عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل و السير ط. دار القلم

غَزْوَةُ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالُوا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ يُرِيدُ الطَّائِفَ، وَقَدَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ، وَقَدْ كَانَتْ ثَقِيفٌ رَمَوْا حِصْنَهُمْ، وَأَدْخَلُوا فِيهِ مَا يُصْلِحُهُمْ لِسَنَةٍ، فَلَمَّا انْهَزَمُوا مِنْ أَوْطَاسَ دَخَلُوا حِصْنَهُمْ، وَأَغْلَقُوهُ عَلَيْهِمْ وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ، وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ وَعَسْكَرَ هُنَاكَ، فَرَمَوُا الْمُسْلِمِينَ بِالنَّبْلِ رَمْيًا شَدِيدًا كَأَنَّهُ رِجْلُ جَرَادٍ، حَتَّى أُصِيبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَاسٌ بِجِرَاحَةٍ، وَقُتِلَ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلا، [1] فَارْتَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَوْضِعِ مَسْجِدِ الطَّائِفِ الْيَوْمَ، وَكَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ أُمُّ سَلَمَةَ وزينب، فضرب لها قبتين، وكان يصلي بين القبتين حصار الطَّائِفَ كُلَّهُ، فَحَاصَرَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا- وَيُقَالُ خمسة عشر يوما، وقال ابن إسحق: بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا- وَنَصَبَ عَلَيْهِمُ الْمِنْجَنِيقَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَا رُمِيَ بِهِ فِي الإِسْلامِ فِيمَا ذَكَرَ ابن هشام.
رُوِّينَا عَنِ ابْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ الْمِنْجَنِيقَ عَلَى أهل الطائف، أربعين يوما. قال ابن إسحق: حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمَ الشّدخَةِ عِنْدَ جِدَارِ الطَّائِفِ، دَخَلَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ دَبَّابَةٍ [2] ، ثُمَّ رَجَعُوا بِهَا إِلَى جِدَارِ الطَّائِفِ لِيُخَرِّقُوهُ، فَأَرْسَلَتْ عَلَيْهِمْ ثَقِيفٌ سِكَكَ الْحَدِيدِ مُحْمَاةً بِالنَّارِ، فَخَرَجُوا مِنْ تَحْتِهَا، فَرَمَتْهُمْ ثَقِيفٌ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ رجالا،
__________
[ (1) ] وعند ابن سعد في الطبقات (2/ 158) : وقتل منهم إثنا عشر رجلا، فيهم عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، وسعيد بن العاص، ورمي عبد الله بن أبي بكر الصديق يومئذ فاندمل الجرح ثم انتقض به بعد ذلك فمات منه، فَارْتَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى موضع مسجد الطائف....
[ (2) ] وهي آلة تستعمل قديما في الحروب وتضع من الجلد والخشب يكون الرجال فيها عند ما يقتربون من الحصون.

(2/250)


فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ أَعْنَابِ ثَقِيفٍ فَوَقَعَ النَّاسُ فِيهَا يُقَطِّعُونَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يَدَعَهَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَنِّي أَدَعُهَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ» . وَنَادَى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا عَبْدٍ نَزَلَ إِلَيَّ مِنَ الْحِصْنِ وَخَرَجَ إِلَيْنَا فَهُوَ حُرٌّ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلا فِيهِمْ أَبُو بَكْرَةَ، نَزَلَ فِي بَكْرَةَ، فقيل: أبو بكرة، [فأعتقهم] [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَفَعَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَمُونُهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً، وَلَمْ يُؤْذَنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَتْحِ الطَّائِفِ. وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيَّ فَقَالَ: «مَا تَرَى» فَقَالَ: ثَعْلَبٌ فِي حُجْرٍ، إِنْ أَقَمْتَ عَلَيْهِ أَخَذْتَهُ، وَإِنْ تركته لم يضرك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ، فضج الناس من ذلك وقالوا: نرحل وَلَمْ يُفْتَحْ عَلَيْنَا الطَّائِفُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ» فغدوا فأصابت المسلمين جرارحات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَسُرُّوا بِذَلِكَ وأذعنوا، وجعلوا يرحلون، ورسول الله يَضْحَكُ، وَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُولُوا لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ» فَلَمَّا ارْتَحَلُوا وَاسْتَقَلُّوا قَالَ: «قُولُوا: آئبون تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» . وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّه عَلَى ثَقِيفٍ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أهد ثقيفا وائت بهم مسلمين» .

تسمية من استشهد بالطائف مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عن ابن إسحق: سَعِيدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَعُرْفُطَةُ بْنُ خَبَّابٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنَ الأَزْدِ بْنِ الْغَوْثِ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: حُبَابٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رُمِيَ بِسَهْمٍ فَمَاتَ مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ الْعَدَوِيُّ حليف لهم، والسائب ابن الْحَارِثِ السَّهْمِيُّ، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ. وَمِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ: جُلَيْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ومن الأنصار: ثابت بن الجذع السلمي، والحرث بْنُ سَهْلِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيُّ النَّجَّارِيُّ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّاعِدِيُّ، وَمِنَ الأَوْسِ: رُقَيْمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، ثُمَّ خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطَّائِفِ إِلَى الْجِعْرَانَةِ، وَبِهَا قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ كما تقدم.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُصِّدِّقِينَ، قَالُوا: لَمَّا رأى رسول الله
__________
[ (1) ] وردت في الأصل: فعتقهم، وما أثبتناه من الطبقات.

(2/251)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِلالَ الْمُحَرَّمَ سَنَةَ تِسْعٍ، بَعَثَ الْمُصَّدِّقِينَ يَصَّدَّقُونَ الْعَرَبَ، فَبَعَثَ عُيَيْنَةَ بن حصن إلى بني تيمي، وَبَعَثَ يَزِيدَ بْنَ الْحُصَيْنِ إِلَى أَسْلَمَ وَغِفَارٍ، وَيُقَالُ: بَعَثَ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، وَبَعَثَ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ الأَشْهَلِيَّ إِلَى سُلَيْمٍ وَمُزَيْنَةَ، وَبَعَثَ رَافِعَ بْنَ مِكْيَثٍ إِلَى جُهَيْنَةَ، وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى بَنِي فَزَارَةَ، وَبَعَثَ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ الْكِلابِيَّ إِلَى بَنِي كِلابٍ، وَبَعَثَ بُسْرَ بْنَ سُفْيَانَ الْكَعْبِيَّ إِلَى بَنِي كَعْبٍ، وَبَعَثَ ابْنَ الأتبية الأَزْدِيَّ إِلَى بَنِي ذُبْيَانَ، وَبَعَثَ رَجُلا مِنْ بَنِي سَعْدٍ هُذَيْمٍ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَّدِّقِيهِ [1] أَنْ يَأْخُذُوا الْعَفْوَ مِنْهُمْ، وَيَتَوَقُّوا كرائم أموالهم. قال ابن إسحق:
وَبَعَثَ الْمُهَاجِرِينَ أَبِي أُمَيَّةَ إِلَى صَنْعَاءَ، فَخَرَجَ عليه العنسي وهو بهاء، وَبَعَثَ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، وَبَعَثَ عدي بن حاتم على طيء وَبَنِي أَسَدٍ، وَبَعَثَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي حَنْظَلَةَ، وَفَرَّقَ صَدَقَاتِ بَنِي سَعْدٍ عَلَى رَجُلَيْنِ: الزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ عَلَى نَاحِيَةٍ، وَقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ عَلَى نَاحِيَةٍ، وَالْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَبَعَثَ عَلِيًّا إِلَى نَجْرَانَ ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم.
__________
[ (1) ] أي الذين يجمعون له الزكاة أو الصدقات.

(2/252)


سَرِيَّةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ إِلَى بَنِي تَمِيمٍ
وَكَانُوا فِيمَا بَيْنَ السُّقْيَا وَأَرْضِ بَنِي تَمِيمٍ وَذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ قَالُوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم، فِي خَمْسِينَ فَارِسًا مِنَ الْعَرَبِ، لَيْسَ فِيهِمْ مُهَاجِرِيٌّ وَلا أَنْصَارِيٌّ، فَكَانَ يَسِيرُ اللَّيْلَ وَيَكْمُنُ النَّهَارَ، فَهَجَمَ عَلَيْهِمْ فِي صَحْرَاءٍ، فَدَخَلُوا وَسَرَّحُوا مَوَاشِيَهُمْ، فَلَمَّا رَأَوُا الْجَمْعَ وَلَّوْا، وَأَخَذَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلا، وَوَجَدُوا فِي الْمَحَلَّةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ امْرَأَةً [1] وَثَلاثِينَ صَبِيًّا، فَجَلَبَهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَحُبِسُوا فِي دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، فَقَدِمَ فِيهِمْ عِدَّةٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ، عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، وَنُعَيْمُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ، وَرَبَاحُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُجَاشِعٍ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ بَكَى إِلَيْهِمُ النِّسَاءُ وَالذَّرَارِيُّ، فَعَجَّلُوا وَجَاءُوا إِلَى بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَوْا: يَا مُحَمَّدُ، اخْرُجْ إِلَيْنَا، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَامَ بِلالٌ الصَّلاةَ، وَتَعَلَّقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُونَهُ، فَوَقَفَ مَعَهُمْ، ثُمَّ مَضَى فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ جَلَسَ فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ، فَقَدَّمُوا عُطَارِدَ بْنَ حَاجِبٍ فَتَكَلَّمَ وَخَطَبَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فَأَجَابَهُمْ وَنَزَلَ فِيهِمْ: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [2] فَرَدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم الأسرى والسبي.
وذكر بن إسحق مَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُفَاخَرَةِ، وَمَا وَقَعَ بَيْنَ الشَّاعِرَيْنِ الزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ وَحَسَّانِ بْنِ ثابت من المفاخرة نظما، فأنشد الزبرقان:
__________
[ (1) ] وفي الطبقات الكبرى (2/ 161) : إحدى عشرة امرأة.
[ (2) ] سورة الحجرات: الآية 4.

(2/253)


نَحْنُ الْكِرَامُ فَلا حَيٌّ يُعَادِلُنَا ... مِنَّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُنْصَبُ الْبِيَعُ
وَكَمْ قَسَرْنَا مِنَ الأَحْيَاءِ كُلِّهِمُ ... عِنْدَ النِّهَابِ وَفَضْلُ الْعِزِّ يُتَّبَعُ
وَنَحْنُ نطعم عن الْقَحْطِ مَطْعَمَنَا ... مِنَ الشِّوَاءِ إِذَا لَمْ يُؤْنَسِ الْفَزَعُ
بِمَا تَرَى النَّاسَ يَأْتِينَا سُرَاتُهُمُ ... مِنْ كُلِّ أَرْضٍ هَوِيًّا ثُمَّ نَصْطَنِعُ
فَنَنْحَرُ الْكُومَ عَبطًا فِي أَرُومَتِنَا ... لِلنَّازِلِينَ إِذَا مَا أُنْزِلُوا شَبِعُوا
فَلا تَرَانَا إِلَى حَيٍّ نُفَاخِرُهُمْ ... إِلَّا اسْتَقَادُوا فَكَانُوا الرَّأْسَ يُقْتَطَعُ
فَمَنْ يُفَاخِرُنَا فِي ذَاكَ نَعْرِفُهُ ... فَيَرْجِعُ الْقَوْمُ وَالأَخْبَارُ تُسْتَمَعُ
إِنَّا أَبَيْنَا وَلَمْ يَأْبَ لَنَا أَحَدٌ ... إِنَّا كَذَلِكَ عِنْدَ الْفَخْرِ نَرْتَفِعُ
وَأَنْشَدَ لِحَسَّانٍ مُجِيبًا لَهُ:
إِنَّ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ ... قَدْ بَيَّنُوا سُنَّةً لِلنَّاسِ تُتَّبَعُ
يَرْضَى بِهِمْ كُلُّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ ... تَقْوَى الإِلَهِ وَكُلَّ الْخَيْرِ يُصْطَنَعُ
قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمُ ... أَوْ حَاوَلُوا النَّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ ... إِنَّ الْخَلائِقَ فَاعْلَمْ شَرُّهَا الْبِدَعُ
إِنْ كَانَ فِي النَّاسِ سَبَّاقُونَ بَعْدَهُمُ ... فَكُلُ سَبْقٍ لأَدْنَى سَبْقِهِمْ تُبَعُ
لا يَرْفَعُ النَّاسُ مَا أَوْهَتْ أَكُفُّهُمُ ... عِنْدَ الدِّفَاعِ وَلا يُوهُونَ مَا رَفَعُوا
إِنْ سَابَقُوا النَّاسَ يَوْمًا فَازَ سَبْقُهُمُ ... أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنَّدَى مَتَعُوا
أَعِفَّةٌ ذُكِرَتْ فِي الْوَحْيِ عِفَّتُهُمْ ... لا يَطْبَعُونَ وَلا يُؤْذَى بِهِمْ طَبْعُ
لا يَبْخَلُونَ عَلَى جَارٍ بِفَضْلِهِمُ ... وَلا يَمَسُّهُمُ مِنْ مَطْمَعٍ طَمَعُ
إِذَا نَصَبْنَا لِحَيٍّ لَمْ نَدِبَّ لَهُ ... كَمَا يدب إلى الوحشية الذرع
نسموا إِذَا الْحَرْبُ نَالَتْنَا مَخَالِبُهَا ... إِذَا الزَّعَانِفُ مِنْ أَظْفَارِهَا خَشَعُوا
لا يَفْخَرُونَ إِذَا نَالُوا عَدُوَّهُمْ ... وَإِنْ أُصِيبُوا فَلا خَوْرٌ وَلا هَلَعُ
كَأَنَّهُمْ فِي الْوَغَى وَالْمَوْتُ مُكْتَنِعٌ ... أُسْدٌ بِحَلْبَةٍ فِي أَرْسَاغِهَا فَدَعُ
خُذْ مِنْهُمُ مَا أَتَوْا عَفْوًا إِذَا غَضِبُوا ... وَلا يَكُنْ هَمَّكَ الأَمْرُ الَّذِي منعوا
فإن في حربهم فاترك ... شَرًّا يُخَاضُ عَلَيْهِ السُّمُّ وَالسَّلَعُ
أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ شِيعَتُهُمْ ... إِذَا تَفَاوَتَتِ الأَهْوَاءُ وَالشِّيَعُ
أَهْدَى لَهُمْ مِدْحَتِي قَلْبٌ يُؤَازِرُهُ ... فِيمَا أَحَبَّ لِسَانٌ حَائِكٌ صَنَعُ
فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ الأَحْيَاءِ كُلِّهِمُ ... إِنْ جَدَّ بِالنَّاسِ جِدُّ الْقَوْلِ أَوْ شَمَعُوا

(2/254)


فَلَمَّا فَرَغَ حَسَّانٌ قَالَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَمُؤْتًى لَهُ لَخَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا، وَلَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَلَأَصْوَاتُهُمْ أَعْلَى مِنْ أَصْوَاتِنَا، فَلَمَّا فَرَغَ الْقَوْمُ أَسْلَمُوا، وَجَوَّزَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ.

ذِكْرُ فَوَائِدَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ
وَالْكَلامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ غَرِيبِ شِعْرِهِ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ لَقَبٌ، وَاسْمُهُ: فِرَاسٌ، وَكَانَ فِي رَأْسِهِ قَرَعٌ، فَلُقِّبَ بِذَلِكَ.
ذُكِرَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ. وَاسْمُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ حُذَيْفَةُ، وَكَانَتْ عَيْنُهُ جَحَظَتْ فَلُقِّبَ بِذَلِكَ. وَالزِّبْرِقَانُ الْقَمَرُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
تُضِيءُ بِهِ الْمَنَابِرُ حِينَ يَرْقَى ... عَلَيْهَا مِثْلَ ضَوْءِ الزِّبْرِقَانِ
وَالزِّبْرِقَانُ: الْخَفِيفُ الْعَارِضَيْنِ، وَاسْمُهُ: الْحُصَيْنُ. وَقَوْلُهُ: (إِذَا لَمْ يُؤْنَسِ الْفَزَعُ) يُرِيدُ إِذَا كَانَ الْجَدْبُ وَلَمْ يَكُنْ فِي السَّمَاءِ سَحَابٌ يَتَفَزَّعُ، وَالتَّفَزُّعُ: تَفَرُّقُ السَّحَابِ. وَالْكومُ: جَمْعُ كَوْمَاءَ، وَهِيَ الْعَظِيمَةُ السَّنَامِ. وَالاعْتِبَاطُ: الْمَوْتُ فِي الْحَدَاثَةِ. قَالَ: مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبْطَةً يَمُتْ هَرَمًا. وَمَتَعُوا: ارْتَفَعُوا، مَتَعَ النَّهَارُ إِذَا ارْتَفَعَ.
وَالذَّرْعُ: وَلَدُ الْبَقَرِ، وَجَمْعُهُ ذِرْعَانٌ، وَبَقَرَةٌ مُذَرَّعٌ: إِذَا كَانَتْ ذَاتَ ذِرْعَانٍ، وَالسَّلَعُ:
شَجَرٌ مُرٌّ. وَشَمَعُوا: أَيْ ضَحِكُوا،
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ تَتَبَّعَ الْمَشْمَعَةَ شَمَّعَ اللَّهُ بِهِ»
يُرِيدُ مَنْ ضَحِكَ مِنَ النَّاسِ فَأَفْرَطَ فِي الْمَزْحِ، وَشَمَعَتِ الْجَارِيَةُ وَالدَّابَّةُ شُمُوعًا لَعِبَتْ، وَمَعْنَاهُ فِي الْبَيْتِ: هَزَلُوا، وَمِنْهُ امْرَأَةٌ شَمُوعٌ إِذَا كَانَتْ مَزَّاحَةً. وَذُكِرَ أَنَّ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ كَانَ يَبْغَضُ عَمْرَو بْنَ الأَهْتَمِ، وَهُوَ الَّذِي ضَرَبَ أَبَاهُ فَهَتَمَ فَاهُ [1] فَشُهِرَ بِالأَهْتَمِ، وَاسْمُهُ: سِنَانُ بْنُ سُمَيٍّ فَغَضَّ مِنْهُ بَعْضَ الْغَضِّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ ذَلِكَ فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم كَمَا أَعْطَى الْقَوْمَ. وَلَمَّا دَارَ بَيْنَ عَمْرٍو وَزِبْرِقَانَ،
قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَئِذٍ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» .
وَذَلِكَ أَنَّ عَمْرًا قَالَ فِي الزبرقان: إنه لمطاع في أذنيه، سَيِّدٌ فِي عَشِيرَتِهِ، فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ: لَقَدْ حَسَدَنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ لِشَرَفِي، وَلَقَدْ عَلِمَ أَفْضَلَ مِمَّا قَالَ، فَقَالَ عَمْرٌو: أَنَّهُ لَزِيرُ الْمُرُوءَةِ، ضَيِّقُ الْعَطَنِ، لَئِيمُ الْخَالِ، فَعُرِفَ الإِنْكَارُ فِي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَضِيتُ فَقُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَلِمْتُ وَسَخِطْتَ فَقُلْتُ أَقْبَحَ مَا عَلِمْتَ، وَلَقَدْ صَدَقْتُ فِي الأُولَى وَمَا كَذَبْتُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُقَالُ: كَانَتْ أُمُّ الزِّبْرِقَانِ بَاهِلِيَّةً، فَذَلِكَ أراد عمرو.
__________
[ (1) ] أي كسر ثناياه.

(2/255)


سَرِيَّةُ قُطْبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ
إِلَى خثعم بناحية بيشة، قريبا من تربة فِي صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قُطْبَةَ فِي عِشْرِينَ رَجُلا إِلَى حَيٍّ مِنْ خَثْعَمٍ بِنَاحِيَةِ تَبَالَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنَّ الْغَارَةَ، فَخَرَجُوا عَلَى عَشَرَةِ أَبْعِرَةٍ يَعْتَقِبُونَهَا، فَأَخَذُوا رَجُلا فَسَأَلُوهُ فَاسْتَعْجَمَ عَلَيْهِمْ، فَجَعَلَ يَصِيحُ بِالْحَاضِرَةِ وَيُحَذِّرُهُمْ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، ثُمَّ أَقَامُوا حَتَّى نَامَ الحاضر [1] فشنوا عليه الْغَارَةَ فَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا حَتَّى كَثُرَ الْجَرْحَي فِي الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، وَقَتَلَ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ مَنْ قَتَلَ، وَسَاقُوا النَّعَمَ وَالشَّاءَ وَالنِّسَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَجَاءَ سَيْلٌ أَتِيٌّ فَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَمَا يَجِدُونَ إِلَيْهِ سَبِيلا، وَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ أَرْبَعَةَ وَالْبَعِيرُ يُعْدَلُ بِعَشْرٍ مِنَ الْغَنَمِ بَعْدَ أَنْ أفراد الْخُمُسُ.

سَرِيَّةُ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلابِيِّ إِلَى بَنِي كِلابٍ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ تسع
قالوا: بعث رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا إِلَى الْقُرَطَاءِ عَلَيْهِمُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْكِلابِيُّ، وَمَعَهُ الأَصْيَدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ قُرْطٍ، فَلَقَوْهُمْ بِالزَّخِّ زَخِّ لاوَةَ [2] ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَأَبَوْا، فَقَاتَلُوهُمْ فَهَزَمُوهُمْ، فَلَحِقَ الأَصْيَدُ أَبَاهُ سَلَمَةَ، وَسَلَمَةُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فِي غَدِيرٍ بِالزَّخِّ [3] وَدَعَا أَبَاهُ إِلَى الإِسْلامِ وَأَعْطَاهُ الأَمَانَ، فَسَبَّهُ وسبب دِينَهُ، فَضَرَبَ الأَصْيَدُ عَرْقُوبَيْ فَرَسِ أَبِيهِ، فَلَمَّا وقع الفرس على عرقوبيه ارتكز
__________
[ (1) ] وعند ابن سعد: ثم أمهلوا حتى نام الحاضر.
[ (2) ] وعند ابن سعد: فلقوهم بالزج، زج لاوه، وهو اسم موضع في نجد.
[ (3) ] وعن ابن سعد: في غدير بالزجاج.

(2/256)


سَلَمَةُ عَلَى رُمْحِهِ فِي الْمَاءِ ثُمَّ اسْتَمْسَكَ حَتَّى جَاءَ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ ابْنُهُ. الزَّخُّ بِالزَّايِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ.

سَرِيَّةُ عَلْقَمَةَ بْنِ مجزز [1] المدجلي إِلَى الْحَبَشَةِ
فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ تِسْعٍ قَالُوا: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم أن ناسا من الحبشة تراءاهم أهل جدة، فبعث إليهم علقمة بن مجزز في ثلاثمائة، فَانْتَهَى إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ خَاضَ إِلَيْهِمُ الْبَحْرَ فَهَرَبُوا مِنْهُ، فَلَمَّا رَجَعَ تَعَجَّلَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَى أَهْلِيهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَتَعَجَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ فِيهِمْ، فَأَمَّرَهُ عَلَى مَنْ تَعَجَّلَ وَكَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ، فَنَزَلُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَأَوْقَدُوا نَارًا يَصْطَلُونُ عَلَيْهَا وَيَصْطَنِعُونَ، فَقَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ إِلا تَوَاثَبْتُمْ فِي هَذِهِ النَّارِ، فَقَامَ بَعْضُ الْقَوْمِ فَتَحَجَّزُوا حَتَّى ظَنَّ أنهم واثبون فيها،
فقال: جلسوا، إِنَّمَا كُنْتُ أَضْحَكُ مَعَكُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةٍ فَلا تُطِيعُوهُ» .

سَرِيَّةُ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب رضي الله عنه
إلى الفلس صنم طي ليهدمه في التاريخ قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ وَخَمْسِينَ فَرَسًا، وَمَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ وَلِوَاءٌ أَبْيَضُ، إِلَى الْفُلْسِ لِيَهْدِمُوهُ [2] ، فَشَنُّوا الْغَارَةَ عَلَى مَحِلَّةِ آلِ حَاتِمٍ مَعَ الْفَجْرِ، فَهَدَمُوا الْفُلْسَ وَحَرَّقُوهُ، وملأوا أَيْدِيَهُمْ مِنَ السَّبْيِ وَالنَّعَمِ وَالشَّاءِ، وَفِي السَّبْيِ أُخْتُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَهَرَبَ عَدِيٌّ إِلَى الشَّامِ، وَوَجَدُوا [3] فِي خِزَانَةِ الْفُلْسِ ثَلاثَةَ أَسْيَافٍ رسوب، والمخدم، وَسَيْفٍ يُقَالُ لَهُ الْيَمَانِيُّ، وَثَلاثَةَ أَدْرَاعٍ، وَاسْتَعْمَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على السبي أبا قتادة، واستعمل على الماشية والرثة عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ، فَلَمَّا نَزَلُوا رَككا [اقتسموا الغنائم] [4]
__________
[ (1) ] وردت في الأصل: محرز، وما أثبتناه من الطبقات.
[ (2) ] وعند ابن سعد: ليهدمه.
[ (3) ] وعند ابن سعد: ووجد.
[ (4) ] زيدت على الأصل من الطبقات.

(2/257)


وعزل للنبي صلّى الله عليه وسلّم صفيا رسوبا والمخدم، ثُمَّ صَارَ لَهُ بَعْدَ السَّيْفِ الآخَرِ، وَعُزِلَ الْخُمُسُ، وَعُزِلَ آلُ حَاتِمٍ فَلَمْ يَقْسِمْهُمْ حَتَّى قَدِمَ بِهِمُ الْمَدِينَةَ. وَالْفُلْسُ: بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ اللامِ.

سَرِيَّةُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ
إِلَى الْجِبَابِ أَرْضُ عَذَرَةَ وَبَلَى وَكَانَتْ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ.

خَبَرُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وقصيدته
وكان فيما بعد رُجُوعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الطَّائِفِ وغزوة تبوك قال ابن إسحق: ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ مُنْصَرَفِهِ عَنِ الطَّائِفِ، كتب بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرٍ إِلَى أَخِيهِ كَعْبٍ يُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ رِجَالا بِمَكَّةَ مِمَّنْ كَانَ يَهْجُوهُ وَيُؤْذِيهِ، وَأَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شُعَرَاءِ قُرَيْشٍ: ابْنُ الزِّبَعْرَى، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ، قَدْ هَرَبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ فِي نَفْسِكَ حَاجَةٌ فَطِرْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لا يَقْتُلُ أَحَدًا جَاءَهُ تَائِبًا، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَانْجُ إِلَى نجائك [من الأرض] [1] وَكَانَ كَعْبٌ قَدْ قَالَ:
أَلا أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً ... فَهَلْ لَكَ فِيمَا قُلْتَ وَيْحَكَ هَلْ لَكَا
فَبَيِّنْ لَنَا إِنْ كُنْتَ لَسْتَ بِفَاعِلٍ ... عَلَى أَيِّ شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ دَلَّكَا
عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا وَلا أَبًا ... عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا [2]
فَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَفْعَلْ [3] فَلَسْتُ بِآسِفٍ ... وَلا قَائِلٍ إما عثرت لعا لكا
سَقَاكَ بِهَا الْمَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيَّةً ... فَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
قَالَ: وَبَعَثَ بِهَا إِلَى بُجَيْرٍ، فَلَمَّا أَتَتْ بُجَيْرًا كَرِهَ أَنْ يَكْتُمَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْشَدَهُ إِيَّاهَا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [عند ما سمع] : [4] سقاك بها المأمون: «صدق وإنه لكذوب
__________
[ (1) ] زيدت على الأصل من سيرة ابن هشام.
[ (2) ] وعند ابن هشام: (4/ 145) .
على خلق لم ألف يوما أبا له ... عليه وما تلفي عليه أبا لكا
[ (3) ] وعند ابن هشام:
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف
[ (4) ] زيدت على الأصل من سيرة ابن هشام.

(2/258)


وَأَنَا الْمَأْمُونُ» وَلَمَّا سَمِعَ عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا وَلا أَبًا عَلَيْهِ، [1] قَالَ: «أَجَلْ، لَمْ يُلْفِ عَلَيْهِ أَبَاهُ وَلا أُمَّهُ» .
ثُمَّ قَالَ بُجَيْرٌ لِكَعْبٍ:
مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا فَهَلْ لَكَ فِي الَّتِي ... تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلا وَهِيَ أَحْزَمُ
إِلَى اللَّهِ لا الْعُزَّى وَلا اللاتِ وَحْدَهُ ... فَتَنْجُوَ إِذَا كَانَ النَّجَاءُ وَتَسْلَمُ
لَدَى يَوْمٍ لا يَنْجُو وَلَيْسَ بِمُفْلِتٍ ... مِنَ النَّارِ إِلا طَاهِرُ الْقَلْبِ مُسْلِمُ
فَدِينُ زُهَيْرٍ وَهُوَ لا شَيْءَ دِينُهُ ... وَدِينُ أَبِي سُلْمَى عَلَيَّ مُحَرَّمُ
فَلَمَّا بَلَغَ كَعْبًا الْكِتَابُ ضَاقَتْ بِهِ الأَرْضُ، وَأَشْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَرْجَفَ بِهِ مَنْ كان في حاضره من عدوه فَقَالُوا: هُوَ مَقْتُولٌ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ مِنْ شَيْءٍ بَدَا قَالَ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَذْكُرُ خَوْفَهُ وَإِرْجَافَ الْوُشَاةِ بِهِ مِنْ عَدُوِّهِ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ عَلَى رَجُلٍ كان بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ كَمَا ذُكِرَ لِي، فَغَدَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَشَارَ لَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْ إِلَيْهِ وَاسْتَأْمَنَهُ،
فَذُكِرَ لِي أَنَّهُ قَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَعْرِفُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ قَدْ جَاءَ لِيَسْتَأْمِنَ مِنْكَ تَائِبًا مُسْلِمًا، فَهَلْ أَنْتَ قَابِلٌ مِنْهُ إِنْ أَنَا جِئْتُكَ بِهِ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نَعَمْ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَعْبُ بن زهير.
قال ابن إسحق: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّهُ وَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي وَعَدُوَّ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُ عَنْكَ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ تَائِبًا نَازِعًا: قَالَ: فَغَضِبَ كَعْبٌ عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ لِمَا صَنَع بِهِ صَاحِبُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِلا بِخَيْرٍ،
فَقَالَ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي قَالَ حِينَ قدم على رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ:
بَانَتْ سُعَادٌ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولٌ ... مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ
وَمَا سُعَادٌ غَدَاةَ البين إذا برزت [2] ... إلا أغن غضيض الطرف مكحول
__________
[ (1) ] وعند ابن هشام:
وَلَمَّا سَمِعَ: عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا ولا أبا عليه.
[ (2) ] وعند ابن هشام:
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلا أغن غضيض الطرف مكحول
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ... ولا يشتكي منها قصر منها ولا طول

(2/259)


تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلَمٍ إِذَا ابْتَسَمَتْ ... كَأَنَّهُ منهل بالراح معلول
شجّت بذي شيم مِنْ مَاءِ مَحْنِيَةٍ ... صَافٍ بِأَبْطَحَ أَضْحَى وَهُوَ مَشْمُولُ
تَنْفِي الرِّيَاحُ الْقَذَى عَنْهُ وَأَفْرَطَهُ ... مِنْ صَوْبِ غَادِيَةٍ بِيضٍ يَعَالِيلُ
وَيْلُ امِّهَا خُلَّةً لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ ... بِوَعْدِهَا أَوْ لَوْ انَّ النُّصْحَ مَقْبُولُ [1]
لَكِنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ شِيطَ [2] مِنْ دَمِهَا ... فَجَعٌ وَوَلَعٌ وَإِخْلافٌ وَتَبْدِيلُ
فَمَا تَقُومَ [3] عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا ... كَمَا تَلَّوَنَ فِي أَثْوَابِهَا الْغُولُ
وَمَا تَمَسَّكَ بِالْوَصْلِ [4] الَّذِي زَعَمَتْ ... إِلَّا كَمَا يُمْسِكُ الْمَاءَ الْغَرَابِيلُ [5]
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلا ... وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلَّا الأَبَاطِيلُ
أَرْجُو وَآمُلُ أَنْ يَعْجَلْنَ فِي أَمَدٍ ... وَمَا لَهُنَّ إخَالُ الدَّهْرَ تَعْجِيلُ [6]
فَلا يَغُرَّنْكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ ... إِنَّ الأَمَانِيَ وَالأَحْلَامَ تَضْلِيلُ
أَمْسَتْ سُعَادٌ بِأَرْضٍ لا يُبَلَّغُهَا ... إِلَّا الْعِتَاقُ النَّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ
وَلا يُبَلِّغُهَا إِلَّا عُذَافِرَةٌ ... فِيهَا عَلَى الأَيْنِ إِرْقَالٌ وَتَبْغِيلُ [7]
مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفرَى إِذَا عَرِقَتْ ... عَرَّضْتَهَا طَامِسُ الأَعْلامِ مَجْهُولُ
تَرْمِي النِّجَادَ بِعَيْنِي مُفْرَدٍ لَهَقٍ ... إِذَا تَوَقَّدَتِ الْحُزَّازُ وَالْمِيَلُ [8]
ضَخْمٌ مُقَلَّدُهَا فَعْمٌ مُقَيَّدُهَا ... فِي خلقها عن بنات الفحل تفضيل [9]
__________
[ (1) ] وعند ابن هشام: فيا لها خلة لو أنها صدقت.
[ (2) ] وعند ابن هشام: قد سيط، أي خالط.
[ (3) ] وعند ابن هشام: فما تدوم.
[ (4) ] وعند ابن هشام: بالعهد.
[ (5) ] وما بعده عند ابن هشام:
لا يَغُرَّنْكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ ... إِنَّ الأَمَانِيَ والأحلام تضليل
[ (6) ] وعند ابن هشام:
أرجو وآمل أن تدنو مودتها ... وما إخال لدينا منك تنويل
[ (7) ] وعند ابن هشام:
ولن يبلغها إلا عذافرة ... لها على الابن إرقال وتبغيل
[ (8) ] وعند ابن هشام:
تَرْمِي النِّجَادَ بِعَيْنِي مُفْرَدٍ لَهَقٍ ... إِذَا تَوَقَّدَتِ الحزان والميل
[ (9) ] وما بعده عند ابن هشام:
عليه وخباء علكوم مذكرة ... في دفعها سعة قدامها ميل
وجلدها من أصوم ما يؤبه ... طلع بضاحية المتنين مهزول

(2/260)


حَرفٌ أَخُوهَا أَبُوهَا مِنْ مُهَجَّنَةٍ ... وَعَمُّهَا خَالُهَا قوداء شمليل
يمشي القراد عليها ثم يزلقه ... مِنْهَا لَبَانٌ وَأَقْرَابٌ زَهَالِيلُ [1]
عَيْرَانَةٌ قُذِفَتْ بِالنَّحْلِ عَنْ عُرُضٍ ... مِرْفَقُهَا عَنْ بَنَاتِ الزَّورِ مَفْتُولُ [2]
قَنْوَاءُ فِي حُرَّتَيْهَا لِلْبَصِيرِ بِهَا ... عِتْقٌ مُبِينٌ وَفِي الْخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ
كَأَنَّ مَا فَاتَ عَيْنَيْهَا وَمَذْبَحَهَا ... مِنْ خَطْمِهَا وَمِنَ اللَّحْيَيْنِ بَرطِيلُ
تَمُرُّ مِثْلَ عَسِيبِ النَّخْلِ ذَا خُصَلٍ ... فِي غَارِزٍ لَمْ تَخَوَّنْهُ الأَحَالِيلُ
تَهْوِي عَلَى يَسَرَاتٍ وَهِيَ لاهية ... ذوابل وقعن الأَرْضَ تَحْلِيلُ [3]
سُمُرُ الْعُجَايَاتِ يَتْرُكْنَ الْحَصَى زِيَمًا ... لَمْ يَقِهِنَّ سَوَادَ الأُكُمِ تَنْعِيلُ
يَوْمًا يَظَلُّ بِهِ الْحَرْبَاءُ مُرْتَبِيًا ... كَأَنَّ ضَاحِيَهُ فِي النَّارِ مَمْلُولُ
وَقَالَ لِلْقَوْمِ حَادِيهِمْ وَقَدْ جَعَلَتْ ... بقعُ الْجَنَادِبِ يَرْكُضْنَ الْحَصَى قيلُوا [4]
كَأَنَّ أَوْبَ ذِرَاعَيْهَا وَقَدْ عَرِقَتْ ... وَقَدْ تَلَفَّعَ بِالْقُورِ الْعَسَاقِيلُ [5]
أَوْبُ يدي فاقد شَمْطَاءَ مُعْوِلَةٍ ... قَامَتْ فَجَاوَبَهَا نُكْدٌ مَثَاكِيلُ
نَوَّاحَةٌ رَخْوَةُ الضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَهَا ... لَمَّا نَعَى بِكْرَهَا النَّاعُونَ مَعْقُولُ
تَفْرِي اللِّبَانَ بِكَفَّيْهَا وَمِدْرَعِهَا ... مُشَقَّقٌ عَنْ تَرَاقِيهَا رَعَابِيلُ
تَمْشِي الْغُوَاةُ بِجَنْبَيْهَا وَقَوْلُهُمْ ... إِنَّكَ يَا ابْنَ أَبِي سَلْمَى لْمَقْتُولُ [6]
وَقَالَ كُلُّ صَدِيقٍ كُنْتُ آمَلُهُ ... لا أَلْهِيَنَّكَ إِنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ
فَقُلْتُ خَلُّوا طَرِيقِي لا أَبَا لكم [7] ... فكل ما قدر الرحمن مفعول
__________
[ (1) ] الزهاليل: الأملس من كل شيء.
[ (2) ] وما بعده عند ابن هشام:
كأنما فَاتَ عَيْنَيْهَا وَمَذْبَحَهَا ... مِنْ خَطْمِهَا وَمِنَ اللَّحْيَيْنِ برطيل
[ (3) ] وعند ابن هشام:
خدي على بسرات وهي لاحقة ... ذوابل مسهق الأرض تحليل
[ (4) ] وعند ابن هشام:
ورق الجنادب يركض الحصا قيلوا
[ (5) ] وعند ابن هشام:
شد النهار ذراعا عيطل نصف ... قامت فجاوبها نكد مثاكيل
[ (6) ] وعند ابن هشام:
تسعى الغواة جنابيها وَقَوْلُهُمْ ... إِنَّكَ يَا ابْنَ أَبِي سَلْمَى لْمَقْتُولُ
[ (7) ] وعند ابن هشام:
فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم

(2/261)


كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلامَتُهُ ... يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ
أُنْبِئْتُ [1] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي ... وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ
مَهْلا هَدَاكَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ الْ ... قُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظُ وَتَفْصِيلُ
لا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ ... أُذْنِبْ وَلَوْ كَثُرَتْ فِيَّ الأَقَاوِيلُ
لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ بِهِ ... يَرَى وَيَسْمَعُ مَا قَدْ أُسْمِعَ الْفِيلُ [2]
لَظَلَّ يُرْعَدُ مِنْ وَجْدٍ بَوَادِرُهُ ... إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَسُولِ الله تنويل [3]
حتى وضعت يميني ما [أنازعه] [4] ... فِي كَفِّ ذِي نِقمَاتٍ قِيلُهُ الْقِيلُ
فَلَهُوَ أَخْوَفُ عِنْدِي إِذْ أُكَلِّمُهُ ... وَقِيلَ إِنَّكَ مَنْسُوبٌ ومسؤول
مِنْ ضَيْغَمٍ بِضِرَاءِ الأَرْضِ مُخْدِرَةً ... فِي بَطْنِ عَثَّرَ غيلٌ دُونَهُ غِيَلُ
يَغْدُو فَيَلْحَمُ ضِرْغَامَيْنِ عَيْشُهُمَا ... لَحْمٌ مِنَ النَّاسِ مَعْفُورٌ خَرَادِيلُ
إِذَا يُسَاوِرُ قِرْنًا لا يَحِلُّ لَهُ ... أَنْ يَتْرُكَ الْقِرْنَ إِلَّا وَهُوَ مَفْلُولُ
مِنْهُ تَظَلُّ سِبَاعُ الجو نافرة ... ولا تشمي بِوَادِيهِ الأَرَاجِيلُ
وَلا يَزَالُ بِوَادِيهِ أَخُو ثِقَةٍ ... مُضَرَّجُ الْبَزِّ وَالدَّرسَانِ مَأْكُولُ
إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ
فِي عُصْبَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ ... بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا
زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلا كُشُفٌ ... عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلا مَيْلٌ مَعَازِيلُ
يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالِ الزُّهرِ يَعْصِمُهُمْ ... ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ
شَمُّ الْعَرَانِينَ أَبْطَالٌ لَبُوسُهُمْ ... مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ
بِيضٌ سَوَابِغُ قَدْ شُكَّتْ لَهَا حَلَقٌ ... كَأَنَّهَا حَلَقُ الْقَفْعَاءِ مَجْدُولُ
لَيْسُوا مَفَارِيحَ إِنْ نَالَتْ رماحهم ... قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا [5]
__________
[ (1) ] وعند ابن هشام: نبئت.
[ (2) ] وعند ابن هشام:
لقد أقوم مقاما لو يقوم به ... أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
[ (3) ] وعند ابن هشام:
لظل يرعد إلا أن يكون له ... من الرسول بإذن الله تنويل
[ (4) ] وردت في الأصل: ما أنازعها، وما أثبتناه من سيرة ابن هشام.
[ (5) ] وما بعده عند ابن هشام:
يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالِ الزُّهرِ يَعْصِمُهُمْ ... ضَرْبٌ إِذَا عرد السواد التنابيل

(2/262)


لا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِي نُحُورِهِمْ ... وَمَا لهم من حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ كَعْبٌ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ بَعْدَ قُدُومِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَبَيْتُهُ: حَرفٌ أخوها أبوها. ويمشي الْقُرَادُ. وَبَيْتُهُ: عَيْرَانَة قُذِفَتْ. وَبَيْتُهُ: تَمُرُّ مِثْلَ عَسِيبِ النَّخْلِ. وَبَيْتُهُ: تَفْرِي اللِّبَانُ. وَبَيْتُهُ: إِذَا يُسَاوِرُ قِرْنًا. وَبَيْتُهُ: وَلا يَزَالُ بِوَادِيهِ عَنْ غير ابن إسحق.
قال ابن إسحق: قَالَ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: فَلَمَّا قَالَ كَعْبٌ: (إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ) وَإِنَّمَا يُرِيدُ [1] مَعْشَرَ الأَنْصَارِ لِمَا كَانَ صَاحِبُنَا صُنِعَ بِهِ [2] وَخَصَّ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَدْحَتِهِ، غَضِبَتْ عَلَيْهِ الأَنْصَارُ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ يَمْدَحُ الأَنْصَارَ، وَيَذْكُرُ بَلاءَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْضِعَهُمْ مِنَ الْيَمَنِ.
مَنْ سَرَّهُ كَرُمُ الْحَيَاةِ فَلا يَزَلْ ... فِي مِقْنَبٍ مِنْ صَالِحِي الأَنْصَارِ
وَرِثُوا الْمَكَارِمَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ ... إِنَّ الْخِيَارَ هُمُ بَنُو الأَخْيَارِ
الْبَاذِلِينَ نُفُوسَهُمْ لِنَبِيِّهِمْ ... يَوْمَ الْهِيَاجِ وَفِتْيَةِ الأَحْبَارِ
وَالذَّائِدِينَ النَّاسَ عَنْ أَدْيَانِهِمْ ... بِالْمِشْرَفِيِّ وَبِالْقَنَا الْخَطَّارِ [3]
الْمُكْرِهِينَ السَّمْهَرِيَّ بِأَدْرُعٍ ... كَسَوَالِفِ الْهِنْدِيِّ غَيْرِ قِصَارِ
وَالنَّاظِرِينَ بِأَعْيُنٍ مُحْمَرَّةٍ ... كَالْجَمْرِ غَيْرِ كَلِيلَةِ الأَبْصَارِ
والبائعين نفوسهم لنبيهم ... لموت يوم تعانق وكرار
يتطهرون يرونه نكسا لَهُمْ ... بِدِمَاءِ مَنْ عَلِقُوا مِنَ الْكُفَّارِ
دَرِبُوا كَمَا دَرِبَتْ بِبَطْنِ خَفِيَّةٍ ... غُلُبُ الرِّقَابِ مِنَ الأُسُودِ ضَوَارِ
وَإِذَا حَلَلْتَ لِيَمْنَعُوكَ إِلَيْهِمْ ... أَصْبَحْتَ عِنْدَ مَعَاقِلِ الأَعْفَارِ
ضَرَبُوا عَلِيًّا يَوْمَ بَدْرٍ ضَرْبَةً ... دَانَتْ لِوَقْعَتِهَا جَمِيعُ نِزَارِ
لَوْ يَعْلَمُ الأَقْوَامُ عِلْمِي كُلَّهُ ... فِيهِمْ لَصَدَّقَنِي الَّذِينَ أُمَارِي
قَوْمٌ إِذَا خَوَتِ النُّجُومُ فَإِنَّهُمْ ... لِلطَّارِقِينَ النَّازِلِينَ مقَارِي
فِي الْعِزِّ مِنْ غَسَّانَ فِي جُرْثُومَةٍ ... أعيت محافرها على المنقار
__________
[ (1) ] وعند ابن هشام: إنما يرتدنا معشر الأنصار.
[ (2) ] وعند ابن هشام: لما كان صاحبنا صنع به ما صنع.
[ (3) ] وعند ابن هشام:
والقائد بين الناس عن أديانهم ... وبالمشرفي وبالقنا الخطار

(2/263)


ذكر فوائد تتعلق بهذا الخبر
أَبُو سَلْمَى رَبِيعَةُ بْنُ رِيَاحٍ، أَحَدُ بَنِي مُزَيْنَةَ. وَالْمَأْمُونُ: يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمِّيهِ أَيْضًا الأَمِينَ.
وَلَعا: كلمة تقال للعائر دُعَاءً لَهُ بِالإِقَالَةِ. تَبْلِتِ الْمَرْأَةُ فُؤَادَ الرَّجُلِ، رَمَتْهُ بِهَجْرِهَا فَقَطَّعَتْ قَلْبَهُ. وَمَعْلُولٌ مِنَ الْعِلَلِ وَهُوَ الشّربُ الثَّانِي، وَالأَوَّلُ النَّهْلُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
مَنْهَلٌ، وَيُسْتَعْمَلُ مَعْلُولٌ أَيْضًا مِنَ الاعْتِلالُ، كَمَا يقوله الْخَلِيلِ فِي الْعَرُوضِ، حَكَاهُ ابْنُ الْقُوطِيَّةِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ ابْنُ سِيدَهْ.
وَشُجَّتْ بِذِي شَبَمٍ: يَعْنِي الْخَمْرَ وَشُجَّتْ: كُسِرَتْ مِنْ أَعْلاهَا، لأَنَّ الشَّجَّةَ لا تَكُونُ إِلَّا فِي الرَّأْسِ، وَالشَّبَمُ: الْبَرْدُ، وَالشَّبِمُ: الْبَارِدُ قَالَهُ الأَصْمَعِيُّ، وَقَالَ: شُجَّ الشَّيْءُ إِذَا عَلاهُ، وَمِنْ هَذَا شُجَّ الشَّرَابُ، وَهُوَ أَنْ يَعْلُوهُ بِالْمَاءِ فَيَمْزُجُهُ بِهِ. وَمَشْمُولٌ:
ضَرَبَهُ الشّمَالُ. وَأَفْرَطَهُ: أَيْ مَلأَهُ، عَنِ السُّهَيْلِيِّ وَعَنْ غَيْرِهِ سَبَقَهُ وَتَقَدَّمَهُ. وَالْيَعَالِيلُ:
السَّحَابُ، وَقِيلَ: جِبَالٌ يَنْحَدِرُ الْمَاءُ مِنْ أَعْلاهَا. وَالْيَعَالِيلُ أَيْضًا: الْغُدْرَانُ، وَأَحَدُهَا يَعْلُولٌ، لأَنَّهُ يَعُلّ الأَرْضَ بِمَائِهِ، وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْيَعْلُولُ: الْحُبَابَةُ مِنَ الْمَاءِ، وَهُوَ أَيْضًا السَّحَابُ الْمُطَّرِدُ. وَقِيلَ: الْقِطْعَةُ الْبَيْضَاءُ مِنَ السَّحَابِ. وَالْيَعْلُولُ: الْمَطَرُ بَعْدَ الْمَطَرِ.
وَبَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ فِي الْقَصِيدَةِ وَلَيْسَ مِنَ الرِّوَايَةِ:
مِنَ اللَّوَاتِي إِذَا مَا خُلَّةً صَدَقَتْ ... يَشْفِي مَضَاجِعَهَا شَمٌّ وَتَقْبِيلُ
بَيْضَاءُ مُقْبِلَةً عَجْزَاءُ مُدْبِرَةً ... لا يُشْتَكَى قِصَرٌ مِنْهَا وَلا طُولُ
قَالَ الْخُشَنِيُّ: شِيطَ مِثْلَ شَاطَ، يُقَالُ: شَاطَ دَمُهُ، إِذَا سَالَ، وَشَاطَتِ الْقِدْرُ إِذَا غَلَتْ، وَالصَّوَابُ فِيهِ: سِيطَ، أَيْ: خُلِطَ وَمُزِجَ، وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ السُّهَيْلِيُّ: أَيْ خُلِطَ بِلَحْمِهَا وَدَمِهَا. وَهَذِهِ الأَخْلاقُ الَّتِي وَصَفَهَا بِهَا مِنَ الْوَلَعِ، وَهُوَ عِنْدَهَمُ الْكَذِبُ.
وَالْخُلْفُ وَالْفَجَعُ: قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْفَجِيعَةُ الرَّزِيئَةُ بِمَا يَكْرَهُ فَجَعَهُ يَفْجَعَهُ فَجْعًا، وَالْغُولُ الَّتِي تَتَرَاءَى بِاللَّيْلِ، وَالسِّعْلاةُ الَّتِي تَتَراءَى بِالنَّهَارِ مِنَ الْجِنِّ. وَعُرْقُوبُ بْنُ صَخْرٍ مِنَ الْعَمَالِيقِ، وَقِيلَ: بل هو الأَوْسِ أَوِ الْخَزْرَجِ، وَقِصَّتُهُ فِي إِخْلافِ الْوَعْدِ مَشْهُورَةٌ حِينَ وَعَدَ أَخَاهُ جَنْيَ نَخْلَةٍ لَهُ وَعْدًا بَعْدَ وَعْدٍ ثُمَّ جَدَّهَا لَيْلا وَلَمْ يعطه شيئا، قاله السهيلي وغيره، قال: كَانَ يَسْكُنُ الْمَدِينَةَ يَثْرِبَ، وَالْبَيْتُ الْمَشْهُورُ (مَوَاعِيدَ عُرْقُوبٍ أَخَاهُ بِيَثْرِبَ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: يَتْرِبَ، يَعْنِي أَرْضًا لِلْعَمَالِيقِ، وَلَمْ تَكُنْ يَثْرِبُ

(2/264)


سُكْنَى الْعَمَالِيقِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ سَاكِنِي الْمَدِينَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ، فَالْبَيْتُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى الرِّوَايَةِ المشهورة. النجيبات: السلسلة السَّيْرِ وَالنَّجِيبَاتُ السَّرِيعَةُ. وَالْمَرَاسِيلُ:
السَّهْلَةُ السَّيْرِ الَّتِي تُعْطِيكَ مَا عِنْدَهَا عَفْوًا. عُذَافِرَةٌ: صُلْبَةٌ. إِرْقَالٌ: إِسْرَاعٌ. وَالتَّبْغِيلُ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: ضَرْبٌ مِنَ السَّيْرِ سريع، وقال غيره: سير البغال عرضتها جِهَةُ شَوْقِهَا.
وَالنِّجَادُ: الأَرْضُ الصُّلْبَةُ، وَاللَّهَقُ: الْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ، وَقَالَ مُفْرَدٌ لأَنَّهُ يَرْمِي بِبَصَرِهِ نَحْوَ الأُتُنِ وَلا يَمْشِي إِلا كَدًّا مَعَهُنَّ. وَالْحُزَّازُ: مَا غَلُظَ مِنَ الأَرْضِ، وَالْمِيَلُ: الأَعْلامُ، وَقَالَ السهيلي: ما استع من الأرض. القوداء: الطوبلة الْعُنُقِ، وَالشِّمْلِيلُ: السَّرِيعَةُ السَّيْرِ. وَالْحَرفُ النَّاقَةُ الضَّامِرُ. مِنْ مُهَجَّنَةٍ مِنْ إِبِلٍ مُسْتَكْرَمَةٍ هِجَانٍ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ:
وَقَوْلُهُ: أَبُوهَا أَخُوهَا، أَيْ إِنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِي الْكَرَمِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا مِنْ فَحْلٍ حَمَلَ عَلَى أُمِّهِ فَجَاءَتْ بِهَذِهِ النَّاقَةِ فَهُوَ أَبُوهَا وَأَخُوهَا، وَكَانَتْ لِلنَّاقَةِ الَّتِي هِيَ أُمُّ هَذِهِ بِنْتٌ أُخْرَى مِنَ الْفَحْلِ الأَكْبَرِ، فَعَمُّهَا خَالُهَا عَلَى هَذَا، وَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَكْرَمِ النِّتَاجِ.
وَاللَّبَانُ: الصَّدْرُ. وَأَقْرَابٌ زَهَالِيلُ: خَوَاصِرُ ملْسٌ. وَبَنَاتُ الزَّوْرِ: يَعْنِي اللَّحْمَاتَ النَّابِتَةَ فِي الصَّدْرِ. وَالْبِرْطِيلُ حَجَرٌ مُسْتَطِيلٌ، وَهُوَ أَيْضًا الْمعولُ. وَالْعَسِيبُ: عَظْمُ الذَّنَبِ، وَجَمْعُهُ عُسْبَانٌ. وَالْخُصَلُ: شَعْرُ الذَّنَبِ. وَالتَّخَوُّنُ، قَالَ الأَصْمَعِيُّ:
التَّنَقُّصُ، وَالتَّخَوُّنُ أيضا والتعهد. لَمْ تَخَوَّنْهُ الأَحَالِيلُ: يُرِيدُ رُوِيَتْ مِنَ اللَّبَنِ.
وَالأَحَالِيلُ: الذُّكُورِ. وَالْيَسَرُ: اللِّينُ، وَالانْقِيَادُ وَالْيُسْرُ السَّهْلُ. قَالَ ابْن سِيدَهْ: وَإِنَّ قَوَائِمَهُ لَيَسَرَاتٌ، أَيْ سَهْلَةٌ، وَاحِدَتُهَا يَسَرَةٌ وَيُسْرَةٌ. وَتَحْلِيلٌ: أَيْ قَلِيلٌ. والعجايات، عصب يَكُونُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، الْوَاحِدَةُ عِجَايَةٌ. وَالزِّيَمُ: المفترقة. وَالْقُورُ:
الْحِجَارَةُ السُّودُ. وَالْعَسَاقِيلُ هُنَا: السَّرَابُ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْخَثْعَمِيُّ: وَهَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ أَرَادَ، وَقَدْ تَلَفَّعَتِ الْقُورُ بِالْعَسَاقِيلِ. وَقَوْلُهُ: شَمْطَاءَ مُعْوِلَةٍ، جَعَلَهَا شَمْطَاءَ لأَنَّهَا يَائِسٌ مِنَ الْوَلَدِ، فَهِيَ أَشَدُّ حُزْنًا. وَالْخَرَادِيلُ: الْقِطَعُ مِنَ اللَّحْمِ، وَفِي الْحَدِيثِ، «وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ» فِي صِفَةِ الْمَارِّينَ عَلَى الصِّرَاطِ، أَيْ تُخَرْدِلُ لَحْمَهُ الْكَلالِيبُ الَّتِي حَوْلَ الصِّرَاطِ. وَالأَرَاجِيلُ جَمْعُ جَمْعٍ، وَهُوَ جَمْعُ أَرْجُلٍ، وَأَرْجُل جَمْعُ رِجْلٍ.
وَالدَّرِيسُ الثَّوْبُ الْخَلَقُ. زُولُوا: أي هاجروا. والتنابيل: القصار. والفقعاء: نَبْتٌ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالتَّهْلِيلُ: الْفَزَعُ وَالْجُبْنُ. وَكَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ: مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ هُوَ وَأَبُوهُ. وَكَذَلِكَ ابْنُهُ عُقْبَةُ بْنُ كَعْبٍ، وَابْنُ عقبة أيضا العوام، وهو القائل:
ألا ليته شِعْرِي هَلْ تَغَيَّرَ بَعْدَنَا ... مَلاحَةُ عَيْنَيْ أُمِّ عمرو وجيدها

(2/265)


وَهَلْ بَلِيَتْ أَثْوَابُهَا بَعْدَ جِدَّةٍ ... أَلا حَبَّذَا أَخْلاقُهَا وَجَدِيدُهَا
وَمِمَّا يُسْتَحْسَنُ لِكَعْبٍ قَوْلُهُ:
لَوْ كُنْتُ أَعْجَبُ مِنْ شَيْءٍ لأَعْجَبَنِي ... سَعْيُ الْفَتَى وَهُوَ مَخْبُوءٌ لَهُ الْقَدَرُ
يَسْعَى الْفَتَى لأُمُورٍ لَيْسَ يُدْرِكُهَا ... فَالنَّفْسُ وَاحِدَةٌ وَالْهَمُّ مُنْتَشِرُ
وَالْمَرْءُ مَا عَاشَ مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلٌ ... لا تَنْتَهِي العين حتى ينتهي الأثر
ويتسحن لَهُ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
تَخْدِي بِهِ النَّاقَةُ الأَدْمَاءُ مُعْتَجِرًا ... بِالْبُرْدِ كَالْبَدْرِ جَلَّى لَيْلَةَ الظُّلَمِ
فَفِي عِطَافَيْهِ أَوْ أَثْنَاءَ بُرْدَتِهِ ... مَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْ دِينٍ وَمِنْ كَرَمٍ

(2/266)