَرَّقْتُ صَفْوَهُ ... وَعَالَجْتُهُ حَتَّى فَقَدْتُ الْأَدَانِيَا [3]
فَأَكْرَمَنِي الرَّحْمَنُ مِنْ فَضْلِ مَنِّهِ ... بِئَوْبٍ مِنْ الْإِسْلَامِ غَطَّى الْمُسَاوِيَا
وَمَا كَانَ مَكْرُوهًا إلَيَّ قِتَالُهُمْ ... غَدَاةَ دَعَا الْأَكْفَاءَ مَنْ كَانَ دَاعِيًا
وَلَمْ يَبْغِ إذْ سَالُوا النَّبِيَّ سَوَاءَنَا ... ثَلَاثَتنَا حَتَّى حَضَرْنَا الْمُنَادِيَا
لَقِينَاهُمْ كَالْأُسْدِ تَخْطِرُ بِالْقَنَا ... نُقَاتِلُ فِي الرَّحْمَنِ مَنْ كَانَ عَاصِيَا
فَمَا بَرِحَتْ أَقْدَامُنَا مِنْ مَقَامِنَا ... ثَلَاثَتُنَا حَتَّى أَزِيرُوا الْمَنَائِيَا [4]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَمَّا أُصِيبَتْ رِجْلُ عَبِيدَةَ قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ أَدْرَكَ أَبُو طَالِبٍ هَذَا الْيَوْمَ لَعَلِمَ أَنِّي أَحَقُّ مِنْهُ بِمَا قَالَ حِينَ يَقُولُ:
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ يُبْزَى [5] مُحَمَّدٌ ... وَلَمَّا نُطَاعِنُ دُونَهُ وَنُنَاضِلْ
وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ ... وَنُذْهَلُ عَنْ أَبْنَائِنَا والحلائل
وَهَذَا الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.

(رِثَاءُ كَعْبٍ لِعَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا هَلَكَ عَبِيدَةُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ مُصَابِ رِجْلِهِ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ يَبْكِيهِ:
أَيَا عَيْنُ جُودِي وَلَا تَبْخَلِي ... بِدَمْعِكَ حَقَّا وَلَا تَنْزُرِي [6]
عَلَى سَيِّدٍ هَدَّنَا هُلْكُهُ ... كَرِيمِ الْمَشَاهِدِ وَالْعُنْصُرِ
__________
[1] فِي م، ر: «العلياء من ... » .
[2] التماثيل: جمع تِمْثَال، وَهِي الصُّورَة تصنع أحسن مَا يقدر عَلَيْهِ. وأخلصت: أحكم صنعها وأتقن هَذَا إِذا كَانَ مرجع الضَّمِير إِلَى التماثيل، وَإِذا رَجَعَ الضَّمِير إِلَى الْحور، فَمَعْنَاه خص بهَا. قَالَ أَبُو ذَر:
وَهُوَ أحسن.
[3] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وتعرقت (بِالْقَافِ) : مزجت، يُقَال: تعرق الشَّرَاب، إِذا مزجه، وَفِي أ: «تعرفت» .
[4] المنائيا: يُرِيد المنايا. قَالَ أَبُو ذَر: «وَقد تكون هَذِه الْهمزَة منقلبة عَن الْيَاء الزَّائِدَة. الَّتِي فِي منية.
[5] أَي لَا يبزى، أَي يقهر ويستذل. (اللِّسَان: بزا) .
[6] لَا تنزرى، أَي لَا تقللى من الدمع.

(2/24)


جَرِيءِ الْمُقَدَّمِ شَاكِي السِّلَاحِ ... كَرِيمِ النَّثَا طَيِّبِ الْمَكْسِرِ [1]
عَبِيدَةُ أَمْسَى وَلَا نَرْتَجِيهِ ... لِعُرْفٍ عَرَانَا وَلَا مُنْكِرِ
وَقَدْ كَانَ يحمى غَدَاة الْقِتَال ... حَامِيَةَ الْجَيْشِ بِالْمُبْتَرِ [2]

(شِعْرٌ لِكَعْبِ فِي بَدْرٍ) :
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا، فِي يَوْمِ بَدْرٍ:
أَلَا هَلْ أَتَى غَسَّانَ فِي نَأْيِ دَارِهَا ... وَأَخْبَرُ شَيْءٍ بِالْأُمُورِ عَلِيمُهَا
بِأَنْ قَدْ رَمَتْنَا عَنْ قِسِيٍّ عَدَاوَةٍ ... مُعَدٍّ مَعًا جُهَّالُهَا وَحَلِيمُهَا [3]
لِأَنَّا عَبَدْنَا اللَّهَ لَمْ نَرْجُ غَيْرَهُ ... رَجَاءَ الْجِنَانِ إذْ أَتَانَا زَعِيمُهَا [4]
نَبِيٌّ لَهُ فِي قَوْمِهِ إرْثُ عِزَّةٍ [5] ... وَأَعْرَاقُ صِدْقٍ هَذَّبَتْهَا أُرُومُهَا [6]
فَسَارُوا وَسِرْنَا فَالْتَقَيْنَا كَأَنَّنَا ... أُسُودُ لِقَاءٍ لَا يُرَجَّى كَلِيمُهَا [7]
ضَرَبْنَاهُمْ حَتَّى هَوَى فِي مَكَرِّنَا ... لِمَنْخِرِ [8] سَوْءٍ مِنْ لُؤَيٍّ عَظِيمُهَا
فَوَلَّوْا وَدُسْنَاهُمْ بِبِيضِ صَوَارِمِ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا حِلْفُهَا وَصَمِيمُهَا [9]
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا:
لَعَمْرُ أَبِيكُمَا يَا بَنِي لُؤَيٍّ ... عَلَى زَهْوٍ. لَدَيْكُمْ وَانْتِخَاءِ [10]
__________
[1] شاكي السِّلَاح، أَي حاد السِّلَاح. والنثا: مَا يتحدث بِهِ عَن الرجل من خير وَشر. وَطيب المكسر، أَي أَنه إِذا فتش عَن أَصله وجد خَالِصا. ويروى: «طيب المكشر» (بالشين) ، أَي طيب النكهة.
[2] يُرِيد «بالمبتر» : السَّيْف، أسم آلَة من البتر، وَهُوَ الْقطع.
[3] القسي: جمع قَوس، وَهُوَ مَعْرُوف.
[4] الزعيم: الرئيس والضامن. وَيُرِيد بِهِ هُنَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[5] فِي أ: «عزه» بِالْهَاءِ الْمُهْملَة.
[6] هذبتها: أخلصتها. والأروم: جمع أرومة، وَهِي الأَصْل.
[7] الكليم: الجريح.
[8] فِي م، ر: «لمنحر» .
[9] دسناهم: وطئناهم. والصوارم: السيوف القواطع. وحلفها، أَي من كَانَ حليفا فيهم وَلَيْسَ مِنْهُم. والصميم: الْخَالِص من الْقَوْم.
[10] الانتخاء: الْإِعْجَاب والتكبر

(2/25)


لَمَا حَامَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرٍ ... وَلَا صَبَرُوا بِهِ عِنْدَ اللِّقَاءِ [1]
وَرَدْنَاهُ بِنُورِ اللَّهِ يَجْلُو ... دُجَى الظَّلْمَاءِ عَنَّا وَالْغِطَاءِ
رَسُولُ اللَّهِ يَقْدُمُنَا بِأَمْرٍ ... مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أُحْكِمَ بِالْقَضَاءِ
فَمَا ظَفَرَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرِ ... وَمَا رَجَعُوا إلَيْكُمْ بِالسَّوَاءِ
فَلَا تَعْجَلْ أَبَا سُفْيَانَ وَارْقُبْ ... جِيَادَ الْخَيْلِ تَطْلُعُ مِنْ كَدَاءِ [2]
بِنَصْرِ اللَّهِ رُوحُ الْقُدْسِ فِيهَا ... وَمِيكَالُ، فَيَا طِيبَ الْمَلَاءِ [3]

(شِعْرُ طَالِبٍ فِي مَدْحِ الرَّسُولِ وَبُكَاءِ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ) :
وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، يَمْدَحُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ:
أَلَا إنَّ عَيْنِي أَنْفَدَتْ دَمْعَهَا سَكْبًا ... تُبَكِّي عَلَى كَعْبٍ وَمَا إنْ تَرَى كَعْبَا
أَلَا إنَّ كَعْبًا فِي الْحُرُوبِ تَخَاذَلُوا ... وَأَرْدَاهُمْ [4] ذَا الدَّهْرُ وَاجْتَرَحُوا ذَنْبًا،
وَعَامِرٌ تَبْكِي للملمّات غدْوَة ... فيا لَيْت شِعْرِي هَلْ أَرَى لَهُمَا قُرْبًا
هُمَا أَخَوَايَ لَنْ يُعَدَّا لِغَيَّةِ ... تُعَدُّ وَلَنْ يُسْتَامُ جَارُهُمَا غَصْبَا [5]
فَيَا أَخَوَيْنَا عَبْدَ شمس ونوفلا ... فدى لَكُمَا لَا تَبْعَثُوا بَيْنَنَا حَرْبًا
وَلَا تُصْبِحُوا مِنْ بَعْدِ وُدٍّ وَأُلْفَةٍ ... أَحَادِيثَ فِيهَا كُلُّكُمْ يَشْتَكِي النَّكْبَا [6]
أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... وَجَيْشِ أَبِي يَكْسُومٍ إذْ مَلَئُوا الشِّعْبَا [7]
فَلَوْلَا دِفَاعُ اللَّهِ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبًا [8]
__________
[1] حامت: امْتنعت، من الحماية، وَهِي الِامْتِنَاع.
[2] كداء. (بِفَتْح الْكَاف وَالْمدّ) : مَوضِع بِمَكَّة.
[3] الملاء، أَرَادَ الْمَلأ، وهم أَشْرَاف الْقَوْم وسادتهم.
[4] أرداهم: أهلكهم. واجترحوا: اكتسبوا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى،: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ 45: 21» .
[5] يُقَال: هُوَ لغية، إِذا كَانَ لغير أَبِيه، كَمَا يُقَال: هُوَ لرشدة، إِذا كَانَ لِأَبِيهِ.
[6] النكب: يُرِيد نكبات الدَّهْر.
[7] داحس: اسْم فرس، كَانَت حَرْب بِسَبَبِهِ. وَأَبُو يكسوم: ملك من مُلُوك الْحَبَشَة، وَقد مر حَدِيثه فِي الْجُزْء الأول من هَذَا الْكتاب.
[8] السرب (بِالْفَتْح) : الْإِبِل الراعية. والسرب (بِالْكَسْرِ) : الْقَوْم، وَيُقَال النَّفس وَمِنْه الحَدِيث:
«أصبح آمنا فِي سربه» .

(2/26)


فَمَا إنْ جَنِينا فِي قُرَيْش عَظِيمَةً ... سِوَى أَنْ حَمَيْنَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ التُّرْبَا
أَخَا ثِقَةٍ فِي النَّائِبَاتِ مُرَزَّأً ... كَرِيمًا نَثَاهُ لَا بَخِيلًا وَلَا ذَرْبًا [1]
يُطِيفُ بِهِ الْعَافُونَ يَغْشَوْنَ بَابَهُ [2] ... يَؤُمُّونَ [3] بَحْرًا لَا نَزُورًا وَلَا صربا [4]
فو الله لَا تَنْفَكُّ نَفْسِي حَزِينَةً ... تَمَلْمُلُ حَتَّى تَصْدُقُوا الْخَزْرَجَ الضَّرْبَا [5]

(شِعْرُ ضِرَارٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ) :
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ الْفِهْرِيُّ، يَرْثِي أَبَا جَهْلٍ:
أَلَا مَنْ لَعَيْنٍ بَاتَتْ اللَّيْلَ لَمْ تَنَمْ ... تُرَاقِبُ نَجْمًا فِي سَوَادٍ مِنْ [6] الظُّلَمْ
كَأَنَّ قَذًى فِيهَا وَلَيْسَ بِهَا قَذًى ... سِوَى عَبْرَةٍ مِنْ جَائِلِ الدَّمْعِ تَنْسَجِمْ [7]
فَبَلِّغْ قُرَيْشًا أَنَّ خَيْرَ نَدِيِّهَا ... وَأَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي بِسَاقٍ عَلَى قَدَمْ [8]
ثَوَى يَوْمَ بَدْرٍ رَهْنَ خَوْصَاءَ رَهْنُهَا ... كَرِيمُ الْمَسَاعِي غَيْرُ وَغْدٍ وَلَا بَرَمْ [9]
فَآلَيْتُ لَا تَنْفَكُّ [10] عَيْنَيَّ بِعَبْرَةٍ ... عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الرَّئِيسِ أَبِي الْحَكَمْ
عَلَى هَالِكٍ أَشْجَى لُؤَيَّ بْنَ غَالِبٍ ... أَتَتْهُ الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يَرِمْ [11]
تَرَى كِسَرَ الْخَطَّيَّ فِي نَحْرِ مُهْرِهِ ... لَدَى بَائِنٍ مِنْ لَحْمِهِ بَيْنَهَا خِذَمْ [12]
وَمَا كَانَ لَيْثٌ سَاكِنٌ بَطْنَ بِيشَةٍ ... لَدَى غَلَلٍ يَجْرِي بِبَطْحَاءَ فِي أَجَمْ [13]
__________
[1] الذرب. الْفَاسِد. وَمِنْه يُقَال: ذربت معدته، إِذا تَغَيَّرت.
[2] الْعَافُونَ: الطالبون للمعروف.
[3] كَذَا فِي م. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «يئوبون نَهرا» أَي يذهبون ويرجعون.
[4] النزور: الْقَلِيل. والصرب: الْمُنْقَطع.
[5] تململ، أَي لَا تَسْتَقِر على فراشها.
[6] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «مَعَ» .
[7] القذى: مَا يسْقط فِي الْعين وَفِي الشَّرَاب وَالْمَاء، وتنسجم: تنصب.
[8] الندى: الْمجْلس.
[9] الخوصاء (هُنَا) : الْبِئْر الضيقة. والوغد: الدنىء من الْقَوْم، والبرم الْبَخِيل الّذي لَا يدْخل مَعَ الْقَوْم فِي الميسر لبخله.
[10] فِي أ: لَا تنهل.
[11] أشجى: أَحْزَن، من الشجو، وَهُوَ الْحزن. وَلم يرم، أَي لم يبرح وَلم يزل.
[12] الخطى: الرماح. والخذم (بِالْخَاءِ) أَو بِالْجِيم: قطع اللَّحْم.
[13] بيشة: مَوضِع تنْسب إِلَيْهِ الْأسود، والغلل (بالغين الْمُعْجَمَة) : المَاء الْجَارِي فِي أصُول الشّجر.
والأجم: جمع أجمة، وَهِي الشّجر الملتف، وَهِي مَوضِع الْأسود.

(2/27)


بِأَجْرَأَ مِنْهُ حِينَ تَخْتَلِفُ الْقَنَا ... وَتُدْعَى نَزَالِ فِي الْقَمَاقِمَةِ الْبُهَمْ [1]
فَلَا تَجْزَعُوا آلَ الْمُغِيرَةِ وَاصْبِرُوا ... عَلَيْهِ وَمَنْ يَجْزَعْ عَلَيْهِ فَلَمْ يُلَمْ [2]
وَجِدُّوا فَإِنَّ الْمَوْتَ مَكْرُمَةٌ لَكُمْ ... وَمَا بَعْدَهُ فِي آخِرِ الْعَيْشِ مِنْ نَدَمْ
وَقَدْ قُلْتُ إنَّ الرِّيحَ طَيِّبَةٌ لَكُمْ ... وَعِزَّ الْمَقَامِ غَيْرُ شَكٍّ لِذِي فَهَمْ [3]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِضِرَارٍ.

(شِعْرُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، يَبْكِي أَخَاهُ أَبَا جَهْلٍ:
أَلَا يَا لَهْفَ نَفْسِي بَعْدَ عَمْرٍو ... وَهَلْ يُغْنِي التَّلَهُّفُ مِنْ قَتِيلِ [4]
يُخْبِرُنِي الْمُخَبِّرُ أَنَّ عَمْرًا ... أَمَامَ الْقَوْمِ فِي جَفْرٍ [5] مُحِيلِ [6]
فَقِدْمًا كُنْتُ أَحْسِبُ ذَاكَ حَقَّا ... وَأَنْتَ لِمَا تَقَدَّمَ غَيْرُ فِيلِ [7]
وَكُنْتُ بِنِعْمَةِ مَا دُمْتَ حَيًّا ... فَقَدْ خُلِّفْتُ فِي درج المسيل [8]
كأنى حِينَ أُمْسِي لَا أَرَاهُ ... ضَعِيفُ الْعَقْدِ ذُو هَمٍّ طَوِيلِ [9]
عَلَى عَمْرٍو إذَا أَمْسَيْتُ يَوْمًا ... وَطَرْفٌ مَنْ تَذَكُّرِهِ كَلِيلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامِ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَقَوْلُهُ:
«فِي جَفْرٍ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
__________
[1] القماقمة: السَّادة الكرماء، واحدهم: قمقام. والبهم: الشجعان، الْوَاحِد: بهمة.
[2] فَلم يلم، قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بِكَسْر اللَّام، فَمَعْنَاه: لم يَأْتِ بِمَا يلام عَلَيْهِ، وَمن رَوَاهُ بِفَتْح اللَّام، فَمَعْنَاه: لم يُعَاتب، من اللوم، وَهُوَ العتاب» .
[3] يُرِيد «بِطيب الرّيح» : النَّصْر. قَالَ تَعَالَى: «وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ 8: 46» .
[4] كَذَا فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر. والفتيل (بِالْفَاءِ) : الّذي يكون فِي شقّ النواة يضْرب بِهِ الْمثل فِي الشَّيْء الْقَلِيل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: «لَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا 4: 49» . وَفِي سَائِر الْأُصُول: «قَتِيل» بِالْقَافِ.
[5] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والجفر، الْبِئْر الَّتِي لَا بِنَاء لَهَا، وَفِي أ: «حفر» .
[6] الْمُحِيل: الْقَدِيم الْمُتَغَيّر.
[7] غير فيل، أَي غير فَاسد الرأى، يُقَال: رجل فيل الرأى، وفال الرأى، وفائل الرأى: إِذا كَانَ غير حسن الرأى.
[8] يُرِيد «بدرج المسيل» : موطن الذل والقهر، يُقَال: تركته درج المسيل، إِذا تركته بدار مذلة، وَهُوَ حَيْثُ لَا يقدر على الِامْتِنَاع.
[9] العقد (هُنَا) : الْعَزْم والرأى.

(2/28)


(شِعْرُ ابْنِ الْأَسْوَدِ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شُعُوبٍ اللَّيْثِيُّ، وَهُوَ شَدَّادُ ابْن الْأَسْوَدِ:
تُحَيِّي بِالسَّلَامَةِ أُمُّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ
فَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الْقَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الْكِرَامِ [1]
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الشِّيزَى تُكَلَّلُ بِالسَّنَامِ [2]
وَكَمْ لَكِ بِالطَّوِيِّ طَوِيِّ بَدْرٍ ... مِنْ الْحَوْمَاتِ وَالنَّعَمِ الْمُسَامِ [3]
وَكَمْ لَكِ بِالطَّوِيِّ طَوِيِّ بَدْرٍ ... مِنْ الْغَايَاتِ وَالدُّسُعِ الْعِظَامِ [4]
وَأَصْحَابِ الْكَرِيمِ أَبِي عَلِيٍّ ... أَخِي الْكَاسِ الْكَرِيمَةِ وَالنِّدَامِ
وَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ أَبَا عَقِيلٍ ... وَأَصْحَابَ الثَّنِيَّةِ مِنْ نَعَامِ [5]
إِذا لَظَلِلْتَ مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهِمْ ... كَأُمِّ السَّقْبِ جَائِلَةِ الْمَرَامِ [6]
يُخَبِّرُنَا الرَّسُولُ لَسَوْفَ نَحْيَا ... وَكَيْفَ لِقَاءُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ؟ [7]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّحْوِيُّ:
يُخَبِّرُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ... وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ
قَالَ: وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ.
__________
[1] القليب: الْبِئْر. والقينات: الْجَوَارِي. وَالشرب: جمَاعَة الْقَوْم الَّذين يشربون.
[2] الشيزى: جفان تصنع من خشب، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَصْحَابهَا الَّذين يطْعمُون فِيهَا. والسنام: لحم ظهر الْبَعِير
[3] الطوى: الْبِئْر المطوية بِالْحِجَارَةِ. والحومات: جمع حومة، وَهِي الْقطعَة من الْإِبِل. والمسام:
الْمُرْسل فِي المرعى، يُقَال: أسام إبِله، إِذا أرسلها ترعى دون رَاع.
[4] الدسع (هُنَا) : العطايا.
[5] الثَّنية: فُرْجَة بَين جبلين. ونعام: مَوضِع.
[6] السقب: ولد النَّاقة حِين تضعه.
[7] الأصداء: جمع صدى، وَهِي بَقِيَّة الْمَيِّت فِي قَبره، وَهِي أَيْضا طَائِر، يَقُولُونَ هُوَ ذكر البوم. والهام جمع هَامة، وَهُوَ طَائِر تزْعم الْعَرَب أَنه يخرج من رَأس الْقَتِيل إِذا قتل فَيَصِيح: اسقوني اسقوني، فَلَا يزَال يَصِيح كَذَلِك حتّى يُؤْخَذ بثأره، فَحِينَئِذٍ يسكت.

(2/29)


(شِعْرُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ فِي رِثَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ) :
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ، يَرْثِي مَنْ أُصِيبَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ:
أَلَّا بَكَيْتِ على الْكِرَام ... بَنِي الْكِرَامِ أُولِي الْمَمَادِحْ
كَبُكَا الْحمام على فروع ... الْأَيْكِ فِي الْغُصْنِ الْجَوانِحْ [1]
يبْكين حرّى مستكينا ... ت [2] يَرُحْنَ مَعَ [3] الرّوائح
أمثالهنّ الباكيات ... الْمُعْوِلَاتُ مِنْ النَّوَائِحْ [4]
مَنْ يَبْكِهِمْ يَبْكِ عَلَى ... حُزْنٍ وَيَصْدُقُ كُلَّ مَادِحْ
مَاذَا ببدر فالعقنقل ... مِنْ مَرَازِبَةٍ جَحَاجِحْ [5]
فمدافع البرقين ... فالحنان مِنْ طَرَفِ الْأَوَاشِحْ [6]
شُمْطٍ وَشُبَّانٍ بِهَا ... لَيْلٍ مَغَاوِيرَ وَحَاوِحْ [7]
أَلَا تَرَوْنَ لِمَا أَرَى ... وَلَقَدْ أَبَانَ لِكُلِّ لَامِحْ
أَنْ قَدْ تَغَيَّرَ بَطْنُ مَكَّةَ ... فَهِيَ مُوحِشَةُ الْأَبَاطِحْ
مِنْ كُلِّ بِطْرِيقٍ لِبِطْرِيقٍ ... نَقِيِّ الْقَوْنِ وَاضِحْ [8]
دعموص أَبْوَاب الْمُلُوك ... وَجَائِبٌ لِلْخَرْقِ فَاتِحْ [9]
__________
[1] الأيك: الشّجر الملتف، واحدته: أيكة. والجوانح: الموائل، يُقَال: جنح: إِذا مَال.
[2] حرى: يعْنى اللَّاتِي تجدن من الْحزن. ومستكينات: خاضعات.
[3] فِي م، ر: «من» .
[4] المعولات: الرافعات الصَّوْت بالبكاء.
[5] الْعَقَنْقَل: الْكَثِيب من الرمل المنعقد. والمرازبة: الرؤساء، الْوَاحِد: مرزبان، وَهِي كلمة أَعْجَمِيَّة. والجحاجح: السَّادة، واحدهم: جحجاح.
[6] يُرِيد «بمدافع البرقان» :: حَيْثُ ينْدَفع السَّيْل. والبرقين: مَوضِع. والحنان: الْكَثِيب من الرمل. والأواشح: مَوضِع.
[7] الشمط: الَّذين خالطهم الشيب. والبهاليل: السَّادة، الْوَاحِد: بهْلُول. والمغاوير: جمع مغوار، وَهُوَ الّذي يكثر الْغَارة. والوحاوح: جمع وحواح، وَهُوَ الْحَدِيد النَّفس.
[8] البطريق: رَئِيس الرّوم.
[9] الدعموص: دويبة تغوص فِي المَاء. يُرِيد أَنهم يكثرون الدُّخُول على الْمُلُوك. والجائب: الْقَاطِع.
والخرق: الفلاة الواسعة.

(2/30)


من السّراطمة [1] الخلاجمة ... الْمَلَاوِثَةِ الْمَنَاجِحْ [2]
الْقَائِلِينَ الْفَاعِلِينَ ... الْآمِرِينَ بِكُلِّ صَالِحْ
الْمُطْعِمِينَ الشَّحْمَ فَوْ ... قَ الْخُبْزِ شَحْمًا كَالْأَنَافِحْ [3]
نُقُلُ الجفان مَعَ الْجِفَانِ ... إلَى جِفَانٍ كَالْمَنَاضِحْ [4]
لَيْسَتْ بأصفار لمن ... يعفوه [5] وَلَا رَحَّ رَحَارِحْ [6]
لِلضَّيْفِ ثُمَّ الضَّيْفِ بَعْدَ ... [الضَّيْفِ] [7] وَالْبُسُطِ السَّلَاطِحْ [8]
وُهُبُ الْمِئيِنَ مِنْ الْمِئيِنَ ... إلَى الْمِئيِنَ مِنْ اللَّوَاقِحْ [9]
سَوْقُ الْمُؤَبَّلِ لِلْمُؤَبَّلِ ... صَادِرَاتٌ عَنْ بَلَادِحْ [10]
لكرامهم فَوق الْكِرَام ... مَزِيَّةٌ وَزْنَ الرَّوَاجِحْ
كَتَثَاقُلِ [11] الْأَرْطَالِ بِالْقِسْطَاسِ ... [12] فِي الْأَيْدِي [13] الْمَوَائِحْ [14]
خَذَلَتْهُمْ فِئَةٌ وَهُمْ ... يَحْمُونَ عَوْرَاتِ الْفَضَائِحْ
__________
[1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، والسراطمة: جمع سرطم، وَهُوَ الْوَاسِع الْحلق. وَفِي أ: «الشراظمة» .
[2] الخلاجمة: جمع خلجم، وَهُوَ الضخم الطَّوِيل. والملاوثة: جمع ملواث، وَهُوَ السَّيِّد والمناجح:
الَّذين ينجحون فِي سَعْيهمْ ويسعدون فِيهِ.
[3] الأنافح: جمع أنفحة، وَهِي شَيْء يخرج من بطن ذِي الكرش دَاخله أصفر، فَشبه بِهِ الشَّحْم،
[4] المناضح: الْحِيَاض، شبه الجفان بهَا فِي عظمها.
[5] أصفار: جمع صفر، وَهُوَ الْخَالِي من الْآنِية وَغَيرهَا. وَيَعْفُو: يقْصد طَالبا للمعروف،
[6] كَذَا فِي أ. ورح رحارح، أَي وَاسِعَة من غير عمق. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «رح وحارح» وَهُوَ تَحْرِيف.
[7] زِيَادَة عَن أ.
[8] السلاطح: الطوَال العراض.
[9] يُرِيد «باللواقح» : الْإِبِل الْحَوَامِل.
[10] المؤبل الْإِبِل الْكَثِيرَة. وصادرات: راجعات. وبلادح: مَوضِع.
[11] فِي م، ر: «كمثاقل» .
[12] القسطاس: الْمِيزَان الْكَبِير.
[13] فِي م، ر: «فِي أَيدي» .
[14] كَذَا فِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر. والموائح: الَّتِي تتمايل لثقل مَا ترفعه. وَفِي أ، ط: «الموانح» .
وَفِي سَائِر الْأُصُول: «المواتح» . وَلَا يَسْتَقِيم بهما الْمَعْنى.

(2/31)


الضَّارِبِينَ التَّقُدُمِيَّةَ ... بِالْمُهَنَّدَةِ الصَّفَائِحْ [1]
وَلَقَدْ عَنَانِي صَوْتُهُمْ ... مِنْ بَيْنِ مُسْتَسْقٍ وَصَائِحْ [2]
للَّه درّ بنى ... عليّ أَيِّمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحْ [3]
إنْ لَمْ يُغِيرُوا غَارَةً ... شَعْوَاءَ تُجْحِرُ [4] كُلَّ نابح
بالمقربات، المبعدات ... ، الطَّامِحَاتِ مَعَ الطَّوَامِحْ [5]
مُرْدًا عَلَى جُرْدٍ إلَى ... أَسَدٍ مُكَالِبَةٍ كَوَالِحْ [6]
وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ [7]
بِزُهَاءِ أَلْفٍ ثُمَّ أَلْفٍ ... بَيْنَ ذِي بَدَنٍ وَرَامِحْ [8]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ نَالَ فِيهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَنْشَدَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ بَيْتَهُ:
وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ
وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا [9] :
وُهُبُ الْمِئيِنَ مِنْ الْمِئيِنَ ... إلَى المئين من الدّواقح
سَوْقُ الْمُؤَبَّلِ لِلْمُؤَبَّلِ ... صَادِرَاتٌ عَنْ بَلَادِحْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ، يَبْكِي زَمْعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ، وَقَتْلَى بَنِي أَسَدٍ:
__________
[1] يُرِيد «بالتقدمية» التَّقَدُّم أَي يضْربُونَ متقدمين فِي أول الْجَيْش. والمهند: السيوف المطبوعة من حَدِيد الْهِنْد، الْوَاحِد: مهند. والصفائح: العراض.
[2] عناني، أَي أحزننى وشق على.
[3] الأيم: الّذي لم يتَزَوَّج.
[4] كَذَا فِي أ، ط. وتجحر: تلجئه إِلَى جُحْره. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تجسر» .
[5] المقربات: الْخَيل الَّتِي تقرب من الْبيُوت لكرمها. والمبعدات: الَّتِي تبعد فِي جريها أَو فِي مَسَافَة غزوها. والطامحات: الَّتِي ترفع رءوسها.
[6] الجرد: الْخَيل الْعتاق. والمكالبة: هم الَّذين بهم شبه الْكَلْب، وَهُوَ السعار، يعْنى حدتهم فِي الْحَرْب. والكوالح: العوابس.
[7] الْقرن: الّذي يُقَاوم فِي قتال أَو شدَّة.
[8] الْبدن: الدرْع.
[9] هَذِه الْكَلِمَة «أَيْضا» سَاقِطَة فِي أ.

(2/32)


عَيْنُ بَكِّي بالمسبلات أَبَا ... الْحَارِث لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ [1]
وَابْكِي عَقِيلَ بْنَ أسود أَسد ... الْبَأْس ليَوْم الْهِيَاجِ وَالدَّفَعَهْ [2]
تِلْكَ بَنُو أَسد إخْوَة الجوزاء ... لَا خَانَةٌ وَلَا خَدَعَهْ [3]
هُمْ الْأُسْرَةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْبٍ ... وَهُمْ ذِرْوَةُ السَّنَامِ وَالْقَمَعَهْ [4]
أَنْبَتُوا مِنْ معاشر شعر ... الرَّأْس وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ الْمَنَعَهْ
أَمْسَى بَنُو عَمِّهِمْ إِذا حضر الْبَأْس ... أَكْبَادُهُمْ عَلَيْهِمْ وَجِعَهْ
وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إِذْ قحط الْقطر ... وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ [5]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ لِهَذَا الشِّعْرِ مُخْتَلِطَةٌ، لَيْسَتْ بِصَحِيحَةِ الْبِنَاءِ، لَكِنْ أَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفُ الْأَحْمَرُ وَغَيْرُهُ، رَوَى بَعْضٌ مَا لَمْ يَرْوِ بَعْضٌ:
عَيْنُ بَكِّي بالمسبلات أَبَا ... الْحَارِث لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ
وَعَقِيلَ بْنَ أسود أَسد الْبَأْس ... لِيَوْمِ الْهِيَاجِ وَالدَّفَعَهْ
فَعَلَى مِثْلِ هلكهم خوت الجوزاء ... ، لَا خَانَةٌ وَلَا خَدَعَهْ
وهُمْ الْأُسْرَةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْبٍ ... ، وَفِيهِمْ كَذِرْوَةِ الْقَمَعَهْ
أَنْبَتُوا مِنْ معاشر شعر الرَّأْس ... ، وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ الْمَنَعَهْ
فَبَنُو عَمِّهِمْ إِذا حضر الْبَأْس ... عَلَيْهِمْ أَكْبَادُهُمْ وَجِعَهْ
وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْرُ ... وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ

(شِعْرُ أَبِي أُسَامَةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، مُعَاوِيَةُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ
__________
[1] المسبلات: الدُّمُوع السائلة، يُقَال: أسبل الدمع: إِذا جرى، وأسبله هُوَ: إِذا أجراه.
وَلَا تذخرى، أَي لَا تدخرى.
[2] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ: «الدقعة» بِالْقَافِ. وَقَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ (بِالْفَاءِ) فَهُوَ جمع دَافع: وَمن رَوَاهُ (بِالْقَافِ) ، فَهُوَ من الدقعاء، وَهُوَ التُّرَاب، ويعنى بِهِ الْغُبَار. وَقد يجوز أَن يكون «الدقعة» هُنَا: جمع داقع، وَهُوَ الْفَقِير، فَيَقُول: «ابكيه للحرب وللجود» .
[3] الجوزاء: اسْم نجم. وخانة: جمع. خائن. وخدعة: جمع خَادع.
[4] الأسرة: رَهْط الرجل. والوسيطة: الشَّرِيفَة. وذروة السنام: أَعْلَاهُ. والقمعة: السنام.
[5] القزعة: سَحَاب متفرق.
3- سيرة ابْن هِشَام- 2

(2/33)


ابْن سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ مَازِنٍ بْنِ عَدِيِّ بْنِ جُشَمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ مُشْرِكًا وَكَانَ مَرَّ بهُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ [1] وَهُمْ مُنْهَزِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ أَعْيَا هُبَيْرَةُ، فَقَامَ فَأَلْقَى عَنْهُ دِرْعَهُ وَحَمَلَهُ فَمَضَى بِهِ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ أَصَحُّ أَشْعَارِ أَهْلِ بَدْرٍ:
وَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُ الْقَوْمَ خَفُّوا ... وَقَدْ زَالَتْ [2] نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ
وَأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنَّ خِيَارَهُمْ أَذْبَاحُ عِتْرِ [3]
وَكَانَتْ جُمَّةٌ [4] وَافَتْ حِمَامًا ... وَلُقِّينَا الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرِ
نَصُدُّ عَنْ الطَّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ... كَأَنَّ زُهَاءَهُمْ غَطَيَانُ بَحْرِ [5]
وَقَالَ الْقَائِلُونَ: مَنْ ابْنُ قَيْسٍ؟ ... فَقُلْتُ: أَبُو أُسَامَةَ، غَيْرَ فَخْرِ
أَنَا الْجُشَمِيُّ كَيْمَا تَعْرِفُونِي ... أُبَيِّنْ نِسْبَتِي نَقْرًا بِنَقْرِ [6]
فَإِنْ تَكُ فِي الْغَلَاصِمِ مِنْ قُرَيْشٍ ... فَإِنِّي مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ [7]
__________
[1] فِي م، ر: (رهم) .
[2] كَذَا فِي أ، وَشرح السِّيرَة، وَالرَّوْض. وَفِي سَائِر الْأُصُول «شالت» . قَالَ السهيليّ: «الْعَرَب تضرب زَوَال النعامة مثلا للفرار، وَتقول شالت نعَامَة الْقَوْم: إِذا فروا وهلكوا. والنعامة (فِي اللُّغَة) :
بَاطِن الْقدَم، وَمن مَاتَ فقد شالت رجله، أَي ارْتَفَعت، وَظَهَرت نعامته. والنعامة (أَيْضا) : الظلمَة.
وَابْن النعامة: عرق فِي بَاطِن الْقدَم. فَيجوز أَن يكون قَوْله: زَالَت نعامهم، كَمَا يُقَال، زَالَ سوَاده، وضحا ظله: إِذا مَاتَ. وَجَائِز أَن يكون ضرب النعامة مثلا، وَهُوَ الظَّاهِر فِي بَيت أَبى أُسَامَة، لِأَنَّهُ قَالَ:
زَالَت نعامتهم لنفر. وَالْعرب تَقول: أشرد من نعَامَة وأنفر من نعَامَة.... فَإِذا قلت: زَالَت نعامته، فَمَعْنَاه: نفرت نَفسه الَّتِي هِيَ كالنعامة فِي شرودها» .
[3] سراة الْقَوْم: خيارهم. والعتر: الصَّنَم الّذي يذبح لَهُ.
[4] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول، وَفِي أ: «حمة» بِالْحَاء الْمُهْملَة، قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بِالْجِيم:
فَمَعْنَاه الْجَمَاعَة من النَّاس، وَأكْثر مَا يُقَال فِي الْجَمَاعَة الَّذين يأْتونَ يسْأَلُون فِي الدِّيَة، وَمن رَوَاهُ: حمة، بِالْحَاء الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه: قرَابَة وأصدقاء، من الْحَمِيم، وَهُوَ الْقَرِيب» . وَقَالَ السهيليّ: «الْحمة: السوَاد، والحمة: الْفرْقَة، فَإِن كَانَ أَرَادَ بالحمة سَواد الْقَوْم فَلهُ وَجه، وَإِن كَانَ أَرَادَ الْفرْقَة مِنْهُم فَهُوَ أوجه» .
[5] غطيان بَحر، أَي فيضانه.
[6] قَالَ السهيليّ: النقر: الطعْن فِي النّسَب، يَقُول: إِن طعنتم فِي نسبي وعبتموه بيّنت الْحق، ونفرت فِي أنسابكم، أَي عبتها وجازيت على النقر بالنقر. وَقَالَت جَارِيَة من الْعَرَب: مروا بى على بنى نَظَرِي- تعنى الفتيان الَّذين ينظرُونَ إِلَيْهَا- وَلَا تمروا بى على بَنَات نقرى. تعنى النِّسَاء اللواتي ينقرن، أَي يعبن.
[7] الغلاصم: الأعالي من النّسَب. وأصل الغلصمة: الْحُلْقُوم الّذي يجرى عَلَيْهِ الطَّعَام وَالشرَاب.

(2/34)


فَأَبْلِغْ مَالِكًا لَمَّا غُشِينَا ... وَعِنْدَكَ مَالِ- إنْ نَبَّأْتَ- خُبْرَى [1]
وَأَبْلِغْ إنْ بَلَغْتَ [2] الْمَرْءَ عَنَّا ... هُبَيْرَةَ، وَهُوَ ذُو عِلْمٍ وَقَدْرِ
بِأَنِّي إذْ دُعِيتُ إلَى أُفَيْدٍ ... كَرَرْتُ وَلَمْ يَضِقْ بِالْكَرِّ صَدْرِي [3]
عَشِيَّةً لَا يَكَرُّ عَلَى مُضَافٍ ... وَلَا ذِي نَعْمَةٍ مِنْهُمْ وَصِهْرِ [4]
فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ ... وَدُونَكِ مَالِكًا يَا أُمَّ عَمْرِو [5]
فَلَوْلَا مَشْهَدِي قَامَتْ عَلَيْهِ ... مُوَقَّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمُّ أَجْرِي [6]
دَفُوعٌ لِلْقُبُورِ بِمَنْكِبَيْهَا ... كَأَنَّ بِوَجْهِهَا تَحْمِيمَ قَدْرِ [7]
فَأُقْسِمُ بِاَلَّذِي قَدْ كَانَ رَبِّي ... وَأَنْصَابٍ لَدَى الْجَمَرَاتِ مُغْرِ [8]
لَسَوْفَ تَرَوْنَ مَا حَسَبِي إذَا مَا ... تَبَدَّلَتْ الْجُلُودُ جُلُودَ نِمْرِ
فَمَا إنْ خَادِرٌ مِنْ أُسْدِ تَرْجِ ... مُدِلٌّ عَنْبَسٌ فِي الْغَيْلِ مُجْرِي [9]
فَقَدْ أَحْمِي الْأَبَاءَةَ مِنْ كُلَافِ [10] ... فَمَا يَدْنُو لَهُ أَحَدٌ بِنَقْرِ [11]
__________
[1] مَال، يُرِيد: مَالك، فرخم، وَحذف حرف النداء من أَوله.
[2] فِي أ: «عرضت» .
[3] أفيد، قَالَ أَبُو ذَر: «أفيد (بِالْفَاءِ وَالْقَاف) : اسْم رجل» . وَقَالَ السهيل: «أفيد: تَصْغِير وَفد، وهم المتقدمون من كل شَيْء من نَاس أَو خيل أَو إبل، وَهُوَ اسْم للْجمع مثل ركب، وَلذَلِك جَازَ تصغيره، وَقيل: أفيد، اسْم مَوضِع» .
[4] الْمُضَاف: الْخَائِف الْمُضْطَر الْمضيق عَلَيْهِ.
[5] بنى لأى، يُرِيد: بنى لؤيّ، فجَاء بِهِ مكبرا على الأَصْل، ولؤيّ تَصْغِير لأى. (عَن الرَّوْض الْأنف) .
[6] يُرِيد «بالموقفة» : الضبع، من الْوَقْف وَهُوَ الخلخال، لِأَن فِي قَوَائِمهَا خُطُوطًا سُودًا. وَأجر:
جمع جرو، وَهُوَ وَلَدهَا.
[7] التحميم: التلطيخ بِالسَّوَادِ.
[8] الأنصاب: حِجَارَة كَانُوا يذبحون لَهَا. والجمرات: مَوضِع الْجمار الَّتِي يرْمونَ بهَا. ومغر: جمع أمغر، وَهُوَ الْأَحْمَر، يُرِيد: أَنَّهَا مطلية بِالدَّمِ:
[9] الخادر: الْأسد الّذي يكون فِي خدره، وَهِي أجمته. وترج: جبل بالحجاز كثير الْأسد. وعنبس أَي عَابس الْوَجْه. والغيل (بِالْكَسْرِ) : الشّجر الملتف. ومجرى، أَي لَهُ جراء، يعْنى أشبالا، أَي أَوْلَادًا.
[10] أحمى: جعلهَا حمى لَا تقرب. والأباءة (بِفَتْح الْهمزَة) : أجمة الْأسد. وكلاف، قَالَ أَبُو ذَر:
«كلاف (بِالْفَاءِ) : اسْم، مَوضِع» . وَقد ذكره ياقوت، وَقَالَ: إِنَّه وَاد من أَعمال الْمَدِينَة. وَقَالَ السهيليّ: «لَعَلَّه أَرَادَ من شدَّة كلفه بِمَا يحميه، فجَاء بِهِ على وزن فعال، لِأَن الكلف إِذا اشْتَدَّ كالهيام والعطاش. وَلَعَلَّ كلافا: اسْم مَوضِع. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الدينَوَريّ الكلاف: اسْم شجر» .
[11] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بِنَفر» بِالْفَاءِ.

(2/35)


بِخَلٍّ تَعْجِزُ الْحُلَفَاءُ عَنْهُ ... يُوَاثِبُ كُلَّ هَجْهَجَةٍ وَزَجْرِ [1]
بِأَوْشَكَ سَوْرَةً مِنِّي إذَا مَا ... حَبَوْتُ لَهُ بِقَرْقَرَةٍ وَهَدْرِ [2]
بِبِيضٍ كَالْأَسِنَّةِ مُرْهِفَاتٍ ... كَأَنَّ ظُبَاتِهِنَّ جَحِيمِ جَمْرِ [3]
وَأَكْلَفُ مُجْنَإِ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ ... وَصَفْرَاءِ الْبُرَايَةِ ذَاتِ أَزْرِ [4]
وَأَبْيَضَ كَالْغَدِيرِ ثَوَى عَلَيْهِ ... عُمَيْرٌ بِالْمَدَاوِسِ نِصْفَ شَهْرِ [5]
أُرَفِّلُ فِي حَمَائِلِهِ وَأَمْشِي ... كَمِشْيَةِ خَادِرٍ لَيْث سبطر [6]
بقول لِي الْفَتَى سَعْدٌ هَدِيَّا ... فَقُلْتُ: لَعَلَّهُ تَقْرِيبُ غَدْرِ [7]
وَقُلْتُ أَبَا عَدِيٍّ لَا تَطُرْهُمْ ... وَذَلِكَ إنْ أَطَعْتَ الْيَوْمَ أَمْرِي [8]
كَدَأْبِهِمْ بِفَرْوَةَ إذْ أَتَاهُمْ ... فَظَلَّ يُقَادُ مَكْتُوفًا بِضَفْرِ [9]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفُ الْأَحْمَرُ:
نَصُدُّ عَنْ الطَّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ... كَأَنَّ سِرَاعَهُمْ تَيَّارُ بَحْرِ
وَقَوْلُهُ: -
مُدَلٍّ عَنْبَسٌ فِي الْغَيْلِ مُجْرِي
- عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو أَسَامَّةَ أَيْضًا:
__________
[1] الْخلّ: الطَّرِيق فِي الرمل. والحلفاء: الْأَصْحَاب المتعاضدون. والهجهجة: الزّجر، يُقَال:
هجهجت بالسبع: إِذا زجرته، وَهُوَ أَن تَقول لَهُ: هج هج.
[2] بأوشك: بأسرع. وَالسورَة، الحدة والوثبة. وحبوت: قربت. والقرقرة والهدر: من أصوات الْإِبِل الفحول.
[3] يُرِيد «بالبيض» : السِّهَام. والظباة: حَدهَا، الْوَاحِدَة: ظبة.
[4] وأكلف، قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بِاللَّامِ، فَإِنَّهُ يعْنى ترسا أسود الظَّاهِر، وَمن رَوَاهُ بالنُّون، فَهُوَ الترس أَيْضا، مَأْخُوذ من كنفه، أَي ستره» . والمجنأ: الّذي فِيهِ اجتناء أَي انحناء. وَيُرِيد.
«بصفراء البراية» : قوسا. والبراية: مَا يتطاير مِنْهَا حِين تنحت.
[5] يُرِيد «بأبيض كالغدير» : سيقا. وَعُمَيْر: اسْم صيقل. والمداوس: جمع مدوس، وَهِي الأداة الَّتِي يصقل بهَا السَّيْف.
[6] أرفل: أطول. وسبطر، أَي طَوِيل ممتد.
[7] الْهدى، قَالَ أَبُو ذَر: «الْهدى هُنَا: الْأَسير» . وَقَالَ السهيل: «الْهدى: مَا يهدى إِلَى الْبَيْت، وَالْهدى (أَيْضا) : الْعَرُوس تهدى إِلَى زَوجهَا، وَنصب (هَديا) هُنَا على إِضْمَار فعل، كَأَنَّهُ أَرَادَ: أهد هَديا» .
[8] لَا تطرهم: لَا تقربهم، مَأْخُوذ من طوار الدَّار، وَهُوَ مَا كَانَ ممتدا مَعهَا من فنائها.
[9] كدأبهم: كعادتهم. وفروة: اسْم رجل. والضفر: الْحَبل المضفور.

(2/36)


أَلَا مِنْ مُبَلَّغٌ عَنِّي رَسُولًا ... مُغَلْغَلَةً يُثَبِّتُهَا لَطِيفُ [1]
أَلَمْ تَعْلَمْ مَرَدِّي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَدْ بَرَقَتْ بِجَنْبَيْكَ الْكُفُوفُ [2]
وَقَدْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنَّ رُءُوسَهُمْ حَدَجٌ نَقِيفُ [3]
وَقَدْ مَالَتْ عَلَيْكَ بِبَطْنِ بَدْرٍ ... خِلَافَ الْقَوْمِ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ [4]
فَنَجَّاهُ مِنْ الْغَمَرَاتِ عَزْمِي ... وَعَوْنُ اللَّهِ وَالْأَمْرُ الْحَصِيفُ
وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ وَحْدِي ... وَدُونَكَ جَمْعُ أَعْدَاءٍ وُقُوفُ [5]
وَأَنْتَ لِمَنْ أَرَادَكَ مُسْتَكِينٌ ... بِجَنْبِ كُرَاشٍ مَكْلُومٌ نَزِيفُ [6]
وَكُنْتُ إذَا دَعَانِي يَوْمَ كَرْبٍ ... مِنْ الْأَصْحَابِ دَاعٍ مُسْتَضِيفُ [7]
فَأَسْمَعَنِي وَلَوْ أَحْبَبْتُ نَفْسِي ... أَخٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ حَلِيفُ
أَرُدُّ فَأَكْشِفُ الْغُمَّى وَأَرْمِي ... إذَا كَلَحَ الْمَشَافِرُ وَالْأُنُوفُ [8]
وَقِرْنٍ قَدْ تَرَكَتْ عَلَى يَدَيْهِ ... يَنُوءُ كَأَنَّهُ غُصْنٌ قَصِيفُ [9]
دَلَفْتُ لَهُ إذْ اخْتَلَطُوا بِحَرَّى ... مُسْحْسَحَةٍ لِعَانِدِهَا حَفِيفُ [10]
__________
[1] المغلغلة: الرسَالَة ترسل من بلد إِلَى بلد. واللطيف: الرَّقِيق الحاذق فِي الْأُمُور.
[2] برقتْ: لمعت.
[3] الحدج: الحنظل، الْوَاحِدَة: حدجة. والنقيف: المكسور.
[4] الخصيف: المتلونة ألوانا، وَقيل: المتراكمة.
[5] الْأَبْوَاء: مَوضِع، وَبِه قبر أم الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[6] كراش (بِضَم الْكَاف والشين الْمُعْجَمَة) : اسْم جبل لهذيل، وَقيل: مَاء بِنَجْد لبني دهمان. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) . ومكلوم: جريح. ونزيف: سَائل جَمِيع دَمه.
[7] مستضيف: ملْجأ مضيق عَلَيْهِ.
[8] الغمى: الْأَمر الشَّديد. وكلح: عبس. والمشافر: الشفاه، لذوات الْخُف، وَهِي الْإِبِل، فاستعارها هُنَا للآدميين.
[9] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي أ، ر: «قطيف» . قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بالصَّاد الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه: مكسور، تَقول: قصفت الْغُصْن: إِذا كَسرته. وَمن رَوَاهُ «قطيف» بِالطَّاءِ الْمُهْملَة، فَهُوَ الّذي أَخذ مَا عَلَيْهِ من الثَّمر وَالْوَرق» .
[10] دلفت: قربت. وبحري: أَي بطعنة موجعة. ومسحسحة وكثيرة سيلان الدَّم. والعاند: الْعرق الّذي لَا يَنْقَطِع دَمه. والحفيف: صَوته.

(2/37)


فَذَلِكَ كَانَ صَنْعِي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَبْلُ أَخُو مُدَارَاةَ عَزُوفُ [1]
أَخُوكُمْ فِي السِّنِينَ كَمَا عَلِمْتُمْ ... وَحَرْبٍ لَا يَزَالُ لَهَا صَرِيفُ [2]
وَمِقْدَامٌ لَكُمْ لَا يَزْدَهِينِي ... جَنَانُ اللَّيْلِ وَالْأَنَسُ اللَّفِيفُ [3]
أَخُوضُ الصَّرَّةَ [4] الْجَمَّاءَ [5] خَوْضًا ... إذَا مَا الْكَلْبُ أَلْجَأَهُ الشَّفِيفُ [6]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْتُ قَصِيدَةً لِأَبِي أُسَامَةَ عَلَى اللَّامِّ، لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ بَدْرٍ إلَّا فِي أَوَّلِ بَيْتٍ مِنْهَا وَالثَّانِي، كَرَاهِيَةَ الْإِكْثَارِ.

(شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ تَبْكِي أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ:
أَعَيْنَيَّ جُودَا بِدَمْعٍ سَرِبْ ... عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ
تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً ... بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبْ
يُذِيقُونَهُ حَدَّ أَسْيَافِهِمْ ... يَعُلُّونَهُ بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ
يَجُرُّونَهُ وَعَفِيرُ التُّرَابِ ... عَلَى وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ
وَكَانَ لَنَا جَبَلًا رَاسِيًا ... جَمِيلَ الْمَرَاةِ كثير العشب [7]
وأمّا [8] بُرَيٌّ فَلَمْ أَعْنِهِ ... فَأُوتِيَ مِنْ خَيْرِ مَا يَحْتَسِبْ [9]
وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا:
__________
[1] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عروف» ، قَالَ أَبُو ذَر: «من رَوَاهُ بالزاء، فَهُوَ الّذي تأبى نَفسه الدنايا. وَمن رَوَاهُ بالراء، فَمَعْنَاه أَيْضا: الصابر، هَا هُنَا» .
[2] يُرِيد «بِالسِّنِينَ» : سِنِين الْقَحْط والجدب. والصريف: الصَّوْت.
[3] جنان اللَّيْل: ظلمته. والأنس: الْجَمَاعَة من النَّاس، واللفيف: الْكثير.
[4] الصرة: الْجَمَاعَة، وَقد تكون الصرة (أَيْضا) : شدَّة الْبرد، وَإِيَّاهَا عَنى، لذكره الشفيف فِي آخر الْبَيْت.
[5] كَذَا فِي شرح السِّيرَة. وَفِي جَمِيع الْأُصُول: «الْجَمَّاء» قَالَ أَبُو ذَر: «الْجَمَّاء (بِالْجِيم) : الْكثير وَمن رَوَاهُ: الحماء، بِالْحَاء الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه: السود» .
[6] الشفيف (بالشين الْمُعْجَمَة) : الرّيح الشَّدِيدَة الْبرد.
[7] جميل المراة، أَرَادَت مرْآة الْعين، فنقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى السَّاكِن، فَذَهَبت الْهمزَة.
[8] فِي م، ر: «فَأَما» .
[9] تُرِيدُ «ببرى» : الْبَراء، وَهُوَ رجل، فصغرته.

(2/38)


يَرِيبُ علينا دَهْرنَا فيسوؤنا ... وَيَأْبَى فَمَا نَأْتِي بِشَيْءِ يُغَالِبُهْ
أَبَعْدَ قَتِيلٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... يُرَاعَ أَمْرٌ وَإِن مَاتَ أَوْ مَاتَ صَاحِبُهْ
أَلَا رُبَّ يَوْمٍ [1] قَدْ رُزِئْتُ مُرَزَّأً ... تَرُوحُ وَتَغْدُو بِالْجَزِيلِ مُوَاهِبُهُ
فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي مَأْلُكًا ... فَإِنْ أَلْقَهُ يَوْمًا فَسَوْفَ أُعَاتِبُهْ [2]
فَقَدْ كَانَ حَرْبٌ يَسْعَرُ الْحَرْبَ إنَّهُ ... لِكُلِّ امْرِئِ فِي النَّاسِ مَوْلًى يُطَالِبُهُ [3]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا:
للَّه عَيْنًا مَنْ رَأَى ... هُلْكًا كَهُلْكِ رِجَاليهْ
يَا رُبَّ [4] بَاكٍ لِي غَدًا ... فِي النَّائِبَاتِ وَبَاكِيَهْ
كَمْ غادروا يَوْم القليب ... غَدَاةَ تِلْكَ الْوَاعِيَهْ [5]
مِنْ كُلِّ غيث فِي السّنين ... إذَا الْكَوَاكِبُ خَاوِيَهْ [6]
قَدْ كُنْتُ أُحْذَرُ مَا أَرَى ... فَالْيَوْمُ حَقٌّ حَذَارِيَهْ
قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَأَنَا الْغَدَاةَ مُوَامِيَهْ [7]
يَا رُبَّ قَائِلَةٍ غَدًا ... يَا وَيْحَ أُمَّ مُعَاوِيَهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ.
__________
[1] فِي شرح السِّيرَة: «أَلا رب رزء قد رزئت مرزأ» . قَالَ أَبُو ذَر: المرزأ: الْكَرِيم الّذي يرزؤه القاصدون والأضياف، أَو ينقصُونَ من مَاله» .
[2] المألك: جمع مألكة، وَهِي الرسَالَة الَّتِي تبلغ بِاللِّسَانِ.
[3] حَرْب: هُوَ وَالِد أَبى سُفْيَان. ويسعر: يهيج.
[4] فِي م، ر: «بل رب» .
[5] الواعية: الصُّرَاخ.
[6] إِذا الْكَوَاكِب خاوية، يعْنى أَنَّهَا تسْقط فِي مغْرِبهَا عِنْد الْفجْر، وَلَا يكون مَعهَا أتر وَلَا مطر، على مَذْهَب الْعَرَب فِي نسبتهم ذَلِك إِلَى النُّجُوم.
[7] مواميه، قَالَ أَبُو ذَر: «أَي مختلطة الْعقل» . وَقَالَ السهيليّ: «موامية، أَي ذليلة. وَهِي مؤامية، بِهَمْزَة، وَلكنهَا سهلت فَصَارَت واوا وَهِي من لفظ الْأمة. تَقول: تأميت أمة أَي اتخذتها وَيجوز أَن تكون من المواءمة، وَهِي الْمُوَافقَة، فَيكون الأَصْل: موامئة، ثمَّ قلب فَصَارَ موامية، على وزن مفالعة. تُرِيدُ أَنَّهَا قد ذلت فَلَا تأبى، بل توَافق الْعَدو على كره.» .

(2/39)


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا:
يَا عَيْنُ بَكِّي عُتْبَهْ ... شَيْخًا شَدِيدَ الرَّقَبَهْ [1]
يُطْعِمُ يَوْمَ الْمَسْغَبَهْ ... يَدْفَعُ يَوْمَ الْمَغْلَبَهْ [2]
إنِّي عَلَيْهِ حَرِبَهْ ... مَلْهُوفَةٌ مُسْتَلَبَهْ [3]
لَنَهْبِطَنَّ يَثْرِبَهْ ... بِغَارَةٍ مُنْثَعِبَهْ [4]
فِيهَا الْخُيُولُ مُقْرَبَهْ ... كُلُّ جَوَادٍ سَلْهَبَهْ [5]

(شِعْرُ صَفِيَّةَ) :
وَقَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ مُسَافِرِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، تَبْكِي أَهْلَ الْقَلِيبِ الَّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ: (وَتَذْكُرُ مُصَابَهُمْ) [6] :
يَا مَنْ لِعَيْنٍ قَذَاهَا عَائِرُ الرَّمَدِ ... حَدَّ النَّهَارِ وَقَرْنُ الشَّمْسِ لَمْ يَقِدْ [7]
أُخْبِرْتُ أَنَّ سَرَاةَ الْأَكْرَمِينَ مَعًا ... قَدْ أَحْرَزَتْهُمْ مَنَايَاهُمْ إلَى أَمَدِ
وَفَرَّ بِالْقَوْمِ أَصْحَابُ الرِّكَابِ وَلَمْ ... تَعْطِفْ غَدَاتَئِذٍ أُمٌّ عَلَى وَلَدِ
قَوْمِي صَفِيَّ وَلَا تَنْسَى قَرَابَتَهُمْ ... وَإِنْ بَكَيْتِ فَمَا تَبْكِينَ مِنْ بُعُدِ
كَانُوا سُقُوبَ [8] سَمَاءِ الْبَيْتِ فَانْقَصَفَتْ ... فَأَصْبَحَ السَّمْكُ مِنْهَا غَيْرَ ذِي عَمَدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهَا: «كَانُوا سُقُوبَ [8] » بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ مُسَافِرٍ أَيْضًا:
__________
[1] عتبَة، أَرَادَت: عتبَة، (بِإِسْكَان التَّاء) إِلَّا أَنَّهَا أتبعتها للعين.
[2] المسغبة: الْجُوع والشدة.
[3] حَرْبَة: حزينة غَضبى. ومستلبة: مَأْخُوذَة الْعقل. قَالَ السهيليّ: «الأجود فِي مستلبة، أَن يكون بِكَسْر اللَّام، من السلاب، وَهِي الْخِرْقَة السَّوْدَاء الَّتِي تختمر بهَا الثكلى» .
[4] كَذَا فِي الْأُصُول. ومنثعبة: أَي سَائِلَة بِسُرْعَة، يُقَال: انثعب المَاء: إِذا سَالَ. ويروى:
منشعبة، أَي مُتَفَرِّقَة.
[5] المقرب من الْخَيل: الّذي يقرب من الْبيُوت لكرمه. والسلهبة: الْفرس الطَّوِيلَة.
[6] هَذِه الْعبارَة سَاقِطَة فِي أ.
[7] القذى: مَا يَقع فِي الْعين وَالشرَاب. والعائر: وجع الْعين، وَيُقَال: هُوَ قرحَة تخرج فِي جفن الْعين.
وحد النَّهَار: الْفَصْل الّذي بَين اللَّيْل وَالنَّهَار. وَقرن الشَّمْس: أَعْلَاهَا. وَلم يقد، أَي لم يتَمَكَّن ضوءه.
[8] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والسقوب (بِالْبَاء) : عمد الخباء الَّتِي يقوم عَلَيْهَا. وَفِي أ: «سقوف» .

(2/40)


أَلَا يَا من لعين ... للتّبكىّ دَمْعُهَا فَانِ [1]
كَغَرْبَيْ دَالِجٍ يَسْقَى ... خِلَالَ الْغَيِّثِ الدَّانِ [2]
وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ ذُو ... أَظَافِيرَ وَأَسْنَانِ [3]
أَبُو شِبْلَيْنِ وَثَّابٌ ... شَدِيدُ الْبَطْشِ غَرْثَانِ [4]
كَحِبِّي إذْ تولّى و ... وُجُوه الْقَوْمِ أَلْوَانِ
وبالكفّ حسام صارم ... أَبْيَضُ ذُكْرَانِ [5]
وَأَنت الطّاعن النّجلاء ... مِنْهَا مُزْبِدٌ آنِ [6]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيَرَوْنَ قَوْلَهَا: «وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ» إلَى آخِرِهَا، مَفْصُولًا مِنْ الْبَيْتَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ.

(شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ تَرْثِي عَبِيدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ:
لَقَدْ ضُمِّنَ الصَّفْرَاءُ مَجْدًا وَسُؤْدُدًا ... وَحِلْمًا أَصِيلًا وَافِرَ اللُّبِّ وَالْعَقْلِ [7]
عُبَيْدَةَ فَابْكِيهِ لِأَضْيَافِ غُرْبَةٍ ... وَأَرْمَلَةٌ تَهْوِي لِأَشْعَثَ كَالْجِذْلِ [8]
وَبَكِّيهِ لِلْأَقْوَامِ فِي كُلِّ شَتْوَةٍ ... إذَا احْمَرَّ آفَاقُ السَّمَاءِ مِنْ الْمَحْلِ [9]
وَبَكِّيهِ للأيتام والرّيح [10] زفزف ... وَتَشْبِيبُ [11] قِدْرٍ طَالَمَا أَزْبَدَتْ تَغْلِي [12]
__________
[1] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. وَفِي شرح السِّيرَة لأبى ذَر: «قانى» ، أَي أَحْمَر، وَكَانَ الأَصْل أَن تَقول، قانئ: بِالْهَمْزَةِ، فخففت الْهمزَة. تُرِيدُ أَن دمعها خالطه الدَّم.
[2] الغرب: الدَّلْو الْعَظِيمَة. والدالج: الّذي يمشى بدلوه بَين الْبِئْر والبستان.
[3] الغريف: مَوضِع الْأسد، وَهِي الأجمة.
[4] غرثان: جَائِع.
[5] ذكران: أَي سيف طبع من مُذَكّر الْحَدِيد.
[6] مُزْبِد، أَي دم لَهُ زبد، أَي رغوة. وآن: حام.
[7] الصَّفْرَاء: مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة.
[8] الْأَشْعَث: الْمُتَغَيّر. والجذل (بِالْجِيم والذال الْمُعْجَمَة) : أصل الشَّجَرَة وَغَيرهَا. تصفه بالثبات وَالْقُوَّة.
[9] الْمحل: الْقَحْط.
[10] الزفزف من الرِّيَاح: الشَّدِيدَة السريعة الْمُرُور.
[11] كَذَا فِي أ. والتشبيب: إيقاد النَّار تَحت الْقدر وَنَحْوهَا. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «تشتيت» .
[12] أزبدت: رمت بالزبد، وَهِي الرغوة.

(2/41)


فَإِنْ تُصْبِحُ النِّيرَانَ قَدْ مَاتَ ضَوْءُهَا ... فَقَدْ كَانَ يُذْكِيهِنَّ بِالْحَطَبِ الْجَزْلِ [1]
لِطَارِقِ لَيْلٍ أَوْ لِمُلْتَمِسِ الْقِرَى ... وَمُسْتَنْبَحٍ [2] أَضْحَى لَدَيْهِ عَلَى رَسْلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ.

(شِعْرُ قُتَيْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [3] : وَقَالَتْ قُتَيْلَةُ [4] بِنْتُ الْحَارِثِ، أُخْتُ [5] النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، تَبْكِيهِ:
يَا رَاكِبًا إنَّ الْأَثِيلَ مَظِنَّةٌ ... مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفَّقُ [6]
أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنَّ تَحِيَّةً ... مَا إنْ تَزَالُ بِهَا النَّجَائِبُ تَخْفِقُ [7]
مِنِّي إلَيْكَ وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ... جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْنُقُ [8]
هَلْ يَسْمَعَنِّي النَّضْرُ إنْ نَادَيْتُهُ ... أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيِّتٌ لَا يَنْطِقُ
أَمُحَمَّدُ يَا خَيْرَ ضَنْءِ كَرِيمَةٍ [9] ... فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرَّقُ [10]
__________
[1] الجزل: الغليظ.
[2] المستنبح: الرجل الّذي يضل بِاللَّيْلِ فيتكلف نباح الْكَلْب وحكايته لتجاوبه كلاب الْحَيّ المتوهم نزولهم فِي طَرِيقه، فيهتدى بصياحه، وَالرسل (بِالْكَسْرِ) : اللَّبن.
[3] فِي أ، ر: «قَالَ ابْن هِشَام» .
[4] قَالَ السهيليّ: «الصَّحِيح أَنَّهَا بنت النَّضر لَا أُخْته، كَذَلِك قَالَ الزبير وَغَيره، وَكَذَلِكَ وَقع فِي كتاب الدَّلَائِل» .
[5] كَانَت قتيلة هَذِه تَحت الْحَارِث بن أَبى أُميَّة الْأَصْغَر، فَهِيَ جدة الثريا بنت عبد الله بن الْحَارِث، الَّتِي يَقُول فِيهَا عمر بن أَبى ربيعَة حِين خطبهَا سُهَيْل بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف:
أَيهَا المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كَيفَ يَلْتَقِيَانِ؟
هِيَ شامية إِذا مَا اسْتَقَلت ... وَسُهيْل إِذا اسْتَقل يماني!
[6] الأثيل: مَوضِع قرب الْمَدِينَة بَين بدر ووادي الصَّفْرَاء. ومظنة، أَي مَوضِع إِيقَاع الظَّن.
[7] النجائب: الْإِبِل الْكِرَام. وتخفق: تسرع:
[8] الواكف: السَّائِل.
[9] الضنء: الأَصْل. وَرِوَايَة هَذَا الشّطْر فِي الرَّوْض.
أمحمد هَا أَنْت ضئى نجيبة
والضىء: الأَصْل وَالْولد.
[10] المعرق: الْكَرِيم.

(2/42)


مَا كَانَ ضُرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا ... مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ [1]
أَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلْيُنْفِقَنْ ... بِأَعَزَّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ [2]
فَالنَّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرَّتْ قَرَابَةً ... وَأَحَقُّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ
ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ... للَّه أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُشَقَّقُ [3]
صَبْرًا [4] يُقَادُ إلَى الْمَنِيَّةِ مُتْعَبًا ... رَسْفَ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ عَانٍ مُوَثَّقُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَيُقَالُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ هَذَا الشِّعْرُ، قَالَ: لَوْ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْتُ عَلَيْهِ.

(تَارِيخُ الْفَرَاغِ مِنْ بَدْرٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فَرَاغُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ فِي عَقِبِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي شَوَّالٍ.