سيرة ابن
هشام ت السقا غَزْوَةُ السَّوِيقِ
(عُدْوَانُ أَبِي سُفْيَانَ وَخُرُوجُ الرَّسُولِ فِي أَثَرِهِ) :
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمِّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ: قَالَ:
حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيَّ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيُّ، قَالَ: ثُمَّ غَزَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ
حَرْبٍ غَزْوَةَ السَّوِيقِ فِي ذِي الْحَجَّةِ، وَوَلَّى تِلْكَ
الْحَجَّةَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ، فَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَيَزِيدُ
بْنُ رُومَانَ، وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ، حِينَ رَجَعَ إلَى
مَكَّةَ، وَرَجَعَ فَلُّ [2] قُرَيْشٍ مِنْ بَدْرٍ، نَذَرَ أَنْ لَا
يَمَسَّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ جَنَابَةٍ [3] حَتَّى يَغْزُوَ مُحَمَّدًا
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخرج فِي مِائَتي رَاكِبٍ مِنْ
قُرَيْشٍ، لِيَبَرَّ يَمِينَهُ، فَسَلَكَ النَّجْدِيَّةَ، حَتَّى نَزَلَ
بِصَدْرِ قَنَاةٍ إلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: ثَيْبٌ [4] ، مِنْ
الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ اللَّيْلِ،
حَتَّى أَتَى بَنِي النَّضِيرِ تَحْتَ اللَّيْلِ، فَأَتَى حُيَيُّ ابْن
أَخْطَبَ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ بَابَهُ
وَخَافَهُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ إلَى سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ، وَكَانَ
سَيِّدَ بَنِي النَّضِيرِ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ، وَصَاحِبَ كَنْزِهِمْ [5]
، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَرَّاهُ [6] وَسَقَاهُ،
وَبَطَنَ [7] لَهُ مِنْ خَبَرِ النَّاسِ، ثُمَّ خَرَجَ فِي عَقِبِ
لَيْلَتِهِ حَتَّى أَتَى أَصْحَابَهُ، فَبَعَثَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ
إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَتَوْا نَاحِيَةً
__________
[1] إِلَى هُنَا ينتهى الْجُزْء الْعَاشِر من أَجزَاء السِّيرَة من
تَقْسِيم الْمُؤلف.
[2] الفل، الْقَوْم المنهزمون.
[3] قَالَ السهيليّ: «إِن الْغسْل من الْجَنَابَة كَانَ مَعْمُولا بِهِ فِي
الْجَاهِلِيَّة بَقِيَّة من دين إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، كَمَا بَقِي
مَعَهم الْحَج وَالنِّكَاح» .
[4] فِي م، ر: «نيب» .
[5] يُرِيد «بالكنز» : المَال الَّذين كَانُوا يجمعونه لنوائبهم وَمَا يعرض
لَهُم.
[6] قراه: أَي صنع لَهُ الْقرى، وَهُوَ طَعَام الضَّيْف.
[7] بطن لَهُ، أَي أعلمهُ من سرهم
(2/44)
مِنْهَا، يُقَالُ لَهَا: الْعَرِيضُ،
فَحَرَقُوا فِي أَصْوَارٍ [1] مِنْ نَخْلٍ بِهَا، وَوَجَدُوا بِهَا رَجُلًا
مِنْ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا لَهُ فِي حَرْثٍ لَهُمَا، فَقَتَلُوهُمَا،
ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ [2] ، وَنَذِرَ بِهِمْ النَّاسُ. فَخَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهِمْ،
وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ
أَبُو لُبَابَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [3] ، حَتَّى بَلَغَ
قَرْقَرَةَ [4] الْكُدْرِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا، وَقَدْ فَاتَهُ أَبُو
سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَدْ رَأَوْا أَزْوَادًا مِنْ أَزْوَادِ
الْقَوْمِ قَدْ طَرَحُوهَا فِي الْحَرْثِ يَتَخَفَّفُونَ مِنْهَا
لِلنَّجَاءِ [5] ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ، حَيْنَ رَجَعَ بِهِمْ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَطْمَعُ
لَنَا أَنْ تَكُونَ غَزْوَةً؟ قَالَ: نَعَمْ.
(سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا بِغَزْوَةِ السَّوِيقِ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ غَزْوَةَ السَّوِيقِ [6] ،
فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ أَكْثَرَ مَا طَرَحَ الْقَوْمُ
مِنْ أَزْوَادِهِمْ السَّوِيقُ، فَهَجَمَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سَوِيقٍ
كَثِيرٍ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ السَّوِيقِ.
(شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ فِيهَا) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عِنْدَ
مُنْصَرَفِهِ، لِمَا صَنَعَ بِهِ سَلَّامُ ابْن مِشْكَمٍ:
وَإِنِّي تَخَيَّرْتُ الْمَدِينَةَ وَاحِدًا ... لِحِلْفٍ فَلَمْ أَنْدَمْ
وَلَمْ أَتَلَوَّمْ [7]
__________
[1] الأصوار: جمع صور بِفَتْح الصَّاد، وَهُوَ جمَاعَة النّخل.
[2] مَكَان هَذِه الْعبارَة من قَوْله: «وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة» إِلَى
قَوْله «فِيمَا قَالَ ابْن هِشَام» مُتَأَخّر فِي «أ»
[3] إِلَى آخر الْقِصَّة نذر بهم النَّاس: علمُوا بهم.
[4] قرقرة الكدر: مَوضِع بِنَاحِيَة الْمَعْدن، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة
ثَمَانِيَة برد. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[5] النَّجَاء: السرعة.
[6] السويق: هُوَ أَن تحمص الْحِنْطَة أَو الشّعير أَو نَحْو ذَلِك، ثمَّ
تطحن، ثمَّ يُسَافر بهَا، وَقد تمزج بِاللَّبنِ وَالْعَسَل وَالسمن وتلت،
فَإِن لم يكن شَيْء من ذَلِك مزحت بِالْمَاءِ.
[7] الْمَدِينَة، أَرَادَ: من الْمَدِينَة، فَحذف الْجَرّ. وَلم أتلوم، أَي
لم ادخل فِيمَا ألام عَلَيْهِ.
(2/45)
سَقَانِي فَرَوَانِي كُمَيْتًا مُدَامَةً [1] ... عَلَى عَجَلٍ مِنِّي
سَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ [2]
وَلَمَّا تَوَلَّى الْجَيْشُ قُلْتُ وَلَمْ أَكُنْ ... لِأُفْرِحَهُ:
أَبْشِرْ بِعَزٍّ وَمَغْنَمِ [3]
تَأَمَّلْ فَإِنَّ الْقَوْمَ سُرَّ وَإِنَّهُمْ ... صَرِيحُ لُؤَيٍّ لَا
شَمَاطِيطُ جُرْهُمِ [4]
وَمَا كَانَ إلَّا بَعْضُ لَيْلَةِ رَاكِبٍ ... أَتَى سَاعِيًا [5] مِنْ
غَيْرِ خَلَّةِ مُعْدِمِ |