سيرة ابن هشام ت السقا

بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ ذِي الْحَجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرَ، وَضَرَبَ عَلَى النَّاسِ بَعْثًا إلَى الشَّامِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ ابْن زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَاهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُوطِئَ الْخَيْلَ تُخُومَ الْبَلْقَاءِ وَالدَّارُومِ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ، وَأَوْعَبَ [2] مَعَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ.

خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ إلَى الْمُلُوكِ

(تَذْكِيرُ الرَّسُولِ قَوْمَهُ بِمَا حَدَثَ لِلْحَوَارِيِّينَ حِينَ اخْتَلَفُوا عَلَى عِيسَى) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَى الْمُلُوكِ رُسُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَتَبَ مَعَهُمْ إلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ عُمْرَتِهِ الَّتِي صُدَّ عَنْهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَكَافَّةً، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيَّ كَمَا اخْتَلَفَ الْحَوَارِيُّونَ عَلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَكَيْفَ اخْتَلَفَ الْحَوَارِيُّونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: دَعَاهُمْ إلَى الَّذِي دَعَوْتُكُمْ إلَيْهِ، فَأَمَّا مِنْ بَعَثَهُ مَبْعَثًا قَرِيبًا فَرَضِيَ
__________
[1] قزَح (بِضَم فَفتح) جبل بِالْمُزْدَلِفَةِ.
[2] أوعب الْمُهَاجِرُونَ: جمعُوا مَا اسْتَطَاعُوا من جمع.

(2/606)


وَسَلِمَ، وَأَمَّا مَنْ بَعَثَهُ مَبْعَثًا بَعِيدًا فَكَرِهَ وَجْهُهُ وَتَثَاقَلَ، فَشَكَا ذَلِكَ عِيسَى إلَى اللَّهِ، فَأَصْبَحَ الْمُتَثَاقِلُونَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ الْأُمَّةِ الَّتِي بُعِثَ إلَيْهَا.

(أَسَمَاءُ الرُّسُلِ وَمَنْ أُرْسِلُوا إلَيْهِمْ) :
فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُسُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَتَبَ مَعَهُمْ كُتُبًا إلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ فِيهَا إلَى الْإِسْلَامِ. فَبَعَثَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ إلَى قَيْصَرَ، مَلِكِ الرُّومِ، وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إلَى كِسْرَى، مَلِكِ فَارِسَ، وَبَعَثَ عَمْرَو ابْن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إلَى النَّجَاشِيِّ، مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَبَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُقَوْقَسِ، مَلِكِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ السَّهْمِيَّ إلَى جَيْفَرٍ وَعَيَّادٍ ابْنَيْ الْجُلُنْدَى الْأَزْدِيَّيْنِ، مَلِكَيْ عُمَانَ، وَبَعَثَ سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو، أَحَدَ بَنِي عَامِرِ ابْن لُؤَيٍّ، إلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ، وَهَوْذَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّينَ، مَلِكَيْ الْيَمَامَةِ، وَبَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ، مَلِكَ الْبَحْرَيْنِ، وَبَعَثَ شُجَاعَ ابْن وَهْبٍ الْأَسْدِيَّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ، مَلِكِ تُخُومِ الشَّامِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ إلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسَّانِيِّ، وَبَعَثَ الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ الْحِمْيَرِيِّ، مَلِكِ الْيَمَنِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنَا نَسِيتُ سَلِيطًا وَثُمَامَةَ وَهَوْذَةَ وَالْمُنْذِرَ.

(رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ بَعْثِ الرَّسُولِ رُسُلَهُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيُّ: أَنَّهُ وَجَدَ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُ مَنْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْبُلْدَانِ وَمُلُوكِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَمَا قَالَ لِأَصْحَابِهِ حِينَ بَعَثَهُمْ. قَالَ: فَبَعَثْتُ بِهِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ فَعَرَفَهُ، وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَكَافَّةً، فَأَدَّوْا عَنِّي يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ، وَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيَّ كَمَا اخْتَلَفَ الْحَوَارِيُّونَ عَلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، قَالُوا: وَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ؟ قَالَ: دَعَاهُمْ لِمِثْلِ مَا دَعَوْتُكُمْ لَهُ، فَأَمَّا مَنْ قَرَّبَ بِهِ فَأَحَبَّ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا مَنْ بَعُدَ بِهِ فِكْرُهُ وَأَبَى، فَشَكَا ذَلِكَ عِيسَى مِنْهُمْ إلَى اللَّهِ، فَأَصْبَحُوا وَكُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وُجِّهَ إلَيْهِمْ،

(2/607)


(أَسَمَاءُ رُسُلِ عِيسَى) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مَنْ بَعَثَ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ وَالْأَتْبَاعِ، الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَهُمْ فِي الْأَرْضِ: بُطْرُسُ الْحَوَارِيُّ، وَمَعَهُ بُولُسُ، وَكَانَ بُولُسُ مِنْ الْأَتْبَاعِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ إلَى رُومِيَّةَ، وَأَنْدَرَائِسُ وَمَنْتَا إلَى الْأَرْضِ الَّتِي يَأْكُلُ أَهْلُهَا النَّاسَ، وَتُومَاسُ إلَى أَرْضِ بَابِلَ، مِنْ أَرْضِ الْمَشْرِقِ، وَفِيلِبسُ إلَى أَرْضِ قَرْطَاجَنَّةَ، وَهِيَ إفْرِيقِيَّةُ، وَيُحَنَّسُ، إلَى أَفْسُوسَ، قَرْيَةُ الْفِتْيَةِ، أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَيَعْقُوبُسُ إلَى أَوْرْاشَلِمَ، وَهِيَ إيلِيَاءُ، قَرْيَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَابْنُ ثَلْمَاءَ [1] إلَى الْأَعْرَابِيَّةِ، وَهِيَ أَرْضُ الْحِجَازِ، وَسِيمُنْ إِلَى أَرْضِ الْبَرْبَرِ، وَيَهُوذَا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ، جُعِلَ مَكَانَ يُودِسَ [2] .