عيون
الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. دار القلم ذكر الحديث عن مسرى رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم ومعراجه وَفَرْضُ الصَّلاةِ
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ الصُّورِيِّ،
أَخْبَرَكُمُ الشَّيْخَانِ أَبُو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن أحمد بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ الأُخْوَةِ وَأُمُّ حَبِيبَةَ عَائِشَةُ بِنْتُ مَعْمَرِ
بْنِ الْفَاخِرِ الْقُرَشِيَّةُ إِجَازَةً قَالا: أَنَا أَبُو الْفَرَجِ
سَعِيدُ بْنُ أَبِي الرَّجَاءِ الصيرفي قراءة عليه ونحن نسمع بأصبهان [1]
قال: أَنَا أَبُو نَصْرٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ
الأَصْبَهَانِيُّ الْكِسَائِيُّ قَالَ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُقْرِئِ قَالَ: أَنَا أبو يعلى أحمد بن علي ابن
المثنى، ثنا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيِّ الْوَسَاوِسِيّ، ثَنَا
ضمرة بن ربيعة عن يحيى بن أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عْنَ أَبِي
صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَلَسٍ [2] وَأَنَا عَلَى فِرَاشِي،
فَقَالَ: «شَعَرْتُ إِنِّي نِمْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،
فَأَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَذَهَبَ بِي إِلَى بَابِ
الْمَسْجِدِ، فَإِذَا دَابَّةٌ أَبْيَضُ فوق
__________
[ (1) ] أصبهان: بفتح الهمزة وكسرها، والفتح أشهر، وبالباء والفاء، وقيدها
أبو عبيد البكري بالكسر، وأهل المشرق يقولون: أصفهان (بالفاء) وأهل المغرب
بالباء، وهي مدينة عظيمة. قال الإمام الحافظ أبو محمد بن عبد القادر
الرهاوي في كتابه، الأربعين الذي أخبرنا به عند صاحباه جمال الدين وزين
الدين: هي من أكبر مدن الإسلام وأكثرها حديثا ما خلا بغداد.
قال الإمام أبو الفتح الهمداني النحوي: ومن المدن العظام: أصبهان (بفتح
الهمزة) قال: فإن كان الإسم عربيا فهو مؤلف من لفظتين ضم أحدهما إلى الآخر،
الأول منهما فعل وهو: أص من أصت الناقة فهي أصوص إذا كانت كريمة موثقة
الخلق، واللفظ الثاني اسم وهو بهان، ومثاله فعال من قولهم للمرأة: بهانة،
وهي الضحوك، وقيل: الطيبة النفس والريح، فلما ضم أحد هذين اللفظين إلى
الآخر وسمي بهما هذا البلد خفف الأول منهما بحذف الصاد الثانية لئلا يجتمع
في هذه الكلمة ثقل التضعيف والتأليف، وكأنّها سميت لطيب تربتها وهوائها
وصحتها. (انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي 3/ 18) .
[ (2) ] الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.
(1/164)
الحمار ودون البغل مضطرب الأذنين
فَرَكِبْتُهُ، فَكَانَ يَضَعُ حَافِرَهُ مُدَّ بَصَرِهِ، إِذَا أَخَذَ فِي
هُبُوطٍ طَالَتْ يَدَاهُ وَقَصُرَتْ رِجْلاهُ، وَإِذَا أَخَذَ فِي صُعُودٍ
طَالَتْ رِجْلاهُ وَقَصُرَتْ يَدَاهُ، وَجَبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ لا
يَفُوتُنِي، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَأَوْثَقْتُهُ
بِالْحَلَقَةِ الَّتِي كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ تُوثِقُ بِهَا، فَنَشَرَ لِي
رَهْطٌ [1] مِنَ الأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ إِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى
عَلَيْهِمُ السَّلامُ، فَصَلَّيْتُ بِهِمْ، وَكَلَّمْتُهُمْ، وَأُتِيتُ
بِإِنَاءَيْنِ أَحْمَرَ وَأَبْيَضَ، فَشَرِبْتُ الأَبْيَضَ، فَقَالَ لِي
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ: شَرِبْتَ اللَّبَنَ وَتَرَكْتَ الْخَمْرَ،
لَوْ شَرِبْتَ الْخَمْرَ لارْتَدَّتْ أُمَّتُكَ، ثُمَّ رَكِبْتُهُ،
فَأَتَيْتُ الْمَسْجِدَ الحرام فصليت فيه الْغَدَاةَ» ، فَتَعَلَّقْتُ
بِرِدَائِهِ وَقُلْتُ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ ابْنَ عَمِّ أَنْ تُحَدِّثَ
بِهَا قُرَيْشًا فَيُكَذِّبُكَ مَنْ صَدَّقَكَ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى
رِدَائِهِ فَانْتَزَعَهُ مِنْ يَدِي فَارْتَفَعَ عَنْ بَطْنِهِ، فَنَظَرْتُ
إِلَى عُكَنِهِ [2] فَوْقَ رِدَائِهِ وَكَأَنَّهُ طَيُّ الْقَرَاطِيسِ،
وَإِذَا نُورٌ سَاطِعٌ عِنْدَ فُؤَادِهِ كَادَ يَخْطَفُ بَصَرِي،
فَخَرَرْتُ ساجدا، فَلَمَّا رَفَعْتُ رَأْسِي إِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ،
فَقُلْتُ لِجَارِيَتِي نَبْعَةَ: وَيْحَكِ اتْبَعِيهِ فَانْظُرِي مَاذَا
يَقُولُ وَمَاذَا يُقَالُ لَهُ، فَلَمَّا رَجَعَتْ نَبْعَةٌ أَخْبَرَتْنِي
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى
نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحَطِيمِ [3] فِيهِمُ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ
بْنِ نَوْفَلٍ وَعَمْرُو بْنُ هِشَامٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ
فَقَالَ: «إِنِّي صَلَّيْتُ اللَّيْلَةَ الْعِشَاءَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ،
وَصَلَّيْتُ بِهِ الْغَدَاةَ، وَأَتَيْتُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بَيْتَ
الْمَقْدِسِ فَنُشِرَ لِي رَهْطٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ
وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلامُ فَصَلَّيْتُ بهم وكلمتهم» ، فقال
عمر بْنُ هِشَامٍ كَالْمُسْتَهْزِئِ: صِفْهِمْ لِي؟ فَقَالَ: «أَمَّا
عِيسَى فَفَوْقَ الرَّبْعَةِ وَدُونَ الطَّوِيلِ، عَرِيضُ الصَّدْرِ
ظَاهِرُ الدَّمِ جَعْدُ الشَّعْرِ يَعْلُوهُ صُهْبَةٌ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ
بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَأَمَّا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فَضَخْمٌ
آدَمُ طَوِيلٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ [4] ، كَثِيرُ الشَّعْرِ
غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُتَرَاكِبُ الأَسْنَانِ مُقَلَّصُ الشَّفَتَيْنِ
خَارِجُ اللِّثَةِ عَابِسٌ، وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام فوالله
__________
[ (1) ] الرهط: الجماعة من ثلاثة أو سبعة إلى عشرة أو ما دون، والجمع أرهط
وأرهاط.
[ (2) ] العكنة: ما انطوى وتثني من لحم البطن سمنا.
[ (3) ] الحطيم: موضع مشهور بالمسجد الحرام بقرب الكعبة الكريمة، روى
الأزرقي في كتاب مكة عن ابن جريج قال: الحطيم ما بين الركن الأسود والمقام
وزمزم والحجر، سمي حطيما لأن الناس يزدحمون على الدعاء فيه ويحطم بعضهم
بعضا، والدعاء فيه مستجاب. (انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي 3/ 85) .
[ (4) ] شنوءة: قبيلة من الأزد.
(1/165)
لأَشْبَهُ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَخُلُقًا»
فَضَجُّوا وَأَعْظَمُوا ذلك، الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ:
كُلُّ أَمْرِكَ قَبْلَ الْيَوْمِ كَانَ أُمَمًا غَيْرَ قَوْلِكَ الْيَوْمَ،
أَشْهَدُ أَنَّكَ كَاذِبٌ، نَحْنُ نَضْرِبُ أَكْبَادَ الإِبِلِ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ مُصْعِدًا شَهْرًا وَمُنْحَدِرًا شَهْرًا، تَزْعُمُ
أَنَّكَ أَتَيْتَهُ فِي لَيْلَةٍ! وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لا أُصَدِّقُكَ
وَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي تَقُولُ قَطُّ، وَكَانَ لِلْمُطْعِمِ بْنِ
عَدِيٍّ حَوْضٌ عَلَى زَمْزَمَ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ
فَهَدَمَهُ، فَأَقْسَمَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى لا يَسْقِي مِنْهُ قَطْرَةً
أَبَدًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا مُطْعِمُ بِئْسَ
مَا قُلْتَ لابْنِ أَخِيكَ جَبَهْتَهُ [1] وَكَذَّبْتَهُ، أَنَا أَشْهَدُ
أَنَّهُ صَادِقٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ؟
قَالَ: «دَخَلْتُهُ لَيْلا وَخَرَجْتُ مِنْهُ لَيْلا» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلامُ فَصَوَّرَهُ فِي جَنَاحِهِ فَجَعَلَ يَقُولُ بَابٌ من
كذا في موضع كذا، وباب من كذا فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: صَدَقْتَ، صَدَقْتَ، قَالَتْ نَبْعَةُ: فَسَمِعْتُ
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يَوْمَئِذٍ: «يَا أَبَا بَكْرٍ أَنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمَّاكَ الصِّدِّيقَ» [2] قَالُوا: يَا
مُطْعِمُ دَعْنَا نَسْأَلُهُ عَمَّا هُوَ أَغْنَى لَنَا مِنْ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ، يَا مُحَمَّدُ: أَخْبِرْنَا عَنْ عِيرِنَا؟ فَقَالَ:
«أَتَيْتُ عَلَى عِيرِ بَنِي فُلانٍ بِالرَّوْحَاءِ قَدْ أَضَلُّوا نَاقَةً
لَهُمْ وَانْطَلَقُوا فِي طَلَبِهَا فَانْتَهَيْتُ إِلَى رِحَالِهِمْ
لَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَإِذَا قَدَحُ مَاءٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ
فَسَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ» ، فَقَالُوا: هَذِهِ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى
آيَةٌ، ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى عِيرِ بَنِي فُلانٍ فَنَفَرَتْ مِنِّي
الإِبِلُ وَبَرَكَ مِنْهَا جَمَلٌ أَحْمَرُ عَلَيْهِ جُوَالِقُ مُخَطَّطٌ
بِبَيَاضٍ لا أَدْرِي أَكَسَرَ الْبَعِيرَ أَمْ لا فَسَأَلُوهُمْ عَنْ
ذَلِكَ فَقَالُوا: هَذِهِ وَالإِلَهِ آيَةٌ، ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى عِيرِ
بَنِي فُلانٍ بِالأَبْوَاءِ يَقْدَمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ [3] هَا هِيَ
تَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنَ الثَّنِيَّةِ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ
الْمُغِيرَةِ: سَاحِرٌ، فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا فَوَجَدُوا كَمَا قَالَ،
فَرَمَوْهُ بِالسِّحْرِ وَقَالُوا: صَدَقَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ
فِيمَا قَالَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَما جَعَلْنَا
الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ [4] قُلْتُ: يَا أُمَّ هَانِئٍ مَا
الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَتْ: الَّذِينَ خُوِّفُوا
فَلَمْ يَزِدْهُمُ التَّخْوِيفُ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ جابر
بن عبد الله أنه سمع
__________
[ (1) ] أي بادرته بالمكروه.
[ (2) ] انظر كنز العمال (11/ 32615 و 12/ 35664) .
[ (3) ] أي أسمر.
[ (4) ] سورة الإسراء: الآية 60.
(1/166)
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ،
فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ
آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ» .
وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ
الْقَوَّاسِ بِعربيل بِغُوطَةِ دِمَشْقَ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْقَاسِمِ
بْنُ الْحَرَسْتَانِيِّ فِي الرَّابِعَةِ فَأَقَرَّ بِهِ قَالَ: أَنَا
جَمَالُ الإِسْلامِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُسْلِمِ السُّلَمِيُّ
قَالَ: أَنَا أَبُو نَصْرٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ
طِلابٍ الْخَطِيبُ سَمَاعًا قَالَ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ جُمَيْعٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ زَكَرِيَّا
بْنِ يَحْيَى بْنِ دَاوُدَ بْنِ زَكَرِيَّا الْعُثْمَانِيُّ، ثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْعَلاءِ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ
مِسْعَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُتِيَ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبغل
خَطْوُهُ مَدُّ الْبَصَرِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ اشْمَأَزَّ، فَقَالَ
جِبْرِيلُ: اسْكُنْ فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ
مُحَمَّدٍ.
وَعَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأُمِّ هَانِئٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم قَالُوا: أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلّى
الله عليه وسلّم ليلة سبع عشر مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ قَبْلَ
الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ مِنْ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حُمِلْتُ عَلَى دَابَّةٍ بَيْضَاءَ،
بَيْنَ الْحِمَارِ وَبَيْنَ الْبَغْلِ، وَفِي فَخِذَيْهَا جَنَاحَانِ
تَحْفِزُ بِهِمَا رِجْلَيْهَا، فَلَمَّا دَنَوْتُ لأَرْكَبَهَا شَمَسَتْ
[1] ، فَوَضَعَ جِبْرِيلُ يَدَهُ عَلَى مَعْرَفَتِهَا [2] ثُمَّ قَالَ:
أَلَا تَسْتَحْيِينَ يَا بُرَاقُ، فَمَا تَصْنَعِينَ، وَاللَّهِ مَا رَكِبَ
عَلَيْكِ أَحَدٌ قَبْلَ مُحَمَّدٍ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ،
فَاسْتَحْيَتْ حَتَّى ارْفَضَّتْ عَرَقًا ثُمَّ قَرَّتْ حَتَّى
رَكِبْتُهَا» الْحَدِيثَ.
وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عن ابن إسحق فِي هَذَا الْخَبَرِ
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَعَدَ قُرَيْشًا بِقُدُومِ الْعِيرِ الَّذِينَ
أَرْشَدَهُمْ إِلَى الْبَعِيرِ وَشَرِبَ إِنَاءَهُمْ أَنْ يَقْدَمُوا
يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ لَمْ يَقْدَمُوا
حَتَّى كَرَبَتِ [3] الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ، فَدَعَا اللَّهُ فَحَبَسَ
حَتَّى قدموا كما وصف قال: ولم نحبس الشَّمْسُ إِلَّا لَهُ ذَلِكَ
الْيَوْمَ وَلِيُوشَعَ بْنِ نون.
__________
[ (1) ] أي جمحت ونفرت.
[ (2) ] أي منبت العرف من الرقبة.
[ (3) ] يقال: كربت الشمس للمغيب أي دنت.
(1/167)
حديث الْمِعْرَاجُ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ،
ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُتِيتُ
بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ
الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرَفِهِ» قَالَ:
«فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ» قَالَ: «فَرَبَطْتُهُ
بِالْحَلَقَةِ [1] الَّتِي تَرْبِطُ بِهَا الأَنْبِيَاءُ» قَالَ: «ثُمَّ
دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ
فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ
مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى
السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقِيلَ: مَنْ
أَنْتَ؟ قَالَ: جبريل قيل: ومن معك؟ قال محمد صلّى الله عليه وسلّم قِيلَ:
وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا،
فَإِذَا أَنَا بِآَدَمَ، فَرَحَّبَ بي ودعا لي بخير، ثم عرج بناء إِلَى
السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟
قال: وقد بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا بِابْنَيِ
الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا صَلَوَاتُ
اللَّهِ عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا بِي وَدَعُوا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ
بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ:
مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ،
قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لنا، فإذا أنا بيوسف صلّى الله عليه
وسلّم إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطَى شَطْرَ الْحُسْنِ، قَالَ: فَرَحَّبَ بِي
وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ،
فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ:
وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: محمد، قال: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: قَدْ
بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ
بِي ودعا لي بخير، قال الله عز
__________
[ (1) ] أي حلقة باب مسجد بيت المقدس.
(1/168)
وجل: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [1]
ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ
قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ:
مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فإذا أنا بهارون صلّى الله
عليه وسلّم فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى
السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ
بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا
أَنَا بموسى صلّى الله عليه وسلّم، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ،
ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ
جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: قَدْ بُعِثَ
إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ،
وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لا
يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى
فَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةَ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلالِ
[2] ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ
تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ
يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى،
فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ،
فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ:
مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ، قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلاةً، قَالَ:
ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا
تُطِيقُ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَخَبَرْتُهُمْ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ: يَا رَبِّ
خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي، فحط عني خمسا، فرجعت إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ:
حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ،
فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ
أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى حَتَّى
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاةً، وَمَنْ
هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، فَإِنْ
عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ
يَعْمَلْهَا لَمْ تُكتب عَلَيْهِ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ
سَيِّئَةً وَاحِدَةً، قَالَ: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى
فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ» ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ» [3] .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو أَحْمَدَ: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
الْمَاسَرْجِسِيُّ، ثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، ثَنَا حماد بن سلمة
بهذا الحديث.
__________
[ (1) ] سورة مريم: الآية 57.
[ (2) ] جمع قلة، وهي الجرة الكبيرة.
[ (3) ] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله صلّى الله عليه
وسلّم إلى السماوات وفرض الصلوات (1/ 145) رقم 162.
(1/169)
وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يحدث أن رسول
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: «فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا
بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ
غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ
مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ
أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ»
الْحَدِيثَ
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ
وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ يَقُولانِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ
بِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلامِ» : وَفِيهِ: «ثُم
أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا
تُرَابُهَا الْمِسْكُ» .
وَفِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ: «فَلَمَّا جَاوَزْتُهُ (يَعْنِي
مُوسَى) بَكَى فَنُودِيَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ: هَذَا غُلامٌ
بَعَثْتَهُ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّا
يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي» وَفِيهِ: «ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ
الْمَعْمُورُ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْبَيْتُ
الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا
خَرَجُوا مِنْهُ لم يعودوا إليه آخر ما زين عَلَيْهِمْ» وَفِي حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَقَدْ رَأَيْتُنِي في جماعة من الأنبياء، فحانت الصلاة
فأمتهم، فقال قائل: يا محمد، هذا ملك خَازِنُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ،
وَالْتَفَتُّ فَبَدَأَنِي بِالسَّلامِ» .
وَكُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ، وَحَدِيثُ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَحْسَنُهَا
مَسَاقًا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ: حَدَّثَنَا يعقوب بن إبراهيم
الدورقي، ثنا أبو ثميلة عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ جُنَادَةَ عَنْ أَبِي
بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ المقدس قال
جِبْرِيلُ بِأُصْبَعِهِ فَخَرَقَ بِهَا الْحَجَرَ وَشَدَّ بِهِ البراق» [1]
وذكر ابن إسحق فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَتَهُ آدَمَ فِي سَمَاءِ
الدُّنْيَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ بَنِيهِ، فَيُسَرُّ بِمُؤْمِنِيهَا
وَيُعْبَسُ بِوَجْهِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ كَافِرِيهَا، ثُمَّ قَالَ:
«رَأَيْتُ رِجَالا لَهُمْ مَشَافِرُ [2] كَمَشَافِرِ الإِبِلِ فِي
أَيْدِيهِمْ قِطَعٌ مِنْ نَارٍ كَالأَفْهَارِ [3] يَقْذِفُونَهَا فِي
أَفْوَاهِهِمْ فَتَخْرُجُ مِنْ أَدْبَارِهِمْ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا
جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ أَكَلَةُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى ظُلْمًا،
قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ رِجَالا لَهُمْ بُطُونٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا قَطُّ
بِسَبِيلِ آلِ فِرْعَوْنَ يَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ كَالإِبِل الْمَهْيُومَةِ
[4] حِينَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ بُطُونُهُمْ، لا يَقْدِرُونَ عَلَى
أَنْ يتحولوا من
__________
[ (1) ] أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن باب ومن سورة بني إسرائيل (5/
281) رقم 3132.
[ (2) ] المشفر: شفة البعير الغليظة.
[ (3) ] الفهر: الحجر.
[ (4) ] أي التي تعطش فتشرب فلا ترتوي.
(1/170)
مَكَانِهِمْ ذَلِكَ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ
هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا، قَالَ: ثُمَّ
رَأَيْتُ رِجَالا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ سَمِينٌ طَيِّبٌ إلى جنبه لحم
غث منتن، يَأْكُلُونَ مِنَ الْغَثِّ الْمُنْتِنِ وَيَتْرُكُونَ السَّمِينَ
الطَّيِّبَ» ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ:
هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ
النِّسَاءِ وَيَذْهَبُونَ إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عليهم منهن» ، قال:
«ثم رأيت نساء متعلقات بِثَدْيِهِنَّ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا
جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ اللَّاتِي أَدْخَلْنَ عَلَى الرِّجَالِ مَا
لَيْسَ من أولادهم» .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمِعْرَاجِ وَالإِسْرَاءِ: هَلْ
كَانَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ لا؟
وَأَيُّهُمَا كَانَ قَبْلَ الآخَرِ؟ وَهَلْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي
الْيَقَظَةِ أَوْ فِي الْمَنَامِ، أَوْ بَعْضُهُ فِي الْيَقَظَةِ
وَبَعْضُهُ فِي الْمَنَامِ، وَهَلْ كَانَ الْمِعْرَاجُ مَرَّةً أَوْ
مَرَّاتٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَارِيخِ ذَلِكَ:
وَالَّذِي رُوِّينَا عَنِ ابْنِ سَعْدٍ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة وَغَيْرِهِ مِنْ
رِجَالِهِ قَالُوا: كَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ يَسْأَلُ رَبَّهُ أَنْ
يُرِيَهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَلَمَّا كانت ليلة السبت لسبع عشر خَلَتْ
مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ نَائِمٌ
ظُهْرًا، أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَمِكَائِيلُ فَقَالا: انْطَلِقْ إِلَى مَا
سَأَلْتَ اللَّهَ، فَانْطَلَقَا بِهِ إِلَى مَا بَيْنَ الْمَقَامِ
وَزَمْزَمَ فَأُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ، فَإِذَا هُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ
مَنْظَرًا، فَعَرَجَا بِهِ إِلَى السَّمَوَاتِ سَمَاءً سَمَاءً ...
الْحَدِيثَ.
وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلافَ السَّلَفِ فِي
الإِسْرَاءِ: هَلْ كَانَ يَقَظَةً أَوْ مَنَامًا، وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ
وَمَا يُحْتَجُّ بِهِ لِكُلِّ قَوْلٍ مِنْهُمَا ثُمَّ قَالَ: وَذَهَبَتْ
طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ مِنْهُمْ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ
إِلَى تَصْدِيقِ الْمَقَالَتَيْنِ وَتَصْحِيحِ الْمَذْهَبَيْنِ، وَأَنَّ
الإِسْرَاءَ كَانَ مَرَّتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا فِي نَوْمِهِ تَوْطِئَةً لَهُ وَتَيْسِيرًا عَلَيْهِ، كَمَا
كَانَ بَدْءُ نُبُوَّتِهِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةَ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ
أَمْرُ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ عَظِيمٌ تَضْعُفُ عَنْهُ الْقُوَى
الْبَشَرِيَّةُ وَكَذَلِكَ الإِسْرَاءُ سَهَّلَهُ عَلَيْهِ بِالرُّؤْيَا،
لأَنَّ هو له عَظِيمٌ، فَجَاءَ فِي الْيَقَظَةِ عَلَى تَوْطِئَةٍ
وَتَقْدِمَةٍ رِفْقًا مِنَ اللَّهِ بِعَبْدِهِ وَتَسْهِيلا عَلَيْهِ.
وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ أَيْضًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الأَحَادِيثِ
الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ فِي أَلْفَاظِهَا اخْتِلافًا،
وَتَعَدُّدُ الْوَاقِعَةِ أَقْرَبُ لِوُقُوعِ جَمِيعِهَا. وَحَكَى قَوْلا
رَابِعًا قَالَ: كَانَ الإِسْرَاءُ بِجَسَدِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ
فِي الْيَقَظَةِ، ثُمَّ أُسْرِيَ بِرُوحِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى
فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، وَلِذَلِكَ شَنَّعَ الْكُفَّارُ
قوله: أتيت بين الْمَقْدِسِ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ،
وَلَمْ يُشَنِّعُوا قَوْلَهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ. قَالَ: وَقَدْ تَكَلَّمَ
الْعُلَمَاءُ فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لربه ليلة
(1/171)
الإِسْرَاءِ، فَرُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا أنكرت يَكُونَ رَآهُ، قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ،
وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ
يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [1] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَقِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا بِعَرَفَةَ، فَسَأَلَهُ
عَنْ شَيْءٍ، فَكَبَّرَ حَتَّى جَاوَبَتْهُ الْجِبَالُ، فَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: إِنَّا بَنُو هَاشِمٍ نَقُولُ إِنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ،
فَقَالَ كَعْبٌ: أَنَّ اللَّهَ قَسَّمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلامَهُ بَيْنَ
مُحَمَّدٍ وَمُوسَى، فَكَلَّمَ مُوسَى مَرَّتَيْنِ وَرَآهُ مُحَمَّدٌ
مَرَّتَيْنِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: «رَأَيْتُ نُورًا» . وَفِي حَدِيثٍ
آخَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ: «نُورًا إِنِّي أَرَاهُ» .
وَفِي تَفْسِيرِ النَّقَّاشِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ
رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ فَقَالَ: رَآهُ رَآهُ حَتَّى انْقَطَعَ صَوْتُهُ.
وَفِي تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَذَكَرَ إِنْكَارَ عَائِشَةَ أَنَّهُ رَآهُ، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ:
لَيْسَتْ عَائِشَةُ أَعْلَمَ عِنْدَنَا مِنَ ابْنِ عباس. وفي تفسير ابن
سلام عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ إِنْكَارُ عَائِشَةَ
يَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَآهُ. قَالَ أَبُو
الْقَاسِمِ: وَالْمُتَحَصِّلُ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ أَنَّهُ رَآهُ لا
عَلَى أَكْمَلِ مَا تَكُونُ الرُّؤْيَةِ عَلَى نَحْوِ مَا يَرَاهُ فِي
حَظِيرَةِ الْقُدْسِ عِنْدَ الْكَرَامَةِ الْعُظْمَى وَالنَّعِيمِ
الأَكْبَرِ، وَلَكِنْ دُونَ ذَلِكَ وَإِلَى هَذَا يُومِئُ
قَوْلُهُ: «رَأَيْتُ نُورًا» .
قُلْتُ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ لا يُعَارِضُ هَذِهِ، لأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنَ
الرُّؤْيَةِ الإِدْرَاكُ. وَأَمَّا فَرْضُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَكَانَ
لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، وَقَدْ ذَكْرَنا عَنِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ طَرِيقِ
ابْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ كَانَ لَيْلَةَ السَّبْتِ لسبع عشر خَلَتْ مِنْ
رَمَضَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَكَّةَ
إِلَى السَّمَاءِ. وَمَنْ يَرَى أَنَّ الْمِعْرَاجَ مِنْ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ وَأَنَّهُ هُوَ وَالإِسْرَاءُ فِي تَارِيخٍ وَاحِدٍ، فَقَدْ
ذَكَرْنَا فِي الإِسْرَاءِ أَنَّهُ لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَبِيعٍ
الأَوَّلِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَبَعْدَ الْمَبْعَثِ بِتِسْعٍ
أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ عَلَى حَسَبِ اخْتِلافِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ
الْمَشْهُورُ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ رَوَى الْوَقَّاصِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ
الإِسْرَاءَ وَفَرْضَ الصَّلاةِ كَانَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ
سِنِينَ. وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ أَيْضًا قَالَ:
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْقَاسِمِ فِي
تَارِيخِهِ: ثُمَّ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَعُرِجَ بِهِ إِلَى
السَّمَاءِ بَعْدَ مَبْعَثِهِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، قَالَ: وَلا
أعلم أحدا من
__________
[ (1) ] سورة الأنعام: الآية 103.
(1/172)
أَهْلِ السِّيَرِ قَالَ ذَلِكَ وَلا
أَسْنَدَ قَوْلَهُ إِلَى أَحَدٍ مِمَّنْ يُضَافُ إِلَيْهِ هَذَا الْعِلْمُ.
وَفِي صَبِيحَةِ لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ كَانَ نُزُولُ جِبْرِيلَ
وَإِمَامَتُهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُرِيَهُ
أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَا هُوَ مَرْوِيٌّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَبُرَيْدَةَ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي
مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَالْبَرَاءِ
وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَمَّ بِهِ مَرَّتَيْنِ:
مَرَّةً أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَمَرَّةً آخِرَهُ، لِيُعْلِمَهُ بِذَلِكَ
كُلِّهِ. وَأَمَّا عَدَدُ رَكَعَاتِهَا حِينَ فُرِضَتْ، فَمِنَ النَّاسِ
مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا فُرِضَتْ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ ثم
زيد في صلاة الحضر فأكلمت أربعا وأقرت صلاة السفر في رَكْعَتَيْنِ، رُوِيَ
ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَمَيْمُونِ بن مهران ومحمد بن إسحق
وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا فُرِضَتْ أَوَّلَ مَا
فُرِضَتْ أَرْبَعًا إِلَّا الْمَغْرِبَ فَفُرِضَتْ ثَلاثًا وَالصُّبْحُ
رَكْعَتَيْنِ، كَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَنَافِعُ بْنُ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى
أَنَّهَا فُرِضَتْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ،
وَيُرْوَى ذَلِكَ عن ابن عباس. وقال أبو إسحق الْحَرْبِيُّ: أَوَّلُ مَا
فُرِضَتِ الصَّلاةُ بِمَكَّةَ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ أَوَّلَ النَّهَارِ
وَرَكْعَتَيْنِ آخِرَهُ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فَرَضَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ رَكْعَتَيْنِ
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ زَادَ فِيهَا فِي الْحَضَرِ، هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ
الْحَرْبِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ
ابْنِ عَجْلانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كيسان عن عروة بن عَائِشَةَ، حَكَى
ذَلِكَ أَبُو عُمَرَ قَالَ:
وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
الْحَرْبِيُّ، وَلا يُوجَدُ هَذَا فِي أثر صحيح، بل في دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الصَّلاةَ الَّتِي فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ ركعتين في الصَّلَوَاتُ
الْخَمْسُ، لأَنَّ الإِشَارَةَ بِالأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الصلاة إشارة إلى
معهود.
رُوِّينَا عَنِ الطَّبَرَانِيِّ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
الأَشْعَثِ الْمِصْرِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَلامٍ
الأَفْرِيقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ
مِقْسَمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
يَسَارٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بن
الزبير عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: فُرِضَتِ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ،
فَزِيدَ فِي صَلاةِ الْمُقِيمِ وَأُثْبِتَتْ صَلاةُ الْمُسَافِرِ كَمَا
هِيَ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ مِثْلُ ذَلِكَ.
رُوِّينَا عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ السَّرَّاجِ، ثَنَا قُتَيْبَةُ،
ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ
يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ: فُرِضَتِ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ زِيدَ فِي
صَلاةِ الْمُقِيمِ وَأُقِرَّتْ صَلاةُ الْمُسَافِرِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ:
قَوْلُ الشَّعْبِيِّ فِي هَذَا أَصْلُهُ مِنْ حَدِيثِ عائشة، ويمكن
(1/173)
أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخَذَهُ عَنْ مَسْرُوقٍ
أَوِ الأَسْوَدِ عَنْهَا، فَأَكْثَرُ مَا عِنْدَهُ عَنْ عَائِشَةَ فَهُوَ
عَنْهُمَا.
قُلْتُ: قَدْ وَقَعَ لَنَا ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ مَسْرُوقٍ كَمَا
ظَنَّ أَبُو عُمَرَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ السَّرَّاجِ: ثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيُّ، ثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا
دَاوُدُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
فُرِضَتْ صَلاةُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ،
فَلَمَّا أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْمَدِينَةِ زِيدَ فِي صَلاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ
وَتُرِكَتْ صَلاةُ الْفَجْرِ لِطُولِ الْقِرَاءَةِ، وَصَلاةُ الْمَغْرِبِ
لأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ. وَأَمَّا ابْنُ إسحق فَخَبَرُ عَائِشَةَ
عِنْدَهُ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا، فَيُمْكِنُ
أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مِنْ هُنَاكَ. وَأَمَّا مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ
فَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي الْمُهَاجِرِ
وَسَالِمٌ غَيْرُ سَالِمٍ مِنَ الْجَرْحِ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا مِنْ
أَهْلِ السِّيَرِ قَالَ: إِنَّ الصَّلاةَ أُتِمَّتْ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ
الْهِجْرَةِ بِشَهْرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: بِشَهْرٍ. وَأَمَّا
مَنْ قَالَ: فُرِضَتْ أَرْبَعًا ثُمَّ خُفِّفَ عَنِ الْمُسَافِرِ
فأَخْبَرَنَا الإِمَامُ الزاهد أبو إسحق إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِسَفْحِ
قَاسِيُونَ، أَخْبَرَكُمُ الشَّيْخَانِ أبو البركات داود بن أحمد بن محمد
بْنِ مُلَاعِبٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنْتَ تَسْمَعُ بِدِمَشْقَ، وأبو علي
الحسن بن إسحق بْنِ مَوْهُوبِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَضِرِ
الْجَوَالِيقِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ، قَالَ الأَوَّلُ: أَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ الرّطبي قِرَاءَةً
عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، وَقَالَ الثَّانِي:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ
الزَّاغُونِيِّ قَالا: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ الْبُسْرِيِّ قَالَ: أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُخَلِّصُ، ثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدِ
بْنِ صَاعِدٍ) ثَنَا لُوَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، ثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ
بَنِي عَامِرٍ قَالَ وَالرَّجُلُ حَيٌّ فَاسْمَعُوهُ مِنْهُ يُقَالُ لَهُ
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ ابْنُ صَاعِدٍ، هُوَ الْقُشَيْرِيُّ: أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَيْلا فَغَارَتْ
عَلَى إِبِلِ جَارٍ لِي، فَانْطَلَقَ فِي ذَلِكَ أَبِي وَعَمِّي أَوْ
قَرَابَةٌ لِي قَرِيبَةٌ، قَالَ: فَقَدِمْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَطْعَمُ، فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَى
الْغَدَاءِ، قَالَ:
إِنِّي صَائِمٌ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلُمَّ
أُحَدِّثُكَ عَنْ ذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ
الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَعَنِ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ» الْحَدِيثَ.
خَالَفَ أَيُّوبُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي
قِلابَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ السَّرَّاجِ. ثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، ثَنَا
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْهُ.
وَمَعَ صحة الإسناد فَتَصْوِيبُ الأَوَّلِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِمَا
حَدِيثَيْنِ عِنْدَ أَبِي قِلابَةَ لاشْتِهَارِ هَذَا الْخَبَرِ مِنْ
طَرِيقِ أَنَسٍ الْقُشَيْرِيِّ، وَبَعْدَ تَعَدُّدِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالُوا: ووضع لا
(1/174)
يَكُونُ إِلَّا مِنْ فَرْضٍ ثَابِتٍ،
وَبِمَا
رُوِّينَا من طريق أبي العباس الثقفي، ثنا إسحق بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ
أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ
أُمَيَّةَ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الخطاب: ليس عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ
أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خفتم فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ
عُمَرُ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «صَدَقَةٌ
تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» [1] . رَوَاهُ
مُسْلِمٌ عن إسحق بْنِ إِبْرَاهِيمَ
فَوَقَعَ لَنَا مُوَافَقَةً عَالِيَةً لَهُ، قَالُوا: وَلَمْ يُقْصِرْ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِنًا إِلَّا بَعْدَ
نُزُولِ آيَةِ الْقَصْرِ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ، وَكَانَ نُزُولُهَا
بِالْمَدِينَةِ، وَفَرْضُ الصَّلاةِ بِمَكَّةَ. فَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي
أَنَّ الْقَصْرَ طَارِئٌ عَلَى الإِتْمَامِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّهَا فُرِضَتْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ
رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً، فَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي
الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ بِجَامِعِ
دِمَشْقَ: أَخْبَرَتْكُمْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشّعْرِيِّ
إِجَازَةً قَالَتْ: أَنَا الشَّيْخَانِ أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ
الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْقَارِئُ سَمَاعًا وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْفَرَاوِيُّ إِجَازَةً قَالا: أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ الْفَارِسِيُّ
قَالَ: أَنَا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ الاسْفَرَائِنِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو
سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ
يَحْيَى، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
الصَّلاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي
السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ
يَحْيَى فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ. وَقَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخَةِ
الأَصِيلَةِ مُؤْنِسَة خَاتُونَ بِنْتِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ سَيْفِ
الدِّينِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ إِجَازَةً، أَخْبَرَتْكَ أُمُّ
هَانِئٍ عَفِيفَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَارْقَانِيَّةُ
إِجَازَةً، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الْوَاحِدِ بن الصباغ قال: أنا أبو
نعيم الحافظ قَالَ: أَنَا ابْنُ الصَّوَّافِ قَالَ: أَنَا بِشْرُ بْنُ
مُوسَى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ (يَعْنِي بن الأصبهاني) ثنا شريك
وأبو وكيع عن زيد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عُمَرَ
قَالَ: صَلاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَصَلاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ
وَصَلاةُ الْعِيدِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ أَبُو وَكِيعٍ: عَلَى
لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرُوِّينَا عَنِ
الطَّبَرَانِيِّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الرِّبَاطِيُّ، ثَنَا سَهْلُ
بْنُ عُثْمَانَ، ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي
الْكَنُودِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ صَلاةِ السَّفَرِ فَقَالَ:
رَكْعَتَانِ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَإِنْ شِئْتُمْ فَرُدُّوهَا.
وَأَمَّا قَوْلُ الْحَرْبِيِّ فَبَعِيدٌ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إِنَّ
الصلاة قبل
__________
[ (1) ] أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة المسافرين (1/
478) رقم 686.
(1/175)
فَرْضِهَا كَانَتْ كَذَلِكَ وَسَيَأْتِي.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ فَرْضَ
الصَّلاةِ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا إِلَّا الْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ لا
يَعْرِفُونَ غَيْرَ ذَلِكَ عَمَلا وَنَقْلا مُسْتَفِيضًا، وَلا يَضُرُّهُمُ
الاخْتِلافُ فِيمَا كَانَ أَصْلُ فَرْضِهَا، إِذِ لا خِلافَ بَيْنَهُمْ
فِيمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهَا وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حَالُهَا، وَأَمَّا
الصَّلاةُ طَرَفَيِ النَّهَارِ
فَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ الصَّوَّافِ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ آنِفًا:
ثَنَا إبراهيم بن إسحق الضَّبِّيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ عَنْ
أَبِي إسحق عن عمارة بن رويبة الثقفي قال: سمعت أُذُنَايَ وَوَعِيَ قَلْبِي
مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ
صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَجَبَتْ لَهُ
الْجَنَّةُ» [1]
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ
وَالْإِبْكارِ [2] .
__________
[ (1) ] انظر كنز العمال (7/ 19310) .
[ (2) ] سورة غافر: الآية 40.
(1/176)
|