سيرة ابن
هشام ت السقا أَمْرُ الْمُهَاجِرَاتِ بَعْدَ الْهُدْنَةِ
(هِجْرَةُ أُمِّ كُلْثُومٍ إِلَى الرَّسُولِ وَإِبَاؤُهُ رَدَّهَا) :
(قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ) [9] : وَهَاجَرَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي
مُعِيطٍ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَخَرَجَ أَخَوَاهَا عِمَارَةُ
وَالْوَلِيدُ ابْنَا عُقْبَةَ،
__________
[1] أتوعدني: أَتُهَدِّدُنِي.
[2] أسامى: أعانى. وأرادى: أرامى، يُقَال: راديته، إِذا راميته.
[3] الظَّوَاهِر: مَا علا من مَكَّة. والبواطن: مَا انخفض مِنْهَا.
والعوادي: جَوَانِب الأودية.
[4] الطمرة: الْفرس الوثابة السريعة. والنهد: الغليظ. وسواهم: عوابس
متغيرة. وطوين:
ضعفن وضمرن.
[5] الْخيف: مَوضِع بمنى. والرواق: ضرب من الأخبية.
[6] لَا يناوى: لَا يعادى، وَترك همزه لضَرُورَة الشّعْر.
[7] الْقَيْن: الْحداد.
[8] الثماد: المَاء الْقَلِيل.
[9] زِيَادَة عَن أ.
(2/325)
حَتَّى قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلَانِهِ أَنْ يَرُدَّهَا
عَلَيْهِمَا بِالْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فِي
الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ.
(سُؤَالُ ابْنِ هُنَيْدَةَ لِعُرْوَةِ عَنْ آيَةِ الْمُهَاجِرَاتِ
وَرَدُّهُ عَلَيْهِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَكْتُبُ كِتَابًا إِلَى
ابْن أَبى هنيدة، صَاحِبِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَتَبَ
إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ،
اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ، وَلا هُمْ
يَحِلُّونَ لَهُنَّ، وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ
أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، وَلا تُمْسِكُوا
بِعِصَمِ الْكَوافِرِ 60: 10.
(تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ) :
- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاحِدَةُ الْعِصَمِ: عِصْمَةٌ، وَهِيَ الْحَبْلُ
وَالسَّبَبُ. قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:
إلَى الْمَرْءِ قَيْسٍ نُطِيلُ السُّرَى ... وَنَأْخُذُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ
عِصَمِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قصيدة لَهُ.
«وَسْئَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ، وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنْفَقُوا، ذلِكُمْ
حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ 60: 10» .
(عَوْدٌ إلَى جَوَابِ عُرْوَةَ) :
قَالَ: فَكَتَبَ إلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ
وَلِيِّهِ، فَلَمَّا هَاجَرَ النِّسَاءُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، أَبَى اللَّهُ أَنْ يُرْدَدْنَ
إلَى الْمُشْرِكِينَ إذَا هُنَّ اُمْتُحِنَّ بِمِحْنَةِ الْإِسْلَامِ،
فَعَرَفُوا أَنَّهُنَّ إنَّمَا جِئْنَ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، وَأَمَرَ
بِرَدِّ صَدُقَاتِهِنَّ إلَيْهِمْ إنْ احْتَبَسْنَ عَنْهُمْ، إنْ هُمْ
رَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَدَاقَ مَنْ حُبِسُوا عَنْهُمْ مِنْ
نِسَائِهِمْ، ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، وَاَللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ. فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ النِّسَاءَ وَرَدَّ الرِّجَالَ، وَسَأَلَ الَّذِي
(2/326)
أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ
صَدُقَاتِ نِسَاءِ مَنْ حُبِسُوا مِنْهُنَّ، وَأَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ
مِثْلَ الَّذِي يَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ، إنْ هُمْ فَعَلُوا، وَلَوْلَا
الَّذِي حَكَمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ لَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ كَمَا رَدَّ الرِّجَالَ،
وَلَوْلَا الْهُدْنَةُ وَالْعَهْدُ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ لَأَمْسَكَ النِّسَاءَ، وَلَمْ يَرْدُدْ
لَهُنَّ صَدَاقًا، وَكَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ بِمَنْ جَاءَهُ مِنْ
الْمُسْلِمَاتِ قَبْلَ الْعَهْدِ.
(سُؤَالُ ابْنِ إسْحَاقَ الزُّهْرِيَّ عَنْ آيَةِ الْمُهَاجِرَاتِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ،
وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا:
وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ،
فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا،
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ 60: 11 فَقَالَ:
يَقُولُ: إنْ فَاتَ أَحَدًا مِنْكُمْ أَهْلُهُ إلَى الْكُفَّارِ، وَلَمْ
تَأْتِكُمْ امْرَأَةٌ تَأْخُذُونَ بِهَا مِثْلَ الَّذِي يَأْخُذُونَ
مِنْكُمْ، فَعَوَّضُوهُمْ مِنْ فَيْءٍ إنْ أَصَبْتُمُوهُ، فَلَمَّا
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ
60: 10 ... إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ
الْكَوافِرِ 60: 10، كَانَ مِمَّنْ طَلَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،
طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قُرَيْبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ،
فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُمَا عَلَى
شِرْكِهِمَا بِمَكَّةَ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ جَرْوَلَ أُمُّ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْخُزَاعِيَّةُ، فَتَزَوَّجَهَا أَبُو جَهْمِ بْنِ
حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَهُمَا عَلَى
شِرْكِهِمَا.
(بُشْرَى فَتْحِ مَكَّةَ وَتَعَجُّلُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ بَعْضَ مَنْ
كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ
لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ: أَلَمْ تَقُلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ
تَدْخُلُ مَكَّةَ آمِنًا؟ قَالَ:
بَلَى، أَفَقُلْتُ لَكُمْ مِنْ عَامِي هَذَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهُوَ
كَمَا قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. [1]
__________
[1] إِلَى هُنَا ينتهى الْجُزْء الْخَامِس عشر من أَجزَاء السِّيرَة.
(2/327)
|