سيرة ابن
هشام ت السقا حَدِيثُ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي صَفَرٍ
سَنَةَ أَرْبَعٍ
(بَعْثُ بِئْرِ مَعُونَةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَقِيَّةَ شَوَّالٍ وَذَا الْقَعْدَةِ وَذَا الْحِجَّةِ-
وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجَّةَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُحَرَّمَ-، ثُمَّ بَعَثَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَ بِئْرِ
مَعُونَةَ فِي صَفَرٍ، عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ أُحُدٍ.
__________
[ () ] وَقَالَ فِي التَّعْلِيق عَلَيْهِ: على بن مَسْعُود الغساني، وحضن
بنى عبد منَاف بن كنَانَة فنسبوا إِلَيْهِ.
[1] أثيبوا: من الثَّوَاب.
[2] أرْدف حرف الروي بباء مَفْتُوح مَا قبلهَا، فَخَالف بذلك سَائِر
أَبْيَات القصيدة، وَهَذَا عيب من عُيُوب القافية، يُسمى: التَّوْجِيه،
وَهُوَ أَن يخْتَلف مَا قبل الردف.
[3] ترك تَنْوِين «طَارق» هُنَا لضَرُورَة إِقَامَة وزن الشّعْر، وَهُوَ
سَائِغ على مَذْهَب الْكُوفِيّين، والبصريون لَا يرونه. وَالْحمام:
الْمَوْت
[4] المقادة: الانقياد والمذلة، ويجالد: يضارب بِالسَّيْفِ.
[5] يجدل: يَقع بِالْأَرْضِ، وَاسم الأَرْض: الحدالة.
(2/183)
(سَبَبُ إرْسَالِهِ) :
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ، كَمَا حَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ
عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرو بن جزم،
وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: قَدِمَ أَبُو بَرَاءٍ عَامِرُ
بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ مُلَاعِبُ الْأَسِنَّةِ [1] عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ، وَدَعَاهُ
إلَيْهِ، فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَبْعُدْ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: يَا
مُحَمَّدُ، لَوْ بَعَثْتَ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِكَ إلَى أَهْلِ نَجْدٍ،
فَدَعَوْهُمْ إلَى أَمْرِكَ، رَجَوْتُ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنِّي أَخْشَى
عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ، قَالَ أَبُو بَرَاءٍ: أَنَا لَهُمْ جَارٍ،
فَابْعَثْهُمْ فَلْيَدْعُوا النَّاسَ إلَى أَمْرِكَ.
(رِجَالُ الْبَعْثِ) :
فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْذِرَ
بْنَ عَمْرٍو، أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ، الْمُعْنِقَ لِيَمُوتَ [2] فِي
أَرْبَعِينَ رَجُلًا [3] مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ،
مِنْهُمْ:
الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ، وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ
بْنِ النَّجَّارِ، وَعُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ الصَّلْتِ السُّلَمِيُّ،
وَنَافِعُ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ، وَعَامِرُ بْنُ
فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فِي رِجَالٍ مُسَمَّيْنَ
مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ. فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا بِبِئْرِ
مَعُونَةَ، وَهِيَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ وَحَرَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ،
كِلَا الْبَلَدَيْنِ مِنْهَا قَرِيبٌ، وَهِيَ إلَى حَرَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ
أَقْرَبُ.
(غَدْرُ عَامِرٍ بِهِمْ) :
فَلَمَّا نَزَلُوهَا بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عَدُوِّ اللَّهِ عَامِرِ
بْنِ الطُّفَيْلِ، فَلَمَّا أَتَاهُ لَمْ يَنْظُرْ فِي كِتَابِهِ حَتَّى
عَدَا عَلَى الرَّجُلِ فَقَتَلَهُ،
__________
[1] وسمى أَبُو برَاء ملاعب الأسنة بقوله يُخَاطب أَخَاهُ فَارس قرزل،
وَكَانَ قد فر عَنهُ فِي حَرْب كَانَت بَين قيس وَتَمِيم.
فَرَرْت وَأسْلمت ابْن أمك عَامِرًا ... يلاعب أَطْرَاف الوشيج المزعزع
[2] المعنق ليَمُوت، أَي المسرع، وَإِنَّمَا لقب بذلك لِأَنَّهُ أسْرع
إِلَى الشَّهَادَة.
[3] الصَّحِيح أَنهم كَانُوا سبعين رجلا. (رَاجع البُخَارِيّ، وَمُسلم،
وَالرَّوْض وَشرح الْمَوَاهِب) .
(2/184)
ثُمَّ اسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ بَنِي
عَامِرٍ، فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ،
وَقَالُوا: لَنْ نَخْفِرَ [1] أَبَا بَرَاءٍ، وَقَدْ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا
وَجِوَارًا، فَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ (مِنْ
[2] ) عُصَيَّةَ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ، فَأَجَابُوهُ إلَى ذَلِكَ،
فَخَرَجُوا حَتَّى غَشُوا الْقَوْمَ، فَأَحَاطُوا بِهِمْ فِي رِحَالِهِمْ،
فَلَمَّا رَأَوْهُمْ أَخَذُوا سُيُوفَهُمْ، ثُمَّ قَاتَلُوهُمْ حَتَّى
قُتِلُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ، يَرْحَمُهُمْ اللَّهُ، إلَّا كَعْبَ بْنَ
زَيْدٍ، أَخَا بَنِي دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ، فَإِنَّهُمْ تَرَكُوهُ
وَبِهِ رَمَقٌ، فَارْتُثَّ [3] مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى، فَعَاشَ حَتَّى
قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا، رَحِمَهُ اللَّهُ.
(ابْنُ أُمَيَّةَ وَالْمُنْذِرُ وَمَوْقِفُهُمَا مِنْ الْقَوْمِ بَعْدَ
عِلْمِهِمَا بِمَقْتَلِ أَصْحَابِهِمَا) :
وَكَانَ فِي سَرْحِ الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ،
وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ
أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمْ يُنْبِئْهُمَا بِمُصَابِ أَصْحَابِهِمَا
إلَّا الطَّيْرُ تَحُومُ على الْعَسْكَر، فَقَالَا: وَاَللَّهِ إنَّ
لِهَذِهِ الطَّيْرِ لَشَأْنًا، فَأَقْبَلَا لِيَنْظُرَا، فَإِذَا الْقَوْمُ
فِي دِمَائِهِمْ، وَإِذَا الْخَيْلُ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ وَاقِفَةٌ.
فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: مَا تَرَى؟ قَالَ:
أَرَى أَنْ نَلْحَقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَنُخْبِرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: لَكِنِّي مَا كُنْتُ
لِأَرْغَبَ بِنَفْسِي عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ بْنُ
عَمْرٍو، وَمَا كُنْتُ لِتُخْبِرَنِي عَنْهُ الرِّجَالُ، ثُمَّ قَاتَلَ
الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ، وَأَخَذُوا عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ أَسِيرًا،
فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مِنْ مُضَرَ، أَطْلَقَهُ عَامِرُ بْنُ
الطُّفَيْلِ، وَجَزَّ نَاصِيَتَهُ، وَأَعْتَقَهُ عَنْ رَقَبَةٍ زَعَمَ
أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى أُمِّهِ.
__________
[1] نخفر: ننقض عَهده.
[2] زِيَادَة عَن أ.
[3] ارتث: أَي رفع وَبِه جراح، يُقَال: ارتث الرجل من معركة الْحَرْب: إِذا
رفع مِنْهَا وَبِه بَقِيَّة حَيَاة.
(2/185)
(قَتْلُ الْعَامِرِيَّيْنِ) :
فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، حَتَّى إذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ [1]
مِنْ صَدْرِ قَنَاةٍ [2] ، أَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: (ثُمَّ [3] ) مِنْ بَنِي كِلَابٍ، وَذَكَرَ أَبُو
عَمْرٍو الْمَدَنِيُّ أَنَّهُمَا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتَّى نَزَلَا مَعَهُ فِي ظِلٍّ هُوَ فِيهِ.
وَكَانَ مَعَ الْعَامِرِيَّيْنِ عَقْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِوَارٌ، لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ،
وَقَدْ سَأَلَهُمَا حِينَ نَزَلَا، مِمَّنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَا: مِنْ
بَنِي عَامِرٍ، فَأَمْهَلَهُمَا، حَتَّى إذَا نَامَا، عَدَا عَلَيْهِمَا
فَقَتَلَهُمَا، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ بِهِمَا ثُؤْرَةً [4]
مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فِيمَا أَصَابُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ
الْخَبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ
قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ، لَأَدِيَنَّهُمَا!
(حُزْنُ الرَّسُولِ مِنْ عَمَلِ أَبِي بَرَاءٍ) :
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا
عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، قَدْ كُنْتُ لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوِّفًا.
فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَرَاءٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِ إخْفَارُ عَامِرٍ
إيَّاهُ، وَمَا أَصَابَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِسَبَبِهِ وَجِوَارِهِ، وَكَانَ فِيمَنْ أُصِيبَ عَامِرُ بْنُ
فُهَيْرَةَ.
(أَمْرُ ابْنِ فُهَيْرَةَ بَعْدَ مَقْتَلِهِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ كَانَ يَقُولُ: مَنْ رَجُلٌ مِنْهُمْ
لَمَّا قُتِلَ رَأَيْتُهُ رُفِعَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى
رَأَيْتُ السَّمَاءَ مِنْ دُونِهِ؟ قَالُوا: هُوَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
[5] .
__________
[1] هِيَ قرقرة الكدر، مَوضِع بِنَاحِيَة الْمَعْدن، قريب من الأرحضية،
بَينه وَبَين الْمَدِينَة ثَمَانِيَة برد.
(عَن مُعْجم الْبلدَانِ) .
[2] قناة: وَاد يأتى من الطَّائِف وَيصب فِي الأرحضية وقرقرة الكدر. (عَن
مُعْجم الْبلدَانِ) .
[3] زِيَادَة عَن أ.
[4] الثؤرة: الثأر.
[5] قَالَ السهيليّ: «هَذِه رِوَايَة البكائي عَن ابْن إِسْحَاق. وروى
يُونُس بن بكير عَنهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد
(2/186)
(سَبَبُ إسْلَامِ بن سَلْمَى) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ بَنِي جَبَّارِ بْنِ
سَلْمَى بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ- وَكَانَ جَبَّارٌ فِيمَنْ
حَضَرَهَا [1] يَوْمَئِذٍ مَعَ عَامِرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ- (قَالَ) [2]
فَكَانَ يَقُولُ:
إنَّ مِمَّا دَعَانِي إلَى الْإِسْلَامِ أَنِّي طَعَنْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ
يَوْمَئِذٍ بِالرُّمْحِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَنَظَرْتُ إلَى سِنَانِ
الرُّمْحِ حِينَ خَرَجَ مِنْ صَدْرِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فُزْتُ
وَاَللَّهِ! فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:
مَا فَازَ! أَلَسْتُ قَدْ قَتَلْتُ الرَّجُلَ! قَالَ: حَتَّى سَأَلْتُ
بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ، فَقَالُوا:
لِلشَّهَادَةِ، فَقلت: فَازَ لعمر وَالله.
(شِعْرُ حَسَّانٍ فِي تَحْرِيضِ بَنِي أَبِي بَرَاءٍ عَلَى عَامِرٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرِّضُ بَنِي
أَبِي بَرَاءٍ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ:
بَنِي أُمَّ الْبَنِينَ أَلَمْ يَرُعْكُمْ ... وَأَنْتُمْ مِنْ ذَوَائِبِ
أَهْلِ نَجْدِ [3]
تَهَكُّمُ عَامِرٍ بِأَبِي بَرَاءٍ ... لِيُخْفِرَهُ وَمَا خَطَأٌ كَعَمْدِ
__________
[ () ] أَن عَامر بن الطُّفَيْل قدم الْمَدِينَة بعد ذَلِك، وَقَالَ
للنّبيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: من رجل يَا مُحَمَّد لما طعنته
رفع إِلَى السَّمَاء؟ فَقَالَ: هُوَ عَامر بن فهَيْرَة» .
[1] حضرها، أَي حضر يَوْم بِئْر مَعُونَة.
[2] زِيَادَة عَن أ.
[3] قَالَ أَبُو ذَر: يُرِيد قَول لبيد:
نَحن بنى أم الْبَنِينَ الْأَرْبَعَة
وَكَانُوا نجباء فُرْسَانًا، وَيُقَال إِنَّهُم كَانُوا خَمْسَة، لَكِن
لبيدا جعلهم أَرْبَعَة لإِقَامَة القافية ... وَقَالَ السهيليّ:
وَإِنَّمَا قَالَ الْأَرْبَعَة وهم خَمْسَة (طفيل وعامر وَرَبِيعَة
وَعبيدَة الوضاح وَمُعَاوِيَة، ومعوذ الْحُكَمَاء) لِأَن أَبَاهُ ربيعَة قد
كَانَ مَاتَ قبل ذَلِك، لَا كَمَا قَالَ بعض النَّاس، وَهُوَ قَول يعزى
إِلَى الْفراء. أَنه قَالَ أَرْبَعَة وَلم يقل خَمْسَة، من أجل القوافي.
فَيُقَال لَهُ: لَا يجوز للشاعر أَن يلحن لإِقَامَة وزن الشّعْر، فَكيف
بِأَن يكذب لإِقَامَة الْوَزْن، وأعجب من هَذَا أَنه اسْتشْهد بِهِ على
تَأْوِيل فَاسد تَأْوِيله فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى «وَلِمَنْ
خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ» 55: 46. وَقَالَ: أَرَادَ جنَّة وَاحِدَة،
وَجَاء بِلَفْظَة التَّثْنِيَة ليتفق رُءُوس الْآي أَو كلَاما هَذَا
مَعْنَاهُ» . ثمَّ قَالَ السهيليّ: «وَمِمَّا يدلك على أَنهم كَانُوا
أَرْبَعَة حِين قَالَ لبيد هَذِه الْمقَالة، أَن فِي الْخَبَر ذكر يتم لبيد
وَصغر سنه، وَأَن أَعْمَامه الْأَرْبَعَة استصغروه أَن يدخلوه مَعَهم على
النُّعْمَان حِين هَمهمْ مَا قاولهم بِهِ الرّبيع ابْن زِيَاد، فسمعهم لبيد
يتحدثون بذلك ويهتمون لَهُ، فَسَأَلَهُمْ أَن يدخلوه مَعَهم على
النُّعْمَان وَزعم أَنه سيفحمه، فتهاونوا بقوله، واختبروه بأَشْيَاء،
وَكَانَ من حَدِيث ذَلِك أَن دخل وَألقى بَين يَدَيْهِ قصيدته:
نَحن بنى أم الْبَنِينَ الأربعه ... المطعمون الْجَفْنَة المدعدعه
والذوائب: الأعالي.
(2/187)
أَلَا أَبْلِغْ رَبِيعَةَ ذَا الْمَسَاعِي
... فَمَا أَحْدَثْتَ فِي الْحَدَثَانِ بَعْدِي [1]
أَبُوكَ أَبُو الْحُرُوبِ أَبُو بَرَاءٍ ... وَخَالُكَ مَاجِدٌ حَكَمُ بْنُ
سَعْدِ
(نَسَبُ حَكَمِ وَأُمِّ الْبَنِينَ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَكَمُ بْنُ سَعْدٍ: مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ،
وَأُمُّ الْبَنِينَ: بِنْتُ عَمْرِو [2] بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ
عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَهِيَ أُمُّ أَبِي بَرَاءٍ.
(طَعْنُ رَبِيعَةَ لِعَامِرِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَمَلَ رَبِيعَةُ (بْنُ عَامِرِ) [3] بْنِ مَالِكِ
عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، فَطَعَنَهُ بِالرُّمْحِ، فَوَقَعَ فِي
فَخِذِهِ، فَأَشْوَاهُ [4] ، وَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ، فَقَالَ: هَذَا
عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، إنْ أَمُتْ فَدَمِي لِعَمِّي، فَلَا يُتْبَعَنَّ
بِهِ، وَإِنْ أَعِشْ فَسَأَرَى رَأْيِي فِيمَا أُتِيَ إلَيَّ.
(مَقْتَلُ ابْنِ وَرْقَاءَ وَرِثَاءُ ابْنِ رَوَاحَةَ لَهُ) :
وَقَالَ أَنَسُ بْنُ عَبَّاسٍ السُّلَمِيُّ، وَكَانَ خَالَ طُعَيْمَةَ بْنَ
عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ، وَقَتَلَ يَوْمَئِذٍ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ
وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ:
تَرَكْتُ ابْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ ثَاوِيًا ... بِمُعْتَرَكِ تَسْفِي
عَلَيْهِ الْأَعَاصِرُ [5]
ذَكَرْتُ أَبَا الرَّيَّانِ لَمَّا رَأَيْتُهُ [6] ... وَأَيْقَنْتُ أَنِّي
عِنْدَ ذَلِكَ ثَائِرُ [7]
وَأَبُو الرَّيَّانِ: طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَبْكِي نَافِعَ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ
وَرْقَاءَ:
رَحِمَ اللَّهُ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلٍ ... رَحْمَةَ الْمُبْتَغِي ثَوَابَ
الْجِهَادِ
صَابِرٌ صَادِقٌ وَفِيٌّ إذَا مَا ... أَكْثَرَ الْقَوْمُ قَالَ قَوْلَ
السِّدَادِ
__________
[1] المساعي: السَّعْي فِي طلب الْمجد والمكارم.
[2] قَالَ السهيليّ: «وَاسْمهَا ليلى بنت عَامر، فِيمَا زَعَمُوا»
[3] زِيَادَة عَن أ.
[4] أشواه: أَخطَأ مَقْتَله.
[5] المعترك: الْموضع الضّيق فِي الْحَرْب. وتسفى: تأتى إِلَيْهِ
بِالتُّرَابِ. والأعاصر: الرِّيَاح الَّتِي يلتف مَعهَا الْغُبَار.
[6] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول والمؤتلف والمختلف وَالرَّوْض رِوَايَة عَن
إِبْرَاهِيم بن سعد. وَفِي أ:
«الزبان» وَذكر أَبُو ذَر أَن الأولى هِيَ الصَّوَاب فِيهِ.
[7] ثَائِر: آخذ بِثَأْرِي.
(2/188)
(شِعْرُ حَسَّانٍ فِي بُكَاءِ قَتْلَى
بِئْرِ مَعُونَةَ) :
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ،
وَيَخُصُّ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو:
عَلَى قَتْلَى مَعُونَةَ فَاسْتَهِلِّي ... بِدَمْعِ الْعَيْنِ سَحًّا
غَيْرَ نَزْرِ [1]
عَلَى خَيْلِ الرَّسُولِ غَدَاةَ لَاقَوْا ... مَنَايَاهُمْ وَلَاقَتْهُمْ
بِقَدْرِ [2]
أَصَابَهُمْ الْفَنَاءُ بِعَقْدِ قَوْمٍ ... تُخُوِّنَ عَقْدُ حَبْلِهِمْ
بِغَدْرِ [3]
فَيَا لَهْفِي لِمُنْذِرٍ إذْ تَوَلَّى ... وَأَعْنَقَ فِي مَنِيَّتِهِ
بِصَبْرِ [4]
وَكَائِنْ قَدْ أُصِيبَ غَدَاةَ ذَاكُمْ ... مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ مِنْ
سِرِّ عَمْرِو [5]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي آخِرَهَا بَيْتًا أَبُو زَيْدٍ
الْأَنْصَارِيُّ.
(شِعْرُ كَعْبٍ فِي يَوْمِ بِئْرِ مَعُونَةَ) :
وَأَنْشَدَنِي لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي يَوْمِ بِئْرِ مَعُونَةَ،
يُعَيِّرُ بَنِي جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ:
تَرَكْتُمْ جَارَكُمْ لِبَنِي سُلَيْمٍ ... مَخَافَةَ حَرْبِهِمْ عَجْزًا
وَهُونَا [6]
فَلَوْ حَبْلًا تَنَاوَلَ مِنْ عُقَيْلٍ ... لَمَدَّ بِحَبْلِهَا حَبْلًا
مَتِينَا [7]
أَوْ الْقُرَطُاءُ مَا إنْ أَسْلَمُوهُ ... وَقِدْمًا مَا وَفَوْا إذْ لَا
تَفُونَا
(نَسَبُ الْقُرَطَاءِ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقُرَطَاءُ: قَبِيلَةٌ مِنْ هَوَازِنَ، وَيُرْوَى
«مِنْ نُفَيْلٍ» مَكَانَ «مِنْ عُقَيْلٍ» ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ
الْقُرَطَاءَ مِنْ نُفَيْلٍ قَرِيبٌ [8] .
__________
[1] استهلى: أسبلى دمعك. والسح: الصب، والنزر: الْقَلِيل.
[2] كَذَا فِي ديوانه. وَفِي الْأُصُول:
ولاقتهم مناياهم بِقدر
[3] تخون: تنقص (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) .
[4] أعنق: أسْرع. والعنق بِفتْحَتَيْنِ: ضرب من السّير سريع.
[5] سر الْقَوْم: خبرهم وخالصهم.
[6] الْهون: الهوان، والهون لُغَة الْحِجَازِيِّينَ.
[7] يعْنى «بالحبل» : الْعَهْد والذمة.
[8] قَالَ أَبُو ذَر: «القرطاء: بطُون من الْعَرَب من بنى كلاب، وهم: قراط
(بِالضَّمِّ) وقريط (بِالتَّصْغِيرِ) وقريط (بِفَتْح فَكسر) . ويسمون
القروط أَيْضا» .
(2/189)
|