عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي

ج / 1 ص -19-         ذكر الكلام في محمد بن إسحاق والطعن عليه:
روينا عن يعقوب بن شيبة قال: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير وذكر ابن إسحاق فقال: إذ حدث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق وإنما أتى من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة، وقال أبو موسى محمد بن المثنى ما سمعت يحيى القطان يحدث عن ابن إسحاق شيئا قط، وقال الميمونى ثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل بحديث استحسنه عن محمد بن إسحاق وقلت له: يا أبا عبد الله ما أحسن هذه القصص التي يجيء بها ابن إسحاق فتبسم إلي متعجبا، وروى ابن معين عن يحيى بن القطان أنه كان لا يرضى محمد بن إسحاق ولا يحدث عنه، وقال عبد الله بن أحمد وسأله رجل عن محمد بن إسحاق فقال: كان أبي يتتبع حديثه ويكتبه كثيرا بالعلو والنزول ويخرجه في المسند وما رأيته اتقى حديثه قط قيل له: يحتج به. قال: لم يكن يحتج به في السنن، وقيل لأحمد: يا أبا عبد الله؛ إذا تفرد بحديث تقبله؟ قال: لا والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا وقال ابن المديني مرة هو صالح وسط وروى الميموني عن ابن معين ضعيف. وروى عنه غيره ليس كذلك وروى الدوري عنه ثقة ولكنه ليس بحجة، وقال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو: قلت ليحيى بن معين وذكرت له الحجة فقلت: محمد بن إسحاق منهم؟ فقال: كان ثقة إنما الحجة عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس وذكر قوما آخرين، وقال أحمد بن زهير سئل يحيى عنه مرة؛ فقال: ليس بذاك ضعيف. قال: وسمعته مرة أخرى يقول: هو عندي سقيم ليس بالقوي وقال النسائي ليس بالقوي وقال البرقاني سألت الدارقطني عن محمد بن إسحاق بن يسار

 

ج / 1 ص -20-         عن أبيه فقال جميعا لا يحتج بهما وإنما يعتبر بهما، وقال علي: قلت ليحيى بن سعيد: كان ابن إسحاق بالكوفة وأنت بها. قال: نعم. قلت: تركته متعمدا؟ قال: نعم ولم أكتب عنه حديثا قط، وروى أبو داود عن حماد بن سلمة قال: لولا الاضطرار ما حدثت عن محمد بن إسحاق. وقال أحمد: قال: مالك وذكره فقال: دجال من الدجاجلة، وروى الهيثم بن خلف الدوري ثنا أحمد بن إبراهيم ثنا أبو داود صاحب الطيالسة قال حدثني من سمع هشام بن عروة وقيل له إن ابن إسحاق يحدث بكذا وكذا عن فاطمة فقال: كذب الخبيث، وروى القطان عن هشام أنه ذكره فقال: العدو لله الكذاب يروي عن امرأتي من أين رآها؟ وقال عبد الله بن أحمد: فحدثت أبي بذلك؛ فقال: وما ينكر لعله جاء فاستاذن عليها فإذنت له أحسبه قال ولم يعلم، وقال مالك: كذاب. وقال ابن إدريس: قلت لمالك وذكر المغازي فقلت له: قال ابن إسحاق: أنا بيطارها فقال: نحن نفيناه عن المدينة، وقال مكي بن إبراهيم: جلست إلى محمد بن إسحاق وكان يخضب بالسواد فذكر أحاديث في الصفة فنفرت منها فلم أعد إليه وقال مرة: تركت حديثه وقد سمعت منه بالري عشرين مجلسا. وروى الساجي عن المفضل بن غسان حضرت يزيد بن هارون وهو يحدث بالبقيع وعنده ناس من أهل المدينة يسمعون منه حتى حدثهم عن محمد بن إسحاق فأمسكوا وقالوا لا تحدثنا عنه نحن أعلم به فذهب يزيد يحاولهم فلم يقبلوا فأمسك يزيد، وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل ذكره؛ فقال: كان رجلا يشتهى الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه، وسئل أبو عبد الله أيما أحب إليك موسى بن عبيدة الربذي أو محمد بن إسحاق؟ قال: لا محمد بن إسحاق. وقال أحمد: كان يدلس إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد إذا كان سماعا قال حدثني وإذا لم يكن قال: قال، وقال أبو عبد الله: قدم محمد بن إسحاق إلى بغداد فكان لا يبالي عمن يحكي عن الكلبي وغيره وقال: ليس بحجة، وقال الفلاس: كنا عند

 

ج / 1 ص -21-         وهب بن جرير فانصرفنا من عنده فمررنا بيحيى القطان فقال: أين كنتم؟ فقلنا: كنا عند وهب بن جرير يعني نقرأ عليه كتاب المغازي عن أبيه عن ابن إسحاق؛ فقال: تنصرفون من عنده بكذب كثير، وقال عباس الدوري: سمعت أحمد بن حنبل وذكر محمد بن إسحاق فقال: أما في المغازي وأشباهه فيكتب وأما في الحلال والحرام فيحتاج إلى مثل هذا ومديده وضم أصابعه، وروى الأثرم عن أحمد كثير التدليس جدا أحسن حديثه عندي ما قال أخبرني وسمعت، وعن ابن معين ما أحب أن أحتج به في الفرائض. وقال ابن أبي حاتم: ليس بالقوي ضعيف الحديث وهو أحب إلي من أفلح ابن سعيد يكتب حديثه، وقال سليمان التيمي: كذاب، وقال يحيى القطان: ما تركت حديثه إلا لله أشهد أنه كذاب، وقد قال يحيى بن سعيد: قال لي وهيب بن خالد: إنه كذاب. قلت لوهيب: ما يدريك؟ قال: قال لي مالك: أشهد أنه كذاب. قلت لمالك: ما يدريك؟ قال: قال لي هشام بن عروة: أشهد أنه كذاب. قلت لهشام: ما يدريك؟ قال: حدث عن امرأتي فاطمة الحديث. قلت: والكلام فيه كثير جدا وقد قال أبو بكر الخطيب: قد احتج بروايته في الأحكام قوم من أهل العلم وصدف عنها آخرون. وقال في موضع آخر: قد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غير واحد من العلماء لأسباب منها أنه كان يتشيع وينسب إلى القدر ويدلس وأما الصدق فليس بمدفوع عنه انتهى كلام الخطيب. وقد استشهد به البخاري. وأخرج له مسلم متابعة واختار أبو الحسن بن القطان أن يكون حديثه من باب الحسن لاختلاف الناس فيه. وأما روايته عن فاطمة فروينا عن أبي بكر الخطيب قال: أنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بدمشق ثنا أحمد بن خالد الوهبي ثنا محمد بن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت امرأة وهي تسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن لي ضرة وإني أتشبع من زوجي بما لم يعطنيه لتغيظها بذلك قال: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" وقال أبو الحسن بن القطان الحديث الذى من أجله وقع الكلام في ابن إسحاق من روايته عن فاطمة حتى قال هشام: إنه كذاب وتبعه في ذلك مالك وتبعه يحيى بن سعيد وتابعوا بعدهم تقليدا لهم حديث "فلتقرصه ولتنضح1 ما لم ترو لتصل فيه" وقد روينا من حديثه عنها غير ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 النضح: الرش، ويأتي بمعنى الغسل.

 

ج / 1 ص -22-         ذكر الأجوبة عما رمي به:
قلت أما ما رمي به من التدليس والقدر والتشيع فلا يوجب رد روايته ولا يوقع فيها كبير وهن وأما التدليس فمنه القادح في العدالة وغيره ولا يحمل ما وقع ههنا من مطلق التدليس على التدليس المقيد بالقادح في العدالة، وكذلك القدر والتشيع لا يقتضي الرد إلا بضميمة أخرى ولم نجدها ههنا. وأما قول مكي بن إبراهيم أنه ترك حديثه ولم  يعد إليه فقد علل ذلك بأنه سمعه يحدث أحاديث في الصفات فنفر منه وليس في ذلك كبير أمر فقد ترخص قوم من السلف في رواية المشكل من ذلك وما يحتاج إلى تأويله لا سيما إذا تضمن الحديث حكما أو أمرا آخرا وقد تكون هذه الأحاديث من هذا القبيل. وأما الخبر عن يزيد بن هارون أنه حدث أهل المدينة عن قوم فلما حدثهم عنه أمسكوا فليس فيه ذكر لمقتضى الإمساك وإذا لم يذكر لم يبق إلا أن يحول الظن فيه وليس لنا أن نعارض عدالة مقبولة بما قد تظنه جرحا، وأما ترك يحيى القطان حديثه فقد ذكرنا السبب في ذلك وتكذيبه إياه رواية عن وهيب بن خالد عن مالك عن هشام فهو ومن فوقه في هذا الإسناد تبع لهشام وليس ببعيد من أن يكون ذلك هو المنفر لأهل المدينة عنه في الخبر السابق

 

ج / 1 ص -23-         عن يزيد بن هارون وقد تقدم الجواب عن قول هشام فيه عن أحمد بن حنبل وعلي بن المديني بما فيه مغنى. وأما قول ابن نمير أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة فلو لم ينقل توثيقه وتعديله لتردد الأمر في التهمة بما بينه وبين من نقلها عنه وأما مع التوثيق والتعديل فالحمل فيها على المجهولين المشار إليهم لا عليه، وأما الطعن على العالم بروايته عن المجهولين فغريب قد حكي ذلك عن سفيان الثوري وغيره وأكثر ما فيه التفرقة بين بعض حديثه وبعض فيرد ما رواه عن المجهولين ويقبل ما حمله على المعروفين. وقد روينا عن أبي عيسى الترمذي قال سمعت محمد بن بشار يقول سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول ألا تعجبون من سفيان بن عيينة لقد تركت لجابر الجعفي لما حكى عنه أكثر من ألف حديث ثم هو يحدث عنه قال الترمذي وقد حدث شعبة عن جابر الجعفي وإبراهيم الهجري ومحمد بن عبيد الله العرزمي وغير واحد ممن يضعف في الحديث وأما قول أحمد يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا وقد تتحد ألفاظ الجماعة وإن تعددت أشخاصهم وعلى تقدير أن لا يتحد اللفظ فقد يتحد المعنى روينا عن واثلة ابن الأسقع قال: إذا حدثتكم على المعنى فحسبكم. وروينا عن محمد بن سيرين. قال: كنت أسمع الحديث من عشرة اللفظ مختلف والمعنى واحد، وقد تقدم من كلام ابن المديني أن حديثه ليتبين فيه الصدق يروي مرة حدثني أبو الزناد ومرة ذكر أبو الزناد الفصل إلى آخره ما يصلح لمعارضة هذا الكلام، واختصاص ابن المدينى سفيان معلوم كما علم اختصاص سفيان بمحمد بن إسحاق. وأما قوله كان يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه فلا يتم الجرح بذلك حتى ينفي أن تكون مسموعة له، ويثبت أن يكون حدث بها ثم ينظر بعد ذلك في كيفية الأخبار؛ فإن كان بألفاظ لا تقتضي السماع تصريحا فحكمه حكم المدلسين، ولا يحسن الكلام معه إلا بعد النظر في مدلول تلك الألفاظ، وإن كان يروي ذلك عنهم مصرحا بالسماع

 

ج / 1 ص -24-         ولم يسمع فهذا كذب صراح واختلاق محض لا يحسن الحمل عليه إلا إذا لم يجد للكلام مخرجا غيره. وأما قوله لا يبالي عمن يحكي عن الكلبي وغيره فهو أيضًا إشارة إلى الطعن بالرواية عن الضعفاء لمحل ابن الكلبي من  التضعيف والراوي عن الضعفاء لا يخلو حاله من أحد أمرين إما أن يصرح باسم الضعيف أو يدلسه فإن صرح به فليس فيه كبير أمر روى عن شخص ولم يعلم حاله أو علم وصرح به ليبرأ من العهدة. وإن دلسه فإما أن يكون عالما بضعفه أو لا فإن لم يعلم فالأمر في ذلك قريب وإن علم به وقصد بتدليس الضعيف وتغييره وإخفائه ترويج الخبر حتى يظن أنه من أخبار أهل الصدق وليس كذلك فهذه جرجة من فاعلها وكبيرة من مرتكبها وليس في أخبار أحمد عن ابن إسحاق ما يقتضي روايته عن الضعيف وتدليسه إياه مع العلم بضعفه حتى ينبني على ذلك قدح أصلا. وجواب ثان محمد بن إسحاق مشهور بسعة العلم وكثرة الحفظ فقد يميز من حديث الكلبي وغيره مما يجري مجراه ما يقبل مما يرد فيكتب ما يرضاه ويترك ما لا يرضاه وقد قال يعلى بن عبيد قال لنا سفيان الثوري اتقوا الكلبي فقيل له: فإنك تروي عنه فقال: أنا أعرف صدقه من كذبه ثم غالب ما يروى عن الكلبي أنساب وأخبار من أحوال الناس وأيام العرب وسيرهم وما يجرى مجرى ذلك مما سمح كثير من الناس في حمله عمن لا تحمل عنه الأحكام وممن حكى عنه الترخص في ذلك الإمام أحمد وممن حكى عنه التسوية في ذلك بين الأحكام وغيرها يحيى بن معين وفى ذلك بحث ليس هذا موضعه. وأما قول عبد الله عن أبيه لم يكن يحتج به في السنن فقد يكون لما أنس منه التسامح في غير السنن التى هي جل علمه من المغازي والسير طرد الباب فيه وقاس مروياته من السنن على غيرها وطرد الباب في ذلك يعارضه تعديل من عدله، وأما قول يحيى ثقة وليس بحجة فيكفينا التوثيق ولو لم يكن يقبل الأمثل العمري ومالك لقل المقبولون. وأما ما نقلناه عن يحيى بن سعيد من طريق ابن المديني

 

ج / 1 ص -25-         ووهب بن جرير فلا يبعد أن يكون قلد مالكا لأنه روى عنه قول هشام فيه وأما قول يحيى ما أحب أن أحتج به في الفرائض فقد سبق الجواب عنه فيما نقلناه عن الإمام أحمد رحمهم الله على أن المعروف عن يحيى في هذه المسألة التسوية بين المرويات من أحكام وغيرها والقبول مطلقا أو عدمه من غير تفصيل وأما ما عدا ذلك من الطعن فأمور غير مفسرة ومعارضة في الأكثر من قائلها بما يقتضي التعديل وممن يصحح حديثه ويحتج به في الأحكام أبو عيسى الترمذي -رحمه الله- وأبو حاتم بن حبان ولم نتكلف الرد عن طعن الطاعنين فيه إلا لما عارضه من تعديل العلماء له وثنائهم عليه ولولا ذلك لكان اليسير من هذا الجرح كافيا في رده أخباره إذ اليسير من الجرح المفسر منه وغير المفسر كاف في رد من جهلت حاله قبله ولم يعدله معدل وقد ذكره أبو حاتم ابن حبان في كتاب الثقات له فأعرب عما في الضمير فقال: تكلم فيه رجلان هشام ومالك فأما هشام فأنكر سماعه من فاطمة، والذى قاله ليس مما يجرح به الإنسان في الحديث وذلك أن التابعين كالأسود وعلقمة سمعوا من عائشة من غير أن ينظروا إليها بل سمعوا صوتها وكذلك ابن إسحاق كان يسمع من فاطمة والستر بينهما مسبل قال وأما مالك فإنه كان ذلك منه مرة واحدة ثم عاد له إلى ما يحب وذلك أنه لم يكن بالحجاز أحد أعلم بأنساب الناس وأيامهم من ابن إسحاق وكان يزعم أن مالك من موالي ذي أصبح وكان مالك يزعم أنه من أنفسها فوقع بينهما لذلك مفاوضة فلما صنف مالك الموطأ قال ابن إسحاق ائتوني به فأنا بيطاره فنقل ذلك إلى مالك فقال: هذا دجال من الدجاجلة يروي عن اليهود، وكان بينهما ما يكون بين الناس حتى عزم محمد على الخروج إلى العراق فتصالحا حينئذ وأعطاه عند الوداع خمسين دينارا ونصف ثمرته تلك السنة. ولم يكن يقدح فيه مالك من أجل الحديث إنما كان

 

ج / 1 ص -26-         ينكر عليه تتبعه غزوات النبى صلى الله عليه وسلم من أولاد اليهود الذين أسلموا وحفظوا قصة خيبر وقريظة والنضير وما أشبه ذلك من الغرائب عن أسلافهم. وكان بن إسحاق يتتبع ذلك عنهم ليعلم ذلك من غير أن يحتج بهم وكان مالك لا يرى الرواية إلا عن متقن صدوق. قلت ليس ابن إسحاق أبا عذرة هذا القول في نسب مالك فقد حكي شيء من ذلك عن الزهري وغيره، والرجل أعلم بنسبه وتأبى له عدالته وإمامته أن يخالف قوله علمه، وأما قول ابن إسحاق أنا جهبذها فقد أتى أمرا إمرا وارتقى مرتقى وعرا ولم يدر ما هنالك من زعم أنه في الإتقان كمالك وقد ألقته آماله في المهالك من أنفه في الثرى وهو يطاول النجوم الشوابك.
وأما الواقدي فهو محمد بن عمر بن واقد أبو عبد الله المديني سمع ابن أبي ذئب ومعمر بن راشد ومالك بن أنس ومحمد بن عبد الله ابن أخي الزهري ومحمد بن عجلان وربيعة بن عثمان وابن جريج وأسامة بن زين وعبد الحميد بن جعفر والثوري وأبا معشر وجماعة، روى عنه كاتبه محمد بن سعد وأبو حسان الزيادي ومحمد بن إسحاق الصاغاني وأحمد بن الخليل البرجلاني وعبد الله بن الحسين الهاشمي وأحمد بن عبيد بن ناصح ومحمد بن شجاع الثلجي والحارث بن أبي أسامة وغيرهم. ذكره الخطيب أبو بكر وقال: هو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره ولم يخف على أحد عرف أخبار الناس أمره وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم والأحداث التى كانت في وقته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك وكان جوادا كريما مشهورا بالسخاء، وقال ابن سعد: محمد بن عمر بن واقد أبو عبد الله مولى عبد الله بن بريدة الأسلمي كان من أهل المدينة قدم بغداد في سنة ثمانين ومائة في دين لحقه فلم يزل بها وخرج إلى الشام والرقة ثم رجع إلى بغداد فلم يزل بها إلى أن قدم المأمون من خراسان فولاه القضاء بعسكر المهدي فلم يزل قاضيا

 

ج / 1 ص -27-         حتى مات ببغداد ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة سبع ومائتين ودفن يوم الثلاثاء في مقابر الخيزران وهو ابن ثمان وسبعين سنة وذكر أنه ولد سنة ثلاثين ومائة في آخر خلافة مروان بن محمد. وكان عالما بالمغازي واختلاف الناس وأحاديثهم، وقال محمد بن خلاد سمعت محمد بن سلام الجمحي يقول: محمد بن عمر الواقدي عالم دهره. وقال إبراهيم الحربي: الواقدي آمن الناس على أهل الإسلام وقال الحربي أيضا: كان الواقدي أعلم الناس بأمر الإسلام فأما الجاهلية فلم يعمل فيها شيئا، وقال يعقوب بن شيبة لما انتقل الواقدي من الجانب الغربي إلى ههنا يقال إنه حمل كتبه على عشرين ومائة وقر وقيل: كانت كتبه ستمائة قمطر1 وقال محمد بن جرير الطبري قال ابن سعد كان الواقدي يقول: ما من أحد إلا وكتبه أكثر من حفظه وحفظي أكثر من كتبي. وروى غيره عنه قال: ما أدركت رجلا من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء ولا مولى لهم إلا سألته هل سمعت أحدا من أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل فإذا أعلمني مضيت إلى الموضع فأعاينه ولقد مضيت إلى المريسيع فنظرت إليها، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى الموضع حتى أعاينه أو نحو هذا الكلام، وقال ابن منيع: سمعت هارون الفروي يقول: رأيت الواقدي بمكة ومعه ركوة فقلت: أين تريد؟ قال: أريد أن أمضي إلى حنين حتى أرى الموضع والوقعة، وقال إبراهيم الحربي سمعت المسيبي يقول: رأيت الواقدي يوما جالسا إلى أسطوانة في مسجد المدينة وهو يدرس فقلنا له: أي شيء تدرس فقال: حزبي من المغازي. وروينا عن أبي بكر الخطيب قال: وأنا الأزهري قال: أنا محمد بن العباس قال: أنا أبو أيوب قال: سمعت إبراهيم الحربي يقول: وأخبرنى إبراهيم بن عمر البرمكي ثنا عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري ثنا محمد بن أيوب بن المعافي قال: قال إبراهيم الحربي: سمعت المسيبي يقول: قلنا للواقدي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الوقر بالكسر: الحمل الثقيل، والقمطر: ما تصان فيه الكتب.

 

ج / 1 ص -28-         هذا الذى تجمع الرجال تقول ثنا فلان وفلان وجئت بمتن واحد لو حدثتنا بحديث كل رجل على حدة قال: يطول؛ فقلنا له: قد رضينا قال: فغاب عنا جمة ثم أتانا بغزوة أحد عشرين جلدا وفى حديث البرمكي مائة جلد فقلنا له ردنا إلى الأمر الأول. معنى اللفظين متقارب، وعن يعقوب بن شيبة قال: ومما ذكر لنا أن مالكا سئل عن قتل الساحرة فقال انظروا هل عند الواقدي في هذا شيء فذاكروه ذلك فذكر شيئا عن الضحاك بن عثمان فذكروا أن مالكا قنع به. وروي أن مالكا سئل عن المرأة التى سمت النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ما فعل بها فقال: ليس عندي بها علم وسأسأل أهل العلم قال: فلقي الواقدي قال: يا أبا عبد الله ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة التى سمته بخيبر؟ فقال: الذي عندنا أنه قتلها. فقال مالك: قد سألت أهل العلم فأخبروني أنه قتلها. وقال أبو بكر الصاغاني لولا أنه عندي ثقة ما حدثت عنه، حدث عنه أربعة أئمة أبو بكر بن أبي شيبة وأبو عبيد وأحسبه ذكر أبا خيثمة ورجلا آخر. وقال عمرو الناقد قلت للدراوردي: الواقدي. فقال: ذلك أمير المؤمنين في الحديث وسئل أبو عامر العقدي عن الواقدي فقال: نحن نسأل عن الواقدي إنما يسأل هو1 عنا ما كان يفيدنا الأحاديث والشيوخ بالمدينة إلا الواقدي. وقال الواقدي: لقد كانت ألواحي تضيع فأؤتى بها من شهرتها بالمدينة يقال: هذه ألواح ابن واقد. وقال مصعب الزبيري والله ما رأينا مثله قط قال مصعب: وحدثني من سمع عبد الله بن المبارك يقول: كنت أقدم المدينة فما يفيدني ولا يدلني على الشيوخ إلا الواقدي. وقال مجاهد بن موسى: ما كتبت عن أحد أحفظ منه. وسئل عنه مصعب الزبيري فقال ثقة مأمون وكذلك قال المسيبي. وسئل عنه معن بن عيسى فقال: أنا أسأل عنه هو يسأل عني. وسئل عنه أبو يحيى الزهري فقال: ثقة مأمون. وسئل عنه ابن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة دار الكتب "الواقدي" مكان "هو".

 

ج / 1 ص -29-         نمير فقال: أما حديثه عنا فمستو وأما حديث أهل المدينة فهم أعلم به. وقال يزيد بن هارون: ثقة. وقال عباس العنبري: هو أحب إليّ من عبد الرزاق. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام ثقة. وقال إبراهيم وأما فقه أبي عبيد فمن كتاب محمد بن عمر الواقدي الاختلاف والإجماع كان عنده. وقال إبراهيم الحربي من قال إن مسائل مالك بن أنس وابن أبي ذئب تؤخذ عمن هو أوثق من الواقدي فلا يصدق لأنه يقول سألت مالكا وسألت ابن أبي ذئب. وقال إبراهيم بن جابر: حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال كتب أبي عن أبي يوسف ومحمد ثلاثة قماطر قلت له كان ينظر فيها قال كان ربما نظر فيها وكان أكثر نظره في كتب الواقدي. وسئل إبراهيم الحربي عما أنكره أحمد على الواقدي فقال إنما أنكر عليه جمعه الأسانيد ومجيئه بالمتن واحدا. وقال إبراهيم وليس هذا عيبا فقد فعل هذا الزهري وابن إسحاق. قال إبراهيم لم يزل أحمد بن حنبل يوجه في كل جمعة بحنبل بن إسحاق إلى محمد بن سعد فيأخذ له جزءين من حديث الواقدي فينظر فيهما ثم يردهما ويأخذ غيرهما، وكان أحمد بن حنبل ينسبه لتقليب الأخبار كأنه يجعل ما لمعمر لابن أخي الزهري وما لابن أخي الزهري لمعمر، وأما الكلام فيه فكثير جدا قد ضعف ونسب إلى وضع الحديث وقال أحمد هو كذاب وقال يحيى ليس بثقة. وقال البخاري والرازي والنسائي متروك الحديث وللنسائي فيه كلام أشد من هذا وقال الدارقطني ضعيف، وقال ابن عدي أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه. قلت سعة العلم مظنة لكثرة الإغراب وكثرة الإغراب مظنة للتهمة والواقدي غير مدفوع عن سعة العلم فكثرت بذلك غرائبه. وقد روينا عن علي بن المديني أنه قال: للواقدي عشرون ألف حديث لم نسمع بها. وعن يحيى بن معين أغرب الواقدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين ألف حديث وقد روينا عنه من تتبعه آثار مواسضع الوقائع وسؤاله من أبناء الصحابة والشهداء ومواليهم عن أحوال

 

ج / 1 ص -30-         سلفهم ما يقتضي انفرادا بروايات وأخبار لا تدخل تحت الحصر وكثيرا ما يطعن في الراوي برواية وقعت له من أنكر تلك الرواية عليه واستغربها منه ثم يظهر له أو لغيره بمتابعة متابع أو سبب من الأسباب براءته من مقتضى الطعن فيتخلص بذلك من العهدة. وقد روينا عن الإمام أحمد -رحمه الله- ورضي عنه أنه قال ما زلنا ندافع أمر الواقدي حتى روى عن معمر عن الزهري عن نبهان عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أفعمياوان أنتما" فجاء بشيء لا حيلة فيه والحديث حديث يونس لم يروه غيره. وروينا عن أحمد بن منصور الرمادي قال قدم علي بن المديني بغداد سنة سبع ومائتين والواقدي يومئذ قاض علينا وكنت أطوف مع علي على الشيوخ الذين يسمع منهم فقلت أتريد أن تسمع من الواقدي ثم قلت له بعد ذلك: لقد أردت أن أسمع منه فكتب إلى أحمد بن حنبل كيف تستحل الرواية عن رجل روى عن معمر حديث نبهان مكاتب أم سلمة وهذا حديث يونس تفرد به قال أحمد بن منصور الرمادي: فقدمت مصر بعد ذلك فكان ابن أبي مريم يحدثنا به عن نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن نبهان، وقد رواه أيضا يعقوب ابن سفيان عن سعيد بن أبي مريم عن نافع بن يزيد كرواية الرمادي قال الرمادي فلما فرغ ابن أبي مريم من هذا الحديث ضحكت فقال: مم تضحك؟ فأخبرته بما قال على وكتب إليه أحمد فقال لي ابن أبي مريم إن شيوخنا المصريين لهم عناية بحديث الزهري وكان الرمادي يقول هذا مما ظلم فيه الواقدي: فقد ظهر في هذا الخبر أن يونس لم ينفرد به وإذ قد تابعه عقيل فلا مانع من أن يتابعه معمر وحتى لو لم يتابعه عقيل لكان ذلك محتملا وقد يكون فيما رمي به من تقليب الأخبار ما ينحو هذا النحو. قد أثبتنا من كلام الناس في الواقدي ما يعرف به حاله والله الموفق. وربما حصل إعلام في بعض الأحيان بغريبة توجد في الخبر وتنبيه على مشكل يقع فيه متنا أو إسنادا على وجه الإيماء والإشارة لا على سبيل التقصي وبسط العبارة.
وسميته بعيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير. والله المسئول أن يجعل ذلك لوجهه الكريم خالصا وأن يؤوينا إلى ظله إذا الظل أضحى في القيامة قالصا بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.