عيون
الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. دار القلم ـ[عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل
والسير]ـ
المؤلف: محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، ابن سيد الناس، اليعمري الربعي، أبو
الفتح، فتح الدين (المتوفى: 734هـ)
تعليق: إبراهيم محمد رمضان
الناشر: دار القلم - بيروت
الطبعة: الأولى، 1414/1993.
عدد الأجزاء: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
(/)
[المجلد الاول]
ترجمة المؤلف 671 هـ- 734 هـ-
اسمه ونسبه:
هو فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يحيى بن سيد الناس الشافعي الإمام الحافظ اليعمري
الأندلسي الأشبيلي المصري.
المعروف بابن سيد الناس.
ولادته:
ولد بالقاهرة في ذي القعدة- وقيل في ذي الحجة- سنة إحدى وسبعين وستمائة.
علومه وسيرته:
سمع من الجم الغفير، وتفقه على مذهب الشافعي، وأخذ علم الحديث عن والده
وابن دقيق العبد ولازمه سنين كثيرة، وتخرج عليه، وقرا عليه أصول الفقه،
وقرأ النحو على ابن النحاس.
حياته:
ولي دار الحديث بجامع الصالح، وخطب بجامع الخندق.
مصنفاته:
صنف كتبا نفسية منها: السيرة الكبرى، سماها عيون الأثر في مجلدين- وهو
كتابه هذا- واختصره في كراريس وسماه (نور العيون) وشرح قطعة من كتاب
الترمذي إلى كتاب الصلاة في مجلدين، وصنف في منع بيع أمهات الأولاد مجلدا
ضخما
(1/5)
يدل على علم كثير، وذكره في معجمه المختص
قال: أحد أئمة هذا الشأن، كتب بخطه المليح كثيرا، وخرج وصنف وصحح وعلل وفرع
وأصل، وقال الشعر البديع، وكان حلو النادرة حسن المحاضرة، جالسته وسمعت
قراءته وأجاز لي مروياته، عليه مآخذ في دينه وهديه فالله يصلحه وإيانا.
قال ابن كثير: اشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث والفقه
والنحو وعلوم السير والتاريخ وغير ذلك، وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين، وقد
حرر وحبر وأفاد، ولم يسلم عن بعض الانتقاد، وله الشعر والنثر الفائق، وحسن
التصنيف والترصيف والتعبير وجودة البديهة وحسن الطوية والعقيدة السلفية
والاقتداء بالأحاديث النبوية، وتذكر عنه شؤون أخر، الله يتولاه فيها. ولم
يكن بمصر في مجموعه مثله في حفظ الأسانيد والمتون والعلل والفقه والملح
والأشعار والحكايات.
قال صاحب البدر السافر: وخالط أهل السفه وشراب المدام، فوقع في الملام ورشق
بسهام الكلام، والناس معادن، والقرين يكرم ويهين باعتبار المقارن. قال:
ولم يخلف بعده في القاهرة ومصر من يقوم بفنونه مقامه، ولا من يبلغ في ذلك
مرامه، أعقبه الله السلامة في دار الإقامة.
قال ابن ناصر الدين: كان إماما حافظا عجيبا مصنفا بارعا شاعرا أريبا، دخل
عليه واحد من الأخوان يوم السبت حادي عشر شعبان، فقام لدخوله من قامته،
فلقف ثلاث لقفات ومات من ساعته ودفن عند ابن أبي جمرة رحمهما الله.
وكانت وفاته سنة أربع وثلاثين وسبعمائة للهجرة.
(1/6)
تقديم
الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستهديه واستغفره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا فضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، من بعثه الله رحمة للعالمين،
سيدنا ونبينا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين،
وأصحابه الهداة المهديين.
أما بعد:
فإن بعثة النبي الكريم كان لها الأثر الجلي الواضح في تغيير مسار التاريخ،
فنقلت البشرية من البؤس والجهل، إلى رحاب السعادة والعلم، فأنقذ الله عز
وجل ببعثته صلّى الله عليه وسلّم الناس من الظلام إلى النور، وسار بهم إلى
رضوان الله عز وجل، فمن اقتدى بهديه فقد أفلح ورشد، ومن ابتعد عن سبيله فقد
ضل وغوى.
وإن هذا الكتاب القيم لابن سيد الناس، هو من الكتب المعتبرة الجامعة لفوائد
السير، ابلى فيه الإمام أبي الفتح محمد بن محمد المعروف بفتح الدين ابن سيد
الناس الأندلسي البلاء الحسن، فابتعد عن الإطالة المملة، أو الاختصار الذي
يذهب بالفائدة، فجمع رضي الله عنه المتفرقات، وسلك ما اقتضاه التاريخ من
ذكر الوقائع مرتبة واحدة بعد أخرى. فكان معتدلا وسطا بين كتب السير، فجزى
الله مصنفه خير الجزاء، وأسكنه فسيح الرضوان.
وبعد:
فإننا إذا نقدم هذا الكتاب النفيس إلى القارئ الكريم، في حلته هذه، نود
(1/7)
الإشارة إلى أننا عملنا على ضبط المؤلف
بالعودة إلى المراجع التي استقى منها أخباره، وشرحنا ما اقتضى شرحه من
كلمات. وعلقنا على الأخبار التي تقتضي التعليق، آملين أن نكون قد ساهمنا في
إبراز هذا الكتاب القيم، وتقديمه للقارئ الكريم بمتناول سهل. وأخيرا لا بد
لنا من الإشارة إلى ما بذلته دار القلم في بيروت لصاحبها ومديرها الأستاذ
أحمد أكرم الطباع الذي بذل جهده المستطاع في سبيل إخراج هذا الكتاب بشكله
النهائي.
نسأل المولى تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وأن يجعل عملنا
خالصا له وحده، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
الراجي عفو ربه الشيخ إبراهيم محمد رمضان دار الفتوى- بيروت
(1/8)
[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله محلى محاسن السنة المحمدية بدرر
أخبارها، ومجلي ميامن السيرة النبوية عن غرر آثارها، ومؤيد من اقتبس نور
هدايته من مشكاة أنوارها، ومسدد من التمس عن حمايته من أزرق سنانها [1]
وأبي بتارها، ومسهل طريق الجنة لمن اتبع مستقيم صراطها، واهتدى بضياء
منارها، ومذلل سبيل الهداية لمن اقتفى سرائر سيرها وسير أسرارها ... أحمده
على ما أولى من نعم قعد لسان الشكر عن القيام بمقدارها.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبلغنا من ميادين القبول
غاية مضمارها، وتسوغنا من مشارع الرحمة أصفى مواردها، وأعذب أنهارها.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ابتعثه وقد طمت بحار الكفر بتيارها [2] ،
وطغت شياطين الضلال بعنادها وإصرارها، وعتت طائفة الأوثان وعبدة الأصنام
على خالقها وجبارها، فقام بأمره حتى تجلت غياهب [3] ظلمها عن سنا أبدارها،
وجاهد في الله حق جهاده حتى أسفر ليل جهلها عن صباح نهارها، صلى الله عليه
وعلى آله وصحبه الذين حازت نفوسهم الأبية من مراضيه غاية أوطارها [4] ،
وفازت من سماع مقاله ورواية أحواله ورؤية جلاله بملء مسامعها وأفواهها
وأبصارها، وسلم تسليما كثيرا.
__________
[ (1) ] السنان: نصل الرمح.
[ (2) ] يقال: طما الشيء طموا أي ارتفع، ويقال: طما الماء أي ارتفع وملأ
النهر.
[ (3) ] الغيهب: الظلمة.
[ (4) ] الوطر: الحاجة فيها مأرب وهمة، وجمعها: أوطار، يقال: قضى منه وطره
أي نال منه بغيته.
(1/9)
وبعد:
فلما وقفت على ما جمعه الناس قديما وحديثا، من المجاميع في سير النبي صلّى
الله عليه وسلّم ومغازيه وأيامه، إلى غير ذلك مما يتصل به، لم أر إلا مطيلا
مملا، أو مقصرا بأكثر المقاصد مخلا، والمطيل إما معتن بالأسماء والأنساب
والأشعار والآداب، أو آخر يأخذ كل مأخذ في جمع الطرق والروايات، ويصرف إلى
ذلك ما تصل إليه القدرة من العنايات، والمقصر لا يعدو المنهج الواحد، ومع
ذلك فلا بد وأن يترك كثيرا مما فيه من الفوائد، وإن كانوا رحمهم الله هم
القدوة في ذلك، ومما جمعوه يستمد من أراد ما هنالك، فليس لي في هذه المجموع
إلا حسن الإختيار من كلامهم، والتبرك بالدخول في نظامهم، غير أن التصنيف
يكون في عشرة أنواع كما ذكره بعض العلماء، فأحدها جمع المتفرقات، وهو ما
نحن فيه، فإني أرجو أن الناظر في كتابي هذا لا يجد ما ضمنته إياه في مكان
ولا مكانين ولا ثلاثة ولا أكثر من ذلك، إلا بزيادة كثيرة تتعب القاصد،
وتتعذر بها على أكثر الناس المقاصد، فاقتضى ذلك أن جمعت هذه الأوراق،
وضمنتها كثيرا مما انتهى إليّ من نسب سَيِّدُنَا وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، ومولده، ورضاعه، وفصاله [1] ،
وإقامته في بني سعد، وما عرض له هنالك من شق الصدر وغيره، ومنشأه، وكفالة
عبد المطلب جده إياه إلى أن مات، وانتقاله إلى كفالة عمه أبي طالب بعد ذلك،
وسفره إلى الشام، ورجوعه منه، وما وقع له في ذلك السفر من إظلال الغمامة
إياه، وأخبار الكهان والرهبان عن نبوته، وتزويجه خديجة عليها السلام، ومبدأ
البعث والنبوة، ونزول الوحي، وذكر قوم من السابقين الأولين في الدخول في
الإسلام، وما كان من الهجرتين إلى أرض الحبشة، وانشقاق القمر، وما عرض له
بمكة من الحصار بالشعب، وأمر الصحيفة، وخروجه إلى الطائف، ورجوعه بعد ذلك
إلى مكة، وذكر العقبة، وبدء إسلام الأنصار، والإسراء والمعراج، وفرض
الصلاة، وأخبار الهجرة إلى المدينة، ودخوله عليه السلام المدينة ونزوله حيث
نزل، وبناء المسجد، واتخاذ المنبر، وحنين الجذع، ومغازيه وسيره وبعوثه، وما
نزل من الوحي في ذلك، وعمره، وكتبه إلى الملوك، وإسلام الوفود، وحجة
الوداع، ووفاته صلّى الله عليه وسلّم، وغير ذلك، ثم أتبعت ذلك بذكر أعمامه
وعماته، وأزواجه وأولاده، وحليته
__________
[ (1) ] الفصال: فطام المولود، قال عز وجل: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ
ثَلاثُونَ شَهْراً.
(1/10)
وشمائله، وعبيده وإمائه ومواليه، وخيله
وسلاحه، وما يتصل بذلك مما ذكره العلماء في ذلك على سبيل الاختصار
والإيجاز، سالكا في ذلك ما اقتضاه التاريخ من إيراد واقعة بعد أخرى، لا ما
اقتضاه الترتيب من ضم الشيء إلى شكله ومثله، حاشا ذكر أزواجه وأولاده عليه
السلام، فإني لم أسق ذكرهم على ما اقتضاه التاريخ، بل دخل ذلك كله فيما
اتبعت به باب المغازي والسير، من باب الحلي والشمائل، ولم أستثن من ذلك إلا
ذكر تزويجه عليه السلام خديجة عليها السلام بما وقع في أمرها من أعلام
النبوة.
وقد أتحفت الناظر في هذا الكتاب من طرف الأشعار بما يقف الإختيار عنده، ومن
نتف الأنساب بما لا يعدو التعريف حده، ومن عوالي الأسانيد بما يستعذب
الناهل ورده، ويستنجح الناقل قصده، وأرحته من الإطالة بتكرار ما يتكرر
منها، وذلك أني عمدت إلى ما يتكرر النقل منه من كتب الأحاديث والسنن
والمصنفات، على الأبواب والمسانيد وكتب المغازي والسير، وغير ذلك مما يتكرر
ذكره، فأذكر ما أذكره من ذلك بأسانيدهم إلى منتهى ما في مواضعه، وأذكر
أسانيدي إلى مصنفي تلك الكتب في مكان واحد عند انتهاء الغرض من هذا
المجموع، وأما ما لا يتكرر النقل منه إلا قليلا، أو ما لا يتكرر منه نقل،
فما حصل من الفوائد الملتقطة، والأجزاء المتفرقة، فإني أذكر تلك الأسانيد
عند ذكر ما أورده بها، ليحصل بذلك الغرض من الاختصار، وذكر الأسانيد مع عدم
التكرار، فأما الأنساب فمن ذكرته استوعبت نسبه إلى أن يصل إلى فخذه أو بطنه
المشهور، أو أبعد من ذلك من شعبه أو قبيلته، بحسب ما يقتضيه الحال إن
وجدته، فإن تكرر ذكره لم أرفع في نسبه، واكتفيت بما سلف من ذلك، غير أني
أنبه على المكان الذي سبق فيه نسبه مرفوعا بعلامة أرسمها بالحمرة، فمن ذكر
في السابقين الأولين أعلمت له (3) وللمهاجرين الأولين إلى أرض الحبشة (ها)
وللثانية (هب) ولمهاجرة المدينة (هـ-) ولأهل العقبة الأولى (عا) والثانية
(عب) وللمذكورين في النقباء (ق) ولأهل العقبة الثالثة (عج) وللبدريين (ب)
ولأهل أحد (أ) .
وعمدتنا فيما نورده من ذلك على محمد بن إسحق إذ هو العمدة في هذا الباب لنا
ولغيرنا، غير أني قد أجد الخبر عند مرسلا، وهو عند غيره مسندا، فأذكره من
حيث هو مسند، ترجيحا لمحل الإسناد. وإن كانت في مرسل ابن إسحق زيادة أتبعته
بها
(1/11)
ولم أتتبع إسناد مراسيله، وإنما كتبت ذلك
بحسب ما وقع لي، وكثيرا ما أنقل عن الواقدي من طريق محمد بن سعد وغيره
أخبارا، ولعل كثيرا منها لا يوجد عند غيره، فإلى محمد بن عمر انتهى علم ذلك
أيضا في زمانه، وإن كان وقع لأهل العلم كلام في محمد بن إسحق، وكلام في
محمد بن عمر الواقدي أشد منه، فسنذكر نبذة مما انتهى إليّ من الكلام فيهما
جرحا وتعديلا، فإذا انتهى ما أنقله من ذلك أخذت في الأجوبة عن الجرح فصلا
فصلا، بحسب ما يقتضيه النظر ويؤدي إليه الاجتهاد، والله الموفق.
فأما ابن إسحق فهو: محمد بن إسحق بن يسار بن خيار، ويقال: ابن يسار بن
كوثان المديني، مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف أبو بكر، وقيل:
أبو عبد الله رأى أنس بن مالك وسعيد بن المسيب، وسمع القاسم بن محمد بن أبي
بكر الصديق، وأبان بن عثمان بن عفان، ومحمد بن علي بن الحسن بن علي ابن أبي
طالب، وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، ونافعا
مولى ابن عمر، والزهري وغيرهم، وحدث عنه أئمة العلماء، منهم: يحيى بن سعيد
الأنصاري، وسفيان الثوري، وابن جريج، وشعبة، والحمادان، وإبراهيم بن سعد،
وشريك بن عبد الله النخعي، وسفيان بن عيينة ومن بعدهم.
ذكر ابن المديني عن سفيان بن عيينة أنه سمع ابن شهاب يقول: لا يزال
بالمدينة علم ما بقي هذا (يعني ابن إسحق) . وروى ابن أبي ذئب عن الزهري أنه
رآه مقبلا فقال: لا يزال بالحجاز علم كثير ما بقي هذا الأحول بين أظهرهم،
وقال ابن علية: سمعت شعبة يقول: محمد بن إسحق صدوق في الحديث، من رواية
يونس بن بكير عن شعبة: محمد بن إسحق أمير المحدثين، وقيل: لم؟ قال: لحفظه.
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا ابن المنذر عن ابن عيينة أنه قال: ما يقول
أصحابك في محمد بن إسحق؟ قال: قلت: يقولون أنه كذاب، قال: لا تقل ذلك، قال
ابن المديني: سمعت سفيان بن عيينة سئل عن محمد بن إسحق، فقيل له: ولم يرو
أهل المدينة عنه؟ قال: جالسته منذ بضع وسبعين سنة، وما يتهمه أحد من أهل
المدينة، ولا يقولون فيه شيئا، وسئل أبو زرعة عنه فقال: من تكلم في محمد بن
إسحق! هو صدوق. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال ابن المديني: مدار حديث
(1/12)
رسول الله صلى الله عليه وسلم على ستة،
فذكرهم ثم قال: وصار علم الستة عند اثني عشر أحدهم ابن إسحق. وسئل ابن شهاب
عن المغازي فقال: هذا أعلم الناس بها (يعني ابن إسحق) .
وقال الشافعي: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على ابن إسحق، وقال
أحمد بن زهير: سألت يحيى بن معين عنه فقال: قال عاصم بن عمر بن قتادة: لا
يزال في الناس علم ما عاش محمد بن إسحق، وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا هارون
بن معروف قال: سمعت أبا معاوية يقول: كان ابن إسحق من أحفظ الناس، فكان إذا
كان عند الرجل خمسة أحاديث أو أكثر جاء فأستودعها محمد بن إسحق، فقال:
أحفظها عليّ، فإن نسيتها كنت قد حفظتها على.
وروى الخطيب بإسناد له إلى ابن نفيل: ثنا عبد الله بن فائد قال: كنا إذا
جلسنا إلى محمد بن إسحق فأخذ في فن من العلم قضى مجلسه في ذلك الفن. وقال
أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري: محمد بن إسحق قد أجمع الكبراء من أهل
العلم على الأخذ عنه، منهم: سفيان، وشعبة، وابن عيينة، والحمادان، وابن
المبارك، وإبراهيم بن سعد، وروى عنه من الأكابر: يزيد بن أبي حبيب.
وقد اختبره أهل الحديث فرأوا صدقا وخيرا مع محمدة ابن شهاب له. وقد ذاكرت
دحيما قول مالك (يعني فيه) فرأى أن ذلك ليس للحديث، إنّما هو لأنه اتهمه
بالقدر، وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: الناس يشتهون حديثه، وكان يرمى
بغير نوع من البدع. وقال ابن نمير: كان يرمى بالقدر، وكان أبعد الناس منه.
وقال البخاري: ينبغي أن يكون له ألف حديث ينفرد بها لا يشاركه فيها أحد.
وقال علي بن المديني عن سفيان: ما رأيت أحدا يتهم محمد بن إسحاق. وقال أبو
سعيد الجعفي: كان ابن إدريس معجبا بابن إسحق، كثير الذكر له، ينسبه إلى
العلم والمعرفة والحفظ، وقال إبراهيم الحربي: حدثني مصعب قال: كانوا يطعنون
عليه بشيء من غير جنس الحديث. وقال يزيد بن هارون: ولو سود أحد في الحديث
لسود محمد بن إسحق. وقال شعبة فيه: أمير المؤمنين في الحديث. وروى يحيى بن
آدم:
ثنا أبو شهاب قال: قال لي شعبة بن الحجاج: عليك بالحجاج بن أرطاة، وبمحمد
بن إسحق، وقال ابن علية: قال شعبة: أما محمد بن إسحق وجابر الجعفي فصدوقان.
(1/13)
وقال يعقوب بن شيبة: سألت ابن المديني: كيف
حديث محمد بن إسحق، صحيح؟
قال: نعم، حديثه عندي صحيح، قلت له: فكلام مالك فيه، قال: لم يجالسه ولم
يعرفه، ثم قال علي بن إسحق: أي شيء حدث بالمدينة قلت له، فهشام بن عروة قد
تكلم فيه قال علي: الذي قال هشام ليس بحجة، لعله دخل على امرأته وهو غلام
فسمع منها، وسمعت عليا يقول: إن حديث محمد بن إسحق ليتبين فيه الصدق، يروى
مرة: حدثني أبو الزناد، ومرة ذكر أبو الزناد، وروى عن رجل عن من سمع منه
يقول: حدثني سفيان بن سعيد عن سالم أبي النضر عن عمر «صوم يوم عرفة» وهو من
أروى الناس عن أبي النضر، ويقول: حدثني الحسن بن دينار، عن أيوب، عن عمرو
بن شعيب في «سلف وبيع» وهو من أروى الناس عن عمرو بن شعيب.
وقال علي: لم أجد لابن إسحق إلا حديثين منكرين: نافع عن ابن عمر عن النبي
صلّى الله عليه وسلّم «إذا نعس أحدكم يوم الجمعة [1] » والزهري عن عروة عن
زيد بن خالد «إذا مس أحدكم فرجه [2] »
هذين لم يروهما عن أحد، والباقون يقول: ذكر فلان، ولكن هذا فيه ثنا، وقال
مرة: وقع إليّ من حديثه شيء، فما أنكرت منه إلا أربعة أحاديث، ظننت أن بعضه
منه وبعضه ليس منه، وقال البخاري: رأيت علي بن المديني يحتج بحديثه وقال
لي:
نظرت في كتابه فما وجدت عليه إلا حديثين ويمكن أن يكونا صحيحين، وقال
العجلي: ثقة، وروى المفضل بن غسان عن يحيى بن معين: ثبت في الحديث، وقال
يعقوب بن شيبة: سألت يحيى بن معين عنه: في نفسك شيء من صدقه؟ قال:
لا، هو صدوق. وروى ابن أبي خيثمة عن يحيى: ليس به بأس. وقال ابن المديني:
قلت لسفيان: كان ابن إسحق جالس فاطمة بنت المنذر فقال: أخبرني أنها حدثته
وأنه دخل عليها، فاطمة هذه هي زوج هشام بن عروة، وكان هشام ينكر على ابن
إسحق روايته عنها ويقول: لقد دخلت بها وهي بنت تسع سنين، وما رآها مخلوق
حتى لحقت بالله، وقال الأثرم: سألت أحمد بن حنبل عنه فقال: هو حسن الحديث.
__________
[ (1) ] انظر سنن أبي داود رقم 1119 وسنن الترمذي رقم 526 وقال الترمذي:
هذا حديث حسن صحيح.
[ (2) ] انظر سنن أبي داود رقم 163 وسنن ابن ماجة رقم 479 وسنن الترمذي رقم
479 وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(1/14)
|