عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. القدسي

ج / 1 ص -39-         ذكر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وولد سيدنا ونبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول عام الفيل قيل: بعد الفيل بخمسين يوما. وقال الزبير: حملت به أمه صلى الله عليه وسلم في أيام التشريق في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى. وولد صلى الله عليه وسلم في الدار التى تدعى لمحمد بن يوسف أخي الحجاج يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وقيل بل يوم الاثنين في ربيع الأول لليلتين خلتا منه. قال أبو عمر وقد قيل: لثمان خلون منه وقيل: إنه أول اثنين من ربيع الأول وقيل لاثنتي عشرة ليلة خلت منه عام الفيل وقيل إنه ولد في شعب بني هاشم. وروى عن ابن عباس قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل، أخبرناه أبو المعالي أحمد بن إسحاق فيما قرأت عليه قلت: قال: أخبركم الشيخان أبو الفرج الفتح بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد السلام وأبو العباس أحمد بن أبي الحسين بن أبي الفتح بن صرما "ح"1 قال: وقرأت على الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد الحنبلي الزاهد بسفح قاسيون قال: قلت: له أخبركم أبو البركات داود بن أحمد بن محمد البغدادي قالوا: أنا أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأموي سماعا عليه قال: أنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور قال: أنا أبو الحسين علي بن عمر السكري قال أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ثنا يحيى بن معين ثنا حجاج بن محمد ثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذه الحاء توضع لتحويل السند من راو إلى آخر.

 

ج / 1 ص -40-         ابن عباس قال ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل. وعن قيس بن مخرمة قال: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل فنحن لدان. وقيل: بعد الفيل بشهر وقيل: بأربعين يوما وقيل: بخمسين يوما. وذكر أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي قال: كان قدوم الفيل مكة لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم. وقد قال ذلك غير الخوارزمي وزاد يوم الأحد قال: وكان أول المحرم تلك السنة يوم الجمعة قال الخوارزمي: وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بخمسين يوما يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول وذلك يوم عشرين من نيسان قال: وبعث نبينا يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل فكان من مولده إلى أن بعثه الله أربعون سنة ويوم، ومن مبعثه إلى أول المحرم من السنة التى هاجر فيها اثنتا عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يوما وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من عام الفيل. وذكر ابن السكن من حديث عثمان بن أبي العاص عن أمه فاطمة بنت عبد الله إنها شهدت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم ليلا قالت فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نور وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول لتقعن علي. ويقال: وضعت عليه جفنة فانفلقت عنه فلقتين فكان ذلك من مبادئ إمارات النبوة في نفسه. وذكر ابن أبي خيثمة عن أبي صالح السمان قال قال كعب: إنا لنجد في كتاب الله عز وجل محمد مولده بمكة. وعن عبد الملك بن عمير قال: قال كعب: إنى أجد في التوراة عبدي أحمد المختار مولده بمكة. وحكى أبو الربيع بن سالم أن بقي بن مخلد ذكر في تفسيره أن إبليس لعنه الله رن أربع رنات رنة حين لعن ورنة حين أهبط ورنة حين ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورنة حين نزلت فاتحة الكتاب. أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الدمشقي بقراءتي عليه قلت له: أخبركم الشيخان أبو عبد الله محمد بن نصر بن عبد الرحمن بن محمد بن محفوظ القرشي والأمير سيف الدولة أبو عبد الله محمد بن غسان بن غافل بن نجاد

 

ج / 1 ص -41-         الأنصاري قراءة عليهما وأنت حاضر في الرابعة قالا: أنا الفقيه أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ قراءة عليه ونحن نسمع قال: أنا المشائخ أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد بن الفتح بن علي الفقيه وأبو الفرج غيث بن علي بن عبد السلام بن محمد بن جعفر بن الأرمنازي الصوري الخطيب وأبو محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر بن العباس الوكيل بدمشق قالوا: أنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد السلمي قال: أنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد قال: أنا أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل الخرائطي ثنا علي بن حرب ثنا أبو أيوب يعلى بن عمران من آل جرير بن عبد الله البجلي قال: حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه وأتت له خمسون ومائة سنة قال: لما كان ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس1 إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وغاضت بحيرة ساوة ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك فصبر عليه تشجعا ثم رأى أن لا يدخر -وقال الفقيه أنه لا يدخر- ذلك عن مرازبته فجمعهم ولبس تاجه وجلس على سريره ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا عنده قال: تدرون فيما بعثت إليكم؟ قالوا: لا إلا أن يخبرنا الملك فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النيران فازداد غما إلى غمه ثم أخبرهم ما رأى وما هاله فقال الموبذان2: وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة رؤيا ثم قص عليه رؤياه في الإبل فقال أى شيء يكون هذا يا موبذان قال: حدث يكون في ناحية العرب وكان أعلمهم في أنفسهم فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر أما بعد فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بعيلة الغساني فلما ورد عليه قال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي اضطرب وتحرك حركة سمع لها صوت.
2 هو قاضي القضاة بالفرس.

 

ج / 1 ص -42-         له: ألك علم بما أريد أن أسألك عنه قال: ليخبرني الملك أو ليسألني عما أحب فإن كان عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلمه فأخبره بالذي وجه إليه فيه. قال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام، يقال له: سطيح قال: فائته فاسأله عما سألتك عنه ثم ائتني بتفسيره فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح وقد أشفى على الضريح فسلم عليه وكلمه فلم يرد عليه سطيح جوابا فأنشأ يقول:

أصم أم يسمع غطريف اليمن

في أبيات ذكرها. قال فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول عبد المسيح على جمل مشيح إلى سطيح وقد أشفى على الضريح بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة وفاض وادى السماوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه فنهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول:

شمر فإنك ماضى الهم شمير                        لا يفزعنك تفريق وتغيير

إن يمس ملك بنى ساسان أفرطهم                فإن ذا الدهر أطوار دهارير

فربما ربما أضحوا بمنزلة                               تهاب صولهم الأسد المهاصير

منهم أخو الصرح بهرام وإخوته                        والهرمزان وسابور وسابور

والناس أولاد علات فمن علموا                       أن قد أقل فمحقور ومهجور

وهم بنو الأم أما إن رأوا نشبًا                         فذاك بالغيب محفوظ ومنصور

والخير والشر مقرونان في قرن                       فالخير متبع والشر محذور

فلما قدم المسيح على كسرى أخبره بما قال له سطيح فقال كسرى: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا كانت أمور وأمور فملك منهم عشرة في أربع سنين وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضي الله عنه. قال ابن إسحاق فلما وضعته أمه

 

ج / 1 ص -43-         أرسلت إلى جده عبد المطلب أنه قد ولد لك غلام فانظر إليه فأتاه ونظر إليه وحدثته بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما أمرت أن تسميه فيزعمون أن عبد المطلب أخذه فدخل به الكعبة فقام يدعو الله ويتشكر له ما أعطاه ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها. وولد صلى الله عليه وسلم معذورا مسرورا أي مختونًا مقطوع السرة ووقع إلى الأرض مقبوضة أصابع يده مشيرا بالسباحة كالمسبح بها. حكاه السهيلي1. روينا عن ابن جميع ثنا عمر بن موسى بالمصيصة ثنا جعفر بن عبد الواحد قال: قال لنا صفوان بن هبيرة ومحمد بن البرساني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: ولد النبي صلى الله عليه وسلم مختونا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زاد في نسخة دار الكتب الظاهرية: أخبرنا أبو حفص عمر بن عبد المنعم
الدمشقي بقراءتي عليه بعربيل -قرية بغوطة دمشق- أخبركم أبو القاسم بن الحرستاني قراءة عليه وأنت حاضر في الرابعة فأقر به. أخبرنا جمال الإسلام أبو الحسن علي بن مسلم السلمي أخبرنا أبو نصر الحسين بسن محمد بن طلاب حدثنا ابن جميع.

 

ج / 1 ص -45-         ذكر تسميته محمدا وأحمد صلى الله عليه وسلم:
روينا عن أبي جعفر محمد بن علي من طريق ابن سعد قال: أمرت آمنة وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسميه أحمد. وروينا عن ابن إسحاق فيما سلف أنها أتيت حين حملت به فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة وفيه ثم سميه محمدا. وروينا من طريق الترمذي ثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ثنا سفيان عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لي أسماء: أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذى يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب الذى ليس بعدي نبي"، وصححه وقال في الباب عن حذيفة. وروى حديث جبير البخاري ومسلم والنسائي وسيأتي الكلام على بقية الأسماء إن شاء الله تعالى. وذكر أبو الربيع بن سالم قال: ويروى أن عبد المطلب إنما سماه محمدا لرؤيا رآها زعموا أنه رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف في الأرض وطرف في المشرق وطرف في المغرب ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلقون بها فقصها فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب ويحمده أهل السماء والأرض فلذلك سماه محمدا مع ما حدثته به أمه. وروينا عن أبي القاسم السهيلي -رحمه الله- قال: لا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم قبله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة طمع آباؤهم حين سمعوا بذكر محمد صلى الله عليه وسلم وبقرب زمانه وأنه يبعث بالحجاز أن يكون ولدا لهم، ذكرهم ابن فورك في كتاب الفصول وهم محمد

 

ج / 1 ص -46-         ابن سفيان بن مجاشع جد الفرزدق الشاعر والآخر محمد بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا بن كلفة بن عوف بن عمر بن عوف بن مالك بن الأوس والآخر محمد بن حمران، وهو من ربيعة وذكر معهم محمدا رابعا أنسيته وكان آباء هؤلاء الثلاثة قد وفدوا على بعض الملوك الأول وكان عنده علم بالكتاب الأول فأخبرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وباسمه وكان كل واحد منهم قد خلف امرأته حاملا فنذر كل واحد منهم إن ولد له ولد ذكر أن يسميه محمدا ففعلوا ذلك. وروينا عن القاضي أبي الفضل عياض -رحمه الله- في تسميته عليه السلام محمدا وأحمد. قال في هذين الاسمين من بدائع آياته وعجائب خصائصه إن الله جل اسمه حمى أن يسمى بهما أحد قبل زمانه أما أحمد الذى أتى في الكتب وبشرت به الأنبياء فمنع الله تعالى بحكمته أن يسمى به أحد غيره ولا يدعى به مدعو قبله حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك، وكذلك محمد أيضا لم يسم به أحد من العرب، ولا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجوده صلى الله عليه وسلم وميلاده أن نبيا يبعث اسمه محمد فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو والله أعلم حيث يجعل رسالاته، وهم محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، ومحمد بن براء البكري، ومحمد بن سفيان بن مجاشع، ومحمد بن حمران الجعفي، ومحمد بن خزاعي السلمي، لا سابع لهم ويقال: إن أول من سمي به محمد بن سفيان، واليمن تقول: محمد بن اليحمد الأزدي ثم حمى الله كل من سمي به أن يدعي النبوة أو يدعيها أحد له حتى تحققت السمتان له ولم ينازع فيهما والله أعلم.

 

ج / 1 ص -47-         ذكر الخبر عن رضاعه صلى الله عليه وسلم وما يتصل بذلك من شق الصدر:
روينا عن ابن سعد قال: أنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال: حدثني موسى1 بن شيبة عن عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك عن برة بنت أبي تجراة قالت: أول من أرضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثويبة بلبن ابن لها يقال له: مسروح أياما قبل أن تقدم حليمة وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب وبعده أبا سلمة بن عبد الأسد. أخبرنا أبو العباس الساوي بقراءة والدي عليه قال: أنا أبو روح المطهر بن أبي بكر البيهقي سماعا عليه قال: أنا أبو بكر الطوسي قال: أنا أبو علي الخشنامي قال: أنا أحمد بن الحسن النيسابوري قال: أنا محمد بن أحمد قال: أنا محمد بن يحيى ثنا محمد بن عبيد ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي قال: قلت: يا رسول الله ما لك لا تنوق في قريش ولا تتزوج منهم قال: "وعندك؟"، قلت: نعم ابنة حمزة. قال: "تلك ابنة أخي من الرضاعة". قرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي بسفح قاسيون أخبرك أبو نصر موسى بن عبد القادر الجيلي قراءة عليه وأنت تسمع قال: أنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن البناء قال: أنا أبو نصر محمد بن محمد الزينبي قال: أنا أبو بكر محمد بن عمر بن علي الوراق ثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا أبو موسى عيسى بن حماد زغبة قال: أنا الليث عن هشام بن عروة عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم حبيبة أنها قالت:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية الأصل: بلغ المقابلة ولله الحمد.

 

ج / 1 ص -48-         دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هل لك في أختي ابنة أبي سفيان؟ وفيه قالت: فوالله لقد أنبئت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة قال: "ابنة أبي سلمة؟" قالت: نعم قال: "فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وإياها ثويبة فلا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن"... الحديث. وذكر الزبير أن حمزة أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنين. وحكى أبو عمر نحوه وقال: وهذا لا يصلح عندي لأن الحديث الثابت أن حمزة وعبد الله بن عبد الأسد أرضعتهما ثويبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين. قلت وأقرب من هذا ما روينا عن ابن إسحاق من طريق البكائي أنه كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين والله أعلم. واسترضع له من بني سعد بن بكر امرأة يقال لها: حليمة بنت أبي ذؤيب وكانت تحدث أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر قالت: وفي سنة شهباء لم تبق لنا شيئا قالت: فخرجت على أتان لي قمراء معنا شارف لنا والله ما تبض1 بقطرة لبن وما ننام ليلتنا أجمع مع صبينا الذي معنا من بكائه من الجوع ما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغذيه ولكنا نرجو الغيث والفرج فخرجت على أتاني تلك فلقد أذمَّت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول: يتيم ما عسى أن تصنع أمه وجده فكنا نكرهه لذلك فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه قال: لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة قالت: فذهبت إليه فأخذته وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بض الماء يبض بضيضا أي سال قليلا قليلا.

 

ج / 1 ص -49-         فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل ثدياي بما شاء من لبن وشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي ثم ناما وما كنا ننام معه قبل ذلك، فقام زوجي إلى شارفنا تلك فإذا أنها الحافل، فحلب منها ما شرب وشربت حتى انتهينا ريا وشبعا فبتنا بخير ليلة يقول صاحبي حين أصبحنا تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة قلت: والله إني لأرجو ذلك، ثم خرجت وركبت أتاني وحملته عليها معي فوالله لقطعت بالركب ما يقدر علي شيء من حمرهم حتى إن صواحبي ليقلن لي يا بنت أبي ذؤيب ويحك أربعي1 علينا أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها فأقول لهن بلى، والله إنها لهي فيقلن والله إن لها لشأنا قالت: ثم قدمنا منازلنا من بني سعد ولا أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فكانت غنمي تروح على حين قدمنا به معنا شباعا لبنا فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضر من قومنا يقولون: لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعا لبنا فلم يزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا2 فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا لما نرى من بركته فكلمنا أمه وقلت لها: لو تركت بني عندي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة فلم نزل به حتى ردته معنا فرجعنا به فوالله إنه بعد مقدمنا به بأشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا إذ أتانا أخوه يشتد فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشي عبد الله قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه قالت: فخرجت أنا وأبوه نحوه فوجدناه قائما منتقعا لوجهه قال: فالتزمته

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي اقتصري وارفقي.
2 استجفر الصبي إذا قوي على الأكل.

 

ج / 1 ص -50-         والتزمه أبوه، فقلنا: ما لك يا بني قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني فالتمسا فيه شيئا لا أدري ما هو؟ قالت: فرجعنا به إلى خيامنا وقال لي أبوه: يا حليمة لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به. قالت: فاحتملناه فقدمنا به على أمه، فقالت: ما أقدمك به يا ظئر1 ولقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك؟ قلت: قد بلغ الله بابني وقضيت الذي علي وتخوفت الأحداث عليه فأديته عليك كما تحبين. قالت: ما هذا شأنك فأصدقيني خبرك. قالت: فلم تدعني حتى أخبرتها. قالت: أفتخوفت عليه الشيطان؟ قلت: نعم. قالت: كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وأن لبني شأنا أفلا أخبرك خبره. قلت: بلى. قالت: رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف منه ولا أيسر منه ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء دعيه عنك وانطلقي راشدة. قال السهيلي وذكر غير ابن إسحاق في حديث الرضاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقبل إلا على ثديها الواحد وتعرض عليه الآخر فيأباه كأنه قد أشعر أن معه شريكا في لبانها وكان مفطورا على العدل مجبولا على جميل المشاركة والفضل صلى الله عليه وسلم. ويروى أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك قال: "نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام ورأت أمي حين حملت بي أنه قد خرج منها نور أضاء له قصور الشام واسترضعت في بني سعد بن بكر فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا فأخذاني فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها، ثم غسلا قلبي وباطني بذلك الثلج حتى أنقياه، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الظئر: المرضع.

 

ج / 1 ص -51-         من أمته فوزنني بعشرة فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته فوزنني بهم فوزنتهم، فقال: دعه عنك فلو وزنته بأمة1 لوزنها". وفى رواية: "فاستخرجا منه مغمز الشيطان وعلق الدم". وفيها: "وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن".
قوله في هذا الخبر: وما في شارفنا ما يغديه قيل: بالدال المهملة من الغداء وقيل بالمعجمة وقال: أبو القاسم وهو أتم من الاقتصار على ذكر الغداء دون العشاء. وعند بعض الناس يعذبه ومعناه ما يقنعه حتى يرفع رأسه وينقطع عن الرضاع يقال منه عذبته وأعذبته إذا قطعته عن الشرب ونحوه والعذوب وجمعه عذوب بالضم ولا يعرف فعول جمع على فعول غيره. قاله أبو عبيد. انتهى كلام السهيلي -رحمه الله- وأنشدني أبي رحمه الله لبعض العرب يهجو قوما بات ضيفهم:

بتنا عذوبا وبات البق يلبسنا             نشوي القراح2 كأن لا حي بالوادي

وذكر في فعول غير عذوب وحكى ذلك عن "كتاب ليس" لابن خالويه. وقوله أدمت بالركب حبستهم وكأنه من الماء الدائم وهو الواقف. ويروى أذمت أي الأتان أي جاءت بما تذم عليه أو يكون من قولهم بئر ذمة أي قليلة الماء. وقوله يسوطانه يقال: سطت اللبن أو الدم أو غيرهما أسوطه إذا ضربت بعضه ببعض والمسوط عود يضرب به. وقوله مغمز الشيطان هو الذى يغمزه الشيطان من كل مولود إلا عيسى ابن مريم وأمه لقول أمها حنة: {إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ولأنه لم يخلق من مني الرجال وإنما خلق من نفخة روح القدس. قال السهيلي: ولا يدل هذا على فضله عليه السلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأن محمدا عندما نزغ ذلك منه ملئ حكمة وإيمانا بعد أن غسله روح القدس بالثلج والبرد. وقد روي أنه عليه السلام ليلة الإسراء أتي بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغ في قلبه وأنه غسل قلبه بماء زمزم فوهم بعض أهل العلم من روى ذلك ذاهبا في ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة "بأمته".
2 أي الماء الذي لا يخالطه شيء.

 

ج / 1 ص -52-         إلى أنها واقعة متقدمة التاريخ على ليلة الإسراء بكثير. قال السهيلي وليس الأمر كذلك بل كان هذا التقديس وهذا التطهير مرتين الأولى في حال الطفولية لينقى قلبه من مغمز الشيطان والثانية عندما أراد أن يرفعه إلى الحضرة المقدسة وليصلي بملائكة السموات ومن شأن الصلاة الطهور فقدس باطنا وظاهرا وملئ قلبه حكمة وإيمانا وقد كان مؤمنا ولكن الله تعالى قال: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}.
رجع إلى الأول: وانطلق به أبو طالب وكانت حليمة بعد رجوعها من مكة لا تدعه أن يذهب مكانا بعيدا فغفلت عنه يوما في الظهيرة فخرجت تطلبه حتى تجده مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أمه ما وجد أخي حرا رأيت غمامة تظل عليه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع، تقول أمها: أحقا يا بنية؟ قالت: إي والله. قال: تقول حليمة: أعوذ بالله من شر ما نحذر على ابني. فكان ابن عباس يقول: رجع إلى أمه وهو ابن خمس سنين وكان غيره يقول رد إليها وهو ابن أربع سنين وهذا كله عن الواقدي وقال أبو عمر ردته ظئره حليمة إلى أمه بعد خمس سنين ويومين من مولده وذلك سنة ست من عام الفيل وأسلمت حليمة بنت أبى ذؤيب وهو عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن قبيصة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن. قال أبو عمر روى زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: جاءت حليمة ابنة عبد الله أم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه. روت عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنها ابنها عبد الله بن جعفر. قرئ على أبي العباس أحمد بن يوسف الصوفي وأنا أسمع سنة ست وسبعين قال: أنا أبو روح البيهقي سماعا عليه سنة خمس وستمائة؛ قال: أنا الإمام أبو بكر محمد بن علي الطوسي قراءة عليه ونحن نسمع قال: أنا أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي؛ قال: أنا أبو بكر أحمد بن الحسن النيسابوري؛ قال: أنا أبو علي محمد بن أحمد الميداني؛ قال: أنا أبو

 

ج / 1 ص -53-         عبد الله محمد بن خالد بن فارس ثنا أبو عاصم النبيل عن جعفر بن يحيى بن ثوبان عن عمه عمارة عن أبي الطفيل قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة وأنا غلام شاب فأقبلت امرأة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط لها رداءه، فقعدت عليه، فقال: من هذه؟ قال: أمه التي أرضعته. هكذا روينا في هذا الخبر وكذا حكى أبو عمر بن عبد البر عن حليمة بنت أبي ذؤيب أنها أسلمت وروت ومن الناس من ينكر ذلك. وحكى السهيلي أنها كانت وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بعد تزويجه خديجة تشكو إليه السنة1 وأن قومها قد أسنتوا فكلم لها خديجة فأعطتها عشرين رأسا من غنم وبكرات. وذكر أبو إسحاق بن الأمين في استدراكه على أبي عمر خولة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر غيره فيهن أيضا أم أيمن بركة حاضنته عليه السلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي الجدب؛ وأسنتوا: أي أجدبوا.

 

ج / 1 ص -55-         ذكر الخبر عن وفاة أمه آمنة بنت وهب وحضانة أم أيمن له وكفالة عبد المطلب إياه:
قال ابن إسحاق: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة وجده عبد المطلب في كلاءة الله وحفظه ينبته الله نباتا حسنا لما يريد به من كرامته فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين توفيت أمه آمنة بالأبواء بين مكة والمدينة، قال أبو عمر بن عبد البر وقيل: ابن سبع سنين قال: وقال محمد بن حببب في الخبر توفيت أمه صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين وقال: وتوفي جده عبد المطلب بعد ذلك بسنة وأحد عشر شهرا سنة تسع من عام الفيل وقيل: إنه توفي جده عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين. رجع إلى ابن إسحاق قال: وكانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم فماتت وهي راجعة إلى مكة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة فكان بنوه يجلسون حول ذلك الفراش حتى يخرج إليه لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر حتى يجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا بني فوالله إن له لشأنا ثم يجلسه معه عليه ويمسح ظهره بيده ويسره ما يراه يصنع. قرأت على أحمد بن محمد المقدسي الزاهد أخبرك أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان عن محمد بن عبد الباقي عن أحمد بن الحسن قال أبو إسحاق وأنا أحمد بن محمد بن علي بن صالح قال: أنا أبو بكر أحمد بن الحسين قالا: أنا أبو علي بن شاذان قال: أنا ابن درستويه قال: أنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو الحسن مهدي بن عيسى قال: أنا خالد بن عبد الله الواسطي عن داود بن أبي هند عن العباس

 

ج / 1 ص -56-         ابن عبد الرحمن عن كندير1 بن سعيد عن أبيه قال: حججت في الجاهلية فبينا أنا أطوف بالبيت إذا رجل يقول:

رد إلي راكبي محمدا                      أردده رب واصطنع عندي يدا

قال: قلت: من هذا؟ قال: عبد المطلب بن هاشم بعث ابن ابنه في إبل له ضلت وما بعثه في شيء إلا جاء به قال: فما برحت حتى جاء بالإبل معه قال: فقال: يا بني حزنت عليك حزنا لا يفارقني بعده أبدا قالوا: وكانت أم أيمن تحدث تقول: كنت أحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم فغفلت عنه يوما فلم أدر إلا بعبد المطلب قائما على رأسي يقول يا بركة قلت: لبيك؛ قال: أتدري أين وجدت ابني؟ قلت: لا أدري؛ قال: وجدته مع غلمان قريبا من السدرة لا تغفلي عن ابني فإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه الأمة وأنا لا آمن عليه منهم وكان لا يأكل طعاما إلا قال: علي بابني فيؤتى به إليه. وروينا عن ابن سعد قال أنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال حدثني الوليد بن عبد الله بن جميع الزهري عن ابن لعبد الرحمن بن موهب ابن رباح الأشعري حليف بني زهرة عن أبيه قال حدثني مخرمة بن نوفل قال الزهري: قال: سمعت أمي رقيقة2 بنت صيفي بن هاشم بن عبد مناف تحدث وكانت لدة عبد المطلب قال: تتابعت على قريش سنون ذهبن بالأموال وأشفين على الأنفس قالت: فسمعت قائلا يقول في المنام: يا معشر قريش إن هذا النبي المبعوث منكم وهذا إبان خروجه وبه يأتيكم بالحيا والخصب فانظروا رجلا من أوسطكم نسبا طوالا عظاما أبيض مقرون الحاجبين أهدب الأشفار جعدا سهل الخدين رقيق العرنين فليخرج هو وجميع ولده وليخرج منكم من كل بطن رجل فتطهروا وتطيبوا ثم استلموا الركن ثم ارقوا إلى رأس أبي قبيس ثم يتقدم هذا الرجل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بكسر الكاف وسكون النون وكسر الدال وآخره راء مهملة.
2 بضم الراء وسكون الياء وقافين مفتوحتين.

 

ج / 1 ص -57-         فيستسقي وتؤمنون فإنكم ستسقون، فأصبحت، فقصت رؤياها عليهم، فنظروا فوجدوا هذه الصفة صفة عبد المطلب فاجتمعوا إليه وخرج من كل بطن منهم رجل ففعلوا ما أمرتهم به ثم علوا على أبي قبيس ومعهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام فتقدم عبد المطلب وقال: لاهم1 هؤلاء عبيدك وبنو عبيدك وإماؤك وبنات إمائك وقد نزل بنا ما ترى وتتابعت علينا هذه السنون فذهبت بالظلف والخف وأشفت على الأنفس فأذهب عنا الجدب وائتنا بالحيا والخصب فما برحوا حتى سالت الأودية وبرسول صلى الله عليه وسلم سقوا فقالت رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف:

بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا                 وقد فقدنا الحيا واجلوَّذ المطر

فجاد بالماء جوني له سبل                       دان فعاشت به الأنعام والشجر

منا من الله بالميمون طائره                       وخير من بشرت يوما به مضر

مبارك الأمر يستسقى الغمام به               ما في الأنام له عدل ولا خطر


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: اللهم.

 

ج / 1 ص -59-         ذكر وفاة عبد المطلب وكفالة أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ثم إن عبد المطلب بن هاشم هلك عن سن عالية مختلف في حقيقتها. قال أبو الربيع بن سالم: أدناها فيما انتهى إلي ووقفت عليه خمس وتسعون سنة ذكره الزبير وأعلاها فيما ذكره الزبير أيضا عن نوفل بن عمارة قال: كان عبيد بن الأبرص ترب1 عبد المطلب وبلغ عبيد مائة وعشرين سنة وبقي عبد المطلب بعده عشرين سنة وكانت وفاته سنة تسع من عام الفيل وللنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ثمان سنين وقيل بل توفي عبد المطلب وهو ابن ثلاث سنين. حكاه أبو عمر. وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مهلك جده عبد المطلب مع عمه أبي طالب وكان عبد المطلب يوصيه به فيما يزعمون وذلك أن عبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا طالب أخوان لأب وأم فكان أبو طالب هو الذى يلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده فكان إليه ومعه. وذكر الواقدي: أن أبا طالب كان مقلا من المال وكانت له قطعة من الإبل تكون بعرنة فيبدو إليها فيكون فيها ويؤتى بلبنها إذا كان حاضرا بمكة. فكان عيال أبي طالب إذا أكلوا جميعا وفرادى لم يشبعوا وإذا أكل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعوا فكان أبو طالب إذا أراد أن يغديهم أو يعشيهم يقول كما أنتم حتى يأتي ابني فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهم فيفضلون من طعامهم وإن كان لبنا شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم ثم تناول القعب فيشربون منه فيروون من عند آخرهم من القعب الواحد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: في سنه.

 

ج / 1 ص -60-         وإن كان أحدهم ليشرب قعبا وحده فيقول أبو طالب: إنك لمبارك. وكان الصبيان يصبحون شعثا رمصا1 ويصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم دهينا كحيلا وقالت أم أيمن وكانت تحضنه: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا جوعا قط ولا عطشا وكان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربة فربما عرضنا عليه الغداء فيقول أنا شبعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الرمص: وسخ يجتمع في موق العين.