سيرة ابن
هشام ت السقا قُدُومُ رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ
الْجُذَامِيِّ
(إِسْلَامُهُ وَحَمْلُهُ كِتَابَ الرَّسُولِ إِلَى قَوْمِهِ) :
وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَبْلَ خَيْبَرَ، رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ
الْجُذَامِيُّ ثُمَّ الضُّبَيْبِيُّ، فَأَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا، وَأَسْلَمَ، فَحَسُنَ إسْلَامُهُ،
وَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا
إلَى قَوْمِهِ.
وَفِي كِتَابِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ
مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لِرِفَاعَةِ بْنِ زَيْدٍ. إِنِّي
بَعَثْتُهُ إلَى قَوْمِهِ عَامَّةً، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِمْ، يَدْعُوهُمْ
إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ فَفِي حِزْبِ
اللَّهِ وَحِزْبِ رَسُولِهِ، وَمَنْ أَدْبَرَ فَلَهُ أَمَانُ شَهْرَيْنِ.
فَلَمَّا قَدِمَ رِفَاعَةُ عَلَى قَوْمِهِ أَجَابُوا وَأَسْلَمُوا، ثُمَّ
سَارُوا إلَى الْحَرَّةِ: حَرَّةِ الرَّجْلَاءِ، وَنَزَلُوهَا.
قُدُومُ وَفْدِ هَمْدَانَ
(أَسْمَاؤُهُمْ وَكَلِمَةُ ابْنِ نَمَطٍ بَيْنَ يَدِيِ الرَّسُولِ
) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدِمَ وَفْدُ هَمْدَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا
(2/596)
حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُذَيْنَةَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي [1]
إسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ هَمْدَانَ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ مَالِكُ ابْن نَمَطٍ،
وَأَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ ذُو الْمِشْعَارِ، وَمَالِكُ بْنُ أَيْفَعَ
وَضِمَامُ بْنُ مَالِكٍ السَّلْمَانِيُّ وَعَمِيرَةُ بْنُ مَالِكٍ
الْخَارِفِيَّ، فَلُقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ وَعَلَيْهِمْ مُقَطَّعَاتُ الْحِبَرَاتِ [2] ،
وَالْعَمَائِمُ الْعَدَنِيَّةُ، بِرِحَالِ الْمَيْسِ [3] عَلَى
الْمَهْرِيَّةِ [4] وَالْأَرْحَبِيَّةِ [5] وَمَالِكِ بْنِ نَمَطٍ وَرَجُلٍ
آخَرَ يَرْتَجِزَانِ بِالْقَوْمِ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا:
هَمْدَانُ خَيْرٌ سُوقَةً وَأَقْيَالْ ... لَيْسَ لَهَا فِي الْعَالَمِينَ
أَمْثَالْ [6]
مَحَلُّهَا الْهَضْبُ وَمِنْهَا الْأَبْطَالْ ... لَهَا إطَابَاتٌ بِهَا
وَآكَالْ [7]
وَيَقُولُ الْآخَرُ:
إلَيْكَ جَاوَزْنَ سَوَادَ الرِّيفِ ... فِي هَبَوَاتِ الصَّيْفِ
وَالْخَرِيفِ [8]
مُخَطَّمَاتٍ بِحِبَالِ اللِّيفِ [9]
فَقَامَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، نَصَّيةٌ [10] مِنْ هَمْدَانَ، مِنْ كُلِّ حَاضِرٍ وَبَادٍ،
أَتَوْكَ عَلَى قُلُصٍ نَوَاجٍ [11] ، مُتَّصِلَةٌ بِحَبَائِلِ
الْإِسْلَامِ،
__________
[1] فِي أ: «ابْن إِسْحَاق السبيعِي» . وَهُوَ تَحْرِيف.
[2] مقطعات: ثِيَاب مخيطة. والحبرات: برود يمنية.
[3] الميس: خشب تصنع مِنْهُ الرّحال الَّتِي تكون على ظُهُور الْإِبِل.
[4] المهرية: الْإِبِل النجيبة، تنْسب إِلَى مهرَة، قَبيلَة بِالْيمن.
[5] الأرحبية: إبل تنْسب إِلَى أرحب. وهم قَبيلَة من هَمدَان، أَو فَحل،
أَو مَكَان تنْسب إِلَيْهِ النجائب.
[6] السوقة: من دون الْمُلُوك من النَّاس. والأقيال. الْمُلُوك دون الْملك
الْأَكْبَر، وأحدهم: قيل.
[7] الهضب: مَا ارْتَفع من الأَرْض، الْوَاحِدَة: هضبة. يصف علو منزلتها.
والإطابات: الْأَمْوَال الطّيبَة. والآكال: مَا يَأْخُذهُ الْملك من رَعيته
وَظِيفَة لَهُ عَلَيْهِم.
[8] السوَاد (هُنَا) : الْقرى الْكَثِيرَة الشّجر وَالنَّخْل. والريف:
الأَرْض الَّتِي تقرب من الْأَنْهَار والمياه الغزيرة. والهبوات: جمع هبوة،
وَهِي الغبرة.
[9] مخطمات: جعل لَهَا خطم، وَهِي الحبال الَّتِي تشد فِي رُءُوس الْإِبِل
على آنافها.
[10] النصية: خِيَار الْقَوْم.
[11] القلص (ككتب) : الْإِبِل الْفتية، الْوَاحِد: قلُوص (كرسول) . ونواج:
مسرعة.
(2/597)
لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ
لَائِمٍ، مِنْ مِخْلَافِ [1] خَارِفٍ وَيَامٍ وَشَاكِرٍ [2] أَهْلُ
السُّودِ وَالْقَوَدِ [3] ، أَجَابُوا دَعْوَةَ الرَّسُولِ، وَفَارَقُوا
الْإِلَهَاتِ [4] الْأَنْصَابَ [5] ، عَهْدُهُمْ لَا يُنْقَضُ مَا
أَقَامَتْ لَعْلَعٌ [6] ، وَمَا جَرَى الْيَعْفُورُ [7] بِصَلَعٍ [8] .
(كِتَابُ الرَّسُولِ بِالنَّهْيِ) :
فَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا
فِيهِ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ مُحَمَّدٍ، لِمِخْلَافِ خَارِفٍ وَأَهْلِ جَنَابِ الْهَضْبِ
وَحِقَافِ [9] الرَّمْلِ، مَعَ وَافِدِهَا ذِي الْمِشْعَارِ مَالِكِ بْنِ
نَمَطٍ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ، عَلَى أَنَّ لَهُمْ فِرَاعَهَا
[10] وَوِهَاطَهَا [11] ، مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ،
يَأْكُلُونَ عِلَافَهَا [12] وَيَرْعُونَ عَافِيَهَا [13] ، لَهُمْ
بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَذِمَامُ رَسُولِهِ، وَشَاهِدُهُمْ
الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ. فَقَالَ فِي ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ:
ذَكَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي فَحْمَةِ الدُّجَى ... وَنَحْنُ بِأَعْلَى
رَحْرَحَانَ وَصَلْدَدِ [14]
وَهُنَّ بِنَا خُوصٌ طَلَائِحُ تَغْتَلِي ... بِرُكْبَانِهَا فِي لَاحِبٍ
مُتَمَدَّدِ [15]
__________
[1] المخلاف: الْمَدِينَة، بلغَة الْيمن.
[2] خارف، ويام، وشاكر: قبائل من الْيمن.
[3] السود: الْإِبِل. والقود: الْخَيل.
[4] الإلهات: جمع إلهة.
[5] الأنصاب: حِجَارَة كَانُوا يذبحون لَهَا. وَفِي أ: «الإلهات والأنصاب»
.
[6] لعلع: جبل.
[7] اليعفور: ولد الظبية.
[8] كَذَا فِي م، ر. وصلع: اسْم مَوضِع. وَفِي ط أ: «بضلع» أَي بِقُوَّة.
[9] الحقاف: جمع حقف، وَهُوَ الرمل المستدير.
[10] الفراع: أعالى الأَرْض.
[11] الوهاط: المنخفض من الأَرْض.
[12] العلاف: ثَمَر الطلح.
[13] عافيها: نباتها الْكثير، يُقَال: عَفا النبت وَغَيره: إِذا كثر.
[14] الفحمة: السوَاد. والدجى: جمع دجية، وَهِي الظلمَة. ورحرحان وصلدد:
موضعان.
[15] الخوص: الغائرة الْعُيُون، الْوَاحِدَة: خوصاء. وطلائح: معيية. وتغتلى
(بالغين الْمُعْجَمَة) تشتد فِي سَيرهَا. واللاحب: الطَّرِيق الْبَين.
(2/598)
عَلَى كُلِّ فَتْلَاءِ الذِّرَاعَيْنِ جَسْرَةٍ ... تَمُرُّ بِنَا مرّ
الهجفّ الخفيدد [1]
حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ إلَى مِنًى ... صَوَادِرَ بِالرُّكْبَانِ
مِنْ هَضْبِ قَرْدَدِ [2]
بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ فِينَا مُصَدَّقُ ... رَسُولٌ أَتَى مِنْ عِنْدِ
ذِي الْعَرْشِ مُهْتَدِي
فَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَشَدَّ عَلَى
أَعْدَائِهِ مِنْ مُحَمَّدِ
وَأَعْطَى إذَا مَا طَالِبُ الْعُرْفِ جَاءَهُ ... وَأَمْضَى بِحَدِّ
الْمَشْرَفِيِّ الْمُهَنَّدِ |