سيرة ابن هشام ت السقا

قِصَّةُ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ فِي الْوِفَادَةِ عَنْ بَنِي عَامِرٍ

(بَعْضُ رِجَالِ الْوَفْدِ) :
وَقَدَمِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ بَنِي عَامِرٍ، فِيهِمْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ
__________
[1] لمؤتى لَهُ: لموفق لَهُ.
[2] فِي أ: «أَعلَى» .
[3] فِي ظهْرهمْ: فِي إبلهم.
[4] الهلباء: يُرِيد بهَا دبره، من الهلب، وَهُوَ الخشن من الشّعْر.
[5] الرهو: المتسع. والنواجذ: الْأَسْنَان. ومقع على الذَّنب: جَالس على أليتيه، ضام سَاقيه، ممر ذَنبه خَلفه.

(2/567)


وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَزْءِ [1] بْنِ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَجَبَّارُ بْنُ سَلْمَى بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ رُؤَسَاءَ الْقَوْمِ وَشَيَاطِينَهُمْ.

(تَدْبِيرُ عَامِرٍ لِلْغَدْرِ بِالرَّسُولِ) :
فَقَدِمَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ عَدُوُّ اللَّهِ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُرِيدُ الْغَدْرَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: يَا عَامِرُ، إنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا فَأَسْلِمْ. قَالَ:
وَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ آلَيْتُ أَنْ لَا أَنْتَهِيَ حَتَّى تَتْبَعَ الْعَرَبُ عَقِبِي، أَفَأَنَا أَتْبَعُ عَقِبَ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ! ثُمَّ قَالَ لِأَرْبَدَ: إذَا قَدِمْنَا عَلَى الرَّجُلِ، فَإِنِّي سَأَشْغَلُ عَنْكَ وَجْهَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَاعْلُهُ [2] بِالسَّيْفِ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: يَا مُحَمَّدُ، خَالِنِي [3] ، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ حَتَّى تُؤْمِنَ باللَّه وَحْدَهُ. قَالَ: يَا مُحَمَّدُ خَالِنِي. وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ وَيَنْتَظِرُ مِنْ أَرْبَدَ مَا كَانَ أَمَرَهُ بِهِ، فَجَعَلَ أَرْبَدُ لَا يُحِيرُ شَيْئًا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى عَامِرُ مَا يَصْنَعُ أَرْبَدُ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ خَالِنِي قَالَ: لَا، حَتَّى تُؤْمِنَ باللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا وَرِجَالًا، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ. فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَامِرٌ لِأَرْبَدَ: وَيْلَكَ يَا أَرْبَدُ أَيْنَ مَا كُنْتُ أَمَرْتُكَ بِهِ؟ وَاَللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَجُلٌ هُوَ أَخْوَفَ عِنْدِي عَلَى نَفْسِي مِنْكَ. وَاَيْمُ اللَّهِ لَا أَخَافُكَ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا. قَالَ: لَا أَبَا لَكَ! لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، وَاَللَّهِ مَا هَمَمْتُ بِاَلَّذِي أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ أَمْرِهِ إلَّا دَخَلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّجُلِ، حَتَّى مَا أَرَى غَيْرَكَ، أَفَأَضْرِبكَ بِالسَّيْفِ؟

(مَوْتُ عَامِرٍ بِدُعَاءِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ) :
وَخَرَجُوا رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، بَعَثَ اللَّهُ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ الطَّاعُونَ فِي عُنُقِهِ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولَ، فَجَعَلَ
__________
[1] كَذَا فِي الْأُصُول. وَقَالَ أَبُو ذَر: «وأربد بن قيس بن جزى، كَذَا وَقع هُنَا فِي الأَصْل، وَذكره أَبُو عبيد عَن ابْن الْكَلْبِيّ فَقَالَ: ابْن جُزْء» .
[2] اعله بِالسَّيْفِ: اقتله بِهِ.
[3] خالني (بتَخْفِيف اللَّام) : تفرد لي خَالِيا حَتَّى أتحدث مَعَك. و (بتَشْديد اللَّام) : اتَّخَذَنِي خَلِيلًا وصاحبا، من المخالة، وَهِي الصداقة.

(2/568)


يَقُولُ: يَا بَنِي عَامِرٍ، أَغُدَّةٌ [1] كَغُدَّةِ الْبَكْرِ [2] فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولَ! قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَغُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْإِبِلِ، وَمَوْتًا فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ.

(مَوْتُ أَرْبَدَ بِصَاعِقَةِ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي عَامِرٍ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ أَصْحَابُهُ حِينَ وَارَوْهُ، حِينَ قَدِمُوا أَرْضَ بَنِي عَامِرٍ شَاتِينَ، فَلَمَّا قَدِمُوا أَتَاهُمْ قَوْمُهُمْ فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ يَا أَرْبَدُ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ وَاَللَّهِ، لَقَدْ دَعَانَا إلَى عِبَادَةِ شَيْءٍ لَوَدِدْتُ أَنَّهُ عِنْدِي الْآنَ، فَأَرْمِيَهُ بِالنَّبْلِ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَخَرَجَ بَعْدَ مَقَالَتِهِ بِيَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ مَعَهُ جَمْلٌ لَهُ يَتْبَعُهُ [3] ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَلِهِ صَاعِقَةً، فَأَحْرَقَتْهُمَا. وَكَانَ أَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ أَخَا لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ لِأُمِّهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَامِرٍ وَأَرْبَدَ: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ 13: 8 ... إلَى قَوْلِهِ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ 13: 11 قَالَ: الْمُعَقِّبَاتُ: هِيَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يَحْفَظُونَ مُحَمَّدًا. ثُمَّ ذَكَرَ أَرْبَدَ وَمَا قَتَلَهُ اللَّهُ بِهِ، فَقَالَ: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ 13: 13 إلَى قَوْلِهِ: شَدِيدُ الْمِحالِ 13: 13.

(شِعْرُ لَبِيَدٍ فِي بُكَاءِ أَرْبَدَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ لَبِيدٌ يَبْكِي أَرْبَدَ:
مَا إنْ تُعَدِّي الْمَنُونُ مِنْ أَحَدٍ ... لَا وَالِدٍ مُشْفِقٍ وَلَا وَلَدِ [4]
أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الْحُتُوفَ وَلَا ... أَرْهَبُ نَوْءَ السِّمَاكِ وَالْأَسَدِ
فَعَيْنٍ هَلَّا بَكَيْتُ أَرْبَدَ إذْ ... قُمْنَا وَقَامَ النِّسَاءُ فِي كَبَدِ [5]
__________
[1] الغدة: دَاء يُصِيب الْبَعِير فَيَمُوت مِنْهُ. وَهُوَ شَبيه بالذبحة الَّتِي تصيب الْإِنْسَان.
[2] الْبكر: الْفَتى من الْإِبِل. وَإِنَّمَا تأسف عَامر أَن لم يمت مقتولا، كَمَا يتأسف الشجعان، وتأسف أَيْضا على مَوته فِي بَيت امْرَأَة من سلول، لِأَن بنى سلول قبيل مَوْصُوف عِنْدهم باللؤم، وَلَيْسَ ذَلِك للؤم أصولهم، لِأَن مكانهم من قَومهمْ مَشْهُور، وَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْء غلب عَلَيْهِم كَمَا غلب على محَارب وباهلة.
[3] فِي أ: «يَبِيعهُ» .
[4] تعدى: تتْرك.
[5] كبد: حزن ومشقة.

(2/569)


إنْ يَشْغَبُوا لَا يُبَالِ شَغْبَهُمْ ... أَوْ يَقْصِدُوا فِي الْحُكُومِ يَقْتَصِدْ
حُلْوٌ أَرِيَبٌ وَفِي حَلَاوَتِهِ ... مُرٌّ لَطِيفُ الْأَحْشَاءِ وَالْكَبِدِ [1]
وَعَيْنِ هَلَّا بَكَيْتُ أَرْبَدَ إذْ ... أَلْوَتْ رِيَاحُ الشِّتَاءِ بِالْعَضَدِ [2]
وَأَصْبَحَتْ لَاقِحًا مُصَرَّمَةً ... حَتَّى تَجَلَّتْ غَوَابِرُ الْمُدَدِ [3]
أَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ غَابَةٍ لَحِمٍ ... ذُو نَهْمَةٍ فِي الْعُلَا وَمُنْتَقَدِ [4]
لَا تَبْلُغُ الْعَيْنُ كُلَّ نَهْمَتِهَا ... لَيْلَةَ تُمْسَى الْجِيَادُ كَالْقِدَدِ [5]
الْبَاعِثُ النَّوْحَ فِي مَآتِمِهِ ... مِثْلَ الظِّبَاءِ الْأَبْكَارِ بِالْجَرَدِ [6]
فَجَعَنِي الْبَرْقُ وَالصَّوَاعِقُ بِالْفَارِسِ ... يَوْمَ الْكَرِيهَةِ النَّجُدِ [7]
وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ إذَا ... جَاءَ نَكِيبًا وَإِنْ يَعُدْ يَعُدْ [8]
يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ وَالسُّؤَالِ كَمَا ... يُنْبِتُ غَيْثُ الرَّبِيعِ ذُو الرَّصَدِ [9]
كُلُّ بَنِي حُرَّةٍ مَصِيرُهُمْ ... قُلٌّ وَإِنْ أَكْثَرَتْ مِنْ الْعَدَدِ [10]
إنْ يُغْبَطُوا يَهْبِطُوا وَإِنْ أُمِرُوا ... يَوْمًا فَهُمْ لِلْهَلَاكِ وَالنَّفَدِ [11]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَيْتُهُ: «وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ» عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَبَيْتُهُ:
«يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ» : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
__________
[1] الأريب: الْعَاقِل الداهي.
[2] الْعَضُد: الشحر ذهبت الرّيح بأوراقه. يُرِيد عِنْد الحدب وذبول الْأَشْجَار.
[3] المصرمة: الَّتِي لَا لبن لَهَا. والغوابر: البقايا. وَفِي أ: «حِين تجلت» .
[4] اللَّحْم: الْكثير أكل اللَّحْم. وَذُو نهمة: طموح إِلَى بُلُوغ الغايات. ويروى: «ذُو نهية» أَي عقل. ومنتقد: أَي بصر بالأمور.
[5] القدد: جمع قدة، وَهِي السّير يقطع من الْجلد، يشبه الْخَيل بالسير فِي النحول والضعف.
[6] النوح: جمَاعَة النِّسَاء اللائي يَنحن. والمآتم: جماعات النِّسَاء يجتمعن فِي المناحات. والجرد: الأَرْض الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا.
[7] النجد (بِفَتْح النُّون الْمُشَدّدَة، وَضم الْجِيم) : الشجاع.
[8] الحارب: السالب. والحريب: المسلوب. والنكيب: المنكوب الْمُصَاب.
[9] يعْفُو على الْجهد: يكثر عطاؤه وَيزِيد عِنْد الْجهد وَالْمَشَقَّة، والرصد (محركة) : كلأ قَلِيل.
[10] قل (كقفل) : قَلِيل.
[11] إِن يغبطوا: إِن تستحسن أَحْوَالهم. ويهبطوا: تغير أَحْوَالهم الْأَعْرَاض. وَأمرُوا: كَثُرُوا. والنفد:
انْقِطَاع الشَّيْء وذهابه.

(2/570)


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ:
أَلَا ذَهَبَ الْمُحَافِظُ وَالْمُحَامِي ... وَمَانِعُ ضَيْمِهَا يَوْمَ الْخِصَامِ [1]
وَأَيْقَنْتُ التَّفَرُّقَ يَوْمَ قَالُوا ... تُقُسِّمَ مَالُ أَرْبَدَ بِالسِّهَامِ
تُطِيرُ عَدَائِدَ الْأَشْرَاكِ شَفْعًا ... وَوِتْرًا وَالزَّعَامَةِ لِلْغُلَامِ [2]
فَوَدَّعَ بِالسَّلَامِ أَبَا حُرَيْزٍ ... وَقَلَّ وَدَاعُ أَرْبَدَ بِالسَّلَامِ
وَكُنْتَ إمَامَنَا وَلَنَا نِظَامًا ... وَكَانَ الْجَزْعُ يُحْفَظُ بِالنِّظَامِ [3]
وَأَرْبَدُ فَارِسُ الْهَيْجَا إذَا مَا ... تَقَعَّرَتْ الْمَشَاجِرُ بِالْفِئَامِ [4]
إذَا بَكَرَ النِّسَاءُ مُرَدَّفَاتٍ ... حَوَاسِرَ لَا يُجِئْنَ عَلَى الْخِدَامِ [5]
فَوَاءَلَ يَوْمَ ذَلِكَ مَنْ أَتَاهُ ... كَمَا وَأَلَ الْمُحِلُّ إلَى الْحَرَامِ [6]
وَيَحْمَدُ قِدْرَ أَرْبَدَ مَنْ عَرَاهَا ... إذَا مَا ذُمَّ أَرْبَابُ اللِّحَامِ [7]
وَجَارَتُهُ إذَا حَلَّتْ لَدَيْهِ ... لَهَا نَفَلٌ وَحَظٌّ مِنْ سَنَامِ [8]
فَإِنْ تَقْعُدْ فَمُكْرَمَةٌ حَصَانٌ ... وَإِنْ تَظْعَنْ فَمُحْسِنَةُ الْكَلَامِ [9]
وَهَلْ حُدِّثْتَ عَنْ أَخَوَيْنِ دَامَا ... عَلَى الْأَيَّامِ إلَّا ابْنَيْ شَمَامِ [10]
وَإِلَّا الْفَرْقَدَيْنِ وَآلَ نَعْشٍ ... خَوَالِدَ مَا تُحَدِّثُ بِانْهِدَامِ [11]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
__________
[1] الضيم: الذل.
[2] العدائد: الْأَنْصِبَاء. والأشراك: الشُّرَكَاء. والزعامة: الرِّئَاسَة، وَقيل: أفضل مَال الْمَوْرُوث.
[3] الْجزع: الخرز الْيَمَانِيّ.
[4] المشاجر: ضرب من الهوادج. والفئام: مَا يبسط فِي الهودج ويوطأ بِهِ.
[5] حواسر: كاشفات عَن وجوههن. ويروى: «جوائر» أَي صائحات، من جأر: إِذا رفع صَوته بالصياح. وَلَا يجئن: أَي لَا يغطين. ويروى: «لَا يجبن» : أَي لَا يسترن، كَمَا يرْوى: «لَا يجن» أَي لَا يستر (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) . والخدام: جمع خدمَة، وَهِي السَّاق.
[6] وأل: ألجأ إِلَى موئل.
[7] اللحام: جمع لحم.
[8] النَّفْل: الْعَطِيَّة.
[9] حصان: عفيفة لم يتَعَرَّض لَهَا. وتظعن: ترحل.
[10] ابْنا شمام: جبلان.
[11] الفرقدان وَآل نعش (بَنَات نعش) : من النُّجُوم.

(2/571)


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ:
انْعَ الْكَرِيمَ لِلْكَرِيمِ أَرْبَدَا ... انْعَ الرَّئِيسَ وَاللَّطِيفَ كَبَدَا [1]
يُحْذِي وَيُعْطِي مَالَهُ لِيُحْمَدَا ... أُدْمًا يُشَبَّهْنَ صُوَارًا أَبَدَا [2]
السَّابِلَ [3] الْفَضْلَ إذَا مَا عُدِّدَا ... وَيَمْلَأُ الْجَفْنَةَ مَلْئًا مَدَدَا
رِفْهَا إذَا يَأْتِي ضَرِيكٌ وَرَدَا ... مِثْلُ الَّذِي فِي الْغِيلِ يَقْرُو جُمُدَا [4]
يَزْدَادُ قُرْبًا مِنْهُمْ أَنْ يُوعَدَا ... أَوْرَثْتَنَا تُرَاثَ غَيْرِ أَنْكَدَا [5]
غِبًّا وَمَالًا طَارِفًا وَوَلَدَا ... شَرْخًا صُقُورًا يَافِعًا وَأَمْرَدَا [6]
وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا:
لَنْ تُفْنِيَا خَيْرَاتِ أَرْ ... بَدَ فَابْكِيَا حَتَّى يَعُودَا
قُولَا هُوَ البطل المحامي ... حِينَ يَكْسُونَ الْحَدِيدَا [7]
ويصدّ عنّا الظّالمين ... إذَا لَقِينَا الْقَوْمَ صِيدَا [8]
فاعتاقه ربّ البريّة ... إذْ رَأَى أَنْ لَا خُلُودًا [9]
فَثَوَى وَلَمْ يُوجَعْ وَلَمْ ... يُوصَبْ وَكَانَ هُوَ الْفَقِيدَا [10]
__________
[1] انع: أعلم بِمَوْتِهِ.
[2] يحذى: يعْطى، من الْحذاء، وَهِي الْعَطِيَّة. ويروى: «يجدي» وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. والأدم (بِسُكُون الدَّال) الْإِبِل الْبيض: والصوارم (بِضَم الصَّاد وَكسرهَا) : القطيع من بقر الْوَحْش. وأبدا: جمع آبد، وَهُوَ المستوحش النافر.
[3] فِي م، ر: «السَّائِل» .
[4] رفها: أَي يفعل ذَلِك دَائِما كل يَوْم. والضريك: الْفَقِير. والغيل: أجمة الْأسد. وَيُرِيد بِالَّذِي فِي الغيل: الْأسد. وبقرو: يتتبع. قَالَ أَبُو ذَر: «وجمد اسْم جبل، وَمن رَوَاهُ (جهدا) فَهُوَ من الْجهد وَهِي الطَّاقَة» .
[5] يوعد: يهدد. والتراث: الْمِيرَاث. وَغير أنكد: أَي تراث رجل غير مُعسر.
[6] غبا: بعد موتك. والطارف: المَال المستحدث. وشرخا: شبَابًا. وصقورا: كالصقور واليافع: الّذي قَارب الْحلم. والأمرد: الّذي لم تنْبت لحيته.
[7] يُرِيد بالحديد: الدروع. ويكسون الْحَدِيد، أَي حِين يلبسُونَ الدروع للحرب.
[8] الصَّيْد: جمع أصيد، هُوَ المائل بعنقه كبرا.
[9] اعتاقه: مَنعه من بُلُوغ أمله. ويروى «فاعتافه» : أَي قَصده. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي أ:
«فاعتاقه ريب ... إِلَخ»
[10] لم يوصب: لم يصبهُ وصب، وَهُوَ الْأَلَم.

(2/572)


وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا:
يُذَكِّرُنِي بِأَرْبَدَ كُلُّ خَصْمٍ ... أَلَدَّ تَخَالُ خُطَّتَهُ ضِرَارَا [1]
إذَا اقْتَصَدُوا فَمُقْتَصِدٌ كَرِيمٌ ... وَإِنْ جَارُوا سَوَاءُ الْحَقِّ جَارَا [2]
وَيَهْدِي الْقَوْمَ مُطَّلِعًا إذَا مَا ... دَلِيلُ الْقَوْمِ بِالْمَوْمَاةِ حَارَا [3]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آخِرُهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا:
أَصْبَحْتُ أَمْشِي بَعْدَ سَلْمَى بْنِ مَالِكٍ ... وَبَعْدَ أَبِي قَيْسٍ وَعُرْوَةَ كَالْأَجَبْ [4]
إذَا مَا رَأَى ظِلَّ الْغُرَابِ أَضَجَّهُ ... حِذَارًا عَلَى بَاقِي السَّنَاسِنِ وَالْعَصَبْ [5]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.