سيرة ابن هشام ت السقا

أَمْرُ الْأَسْوَدِ الرَّاعِي فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ

(إِسْلَامُهُ وَاسْتِشْهَادُهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ الرَّاعِي، فِيمَا بَلَغَنِي: أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ لِبَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ، وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ، كَانَ فِيهَا أَجِيرًا لِرَجُلِ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْرِضْ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ، فَعَرَّضَهُ عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ- وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْقِرُ أَحَدًا أَنْ يَدْعُوَهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَيَعْرِضَهُ عَلَيْهِ- فَلَمَّا أَسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ أَجِيرًا لِصَاحِبِ
__________
[1] فِي الطَّبَرِيّ: «أَبُو ضياح النُّعْمَان بن ثَابت بن النُّعْمَان بن أُميَّة بن البرك» .
[2] اسْمه النُّعْمَان، وَقيل عُمَيْر. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) .
[3] هُوَ طَلْحَة بن يحيى بن مليل بن ضَمرَة. (رَاجع شرح السِّيرَة) .

(2/344)


هَذِهِ الْغَنَمِ، وَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدِي، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: اضْرِبْ فِي وُجُوهِهَا، فَإِنَّهَا سَتَرْجِعُ إلَى رَبِّهَا- أَوْ كَمَا قَالَ- فَقَالَ الْأَسْوَدُ، فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْحَصَى [1] ، فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهَا، وَقَالَ: ارْجِعِي إِلَى صَاحبك، فو الله لَا أَصْحَبُكَ أَبَدًا، فَخَرَجَتْ مُجْتَمَعَةً، كَأَنَّ سَائِقًا يَسُوقُهَا، حَتَّى دَخَلَتْ الْحِصْنَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَى ذَلِكَ الْحِصْنِ لِيُقَاتِلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَصَابَهُ حَجَرٌ فَقَتَلَهُ، وَمَا صَلَّى للَّه صَلَاةً قَطُّ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوُضِعَ خَلْفَهُ، وَسُجِّيَ بِشَمْلَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ أَعَرَضَ عَنْهُ، فَقَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ أَعَرَضْتُ عَنْهُ؟ قَالَ: إنَّ مَعَهُ الْآنَ زَوْجَتَيْهِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ: أَنَّ الشَّهِيدَ إذَا مَا أُصِيبَ تَدَلَّتْ (لَهُ) [2] زَوْجَتَاهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، عَلَيْهِ تَنْفُضَانِ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ، وَتَقُولَانِ: تَرَّبَ اللَّهُ وَجْهَ مَنْ تَرَّبَكَ، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَكَ.