غاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

اللَّهُمَّ اختم بِخَير يَا كريم {رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا}
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة فريد دهره ووحيد عصره الحازم اليقظ الْأَعَز الفطن الْمُحَقق جَامع أشتات الْفَضَائِل صدر المدرسين رحْلَة الطالبين سراج الدّين أَبُو حَفْص عمر ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة مفتي الْفرق نور الدّين أبي الْحسن عَليّ ابْن الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد أبي الْعَبَّاس الشهير بِابْن الملقن الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي - أدام الله النَّفْع بِعُلُومِهِ بِمُحَمد وَآله آمين
أَحْمد الله على إفضاله وأشكره عَليّ توالي آلائه وأصلي على أشرف مخلوقاته وَخَاتم أنبيائه وعَلى آله وَأَصْحَابه وَشرف وكرم
وَبعد فَهَذَا مُخْتَصر نَافِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِيمَا يتَعَلَّق بخصائص

(1/67)


أشرف المخلوقين وَأفضل السَّابِقين واللاحقين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى سَائِر النَّبِيين وَآل كل وَسَائِر الصَّالِحين
والمزني - رَضِي الله عَنهُ - افْتتح كتاب النِّكَاح بهَا وَتَابعه الْأَصْحَاب وَسبب ذَلِك أَن خَصَائِصه فِي النِّكَاح كَثِيرَة ثمَّ ذكرُوا غَيرهَا تبعا لَهَا وَهَذَا الملخص فِيهِ مَا ذَكرُوهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَعَ زَوَائِد مهمة
وَقد منع ابْن خيران من الْكَلَام فِيهَا فِي النِّكَاح والإمامة كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَأطلق فِي الرَّوْضَة الْحِكَايَة عَن الصَّيْمَرِيّ عَنهُ لِأَنَّهُ أَمر انْقَضى فَلَا معنى للْكَلَام فِيهِ

(1/68)


وَإِنَّمَا يشرع الِاجْتِهَاد فِي النَّوَازِل الَّتِي تقع أَو تتَوَقَّع وَمَال إِلَيْهِ الْغَزالِيّ وَنسبه إِلَى الْمُحَقِّقين تبعا لإمامه
فَإِنَّهُ قَالَ فِي نهايته لَيْسَ يسوغ إِثْبَات خَصَائِص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالأقيسة الَّتِي يناط بهَا الْأَحْكَام الْعَامَّة فِي النَّاس وَلَكِن الْوَجْه مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْع من غير ابْتِغَاء مزِيد عَلَيْهِ
وَالَّذِي ذكره الْمُحَقِّقُونَ فِي ذَلِك أَن الْمسَائِل الَّتِي اخْتلف الْأَصْحَاب فِي خَصَائِص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الْخلاف فِيهَا خبط غير مُفِيد فَإِنَّهُ لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم ناجز تمس الْحَاجة إِلَيْهِ وَإِنَّمَا يجْرِي الْخلاف فِيمَا لَا نجد بدا من إِثْبَات حكم فِيهِ فَإِن الأقيسة لَا مجَال لَهَا فِي ذَلِك وَإِنَّمَا المتبع فِيهِ النُّصُوص وَمَا لَا نَص فِيهِ فالاختيار فِي ذَلِك هجوم على غيب بِلَا فَائِدَة وَاسْتَحْسنهُ ابْن الصّلاح أَيْضا وَقَالَ إِنَّه قد انْقَضى وَلَيْسَ فِيهِ من دَقِيق الْعلم مَا يتَعَلَّق بِهِ التدرب وَلَا وَجه لتضييع الزَّمَان برجم الظنون فِيهِ
وَأما الْجُمْهُور فَإِنَّهُم جوزوا ذَلِك لما فِيهِ من الْعلم
قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَالصَّوَاب الْجَزْم بِهِ بل باستحبابه وَلَو

(1/69)


قيل بِوُجُوبِهِ لم يكن بَعيدا لِأَنَّهُ رُبمَا وجد جَاهِل بعض الخصائص ثَابِتَة فِي الحَدِيث الصَّحِيح فَعمل بِهِ أخذا بِأَصْل التأسي فَوَجَبَ بَيَانهَا لتعرف وَلَا يعْمل بهَا
وَأما مَا يَقع فِي ضمن الخصائص مِمَّا لَا فَائِدَة فِيهِ الْيَوْم فقليل لَا يَخْلُو أَبْوَاب الْفِقْه عَن مثله للتدرب وَمَعْرِفَة الْأَدِلَّة وَتَحْقِيق الشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ
وَقَالَ ابْن الرّفْعَة فِي مطلبه قد يُقَال بالتوسط فيتكلم فِيمَا جرى فِي الصَّدْر الأول من ذَلِك دون مَا لم يجر مِنْهُ قَالَ وَسِيَاق كَلَام الْوَسِيط يرشد إِلَيْهِ وَقد جَاءَ فِي السّنة مَا يُبينهُ وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح (إِن الله أذن لرَسُوله وَلم يَأْذَن لكم وَإِنَّمَا أدن لَهُ سَاعَة من نَهَار)

(1/70)


وَنحن نقتدي فِي هَذَا التصنيف بالجمهور ونقيد مَا تيَسّر - بِحَمْد الله - فِيهِ جعله الله نَافِعًا بِمُحَمد وَآله

(1/71)


وَاعْلَم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اخْتصَّ بواجبات ومحرمات ومباحات وفضائل فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَنْوَاع
النَّوْع الأول

الواحبات

وَالْحكمَة فِي اخْتِصَاصه بهَا زِيَادَة الدَّرَجَات لما ورد عَن الله تَعَالَى (لن يتَقرَّب إِلَيّ المتقربون بِمثل أَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِم) ذكره الرَّافِعِيّ من عِنْده وَلم يسْندهُ - وَهُوَ فِي صَحِيح البُخَارِيّ - وَعلم الله أَنه أقوم بهَا وأصبر عَلَيْهَا من غَيره

(1/72)