سيرة ابن هشام ت السقا

غَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ لِقَتْلِ خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيِّ

(مَقْتَلُ ابْنُ نَبِيحٍ) :
وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ خَالِدَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ، يَجْمَعُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ لِيَغْزُوهُ، فَقَتَلَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيَّ يَجْمَعُ لِي النَّاسَ لِيَغْزُونِي، وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ، فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْعَتْهُ لِي حَتَّى أَعْرِفَهُ. قَالَ: إنَّكَ إذَا رَأَيْتُهُ أَذْكَرَكَ الشَّيْطَانَ، وَآيَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَنَّكَ إذَا رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ لَهُ قُشَعْرِيرَةً [2] . قَالَ:
فَخَرَجْتُ مُتَوَشِّحًا سَيْفِي، حَتَّى دُفِعْتُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي ظُعُنٍ [3] يَرْتَادُ لَهُنَّ مَنْزِلًا [4] ، وَحَيْثُ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُشَعْرِيرَةِ، فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ، وَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُجَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنْ الصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ، أُومِئُ بِرَأْسِي، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إلَيْهِ، قَالَ: مَنْ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ سَمِعَ بِكَ وَبِجَمْعِكَ لِهَذَا الرَّجُلِ، فَجَاءَكَ لِذَلِكَ.
__________
[1] تفل: بَصق بصاقا خَفِيفا.
[2] قشعريرة: رعدة.
[3] الظعن (ككتب) : النِّسَاء فِي الهودج: جمع ظَعِينَة.
[4] يرتاد لَهُنَّ منزلا: يطْلب لَهُنَّ موضعا.

(2/619)


قَالَ: أَجَلْ، إنِّي لَفِي ذَلِكَ [1] . قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ شَيْئًا، حَتَّى إذَا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ، فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ، وَتَرَكْتُ ظَعَائِنَهُ مُنْكَبَّاتٌ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآنِي، قَالَ: أَفْلَحَ الْوَجْهُ، قُلْتُ: قَدْ قَتَلْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: صَدَقْتُ.

(إهْدَاءُ الرَّسُولِ عَصًا لَابْنِ أُنَيْسٍ) :
ثُمَّ قَامَ بِي، فَأَدْخَلَنِي بَيْتَهُ، فَأَعْطَانِي عَصًا، فَقَالَ: أَمْسِكْ هَذِهِ الْعَصَا عِنْدَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ. قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْعَصَا؟
قُلْتُ: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَهَا عِنْدِي. قَالُوا:
أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَسْأَلَهُ لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَرَجَعْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ أَعْطَيْتنِي هَذِهِ الْعَصَا؟
قَالَ: آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إنَّ أَقَلَّ النَّاسِ الْمُتَخَصِّرُونَ [2] يَوْمئِذٍ، قَالَ:
فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ، فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَضُمَّتْ فِي كَفَنِهِ، ثُمَّ دُفِنَا جَمِيعًا.

(شِعْرُ بْنِ أُنَيْسٍ فِي قَتْلِهِ ابْنَ نُبَيْحٍ) :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فِي ذَلِكَ:
تَرَكْتُ ابْنَ ثَوْرٍ كَالْحُوَارِ وَحَوْلَهُ ... نَوَائِحُ تَفْرِي كُلَّ جَيْبٍ مُقَدَّدِ [3]
تَنَاوَلْتُهُ وَالظُّعْنُ خَلْفِي وَخَلْفَهُ ... بِأَبْيَضَ مِنْ مَاءِ الْحَدِيدِ مُهَنَّدِ [4]
عَجُومٍ لِهَامِ الدَّارِعِينَ كَأَنَّهُ ... شِهَابٌ غَضًى مِنْ مُلْهَبٍ مُتَوَقِّدِ [5]
أَقُولُ لَهُ وَالسَّيْفُ يَعْجُمُ رَأْسَهُ ... أَنَا ابْنُ أُنَيْسٍ فَارِسًا غَيْرَ قُعْدُدِ [6]
__________
[1] فِي أ: «أَنا فِي ذَلِك» .
[2] المتخصرون: المتكئون على المخاصر، وَهِي الْعَصَا، واحدتها مخصرة.
[3] الحوار: ولد النَّاقة إِذا كَانَ صَغِيرا. وتفري: تقطع.
[4] الْأَبْيَض: السَّيْف. والمهند: الْمَنْسُوب إِلَى الْهِنْد.
[5] عجوم: عضوض. يُقَال: عجمه، إِذا عضه. والهام: الرُّءُوس. والشهاب: الْقطعَة من النَّار.
والغضى: شجر يشْتَد التهاب النَّار فِيهِ.
[6] القعدد: اللَّئِيم.

(2/620)


أَنَا ابْنُ الَّذِي لَمْ يُنْزِلْ الدَّهَرُ قِدْرَهُ ... رَحِيبُ فِنَاءِ الدَّارِ غَيْرُ مُزَنَّدِ [1]
وَقُلْتُ لَهُ خُذْهَا بِضَرْبَةِ مَاجِدٍ ... حَنِيفٍ عَلَى دِينِ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ [2]
وَكُنْتُ إذَا هَمَّ النَّبِيُّ بِكَافِرٍ ... سَبَقْتُ إلَيْهِ بِاللِّسَانِ وَبِالْيَدِ
تَمَّتْ الْغَزَاةُ، وَعُدْنَا إلَى خَبَرِ الْبُعُوثِ [3] .

(غَزَوَاتٌ أُخَرُ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَأُصِيبُوا بِهَا جَمِيعًا، وَغَزْوَةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيُّ ذَاتَ أَطْلَاحٍ، مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا. وَغَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ.